• Default
  • Title
  • Date

ترد من آونة لأخرى عبارة ( الفلسفة المندائية ) في العديد من الكتب والمقالات وخاصة في الصحافة المندائية الناشئة وكذلك نجدها في الترجمات لبعض المستشرقين والباحثين في المندائية . ترى ما هو المقصود بتلك العبارة ؟ وما علاقة تلك الفلسفة بالفلسفات المعروفة في حضارات البشرية مثل الفلسفة اليونانية والإسلامية وغيرها ؟ ثم متى ظهرت تلك الفلسفة ؟ وما هي الحقبة الزمنية التي نضجت بها تلك الفلسفة ؟ ومن هو العقل أو العقول المبدعة لها ؟ قد تكون هناك إجابات لتلك الأسئلة لدى البعض وأسهلها طبعا إنها من عند الحي الأقدم أو إنها صحف آدم أو غير ذلك من الإجابات النابعة عن الأيمان لا عن العقل الذي يقدسه المندائيون ولا اعتراض على ذلك لكنها خارجة عن نطاق محاولتنا في البحث عن أيجاد أجوبة علمية لتلك الأسئلة .

إن الخوض في هذه المواضيع لمجازفة حقيقية بالنسبة لي وذلك بسبب الغموض الكثيف الذي يحيط بالمندائية بصورة عامة ولكوني لست متخصصا فيها . ولكن لابد من بداية وكلي أمل أن تغري تلك البداية أحدهم ليسير بها قدما في هذا الطريق الوعرة ، ولابد أن أحدهم سيصل يوما إلى الحقيقة التي نرنو إليها جميعنا .

إلى الآن وجميع المنافذ الجادة مغلقة أمام الباحث في معرفة نشأة المندائية ومن هي تلك العقول الكبيرة التي وراءها وأين انطلقت أولا وغيرها من الأسئلة التي يتشوق كل مندائي وأنا واحد منهم في معرفة الحقيقة العلمية عنها . ومع كل إصدار جديد عن المندائية تكبر علامات الاستفهام ولا ألوم أحد هنا فكل البحوث إلى اليوم تدور في نطاق الظن والفرضيات .

كنا نأمل أن نجد ولو بعض الأجوبة الجادة لتلك الأسئلة في ترجمات ( الكنزا ربا ) ولكن تلك الترجمات جاءت لتزيد الأمور تعقيدا . فترجمة الدكتور " قوزي " والتي نقحت ووضعت بشكل يتماشى مع الظرف الخاص الذي يمر به المندائيون في العراق خرجت وكأنها " وصف العميان للفيل " . تجد فيها حقائق ولا تجد فيها الحقيقة الأهم . أما ما ترجم في أستراليا فلم يكن أكثر وضوحا حيث اختلطت الترجمة بآراء المترجمين سواء العرب أو الألمان . أظن إن ترجمة الكنزا ربا بحاجة إلى جهد أكاديمي متخصص واسع بالتاريخ وتأريخ الأديان خاصة وفي اللغات والفلسفة مع حس مندائي بعيد عن التداخل مع النص .

وبعد الرجوع إلى أغلب ما كتب وترجم في المندائية وجدت إن من بين أهم ما يميز المندائية هي نظرتها في مسألة النشوء والخلق والانبعاث ومسألة النفس وخلودها . فما تقوله المندائية في تلك المسائل ؟ وكيف تشترك في العديد من تلك الأمور مع الأديان والفلسفات الأخرى؟

إذا نظرنا أولا إلى أسطورة نشأة الكون نجد أن الفكرة المندائية عن النشوء تختلف كليا عن تصور الأديان التوحيدية الأخرى لها . فلم يخلق الله السماوات والأرض في سبعة أيام ثم استوى على العرش أو خلد للراحة وإنما ترى المندائية أن نشأة الخلق تمت على مراحل يمتد فيها الزمن لآلاف الآلاف من السنين اشتركت فيها العديد من عناصر الطبيعة وإن تمت بإرادة الحي الأقدم.

ورد في كتاب كنزا ربا" يمين " الجزء الثالث ما يلي :

حيثما كانت الثمرة " بيرا" داخل الثمرة.
وحيثما كان الأثير "آير" داخل الأثير .
وحينما كان " مانا " ذو الوقار العظيم هناك .
ومنه تكونت " المانات " العظيمة الكبيرة .
أنتشر بريقها وعظم نورها . وما كان قبلها في الثمرة العظيمة شئ .فانتشر نورها بلا حدود.أكثر من انتشار الكلام .
وجل نورها عن أن يوصف باللسان والتي كانت وقتئذ في تلك الثمرة ثم تكونت منها آلاف آلاف الثمار بلا نهاية .
وملايين ملايين المواطن بلا عدد.
تقف هناك وتمجد " مانا " الموقر العظيم .
الذي يحل في " آير " العظيم.
وتكون الماء الجاري " يردنا " الذي لا حدود له.
وبقوة الحي العظيم انبثقت منه مياه جارية " يردني "
بلا نهاية ولا عدد.
..................
...............

وهكذا يستمر النص بوصف التكوين الأول " الحياة الأولى " والتي تمت بإرادة الحي العظيم " هيي ربي " وتصور هنا النضج الأول داخل الحياة الأولى " هيي قدمايي" وفي " هيي قدمايي " "الحياة الأقدم " الحياة الأولى تشترك عناصر أساسية في عملية التكوين .

أولا " مانا العظيم " وهو ( العقل أو الفكر المدبر أو اللب أو وعاء الأنا أو النفس" نشمثه " ).

ثانيا " آير" الأثير وهو الهواء النوراني الأول أو الأثير الوهاج أو "آير ربا هيي " أثير الحي العظيم . "وهذه النظرة للتكوين الأول تذكر بالانفجار الكوني الكبير "
وثالثا الثمرة " بيرا " حيث تكونت من تلك الثمرة العظمى الثمار والمواطن .
ويلعب" مانا "( العقل)الدور الأساسي في عملية التكوين هذه وكذلك"مثيله الأنثوي النوراني"
وهنا يتدخل الخيال ويحول عنصر الحياة الأول إلى زوجان وهما الأولان في الثمرة العظيمة
وهكذا أنجب " مانا " العظيم المانات والتي تنشأ منها الحياة الثانية " يوشامن "وتنشأ الحياة الثالثة " أباثر " من الحياة الثانية ومن أباثر تنشأ الحياة الرابعة أو أرض تيبل " أرا تيبل " والتي أسهم في تكوينها " ابثاهيل " . " الفكرة ربما تكون قريبة من فكرة زواج الآلهة البابلية وخلق السماء والأرض وكانت تلك فكرة غنوصية شائعة.

وبعد ذلك العالم الذي يمثل الحياة الأولى" هيي قدمايي" عندما كانت الثمرة داخل الثمرة وكان الأثير داخل الأثير وكانت المانا العظيمة داخل المانا والتي يستغرق نضوجه ستة آلاف ألف من السنين تظهر الحياة الثانية وبنتيجة الإنبعاث تظهر الحياة الثالثة من الثانية مستغرقة ذات الوقت ومع ظهور الحياة الثانية يظهر النقص ويزداد مع كل تكون جديد. وكما تصف الكنزا ربا العملية :

أنا " مانا" أتحدث مع مثيلي " دموثا "
تعال أنا وأنت نود أن نبني
نود أن نبني بهتاف خفي ، نبني الثمرة العجيبة
حتى نغرس الأثمار حتى نهيئ المساعدين
..........................................
.........................................
انثنيت وانحنيت أمام رفيقي وتسلمت منه العهد الثمين
دخلنا المانات واختبأنا وقبلت أن تكون شريكتي
وعندما كانت هنا الحياة الأولى فكرت في الحياة الثانية
وحين كانت الحياة الثانية فكرت في الحياة الثالثة وحين كانت الحياة الثالثة فكرت في الحياة الرابعة .
......................................
......................................

مما تقدم أعلاه يفهم بأن " المانا " العقل هو العنصر الأساسي في عمليات التكوين الأربعة وإن كانت هناك عناصر أخرى تظهر في تلك العمليات مثل الماء "يردني " والنور " يورا " والبخار أو الغاز " تنا " والعديد من الأسماء والتي تكتب دائما "ملكي" بمعنى ملاك أو مخلوقات نورانية .

لننظر إلى ما هو دور العقل " مانا " المندائي أو ( logos ) اللاتينية في عمليات التكوين في الفلسفات اليونانية والإسلامية ؟ وهل التشابه الموجود بينهما جاء بشكل عفوي ؟ في الفلسفة اليونانية القديمة أي قبل ( أفلاطون )"600 قبل الميلاد " كان الاتجاه العام ينحو نحو أصالة الوجود وكان جهد الفلاسفة في ذاك الوقت منصب في البحث عن المادة الأولى المكونة للعالم .

