• Default
  • Title
  • Date

أعادني الخبر المنشور على الرابط أدنــــــاه الى ذكرى والدي الذي جاءوا اليه في ظهيرة أحد الأيام وهو في سوق الصاغة ( سوق الصيادلة ) في مدينة البصرة عام 1981 بحقيبة من الذهب المسروق أيام الحرب العراقية الأيرانية ، يقدّر محتواها بأكثر من 25 كيلو من المصوغات التي سرقت من بيوت الأبرياء أثناء غزو القوات المسلحة للنظام العراقي آنذاك للأراضي الأيرانية و دخولهم الى مدن أيرانية عديدة منها مدينة ( المحمــّرة) ! و رفضه لشراء تلك الكمية بأبخس الأثمان ( خمسة آلاف دينار عراقي .. أو حتى بنصف هذا المبلغ ! ) ، طالباً من حامليها و سارقيها ، وهما أثنان من ضباط القوات الخاصة آنذاك، بأعادة حلال الناس الى أهلـــه ، لأنه مال حرام ، ولا نعمة ، ولا حق ، لمن يقتنيه أو يشتريه ومهما كانت الأحوال ومهما كانت التبريرات .. !! 

 أقول أعادني هذا الخبر الى تلك الذكرى وحكاية الوالد وأمانته التي تحدثتُ عنها في مقالة نشرت قبل سنوات قلائل تحت عنوان ( أبو جبار .. أبو تحسين ، نبض الأمانة والوطنية الصادقة ) والتي نشرت في مواقع ألكترونية عديدة .. 

 لقد كان الكثير من المندائيين وما أحاط بهم من ظروف تاريخية وأجتماعية معقدة ، وغيرها من الموروث الديني والوطني الذي تربوا عليه ، أكثر أمانة و صدقاً في التعامل مع ما يحيط بهم من متغيرات أجتماعية وأقتصادية وسياسية .. وكانوا الأكثر من بين الأقوام الذين يسجل لهم تأريخ العراق الحديث نصاعة ونقاءً وأخلاصاً في سجل نضالهم الوطني والمهني وعلاقاتهم الأنسانية المتواضعة مع الجميع رغم التمييز والقهر الذين تعرضوا اليه حتى يومنا هذا ، ولأنهم حقاً سكان العراق الأوائل و ورثة هذا التأريخ العريق الممتد لآلاف السنين ، فإنهم لم ينصاعوا يوماً ما الى أمر خيانة أو تواطئ أو سرقة لكل ما في خزائن الوطن من تراث و كنوز وأموال عامة أو حتى خاصة ، وتسجــّل لهم دوائر التحقيقات بشكل عام في داخل الوطن وخارجه كل هذا التأريخ المجيد الذين عرفوا به وعاشوا معه ! 

 انــــــه الوطن .. انهـــــا الأمانــــــــة، بكل المعانـــــي الأصيلــــــة !

نشرت في وجهة نظر
الأربعاء, 10 نيسان/أبريل 2013 17:39

انتفاضة الشعوب الحية

ان المتابع لحركة تاريخ ثورات وانتفاضات الشعوب العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي سوف يلاحظ بدون عناء البحث في بطون كتب التاريخ بان هذه الثورات التي اشعل فتيلها الفقراء والمثقفين والعسكر من ابناء الطبقة الوسطى لم تدم طويلا حتى استحوذ عليها وحصد ثمارها الأنتهازيين والوصوليين والنفعيين والطفيليين الذين بين ليلة وضحاها صعدوا على اكتاف الطبقات المسحوقة واعادوا بالمسيرة القهقري الى المربع الأول بهيئة وغطاء شمولي جديد لأستعباد شعوبهم مجددا" . ان الدروس والعبر المستقاة تشير الى اهمية و ضرورة الحفاظ على زخم الثورة وديمومتها لتحقيق كامل اهدافها في ترسيخ نظام العدالة الاجتماعية و الديمقراطية واطلاق الحريات بكافة اشكالها واعادة الكرامة الأنسانية التي كانت الاسباب الرئيسية في اشتعال فتيلها .

 

 

لقد مضى على استقلال البلدان العربية بحدود الستة عقود لم تستطع كل الأنظمة السياسية التي تقلدت دفة الحكم فيها من نقل مجتمعاتها نقلة نوعية على كل المستويات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) لتبعية تلك الأنظمة بشكل او باخر الى النظام الرأسمالي العالمي والتزامها الحرفي بالوصفة الجاهزة للبنك الدولي وبايدولوجية الفكر الليبرالي الجديد الذي ربط ربطا قسريا بين الحرية السياسية والحرية الأقتصادية .

 

 

لم تلتزم جميع الانظمة العربية السائرة في ركب النظام الرأسمالي المتوحش بكامل الوصفة الجاهزة لقائدة الفكر الليبرالي الجديد والرأسمالية العالمية امريكا ، فقد التزمت هذه الحكومات فقط بتطبيق جزءا" من الوصفة وبما لايؤثر على كراسي حكمها حتى وان يؤدي تطبيقها في مجتمعاتها الى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة والجهل والامية وازدياد مديونية الدولة للبنك الدولي وتدني مستوى التعليم والصحة والخدمات الاخرى وغلاء المعيشة حيث قامت بتحرير اقتصادياتها وفتح اسواقها على مصراعيها للرأسمال العالمي والبضائع المستوردة لتقضي على صناعتها الوطنية وتحولها الى دول استهلاكية من الطراز الأول ، اما بالنسبة لتطبيق الجزء الثاني من الوصفة المتمثل بالحرية السياسية فان بعض الحكام العرب غظ الطرف عنها والبعض الاخر قام باصلاحات سياسية شكلية وانتخابات مزورة لاعطاء الشرعية لانظمتهم الفاسدة التي اكل عليها الدهر وشرب.

 

 

ظلت امريكا منذ احدث ايلول 2001 تلوح للانظمة العربية بالعصى الغليظة بين حين واخر فحررت عقليتها السياسية المتجبرة مشروع شرق اوسط كبير وبعد معارضة شديدة استبدل الى مشروع شرق اوسط جديد لتبديل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة باكملها وبما يتلائم مع مصالحها ومصالح الاخطبوط الكارتل العالمي واعطوا لانفسهم كامل الحق للتدخل في مصير الشعوب بحجة مقاومة الأرهاب و الدفاع عن حقوق الأنسان والحريات التي كانوا غاضين النظر عنها طيلة العقود الماضية لا بل بالعكس كان لهم الدور الكبير في خلق العديد من الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة والعالم .

 

ان هدف المشروع الذي تريد تطبيقه امريكا في المنطقة هو لابعاد شبح الثورات الوطنية والديمقراطية الحقيقية عن الدول العربية باعادة رسم خارطتها ، بتجزئتها الى دويلات صغيرة ضعيفة على اساس قومي او ديني او طائفي تمهيدا لخلق ارضية وبنى تحية لصراع مستقبلي قومي، ديني، طائفي ، لتحرف نظر الشعوب عن مخططاتها الشريرة باشغالها بحروب طاحنة ، هذا المشروع الذي بدأت ملامحة واضحة في خطة بايدن المعلنة في العراق و كذلك هو الحال في اليمن والسودان ولبنان وتباعا في كل الدول العربية التي فيها ازمة دولة و مجتمع حيث تتماهى سلطة الدولة مع سلطة الاحزاب القومية اواللبرالية او مع سلطة القبلية او الطائفة ، ففي مصر ازمة دولة وازمة مجتمع بين الاقباط المسيحيين والاخوان المسلمين وفي السودان ازمة دولة تعتمد الشريعة الأسلامية و ازمة دارفور وانفصال الجنوب وفي اليمن ازمة دولة وازمة القبائل المتصارعة و الشيعة الزيدية والجنوب الذي في طريقه للانفصال وفي المغرب ازمة البوليساريو وفي الجزائر ازمة القوى الاسلامية المتشددة والمتطرفة وفي دول الخليج ازمة انظمة حكم قبلية تعود في بعضها الى القرون الوسطى وازمة الشيعة البعيدين عن الحكم والمهمشين فيها لعقود طويلة وفي لبنان المنقسمة على نفسها .

 

ان كل الدول العربية تعاني من ازمة دولة و مجتمع مع اختلاف شكلها و نسبتها بين دولة واخرى وان اوضاعها السياسية والاقتصادية و الاجتماعية تنذر بالانفجار بين يوم واخر ، ان امريكا بتأييدها لثورة تونس ومصر ومن يليها في المستقبل القريب تلعب دور الحمل الوديع الان لانها تعرف جيدا قبل غيرها بان الانظمة العربية المتهرئة المدعومة والمسندة من قبلها طيلة الفترة الماضية قد استنفذت كل اسباب وجودها و بقائها لذا ترى من الضروري ان تسبق الاحداث باعلانها التأييد لهاتين الانتفاضتين الباسلتين، ليس ايمانا" منها بالتغيير الجذري للنظام وانما لأستبدالها بانظمة اخرى لاتختلف كثيرا في جوهرها عن سابقاتها الا من حيث الشكل لكي تستمر ماكنة انظام الرأسمالي العالمي تطحن الشعوب المقهورة والمظلومة .

 

على الشعبين التونسي والمصري البطلين وقواه السياسية اليقضة والحذر بقراءة تاريخ الأنتفاضات جيدا واستيعاب دروسها البليغة في اسباب نكوصها وتراجعها والحذر كل الحذر لكي لاتضيع الفرصة التأريخية لتستعيد الشعوب المضطهدة زمام الحكم بيدها وحريتها كاملة وكرامتها الأنسانية التي مسختها الأنظمة الأستبدادية الجائرة وتعدل ميزان تقاسم الثروات لصالح الطبقات المسحوقة والمهمشة .

 

نشرت في وجهة نظر
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 18:43

الأنهار المقدسة

اسبر اغوار نهر الروح .. من أين جئت وبأمر من .. وبالرغم من انك اصبحت عبداً لهذا الجسد الفاني ، قم انهض مجددا واتبع النظام الذي منه انحدرت وشارك في السبب المقدس.. )نص آكادي)

غالبا ما تظهر الأنهار في المعتقدات الدينية كرموز النفوذ الإلهي والاتكال الحياتي ، والانهار تستحضر صورة الطاقات العقلية والروحية ، مغلفة المستويات المتعددة للحياة الكونية والفردية لتربطنا بشكل حميمي بالمصدر الروحي الذي يغذينا ويديمنا،. وهي تتدفق دوما لتوصلنا بكل الاشياء. وقد استوعب القدامى، ومنهم المصريون، هذه الهبة الكونية فسموا مصر هبة النيل، وقدموا له الصبايا الجميلات قرابين بشرية لإرضاءه.
الأنهار المقدسة هي ليست مجرد تذكير اسطوري بحقائق منسية، انما تمثل دفق الوجود البشري "من نحن؟ وماذا نحن؟" وليست كينونة ساكنة او جامدة وانما سيلا فاعلا للبهاء الإلهي. فقد وصفها الفلاسفة منذ القدم بأنها البذرة أوالبيضة التي تحوي الخصب الكوني الذي يحبل به رحم الكون اللامتناهي زمكانيا.
وينظر لهذه البذرة على انها ثمرة الأسلاف والاكوان السابقة المليئة بالحياة والذكاء والوعي. اذ من الطبيعي تخيل هذه البذرة اللامتناهية تنبثق في لحظة معينة لتتدفق نهرا جارفا من الطاقة غامرة الكون بـ "مياه" البهاء والألق أي الفوضى البدئية التي نجم عنها خلق المجرات والمجاميع النجمية تحوي كواكب جنائنية مثل كوكبنا الأرض.
وتقدم لنا قصيدة التكوين والخلق البابلية وصفا دقيقا مدهشا لانبثاق دجلة والفرات بسلسلة من اعمال القتال، بدأت بقتل أپسوApsu وهو عنصر الذكورة في مزيج الحياة البدئية، حيث كانت تيامت Tiamat تشكل فيه عنصر الأنوثة والأمومة وكانت تحكمه وتتحكم فيه، وهي التي منحت أپسو شعارات السلطة والتألق الخارق للطبيعةMelamu . وبالنسبة لأپسو فقد تمكن الإله (أيـا) بتعويذة سحرية من اختصاصه تعطيل حركته وتجريده من شعاراته، ثم قتله، بحيث لا يتحول الى العدم بعد عملية القتل هذه بل ليصبح العنصر الرطب اي محيط المياه العذبة الباطنية، حيث يتخذ الإله أيا مقره. وعلى هذا المحيط ، يتم فيما بعد، من قبل الإله مردوخ تكوين قرص الأرض.
اما تيامت حين منحت وحدها ودون الرجوع الى مجمع الآلهة السلطة لكينغو Kingo الذي اتخذته قرينا له بعد موت او تحول أپسو. ووفقا لهذا الرأي نفسه ، كان الإله مردوخ يمثل النظام والتصور السليم يرافقه تخطيط بارع يدل على حسن استعداده للمعركة مع تيامت واختياره لسلاحه ، وبعد انتصاره على تيامت، فانه شطر جسمها الهائل الى نصفين مثل ما تشطر السمكة التي يراد تجفيفها ثم تناول نصفا وقنطره وجعل منه شكل السماء وفي موضع كبدها احدث المناطق السماوية العلوية وكوّم فوق رأسها جبلا وأخرج منه ينبوعا وفتح في عينيها دجلة والفرات كما اعد ردفها لسند السماء وسقّف نصفها الآخر لتدعيم الأرض.
ويمكننا تبيان أهمية الأنهار في فكر الانسان العراقي في كل اساطيرنا القديمة التي دونها ببراعة لا تضاهى الشعراء السومريون ومن بعدهم البابليون بما جال في خيال وتصور العقل البشري في تدوين مغامرات جلجامش وبحثه عن سر الخلود ومعنى الحياة والذي قاده الى "أبو البشرية" الذي يسكن عبر البحر مع الآلهة في "حديقة الشمس" التي تقع عند مصب الأنهار. وقد استعارت التوراة العبرية هذا التصور حيث نقرأ في سفر التكوين 10:2 "وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة. ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس".
وكما الانهار تنحدر من مصادرها البدئية ـ من الامطار والثلوج ـ فانها تجرف معها الطمي وعناصر الطبيعة الاخرى من المناطق التي تجري فيها كما تجرف معها الاقذار البشرية التي تساهم في تلويث هذه الانهار الواهبة للحياة بغض النظر عن كونها اقذارا جسدية ام روحية. لقد كان كل من هومير وافلاطون مقتنعين تماما بتصويرهم لجريان الانهار الى العوالم السفلية، اذ نجد في نظرية نشأة الكون اليونانية ان الأقيانوس التايتاتي ، هذا النهر الاسطوري قد ولد عن السماء والارض وهو اب لكل الانهار ، النهر السماوي التي تحيط مياهه بالارض. ومن بين بناته الواتي ليس لهن عد هناك اربعة منهن انهار العالم السفلي الرئيسية بالاضافة الى نهر النسيان Lethe ، وهذه الانهار تلتقي لتسيل جنوبا ملتفة حول بحيرة الجحيم Acherusian لتصب اخيرا في الجحيم Tartarus . وتقوم هذه الانهار في العالم السفلي بتنقية الارواح والعقول من آثامها وانانيتها.
ان الاساطير تروي لنا بأن الانهار هي مظهر تكاملي للنظام البيئي الروحي العقلي الجسدي من خلال جريانها عبر العوالم الثلاثة الأرضية والسماوية والسفلية. ان الاسطورة الهندوسية حول نهر الهند المقدس الغانج تمكننا من تخيل هذا النهر على انه إلهة ـ حيث انها هي الإلهة الأم (ام الغانج) الواهبة للحياة ، وهي الطاقة الأنثوية ـ الأمومية ـ الذكية العاقلة الكونية قرينة الإله سيفا Siva . وهي النهر الذي ينبع من ابهام قدم فينشو حين ثقب بقدمة قبة السماء . من فينشو حامي الكون تجري غانجا باستمرار الى رأس دورفا ، النجم القطبي ، مطهرة في طريقها كل نفس تلمسها كي تصعد الاجساد الى الفردوس . ملايين الهندوس تأتي الى مثابات ومعابر الغانج المقدسة للاغتسال وتطهير الاجساد المتعبة في مياهها المقدسة والذين يحتضرون يحتضنون ضفافها للموت هناك لكي تعبر ارواحهم نهر الحياة والموت باتجاه الحياة الابدية.
وراء هذه الطقوس والرموز تكمن حكمة كونية ملهمة. افكارها المركزية تعبر عنها بوضوح استثنائي الثيوصوفية** المندائية. فمن البيئة المائية ، لأهوار دجلة والفرات، التي استوطنها المندائيون الناصورائيون اصحاب "الألق المعرفي" ظهرت افكارهم التي ارتبطت ارتباطا روحيا وعضويا بهذه المياه. ان الكوزمولوجيا المندائية تشير الى الكينونة الأسمى بـ "الحياة العظمى" التي توصف بانها غريبة متفردة ـ نكرايي ـ بمعنى انها بعيدة لايمكن فهم كينونتها لكونها تفوق الوصف. وبسبب غموضها وتجريدها فان المندائيين يتكلمون عنها دوما بصيغة الجمع الحيادي.
ان رمز الحياة العظيمة (هيي ربي) هو الماء الحي، الذي يسميه المندائيون (يردنا) وهو العنصر الاساسي الذي ترتكز عليه طقوسهم وعلى الخصوص (الصباغة) ـ التعميد ـ التي يجب ان تتم في الماء الجاري (الحي) ولا يجوز ارتماسهم في ماء تحيط به يابسة لأنه ماءا راكدا و(ميتا). ويردنا هي تسمية المندائيين لكل نهر جاري ـ ارضي أو سماوي ـ ويصرون على انه ليس اشارة مباشرة للأردن ولنهره. ان المندائين يعتقدون بأن كل الانهار تنبع من مصدر سماوي ـ نهرا نقيا يدعى الفرات البهي ـ "فراش زيوا".
أدبيات المندائيين تشرح لنا بأن نهر الحياة والنور يجري من نقطة واحدة (رحم) خفية لا يعرف سرها الا الحياة العظمى، الا ان ادعية معينة تقول بأن البهاء (الألق) ـ زيوا ـ هو الذي يرفع حرارة هذا المركز التوليدي ـ الرحم ـ مسببا ذوبانه وجريانه من (مشكنته)، اي من بيت الحياة ـ بيت هيي ـ أي الكون.
ومن هنا نستطيع الوصول لفهم امثل لطقوس الصباغة (التعميد) المندائية. ان الصباغة اليومية هي التعبير المادي الأقصى لما يحدث في حياة المندائين الفكرية والروحية. وهذا الارتماس في المياه الجارية التي تمثل اليردنا السماوي هو في الواقع تمثيلا للفعاليات الخلاقة لما يحدث في عالم النور ـ آلما د نهورا ـ ان هذه الطقوس التي تسمى (مصبوتا) تهدف الى تنقية المرء حيث يدخل الى هذه المياه (مجازيا) "اسودا" ليخرج منها "ابيضا" ، أي يدخل اليردنا نجسا او ملوثا ليخرج منها نقيا.
والماء الذي يعكس النور يعتبر شكلا من اشكال النور. فالشخص المصطبغ حديثا يعتبر مرتديا "حلة النور". وفكرة ان الفلك مملوء بضياء سائل والماء شكل مكثف من اشكاله، تظهر في الاعتقاد بوجود الزوارق الفلكية التي يرسمها المندائيون في منمنماتهم. والماء مع ذلك ليس كله سائلا سحريا واهبا للحياة . ان جزءا واحدا (مثقالا) من تسعة اجزاء (مثاقيل) منه فقط هي الماء الروحي الحيوي ـ ماء الحياة الذي يديم جسم الانسان، وسائر الاجزاء الاخرى تسمى ((تاهمي)) وهي سائل عديم الحياة يمر باستمرار في طريقه الى مياه البحار المرة جارفا معه فضلات ونجاسات الجسم البشري ، في حين يقوم الماء الحي باداء واجبه او يرتفع الى السماء مرة اخرى حيث الـ " يردنا" السماوية " فراش زيوا" او الفرات النوراني.
ان المياه النجسة كلها تصب في بحر العالم القريب من عوالم الظلمات ذات المياه السوداء الداكنة جدا، التي تغلي وتفور وتلتوي، من يشرب منه يمت وكل من يخوض فيها يحترق. ما من احد يطيق رائحتها باستناء ذلكم الذي خرج منه.
ان طقوس الاغتسال بالماء التي تقام مع اجراءات وأدعية وصلوات معينة هي بمثابة احتفال ديني تجلب جميع خواص هذا الماء السماوي وتضعها موضع التطبيق وتجعل متناوله قادرا على الاستفادة منه. هذه الاراء قديمة قدما سحيقا وتشير الى استمرارية الفكر والتقاليد. فمياه دجلة والفرات والكارون والزاب هي ذات قداسة متساوية لأن جميعها تحتوي على هذا الجزء السحري من الماء "ميا هيي" او ماء الحياة. والـ "يردنا" هي العلامة الخاصة بالمندائين الذي بدونه لا تتم مراسيم ـ طقوس ـ الصباغة :
" روشـمـي إمـشـي روشـمـي بـيـردنـا ربـا اد مـيـا هـيـي اد انـش ابـهـيـلـي لا مصـي . اشـم اد هـيـي واشــم اد مـنـدا اد هـيـي مـدخـر إلـي"
(( ان علامتي هي اليردنا العظمى الماء الحي الذي لا يستطيع الانسان ان يحصل عليه بقوته وحده. ان اسم الحياة واسم مندادهيي منطوقان علي)).
ان ولادة الماء الحي ، وفق نظرية الخلق المندائية، لم تأتي هينة يسيرة بل مرت بمخاضات عسيرة منذ ان حددت المانات العظمى لحظة البدء التي نشأت منها الاكوان والسموات التي امتدت اتساعا فيها النجوم تبزغ فتومض فيها متلألئة. وكانت هنالك مياهً وحرارة حية وحرارة آكلة في السماء ذات النجوم المنتشرة وپتاهيل المكلف بالخلق يذرع الاكوان يريد لها فكاكا من الظلمات والنيران الآكلة التي تلفها.
لقد صاغ پتاهيل النار من الثمرة والشجرة والكرمة ـ ومن هذه النار الحية خلقت المياه الحية في دار الحياة، ثم اتى بها پتاهيل الى تيبل ـ الأرض ـ ولكن الحرارة الحية تغيرت فغدا الماء بيده بدون لمعان. بثاهيل حاول كل شيء غير ان الماء لم يعد عذبا حلو المذاق فأمرت الحياة الحياة العظمى مندا اد هيي ان يمضي الى قمة الماء ليسحب جرعة خفيفة من الماء الجاري الحي ويتركها تجري حتى تسقط اخيرا في الماء العكر وتنساب معه، عند ذاك اصبح الماء حلوا فشرب منه بنو آدم وغدو شبيهين بالحياة.
ان الماء الحي هو النهر المندائي المقدس ـ نهر پرياوس ـ الذي ينبع من بوابة الشمال، من تحت عرش الحياة الكبرى عبر مياه الظلمات التي تحيط بتيبل ـ الأرض ـ من كل حدب وصوب اذ انه ليس وفي وسع قوى الظلام ان تقطع الماء الحي النهر المقدس ( يردنا ) عن مقام النور.

