• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013 20:08

الأيام الخمسة البيضاء ( البارونايا )

الأيام الخمسة البيضاء ( البارونايا )

 

د. غسان صباح النصار

 

بتاريخ 17/3 ميلادي 2009 الموافق 1 كبيسة (بارونايا) 2015 يوهاني ، من هذا العام تمر علينا مناسبة مباركة ، وهي بداية (البارونايا) بأيامها النورانية الخمسة وهي ذكرى خلق عوالم النور (آلمي دنهورا) وتجلّي عظمة الخالق (م) في خلقه (بداية الخليقة العلوية) .وهي نور لا يشاطره ظلام ، ونهار لا يقاسمه ليل ،ولذلك تجدنا نصلي صلاة الصبح (قوم قوم بهيري زدقا...الخ) في كل أوقات اليوم ولو كان ليلا ،ابتهاجا ً بالنور الذي تجلى على العوالم في هذه الأيام .

ولكوننا أبناء النور وهو منبع عقيدتنا المندائية فأنها تعتبر أقدسُ مناسبة دينية. وعملية الخلق موضحة في كَنزا ربّا ، الأسرار/ القسم الأيمن/ سِفرُ الخليقة ، وفيه يتحدث هذا السِفرُ المجيد متفرداً ًبالقول ، سارداً أسرار البداية ، بأن ما يشابه الانفجار العظيم جعلَ العالم ينبثقُ ويتوسعٌ من الثمرة الأولى :

? باسم الحي العظيم..الأغنى والأسمى

هذا هو السّرُّ.

هو الكتاب الأولُ لتعاليم الحي الأزلي

الذي لا بداية له.

الثمر داخل الثمر. والأثير داخل الأثير ?.

 

كما تقرأون فأن الحي أزلي سرمدي لا بداية له ، هو الخالق ، والخليقة النورانية التي بدأت هنا هي عوالم النور السامية (آلمي دنهورا) ..بدأت كأنها ثمرة واحدة أو كيان متوهجُ واحد ، وحين بدأت تنبض بالحياة بدأ توسعها العظيم وانفجارها في السديم ، لتتولد من الحياة والأفلاك والعوالم:

? ثمارٌ لا حدود لها ، وربواتٌ لا عدد لها ، طلعت من الثمر العظيم الذي لا حدَّ لهُ.. مسبّحةٌ للوعاء العظيمِ ذي الوقار، الحالّ بالأثير العظيم?.

ومن هذا التوسع المنقطع النظير كان (أثير الضياء العظيم) ومن الضياء (زيوا) كانتْ (الحرارةُ الحيّة)، ومن الحرارة الحية كان النور ( نهورا ):

? وبأمر ملك النور العظيم ذي الوقار

حلَّ الثمرُ داخل الثمرِ العظيم..

وبأمرهِ سبحانَهُ

كان أثير الضياءِ العظيم

ومن الحرارة الحيَّة كان النّور ?

فكان:

اليوم الأول : انبثاق وتجلّى عظمةُ (ربا إيلايا) وهي صفة القِدم الأزلية السامية التي يتفرد بها الحي العظيم (م.أ).

اليوم الثاني : تتجلّى عظمتهُ في المكان فيكون (مارا إد ربوثة إيليثا) وهي صفة العظمة والسيادة الأبدية التي يتفرد بها الحي العظيم (م.أ) .

لاحظ إنّ في اليومين الأول والثاني كان الانبثاق والتجلي ، أي صار الانتشار في المكان وبداية الحدث والفعل والزمن ..إنها الكينونة الأولى ..وهنا كأنه يتحدث عن الضياء(زيوا) العظيم الذي حلّ بالأثير العظيم لتتكون الحرارة الحية والتي منها كان النور.

اليوم الثالث: تجسّدتْ المندائية (والمندائية = المعرفة أو العلم) بأعظم صفة للخالق (العارف) بخلق المانا (وهي صفة أعظم من الأثري والملاك) الكبير والعظيم (منداد هيي) ، فكانت المعرفة رأسَ صفات الخالق وتاجاً لمختاريه ، و الاسم الذي تسمى به رسالة النور (المندائية) . 