فالفيلسوف اليوناني " طاليس " كان يقول أن الآلهة هي القوة التي بها يتحقق وجود الأشياء وبها تتحرك وإن قوة الآلهة كامنة في داخل الأشياء . ثم ظهرت نظرة فلسفية أخرى تقول إن العالم قد تكون بفعل عامل خارجي هو "العقل" وقالوا أن العقل هو القوة المحركة للعناصر " البذور" الغير متناهية الصغر المكونة للمادة وكون العقل هو قوة مادية تؤثر في تفاعل "البذور". وكانت الفلسفة قبل أفلاطون بصورة عامة هي فلسفة أقرب إلى النظرية المادية أما فلسفة أفلاطون فكانت تدعو إلى جانب أصالة " الماهية " ترى تحكم نظرية المثل "الأفكار " والتي هي ماهيات ثابتة تختص وحدها بصفة الوجود الحقيقي أما العالم الخارجي "المادي " فليس سوى ظلال عابرة لتلك المثل وبمثابة أشباح لها .( فكرة الدموثة المندائية ) .

ثم جاء أرسطو ( 350 قبل الميلاد ) وكان من أول المنظرين لموضوع أصالة الوجود فهو يعترف بأولوية الطبيعة وإن الموجودات " الجزئيات " عنده هي أولى الموجودات وأحقها بالوجود أما الكليات " الأجناس والأنواع " فوجودها قائم داخل الجزئيات وأطلق تسمية الجواهر الأولى على الجزئيات وقال إن ( الأجناس والأنواع ) هي الجواهر الثانية وبذلك نرى أن أفلاطون وأرسطو يرون أن الصورة تتفوق على المادة ويتفوق العقل على المحسوسات . ويرى الفكر اليوناني القديم بصورة عامة بأن الوجود أزلي أي أنه لا يأتي من العدم ويرون أن الله هو جزء من هذا الوجود ويمثل قمته ( القمة في الوجود ) . ويرون أن العالم عمل فني إلهي لا بأصله وإنما بتنظيمه .

أما الفلسفة اليونانية الحديثة ( إفلوطين 200 بعد الميلاد ) فهي تحصر الوجود الحقيقي في عالم العقول ( المانا ) الروحانية وهو تعبير عن الماهيات الكونية أي أن نظام الكون قائم على فكرة أصالة الماهية وكل شئ يتركب من مادة وصورة . وترى أن الكون نشأ عن طريق الفيض ، حيث أن الفيض الأول صدر عن حكم الله بالضرورة والطبع لا عن إرادة واختيار لأن الإرادة تنتهك هنا وحدانية الله والطبع هنا يعني إنه كما الله بذاته اقتضى أن يفيض عنه النور الذي هو وجود الكائنات وفق نظام مترا تب الدرجات . ولأن العالم المادي وجد عن طريق الفيض من المبدأ الأول بوسائط العقول الفلكية المفارقة فإن الفيض ما أن ينتهي إلى هذا العالم حتى يكون نصيبه من الإشعاع الإلهي ضئيلا وبذلك يمثل العالم المادي والظلام بالقياس إلى الأفلاك المفاضة عن الله مباشرة ( انظر كيف يدخل النقص بعد الحياة الثانية " يوشامن " ثم الثالثة " أباثر والرابعة " ابثاهيل حسب النظرة المندائية لمراتب التكوين ).

وترى الأفلوطينية كذلك إن كل ما هو مادي هو إمكانية وإن الفكر هو الذي يخلق العالم الواقعي لهذه الإمكانية وهي موجودة بالقوة " أي إنها كامنة في الشيء ذاته " قبل وجودها المادي الواقعي ، أي إنها ذات وجود أزلي ، وترى أيضا أن العالم المادي خسيس لأنه الدرجة الأدنى من درجات الفيض . حتى أن افلوطين كان يخجل من جسده كونه سجنا لنفسه . وهكذا يذكرنا باحتقار المندائيين للجسد ( بغره ) وتقديس النفس التي بداخله فقط .

ترى فلسفة افلوطين إن صدور الوجود هو اضطرارا أي غير مقترن بإرادة أو اختيار " إنما هو فيض " وترى أن الروح وحدها هي التي تصعد إلى الباري وترى أن الألوهية مبثوثة في كل مكان وذلك لأن الجسم المطلق " الهيولي " قد أتى عليه دهرا طويلا إلى لأن تمخض وتميز منه الكثيف واللطيف وإلى أن أخذ الأشكال الكروية الشفافة " الفلكية "، والتي تركب بعضها في جوف بعض ( تذكرنا تلك الأفكار كثيرا بالفكر المندائي من حيث النفس والجسم وصعود النفس فقط إلى باريها وكذلك تكون البذرة داخل البذرة ) . وإلى أن استدارت أجرام الكواكب النيرة وركزت مركزها وإلى أن تميزت الأركان الأربعة وترتبت مراتبها وانتظم نظامها .

بذلك نفهم من النص أعلاه وما سبقه أن الأجرام الفلكية وعناصر الطبيعة وما تولد منها من معادن ونبات وحيوان تكونت بعملية داخلية متسلسلة المراحل . بدأت من الجسم المطلق " الهيولي الأول" واحتاجت إلى وقت طويل حتى انتقلت إلى مرحلة التمخض الذي جرى بعملية جديدة أو بمرحلة أخرى في العملية المتصلة نفسها حدث خلالها نوع من الانتقاء أدت عملية الانتقاء هذه إلى قبول الجسم المطلق " الهيولي الأول " أولى أشكال المادة وهي الأشكال الكروية للأفلاك ثم جاء دور العملية داخل هذه الأشكال ( بتركيب بعضها في جوف بعض ) ثم حلت مرحلة انتقاء جديدة هي استدارة أجرام الأفلاك النيرة واتخذت مراكزها وتميزت أركانها الأربعة وهكذا كانت منها المولدات من معادن ونبات وحيوان ويصورها افلوطين بفلسفته بأنها عملية ارتقائية .

إن الأفلاطونية الحديثة بحاجة إلى دراسة مقارنة مكثفة مع الفكر المندائي . ففيهما تشابه كثير قد يساعدنا في فهم الفكر المندائي وحتى نشأته ربما.

أما الفلسفة الإسلامية والتي جاءت لاحقا أي أنها جاءت بعد المندائية زمنيا ستفيدنا دراستها حتما ابتداء من أخوان الصفا وحتى أبن رشد وذلك للبحث عن الفكر المندائي الذي قد يكون بعضه موجود فيها سواء كان تأثيرا أو التقاء فليس هناك انقطاع في مراحل تطور الفكر البشري ولابد أن ولادة أي فكر ستأتي من فكر الآخرين وإن كان يعارضه ظاهريا .

قبل الخوض في الفلسفة الإسلامية حبذا لو يساهم إخواننا المندائين المعنيين بالفكر المندائي في مناقشة ما ورد في المقالة لغرض التقرب من الحقيقة.

المصادر :
كنزا ربا الطبعة العراقية
كنزا ربا الطبعة الأسترالية
كتاب النشوء والخلق في النصوص المندائية للدكتور كورت رودولف – ترجمة الدكتور صبيح مدلول
معرفة الحياة س . كوندوز ترجمة الدكتور سعدي السعدي
الموسوعة الفلسفية
خريف الفكر اليوناني – عبد الرحمن بدوي –
افلوطين عند العرب – عبد الرحمن بدوي –
موجز حضارة وادي الرافدين – طه باقر –
الصابئة المندائيون – الليدي دراور -
مصادر أخرى مندائية متفرقة وغيرها

نشرت في تاريخ

صفحات نادرة من حياة الليدي دراور ( أثل ستيفانا ) التي عايشت الصابئة المندائيين في العراق

يعود الفضل في اكثر الدراسات التي ظهرت في بريطانيا بداية القرن العشرين حول الصابئة المندائيين للمستشرقة الأنجليزية الليدي دراور التي عايشتهم مدة تزيد عن الأربعين عاما في اماكن تواجدهم في بغداد و جنوب وادي الرافدين.

ولدت أثل مي ستيفنسن ـ وهذا هو اسمها قبل الزواج ـ سنة 1879 في لندن وقضت طفولتها المبكرة في نيو فوريست حيث كان والدها يعمل قسيسا في كنيسة بيرلي . وكانت تتردد في شبابها على جماعات الغجر في منطقة فوريست فتعلمت لغتهم . وعندما انتقلت عائلتها الى ساوث هامبتون بعد ان عين والدها رئيسا لأبرشية المدينة قامت بوضع قاموس عن لغة الغجر بعد ان استعانت بكتاب خاص عن قواعد اللغة السنسكريتية . وعلى الرغم من هذا القاموس لم ينشر في حينه الا انه عد دليلا على اهتماماتها اللغوية التي تخصصت فيها فيما بعد.