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 18:41

الصابئة المندائيون في العراق القديم

لا أحد يعلم على وجه التحديد متى ظهر الصابئة المندائيون في العراق القديم ، ولكن اسمهم ارتبط بالنبي ابراهيم الخليل الذي عاش في مدينة اور السومرية ـ مدينة الهة القمر نانا ـ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد، وكان ابراهيم عليه السلام أول من نبذ الاصنام وودعا لرب واحد عظيم القدرة اطلق عليه السومريون اسم [ لوگـال ـ ديمير ـ آن ـ كي ـ آ ] ملك الهة ما هو فوق وما هو تحت [ رب السماوات والارض] . وقد آمن الصابئة المندائيون بتعاليمه واحتفظوا بصحفه ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها الى يومنا هذا. وقد هاجر قسم منهم معه الى حران والقسم الآخر بقي في العراق ، وقد عرفـوا فيما بعد بـ [ ناصورايي اد كوشطا ] اي حراس العهد الذين أسسوا بيوت النور والحكمة [أي ـ كاشونمال ] ـ بيت مندا (بيت المعرفة) فيما بعد ـ على ضفاف الانهار في وادي الرافدين لعبادة مار اد ربوثا ( الله ـ رب العظمة)، واتخذوا من النجم القطبي (اباثر) الذي دعاه السومريون (( نيبورو )) قبلة لهم. كما ارتبطت طقوسهم بمياه الرافدين فاعتبروا نهريها ادگـلات وپـورانون (دجلة والفرات) انهارا مقدسة تطهر الارواح والاجساد فاصطبغوا في مياهها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر آلما د نهورا (عالم النور) الذي اليه يعودون . ومفهوم الاغتسال والتغطيس (التعميد) مفهوم رافـديني قديم ورد في العديد من النصوص المسمـارية حيث كتب الشاعر السومري في مرثية مدينة اور: (( شعب الرؤوس السوداء ما عادوا يغتسلون من أجل اعيادك ، اناشيدك تحولت الى أنين ، مدينة اور مثل طفل في شارع مهدم ، يفتش لنفسه عن مكان امامك)).

والصابئة المندائيون هم شعب آرامي عراقي قديم ولغته هي اللغة الآرامية الشرقية المتأثرة كثيرا بالاكدية . وقد تواجد الآراميون جنبا الى جنب مع السومريين والأموريين والكلدان وغيرهم ، واستوطنوا وسط العراق وبالأخص المنطقة الممتدة من بغداد وسامراء من ناحية دجلة وليس من ناحية شبه جزيرة العرب، في وقت مبكر قد يصل الى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد . وقد عثر المنقبون على وثيقة أكدية ـ نقش ـ منذ عهد نارام ـ سن 2507 ـ 2452 ق.م تتحدث عن انتصاره على مدينتي شيروم ( سامراء) وآرامي ، ويستدل على انهما تقعان في منطقة شرق دجلة بين الزاب الأسفل وديالى، ثم انتشروا في كل العراق، على ما يبدو.

وفي العهد البابلي الأخير تبنى العراقيون ، وكل شعوب المنطقة اللغة الآرامية لغة رسمية لأسباب كثيرة واستخدمت بكثرة في بابل والقسم الاوسط من العراق القديم وكانت اللغة المهيمنة في القسم الجنوبي من بلاد ما بين النهرين وما يعرف الآن ببلاد خوزستان في ايران وهي نفس اللغة التي يستخدمها الصابئة المندائيون اليوم في كتبهم ونصوصهم الدينية . لقد امتهن المندائيون في تلك الحقبة نسخ العقود والمخطوطات وكتابة الرقى وتولعوا بالارقام ومراقبة والنجوم وافلاكها وزاولوا الطب بنوعيه الروحاني والسريري (الأشيـپو والآسي) والتي ورثوها عن الأكديين ، حيث كان الأشيـپـو يعالجون المرضى بطرد الارواح الشريرة بواسطة الطقوس السحرية وقراءة التعاويذ وكتابة الرقى وأوعية الاحراز، خصوصا اذا علمنا بأن سكان وادي الرافدين كانوا يعتقدون بأن الأمراض هي عقاب يوقعه الالهة على البشر نتيجة للآثام والخطايا التي يقترفونها، في حين يقوم الآسين، وهم الصيادلة (العشابون)، باعداد الوصفات الدوائية للمرضى .

ان العثور على أوعية السحر (الاحراز) في مناطق شاسعة من العراق شاهد على انتشار المندائيين في وادي الرافدين واستخدام لغتهم ذات الأبجدية المميزة. لقد تأثر كتبة التلمود البابلي منتصف الألف الأول قبل الميلاد بالمندائية حيث نجد بصمات هذه اللغة واضحة تماما في سفري دانيال وعزرا من كتاب التوراة، كما تأثرت بمعتقداتهم الكثير من الديانات كالمانوية وغيرها. ان المندائيين لا بد ان يكونوا قد وصلوا الى بلاد عيلام (خوزستان الحالية) في القرن الثاني الميلادي عبر شمال بابل وبلاد ميديا ، وان الدين المندائي قد وصل حينئذ الى مرحلة من النضج واحتوى على النصوص المقدسة والطقوس الدينية التي نعرفها في وقتنا هذا. وكل هذه النصوص تشير الى الغرب اي الى منطقة حوض الاردن اي ان اصولهم من هناك وان بدأت التأثيرات البابلية والفارسية تظهر لديهم واضحة في أدبياتهم.

إن اول اسم يذكر في تاريخ المندائيين هو امرأة اسمها ( شلاما بنت قدرا ) ، وهذه المرأة ، التي تسمى باسم امها / او معلمتها في الكهانة ، هي اقدم امرأة (اسم شخص مندائي ) ورد اسمه على انه ناسخ النص المعروف بالكنزا شمالا كتاب المندائيين المقدس الذي يتألف من قسمين (يمين شمال) والجزء الأيسر بشكل نصوص شعرية يتناول صعود النفس الى عالم النور .. و[الكنزا ربا] هو اقدم نص مندائي . وشلاما هذه يعود تاريخها الى سنة 200 بعد الميلاد ، وهي بذلك تسبق بعدة اجيال الناسخ المندائي الشهير زازاي بر گـويزطه سنة 270 بعد الميلاد والذي يعودالى حقبة ماني)) .

لا يمكننا اليوم البت تماما فيما اذا كان الناس الذين يتحدثون بالارامية في مناطق شوشتر و ديزفول و عيلام و سوسة هم من اصول مندائية ، ولكن الكتابات الآرامية التي وجدت في الأهواز والتي تعود الى القرن الثاني هي هي مقاربة للأحرف المندائية. إن الكتابة المندائية قد سبقت العيلامية، كما اثبتت البحوث الحديثة قدم وجودهم في مناطق العراق الجنوبية حيث عثر على قطع نقود تحمل كتابات مندائية ، وتعود تلك النقود الى حدود سنة 150 ميلادية ، كما عثر على نصوص مندائية منقوشة على الواح رصاصية تعود لنفس الفترة التاريخية.

في زمن الدولة الفارسية تمتع المندائيون تحت حكم الملك ادشير الأخير بحماية الدولة (الامبراطورية) ولكن الأمر تغير حين جاء الى السلطة الملك الساساني بهرام الأول سنة 273 ، اذ قام باعدام ( ماني ) في بداية حكمه بتأثير من الكاهن الزرادشتي الأعظم (كاردير ) . وامتد الاضطهاد الساساني الديني ليشمل اتباع الديانات الاخرى الغير زرادشتية مثل المندائية والمانوية واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية. ويمكننا ان ننتهي الى ان المندائيين قاموا بجمع تراثهم وأدبهم الديني وترتيبه وحفظه وهذا واضح في الجهود المكثفة التي قام بها الناسخ (زازاي ) في هذا المجال.

وبالرغم من حملة الاضطهاد الشعواء التي قادها الحبر الاعظم للزرادشت (كاردير) الى انه لم يستطع القضاء تماما على المندائية، ولكن التدوين توقف تماما لعدة قرون ولم نشاهد التأثيرات والكتابات المندائية الا فيما يسمى بأوعية ( قحوف ) الاحراز والأشرطة الرصاصية . ان المدونات المندائية التي عثر عليها كانت جميعها قد نشأت في بلاد الرافدين والتي يعود بعضها الى القرن الرابع الميلادي، والقسم الأكبر قد دون قبل ظهور الاسلام، الا ان محاولات التأليف المندائية لم تنقطع بظهوره وانما واصلت اعمالها تحت ظله الى ما بعد قرون عديدة.

لقد اصبح المندائيون في العصر الساساني الكتبة والنساخ الرئيسيين للوثائق الرسمية وعمل التعاويذ السحرية بكل اللهجات السائدة ، واهتموا باللغات فاصبحوا همزة الوصل بين الاقوام العربية والارامية وبين الفرس الساسانيين ومن ثم الجيوش اليونانية التي غزت العراق في القرن الرابع قبل الميلاد واتخذت من بابل عاصمة لها تحت قيادة الاسكندر المقدوني، وقاموا بترجمة اساطير وعلوم بابل الى لغة الأغريق . وبناء عليه يمكننا ان نطلق عليهم تسمية (مثقفو) العراق في تلك الحقبة، وقد اتخذ خالد ابن الوليد اثناء اقامته في الحيرة كاتبا ومترجما (سكرتيرا) مندائيا يدعى (مـُرَّة) ليقوم بكتابة الرسائل بالفارسية والآرامية والعربية.

كانت الكثرة من اهل المدائن (طيسفون) عاصمة الفرس الساسانيين الشتوية من الاراميين والمندائيين و فيها لهم معابد عديدة، وازدادت اعدادهم في الفترة الساسانية خصوصا شرق دجلة وضفاف الكرخة والكارون فاستوطنوا ديزفول (عاصمة بلاد عيلام) والاهواز والخفاجية والبسيتين والمحمرة وكان اغلب سكان شوشتر من المندائيين الصابئة، كما اصبحت الطيب (طيب ماثا) اهم حاضرة لهم. وتفوقوا في صناعة الذهب والفضة والاحجار الكريمة التي كانت تجلب من مملكة آراتا في المرتفعات الايرانية. اما القسم الاكبر منهم فقد امتهن الفلاحة وزراعة الارض واستوطنوا الاهوار وضفاف الانهار وقاموا بتنظيم قنوات الري في ارض السواد ، وأسسوا لهم حواضر مهمة مثل كـوثـا و سـورا ، وقد اطلق عليهم العرب تسمية انباط او ( نبت ) كونهم ينبتون الآرض وقد ذكرهم الامام علي (ع) بقوله نحن من قريش وقريش من النبط والنبط من كوثى.

لقد قدمت بابل ومملكتي فارس وميديا ظروفا طبيعية ملائمة لنمو عقائد دينية توفق بين التقاليد والشعائر القديمة وبين الافكار القادمة من الحضارة الصينية القديمة بواسطة فلاسفة الهند الفيديين ، تلك الافكار التي جددت عقائد الناس وبعثت فيهم الروحانيين والهمتهم خلود الروح وان مصدرها الكائن الالهي فاصبحت بلاد الرافدين بوتقة (كوزموبوليتينية) ضمت ديانات عديدة كالزرادشتية والمجوسية واليهودية والمندائية (المعرفية) والغنوصية والمانوية والمسيحية بالاضافة الى عقائد الاقدمين من سكان وادي الرافدين، واقواما مختلفة كالفرس والاراميين والبابليين والكلدان والاشوريين، والعبرانيين الذين سباهم نبوخذنصر، والعرب والارمن، والاغريق الذين جلبهم الاسكندر من مكدونيا.

وعلى صعيد آخر برزت مدينة حرّان (حرانو) في الشمال والتي هاجر اليها قسم من الصابئة مع ابراهيم الخليل كاحدى المراكز الرئيسية للحضارة الآرامية ووارثة حضارات الشرق الأدنى القديم من بابلية وآشورية وكنعانية وكلدانية، والبوابة التي تمر من عبرها حضارات فارس والشرق من جهة وحضارات اليونان والرومان خصوصا بعد فتوحات الاسكندر الاكبر (323 ) قبل الميلاد ونتيجة لذلك برع صابئة حران في الترجمة واصبحوا النقلة الأساسيون للحضارة الغربية الهلنستية الى الدولة العربية الاسلامية فيما بعد.

وفي الحقيقة كان المندائيون قد اعتبروا من قبل الاسلام على انهم من اهل الكتاب ، اذ ان بالتعبير (( الصابئين )) الذي ورد في القرآن الكريم، بثلاث ايات لا تقبل التأويل، لم يقصد بلا شك الا تلك الجماعة العراقية الموغلة في القدم التي آمنت بالتوحيد و اتخذت التعميد شعارا ورمزا لها. اما النص المندائي التاريخي الأهم هو الذ ي يبين بأنه عندما جاء الاسلام وجعل يميز بين الاديان ذات الكتب المنزلة والاديان التي لم تكن موجهة من السماء قدم الريشما ( آنوش بن دنقا ) 639 ـ 640 ميلادية ـ الذي ترأس وفد الصابئة المندائيون ـ كتابهم المقدس كنزا ربا (الكنز الكبير) للقائد العربي الاسلامي آنذاك ، وربما كان سعد بن ابي وقاص، واطلعه على ديانتهم كما ذكر له بأن نبيهم هو يحيى بن زكريا الذي يجله المسلمون فقبل منهم ذلك واكرمهم.

وليس من شك في ان مؤهلاتهم العقلية وخدمات بعض نوابغهم العلمية هي التي اهابت بالمسلمين الى منحهم الحماية كأهل الكتاب، وبرز منهم المئات من امثال ثابت بن قرة وابو اسحق الصابي والبتاني الفلكي وابن وحشية (صاحب كتاب الفلاحة النبطية) وسنان بن ثابت و الكيماوي الشهير جابر بن حيان.

وقد اجبرت جموعهم ، فيما بعد، الى الاسلام، لأن الدخول الى الاسلام لم يكن هناك بدا عنه، فقد قضت المصلحة الفردية به من وراءها حب التخلص من تأدية الجزية وما فيها من اذلال والتهرب من الاذى والرغبة في المناصب والتمتع بالحرية والامان، كما ارتكبت بحقهم العديد من المذابح . ونتيجة لذلك تناقصت اعدادهم تدريجيا وباتوا على شفير الانقراض. لقد احصى المستشرق الالماني بيترمان المندائيين في جنوب العراق فوجدهم بحدود (560) عائلة، وذلك في سنة 1841 .

ومهما قيل في اصل الصابئة المندائيون فإن وجودهم في العراق منذ منذ اقدم العصور لا يختلف عليه اثنان . فهم الباقون منذ القدم شهودا على عظمة ارض الرافدين التي كانت مهدا للحضارة البشرية.

نشرت في تاريخ

ترد من آونة لأخرى عبارة ( الفلسفة المندائية ) في العديد من الكتب والمقالات وخاصة في الصحافة المندائية الناشئة وكذلك نجدها في الترجمات لبعض المستشرقين والباحثين في المندائية . ترى ما هو المقصود بتلك العبارة ؟ وما علاقة تلك الفلسفة بالفلسفات المعروفة في حضارات البشرية مثل الفلسفة اليونانية والإسلامية وغيرها ؟ ثم متى ظهرت تلك الفلسفة ؟ وما هي الحقبة الزمنية التي نضجت بها تلك الفلسفة ؟ ومن هو العقل أو العقول المبدعة لها ؟ قد تكون هناك إجابات لتلك الأسئلة لدى البعض وأسهلها طبعا إنها من عند الحي الأقدم أو إنها صحف آدم أو غير ذلك من الإجابات النابعة عن الأيمان لا عن العقل الذي يقدسه المندائيون ولا اعتراض على ذلك لكنها خارجة عن نطاق محاولتنا في البحث عن أيجاد أجوبة علمية لتلك الأسئلة .