اليوم الرابع : تتجلّى عظمة مثيل العهد أو الحق (دموث كُشطا) ، أي تجلّي صفتي المثيل (الدموثا) والعهد أو الحق (الكوشطا أو الكُشطا) التي يتفرد بها الحي العظيم(م.أ).

اليوم الخامس: فهو يتميز باكتمال العالم السماوي الأول السامي حيث انبثق (اليردنا السماوي) والذي هو أصل الحياة في عوالم النور ومنه انبثقَتْ (الحياة العظمى) :

? وإذ صارَ يردنا العظيم ، صار الماءُ الحيّ..

الماء المتألق ُ البهيج.

ومن الماء الحي ، نحن الحياةَ صرنا

ثم صار الأثريون?.

والحياة العظمى تتحدث في نصوص ( كَنزا ربّا ) مع مندا هيي (م.أ) ، وكأنها المتحدث باسم الحيّ وقدرته ، رغم إنها مخلوقة منه ولكنها عظيمة وواسعة لأنها تمثل عرشاً لأتساعه وتجليه ،كما أنها مكان ولادة وانبثاق العوالم تباعا (الأول فالثاني فالثالث فالرابع) :

?من يردنا العظيم بدأتْ الحياة، وقوّمتْ نفسها مثيلاً لمانا العظيم الذي منه انبثقَتْ?.

ومن أهم المراسيم التي تُجرى في هذه المناسبة طقس الصباغة المبارك والذي أساسه العهد (الكشطا) ، حيث نُعاهد أنفسنا أن نبدأ حياة جديدة مليئة بالمحبة والتسامح مع بعضنا البعض، وكذلك يُرفعُ طقس الرحمة (اللوفاني) لأحبتنا وذوينا الذين فارقوا الحياة داعيين لهم بغفران الخطايا والذنوب، وكذلك طقس ( القماشي ) ، و تكريز بيت الطين (الشخنثا). ونحن في هذه الأيام نلتزم بواجب الصوم الكبير (حيث الابتعاد عن المعاشرة الزوجية، وصوم جوارحنا عن كل أثم يشين لنفس الإنسان) والالتزام بتناول الأطعمة المندائية الطاهرة المباركة باسم الحي. وواجب على الفرد المندائي منح الصدقة المباركة إلى الفقراء المحتاجين، فهي أيام الدعاء والرجاء والابتهال والصلاة والصيام والصدقة والعمل الصالح والابتعاد عن كل ما يسيء للنفس ، وهناك قبل البنجة ، خمسة أيام مُبطلة ثقيلة ، والتي يجب فيها الالتزام بالصومين الكبير والصغير ويوم واحد بعد البنجة . وكل برونايا وانتم بخير . 

  مع غروب شمس اليوم الاخير من السنة المندائية تبدأُ مراسيم الإجتماع العائلي ، لنحتفلَ ونعيد ذكرى الخليق الارضية . قرابة ال(36ساعة) تتجتمعُ خلالها العائلة المندائية وتتباركُ بقراءة الأدعية والتسابيح المندائية في كتبنا المقدسة، ويقومُ المندائي بالقيام بتخزين المياه وكل الأطعمة والمشروبات في داخل منزله، ولا يختلط بالمحيط الخارجي و لا يمسْ اليردنا خلال الكراص. ويمثل الكراص (الكرصة) عيد رأس السنة المندائية.

وهناك فكرتين لتفسير الكراص:

•الاولى تعود الى تصليب الارض وتهيأتها لبداية الحياة الارضية بأمر الحي العظيم ، بعدما كانت مياه آسنة وجزءاً من عالم الظلام .وهنا يحاول الملاك ابثاهيل المُكلّفُ بهذه العملية ان يقوم بها، ولكنه يعجزعن تصليب الارض فيصعد للسماء ليطلب من أبيه أباثر العظيم المساعدة فيُمنَحُ السر من عوالم النور، وبالنداءات الثلاثة التي وهبها اياه الحي العظيم يعودُ ويطلقُ النداءات:

النداء الاول بصيحتين:

في الاولى :تتكثف المياه (وهنا هو اليوم الاول من الكرصة والذي يبدأُ مع غروب الشمس) والذي مازال الماء فيه آسنا ولا يسمح لنا بلمسه.