كانت اثل متفوقة في دروسها الا انه لم تتوفر لذويها الاموال الكافية لارسالها للجامعة، فسافرت الى المانيا لدراسة الموسيقى والعزف على آلة الكمان ولكن سرعان ما تملكها الملل فعادت الى بريطانيا بعدما شعرت ان لديها الرغبة في الكتابة . التحقت اثل بمدرسة خاصة بالصحافة في لندن اتاحت لها تدريبا ممتازا في مجال مراجعة ونقد الكتب المعدة للنشر وكذلك اعداد التقارير واجراء المقابلات الصحفية . وقد توفرت لها فيما بعد فرصة طيبة للعمل سكرتيرة لدوغلاس سليدن صاحب موسوعة Who Is Who المعروفة التي كان يتهافت عليها المشاهير لنشر اسمائهم فيها فتعرفت على كثير من الادباء والمؤلفين والنقاد والمترجمين والمستشرقين والشعراء واقامت نوعا من الصداقات مع بعضهم .

رافقت اثل سليدن وزوجته وابنه الى جزيرة صقلية التي كان سليدن يعد كتابا سياحيا عن منتجعها الشتوي في ساراكوزا وكانت مهمة اثل هي جمع المعلومات المتعلقة بتاريخ وتراث وتقاليد شعب صقلية . وفي هذه الاثناء بدأ سليدن يناديها باسم ( ستيفانا ) تحببا ، وبقي هذا الاسم مرافقا لها واصبح الجميع يناديها به ، حتى عائلتها . وقد سافرت ستيفانا مع سليدن وعائلته الى تونس هذه المرة لوضع كتاب سياحي عن معالمها وساهمت هي بكتابة بعض فصوله .

تولهت ستيفانا بتونس وشرعت بتعلم اللغة العربية والكتابة عن سحر هذه البلاد وشيوخها وامرائها وآثارها الفريدة ومدنها القديمة كقرطاج ، وبعد انتهاء مهمتها مع سليدن عادت الى لندن وعملت في دار للنشر والتأليف ولكن حنينها لتونس جعلها تقترض بعض المال فعادت اليها بصحبة صديقة لها واقامتا في مدينة القيروان التي كانت مهدا لروايتها الأولى ( النقاب ) وكانت رواية رومانسية قامت بنشرها مؤسسة ميلز اند بون . لاقت هذه الرواية رواجا كبيرا مما امن لها دخلا جيدا اتاح لها التجوال في منطقة الشرق الاوسط خلال السنين التالية ، فسافرت الى اسطنبول اولا ثم حيفا والقدس حيث التقت في جبل الكرمل بعبد البهاء الرئيس الروحي والديني للبهائيين واقامت صداقة حميمة مع بناته . توسم عبد البهاء في ستيفانا ذكاءا متوقدا الا انه لم يفلح في اقناعها باعتناق البهائية بالرغم من القائه المواعظ الدينية الطويلة عليها . وفي هذه الاثناء الفت روايتها الثانية ( جبل الله ) التي مازال البهائيون يعتزون بها ايما اعتزاز .

ابحرت ستيفانا في عام 1910 من القاهرة جنوبا على متن زورق حكومي في النيل باتجاه السودان مخترقا اراضي الدنكا والشيلوك التي تعج بالافيال والتماسيح والفت اثناء ذلك رواية ثالثة. وعند وصولها الخرطوم التقت بمحام انجليزي شاب يدعى أدوين دراور يعمل هناك فتوثقت علاقتهما وتزوجا في لندن في اجازة الصيف التالي ورزقا ببنت هي مارجريت (التي اصبحت عالمة مرموقة بتاريخ وآثار الحضارة المصرية ) وولد هو بيل. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى التحق أدوين بالجيش وعين ضابطا بشعبة تابعة للاستخبارات العسكرية البريطانية في نيويورك . أما زوجته ستيفانا فانتقلت مع طفليها مارجريت وبيل الى وينشستر ، وهناك كتبت عدة روايات كانت احداها عن الغجر .

وبعد ان وضعت الحرب العظمى اوزارها في ربيع سنة 1919 عين أدوين دراور قاضيا في البصرة لاتقانه اللغة العربية ولضلوعه بالقوانين التركية ـ اي بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ووضع العراق تحت الانتداب البريطاني . وبعد سنتين تم نقله الى بغداد مستشارا قانونيا للدولة العراقية قبيل تأسيسها فالتحقت به زوجته ستيفانا اواخر سنة 1920 ، وكانت سعيدة بقدومها الى بلد عربي ، بالرغم من قلقها على طفليها اللذان تركتهما في انجلترا برعاية جدتهم وجدهم لأبيهم .

كان السفر من بريطانيا الى العراق عن طريق البحر يستغرق وقتا طويلا لكونه يمر حول الجزيرة العربية ومن ثم الى الخليج فالبصرة ، الى ان قامت شركة ( نيرن أخوان ) بتسيير رحلات برية من بغداد الى دمشق عبر الصحراء بواسطة سيارات مكشوفة ثم بالباصات ، وكانت الرحلة تستغرق يومين . ومن دمشق كان باستطاعة المسافر الى انجلترا ان يكمل رحلته الى لبنان و من ثم الى حيفا حيث يستقل احد المراكب المتوجهة الى جنوا او مارسيليا ومن هناك الى كاليه في فرنسا بالقطارات ثم بالعبارات الى دوفر ومنها الى لندن. وقد قامت السيدة دراور بهذه الرحلة اربعا وثلاثين مرة على الاقل قبل تسيير خط سكك حديد موصل ـ حلب ـ اسطنبول الذي كان استهلالا لتسيير قطار الشرق السريع المعروف .

لقد وجدت ستيفانا دراور نفسها في مكان مألوف فاختلطت بالعراقيين ودارت في شوارع وأزقة واسواق بغداد وتعرفت على طبيعة الناس على العكس من باقي زوجات الموظفين والضباط البريطانيين اللواتي كن يمضين وقتهن بلعب ( البريدج ) والتنس والسباحة في النادي البريطاني المعروف حاليا بنادي ( العلوية ). وسافرت الى الموصل والى الشيخ عدي والتقت باليزيدين وذهبت حتى مضارب عشائر شمَّر في بادية الموصل واستقبلها الشيخ عجيل الياور ورحب بها . وبتشجيع من زوجها عملت دراور على جمع الموروث الفولكلوري العراقي ، وكانت مهتمة الى حد بعيد بالقصص والحكايات الشعبية تستمع لرواتها وتدون ما يحكوه لها . وكانت احداهن وتدعى ( ليلي ) تزورها وتجلس معها الساعات الطوال في حديقة دارها وهي تروي لها ما تحفظه . وقد جمعت هذه الحكايات في كتاب اصدرته سنة 1931 وكان بعنوان ( حكايات شعبية من العراق ) .

ولدى اقامتها في البصرة لفت انتباهها مجموعة غريبة من الناس تعيش في مناطق الاهوار ودلتا نهر دجلة وكذلك في المحمرة والاهواز وكانت بيوتهم من البردي والقصب ويمتهنون صناعة القوارب والحدادة وصياغة الفضة والذهب ويتحدثون بالعربية ولكن لهم لغتهم الخاصة التي يدونون بها كتبهم المقدسة التي استنسخوها جيلا بعد جيل ، ويطلقون على انفسهم تسمية المندائيين او مندايي ، ولكن جيرانهم العرب يسمونهم الصبَّة ومفردها صَبّي ، وتتمحور طقوسهم حول كوخ من القصب يسمونه ( مندي ) وتشمل هذه الطقوس الارتماس بالماء الجاري ويقوم بها رجال دينهم الملتحون كما تشتمل هذه الطقوس على وجبة طعام قدسية لا تختلف كثيرا عن وجبة التناول المقدسة لدى المسيحيين مما جعل الغربيين يسمونهم مسيحيو يوحنا المعمدان . لقد اثارت هذه الطائفة فضول دراور الشديد فقررت التقرب من المندائيين فرحبوا بها كثيرا وابدوا استعدادهم لمعاونتها في التعرف على لغتهم ودينهم وعاداتهم وطقوسهم ، فقضت الساعات الطوال وهي تراقبهم اثناء تأديتهم مراسيم ديانتهم وطقوسهم وتدونها بدقة وبكل تفاصيلها في سجل خاص وتلتقط لهم الصور الفوتغرافية بآلة التصوير التي لا تفارقها .