إن الخوض في هذه المواضيع لمجازفة حقيقية بالنسبة لي وذلك بسبب الغموض الكثيف الذي يحيط بالمندائية بصورة عامة ولكوني لست متخصصا فيها . ولكن لابد من بداية وكلي أمل أن تغري تلك البداية أحدهم ليسير بها قدما في هذا الطريق الوعرة ، ولابد أن أحدهم سيصل يوما إلى الحقيقة التي نرنو إليها جميعنا .

إلى الآن وجميع المنافذ الجادة مغلقة أمام الباحث في معرفة نشأة المندائية ومن هي تلك العقول الكبيرة التي وراءها وأين انطلقت أولا وغيرها من الأسئلة التي يتشوق كل مندائي وأنا واحد منهم في معرفة الحقيقة العلمية عنها . ومع كل إصدار جديد عن المندائية تكبر علامات الاستفهام ولا ألوم أحد هنا فكل البحوث إلى اليوم تدور في نطاق الظن والفرضيات .

كنا نأمل أن نجد ولو بعض الأجوبة الجادة لتلك الأسئلة في ترجمات ( الكنزا ربا ) ولكن تلك الترجمات جاءت لتزيد الأمور تعقيدا . فترجمة الدكتور " قوزي " والتي نقحت ووضعت بشكل يتماشى مع الظرف الخاص الذي يمر به المندائيون في العراق خرجت وكأنها " وصف العميان للفيل " . تجد فيها حقائق ولا تجد فيها الحقيقة الأهم . أما ما ترجم في أستراليا فلم يكن أكثر وضوحا حيث اختلطت الترجمة بآراء المترجمين سواء العرب أو الألمان . أظن إن ترجمة الكنزا ربا بحاجة إلى جهد أكاديمي متخصص واسع بالتاريخ وتأريخ الأديان خاصة وفي اللغات والفلسفة مع حس مندائي بعيد عن التداخل مع النص .

وبعد الرجوع إلى أغلب ما كتب وترجم في المندائية وجدت إن من بين أهم ما يميز المندائية هي نظرتها في مسألة النشوء والخلق والانبعاث ومسألة النفس وخلودها . فما تقوله المندائية في تلك المسائل ؟ وكيف تشترك في العديد من تلك الأمور مع الأديان والفلسفات الأخرى؟

إذا نظرنا أولا إلى أسطورة نشأة الكون نجد أن الفكرة المندائية عن النشوء تختلف كليا عن تصور الأديان التوحيدية الأخرى لها . فلم يخلق الله السماوات والأرض في سبعة أيام ثم استوى على العرش أو خلد للراحة وإنما ترى المندائية أن نشأة الخلق تمت على مراحل يمتد فيها الزمن لآلاف الآلاف من السنين اشتركت فيها العديد من عناصر الطبيعة وإن تمت بإرادة الحي الأقدم.

ورد في كتاب كنزا ربا" يمين " الجزء الثالث ما يلي :

حيثما كانت الثمرة " بيرا" داخل الثمرة.
وحيثما كان الأثير "آير" داخل الأثير .
وحينما كان " مانا " ذو الوقار العظيم هناك .
ومنه تكونت " المانات " العظيمة الكبيرة .
أنتشر بريقها وعظم نورها . وما كان قبلها في الثمرة العظيمة شئ .فانتشر نورها بلا حدود.أكثر من انتشار الكلام .
وجل نورها عن أن يوصف باللسان والتي كانت وقتئذ في تلك الثمرة ثم تكونت منها آلاف آلاف الثمار بلا نهاية .
وملايين ملايين المواطن بلا عدد.
تقف هناك وتمجد " مانا " الموقر العظيم .
الذي يحل في " آير " العظيم.
وتكون الماء الجاري " يردنا " الذي لا حدود له.
وبقوة الحي العظيم انبثقت منه مياه جارية " يردني "
بلا نهاية ولا عدد.
..................
...............

وهكذا يستمر النص بوصف التكوين الأول " الحياة الأولى " والتي تمت بإرادة الحي العظيم " هيي ربي " وتصور هنا النضج الأول داخل الحياة الأولى " هيي قدمايي" وفي " هيي قدمايي " "الحياة الأقدم " الحياة الأولى تشترك عناصر أساسية في عملية التكوين .

أولا " مانا العظيم " وهو ( العقل أو الفكر المدبر أو اللب أو وعاء الأنا أو النفس" نشمثه " ).

ثانيا " آير" الأثير وهو الهواء النوراني الأول أو الأثير الوهاج أو "آير ربا هيي " أثير الحي العظيم . "وهذه النظرة للتكوين الأول تذكر بالانفجار الكوني الكبير "
وثالثا الثمرة " بيرا " حيث تكونت من تلك الثمرة العظمى الثمار والمواطن .
ويلعب" مانا "( العقل)الدور الأساسي في عملية التكوين هذه وكذلك"مثيله الأنثوي النوراني"
وهنا يتدخل الخيال ويحول عنصر الحياة الأول إلى زوجان وهما الأولان في الثمرة العظيمة
وهكذا أنجب " مانا " العظيم المانات والتي تنشأ منها الحياة الثانية " يوشامن "وتنشأ الحياة الثالثة " أباثر " من الحياة الثانية ومن أباثر تنشأ الحياة الرابعة أو أرض تيبل " أرا تيبل " والتي أسهم في تكوينها " ابثاهيل " . " الفكرة ربما تكون قريبة من فكرة زواج الآلهة البابلية وخلق السماء والأرض وكانت تلك فكرة غنوصية شائعة.

وبعد ذلك العالم الذي يمثل الحياة الأولى" هيي قدمايي" عندما كانت الثمرة داخل الثمرة وكان الأثير داخل الأثير وكانت المانا العظيمة داخل المانا والتي يستغرق نضوجه ستة آلاف ألف من السنين تظهر الحياة الثانية وبنتيجة الإنبعاث تظهر الحياة الثالثة من الثانية مستغرقة ذات الوقت ومع ظهور الحياة الثانية يظهر النقص ويزداد مع كل تكون جديد. وكما تصف الكنزا ربا العملية :

أنا " مانا" أتحدث مع مثيلي " دموثا "
تعال أنا وأنت نود أن نبني
نود أن نبني بهتاف خفي ، نبني الثمرة العجيبة
حتى نغرس الأثمار حتى نهيئ المساعدين
..........................................
.........................................
انثنيت وانحنيت أمام رفيقي وتسلمت منه العهد الثمين
دخلنا المانات واختبأنا وقبلت أن تكون شريكتي
وعندما كانت هنا الحياة الأولى فكرت في الحياة الثانية
وحين كانت الحياة الثانية فكرت في الحياة الثالثة وحين كانت الحياة الثالثة فكرت في الحياة الرابعة .
......................................
......................................

مما تقدم أعلاه يفهم بأن " المانا " العقل هو العنصر الأساسي في عمليات التكوين الأربعة وإن كانت هناك عناصر أخرى تظهر في تلك العمليات مثل الماء "يردني " والنور " يورا " والبخار أو الغاز " تنا " والعديد من الأسماء والتي تكتب دائما "ملكي" بمعنى ملاك أو مخلوقات نورانية .

لننظر إلى ما هو دور العقل " مانا " المندائي أو ( logos ) اللاتينية في عمليات التكوين في الفلسفات اليونانية والإسلامية ؟ وهل التشابه الموجود بينهما جاء بشكل عفوي ؟ في الفلسفة اليونانية القديمة أي قبل ( أفلاطون )"600 قبل الميلاد " كان الاتجاه العام ينحو نحو أصالة الوجود وكان جهد الفلاسفة في ذاك الوقت منصب في البحث عن المادة الأولى المكونة للعالم .

فالفيلسوف اليوناني " طاليس " كان يقول أن الآلهة هي القوة التي بها يتحقق وجود الأشياء وبها تتحرك وإن قوة الآلهة كامنة في داخل الأشياء . ثم ظهرت نظرة فلسفية أخرى تقول إن العالم قد تكون بفعل عامل خارجي هو "العقل" وقالوا أن العقل هو القوة المحركة للعناصر " البذور" الغير متناهية الصغر المكونة للمادة وكون العقل هو قوة مادية تؤثر في تفاعل "البذور". وكانت الفلسفة قبل أفلاطون بصورة عامة هي فلسفة أقرب إلى النظرية المادية أما فلسفة أفلاطون فكانت تدعو إلى جانب أصالة " الماهية " ترى تحكم نظرية المثل "الأفكار " والتي هي ماهيات ثابتة تختص وحدها بصفة الوجود الحقيقي أما العالم الخارجي "المادي " فليس سوى ظلال عابرة لتلك المثل وبمثابة أشباح لها .( فكرة الدموثة المندائية ) .

ثم جاء أرسطو ( 350 قبل الميلاد ) وكان من أول المنظرين لموضوع أصالة الوجود فهو يعترف بأولوية الطبيعة وإن الموجودات " الجزئيات " عنده هي أولى الموجودات وأحقها بالوجود أما الكليات " الأجناس والأنواع " فوجودها قائم داخل الجزئيات وأطلق تسمية الجواهر الأولى على الجزئيات وقال إن ( الأجناس والأنواع ) هي الجواهر الثانية وبذلك نرى أن أفلاطون وأرسطو يرون أن الصورة تتفوق على المادة ويتفوق العقل على المحسوسات . ويرى الفكر اليوناني القديم بصورة عامة بأن الوجود أزلي أي أنه لا يأتي من العدم ويرون أن الله هو جزء من هذا الوجود ويمثل قمته ( القمة في الوجود ) . ويرون أن العالم عمل فني إلهي لا بأصله وإنما بتنظيمه .

أما الفلسفة اليونانية الحديثة ( إفلوطين 200 بعد الميلاد ) فهي تحصر الوجود الحقيقي في عالم العقول ( المانا ) الروحانية وهو تعبير عن الماهيات الكونية أي أن نظام الكون قائم على فكرة أصالة الماهية وكل شئ يتركب من مادة وصورة . وترى أن الكون نشأ عن طريق الفيض ، حيث أن الفيض الأول صدر عن حكم الله بالضرورة والطبع لا عن إرادة واختيار لأن الإرادة تنتهك هنا وحدانية الله والطبع هنا يعني إنه كما الله بذاته اقتضى أن يفيض عنه النور الذي هو وجود الكائنات وفق نظام مترا تب الدرجات . ولأن العالم المادي وجد عن طريق الفيض من المبدأ الأول بوسائط العقول الفلكية المفارقة فإن الفيض ما أن ينتهي إلى هذا العالم حتى يكون نصيبه من الإشعاع الإلهي ضئيلا وبذلك يمثل العالم المادي والظلام بالقياس إلى الأفلاك المفاضة عن الله مباشرة ( انظر كيف يدخل النقص بعد الحياة الثانية " يوشامن " ثم الثالثة " أباثر والرابعة " ابثاهيل حسب النظرة المندائية لمراتب التكوين ).

وترى الأفلوطينية كذلك إن كل ما هو مادي هو إمكانية وإن الفكر هو الذي يخلق العالم الواقعي لهذه الإمكانية وهي موجودة بالقوة " أي إنها كامنة في الشيء ذاته " قبل وجودها المادي الواقعي ، أي إنها ذات وجود أزلي ، وترى أيضا أن العالم المادي خسيس لأنه الدرجة الأدنى من درجات الفيض . حتى أن افلوطين كان يخجل من جسده كونه سجنا لنفسه . وهكذا يذكرنا باحتقار المندائيين للجسد ( بغره ) وتقديس النفس التي بداخله فقط .

ترى فلسفة افلوطين إن صدور الوجود هو اضطرارا أي غير مقترن بإرادة أو اختيار " إنما هو فيض " وترى أن الروح وحدها هي التي تصعد إلى الباري وترى أن الألوهية مبثوثة في كل مكان وذلك لأن الجسم المطلق " الهيولي " قد أتى عليه دهرا طويلا إلى لأن تمخض وتميز منه الكثيف واللطيف وإلى أن أخذ الأشكال الكروية الشفافة " الفلكية "، والتي تركب بعضها في جوف بعض ( تذكرنا تلك الأفكار كثيرا بالفكر المندائي من حيث النفس والجسم وصعود النفس فقط إلى باريها وكذلك تكون البذرة داخل البذرة ) . وإلى أن استدارت أجرام الكواكب النيرة وركزت مركزها وإلى أن تميزت الأركان الأربعة وترتبت مراتبها وانتظم نظامها .

بذلك نفهم من النص أعلاه وما سبقه أن الأجرام الفلكية وعناصر الطبيعة وما تولد منها من معادن ونبات وحيوان تكونت بعملية داخلية متسلسلة المراحل . بدأت من الجسم المطلق " الهيولي الأول" واحتاجت إلى وقت طويل حتى انتقلت إلى مرحلة التمخض الذي جرى بعملية جديدة أو بمرحلة أخرى في العملية المتصلة نفسها حدث خلالها نوع من الانتقاء أدت عملية الانتقاء هذه إلى قبول الجسم المطلق " الهيولي الأول " أولى أشكال المادة وهي الأشكال الكروية للأفلاك ثم جاء دور العملية داخل هذه الأشكال ( بتركيب بعضها في جوف بعض ) ثم حلت مرحلة انتقاء جديدة هي استدارة أجرام الأفلاك النيرة واتخذت مراكزها وتميزت أركانها الأربعة وهكذا كانت منها المولدات من معادن ونبات وحيوان ويصورها افلوطين بفلسفته بأنها عملية ارتقائية .

إن الأفلاطونية الحديثة بحاجة إلى دراسة مقارنة مكثفة مع الفكر المندائي . ففيهما تشابه كثير قد يساعدنا في فهم الفكر المندائي وحتى نشأته ربما.

أما الفلسفة الإسلامية والتي جاءت لاحقا أي أنها جاءت بعد المندائية زمنيا ستفيدنا دراستها حتما ابتداء من أخوان الصفا وحتى أبن رشد وذلك للبحث عن الفكر المندائي الذي قد يكون بعضه موجود فيها سواء كان تأثيرا أو التقاء فليس هناك انقطاع في مراحل تطور الفكر البشري ولابد أن ولادة أي فكر ستأتي من فكر الآخرين وإن كان يعارضه ظاهريا .

قبل الخوض في الفلسفة الإسلامية حبذا لو يساهم إخواننا المندائين المعنيين بالفكر المندائي في مناقشة ما ورد في المقالة لغرض التقرب من الحقيقة.

المصادر :
كنزا ربا الطبعة العراقية
كنزا ربا الطبعة الأسترالية
كتاب النشوء والخلق في النصوص المندائية للدكتور كورت رودولف – ترجمة الدكتور صبيح مدلول
معرفة الحياة س . كوندوز ترجمة الدكتور سعدي السعدي
الموسوعة الفلسفية
خريف الفكر اليوناني – عبد الرحمن بدوي –
افلوطين عند العرب – عبد الرحمن بدوي –
موجز حضارة وادي الرافدين – طه باقر –
الصابئة المندائيون – الليدي دراور -
مصادر أخرى مندائية متفرقة وغيرها

نشرت في تاريخ

المقدمه:
تعرض المندائيين طيله تاريخهم الذي يمتد الاف السنين الى العديد من جرائم الاباده الجماعيه وموجات من القتل و الاضطهاد و القهر والاجبار على تغيير دينهم وكان تكفير المندائيين هي الذريعه المستخدمه لاباده الشعب المندائي, وقد استخدمت هذه الذريعه من قبل جميع الاديان المجاوره لهم . وقد يكون الشعب المندائي هو الشعب الوحيد في التاريخ الذي تعرض ولا يزال الى هذا العدد من المذابح دون ان يرفع احد صوته. ونحن هنا لا نستطيع سرد كافه هذه الحالات اولا: لكثرتها وتنوعها و ثانيا لقله المصادر الدقيقه حول البعض منها. وادعوا كافه الاخوه المندائيين الى المساهمه في اضافه اي معلومه لديهم حول هذه المذابح او غيرها من انواع الاضطهاد وخصوصا التي حدثت في العصر الحديث وسوف اواصل نشر حالات الاجبار على تغيير الدين قريبا .
تعريف الاباده الجماعيه
جاء في الماده الثانيه من الاتفاقيه الدوليه لمنع ومعاقبه جريمه الاباده الجماعيه ما يلي ((ان جريمه الاباده الجماعيه تشمل كل الاعمال التي تستهدف و بقصد, الى تدمير جماعه عرقيه او اثنيه او دينيه بصوره جزئيه او كليه))
وقد جاء من ضمن الاعمال التي تقع ضمن جريمه الاباده الجماعيه هي :-
1 ) قتل اعضاء من الجماعه(المقصود هنا يكفي قتل بعض من افرادها بقصد ابادتها اوالحاق اضرار بالغه بافرادها)
2) الحاق اضرار جسديه او نفسيه بالغه باعضاء هذه الجماعه
3) فرض ظروف معاشيه قاسيه على هذه الجماعه بقصد تدميرها جسديا بصوره جزئيه او كليه
4) فرض ظروف على الجماعه تؤدي الى منع الولاده
5) نقل اطفال من هذه الجماعه الى جماعه اخرى
وكذلك جاء في الماده الخامسه من هذه الاتفاقيه ما يلي ((على الحكومات اتخاذ الاجراءات اللازمه لمنع ومعاقبه مرتكبي جرائم الاباده الجماعيه))
من اعلاه, نلاحظ ان ما يتعرض له المندائيون الان وفي الماضي يقع ضمن تعريف جرائم الاباده الجماعيه والتي تقع على الامم المتحده ومنظماتها الانسانيه مسؤوليه حمايه المندائيين و انقاذهم.

1) مذابح المندائيين في القرن الاول الميلادي:
المصدر : كتاب حران كويثا( حران السفلى)/من كتب التاريخ المندائي

لقد ورد نص في كتاب ( حران كويثا ) ما يؤرخ حادثة واحده على الاقل حدثت في القرن الاول الميلادي وهي قيام اليهود بالقيام باباده جماعيه للمندائيين في اورشلام(موطن المندائيين) حيث قتل في هذا الحادثة كما روي في هذا الكتاب الاف المندائيين وكان بينهم( ثلاثمائه وستين رجل دين مرة واحدة) لانهم مندائيون مما ادى الى هجرتهم الى خارج المنطقه وهذا هو النزوح الاول للمندائيين خارج وطنهم . ويعلم جميع المندائيين المذابح التي تعرضوا لها على أيدي اليهود في التاريخ القديم و في بدايه الدعوه المسيحيه والذي اشارت اليه كتبنا الدينيه والتي توقف بعدها التبشير بديننا بسبب هذه المذابح , ولا اريد الاسهاب في هذا الموضوع لانه معروف للجميع.