وفي الثانية: تصيرُ اليابسة ،وهنا يكون اليوم الاول من عمرالارض اي (1/1)، وهو اليوم الثاني من الكرصة، ولا يُسمح لنا أن نمسَّ الماءَ لأن المياه الجارية لم تتدفق بعد، حيث تتدفق المياه الجارية بالنداء الثاني للملاك أبثاهيل ،مباركٌ إسمه.

النداء الثاني: تترقرق المياه في الأرض (تيبل)، لذلك يكون 2/1 مندائي يوم الخروج من الكراص وملامسةالماء الجاري ،لأن قبل ذلك كان الماء آسنا ولا يجب لمسهُ.

وبالنداء الثالث :تُخلق الحياة والاطياب والأطيار.

وبعدها يقع ابثاهيل تحت وسوسة ابناء الظلام وينادي بنداءات اربعة اخرى بتأثير الظلام وينتج النقص ، وهذا هو تفسير ايام المبطلات التي تواكب هذه المناسبة حيث تتعاظم قدرة الظلام ومخلوقاته في هذه الايام ،حتى يشتدُ خطرُ الظلام في اليومين السادس والسابع ليكونان يومين مبطلين ثقيلين.

(راجع كنزاربّا- اليمين طبعة بغداد ص 290/ تسبيح الخلق).

 

• اما الفكرة الثانية وهي الارجح :

إنّ الكرصة تعودة لحادثة خلق آدم ،وهنا يلتفُّ عالمُ الظلام ومخلوقاتهِ على ابثاهيل ويقنعه بالاشتراك معه في خلق آدم ، فيوافق ابثاهيل ثم يعجزُ من إتمام المهمة ولا ينتصب آدم على قدميه كما الحيُّ شاء، فيصعدُ أبثاهيل للسماء ويُعطى النفس(النيشمثا) ملفوفة بالنور ومحروسة من قبل ملائكين حارسين ويعودُ بها للأرض، وحين تحين الساعة ان تدخل النيشمثا (النفس) في الجسد المطروح يأخذها الملاك العظيم مندادهيي بيده العظيمة ويرميها في الجسد ليتمّ خلق آدم وينتصب واقفاً على قدميه. 

((حين آقام بثاهيل آدمَ على قدميه ، كنتُ أنا (مندادهيي) من أنهضه.. ولحظة وضعَ يدهُ عليه، أنا الذي جعلتهُ يتنفسُ الحياة)) كنزا رّبّا 

والنفسُ هي النفحة التي جاءتْ من مخزنِ الأسرار في عوالم النور السامية لتمثل الفكر والعقل وتُحرّك فيه الروح . وممكن ان تكون هذه العملية قد بدأتْ مع غروب اليوم بعد ان سبقتها مراسيم وطقوس خاصة وإستعدادات في النهار، وهذا قد يكون هذا تفسيرا لطقوس الكنشي وزهلي التي تقامُ صبيحة اليوم الاول للكرصة إستعداد لبداية الكراص مساءاً (وهنا يبدأ اليوم الاول من الكرصة).

وفي صبيحة اليوم التالي يكتملُ خلق آدم ، وهنا يكون اليوم الاول من عمر الإنسان والبشرية وحساب الزمن ، أي(1/1) رأس السنة المندائية، ويعتبر هذا اليوم كرصة ايضاً ولايسمح لنا ان نمسَّ الماء حتى اليوم الثاني( 2/1 ) ،حيثُ يوكلُ الملاك مندادهيي، مباركٌ إسمهُ ملائكة المياه الجارية حراسا لآدم في ذلك اليوم فقط (اي 2/1 ) ليرجعَ لعالم النور فلذلك لايمكننا أن نمسُّ الماء قبل ذلك – وهذا تفسير عدم ملامسة الماء الجاري قبل اليوم الثاني من السنة.

(( وأمتلأت عظامهُ بالمخ. ونطقتْ فيه إشعاعيةُ الحيّ ..ففتحَ عينيهِ. عندها عرَجَ إدكاس زيوا الى موطنهِ ...