وفي عام 1923 نشرت دراور كتابها الثاني اثناء وجودها في العراق وكان بعنوان (على ضفاف دجلة والفرات) ضمنته فصلا كاملا عن المندائيين كان بعنوان ( شعب غريب الاطوار) دونت فيه وبشكل مفصل طقوس التعميد المندائية ، كما اشارت الى بعض كتبهم المقدسة . وقد طلبت دراور من بعض رجال الدين المندائيين نسخ بعض الكتب المندائية والدواوين المقدسة فتم لها ما ارادت . وكانت دارور تسافر من بغداد ـ محل اقامتها ـ الى العمارة مرة واحدة على الأقل في كل سنة لتلتقي بالمندائيين هناك ولكي تستكمل بحوثها عنهم وخصوصا في ايام عيد الخليقة الذي يطلق عليه العامة (البنجة) اي الخمسة ايام المقدسة التي تتوافق مع اعياد الربيع .

ومنذ بدايات اهتمامها بهذه الطائفة صممت دراور على تعلم اللغة المندائية فاستعانت لهذا الغرض باحد معارفها في فيينا ليحصل لها على اعمال المستشرقين الذين سبقوها بدراسة النصوص المندائية مثل البرفسور ليدزبارسكي ونولدكه والسيوفي وآخرين كخطوة مهمة أولى، وبدات بتعليم نفسها ذاتيا اللغة المندائية . ولصعوبة هذه اللغة وعدم توفر قاموس خاص بها يساعدها في هذه المهمة ، شجعها الدكتور موسيس كاستور على البدء في عمل قاموس مندائي كما بين لها طريقة عمل القاموس وذلك بتدوين كل كلمة على بطاقة منفصلة وفق حروفها الابجدية . وفعلا اوصت دراور على صندوق معدني ذو ادراج خشبية تحتفظ فيه بالبطاقات مفهرسة. وفي عام 1937 قامت بنشر كتابها الشامل عن المندائيين وكان بعنوان ( مندائيو العراق وايران ) والذي قام بترجمته الى العربية فيما بعد كل من المندائيين نعيم بدوي وغضبان رومي باسم (الصابئة المندائيون).

وفي عام 1942 اندلعت ازمة سياسية في العراق ، والذي كان يرزح تحت الانتداب ، تمثلت بحركة رشيد عالي الكيلاني ضد حكومة نوري السعيد الموالية لبريطانيا، فاحتمى الموظفون البريطانيون داخل مبنى السفارة البريطانية وكذلك في سفارة الولايات المتحدة الامريكية التي لم تكن قد دخلت الحرب العالمية الثانية بعد. اما النساء والاطفال البريطانيين فتم اجلائهم بما خف حمله وهو عبارة عن حقيبة ملابس واحدة لكل عائلة بناء على الاوامر التي وصلت من لندن الى السفارة البريطانية في بغداد على عجل . وقد رفضت دراور مغادرة العراق ما لم يسمح لها بأخذ الصندوق الثمين الذي يحتوي على القاموس المندائي والتها الكاتبة وكتبها ومدوناتها الخاصة بالمندائيين. وبناء على اصرارها صرح لها بذلك فغادرت مع البقية الى البصرة ومن ثم بالباخرة الى الهند . واثناء فترة بقائها في الهند اطلعت عن كثب على طقوس (البارسي) الشبيهة بالطقوس المندائية ودونت الكثير من الملاحظات عنها والتي ضمنتها في كتابها على شكل هوامش ومقارنات .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عادت دراور الى بريطانيا وعكفت على ترجمة الكتب والنصوص المندائية ونشرها وعلى اكمال القاموس المندائي . وفي هذه الاثناء منحت بريطانيا زوجها ادوين دراور لقب فارس لأداءه المتميز في خدمة التاج البريطاني ، ولكن صحته تردت بعد ذلك وتوفي في عام 1951 نتيجة عجز اصاب كليتيه بسبب حرارة الصيف اللاهبة التي تعرض لها اثناء خدمته في العراق . وبعد وفاة زوجها قررت ستيفانا الانتقال الى مدينة أوكسفورد حيث كان يسكن العديد من زملائها الباحثين واصدقائها المقربين ، وكان قرارا صائبا اذ نعمت بزياراتهم التي خففت عنها وحدتها وهي في بيتها الصغير ، كما ان سكنها بالقرب من جامعة اوكسفورد اتاح لها ارتياد مكتبة (بولدين) الضخمة والتابعة للجامعة بسهولة ويسر .

ومن اجل ان يكون عملها مستوفيا كل شروط البحث العلمي ادركت دراور بأنه يترتب عليها القيام بتسجيل صوتي للغة المندائية مباشرة من رجال الدين المندائيين اثناء تأديتهم لطقوسهم الدينية ، فعادت الى العراق سنة 1952 وبدأت بتنفيذ هذا المشروع بعد ان ساعدتها شركة نفط العراق باحضار آلة التسجيل جوا . كما تبرع احد موظفي الشركة المذكورة بتزويدها بكاميرا سينمائية وتطوعت زوجة ذلك الموظف بمرافقتها الى العمارة ومناطق الاهوار حيث يقيم المندائيون لمساعدتها في هذا العمل ، فسافرتا الى قلعة صالح وانجزتا تسجيل الفيلم بالرغم من مرض دراور الشديد نتيجة اصابتها بالملاريا . وقد عرضت دراور الفيلم اول مرة اثناء انعقاد المؤتمر الشرقي في جامعة كامبردج عام 1953 والذي حضره جمع غفير من العلماء المختصين من كل انحاء العالم. وفي أوكسفورد استمرت بالعمل على انجاز القاموس المندائي ولكنها شعرت انها بحاجة لمن يتقن اللغات السامية ، فقامت باستدعاء شابا تشيكيا يدعى رودولف ماتسوخ يعمل استاذا في جامعة طهران لمساعدتها في انجاز القاموس . كان التعاون مثمرا وتكللت جهودهما المشتركة باصدار أول قاموس للغة الآرامية المندائية وذلك في اوائل سنة 1963 .

دأبت دراور على شراء الكتب المندائية من رجال الدين الصابئة ومنهم الشيخ نجم فجمعت نحو ستين منها كونت مجموعة نادرة قامت بإهدائها فيما بعد الى مكتبة بولدين مع التسجيلات الصوتية والافلام لينتفع منها طالبو العلم ، وقد ترجمت هي تسع من هذه الكتب النادرة من المندائية الى الانجليزية.

منحتها جامعة اوكسفورد شهادة الدكتوراه الفخرية عام 1954 لبحوثها المهمة في مجال دراسة طائفة الصابئة المندائيين مما اسبغ عليها سعادة غامرة عوضتها عن عدم التحاقها بالجامعة عندما كانت شابة في مقتبل العمر ، كما منحتها جامعة ( اوبسالا ) السويدية شهادة مماثلة تقديرا لجهودها العملية الكبيرة مجال الصابئة المندائيين . وفي صيف عام 1964 استدعتها السفارة الألمانية في لندن وقلدتها نيابة عن الحكومة الألمانية أعلى وسام في الدراسات السامية وهو وسام ليدزبارسكي تثمينا لها على ما ماقامت به من بحوث وتراجم حول المندائيين والتي استمرت لأكثر من نصف قرن.

قضت الليدي دراور ايامها الأخيرة بسلام في دار لرعاية المسنين شمال لندن وكان يزورها افراد اسرتها واصدقائها وزملائها باستمرار وتوفيت سنة 1972 عن عمر ناهز 92 عاما . وقد دونت في مذكراتها عن طائفة الصابئة المندائيين ما يلي : " ان تتمكن طائفة غنوصية قديمة من البقاء حتى وقتنا الراهن هو امر مثير للعجب , وأن تصان الكثير من كتبهم وتعاليمهم السرية ودواوينهم الطقسية هو اقرب ما يكون للمعجزة . ان هذه الطائفة تضمحل بسرعة، رجال دينهم طاعنون في السن واعداد المؤمنين منهم في تضائل سنة بعد اخرى . اني اشعر بالفخر كوني عاصرت عن كثب دينا ربما سيندرس بعد حين".