2) مذبحه سنه 273 م في ايران
المصدر : From : Wikipedia
حين جاء الى السلطة الملك الساساني بهرام الأول سنة 273(م) . قام بحمله اضطهاد شعواء قادها الحبر الاعظم للزرادشت (كاردير) ضد المندائيين, الى انه لم يستطع القضاء تماما على المندائية، ولكن التدوين توقف تماما لعدة قرون ولم نشاهد التأثيرات والكتابات المندائية الا فيما يسمى بأوعية ( قحوف ) الاحراز والأشرطة الرصاصية . وقد اجبرت جموع المندائيين ، فيما بعد، الى الدخول الى الاسلام، لأن الدخول الى الاسلام لم يكن هناك بدا عنه، فقد قضت المصلحة الفردية و حب التخلص من تأدية الجزية وما فيها من اذلال والتهرب من الاذى والرغبة في المناصب والتمتع بالحرية والامان من الاجبار على دخول الاسلام.
3) مذبحة (القرن الرابع عشر) في مدينة العمارة جنوب العراق :

المصدر : الليدي دراور- (الصابئه المندائيون في العراق و ايران)

حدثت مذبحه للشعب المندائي في القرن الرابع عشر في مدينة العمارة وهي موثقه في كتاب (الليدي دراور ) بعنوان( الصابئة المندائيين) ترجمة المرحومين غضبان رومي و نعيم بدوي(رواه نهويلخون) صفحات 56 و 57 جاء فيهما :

(( ومهما كان الامر فأن الصابئين في القرون الوسطى يظهرون وقد قهرهم الاضطهاد فقد تركت احد الكوارث في القرن الرابع عشر طابعها في ذكرياتهم حتى هذه الايام وقد عثرت على تسجيل لهذه المذبحه في نهاية احد الاحراز الطلسميه التي تفحصتها اخيرا ,كما وجدت نفس الشيء مسجل في ( التاريخ ) وهو مخطوط يمتلكه الشيخ دخيل يحكي المخطوط عن مذبحه رهيبه تعرض لها الصابئون في الجزيره حين كان السلطان محسن بن مهدي حاكما على العماره وكان ابنه فياض حاكما على شوشتر حيث تعرض بعض الاعراب على امرأة صابئية و نشب القتال واعلنت الحرب على الصابئيين فذبح الكهان والرجال والنساء والاطفال وبقيت الطائفه مهيضه وبلا كهان لعدة سنين )) .

4) مذبحه سنه) 1782( في الجنوب الفارسي :

المصدر : Jean de Morgan (mission scientifique en Perse ) voume 5
الترجمه الحرفيه كما يلي :
(( المسلمين في بلاد فارس ارادوا الحصول على الكتب الدينيه للمندائيين ولكنهم لم ينجحوا بالحصول عليها لا عن طريق الشراء ولا عن طريق السرقه.لذلك قاموا بأعتقال قادتهم وقالوا لهم انهم يتبعون الديانه المندائيه عن طريق التقليد عند القيام بالطقوس المندائيه الدينيه خوفا على كتبهم ,عند ذاك تم رمي قادتهم الدينين في السجن وتحت التعذيب, ولكنهم استمروا في انكار وجود اي كتاب مندائي لديهم ولكن المسلمون الفرس هددوا الكثير من قادة المندائيين بالقتل , البعض خوزقوا واخرون مزقوا ,احد المعذبين المندائيين تم قطع اطرافه الواحد بعد الاخر بدأ من اصابع الارجل ثم الايدي, بعض قادتهم تم جلدهم احياء والاخرين تم احراق اعينهم بوضع حديده حاميه جدا في اعينهم, ثم بعد ذلك تم ذبحهم ,والبعض الاخر تم احراقهم احياء .
الكنزبرا ( ادم ) الذي تم قطع يده اليمنى من قبل المسلمين الفرس كان واحد من هؤلاء المساجين هرب الى تركيا ( من المحتمل المقصود شمال العراق في العصر العثماني ) ولكن قبل هربه اخذ معه نسخه من الانياني ( الكتاب الرئيسي للمراسيم الدينيه المندائيه ) تم استنساخه من قبله رغم ان يده اليمنى كانت مقطوعه وهذا ( الكتاب الانياني هو المصدر الوحيد الذي اعتمد عليه في منطقة العماره ) وفي نفس الوقت فأن أدم هذا هو نفسه علم المندائيه الى شخص انكليزي اسمه (j.e.taylor ) والذي كان نائب القنصل في البصره واستمر تعليمه لمدة 12 سنة ( يبدو ان تيلر هذا بطيء جدا في التعلم ).(يوجد لدينا النص الانكليزي و الفرنسي لمن يرغب الاطلاع اكثر)

5) مذبحة سنه) 1870( في مدينة شوشتر:
المصدر:
http://leocaesius.blogspot.com )
شوشتر هي مدينة ايرانيه تبعد عن مدينة الشوش الحالية اقل من عشرة كيلو مترات وهي سابقا مدينة مندائيه بالكامل يقدر عدد نفوسها حين ذاك( 20 الف مندائي) وتقع شمال الاحواز في جنوب ايران سنة 1870 م تم ابادة اغلب المندائيين فيها على يد الحاكم الايراني انذاك ناصر الدين شاه الذي حكم ايران من سنة 1831 الى 1896 م مع العلم ان العائلة الصابوريه ,وهي من العوائل المندائيه الاصيله ( كانوا يسمون سابقا العائلة الششتريه) هم من مدينة شوشتر هربوا منها انقاذا لانفسهم ولعوائلهم. ومن يراجع الزهيرات على متن دراشة يهيى(تعاليم يحيى) وكذلك سدرا نشماثا الموجودة لدى الاخوى المندائيين في ايران سيجد اشارات عديدة الى هذه المذبحه ومن يزور الشوش حاليا سيجد كتابات مندائيه خصوصا على الجسر القديم للمدينه تشير الى هذه المذبحه, وهناك كتاب بعنوان قصص من حياة امير كبير من تأليف محمود حميدي باللغه الفارسيه جاء فيه ص161 ما يلي :
(( في رسالة من اردشير حاكم خوزستان سنة (1266هجريه) قال له فيها ان طائفة الصابئه الذين يعتقدون في ديانة حضرت زكريا في شوشتر يسكنون على ضفاف النهر ............... عدد من الاعيان والاشراف هناك قاموا بأيذائهم واضطهادهم واجبروهم ان يتركوا دينهم بطريقة العنف والاجبار ويدخلون في الاسلام )) .(ارجوا من الاحبه في ايران بتزويدنا بما لديهم حول الموضوع حتى ولو كان ذلك باللغه الفارسيه)

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 05:33

أنا شاهد عَيّان على ثورة 14 تموز

في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم بالعراق ، وأدخلت الفرحه والامل بقلوب ابناء الشعب العراقي ، واذهلت القوى الامبرياليه العالميه واعوانها المحليين وفي المنطقه العربيه وارعبت انظمة الحكم فيها ، واسقطت بايدهيم كل دسائسهم ومؤامراتهم وجعلتهم في حيرة من امرهم .

منظمة ضباط الاحرار

كنت على علم واتصال بمنظمة ضباط الاحرار ، اؤلئك الضباط الابطال الشجعان الذين اعلنوا الثوره ، الثورة التي غيرت مجرى التاريخ المعاصر للعراق ، كما اثرت تأثيرا جذريا بسياسات بلدان المنطقه برمتها ، واطاحوا بعرش الملكيه ، واشعلوا الاضواء لهدى مسيرة الاحرار والتحرر وكان قائدهم الزعيم عبد الكريم قاسم الخالد ...

منظمة ضباط الاحرار كانت تضم عددا غير قليل من خيرة ضباط الجيش العراقي ، ومن مختلف الرتب والمناصب التي كانوا يشغلونها ، والاهم من كل ذلك ان جميعهم عملوا كفريق واحد بامانه واخلاص وبحذر وكتمان شديدين ، لم تتمكن من كشفهم دوائر الامن والاستخبارات العسكريه رغم انشطتها وجواسيسها ...

كان اسلوب العمل التنظيمي متقن ، والاتصال مع بعضهم البعض فرديا ، وبمعنى اخر ان العضو الواحد لا يعرف غير مسؤولهِ ، ولا تُعقد اجتماعات او تجمعات الا للضروره ، ولأعضاء قيادتها فقط

وردا على اؤلئك البعض الذين يصفونها بالعبثيه ويتجنون على القائمين بها من الضباط بتوجيه اتهامات باطله بحقهم ، مثل توخي المصلحه الشخصيه ، وحب التسلط ، والزعامه ، والمنصب ، وممارسة الحركات الانقلابيه العسكريه غير المبرره ، فقط لغاية إستلام الحكم والتحكم وغيرها من الاقاويل ، كل ذلك مردود جملة وتفصيلا والدليل على ذلك ابين الحقائق التاليه : --

كان قد انتسب لمنظمة ضباط الاحرار خيرة ضباط الجيش العراقي ، والأكثرية منهم يحتلون المناصب المرموقه بالجيش ، ومن ذوي الرتب العاليه ، وممن اشتغل او كان لا يزال يشتغل حتى يوم الثوره بمعية الملك والوصي والعائله الملكيه وباقي حكام البلد المهمين الاخرين ..

فالزعيم الركن ناجي طالب كان مرافق للملك ، و المقدم الركن عارف عبد الرزاق كان لا يزال حتى يوم الثورة طيار الملك والوصي الخاص ، والزعيم الركن احمد يحيى محمد علي كان مرافق للملك ،والزعيم الركن ناظم الطبقجلي كان مرافق للملك وامر الحرس الملكي ،والمقدم طه البامرني امر فوج في الحرس الملكي ، والمقدم الركن صبحي عبد الحميد كان احد ضباط الحرس الملكي ، والمقدم الركن عدنان ايوب صبري كان احد ضباط الحرس الملكي ، والمقدم وصفي طاهر كان مرافق رئيس الوزراء نوري السعيد ، والعقيد زاهد محمد صالح رئيس شعبة في مديرية الاستخبارات العسكريه ،

وهناك الكثير غيرهم لم تحضرني اسماؤهم كلهم .

من الكشف البسيط اعلاه ، يتبين على وجه اليقين ، ان معظم هؤلاء الضباط لم يكونوا اصحاب مطاليب ذاتيه للرتبه او المنصب او أية منفعه شخصيه على الاطلاق .

اما انتماءآتهم السياسيه او الأثنيه ، فلم تكن موضع تمحيص او مراجعه ولا ذات اهتمام او اعتبار بالمطلق ، ولم تظهر للسطح الا بعد نجاح الثورة ، وبعد ان اشترك ممثلو الاحزاب السياسيه من وزراء او غيرهم من المسئوليين المدنين بالحكم ، لأدارة شؤون البلد مع ضباط قيادة الثوره ، ومن خلال ممارسة النشاط السياسي برزت التناقضات الحاده لهؤلاء مما اعطى انطباعا مغايرا للتوجه العام للثورة، وطغى هذا التيارعلى طبيعة اعمال السلطه وتوجهاتها السياسيه المختلفه ، وكان من افرازاتها ظهور الخلافات الحاده بين بعض ضباط قيادة الثورة انفسهم ، بعد ان ارتبطوا بانتماءآتهم الجديده بتلك الاحزاب كنتيجة لعوامل هذا الصراع المحدث ، وكان ولاؤهم لهذا الانتماء الفكري والسياسي او ذاك ، وقد وصل بهم الامر توظيف اعمالهم لصالح سياسة احزابهم ، ومما زاد في ذلك كله تدخل قوى خارجيه عربيه بالشأن العراقي ، بحجج وشعارات متطرفه وبمصلحة ضيقة لأذكاء هذه الصراعات بين اخوة الامس ، رغم محاولة قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم السيطرة على الوضع عن طريق المحافظه على التوازنات بين الاطراف ، الا انه لم يتقن اللعبه كرجل سياسي كما اتقن الحرفة العسكرية ، وقد اصبح الامر ابعد من ذلك بكثير ، وبهذا نجحوا بشق الصف الوطني بين العراقيين ، وبالنهاية وصل الامر لأعلان حالة الاقتتال بين قادة منظمة ضباط الاحرار انفسهم ،وكانت النتيجه مؤسفه ومميته اضاعت الثورة وقضت على طموحات واحلام الشعب العراقي كما ضاع قادتها مع الأسف الشديد .

يوم اعلان الثورة

في مثل هذا اليوم اعلن البيان الاول للثورة من دار الاذاعه العراقيه ، وكانت الساعه تشير الى السابعه من صباح يوم الاثنين الرابع عشر من تموز سنة 1958 ، وكان عليّ انا العسكري ، ان التحق باحدى الوحدات العسكريه المرابطه في بغداد او القادمة اليها ، حيث اني وضباط خرجي دورتي الثالثة والعشرون لكلية الاركان لم تصدر بحقنا التعينات الجديده بعد ... وقد تخرجنا منها توا يوم التاسع من شهر تموز نفسه ، وكان من المفترض ان يكون يوم تخرجنا هذا الموافق 9 / تموز / 1958 هو يوم الثورة ، الا انها تأجلت الى وقت اخر بسب عدم حضور الوصي عبد الاله ونوري السعيد الحفل المقام بهذه المناسبة بكليه الاركان الواقعه في منطقة الرستميه على نهر ديالى جنوب معسكر الرشيد وفق الخطة الموضوعه لهذا الغرض ، والتي اعلن عنها الان ولأول مره ، كما سبق وتأجلت قبلها محاولات عديده لأسباب مبررة على ممر السنين وفي مختلف الاماكن والمناسبات ...

ثورة تموز موضوع مقالتي ، كتب عنها كثير من الكتاب والباحثين واصحاب السير ومؤلفي الكتب والدراسات ولا تزال موضع الهام وبحوث وكل منهم نهل من منهلها ما شاء وارتأى ..

فكرة الثورة وتغيير الحكم بالعراق ، لم تكن وليدة رغبة فرديه ،ولا هي مجازفة شخص مغمور ، او ردة فعل عفوية ولا بدوافع انتقاميه او ثأريه ، او تصرف كيفي ، اوممارسه غير محسوبه قامت بها مجموعه معينه ، كما يحلو للبعض ان يصفها لغاية في نفسه للنيل منها والاساءه اليها قصدا ، وربما بسبب جهله المطبق بحيثياتها ووقائعها ، وعلى العموم هي ليست ظاهره شكليه ، بقدر ما هي نقلة نوعيه تجذرت في عمق المجتمع و بكل جوانب الحياة ، اهدافها نبيله وطنيه تحرريه ، من اجل الجماهير المسحوقه والفقراء بشكل خاص ، والطبقة المتوسطه من الناس ، لترتفع بهم من كابوس البؤس والمعاناة الى الحريه و العيش الكريم ، هذه الثوره التي فرضتها واملتها تراكمات وتفاعلات في الزمان والمكان داخل المجتمع ، وكنتيجه لنضوج الظروف الموضوعيه الأجتماعيه والسياسيه والأقتصاديه التي عاشها الشعب العراقي بكل آلامها ومآسيها منذ نشؤ الدوله العراقيه ، ولهذا اشتركت بها منذ اعلان انبثاقها كل اطيافه المختلفه ، بعد ان ذاقت مرارة العيش وشضفه ، وقهر سياسيه الحكم الملكي القائم وكادره المنفذ لسلطانه ، والمتمثل بالوصي عبد الاله ورئيس الوزراء المخضرم نوري السعيد وباقي الشله من الحكام المسؤولين .. فكانت الثورة ثورة حتميه يجب ان تقع بالضروره ، و بمعناها الحداثوي والمتحضر ، والتي ارست عهدا جديدا من منظومة العلاقات الاجتماعيه والاقتصاديه و لتبدأ من القاعدة لتبني واقع جديد هو نواة المجتمع المدني ومؤسساته ومنظماته لأول مرة بالعراق ..

ثورة تموز الخالده انبثقت ولها اسبابها ومسبباتها وبرأيي الجازم ان السبب الرئيسي الذي عجل بانفجارها كان الحصول على الاستقلال الناجز ، والسياده الكامله عن طريق الغاء الارتباط السياسي والاقتصادي والعسكري ببريطانيا ، ورفض تلك الاحلاف المشبوه التي ارتبط بها العراق معها ومع بلدان ودول الخارج ، تلك الاحلاف التي ليس للعراق بها لا ناقة ولا جمل ، منها حلف بغداد والاتحاد الهاشمي وانهاء نشاط التآمرات التي كانت تحاك في داخل العراق ضد الدول العربيه للتدخل في شئونها مثل لبنان وسوريا ومصر العربيه ، كما كان من اهدافها اقرار شكل من اشكال الاتحاد بين العراق ودولة مصر العربيه ، والاخذ بايادي الفقراء ورفع من شأنهم ، والتخلص من نير الحكم الجائر في الداخل وعملاء بريطانيا ، وعلى رأسهم نوري السعيد وزمرته ، وانهاء حالات الظلم والتعسف واستغلال موارد العراق النفطيه من قبل الشركات العالميه ،واطلاق الحريات لتشكيل الاحزاب الوطنيه والعمل علنا ، واصدار قانون الاصلاح الزراعي لأنعتاق الفلاح وتحريره من عبودية وظلم النظام الاقطاعي الجائر ، وكذلك قيام الاتحادات والمنظمات الاجتماعيه والمهنيه ، وتحرير النقد الوطني ، وتامين الحقوق للمرأة ومساواتها مع الرجل وفق قانون موحد هو قانون الاحوال الشرعيه الجديد ، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، والغاء القواعد العسكريه البريطانيه المتواجده على الاراضي العراقيه في الحبانيه والشعيبه ، والاعتراف بالشراكه الاخويه والمصيريه بالوطن بين الكرد والعرب وباقي مكونات الشعب العراقي ، واعادة الاعتبار لكل المناضلين والمبعدين في الخارج واعادتهم للوطن واعادة الجنسيه العراقيه لمن سحبت منه ، وتسليح وتقوية الجيش العراقي بالاسلحه الحديثه المتطوره ، وعقد الاتفاقيات المتكافئه مع الاتحاد السوفيتي سابقا والدول الديموقراطيه ، واتباع سياسة عدم الانحياز ، تأسيس جامعة بغداد والاهتمام بالثقافه بشكل عام .. انجازات كثيرة وعظيمة قدمتها الثورة .. وكان قادة الثورة والزعيم عبد الكريم قاسم بالذات حريص لأعلان انجاز او مكسب واحد على الاقل لصالح الشعب لكل شهر ، هكذا عشت احداثها عن قرب، فكل هذه الاهداف وغيرها كان مخطط لها من قبل قادة منظمة ضباط الاحرار، وكان الهدف الأرئيسي بعد نجاح الثورة انسحاب الوحدات العسكريه الى ثكناتها ، بعد الانتهاء من مهماتها و تشكيل دوله مدنيه وتسليم امور الحكم للسياسين المدنيين ، بموجب دستور جمهوري جديد جرى تشريعه بعد الثورة...

موقفي من الحدث

وبما اني كنت شاهد عيان للثورة منذ ساعاتها الاولى ، وقد التحقت بمقر اللواء العشرين بقيادة العقيد عبد اللطيف الدراجي ، الذي اتخذ من بناية الثكنه الشماليه ( الكرنتينه كما كان يطلق عليها ) مقرا له ، بعد ان تمت له السيطرة على وزارة الدفاع والاهداف الاخرى الموكله له ، ومن هذا الموقع سنحت لي الفرصه للاطلاع ومعرفة سير الاحداث ووقائع الثورة .