وأوكلتُ بهِ ملائكة المياه الجارية)) كنزا ربّا .

وبعد خلق ادم يرجع مندادهيي(م.أ)- اي في 2/1 - ليظلَّ الشر والظلام يحاصران النيشمثا المسكينة الوحيدة (وهذا هو تفسير المبطلات المُزامنة لهذه الايام) ,وتعاني النفس بعد نزولها من علياء عوالم النور للجسد الطين، وهذا ما ترويه لنا نصوص كنزا ربّا المباركة. وتزدادُ معاناة آدم ووحدتهُ في يومي السادس والسابع من السنة المندائية، فيشتدُّ بأس الظلام والأشرار على آدم حتى يأتيه العون مع هبوط الملاك المخلّص مندادهيي مرة اخرى في ليلة 6-7 /1 ليساعدَ آدم ويهبَهُ المندائية (المعرفة) حارصاً أن يهبَها له بنفسهِ كما أدخل النيشمثا بيده الكريمة الى جسدِ آدم ، وهنا يبدأُ تعليمُ آدم وهبوط الكنز الالهي العظيم (المعرفة) لتكون سلاحاً لآدم وبنيه، وأول كلمات النور كانت إفتتاحية الكنزا ربّا المبارك اذ يخاطب آدم بالمعرفة بادئاً بتعريف رأس المعرفة، الحي العظيم ، فيقول:

بسم الحيّ العظيم

(هو الحيُّ العظيم، البصيرُ القديرُ العليم، العزيزُ الحكيم، هو الأزلي القديم، الغريبُ عن اكوان النور) كنزا ربّا

وممكن ان أتجرأ هنا اكثر واقول إنّه يوم بداية نزول تعاليم كتابنا المبارك كنزا ربّا ، سلاحاً وخلاصاً ورحمة للعالم الجديد، وهذا هو تفسيرعيد شوشيان (ليلة القدر المندائية) ، وهي ليلة مباركة يقضيها المندائيون حتى الصباح بقراءة الأدعية والتسابيح المباركة ،لأنه يوم تلبية الدعاء وقبول الرجاء لكل قلبٍ وضمير وفكر طاهر. وتنتهي المبطلات بجلاء المعرفة كاملة لآدم فيندحرُ الظلام بأكتمال التعاليم وسيادة العقل، وهنا تكتمل المبطلات ، ليبدأ يومٌ جديد وعصرٌ جديد وحياةٌ جديدة .

راجع النص في كنزاربّا/اليمين- طبعة بغداد ص70.

لذا فإن الفكرتين او التفسيرين السابقين يتفقان على كون العيد الكبير( دهوا ربّا) هو ذكرى الخليقة الأرضية أو الحياة الدنيا .

قبل أن أدخلَ في صلبِ الموضوع ، وهو (البشميهنوثة المندائية ) أي (بشميهون إد هيي ربي)، والتي تبدأ بها نصوصنا المباركة ، أرجو ان نتوقف قليلا ًعند مفهوم التوحيد في الفلسفة المندائية ، ذلك المفهوم الذي ذهَبَ الكثيرون ممن لم يدركوه ، أن يتهموا مندائيتنا بالأشراك وعبادة آلهةٍ وصفاتٍ وكواكبٍ من دون الحي العظيم . 

يبدو واضحا لكل مَنْ تبحّرَ أو تأملَ في نصوصنا المندائية ، بل وفي صميم عقيدتنا، أنَّ هناك فلسفةً مندائية ً رائعة ً في التوحيد ، ولنسمِّها ((فلسفة التجسيد)) ، أي تجسيد لصفات الخالق (وليس الخالق ذاتهِ) ، فالنورُ مثلاً صفة ٌ مقدسة ٌ للخالق، وكذلك المعرفة واليردنا وكثيرٌ من أسرار الخليقة . إن الخليقة َ بذاتها هي وليدة الخالق ، والحياة العظمى المخلوقة هي أحدى صفاته ، بل هي تتحدث بصفة الخالق أحياناً كثيرة في نصوص كنزا ربّا الفريدة . كيف يمكن لنا أن نُدركَ - نحنُ البشر – الخالق إلاّ من خلال ِ خليقتهِ ومن خلال مفردات العقل الأنساني المحدودة . 