نشرت في تاريخ
الخميس, 04 نيسان/أبريل 2013 23:46

الناصروثا علوم الفلسفه المندائيه

مبارك هـــو صوت الحــي......... ومـمـجد الـشعـاع العـظـيـم الـذي كـله ضـياء

(كنزا ربا)

 

التعريف :

 

تــُعرف { الناصِـروثا } بأنها :

علوم التبحرفي الدين والفلسفيه الروحانيه ، عميقة الجذور إلاهية حــْق ،علوم الحقيقة الكامنة والمعرفة أللامتناهية وكلمات الحق والصدق الأسمى.،جُلبت من كنــز عوالم النورالأزلية واعطيت للنفس التي دخلت الجسد المادي عند أتمام خلقه؛ لتكون لهُ السلاح النوراني الذي به سوف تقاوم الـشر والظلام القابع في العالم ألفاني [ آلما اد تيبل ] العالم الارضي ؛ علوم أزلية موجودة بوجود سـيد العظمة (الحي العظيم ، هيــي قدمــاي) متسـربلة بأشـعتها وأضويتها الذاتـية في سـكينة تامة ؛ لم يحين الموعـد بعـد لتخرج من سـكينتها ، لأن الآدميين لم يخلقوا بعد لإحتوائــها . وعندما حان موعـد خلق الآدميون نـادو على (الناصِـروثا ) ، فـأرتفع النداءُ (بالدعاء والتسبيح ) عـالياً ليصل الكون الذي هو فوق جميع كـل الأكوان والى العالم الذي هو فوق جميع كـل العوالم لِصل الى كنوز النور ، وبأمر سـيد كنوز عوالم النور (هيـي قدمايـي ، الحي العظيم ) ، أنطلقت (الناصِروثا ) وتمـددة ملئ الأكوان والعوالم عابرة الزمان والمكان لإحتضان النفس (النشمثا) وبالتالي أحتوائها جـسد الطين الفاني ، من هنا بدأت رحلة ( علوم الناصِروثا ) الى العالم المادي ، وستبقى مع الأدميين لحين خروج آخـر نشمثا طاهر من هذا العالم ، حين ذاك يأذن ( الرب اللــه العظيم ) 

لـها بالعوده الى بـيت أبيها الذي جُلبت منه . الناصِـروثا طريق سهل وطـيب لعودت النفس الطاهره (نشمثا )الى عوالم النور السامية .

 

هذا مقطع من نص ديني للكتاب المقدس ( الكنزا ربا ) الا يمين ، عن هبوط (نشمثا) في الجسد :

 

" باسم الحي العظيم

 

أنا { نشمثا} تحدثت الى الأثـري اخواني، وقلت لهم:

{ماذا إقترفت من إثم،حتى أغويتموني وازحتموني من بينكم ؟

أخذتموني من مسكني أسيرة، واغويتموني وازحتموني من بيت أبي

واخذ كل واحد منهم يتحدث اليها :

يا نشمثا الحياة المنتصرة، يارسولة كل النيرات

يانشمثا الحياة الطاهرة ،يا نشمثا ، قفي واذهبي هناك،

وادخلي الجسد وابقي مقيدة في القصر { الجسد}،

ومن خلالك سيُقيّد الاسد الهائج ،وسيقتل الشرير في مكانه،

ومن خلالك سيُقيّد ملك الظلام.....

وتجيب { نشمثا} وتتحدث الى { مندادهيــي}:

أيها الصالح،رسول النور،

اذا أردت مني ان اذهب الى هناك ،

وادخل في الجسد ،وأبقى أسيرة فيه،

فاعطني إذن سلاحاً سامياً،لأبعد عني { الاشرار }.

{ وأجابها مندادهيـي } :

ما هو السلاح السامي الذي تريدينه يا { نشمثا }،

حـتى نجلبه لك من كنز الحياة ؟

سلاحُــك هو { نـاصيروثـا }، وكلمات الصدق التي جاءت

اليك من موطن النور .

وهنـا قالت { نشمثا }:

باسم { الحي العظيم }، وبعون { منداد هيــي}

ذهبتُ الى هناك ودخلت الجسد.

ذهبتُ الى هناك ودخلتُ الجسد ، وجعلت ذاتـي أسـيرة فيـه .

ومن اليوم الذي دخلتُ فيه الجسد، كنت قرينته على مرْ الدهور .

قرينته كنت على مـرْ الدهور ، وكان الاشرار من الاعماق غاضبين عليّ."

 

ومـن وصايا الرب للمؤمنين : ( سِّلـحوا نفوسك م بأمضى من الحديد ... سلاح 

ناصروثا وكلمات ربكم الصادقة ) .

 

يتضح من النص المبارك اعلاه ان { نشمثا ـ النفس } إمتنعت من الدخول في الجسد واخذت تشكو وتنوح ؛ وهنا ترجو رسول النور { مندادهيــي } ان يـُـرسل لهــا { مُخلّصاً } يخلصها بعد الوفاة من الجسد ويرافقها الى عالم 

النور ؛ والسلاح الذي تحصل عليه { نشمثا } هو { ناصيروثا } (1 ) أذن اعُـطيَ هذا العلم والسلاح الروحاني لللادميين محبــة ًورأفــة ًإلاهيــة ، تعينهم في مكوثهـم وخروجهـم من العالم الفانـي ؛لأنه من خلال التعمق

بهـذا العلم والتبحر بفلسفتـة اللاهوتية يكون الناصورائي المؤمن ؛ قد وصل الى اعلى درجاة التصوف { الزهـد في الدُنيا } ، ونكرانها ونكران مغرياتها وملذاتها الوقتيه المزيفه ، لان فلسفته الروحانيه قــد فتحت ابواب عقله وفكره وحررته من كل سيطرة وعبودية ممكن ان تلحق به من هذا العالم ، بعــد أن أ ستطاع تــحقيق توازنه المختل ، بين طبيعته الانسانية المادية بما فيها من قوى سالبه المتمثلة بـ { الغرائز والشهواة والحواس } وبين طبيعته 

السماوية النورانية المتمثلة بعناصرها الايجابية كــ {الحب والعطاء والايمان } ، واستطاع أن يرسم طريق حياته المثالية التي يحياها في هذا العالم ..... ، وطريق حياته هذا سوف يؤدي به الى الوعي وتفتح طاقاته الباطنية وإمكانياتــه الإنسانيــة ، كالعمل والنظام والصبر وبرؤية واضحـة تفهــم كافــة الأمور الحياتية ....؛ ولنا في قول الحي العظيم طريق يـُـنير بصيرتنا :

 

" بـاســم الحي العظــيم

 

أحببتُ العـَدل منــذ ُ أحببتــك

وأحببتُ الحـقَّ منـــذ ُ حببـتك

منــذ ُ يوم عرفتك ، عرفت أن الدنيا باطلة

وأن جميع نعـَـمها زائلة

صرت أحـبّ إلي من أبـي وأمــي

أحـبَّ إلـي من أخواتـي وإخوتـــي

ومن أبنائي و زوجـتـي

لم تـعُــد تهُـمني الأموالُ ولا القصـور

لم تعُــد تهُـمني الثياب ولا الــعطـــور

لا الــجـاهُ ولا الــســلطــان

إ نـي وجـدتُ نفــسي .....فـمــالـي وللأكـوان " 

( جزء من نص حب المؤمن للحي ...كنزا ربا الايمن )

 

" بأسم الحـي العظيـم

 

ياســـيدي المالك العالي للنــــور

الذي عيناه مفتوحتان ، تبحثان عن العدالة

والذي يضــع العدالة لهؤلاء الذين يحبونـه

وينفذ العدالــة على هؤلاء الذين أضطهدونا

وعلى المضطهد يـــن الذيــــن يلاحــقوننـــا

وعلى الشريرين وعلى الغــاضبيــن .

الذيـــن يحتالون لعمل الشر علينـــا .

أذا كـنا نرضيك يامالك النور العالي

انظر الى هذه النفس التي تؤمن بــك

ومن أجل أسمك حضروا على الارض واضطهدوا .

أرنــــا الهــواء الطـــاهر

كــي ننســـى أ ضطهادنــا الدنيــوي

حتى ننســـى أضطهاد الارض

واغاظــة الشريـرين والكذابيــن

قـــــوَّ بصيرتنا وصوتنا ويقظتنا وتســبيحنا

لأننـا بـهذه الوســيلة نستطيع أن نصلـك أيـهـا الـحـي العــظـيـم

مـــــــــــن الـبـدايــــة الــى 

الــنـهــايـــــــــــــــــــــــــــــة ،"

( جزء من النص 18من كتاب التعميد )

تعتبر بشرية السلالة الاولى لنبي آدم (مبارك اسمه ) من اولى السلالات (الناصورائية) ، ونواة الديانة المندائية من بذرة حكماء أنقياء اجتمعت فيهم كل عناصر علوم) الناصِـروثا) ؛ مما جعلتهم يمتازون بالمقدرة الروحانية الفائقة في البصيرة والتعمق الروحي والتبحر في الدين اضافــة ً للمقدرةالجسمانية والصحية ؛ كُـشِفت لديهم الكثير من اسرار النفس والذات ، واسرارعلوم السماء والارض ؛ وممارستهم لهذه العلوم السامية في حياتهم الروحية والعملية فتحت لهم ابواب اتصال روحانية بين عالمهم المادي والعالم الفوق المادي ( النوراني ) ما جعلهم على ثقــة واحساس تاميين بمعانقتهم للحياة الابدية الخالدة ؛.(2 )... ويطلق اسم (الناصورايي ) على الروحانيين (رجال الدين ) الذين يراعون تطبيق الاحكام والاوامر الدينية قبل غيرهم ، والمؤمنون الحقيقيون ( النقاة ) ؛ (فالناصورايي ) هم الاشخاص الذين يفهمون (الناصيروثا) التي هي فلسفة الديانة المندائية ، ( كان النبي يحيى ( ع ) ناصورائياً وكذلك والديـَه ، والسيد المسيح ايضاً ) ذا معجزات تعالج بصورة رئيسية شفاء أبدان الناس وارواحهم .