ولكي لا اتعب القارئ الكريم بسرد كل التفاصيل لذا ، ارتأيت ان ابين اسباب نجاح الثورة دون ان تحصل اية معوقات او مواقف صعبه اعاقت التنفيذ ، فكانت القطعات تقوم بتنفيذ واجباتها وتحتل اهدافها باحسن حال ، دون اراقة دماء عدا بعض القتول التي لا تتجاوز العشرة اشخاص بضمنهم افراد العائله الملكيه ، وما حصل بقصر الرحاب لم يكن مخطط له من قبل قيادة منظمة ضباط الاحرار بالمطلق ، واني هنا اؤكد ان ما جرى باطلاق النار كان ردة فعل للقوة العسكريه المهاجمة للقصر المذكور ، وكان سببها الرئيسي هو تصرف غير مسؤول لرجل مغورالذي اعرفه جيدا وهو ( الملازم الاول مؤنس ثابت ) ضابط خفر القصر لتلك الليله ، وهو بذات الوقت كان يشغل منصب مرافق الملك ، ولمن يريد المزيد من التفاصيل ادعوه لقراءة مقالتي للسنة السابقه والمنشورتين على موقع الناس وموقع الحوار المتمدن وموقع عراق الغد ومواقع اخرى والتي بعنوان ( وقائع قصر الرحاب يوم ثورة 14 تموز سنة 1958 )

ارى ان اهم اسباب نجاح الثورة هي

مواقف الحذر والحيطه والكتمان التي أتخذت من قبل منظمة ضباط الاحرار ، وعدم الكشف عن اعمالها وتحركات افرادها ، رغم نشاط وفاعلية الجهات الامنية كل من الاستخبارت العسكريه ومديرة الامن العامه خلال سنوات عديده منذ قيامها حتى يوم التنفيذ ، مما ساعد على تحقيق عامل المباغته ، للجهات العراقيه والاجنبيه بتحرك القطعات العسكرية نحو اهدافها باليوم والساعه المخطط لها بدقة واتقان

التأييد المطلق للعمليه من قبل الشعب المتمثل بجبهة الاتحاد الوطني لكل الاحزاب الوطنية والديموقرطيه ، ( الحزب الوطني الديموقراطي وحزب الاستقلال ، والحزب الشيوعي العراقي ، وحزب البعث العربي الاشراكي ، والحزب الوطني الديموقراطي الكرستاني ، وشخصيات وطنيه مستقله ) وانضمام الجماهير الشعبيه الهادره للقطعات العسكرية منذ الساعه الاولى للتنفيذ ، ودعمها الفاعل ومساندتها للثورة واملاء ارادتها على الساحه وردع الاخرين من التعرض للقائمين بها

الالتزام العسكري الصارم بالتنفيذ وفق الخطة ، وتعاون الضباط حتى من خارج المنظمه باتخاذ المواقف الوطنيه والداعمه للثورة ، فكان لموقف المقدم طه البامرني القائم بواجب مقدم الخفر للحرس الملكي لتلك اليله خير برهان على الالتزام وتحمل المسؤولية التاريخيه

موقف الدعم من قبل حكومة مصر العربيه للثورة ساعة اعلان الثورة ، وكذلك موقف الاتحاد السوفيتي السياسي والعسكري الصارم مع الثورة آنذاك ، ومعه باقي الدول الاشتراكيه والديموقراطيه المؤيده بشكل مطلق للثورة

السياسه الصائبه التي اعلنت عنها قيادة الثورة بتطمين كافة الدول باهداف الثورة المشروعه عن طريق اعلان حالة الحياد والتعاون والصداقه بين العراق وبين دول الجوار وكافة دول العالم

الاعتراف السريع بدوله العراق الجمهوري من قبل عديد من دول العالم وعلى راسها دولة مصر العربيه ودول الاشتراكيه في حينها

استمرارية الدعم الشعبي الناشط والمؤيد لحكومة الثورة والألتفاف حولها ومنحها ثقتها المطلقة لأتخاذها خطوات سريعه وفاعله وحقيقية لصالح الجماهير الفقيرة والطبقه المسحوقه

اما اسباب نكستها هي باعتقادي ما يلي

سبق الثورة زمانا لتطلعات الجماهير نسبة الى قيادتها السياسيه التي اصابها حالة من الوهن ومواقف التلكؤ والتردد التي شابت ممارسات هذه القيادة وعدم ادامة الزخم الوطني والجماهيري لتحقيق تلك الطموحات والمطاليب والاهداف المشروعه التي قامت من اجلها الثورة

تفكك الوحده الوطنيه وحل ميثاق جبهة الاتحاد الوطني بين الاحزاب وايقاف نشاطاتها سواء كان بقرار الاحزاب نفسها او بتدخل قيادة الثورة ذاتها ما اضعف الثورة وعزل قيادتها عن الجماهير

تلكأ قيادة الثورة بتسليم الحكم الى رجال الساسه المدنين كما كان مقرر له قبل الثورة ، وقد يعود ذلك الى كثرة المهام للثورة وتكالب اعداءها للأطاحه بها ، ومحاولاتهم المتكرره كلها الهت القياده ، ولم تعطها الفرصه للتفرغ لتنفيذ هذا الامر ، كما اني ارى ان قادة الاحزاب الوطنيه آنذاك يتحملون نصف المسؤولية لمواقف احزابهم السياسيه المتخذه اتجاه الثورة ، وعدم اخذ البادره والضغط لأجل استلام الحكم من العسكرين بدلا من قرار تجميد انشطتها ، كما فعل الحزب الوطني الديموقراطي في حينه

تكالب قوى الشر واعداء الثورة للأطاحه بها وبمنجزاتها ،

وايقاف مدها خوفا من الافكار التقدميه التي اتت بها ، وكانت مؤلفة من قوى خارجيه على راسها الامبرياليه الامريكيه والبريطانيه ، وعملاء شركات النفط والرجعية العربيه والعناصر المتضرره من الثوره والجهات الدينيه ذات النفوذ والقوى القومية المتطرفه والبعث الفاشي

تعنت قيادة الثورة بمواقفها اتجاه بعض القوى الوطنية والديموقراطيه ، ومحاولة تهميشها والتشكك في ولائها ، مما سبب في تصدع وحدة الجماهير المسانده ، واحداث فجوه واسعه من عدم الثقه فيما بين القوى الوطنيه ذاتها احزابا ومنظمات ، والتي هي صاحبة المصلحه بترصين الثورة

خلاصة القول

وحيث ان ثورة تموز المجيده افرزت دروسا وعبرا كثيره ، فكان على القوى السياسيه استحضارها ، والاستفاده منها لبناء العراق الجديد ، وانتشال الشعب العراق من محنته الحاليه التي افرزتها ظروف الاحتلال الامريكي ،

ان ما ينقذ العراق في الوقت الحاضر ، ويأخذ بيد ابنائه هو وحدته الوطنيه عن طريق التوجه الديموقراطي اللبريالي لنظام حكم قائم على مبادئ حق المواطنه وتحقيق العداله الاجتماعيه لجماهير الشعب العراقي في ظل حماية مؤسسات دستورية وقانونيه بعيدا عن المحاصصات العنصريه والطائفيه .

المجد لثورة تموز وقادتها الابرار الخالدين

المجد والعلا للشعب العراقي بكل اطيافه وقومياته المتآخيه

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 10:21

صابئة حران والمندائيون اليوم

لقد تحدث في هذا الموضوع اغلبية الباحثين والكتاب والمؤرخين، قديما وحديثا، العرب والاجانب، المندائيين وغير المندائيين .. وبقيت الاراء متضاربة مابين مؤيد ورافض لفكرة ان صابئة حران هم امتداد للصابئة الموجودين في بطائح العراق.

اعتقد ان هذا الموضوع يجب ان يولى اهمية كبيرة من قبل الباحثين وخاصة المندائيين منهم لانهم وبكل بساطة معنيين بالموضوع اكثر من غيرهم، فبالاضافة الى حقيقة البحث العلمي مهما تكن، والتي من المفروض ان يلتزم بها الباحث ايا كانت جنسيته او دينه او اتجاهه السياسي او الادبي .. الخ .. فهنالك امر اخر يجب على الباحثين المندائيين ان يعوه وهو مسالة اظهار الحقائق عن دينهم وتراثهم ووجودهم التاريخي، لانه الدفاع عن الهوية والوجود المندائي، واعتقد شخصيا ان هذا الجانب، اقصد صابئة حران والمندائيين، له من الاهمية في اظهار الكثير من الامور الخافية، واثبات لحق مفقود، وتواجد تاريخي على الساحة الانسانية يجب ان لانهملها البتة في التاريخ المندائي.

ونحن نرى بان كلمة حران والقصص المتداولة حولها في المندائية لم تاتي في الكتب المندائية او في التراث المندائي المتداول اعتباطيا, وانما له ربط جدا وثيق ما بين هذه المدينة بكل ما تمثله على مختلف الاصعدة والصابئة المندائيون. ولا يلاقي أي من المهتمين صعوبة في الانتباه لتلك العلاقة عند قراته لكتب التراث العربي والتي زخرت بالكثير من الروايات حول هذا الموضوع .. واني لا ادعي بان تلك العلاقة هي واضحة وضوح الشمس ولا غبار عليها, فعلى العكس تشوبها الكثير من علامات الاستفهام التي تنتظر الباحثين والمهتمين للاجابة عنها. ولكني ادعو لعكس منهج البحث من عدم وجود تلك العلاقة مابين الصابئة الحرانيون والصابئة المندائيون (صابئة الوقت الحاضر) الى وجودية تلك العلاقة ولنجعلها منطلقا لدراساتنا حول ذلك الموضوع, وسوف نرى بان هناك الكثير يستحق اعادة النظر في تلك المسالة الشائكة ربما. بالاضافة الى الانتباه وعدم نسيان للزمن والعصر الذي تعيشه الطائفتين اللتان نقارنهما.

فحران التي نقصدها بحديثنا في هذ ه المقالة ، من المدن الهامة، في التأريخ الانساني، والصابئة المندائيون لهم حصة في هذا التأريخ العريق لا بل من صناعه ومن مبدعيه الأوائل، لانهم من الأقوام التي سكنت هذه المدينة .. التي سمي بها كتابهم التاريخي (حران كويثا).

وفي الحقيقة توجد اكثر من مدينة سميت حران، فحران في تركيا وحران في سوريا وحوران في العراق.

وادي حوران في العراق:

وهذه ملفتة للنظر للغاية وتحتاج إلى دراسة وبحث، بالإضافة إلى تنقيب اكثر جدية في هذه المنطقة التي تقع ما بين محافظتي كركوك والرمادي ،في الهضبة الغربية بالذات، وكانت تعرف (بصرى) وهي عاصمة الأنباط، وتقع على طريق تجاري معبد ومهم في الحضارات السابقة (بين الشام ومصر وبلاد فارس) .. ففي عام 1995 نشرت مجلة (ألف باء) العراقية مقالا مطولا عن رحلة قامت بها مجموعة من الباحثين الجيولوجيين إلى هذه المنطقة لدراسة طبيعة الأرض، وصدفة وجدوا الكثير من النقوش والرسوم القديمة المحفورة على جدران الصخور الكبيرة هناك، ولا أريد هنا ان أتجنى كوني مندائيا ولكن الصور المنشورة وما حوته من رسوم أدهشت كل من رآها وتمعن بها، واعتقد بان للمندائيين شيئا من هذه المنطقة!!.. فكتبت إحدى الزائرات لهذه المنطقة وهي الدكتورة سحر شاكر مقالة في المجلة المذكورة وتدعوا المنقبين والباحثين المختصين للذهاب واستطلاع الامر، باعتبار ان هذا الموضوع هو ليس من اختصاصها الذي هو علم طبقات الأرض، وقد دبجت مقالتها بعناوين((اكبر متحف عراقي في الهواء الطلق، تتمنى متاحف العالم ان تحوز على قطعة واحدة منه .. الإنسان العراقي القديم يترك آثاره قبل 2500 إلى 7000 سنة قبل الميلاد)). وقد حاولت مع بعض الاخوة والأخوات المندائيين المهتمين ان نصل إلى تلك المنطقة بعد اخذ الموافقات الرسمية، وبمصاحبة الدكتورة المذكورة، ولكن اصطدمنا بعائقين أساسيين هما الدعم المادي المكلف، ورفض دائرة السياحة للطلب المقدم لان هناك ثكنة عسكرية للجيش العراقي قرب المنطقة.

معنى كلمة حران:

جاء في كتب المؤرخين العرب عدت معاني نلخصها كالآتي:

• · ابن جبير (إنها بلد اشتق تسميته من هوائه).

• · ياقوت الحموي (سميت بهاران ، أخي إبراهيم الخليل ، لانه أول من بناها فعربت ، فقيل حران).

• · الطبري (أن نوحا خطها ، عند انقضاء الطوفان ، وخط سورها بنفسه وفيها منازل الصابئة).

• · أبا الفرج ابن العبري (ان الذي بناها هو قينان على اسم هاران ابنه).

• · هناك رأي عند بعض العلماء بان معنى حران (الطريق).

• · والبعض الآخر يقول بان حران جاءت من ألاكدية (حرانو HARRAANU ) بمعنى محطة او عاصمة تجارية، وذلك بالنسبة الى موقعها المميز بين اشور وبابل وسوريا.

المندائية من العقائد الباطنية:

من المعروف عند جميع الباحثين ان المندائية في مراحل كثيرة من تاريخها صح تصنيفها من ضمن العقائد الباطنية أو السرية التي لا يفشي معتنقيها أسرار وأمور عبادتهم وفكرهم ، وليس موضوعنا ألان ان نبحث بالأسباب الحقيقية التي جعلت المندائيين يخفون أفكارهم وعقائدهم ويتجنبون البوح بها وان ينظروا إلى سريتها بالمنظار المقدس ..وسوف نقوم به في مناسبة أخرى .. من هذا المنطلق فمن الطبيعي جدا ان لملة كهذه مغلقة على نفسها لا تفشي من أسرار عبادتها شيء .. ان تنعت وتوصف من قبل المؤرخين ، لا بل وحتى في نظر الناس المجاورين لهم ، بنعوت وصفات لا تمت إلى حقيقة عقائدهم بشيء .. فتكثر بذلك الدعايات والتؤيلات والتفاسير العيانية الغريبة لمجمل الفعاليات والمراسيم التي يمارسها معتنقي هذا المذهب .. ولان الديانة المندائية ديانة غير تبشيرية او أغلقت لاسباب كثيرة ومن مدة طويلة .. ولان أصحاب هذا المذهب حافظوا على عدم الكشف عن أسراره منعا للإساءة أليه عند عدم فهمه أو للضغوط والاضطهاد الكبير الذي تعرضوا أليه على فترات مختلفة .. ولان التسامح والسلام صفة أصيلة في أهل هذا المذهب ومن أخلاقيات تعاليمهم الروحية.

فقد وجد البعض في هذه المرتكزات تربة صالحة لبذور افتراءاتهم الباطلة، ورواياتهم الرخيصة البعيدة عن الذوق والمنطق فاصدروا الإشاعات لترويج ما أبدعته نفوسهم المريضة من أباطيل، ودس رخيص واتهامات حاقدة، ومن هذه الأراجيف اتهام أهل التوحيد الأول والقديم بعبادة الكواكب والنجوم.

وحقيقة ان ابن النديم والشهرستاني مثلهم مثل بعض المؤرخين العرب القدماء لا يختلفون عن هؤلاء المؤرخين الذين دبجوا كتبهم بالكثير من الطوائف وتحدثوا عن معتقداتهم وأفكارهم .. وهم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن حقيقة تلك الطوائف .. وهذا لا يخفى عن القارئ المحنك عند قراءته لكتاب الفهرست لابن النديم والملل والنحل للشهرستاني وغيرهم. فجميع الروايات التي نقلها ابن النديم والمسعودي عن عبادة وحياة الصابئة في حران، اعتقد بان مصدرها من الرهبان السريان والمؤرخون المسيحيون في منطقة الرها، الذين اشتهروا بعدائهم وغيرتهم من علماء ومفكري الصابئة الحرانيون الذين اشتهروا في بلاط الدولة الإسلامية، وارتفعت مكانتهم، فكانت سبب في النهضة العلمية والمعرفية آنذاك. على كل أن هذه الروايات ليست سوى دعايات رخيصة هدفها النيل من المكانة المميزة التي حضي بها الصابئة آنذاك.1 ¨

ولقد أعلن الكثير من العلماء المعاصرين مثل سميث وسيغال وحتى الليدي دراور، شكوكهم في ما يخص صحة الروايات التي نقلها الكتبة والمؤرخون العرب عن ديانة الصابئة في حران. فهم يعتقدون بأنه ليس من الحكمة الثقة برواة معادين.

اسم الديانة في حران:

يقول الكاتب محمد عبد الحميد الحمد في كتابه (صابئة حران واخوان الصفا) والباحث س. كوندوز في كتابه (معرفة الحياة) ان الحرانيون ليسوا بالصابئة. ويستخدمون اسم (ديانة حران، الديانة الحرانية) شانهم بذلك شان أغلبية الباحثين والمؤرخين، واعتقد على كثرة ما بحثته من هذه التسمية، أن فيها تشويها كبيرا للحقيقة .. كيف ذلك ؟!! هذا ما سوف اعرضه الان:

لا اعتقد بان هذه هي التسمية الحقيقية لهذا الدين المجهول الاسم عند المؤرخين العرب القدماء، فمن غير المعقول أن يسمى دين على اسم مدينة !!

لقد ذكرنا بان مدينة حران، مدينة متعددة الشرائع والعبادات حالها حال مدينة بغداد مثلا، فمن الخطا ان نطلق تسمية ديانة بغداد او الديانة البغدادية!!.. ونحن بذلك نختزل جميع الديانات والاتجاهات الفكرية في تسمية واحدة ونبخس حق كل دين موجود في المدينة، وبذلك تضيع الاتجاهات الوثنية مع الديانات التوحيدية!!.

ومن جانب آخر ذكر مار يعقوب الرهاوي والمتوفى سنة (708) في كتابه الأيام الستة ((عندما اطلع على كتاب هرمس الحكيم وهو من كتب الحرانية المقدسة قال عنهم: وهؤلاء القوم عند الناس لهم اسماء مختلفة منها الكلدان والحرانيون والحنوفون)) .. نستنتج من كلامه شيئين مهمين، اولهما: ان هؤلاء القوم عند الناس والأقوام المجاورة يعرفون بعدة اسماء منها التسميات التي أوردها!!.. والسؤال هو ماذا كانوا هم يطلقون على أنفسهم؟! هل كانوا يطلقون على دينهم (دين حران) نسبة الى المدينة التي كانوا يقطنوها!! هل من المعقول والجائز ان يطلق اسم مدينة على دين!!.. وإذا أراد أحد المسيحيين في العراق ان يعبر عن جنسيته، ويقول انا عراقي، فهل هذا معناه ان ديانته عراقية او ديانته اسلامية باعتبار ان الدين الرسمي في العراق هو الإسلام!!.. نفس الشيء يحصل للفرد اليهودي او الصابئي الساكن مدينة حران، يقول انا يهودي حراني او يهودي من حران او انا صابئي حراني!!.. مثلما هناك تسميات أوردها بعض المؤرخين مثل صابئة البطائح وصابئة حران، فهذا لايعني بان هنالك فرقتين من الصابئة، وانما المراد بالتسمية التوضيح بان هذا الصابئي من حران وان ذاك من البطائح وهي منطقة في جنوب العراق!!.. وفي وقتنا الراهن سمعت تسمية مشابهة لهذه التسمية ويصح ان نوردها الان، فهناك ما يسمى بصابئة العراق وصابئة إيران، هل المقصود من هذه التسمية فرقتين او طائفتين من الصابئة؟!!.. فهذا اعتقد خلط كبير وواضح للتسمية التي أوردها المؤرخون قديما.

كما ان هنالك الكثير من الاسماء التي وردت في كتب المؤرخين التي تذيل بكلمة (الحراني) وهم ليسوا من الصابئة وانما بعض منهم مسيحيين او يهود او اسلام، وهذا يثبت ما ذهبت اليه.