وكما تعرفون فإنّ المندائية تصفُ الخالقَ بكلِّ الفضائل ، بل أنّ الخالق لا تحّدهُ صفة ٌ ولا يستوعب عظمته مكان أو حدود ( مَن يُسبّحُك تسبيحكَ ،فتسبيحكَ لا يُحَد) ( عُمقُك لا يسبّر وقدرتُكَ لا تُحصَر ) كنزا ربّا ..لذلك كان تسبيحنا لقدرته تسبيحاً له ، وباتت اليردنا والنور والمعرفة والعين والنخلة.... ، كلها مقدسة. 

ولكي أصلُ لمقصدي وبما أسميته ب ( فلسفة التجسيد) ، فلنأخذ مثلاً آخر : حين نستنجد ، ننادي ونقول (( يا منداد هيي )) - مباركٌ إسمُهُ – فأننا بذلك لا نشرك مع الحي ملاكاً أو أُثري ، بل نقصد مناداة الخالق بأعظم صفاته وأسمائه ، حيث أن (مندادهيي) حينما لايأتي مسبوقا بكلمة (ملكا) لا يعني الملاك المبارك المعروف ، ولكن يعني هنا (معرفة ُ الحي) أو (معرفة ُ أو عارف الحياة ) ، ومن يعرف الحياة غير الحي ؟ ،وعليه فالمقصود هنا في دعائنا ورجائنا هو الخالق العظيم ، ولكن بأعظم صفاته وأسمائه ، وكذلك الأمر حين نقول (( يا هيبل زيوا )) أي (يا واهب النور) ، ومن غيره يهب النور والضياء . ويمكنك أن تقيسَ هذا على كلِّ الاسماء المركبةِ والصفات. وهنا بيت القصيد .. أي أن كل المخلوقات من ملائكة وأثريين وجميع الأسماء السرية والمقدسات هي صفاتٌ للخالق وصفة ٌ لقدرتهِ. 

الآن إسمحوا لي أن أعرب ال( بشميهون إد هيي ربي) 

 

بشميهون: الباء حرف ُ جر ، شوم : وتعني( اسم ) وقد حذفت الواو مع إضافة الباء والضمير المتصل لسهولة اللفظ ، الياء : للجمع ، والضمير المتصل (هون) هو للجمع للغائب. أي إن الترجمة الحرفية هي باسمهم (وليس بأسمائه). 

وهنا هو ما يجب التوقف عنده ، وهو ما دفعني لمداخلتي هذه .. فماذا يقصد ب (بسمهم ) ومن هم ؟ ، وهذا ما سأوضحه لاحقاً 

إد: وتأتي أيضا بمعنى إنّ ( وليس بمعنى أل فقط ) / راجع القاموس العبري( قوجمن). 

هيّي : أسم الجلالة , مفرد جاءَ بصفة الجمع للتفخيم والتمجيد والتعظيم ، ويراد به الواحد الذي من نفسه إنبثق ، وأنها لا تعني ( حيوات ) أي جمعاً للحياة . 

ربّي : صفة ُ العظمة ، وجاءتْ بصيغة الجمع لأنها تتبع الموصوف في الإعراب (والذي هو في الأصل مفرداً، هيي ، ولكن جاءَ بصيغةِ الجمع ) لذلك هي صفة للمفرد وليستْ جمعاً ، أي إنها تعني (عظيم) ، ومفردها اللغوي هو ربّا. 

أي إن الترجمة الحرفية للجملة ستكون 

(((بسمِهُم إنَّ الحيَّ عظيمٌ ))) 

وبألاستفادة من المقدمةِ ومفهوم الوحدانية وفلسفة التجسيد يمكننا أن نتجرّأ ونزيدَ خطوة في ترجمة البسملة المندائية (البشميهنوثة) فنقول : 

المقصود هنا ب ( بسمهم ) هو كلّ ما خُلِقَ ، وكلّ الاسماءِ والأسرار التي عرفتها العوالمُ والتي عُلّمَت لآدم وبنيه ، بل وأسماء الملائكة والاثريين والتي هي تجسيد لقدرته ، أي أن العبارة ستكون بعد تأخير الخبر : 