وكلمة (ناصورائي) من الجذر السامي ( ن ص ر ) ويعني ( راقب ، حدس ، صان ) وفي الاكدية نجد معناها نفسه في طقوس الكهنة الاكديين ، وفي البابلية ( nasaru ) بمعنى (مراقبي السماء او حافضي الاسرار ) وفي 

العربية (نصر، ونظر ) وفي العبرية نصر (نطر ) فالصيغة المندائية تعود الى الصيغة الاراميه القــديمة العهد ، لذالك لا يمكن أبدا ارجاع كلمة ناصورائي المندائية الى المصطلح السرياني ( ناصُرايَ ،ناصري ) اي مسيحي ( نصراني ) ، ومن ناحة اخرى اعتبر الباحث الماني ( ماتسوخ ) بحق ان لفظة( ناصورائي ،ناصورايا )

هــي الدليل القاطع على قِــدَم الناصورائية المندائية وأصلهـا......

تتمتع ا لفلسفة المندائية بخاصية عظيمة تجعلها ثابـتة وكريمة ، ومحافظة على نقاء جوهرها لاتخضع لأحكام الزمان و المكان ، ما ان يصيبها اضطهاد، اوأذى دنيوي المتمثل بقوى الشر، والضلام على مر الدهور والعصور حتى يضن البعض انها قد تزول ، تنبعث مجدداً من بين الفوضى والاضطراب ، كاشفة عن ا شعتها النورانية ،واسرارها العظيمة بكل قوة وفخر، مبشرة أحبابها بالامل والاطمئنان والانقاذ الابدي من الخراب الدنيوي ؛ لانها متجذرة ... و الجذرُ لايموت ابدا .

" مبارك أنت { الناصِـروثا } الذي منك تعلم المختارون"

{ مقطع من دعاء النبي سـام بن نوح (ع)

مــن مواعــظ النبي يهيا يوهانا (يحيى بن زكريا ) عليه السلام للناصورائيين 

الصادقين والمؤمنين ...

" إذا أصبحت ناصورائياً ،فكلّ فضيلـةٍ من فـَضائـِلكَ ســلاحٌ

يـُعينُ باهري الصـدق أنك تـُعينهـُم بالإيمان والاستـقـامــةِ

والمعرفــةِ والحكمــةِ ، والتعــليم ِ، والرجاء ِ، والصــلاةِ

والتسبيـح ِ، والصـدقةِ، والطيبــةِ ، والتواضـع ِ، والاتقــان ِ

والرأفـة ِ، والحنان ِ، والتبصر ، ومـحـبة ِالــحـــــــــــــــق 

( كنزا ربا يمين الكتاب التاسع(

 

المصادر :

 

1ـ النشوء والخلق في النصوص المندائية اعداد وترجمة الاستاذ الدكتور 

صبيح مدلول (هبوط نشمثا في جسد ادم )

2ـ النبي يحيى بن زكريا نبي الصابئة المندائيين اعداد وترجمة الاستاذ 

الدكتور صبيح مدلول السهيري

3ـ النص الديني (18) من كتاب التعميد المندائي ترجمة وتعليق الترميذا 

الخميس, 04 نيسان/أبريل 2013 23:37

التعميد المندائي-المصبتا

( المصبتا ) العماد ، هو باب المندا والحياة المندائيه ، وبه يصير الانسان المندائي ابنا بارا وينتسب للمندائيه روحا وجسدا ، (آتوا الماء الجاري ، واصطبغوا صبغة تهب نفوسكم حياة من عالم النور -كنزا ربا ).

 

منذ فجر الانبعاث، ومنذ اول البشر ادم مارس (الاثري والملكي) والمندائيون العماد والى وقتنا هذا بدون انقطاع ، فتعمد ابونا آدم بهذا التعميد من قبل الملاك )هيبل زيوا ( فالتعميد ركن اساسي من اركان الدين وواجب على كل مندائي . وبما ان العماد بدء طريق يفضي الى اتباع الله ، لذا يشدد المندا على ضرورته فيدعوا الاطفال والراشدين والكبار الى تقبله والتعرف على قيمته ومفعوله فيهم ، فالانسان المندائي بالغا كان ام طفلا عليه ان يلج هذا الباب المفضي الى الله، الطريق والحق والحياة . وهذا مايبرر اصرار المندا على تعميد الاطفال ايضا في وقت مبكر بعد ولادتهم بشهر واحد، مرتكز على ايمان الاهل ويتجسد ايمانهم بالحي الحي العظيم من خلال تكريس اولادهم بواسطة العماد الذي يفضي بالمعمد الى حياة النعمه فيعيش في جوه ويتنشق عبيره .

 

في حفلة العماد يتقبل المندا باسم (هيي قد مايي) الحي الاول ويمثله في ذلك (الترميذا)عادة والمشتركون في الاحتفال ، وتكون مادة المعموديه هو الماء الطبيعي الجاري .الذي يسكب في القلب املا جديدا بافق يتفتح عن نقاء وبهاء حيث يقول الله في كتاب (سيدرا اد نشماثه- هذا هو الماء المقدس للحياة ، وانشىء في دار الحياة حيث عبر العوالم وجاء وشق السماء واصبح طاهرا). وهكذا فالماء الطبيعي الجاري الذي هو مادة العماد يتفق في رموزه مفاعيل العماد نفسه. فاذا بهذا الماء النقي حياة جديدة للمعمد، وهو الفرح الحقيقي الذي ينشأ عن نقاء القلب وصفاء العهد في نفس اتحدت بينبوع الحب والسعادة . وعندما يسيل على رأس المعمد وجبهته وذلك بالتغطيس والرش ، يردد المتعمد بعد الكاهن في اثناء التغطيس (انا -الاسم الديني- تعمدت بعماد الملاك بهرام العظيم ابن القدرة عمادي يحرسني ويسمو بي الى العلا اسم الحي العظيم منطوق علي) . يستقبل (الترميذا ) الراغب في التعميد في المكان المعد للعماد والمنداهو المكان الطبيعي لتقبل هذا العماد ،إذ انه اللقاء الطبيعي بين المؤمن والله ونقطة التفاف المؤمنين بعضهم مع بعض اسرة واحدة حول الله معربين بذلك عن انتماء ايماني وحياتي. وعندما يدخل الراغب بالتعميد الى المندا يتهيأ لينخرط في المجموعه التي اسسها الله ، وليصبح فردا فيها تسانده في معترك الحياة فلن يبقى في المستقبل منفردا ازاء صراعه الحياتي بل سيشعر انه ضمن مجموعه اخويه يعيش فيها الجميع متضمنين حياة الخالق الازلي . وبعد ان اختار والداه اسما يحمله طيلة حياته يتلفظ به محبوه بحنان، لكن في العماد قد جرت العادة الدينيه ان يمنح المعمد اسم ديني (ملواشا) رمزا للولاده الجديدة الروحيه واشارة الى الاسرة الجديده التي انضم اليها اسرة الحياة الاولى التي حافظت على الدين المندائي مدى العصور .

 

وقبل الشروع بهذا التعميد المقدس على الانسان المندائي ان يتخذ عهدا وموقفا معينا فيرفض الشر ويتبع الخير يرفض كل ماهو مناقض لله الحي الواحد ، الشيطان (روها)واعوانه واعماله معلنا ذلك بلسان طاهر ويعلن بذلك ايمانه وايمان الاهل ويشاركهم الرغبه، فمفاعيل العماد عظيمه تحير العقل فهو يمحو اغلب الخطايا وعقوباتها ويهب الفضائل الالهيه وحق الحصول على نعم حاليه وحق ارث السماء ومشاهدة عوالم الانوار وبعد هذه التهيئه ياتي التعميد .

 

يذهب ( الترميذا)الى الماء الجاري (يردنا) وينزل الى حد ركبتيه في الماء ويكون وجهه مقابل جهة الشمال اي عالم الانوار الابدي ، ويكسي (المركنه) العصا المقدسه باكليل الآس والمرماهوز ويثبتها داخل الماء اثناء التعميد وبعدها يحرك (الترميذا) الماء بيديه ثلاث مرات ليرسم ثلاث دوائر تعبر عن حدود التعميد وبعد هذا يبارك الترميذا الماء الجاري طالبا الى الله الحي الازلي ان يحل عليه روح (الاثري شلماي وندباي) فيتقدس ويطهر المتعمدين فيه وان يهب المتعمدين فيه نعمة الفداء فيخلع عنه الانسان المظلم ويلبس الانسان النوراني الذي اصبح متحدا مع الله ومحصن ومحصى بين الاولين المكتوبين في السماء .