ولقد ورد شيء جميل وملفت للنظر في كتاب (هدية العارفين) للباباني ص 5، وهو يتحدث عن ابو اسحاق الصابئي الحراني فورد الاتي:

(الحراني: ابو اسحاق ابراهيم بن سنان بن ثابت بن قرة ابن مروان بن ثابت الحراني ثم البغدادي الطبيب من الصابئة توفي سنة 335). اذن فكنيته تشير الى مكان وليست الى دين او معتقد او طريقة فكرية. فهو اشار بانه الحراني أي نسبة الى (حران) لانه جاء او اصله من تلك المدينة، ومن ثم اصبح البغدادي، لانه نشأ وترعرع وعاش فيها.

وان الأسماء التي أوردها مار يعقوب الرهاوي واضحة المعنى أيضا، وأنا أتساءل هل ممكن ان تعني تسميتهم بالكلدان، انهم من الأصل في وادي الرافدين ونزحوا الى تلك المدينة؟! أم ان لديهم ارتباط وثيق وصلة قرابة بالكلدان في وسط وجنوب العراق؟!!.. وماذا تعني يا ترى تسمية الحنوفون التي أطلقت عليهم من قبل الأقوام المجاورة، وهل ممكن ان تعني الحنفيون او الأحناف!!.. وللعلم ان هذه التسميات أيضا قد أطلقت على الصابئة المندائيون. فقد ذكر المسعودي في كتابه (التنبيه والاشراف) ص 86، بان دين الصابئة وهي الحنيفية الاولى.

المندائيون الفلسطينيون:

كان الصابئة يقطنون تلك المدينة المسماة بحران، وعندما هاجر الصابئة المندائيون الفلسطينيون في القرن الأول الميلادي بعد دمار أورشليم حوالي سنة 70 للميلاد على يد القائد الروماني تيطوس،صعدوا الى هذه المدينة، لان لهم اخوة في الدين. فبقي منهم في حران، والبقية الباقية اثرت النزول الى وادي الرافدين عن طريق النهرين، وخاصة عن طريق نهر الفرات حسب اعتقادي، ومروا ايضا ب(بصرى – حوران) عاصمة الانباط، للالتقاء والاستقرار اخيرا مع اخوتهم ايضا الصابئة الموجودين في البطائح .. وكانت هذه الهجرة تحت رعاية الملك اردوان (يعتقد بأنه الملك البارثي ارطبانوس)،هذا ما ذكره الكتاب المندائي التاريخي (حران كويثا).

ومن المهم ذكره هنا، بان هناك عين ماء تسمى (عين الذهبانية او عين العروس) ألان ، وموقعها جنوب تل ابيض مقابل إحدى أبواب مدينة حران التاريخية، والتي كانت تسمى من قبل أهل حران ب(المصبتا) أي بمعنى التعميد او الصباغة وهو الطقس المشهورة به ديانة الصابئة سواء أكانوا في حران او في بطائح العراق!!.. ويقال أيضا ان هذه العين تابعة لإبراهيم الخليل، هذا حسب ما أورده الكتبة والمؤرخون العرب ومنهم ابن جبير. ويروي أحد المشاهدين لهذا المكان بان عينه الجارية قد جفت في بداية التسعينات من هذا القرن. ويذكر أيضا بان هذه العين كانت للمياه الجارية الساخنة!!.. وكان الناس يقصدونها من اجل الشفاء من بعض الأمراض الجلدية خاصة. وهذا يذكرنا بالقصة المندائية المتوارثة حول تواجد أجداد المندائيين في منطقة جبلية، وكانوا يتعمدون في مياه ساخنة شتاءا!!.

ومن باب آخر إذا أسلمنا بقصة ايشع القطيعي النصراني، فلماذا بقت تسمية الصابئة إلى اليوم تطلق على هؤلاء الناس او ذلك الدين المجهول الهوية والاسم؟!!

وقد ورد في كتاب (شذرات من كتب مفقودة في التاريخ) الذي استخرجها وحققها الدكتور إحسان عباس، حديث عن كتاب (الربيع) المفقود لغرس النعمة بن هلال الصابئي، ولا اشد من انبهاري وانا أقرا ان معظم الروايات المنقولة على لسان غرس النعمة عن شخص قريب له يسمى أبو سعد الماندائي، إذ يقول غرس النعمة ((حدثني أبو سعد المندائي قال: ......الخ .. وحدثني المندائي ... الخ))، وهذه أول مرة تأتي هذه التسمية (المندائي) على لسان أحد الأشخاص المنتمين الى الصابئة الحرانية في النسب .. فقد كان والد جده أبو إسحاق الصابئي المترسل المعروف. وان المحقق للكتاب المفقود لم يعلق على هذه الكلمة (المندائي) واعتبرها اسم لعشيرة!!.. وللعلم ورد ذكر أحد العلماء المشهورين أيام العباسيين اسمه أبو الفتح المندائي، وهو صابئي من أهل حران!!. ومن الأهمية أن نذكر أيضا ورود اسم زهرون أو أل زهرون عند ذكر الكثير من أسماء الصابئة الحرانيون والمشهورون في البلاط العباسي. فاسم زهرون هو من الأسماء المقدسة الواردة كثيرا في النصوص الدينية المندائية، وهو اسم أحد الملائكة، وان نفس الاسم تكنى به عشيرة من كبريات العشائر المندائية ولحد ألان، وهي عائلة (أل زهرون).

الصابئة المندائيون في حران:

أن الصابئة المندائيون وحسب كل الدلائل والإشارات التاريخية كانوا يسكنون مدينة حران ومساهمون بتاريخها وحضارتها، ولكن هذا لايعني وجودهم في المنطقة لوحدهم .. وأما حران فهي مدينة كبيرة مختلفة الشرائع والعبادات والمذاهب .. حالها حال مدينة بغداد مثلا ، فيوجد فيها الصابئي والمسيحي واليهودي والمسلم واليزيدي وغيرهم . وكانت حران في مطلع القرن الثامن الميلادي، مجتمعا متعدد الاعراق والديانات. تعيش في ظل ثقافة عربية إسلامية، والظاهر ان أهل الرها الذين يدينون بالمسيحية كانوا على نقيض مع ثقافة حران فلذلك وردت حران في كتابات أهل الرها بأنهم عبدة أوثان ووصفوهم بمختلف الصفات السيئة وهذا يدل على وجود خلاف فكري وعقائدي معهم.

واعتقد أن المؤرخين العرب صار عندهم خلط واضح ما بين الصابئة المندائيين وتسميتها، وبعض الطقوس الوثنية وعبادة الكواكب التي تمارسها بعض المذاهب القديمة .. وهذا يظهر جليا عند وصفهم للصابئة في معرض حديثهم ، فهم في بعض الفقرات يأتون على وصف مذهب الصابئة بصفات تدل على وثنية خالصة ، وفقرات أخرى يأتون بصفات تدل على وحدانية خالصة !!. والحق يقال ان المشاهد العياني لاي من الطقوس المندائية او غيرها وان لم يشاهدها مسبقا، يظن للوهلة الاولى بانها تمت بصلة لطقوس عبادة وثنية واشراك بالله!! ولكن يصل الى هذه النتيجة فقط عندما يستند الى تفسيره الخاص بدون الرجوع الى اصحاب الشان في المراسيم او الطقوس المذكورة وتفسيرهم لها وما يبغونه منها. فمثلا تقبيل تمثال السيد المسيح او مريم العذراء من قبل بعض المؤمنين المسيحين، او تقبيل الحجر الاسود في الكعبة اثناء الحج عند المسلمين .. هل نستطيع ان نقول ان مثل هذه الممارسات تمت بصلة الى الوثنية؟ او هي من بقايا عبادة الاوثان والشرك بالله في الازمان الغابرة؟ وهنالك الكثير من على شاكلة تلك الامثلة نستطيع ان نوردها.

ومثلما أوضحنا سابقا أن المؤرخين العرب اعتمدوا على الرواية الشفهية والتناقل بين شخص وآخر على كتابتهم لتاريخهم وهذا يعطي الدليل المنطقي على خلطهم وتؤيلهم لأمر الصابئة.

مثال واقعي حاصل:

وبودي أن اسرد مثال واحد فقط يكفي لأبين صحة ما ذهبت أليه حول هذا الموضوع .. جميع المندائيين يعرفون الدعايات والتؤيلات المغرضة التي يبثها بعض الناس الجهلة والتي تدور في مخيلتهم على الرغم من كذبها وتلفيقها وعدم عدالتها ، ومثال هذه الدعايات (وهو أن الصابئة يخنقون الميت قبل وفاته .. أو بإسقاط الذبيحة (الخروف) من فوق سطح البيت وبعد ذلك يتم خنقه وأكله!!) وصدقها الكثير من أبناء المجتمع العراقي مع الأسف الشديد بدون تمحيص وتدقيق والبعض منهم من الف الكتب وألقى المحاضرات حولهم بالاعتماد على دعايات وتؤيلات لا أساس لها من الصحة .. ولقد دعيت ذات مرة لحضور محاضرة في إحدى الكنائس المسيحية في بغداد بعنوان (الصابئة المندائيون) لأحد المحاضرين المعروفين على مستوى الكنائس في العراق .. ولقد كان عدد الحضور حوالي 60 شخص من كلا الجنسين .. ولا اشد من اندهاشي وهو يتطرق لمواضيع حول المندائية لا تمت بصلة لها .. وهو حديث بالحقيقة اقرب إلى حديث بعض العامة الذي لايمت إلى حقيقة البحث العلمي وأصوله، فهو يقول من جملة ما يقوله، بان الصابئة المندائيون يعبدون كوكب الجدي!!.. وغيرها كثير اتحف بها محاضرته التي ليست سوى اعطاء رؤية خاطئة جدا ومنافية للحقيقة عن الصابئية المندائية، سواء عن قصد او عن غيره .. وعندما انتهت المحاضرة وبعد تحدثي معه وسألته عن المصادر التي اعتمدها في محاضرته هذه .. فكانت الفاجعة عندما قال لي بأنه اعتمد على مقالة لانستاس ماري الكرملي المنشورة في مجلة المسرة المسيحية الصادرة عام 1969م ، وكتاب الصابئة في حاضرهم وماضيهم لمن يقولون عنه بالمؤرخ عبد الرزاق الحسني، وقصته المعروفة مع سيادة المرحوم الكنزبرا دخيل الكنزبرا عيدان (ولي رجعة حول هذا الكتاب في مناسبة أخرى!) وعلى ما يعرفه من معلومات متفرقة حولهم من المحيط العام (أي الدعايات والتؤيلات التي تحدثنا عنها والتي سمعها من شرذمة المجتمع) .. فأنا حقيقة اعجب لمثل هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين والباحثين وهم ابعد بكثير من أن يكونوا بهذا الشكل .. فكيف على الباحث أن يخوض في مثل هذا الموضوع معتمدا على دعايات وتؤيلات تقال هنا وهناك ولا أساس لها من الصحة ؟!! والظاهر أن أغلبية المؤرخين والكتبة العرب من هذا الصنف .. أبعدنا الله عن هؤلاء الذين يشوهون أخبار الأولين بقصد أو بغيره معتمدين على شائعات ودعايات واهية، وأبعدنا الله أيضا عن الباحثين من أمثال صاحبنا الذي اعتمد في إلقاء محاضرة عن تاريخ وطقوس وأفكار وعبادة المندائيين الوجه الأخير من روحانيات العصر القديم ، على مقالة بسيطة نشرت في إحدى المجلات!!!

فلما حاججت أخينا بكيفية اعتماده على تلك المصادر فقط .. قال وعذره اشد من فعلته .. (لاوجود لمصادر حول المندائية في المكاتب) ، ولحسن حظي كنت جالبا معي ما يقارب السبعة كتب تدور حول المندائية ومن مختلف الجوانب والمتوفرة في المكتبات العامة والخاصة .. فعندما تفحصهن وتأكد من أن الغالبية العظمى من الكتب إصدار دور النشر العراقية ، فظل خجلا لا يعرف بماذا يجيب .. ومن أمثاله كثير!!.. ونحن لا ننكر بقلة الكتب الصحيحة والموثوقة التي تتناول الصابئة المندائيين في المكتبة العربية .. ولكن هذا لايعني أن نتجنى وان ننشر الأفكار غير الصحيحة حول مجموعة من الناس!! وهذا ما فعله بالضبط أخينا بالله.

فلا نستغرب إذا عزيزي القارئ الكريم ، من ابن النديم والشهرستاني وغيرهم من المؤرخين العرب الذين يقولون بان الصابئة يحرقون الإنسان ويسلخون جلده ويقطعونه اربا، وبعد ذلك يأكلونه. وهذه العملية هي جزء من طقوسهم وقرابينهم للقمر أو الكواكب الأخرى !!.. وغيرها من الأكاذيب كثير تجده عزيزي القارئ في كتاب الفهرست لابن النديم والملل والنحل للشهرستاني. واعتقد ان القارئ لهذا الكتاب يشعر بأنه يشاهد أحد الأفلام المرعبة عن آكلي لحوم البشر!!.

ومعروف عن المؤرخين العرب القدماء ، انهم يعتمدون في مادتهم العلمية والتاريخية على الرواية الشفهية من شخص لأخر دون تمحيص وتدقيق بالأمور التاريخية المنقولة .. وان الرجل ابن النديم يعترف بان مصدر معلوماته أشخاص آخرين .. لا نعرف نحن ألان مدى صحتهم ومدى حسن نواياهم ومدى معرفتهم بالصابئة آنذاك ، وهل كانوا أصدقاء أم أعداء حاسدين ؟! .. واعتقد أن ابن النديم لا يعرفهم شخصيا ولم يقابل واحد منهم البتة .. أكيد أن معلوماته عن الصابئة جاءت عن طريق السماع .. وأعوذ بالله من هكذا مؤرخين ينقلون أخبار التاريخ عن طريق السماع !! .. ومثلما يقول المثل الدارج ((بين العين والأذن أربعة أصابع)) ، وأنا بدوري أقول ((أن بين الحقيقة والخيال ، والصدق والكذب ، شعرة واحدة)).

صابئة حران والدولة الاسلامية:

وان كان الصابئة في حران وثنيين حسب زعم ابن النديم ،فكيف أذن استطاعوا أن يصوبوا مواضع الرياسة في مجال الثقافة والعلم والأدب في الدولة الإسلامية ؟! .. وكيف قبل سادة الدولة الإسلامية بذلك؟!..ونحن نعرف جيدا ما للدين الإسلامي من حزم على إنكار وهدر وإباحة الكفار الوثنيين !! ..وهذا الأمر يأخذنا إلى نتيجة مفادها أن لصابئة حران حجة قوية وأساس توحيدي قوي استطاعوا من خلاله بسط شخصيتهم واحترامهم آنذاك. ومن الجدير بالذكر انهم حصلوا على رخصة أمير المؤمنين في ممارسة شعائرهم وطقوسهم بشكل علني في أماكن عباداتهم !!.

اما بخصوص اهتمام صابئة حران بالفلك والتنجيم واخذ الطالع وشرح طبيعة الكواكب واسمائها وميزاتها ومتعلقاتها، فهذا يظهر جليا واضحا لمن له معرفة أو قراءة في كتاب مندائي اسمه (أسفر ملواشي)!!.. وللعلم أن جميع الأديان والملل والمذاهب القديمة والحديثة في جميع شعوب العالم، اهتمت بهذه الناحية من الحياة الإنسانية ولديها تراث كبير في هذا النوع من المعرفة، وربما لا بل أكيد انه اكثر من الأدب والتراث المندائي!!. فهذا لايعني ان جميع التراث المكتوب باللغة المندائية مثلا، بالضرورة أن يكون تراث مقدس ويعبر عن عبادة المندائيين!!.

الصابئة وحركة اخوان الصفا:

اضافة الى ان هؤلاء الصابئة الذين عملوا في البلاط العربي الاسلامي كان لهم اثر جدا كبير على الفكر العربي الاسلامي .. وكثير من الحركات الفكرية التي ازدهرت آنذاك .. كان الفكر الصابئي له التاثير الكبير عليها .. وخاصة يكفي هنا ان نضرب مثل واحد في هذا الموضوع وهو بما يسمى باخوان الصفا وهي حركة فكرية ازدهرت في العهد الاسلامي .. فانا اتفق مع الكاتب عبد الحميد من ان فكر هذه الحركة (اخوان الصفا)اغلبيته مستمد من الفكر الصابئي .. وخاصة وان الفكر الصابئي كان متداولا في العهد العباسي والاموي من خلال جهابذة العلم والادب الصابئة من امثال ثابت بن قرة وابو اسحاق الصابئي ... الخ.

وهذا يظهر جليا عند قراءت نا لبعض الرسائل التابعة لهذه الحركة والتي تسمى (رسائل اخوان الصفا) فوجدت فيها فصلا كاملا عن علاقة حسابية فلكية رقمية، نفسها موجود في كتاب مندائي يسمى (أسفر ملواشا - سفر الأبراج) اعتقد بانه ترجمة حرفية عربية لما موجود في هذا الكتاب المندائي !!!

إضافة للتشابه الغريب والعجيب للأفكار الغنوصية الموجودة في هذه الرسائل، مع أجزاء من ديوان مخطوط باللغة المندائية يدعى (ألف ترسر شيالة – ألف واثنى عشر سؤال). سوف اعقد مقارنة ما بين فكر طائفة اخوان الصفا والمندائيون في مناسبة اخرى.

شخصيات من صابئة حران في البلاط الاسلامي:

فابن النديم يذكر في فهرسته اكثر من عشرة أسماء لامعة من صابئة حران كانت لهم مواضع الرياسة في كثير من مجالات العلم والمعرفة وحتى الدولة وعلى مدار سنين طويلة. فقد جاء في كتب المؤرخين وفي كتب الأفذاذ من علماء الصابئة الحرانيين عن ثابت بن قرة الصابئي الحراني المعروف بعلمه الوفير والذي تميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات، فقد تخرج ثابت والذي كان قد برز من بين اقرانه، واصبح من أخوان العهد والثبات (ابني قايما)، وصار له الحق في كشف الأسرار، وقد دعي (صديقيا) كما ورد عند ابن النديم، وهي تعني الحكماء الإلهيين، او من كان حكيما كاملا في أجزاء علوم الحكمة. وأنا اعتقد ان هذه الكلمة محرفة أو من كلمة (ناصورائي زديقي ) المندائية، والتي تعني المتبحر بالعلوم الدينية والمعرفية والإلهية او من كلمة (زاديقي) أي الصديق. وبالإضافة إلى ذلك فان الباحثة الإنكليزية الليدي دراور المتخصصة بالدراسات المندائية تؤكد بان المفكرين الحرانيين كثابت ابن قرة ومدرسته كانوا من عباقرة الصابئة الناصورائيين المندائيين الذين يمارسون التعميد وكانوا أوفياء لدينهم الذين عليه ولدوا. ولقد كتب ثابت رسالة في مذهب الصابئين وديانتهم، كما أن ولده سنان بن ثابت قام أيضا بترجمة بعض الصلوات والأدعية الصابئية الى اللغة العربية، فلديه رسالة في شرح مذهب الصابئين ورسالة في النجوم ورسالة في اخبار ابائه واجداده وسلفه، ورسالة في قسمة ايام الجمعة على الكواكب السبعة الفها لابي اسحاق الصابئي ، واحتمال جدا ان تكون بعض ماورد في كتاب (اسفر ملواشي – سفر الابراج) المخطوط باللغة المندائية، من تاليفه او تاليف والده.

ولدي حدس كبير يقول بان بعض الاعلام المندائية التي حافظت على الدين والكتب، والذين ورد ذكرهم في الكتب المندائية، ولانعرف ماهي اسمائهم الحقيقية، لان اسمائهم الواردة في الكتب هي دينية .. اعتقد بان من فيهم ثابت وغيره.