(إنَّ الحيَّ عظيمٌ بصفاتهِ) أو (إنَّ الحيَّ عظيمٌ بقدرته ) 

وهنا نلاحظ إن البسملة المندائية ليست مجرد ذكرٌ للخالق أو التبارك بالابتداء به ، بل إنّها جملة ٌ كاملة ٌ من مبتدأ وخبر ، فيها أعتراف مطلق بالخالق وبكل تفاصيل وخطوات وآليات الخلق وبالنور والمعرفة والحياة العظمى . وأرى إنّهُ جاز لنا القول: (( بأسماءِ الحيّ العظيم )) أو ((بسمُ الحيّ العظيم )) ما دامت تدل على المعنى نفسه والأعتراف بوحدانية وقدرة الخالق ، ولكن يجب أن نعرفَ ونُعرِّف ، إن خلف هذه البسملة التي تكاد ُتتفرد بها المندائية معانٍ ومعالم ، بل عوالمٌ ورموزٌ وصفاتٌ وأسماءٌ وحقائقٌ وقصص. 

 

كما لاننسى أن ننوه بأنَّ هناك عبارة تسبقُ ال ( بشميهون إدهيي ربي ) وتكتبٌ 

((ماريّ مشبّا بلبا دخيا )) ،وتُقرأ: ((مشبّا ماريّ بلبا دخيا)) حرصاً على أن يكون أسم الخالق هو البداية دوماً ، وترجمتها (( مُسبحٌ ربي بقلبٍ نقي)). 

أو عبارة : 

((ماريّ مشبّا كَشطا أسنخون )) وتقرأ (( مشبّا ماريّ كشطا أسنّخون)) 

وتعني : ((مسبّحٌ ربي ، عهدٌ نقطعُهُ )) . 

وبالتأكيد هناك ترجمات أخرى لهاتين العبارتين ، ولكن المعنى واضح وواحد وهو الحرص على أن يبدأ النص بأسم سيدنا وخالقنا (هيي قدمايي ) ناصرُ محبيه . 

أسأل الحي لي ولكم الثبات في الكشطا والهيمنوثا ، وأنْ يهبَنا من نورهِ ويزيدَنا من معرفتهِ وأن يرسمنا بسلامةِ العقل والقلب والضمير. 

الأحد, 27 كانون2/يناير 2013 00:40

الحكمة عند الصابئة المندائيين

نقلاً عن كتاب "تاريخ الصابئة المندائيين"، محمد عمر حمادة.

من خلال قراءة التراث المندائي نجده يحتوي على كمّ هائل من الحكم الهادفة، التي تدعو الإنسان إلى المثالية الواقعية، فنرى ذلك في الأشعار والأمثال والكتب الدينية، وأكثر ما يتجلى في كتاب (كنزا ربا)، فهناك فصل خاص دُوِّنت فيه حكم النبي يحي (عليه السلام) وأمثاله. وقد قام بترجمتها الأستاذان نعيم بدوي وغضبان الرومي من اللغة الآرامية إلى اللغة العربية، فأضافا بذلك التراث العربي مادة أدبية وفكرية وعقيدية تعبّر عن تجارب إنسانية هادفة، وعن فكر هادف ورائع ومبدع، وهاكم ترجمتها:

بأسماء الحي العظيم ننير عقولكم وذكاءكم (خبرتكم) وعملكم إن هذه الحكمة والوصايا هي ما أوصى به، وما قاله، وأمر به يحي بن زكريا للمتعبدين، وأصحاب العهد المتعمدين، والمتزهدين، وللأمة المجتمعة حوله، وهم الذين يبتغون التقى والصلاح للإستنارة بكل العشائر، وهم كأخوة ملك تاجه مستقر على رأسه معلناً الحرب على دنيا الشر والكذب، معتمداً على المحيطين به، الأخوة البررة وهؤلاء (الناصورائين) أصحاب العهد والحق، وهم كالفلاحين الذين يشتركون معاً بآلام فلاحة الأرض، وهذه الحكم مستندة من سلاح أهل الصلاح البررة والمتصفين بصفات ذوي العهد، والإيمان والعهد والمعرفة والبصيرة والحكمة والتعلم والعقيدة والحق والصلاة والتسبيح والكرم والصدقات والطيبة والتواضع والمساواة والإنصاف وحسن التصرف والطهارة والزكاة والسلام والمغفرة والتوبة ومحاسبة النفس والتفكير بالحي والتماس الرحمة للمعاهدين.