 

وعندما ينتهي ( الترميذا)من قراءة صلوات الماء الجاري يكون طالب التعميد قد تهيأ للتعميد من حيث ارتداء الملابس الدينيه البيضاء (رستا) التي ترمز الى انسان النور ، واكليل الاس الذي وضع في خنصر يده اليمنى اي اقصى اليمين. وبعدها يردد (الترميذا) صلاة الترخيص بالنزول الى الماء الجاري (بشما اد هيي ربي انا اثبل بهيلا وهيلا اد يردنا الاوي شري نشي نيثي ونينهث ليردنا ونصطبا ونيقبل دخيا رشما ونلبش اصطلي اد زيوا ونترص بريشي كليلا راوزي شما اد هيي وشما منداد هيي مدخر الي)- المعنى بسم الحي العظيم انا اتيت بقوة الحي وبقوة الماء الجاري الذ ي سارقد عليه لانزل الى الماء الجاري واتعمد وانال الرسم الطاهر وارتدي رداء النور واضع على راسي اكليلا متالقا اسم الحي العظيم منطوق علي .

 

ثم ينزل الراغب بالتعميد وعلى اليمين الخلفي (للترميذا) الذي يقف مقابل جهه الشمال ويغطس جسمه كله داخل الماء ثلاث مرات ويرش (الترميذا)الماء على المتعمد من خلفه في كل مرة واثنائها يردد المتعمد مع الترميذاصلاة الاغتسال (طماشه ) ( انا الملواشه صبينا بمصبتا اد بهرام ربا ربا بر روربي مصبتاي وتيناطري وتسق الريش شما ادهيي وشما اداد مندا اد هيي مدخر الي ) - المعنى انا الاسم الديني تعمدت بعماد الملاك بهرام العظيم ابن القدرة عمادي يحرسني ويسمو بي الى العلا اسم الحي منطوق علي .

 

ثم يرسم الترميذا جبين المتعمد بالماء ثلاث مرات من اليمين الى اليسار وفي كل مرة يردد المتعمد مع (الترميذا) صلاة الارتسام (انا الملواشة رشمنا بروشمه اد هيي شما اد هيي وشما اد منداد هيي مدخر الي) المعنى انا الاسم الديني ارتسم برسم الحي العليم منطوق علي . ثم يعطي (الترميذا) بكف يده اليمنى الماء الى المتعمد ليشربه ثلاث مرات وفي كل مرة يطلب من المتعمد ان يعطي العهد (كشطا اسيخ واقيمخ) -المعنى العهد يقويك ويثبتك . وبعدها يرد (الترميذا) على المتعمد (بي وشكا وامر وشتما)- المعنى اطلب تجد تحدث تسمع . وبعدها يقرأ (الترميذا) الجزء الرابع من صلاة الانبعاث ويتوج بيده اليمنى للمتعمد على راسه . ثم يضع (الترميذا) يده اليمنى على راس المتعمد ويقرا الاسماء الطاهرة المقدسه طالبا له قوة ونعمة الحي المنتصر على الشر فيتسلح بذلك لصراع مستقبلي محافظا دوما على نقاء القلب.وبعدها يبسط (الترميذا) يده اليمنى الى المتعمد وياخذ منه العهد ويرد عليه )الترميذا ( ثم يخرج المتعمد من الماء وبعدها يقرا المتعمد صلاة الحياة (فرة الطريانا)وهو يدور حول الطريانا (وعاء البخور ).

 

حيث يقول (اسوثا وزكوثا نهويلخون ياملكي واثري ومشكني ويردني ورهاطي وشخناثي اد المي اد نهورا كليخون) -المعنى السلام والنزاهه لكم ايها الملائكه والاثريون والمساكن والمياه الجاريه والجداول وعلى ساكني عوالم الانوار جميعا. ثم يجلس باتجاه الشمال وفي هذه اللحظه يتحقق الحدث المهم في حياة المعمد ، اذ يتحرر من قيود الخطيئة ليلبس رداء النور ليعيش نقيا طاهرا معدا لميراث الحياة الابديه . وعندما يخرج(الترميذا)من ( اليردنه)وبيده وعاء الماء الذي (ممبوها)اي الماء المقدس يتم تكريس المعمد برسم الحي العظيم اذ يمسح (الترميذا ) جبهه المتعمد ثلاث مرات بال(مشا)وهو زيت السمسم الابيض الذي ارسله الحي العظيم الى هذا العالم ليشفي كل الالام وقد باركه ( الترميذا) بقراءة كل الصلوات الدينيه .

 

هذا هو سر التثبيت الذي به ينضوي المعمد تحت لواء الله الخاق الاعظم متسلحا بكل الطاقات الطبيعيه ترفدها المواهب الفائقة الطبيعيه التي نالها في العماد ليستطيع مقارعة الشر والامراض وتخطي الصعوبات الحياتيه التي تعترض سبيله نحو الفضيلة والكمال، فمن خلال زيت السمسم الابيض (شوشما هيوارا)الذي مسح به المعمد باسم الله لتحل البركه عليه كماحلت على الاباء الاولين .

 

وبعدها يضع ) الترميذا(يده اليمنى على راس المتعمد ويقرا عليه صلاة الاغتسال(طماشا) والاسماء الطاهرة المقدسة التي لفظها عندما كان واقفا في الماء الجاري ثم يمسك (الترميذا ) بيده اليمنى يد المتعمد لياخذ العهد من المعمد ان يغسل يده اليمنى بالماء الجاري لتصبح طاهرة حتى يمسك بها الخبز المقدس (بهثا) والماء المقدس(ممبوها) وعندما (يطمش ) اي يغسل يده يجب عليه ان لايتكلم تقديسا لصلاة (البهثا والممبوها)وبعد ان ياكل المعمد البهثا ويشرب جرعتين من الممبوها والثالثه يرميها المعمد على كتفه الايسر دلالة على غفران خطاياه ، حيث يقول (الترميذا) للمعمد(كل بهثخ شد ممبوهخ شد هللتا من يردنا اشد بيدا ال سمالا) -المعنى كل خبزك المقدس ، اشرب ماءك المقدس الذي حللت من الماء الجاري ارم بيدك على يسارك . ثم ياخذ الترميذا العهد من المعمد . ويستمر ( الترميذا )بقراءة الصلوات والتراتيل وعندما يصل الىصلاة شهادة التعميد يمد المعمد يده اليمنى الى الماء الجاري ويردد بعد الترميذا ( يردنا اد إصطنابا الاوين نهوي بسهدي اد لا فخنن من رشمن ولاشنينا لدخيا ميمران ) - المعنى الماء الجاري الذي تعمدنا به سيكون شاهدنا الذي لانغيره من رسمنا ولانبدل كلماتنا الطاهرة . وبهذه الشهاده يدعوا المعمد الى الحفاظ على شعلة الايمان الساكنه اعماق كيانه فيلتزم الصمت كل متطلبات هذه الشهاده الطاهرة ويسعى في اشعاع هذه الشهاده الطاهرة ويسعى في اشعاع هذه الشهادة نورا يضيء لمن حوله الطريق نحو الكمال والحقيقه. وعندما ينتهي ( الترميذا) من قراءة التراتيل يقف مع المعمد ويقرأ صلاة التوسل وطلب الرحمه والغفران وكذلك المعمد يطلب التوسل من ربه ان يغفر له خطاياه ويقبل ادعيته النزيهه وعند الانتهاء من الصلاة يعطي الترميذا العهد الى المعمد ويستمر الترميذا بالقراءة حتى يتناول (البهثا) ويشرب جرعتين من ( المبوها) والثالثه يرميها اسفل ( المركنا)دلاله على غفران خطاياه وبعدها يعطي(الترميذا) العهد الى (الشكندا) مساعد الترميذا حيث يمسك (الترميذا) يد (الشكندا) اليمنى ويقول ( كشطا اسيخ وقيمخ) ثم يرد عليه المساعد (بي وشكا وامر وشتما اثري اد سغدت وشبتنن نويلخ ادياورا وسيماخا ومبرقانا ومشوزبانا بثر ربا اد دنهورا ودورا تاقنا ومشبين هيي )- المعنى اطلب تجد ، تحدث تسمع . الاثيريون الذين قدستهم وباركتهم سيكونون لك مساعدين ومثبتين ومنقذين ومخلصين بالمكان العظيم للنور والدار الازليه وليسبح الحي .