وللعلم ان مؤرخ الفلسفة المعروف ابن حزم يشير في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) الى ان الحرانيين هم من الصابئة الذين يرد ذكرهم في القران. وقد صنف عبد القادر الجزائري في كتابه (ذكرى العاقل وتنبيه الغافل)، العرب قبل الاسلام، أصنافا: صنف اعترف بالخالق، وانكر البعث. وصنف عبدوا الاصنام. وصنف عبدوا الملائكة. وكان منهم من يميل الى اليهودية ومنهم من يميل الى النصرانية ومنهم من يميل الى الصابئة وكانت بقيت عندهم، بقايا من دين اسماعيل وابراهيم الخليل.

هل المندائيون اهتموا بالتاريخ ؟!!

من الأجدر أن نعترف بان الأمور التاريخية التي وصلتنا عن طريق الكتب والمخطوطات المندائية، هي ضئيلة ولا تشبع فضول الباحث. ولكن في نفس الوقت من المرفوض القول بان المندائيون لا يهتمون بكتابة تاريخهم أو التاريخ بصورة عامة. فان محاولاتهم من خلال ما وصلنا عن طريق الرواية الشفهية وديوان حران كويثا (وخاصة إذا خلصنا الأخير من بعض التزويقات والخيالات والتي تتشابه مع بعض الكتب التاريخية القديمة) وكذلك الازهارات (وهي عبارة عن ذيول تاريخية وردت في آخر الكتب والدواوين المندائية) ما هو إلا إثبات واضح وصريح من تمكن المندائيون من كتابة ونقل التاريخ الآمين .. ولكن اعتقد بان هنالك الكثير من الكتب المندائية، وربما التاريخية قد فقدت أو مخبأة لحد هذه اللحظة !!! أو ربما أتلفت عمدا أو عن غير قصد أو لم تكتشف لحد الان .. لأننا لحد هذه اللحظة لا نمتلك تقرير كامل وموثق لعدد الكتب والمخطوطات المندائية .. ولا ننسى من محاولة البعض التخلص من كل ما يتعلق بالمندائية وبشتى الوسائل. وذلك لأغراض ربما تكون سياسية في عصر معين أو دينية أو اجتماعية في عصر آخر.

فعلى قلة الكتب والمخطوطات المندائية الموجودة في حوزتنا الان، او المخبأة والتي لم ترى النور لحد هذه اللحظة، والتي تتحدث عن التاريخ المندائي، لا يمكن القول بان ليس هناك تاريخ مندائي او ان التاريخ المندائي ليس ذو أهمية في تاريخ المناطق التي سكنها المندائيون قديما !!!.. وبنفس الوقت لا يمكننا القول بان المندائية كانت لها تاريخ معقد وعميق كالحظارة اليونانية او غيرها.

الاتهام الاول يرجع اليوم:

ومثلما اتهمنا اليوم بعبادتنا من أناس سواء ليس لديهم فهم حقيقي وعلمي للديانة الصابئية المندائية او من أناس حاقدين رغم معرفتهم الحقيقة، اتهم ايضا أجدادنا الأوائل بعبادتهم ووصفوا بالوثنية او الشرك بالله من أناس على نفس الشاكلة السابقة .. فعلى الرغم من الاضطهاد الذي حصل لأجدادنا الصابئة المندائيين في مدينة حران، الذي أدى الى إسلام بعضهم وتنصر البعض الأخر خوفا، بقي الكثير منهم على دينهم أمينين، صامدين متحملين الظلم لاجله، واستطاعوا رغم هذا الظلم والاضطهاد ان يتبوؤا مراكز مهمة في الدولة الإسلامية وغيرها بفضل عزيمتهم وعلمهم واخلاقهم، فقد كان ابو اسحاق الصابئي من نساك دينه والمتشددين في ديانته وفي محاماته على مذهبه . وقد جهد فيه عز الدولة ان يسلم فلم يقع له ولما مات رثاه الشريف الرضي ، وقصته وقصائده مع ابي اسحاق معروفة للجميع.

وقال ثابت بن قرة الصابئي الحراني ((عندما اضطر الكثيرون، الى ان ينقادوا الى الضلال، خوفا من العذاب، احتمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى، ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة)).

ومن جملة الظلم والغزو الذي تعرض له الصابئة في التاريخ فهو كثير، فقد ذكر في كتاب (لسان الميزان) لابن حجر العسقلاني، بان الامير محمد بن مروان بن الحكم الاموي قد غزا الصابئة مرارا وسبى بها.

وأريد هنا أن انقل شيئا ملفتا من كتاب (الفهرست) ، لكي أبين مدى الخلط الذي ذهب أليه ابن النديم في كتابته ونقله للتاريخ ، فهو يتحدث عن طائفة اسمها (الكشطيين) وجاء بالنص ما يلي:(يقولون بالذبائح والشهوة والحرص والمفاخرة . ويقولون انه كان قبل كل شيء ، الحي العظيم ، فخلق من نفسه ابناً سماه نجم الضياء : ويسمونه ، الحي الثاني . ويقولون بالقربان والهدايا والأشياء الحسنة ).

فمن هم الكشطيين هؤلاء ؟ (للعلم أن هذه الكلمة مندائية الأصل وجاءت من كلمة كشطا أي الحق أو العدل أو العهد، وهذه الكلمة نفسها تطلق على المندائيين في الكتب الدينية !!) .. يلاحظ القارئ الكريم مدى الخلط الواضح في كلام ابن النديم في تعريف هذه الطائفة .. وهناك الكثير في كتاب الفهرست لابن النديم.

أن ابن النديم ليس سوى ناقل للدعايات والإشاعات بدون تمحيص أو تدقيق ، والعهدة على القائل والناقل كما يقولون !! .. أقول من أين اخذ محاضرنا الذي تحدثنا عنه ، أسلوبه بالبحث ، الظاهر والله اعلم أن الشغلة متوارثة من أجداده الأوائل !!

اما ايشع القطيعي النصراني وقصته حول الصابئة ورحلة المامون فهي قصة واهية ومغرضة دحضها اغلب الباحثين من أمثال الليدي دراور وناجية المراني وعزيز سباهي في كتابه الأخير، وحتى الشاعرة المندائية لميعة عباس عمارة في بحث لها.

وبودي أن انقل بيتين من الشعر في هذه المناسبة للشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي فهو يقول:

وما كتب التاريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لامر الحاضرين فرابنا فكيف بأمر الغابرين نصدق

وهذا فعلا ما حصل عندنا (الصابئة) فنحن موجودين على قيد الحياة وممكن التحقق من امرنا بكل سهولة، ولكن ننعت ونضرب في عبادتنا للخالق ويقولون أننا نخنق الميت!!

فهذا في الحقيقة مأخذ كبير على المؤرخين العرب ومصداقية التاريخ الذي كتبوه .. وأنا لا أقول بان كل التاريخ الذي كتبوه هو غير صحيح وغير موثوق فيه .. ولكن على الباحثين اليوم أن يدققوا ويتفحصوا كل ما ينقله المؤرخين العرب لنا، وهذا ما تنص عليه أصول البحث العلمي الدقيق. وقد أكدت الباحثة الإنكليزية الليدي دراور التي عاشت فترة طويلة في جنوب العراق تدرس التراث المندائي. قالت (في جملة ما أورده المؤلفون العرب من روايات يوجد بها قدر لاباس به من الحقيقة، وهو ان لدى الحرانيين ما يشتركون به مع الصابئة المندائية، الذين يسكنون أهوار جنوب العراق).

وحسب اطلاعي وبحثي في هذه المسالة بالذات، بان الصابئة قديما وحديثا هم المندائيون أنفسهم .. وان صابئة حران ما هم إلا امتداد لصابئة العراق وفلسطين المندائيين .. واحتمال ان يكون قد تشبه بعض الأقوام بالصابئة لفترة معينة قصيرة ولحالة خاصة، ولكن هذا لا يعني بوجود فرقتين من الصابئة المندائيين. وان فطاحل العلماء والمفكرين الصابئة الذين اشتهروا في البلاط الإسلامي ما هم إلا صابئة مندائيين.

واليوم كما في السابق،من منا قام بمدح دين آخر غير دينه أو على حساب دينه فكل المناقشات والجلسات وخاصة الدينية منها ليست سوى إظهار عيوب الأديان الأخرى وبث الدعايات والتؤيلات السيئة عليها .. وهذا الحال لم يظهر ألان أو هو وليد عصر ما يسمى بالديانات السماوية او الكونية مثلما اصطلح على تسميتها احد الكتاب .. بل هو موجود منذ فجر التاريخ وبالضبط عندما بدا الإنسان يعبد قوى الطبيعة .. فهذه الحالة لاتمت بصلة إلى الإيمان الحقيقي والى جوهر عبادة شيء اسمه الله .. وتذكرني هذه الحالة بمقولة لأحدهم بما معناه (أن الوطنية هي حب الوطن والإخلاص له ولايعني كره الأوطان الأخرى) وأنا أقول ألان (إن حب دين معين والأيمان به لايعني بالضرورة كره الأديان الأخرى).

اجدادنا في حران:

على كلا بودي أن أوضح للمندائيين بان ليس كل ما يكتب عليهم قديما وحديثا، هو حقيقة يجب التسليم لها. فلا يجوز أن نبتري اليوم من أجدادنا العظماء الذين جاهدوا في سبيل ان تبقى المندائية وان نخلق نحن اليوم مندائيين. فحق علينا اليوم ان نفتخر بهم وان نعتز بانتمائنا لهم، لا بل و أطالب ايضا بان نحيي رموزنا القدماء وان نحتفل بهم كل عام ومن هؤلاء كثير فعلى سبيل المثال: ثابت بن قرة وأبو إسحاق الصابئي الذين كانوا أعلام عصرهم ولهم الفضل في كثير من العلوم الان، وهم الصابئة المندائيون الاصلاء الذين حافظوا على إيمانهم رغم الظلم والاضطهاد الكبيرين الذي لحق بهما وبأجدادهم ، حيث ورد على لسان ثابت بن قرة ما يلي ( ((عندما اضطر الكثيرون، الى ان ينقادوا الى الضلال، خوفا من العذاب، احتمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى، ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة)).

.. وأطالب أيضا بأهمية وضرورة إعادة وتجميع كتابة تاريخنا المبعثر في ضوء معطياتنا الجديدة، ويجب أن لا ننسى بان تاريخ حران والصابئة هناك ما هو إلا جزء من التاريخ المندائي العريق. كما وأشجع جميع المثقفين والباحثين الصابئة المندائيين للبحث في هذا الموضوع بالذات، لاثبات حقنا في تاريخنا المفقود، ولاثبات حق أجدادنا في نسبنا لهم!!.

ومما تقدم ،ارفض وبحجج اعتقد بانها ليست ضعيفة .. مقولة الكاتب عبد الحميد الحمد بان (لاصلة بين مذهبي الصابئة المندائية والصابئة الحرانية. فالمندائية حصاد بيئة فقيرة في معطياتها الحضارية. لذا لم يكن لهم أي تأثير على الشعوب المجاورة!!). وبودي أن أعيد ما قاله نبينا الحبيب يهيا يهانا (مبارك اسمه) حين سأله بعض المندائيين عن مصيرهم في حقبة معينة، قال لهم (سيأتي اليوم الذي إذا نظروا للرجل الذي يلبس عمامة بيضاء وهميانة ، تعتريهم الدهشة ويأتون ويسألونكم " تعالوا من نبيكم؟ حدثونا عنه؟ وما هو كتابكم؟ ولمن تسجدون وتعبدون؟" وانتم لا تعلمون ولا تعرفون!! .. ملعون ومخزي من لا يعرف ولا يعلم أن ربنا هو ملك النور العظيم، ملك السماوات والأرض الواحد الأحد) دراشا اد يهيا -بوثة رقم 17. وأنا أسأل المندائيين (الصابئة) كم واحد مر في هذا الموقف؟!!!!.

بعض التشابهات المهمة

بين الصابئة في حران والصابئة في البطائح*:

• الصابئة في حران يجيدون اللغة الآرامية، وكانت لهجتهم افصح اللهجات الآرامية .. وهذا ينطبق على اللغة التي يتحدث بها المندائيون الان والتي كتبت بها كتبهم المقدسة وغيرها من ادبياتهم واشعارهم .. وهي (اقصد اللغة المندائية) احدى اللهجات الارامية.

• لديهم من الصلوات ثلاثة، وهي الواجبة يوميا (صبحا، ظهرا، عصرا)، ولا تتم إلا بعد أداء الاغتسال أو الوضوء .. وهذا يشابه ما لدى الصابئة المندائيون الان بما يعرف ب(الرشاما والبراخا) وهي الصلاة الفرضية الواجبة والرسمية في اوقاتها الانفة الذكر.

• يدفنون الميت باتجاه الشمال .. ويحرمون اللطم والبكاء والحزن على الميت، لان هذه الأفعال سوف تعيق الروح في معراجها. ويحرمون الانتحار .. ايضا يقوم المندائيون بدفن موتاهم باتجاه الشمال ويحرمون الحزن واللطم والبكاء وايذاء الجسد على الميت، تحريما قاطعا، لان هذه الافعال تؤدي الى عرقلة مسير النفس (نشمثا) الى عوالم النور من قبل الارواح الشريرة.

• يقدسون المياه الجارية الحية، ويعتقدون بأنها محروسة من قبل الأرواح الخيرة النورانية .. ان المندائية والمياه الجارية الحية والتي تعرف باليردنا، شيئا واحدا لايقبل الفصل .. فكرا وتطبيقا. وان المياه الجارية الحية (اليردنا) مهمة في عملية الخلق والتكوين ومهمة في ولادة الانسان في طقس التعميد (مصبتا) ، ولاننسى بان اليردنا الارضية محروسة من قبل اثنين من الكائنات النورانية الاثيرية وهما (شلمي وندبي).

• الأيمان بخلود الأرواح، وان أرواح الأفراد لها صلة بأرواح أسلافها وتعاني قبل أن تتطهر، إلى أن تتحد بالجسد النوراني في ملكوت الله .. اصلا ان عيشة الانسان المندائي المؤمن (المتهيمن) هي للحياة الاخرى في عوالم النور وليست للحياة الارضية، ويجب ان تعود النفس (نيشمثا) الى علة الوجود (الخالق) بدورة كاملة، لانها نفحة من ذاته العظمى .. ولكن يجب ان يتم لها التطهير الكامل من الشوائب التي علقت بها اثناء حياتها الارضية، لكي ترجع هذه الجوهرة (كيمرا) صافية نقية كما خلقها الحي (هيي)، فلذلك يجب ان تدخل في اماكن العقاب والتطهير المسماة (المطراثي). وبعد ان يتم ذلك، تتحد النفس (نيشمثا) مع جسدها النوراني (دموثا) أي الشبيه النوراني الذي لايتكون من اللحم والدم.

• يخضعون إلى رؤسائهم الدينيين بدلا من السلطة الزمنية في حل قضاياهم الدينية والدنيوية .. ايضا يخضع المندائيون الى رؤسائهم الدينيين لحل مشاكلهم او لاداء المراسيم الدينية.

• قبلتهم واحدة وقد صيروها نحو جهة الشمال، لاعتقادهم بأنها مركز علة الوجود .. ان الاتجاه الرسمي الذي يتجه به الانسان المندائي اثناء اداء طقوسه وواجباته الدينية، هي الى جهة الشمال المسماة (اواثر)، وما النجمة القطبية (نجمة الشمال) التي اتهم بعبادتها الصابئة المندائيون سواء في حران او في بطائح وادي الرافدين، ليست سوى دليل واشارة وطريقة علمية لمعرفة اتجاه الشمال، وبالتالي معرفة اتجاه مكان بوابة اواثر أي بوابة الرحمة لملكوت الحي (بيت هيي).

• لديهم الوضوء في الماء الطاهر المطهر، ويتطهرون من الجنابة وعند الاتصال الجنسي ومن لمس الميت، كما يعتزلون الطامث .. نفس ما تنص عليه العادات والتقاليد المندائية.

• يحرمون أكل إناث البقر والضان والحوامل من الحيوانات .. نفس تحريم المندائية لها.

• لايتم الزواج الا بولي وشهود، ولا يقرون مبدا تعدد الزوجات. ولا يسمحون بالطلاق او هو محرم إلا في حالات خاصة جدا.

• عقد القران (المهر) إذا كان لامراءة (ثيب) ينجس الكاهن الذي يقوم به.

• يحرمون لبس اللون الأزرق والاسود، ولباسهم المفضل الثياب القطنية البيضاء.

• يقدمون الطعام من اجل راحة نفس الميت ولمدة 45 يوما.

• يستعدون لتجنيز الميت قبل خروج الروح من الجسد، لان الروح لا تتطهر إذا لم تخرج من بدن طاهر، لذلك يجب غسل المحتضر، وإلا تعذر تطهيره ولمس الميت.

• يحمل نعش الميت اربعة رجال انحدروا من عائلة أصيلة النسب مؤمنة، منذ ثلاثة أجيال.

• يقدسون الطبيعة بكل اشكالها، وواضحة في مفاهيمهم وطقوسهم التي تدعوا الى الرجوع الى الطبيعة.

• لديهم أعياد تقام في مواعيد معينة، يذهبون بها للاغتسال في المياه الجارية، طلبا للطهارة وغفران الخطايا.

• يقدسون نبات الآس (الياس) المستعمل في طقوسهم وخاصة في أكاليلهم.

• صيامهم في أيام معدودة متفرقة على أيام السنة، ويمتنعون فيها عن أكل اللحوم.

• يسمون الله في لغتهم ب (مارا اد آلما) أي رب الكون.

• لاياكلون أي شيء غير مذبوح بطريقة إيجابية، أي، كل حيوان يموت بسبب مرض او حادث او لم يكن مذبوحا.

• يتجنبون ويحرمون الختان (الطهور) فهم لا يعملوا أي تغيير في عمل الطبيعة.

• المرأة مساوية للرجل في متابعة قوانين الدين وتستلم نصيبا مساويا للذكر في الميراث.

• يعتبرون ان بعض الأمراض التي تصيب الإنسان والتي تعتبر غير نظيفة ، هي نجاسة عظيمة مثل الجذام وهو الأكثر نجاسة، فعلى سبيل المثال ترك إبراهيم مجتمعه بسبب ظهور الجذام على قلفته (وهي نفس الرواية المندائية حول إبراهيم)، فكل من يعاني من هذا المرض يعتبر نجسا. وهذه الأفكار موجودة عند أديان أخرى مثل اليهودية.

• هذا بالإضافة إلى الكثير من التشابه الكبير في الأفكار والفلسفة واللاهوت الديني، وفي النظرة اللاهوتية للرب العظيم ووجوده وكينونته. ربما في مناسبة أخرى سوف اعقد مقارنة أوسع في مجال الفكر واللاهوت الديني.

* راجع كتاب (صابئة حران واخوان الصفا) عبد الحميد الحمد، وكتاب (معرفة الحياة) س. كوندوز ترجمة الدكتور سعدي السعدي، وأيضا كتاب (الملل والنحل) للشهرستاني وكتاب (الفهرست) لابن النديم.