- رأس العهد هو أن لا تفسد عهدك، و لا تعتاد على الكذب والفتن.
- رأس إيمانك هو الإيمان بالله، ملك عالم النوار القيوم الدائم، الذي يثيب الذين يزكون ويطهرون.
- رأس عدلك هو أن تحاسب نفسك.
- رأس معرفتك أن لا تشرك بالله.
- رأس بصيرتك هو أن لا تلقي بنفسك بالتهلكة.
- رأس حكمتك هو أن لا تفتن ولا تستهزء بالذين سلّموا أمرهم لله.
- إن سر ثقافتك هو أن تعلم وتشرح ما يأمر به إلهك.
- إن سر صدقك هو أن لا تحلف على ما ليس لك.
- إن سر شفقتك ومساواتك هو أن لا تشتم ولا تغب ولا تميل للشرك.
- إن سر عبادتك هو أن لا يزول ذكر ربك من فمك.
- إن سر مساواتك هو أن تعدل وأن تتقبل الحكمة.
- إن سر استقامتك هو أن لا تقول ما لا تعرفه.
- رأس تسبيحك هو أن تستغفر لمن أتيت منه (أنجبك).
- كن كالميزان المتقن المملوء، الذي لا نقص في حركته.
- كن كالفلاح الذي يزرع وينبت الأشجار التي تحمل المعرفة والطيبة.- كن كالسراج الذي ينير اليسار إلى اليمين بالحق والإيمان .
- كن كالجبل الشامخ الذي لا تزحزحه الرياح، إنه يشع عبادةً وتسبيحاً.
- كن كالمائدة المملوءة، التي تقدَّم للجياع، وهي مبتهجة.
- تصور الطعام الجيد اللذيذ الطعم من كل شجرة طاهرة.
- تصور دنيا العهد التي لا باطل فيها، إنها متقنة الكمال.
- كن كالعين الطاهرة، التي لم يدخلها الباطل، إنها طاهرة.
- لتكن الأب الطيب الذي يربي أبناءه وأولاده تربية صالحة بالعبادة والإيمان.
- أيها الناس إن الحسد، والغيرة، والهمّ، والكره، والغضب، والفخر، واللمز، والمضايقة، والعصيان، والزنا، والخطف، والإستحواذ بالظلم، والقوة، والنهب، وإضمار الشر لعباد الله المسالمين، كل هذه صفات لا تدل على الإيمان بالله العظيم، وشتان ما بين رمانة ممتلئة بالصدق وأخرى ممتلئة زيفاً.

- الحكيم مَن لا يترك بيته بلا سقف.
- الحكيم مَن لا يطلق سفينة بدون ملاحين.
- الحكيم مَن يوقف كلامه الوديع في نداء، ويصغي، ثم يقدم السلام.
- العاقل مَن يوقف كلامه الطيب، ويتجه إلى كل أعمال الخير.
- لا تعمل أعمالك التي لا تنبض من القلب.
- الويل لهؤلاء الحمقى المخادعين الذين يغيّرون أوامرنا ويغيّرون ما أوضحنا لهم، إن الإنسان الذي يظهر إيمانه ثم يراوغ، ثم يعلن رغبته في التعبد قرب موته، ويبدأ يسمع ويتفهم كلام الرب، و لا يبدي صبواته إن الله لن ينسى، وقد يرحمه الله، أما أولئك الذين قرأوا وسمعوا وأطاعوا وملأوا أفواههم بدون كذب ما أملاه عليهم الحكماء وشرحه، وقاله لهم يحيى بن زكريا بمدينة القدس، والله المزكي لكل عباده الصالحين، وهو المزكي.

نشرت في وجهة نظر
الصفحة 2 من 2

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014