¨ فقد قالت الليدي دراور في كتابها الصابئة المندائيون مايلي (وبالنسبة للمؤرخين العرب فقد كانوا منذ اقدم الازمان يعتمدون على الرواية، ولذا لايمكن قبول بيناتهم او تقاريرهم الا على هذه الصورة؛ كما يمكن ان يقال نفس الشيء حول مالدينا من معلومات عن الصابئين دونها الكاتب السرياني "برخوني" فقد كان يدون معلوماته كمجادل يريد الحط من فئة مارقة ؛ ولكن كتابه على كل حال يعطينا أدلة على نقض كل ما قرره عن الصابئين).

معجم الادباء .. ياقوت الحموي ص 892.

يتيمة الدهر .. الثعالبي ص 529.

صبح الاعشى .. القلقشندي ص 25.

يقصد الملابس الدينية البيضاء المندائية (الرستة).

اغلبية هذه التشابهات استخرجتها او وردت في كتاب (صابئة حران واخوان الصفا) للكاتب عبد الحميد الحمد ‍‍؟

نشرت في تاريخ
الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 09:41

بمناسبة ذكرى ثورة 14 تموز

ذكريات نقابية
حين يتسامى وهج الحرية,ويغمر زوايا الحياة تنجلي امامه بقايا الظلام وتتلاشى.وتتفتق عن طاقات حديدية كانت مغمورة او كانت
تحت نير الحكم الاستبدادي الثقيل .هكذا تجمعت ارادات شابة تواقة للتمتع بالحرية ونيل حقوقها المركونة تحت ركام النسيان و
التعسف لتفرض ارادتها المشروعة وتثبت وجودها كطبقة باقية محركة للحياة في ظل حكم وطني ولاول مرة تفرض هذه الشريحة
من الطبقة العاملة وهم عمال الصاغة في العراق ارادتها في اثبات وجودها بتنظيم نقابي يوحد كلمتها ويحقق ويوجه ارادتها لنيل
حقوقها المغبونة و المصادرة وتحت شعارات وطنية وعمالية انعقد اول تجمع لعمال الصاغة و لاول مرة في تاريخ العراق وفي الموقع
الذي يتواجد فيه الغالبية من عمال الصاغة الا وهو خان الالوسي الملاصق لخان الشابندر الذي كان يزهو بمعارضه الظخمة في
عرض المصوغات الذهبية والمجوهرات واكبر اسواق الصاغة في العراق ان ذاك. انعقد هذا المؤتمر بعد ثورة 14 تموز الخالدة
بعدة اشهر لتفوز القائمة التقدمية الموحدة بالتزكية بسبعة اعضاء للهيئة الادارية منهم الاخ المرحوم صبري سباهي
رئيسا للهيئة الادارية و الاخ المرحوم خيري عبود لفتة(ابو طلعت) نائبا للرئيس وسعيد شلش العسكري سكرتيرا للهيئة الادارية
والاخ السيد حازم(لا يحضرني اسم والده) محاسب للهيئة الادارية وثلاثة اعضاء في الهيئة الادارية............ .....ء
============ ========= ==
وتتهيأ النقابة و بكامل اعضائها وكادرها القيادي لاستقبال الواحد من ايار عيد العمال العالمي ليكون اظخم وانسق موكب
نقابي يتهادى في نهر شارع الرشيد من بين جموع النقابات اللتي ابدعت في مواكبها وحشودها العمالية,كان موكب
نقابة الصاغة الذي تتقدمه سيارة كبيرة(لوري) مطوق باربعة جدران ظخمة على شكل قلعة سجن ينتصب في وسطه
شامخا عامل بعضلات مفتولة وبدلة عمل زرقاء رافعا يديه الى الاعلى وسلاسل حديدية مقطعة بمعصميه وهو يصرخ
بفم مفتوح على شدقيه تتبعه كوكبه من العمال بملابس حريرية براقة بيضاء وحمراء وقبعات حمراء وهي ترفع الاعلام
العراقية والوطنية كذلك تتبعها كوكبة اخرى وهي تحمل لافتات ملونة وعريضة زخرفت عليها شعارات وطنية وعمالية
انية و مستقبلية ومن خلفهم جموع عمال الصاغة والصاغة انفسهم اشتركوا في المسيرة العمالية,فكانت الهتافات
والاناشيد الوطنية والدبكات تلهب الحشود المتراصة على الرصيفين بالتصفيق المتواصل والاهازيج الشعبية فكان
حقيقة عرس عراقي موحد ضم كل الشرائح العراقية مختصر ضم كل اطياف الشعب العراقي واتذكر مقطع من
اهزوجة لعيد العمال
يا عيد الاحرار
ياعيد الاحرار
يا اول ايار
بالارض تسطع انوار
نحيي بالفرح ليله ونهاره
ومن الذكريات التي لا زالت عالقة في الذهن ذلك الشاب النشط ,الشاب النحيل الذي كان طاقة متحمسة من
النشاط و الحماس والهتاف المتواصل و المحرك الرئيسي لموكبنا (عبد الاله سباهي) بين جموعنا الشبابية الذي
كنا نتحلق حوله وهو يردد الهوسات الشعبية و الشعارات الوطنية مما كان موكبنا العمالي محط و انتباه وسائل الاعلام
والمراسلين الصحفيين كبيرا جدا و من الباب الشرقي وحتى وزارة الدفاع في باب المعظم وعلى امتداد شارع الرشيد
كانت المواكب تتحشد امام وزارة الدفاع ليطل عليها الزعيم عبد الكريم قاسم وقادة الثورة الاخرين بمعيته ليحيوا
هذه الجموع العمالية بعيدها الاغر عيد الاول من ايار............ ......... ...ء

... السويد

نشرت في تاريخ

من المعروف ان الصابئة المندائيين لهم جذور عميقة تمتد ال عمق آلاف السنين في التاريخ والحضارات المتعاقبة في وادي الرافدين ... فهم غرس التوحيد الاول منذ ايام ابونا ومعلمنا الاول آدم عليه السلام ومن بعده شيت ونوح وسام وادريس ويحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) عليهم السلام ، وبشهادة كتابهم المقدس ((الكنزا ربا..م أ)) الذي يتضمن اركان الدين الخمسة ((التوحيد والتعميد والصلاة والصوم والصدقة)) وقد ذكروا في القرآن الكريم ضمن الديانات السماوية . وما قدسيتهم لنهري الفرات ودجلة وفلسفتهم بنشوء الخلق الا دليل ساطع على اصالتهم وتعلقهم بهذه الارض الطيبة .. فقد خلقوا وعاشوا في وادي الرافدين وتكلموا اللغة المندائية التي هي لهجة من لهجات اللغة الارامية الشرقية لغة المنطقة السائدة آنذاك وحتى دخول الفتوحات العربية والاسلامية .. وواكبوا كل حضارات وادي الرافدين القديمة وساهموا في بنائها مع الاقوام التي تعايشوا معها وتقاسموا الويلات والنكبات والنوائب والهجرة والتنقل والاستيطان في المناطق الممتدة من جنوب غربى بلاد فارس وشمالا وجنوبا وغربا وحتى سيناء حسب ما املته الظروف عليهم ولكنهم في الاخر استقروا في بطائح جنوب العراق على ضفاف نهري دجلة والفرات واهوارهما ويخبرنا التاريخ بانهم ساهموا في بناء الحضارات المتعاقبة بالمعرفة والعلوم المختلفة وبرز اسلاف افذاذ منهم في تاريخ العراق وبالاخص في العصر العباسي وساهموا مساهمة متميزة في تأسيس الدولة العراقية المعاصرة في بداية القرن العشرين ولا زال دورهم بارزا في كافة المجالات بالرغم من قلة تعداد نفوسهم وبرز منهم الحرفيون في النجارة والحدادة وصناعة القوارب والمستلزمات الزراعية وصياغة الفضة والذهب واصحاب الاعمال وعلماء واطباء وادباء وشعراء وفنانون ومهندسون واكاديميون ومحامون وسياسيون وتربويون في كافة المجالات ... ولم يكن نصيبهم في الاضطهاد والتضحيات والضحايا على مذابح الحرية نتيجة للاستبداد والتسلط السياسي والدكتاتورية والحروب العبثية والتكفير والتهجيرالتي تعرضت له كافة مكونات الشعب العراقي بأقل مما لحق بهذه المكونات قياسا لتعداد نفوسهم ، وبالرغم من انهم قوم مسالمون ووطنيون يحضون بحب واحترام المنصفين والاخيار ممن عرفهم وتعايش معهم من مكونات الشعب العراقي كافة .؟ لهذه الاسباب مجتمعة فقد نالت هذه الطائفة حب واحترام المنصفين الاخيار من العراقيين وغيرهم حيث اسماهم البعض (( برحي العراق )) وآخرون اسموهم (( ملح ارض العراق ))؟

لذلك ولهذه الاسباب التي ذكرت آنفا نحن نعتز ونفتخر بمندائيتنا ولكن نحن جزء من موزائيك جميل لمكونات الشعب العراقي الاخرى ... نحن نقول ان مكونات الشعب العراقي جميعها عبارة عن " شدة من الزهور المتعددة الالوان " وما نحن الا لون واحد ن هذه الزهور لايكتمل جمالها الا بتعدد الوانها .. فنحن نعتبر العراق بكل هذه التشكيلات الجميلة

هو أمنا ... وهو أبونا

نريد الخير والاستقرار والازدهار له كما لانفسنا .. لا سيما وان العراق بعد التغيير الذي اطاح بقوى الاستبداد والظلم منذ سبع سنوات مر ويمر باصعب المراحل التي كلفته دفع الثمن غاليا جدا بسبب الارهاب المقيت وبقايا النظام السابق والتيار الديني السياسى الطائفي المتطرف وتكالب الدول الاقليمية مما تسبب في وضع العصي وعرقلة تجربة ارساء النظام الدستوري المؤسساتي الديمقراطي وتأخيره والسلبيات الكثيرة التي رافقت العملية

السياسية والتشريعية والفساد الاداري والمالي والطائفية المقيتة في الحكومات التي تعاقبت بعد التغيير وحرمت الشعب من تذوق طعم التغيير بسبب تردي الامن وسلطة القانون والقتل والتهجير القسري وتدهور الخدمات العامة والمشاريع الاقتصادية وتفشي البطالة .. ولكننا كمندائيين وبالرغم مما لحق بنا من المظالم لا زلنا متمسكين بعراقنا الحبيب ننشد الاستقرار والسعادة والازدهار لشعبنا العراقي العظيم بكافة مكوناته .. لا زلنا متفائلين ومؤمنين ومشاركين مع القوى الخيرة لاعادة بناء العراق وارساء قواعد الديمقراطية الصحيحة بالرغم من كل المصائب والمعوقات ... وما تصميم كل المندائيين بالمشاركة الحقيقية في الانتخابات القادمة الا لاعتقادنا بان هذا الاتجاه هو المسار الصحيح في بناء العراق الجديد.؟

يتضح للقارئ الكريم من السرد اعلاه مدى اعتزاز الصابئة المندائيين بمندائيتهم وبالعراق لانهم يشعرون بانهم السكان الاصليين لوادي الرافدين ويقدسون ارضه ومياهه منذ آلاف السنين .؟

في الوقت الذي يسعدنا نحن المندائيون اقرار الدستور الجديد لحقوقنا وانصافنا كمكون اصيل من بين المكونات العراقية المتعددة ولاول مرة في التأريخ نشعر الان بالغبن بسبب ما افرزته تشريعات قانون الانتخابات والتمييز ، فان اقرار نظام الكوتا بمقعد واحد لهم في البرلمان القادم عن محافظة بغداد فقط ولا يحق لسكنة المحافظات الاخرى من المندائيين سواء كانوا في الداخل او الخارج للتصويت له اسوة بالاخوة المسيحيين مما جعله مقعدا يتيما تحاول قوائم اخرى للاستحواذ عليه نتيجة تشتت الاصوات ، نحن نعتبره اجحافا بحقهم ، بالاضافة الى ان الجميع يعرف ان الصابئة المندائيين يستوطنون في محافظات متعددة وبالاخص المحافظات الجنوبية .. فهل يعقل ان لا يوجد من يمثلهم في البرلمان القادم !؟ لقد كان لقرار المحكمة الاتحادية العليا لهذا اليوم أثر غامر بالفرح بقرار الموافقة على اعتبار انتخاب الكوتا المندائية كدائرة انتخابية واحدة اي يحق لكافة مندائيي المحافظات بالتصويت الى مرشحهم الوحيد عن بغداد .. ولكن للاسف لقد اصابنا الاحباط حينما علمنا ليس للدورة الانتخابية الحالية في 2010 وانما للدورات الانتخابية القادمة ، نظرا لكون الشكوى جاءت متأخرة ولانتهاء دورة البرلمان الحالية .. ونقتبس من ذيل قرار المحكمة الاتحادية العليا هذا اليوم ما نصه للاطلاع :::-؟

وهذا يعني عدم شمول ابناء المحافظات بالتصويت لهذه الدورة البرلمانية

فهذا القرار وان جاء بهذه الصيغة ولكننا نعتبره اعادة حق للمندائيين ونجاحا معنويا لمساواتهم بالاخوة المسيحيين ولكن للاسف ليس في هذه الدورة البرلمانية.؟

في هذه الحال سيكون المندائيون في الداخل والخارج مصنفون الى طبقتين .. طبقة الذين يثبتون انفسهم من سكنة بغداد وهؤلاء فقط يحق لهم للتصويت على مقعد الكوتا اليتيم .؟

اما الطبقة الثانية المحسوبة على المحافظات الاخرى فلا يحق لهم التصويت لمقعد الكوتا

وستتشتت اصواتهم او لربما يعزفون عن الذهاب الى صناديق الاقتراع ... ولهذا بقي المرشح الذي تريده وتؤيده قيادات الطائفة الدينية والادارية ومؤسساتها وجمعياتها وغالبية المندائيين في الداخل والخارج كمرشح لمقعد الكوتا وهو السيد خالد امين رومي بخطر ولربما عدم فوزه لتشتت الاصوات ولربما تستحوذ عليه جهات غير مرغوب بها من غالبية المندائيين وقياداتهم او لربما يسيس وتلتف عليه قوائم اخرى بعيدة عن الطائفة .؟

لذلك ارى شخصيا يجب ان يكون توجه المندائيين في ممارسة حقهم الانتخابي بكثافة وعدم العزوف عن الادلاء باصواتهم وعدم ضياع ولو صوت واحد وكما يلي ::-؟

اولا ::- المندائيون المسجلون في محافظة بغداد سواء كانوا في الداخل والخارج ان يصوتوا للمرشح على مقعد الكوتا السيد خالد امين رومي ( بالرغم من تحفظ البعض ) لانه يحضى بتأييد غالبية المندائيين وانه اكثر التصاقا بقيادات الطائفة الحالية ومؤسساتها وجمعياتها ويمكن ان يكون اكثر التزاما بالقضايا المندائية ووحدة المندائيين واكثرهم تنسيقا مع المؤسسات المندائية وتمثيلها في البرلمان القادم بعيدا عن الالتزام او الارتباط بكيانات اخرى وعلى مسافة واحدة من كل التكتلات السياسية وصوتا مدافعا عن حقوق المندائيين .؟

ثانيا ::- أما الذين هم من المسجلين في محافظة بغداد ولا يرغبون في اعطاء صوتهم الى السيد خالد امين رومي او لديهم تحفظات لاي سبب كان ، وكذلك الناخبين المندائيين في الداخل والخارج المسجلين في المحافظات الاخرى الذين لا يحق لهم التصويت لمرشح الكوتا المندائية فامنيتي ورجائي ان لايعزفوا عن التصويت او يضيعوا او يشتتوا حتى ولو صوت واحد .. وان يذهب كل هؤلاء الى صناديق الاقتراع ويصوتوا للقائمة التي يعتقدون انها ستدافع باخلاص وتناصر الشعب العراقي بكافة مكوناته عامة والمندائيين خاصة .. والذي يعزف عن التصويت او يبيع صوته او يضع صوته في المكان غير الصحيح سيرجح ولو بصوت واحد كفة الذين دمروا وسرقوا العراق وشعبه عامة خلال السبعة سنوات الماضية، وسيرجح كفة الذين هجروا 90% من المندائيين خارج العراق ، سيرجح الذين اباحوا دماء واعراض واموال وممتلكات المكونات الدينية والاثنية الصغيرة وبالاخص المندائيين بالقتل والتفجير والاختطاف والاغتصاب وتغيير الدين والختان القسري ، سيرجح كفة ذوي المحابس والسبح والفتاوي المتخلفة المحرضة ضدنا وضد الآمنين ، سيرجح كقة ابطال الفساد الاداري والمالى وسراق النقط والمليارات ومزوري الشهادات والذين باعوا العراق الى المحتل وايران ودول الجوار واصحاب المذاهب الدينية المتطرفة .؟

لذلك ومن مصلحة الشعب العراقي بكافة مكوناته والصابئة المندائيين بصورة خاصة ونأمل من كافة الاخوان الناخبين المندائيين في الداخل والخارج ممن لا يحق لهم او من المتحفظين في انتخاب السيد خالد امين رومي ان يشاركوا بقوة في الادلاء باصواتهم وان يصوتوا لانظف واخلص وانصع القوائم بياضا .... قائمة اتحاد الشعب .... قائمة ذوي الايادي البيضاء باعتراف كل القوى السياسية على الساحة العراقية سواء باختيار المرشحين المندائيين او غير المندائيين ضمن هذه القائمة ... لان هذه القائمة هي خليط من الشيوعيين والديمقراطيين والاشوريين الديمقراطيين والعمال الاشتراكيين والحركة العربية الاشتراكية والمستقلين ، تجد هؤلاء من المدنيين والتكنوقراط والاكاديميين يشتركون ببرنامج متكامل جيد وطموح .؟ هذه الوجوه اذا لم تؤلف وزارة ، فاعطوها نصيبا لتكون معارضة تصرخ بوجه الفساد وبوجه الطائفية .. فهي لايمكن ان تكون وصية او ولية على المندائيين فقط بل انها خير من يدافع عن المظلومين والاقليات المسحوقة ... وخير من يعمل على استرداد الحقوق العادلة المسلوبة بدون تمييز عرقي او ديني او طائفي .؟

لذلك بدلا من تشتيت اصواتنا هنا وهناك او ضياعها او بيعها باثمان بخسة ان نعطيها لانظف الايادي في .. قائمة اتحاد الشعب .. اذ ان تواجدهم في البرلمان القادم مهما كان عددهم سندا قويا ومناصرا للمرشح الوحيد للطائفة المندائية الذي سيمثل طموح المندائيين اولا وطموح القوى الخيرة في العراق ثانيا ... اما العزوف عن المشاركة او انتخاب القوائم الاخرى التي خبرناها فاعتقد انها ليست بصالح المحنة التي يواجهها المندائيون والمكونات الصغيرة الاخرى ولا من مصلحة قوى الخير والتقدم في الشعب العراقي بصورة عامة .؟ بل ضد مصلحة الشعب بكافة مكوناته وبالاخص طائفتنا ، آملين بعد الاستفادة من كل الاصوات التي يحق لها انتخاب ممثل الكوتا المندائية السيد خالد امين رومي ان لا تضيع او تتشتت اصوات المندائيين الاخرى للاستفادة منها بالاضافة الى اصوات اصدقائنا ومعارفنا من غير المندائيين في داخل العراق وخارجه الذين يجب مناشدتهم واستنهاض هممهم وتشجيعهم للادلاء باصواتهم جميعا في صناديق الاقتراع لصالح ذوي الايادي البيضاء .؟ قائمة اتحاد الشعب ... فهؤلاء خير نصير لكم يا اهلنا الكرام

ا

تورونتو / كندا

3 / 3 / 2010

نشرت في وجهة نظر

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014