 

وبعد هذا يجلس ( الترميذا) ويقرأ صلوات الختام وهي عبارة عن حل او فك مارسمه في بداية التعميد ثم يخرج تاجهمن على راسه الذي توجه في البدايه ويقبله ثم يرميان اكاليلهما في الماء الجاري رمزا للخلاص والطهارة .

من الامور المعروفة ان طائفة الصابئة المندائيين من الطوائف الاصغر عددا في عالمنا اليوم، ولكن هل هذا يعني تجاهلها وعدم سماع صوتها !! وهل يعني ايضا ان نتجنى عليها وعلى تاريخها ونبعدها عن الساحة الانسانية ونقلل من شأن تمسكها بنبيها ونعتبره مجرد "شفيع" كما فعل استاذنا جان صدقة في مقالته الاخيرة الموسومة (يوحنا المعمدان قديس في المسيحية ونبي في الاسلام) والتي نشرت مؤخرا في جريدة التلغراف*، وقد خلا العنوان الرئيسي للمقالة المذكورة من ذكر اسم اتباع هذا النبي الحقيقيين وهم الصابئة المندائيين !! ربما قد خفي على صاحب المقالة ان الصابئة المندائيين يؤمنون بان النبي يحيى يوحنا احد انبيائهم الاربعة الرئيسيين والتي تدور حولهم ديانتهم ومعتقداتهم، ولا يوجد دين يدعي هذا الادعاء غيرهم، فكان الاحرى بكاتب المقالة ان يتعب نفسه في البحث في عشيرة هذا النبي !! وسوف لا استطرد هنا للرد على المقالة المذكورة انفا، لان فيها من المغالطات التاريخية بخصوص الصابئة الشيء الكثير، ولكني سوف احاول ان اعرض لصورة النبي يحيى يوحنا كما يرسمها لنا الادب المندائي. 

أن الحديث عن النبي يحيى (يوحنا) ذو الشخصية التاريخية والدينية المؤثرة والمهمة جدا على الصعيدين الروحي والتاريخي، ليس بالحديث اليسير، وذلك لعدة أسباب منها:

· عدم وجود دراسات حقيقية خاصة بحياة هذا النبي في المكتبات العربية.

· اختلاف القصص حوله، الدينية والتاريخية، على الرغم من كونه أحد الأشخاص المهمين في الحركة الدينية التي انتشرت قبل وبعد الميلاد بسنوات في حوض الأردن وأورشليم.

· المكان والزمان اللذان شهدا وجوده، كانا من اهم مراحل التاريخ الديني والفكري والانساني على حد سواء، لما شهدته فلسطين ومنطقة حوض نهر الاردن قبل الفا عام، من صراعات فكرية وايدولوجية وسياسية في ظل الاحتلال الروماني للمنطقة، والتزمت والسيطرة اليهودية الدينية على المنطقة انذاك. ادت الى ظهور جماعات وطوائف تدعو الى اتجاهات فكرية مختلفة، بعضها حافظ على البقاء، والبعض الاخر انحل واختفى. وفي خضم هذا الصراع الفكري كان للنبي يوحنا (يحيى) يلعب دورا حياتيا وفكريا مهما قبل وبعد وفاته وعبر مؤيديه. 

السبب الرئيسي في هذا الغموض هو انه لم يكن مؤسسا لجماعة دينية معينة خاصة به، ولم يطرح فكرا خاصا، ولم يأتي بدين جديد. لان حتى الصابئة المندائيون والذين يعتبرونه أحد آبائهم الأربعة المقدسين وأخرهم، وحلقة مهمة من حلقات تاريخهم الديني والحياتي، يعترفون بان ديانتهم لم ينشاها هذا النبي، وانما كانت قبله وهو الذي أعاد الحيوية في فكرها وطقوسها الدينية، فهو النبي والرسول (نبيها وشليها) الذي انقذهم من ظلم اليهود، وارجع اليهم روحية المفاهيم التي يؤمنون بها. وان كلمة الرسول لا تعني هنا من ياتي بدين جديد او مؤسس لفكر خاص، وانما جاءت كلمة (رسول – شليها) بالمندائية بمعنى المنقذ ورسول من اجل اعادة بناء العقيدة والدين. 

فلذلك يؤمن المندائيون بان هذا النبي جاء ليرجع الناس الى الشريعة الاولى شريعة الإنسان الأول (ادم وحواء). لأن المندائيين يؤمنون بان شريعتهم ما هي الا شرعة الحياة الفطرية (شرشا اد هيي) التي عرفها والتزم بها آدم أبو البشر (أول إنسان عاقل). وتتلخص هذه الشرعة بمعرفة وعبادة خالقا وسيدا لهذا الكون والذي يسموه ب (هيي اي الحي او الحياة) فلذلك سموا انفسهم بالمندائيين اي (العارفين في اللسان الارامي المندائي ومن جذر الكلمة مندا-عرف او علم).

ان لهذا النبي في الأدبيات والتراث الديني الصابئي المندائي الكثير من الروايات والقصص التي تستحق ان يعرفها الباحثون وعامة الناس. والذي وصفه الانبياء والرسل الآخرين بأعظم الصفات. فها أنا اقدم للقارئ العربي الكريم فرصة معرفة النظرة الصابئية المندائية لاحد أنبيائها، الا وهو النبي يحيى بن زكريا – يوحنا المعمدان (مبارك اسمه). من خلال الادب الصابئي المندائي، وسوف يكون مصدري الاول كتاب (دراشا دْ يهيا – تعاليم يحيى) المخطوط باللغة المندائية (وهي احدى اللهجات الارامية الشرقية)، وهو أحد كتبهم المقدسة والمعتمدة بعد كتابهم الكبير (كنزا ربا – الكنز العظيم). والاثنين مترجمان الى العربية. 

بدءا يجب ان نعرف الاسم الحقيقي لهذا النبي، ولماذا هذا الاختلاف بالتسمية ما بين يحيى ويوحنا؟. ان الاسم الآرامي المندائي لهذا النبي هو (يهيا يوهنا) أو (يهيا يهانا) - أي يحيى يوحنا (وهو اسم مركب) .. وبالعربية (يحيى) – الجزء الأول من اسمه الآرامي المندائي ، وبالمصادر المسيحية (يوحنا) – الجزء الثاني من اسمه الآرامي المندائي. اي يصبح اسم هذا النبي ب(يهيا يوهنا - يحيى يوحنا) وهو اسم مركب كما تعلمون.

اما كلمة المعمدان التي تلتصق بتسميته المسيحية (يوحنا المعمدان) ليست اسم وانما لقب (كنية) عرف بها وذلك لتمسكه بتعميد الجموع الغفيرة التي كانت تقصده لتنال غفران الخطايا والدخول الى ملكوت الانوار. ولقد ورد هذا اللقب وهذه التسمية في النصوص المندائية ايضا، فقد ورد باللسان المندائي الارامي ما يلي (يوهنا مصبانا) أي يوحنا الصابغ، لان الصباغة هي المعمودية المندائية التي كان يمارسها. اما معنى الكلمتين التي تؤلفان اسمه المركب فتدوران حول معنى الحياة. ولقد وردت معاني كثيرة لاسم هذا النبي في كتب التراث العربي نورد اهمها: (الذي أحيا عقر أمه) لان أمه كانت عاقر لا تنجب ، أو (الذي أحياه من الخطيئة) أو (المحيي) لانه سوف يحيي الأيمان وعبادة الخالق في قلوب الناس.

ولد يحيى يوحنا حوالي سنة 34 – 36 قبل الميلاد (حسب التراث المندائي) وحوالي سنة 1 قبل الميلاد (حسب التراث المسيحي). وذكر ايضا بانه ولد في سنة 6 او 7 قبل الميلاد. وان التقويم الصابئي المندائي المستعمل حاليا والذي يسمى ايضا بالتقويم اليحياوي (نسبة الى يحيى) يبدأ من مولد هذا النبي. مع العلم ان المندائيين يحتفلون بعيد ميلاده (23 ايار) في عيد يسمى (دهفة اد دايما)، ولو ان هنالك راي لبعض رجال الدين المندائيين يقول بان هذا اليوم ليس عيد مولده وانما هو يوم تقبله للصباغة الاولى (التعميد)، فلذلك يسمى هذا اليوم شعبيا عند المندائيين ب(بعيد التعميد الذهبي) والذي يتقبل خاصة الاطفال الصغار التعميد المندائي في هذا اليوم. 

ولد النبي من أبوين كبيرين طاعنين في السن، وهذا ما تتفق عليه المصادر الادبية المسيحية والاسلامية ايضا. فالأب اسمه (زكريا) ويلقب او كنيته (آبا سابا) أي الأب الشيخ، لانه ذا مرتبة دينية واجتماعية عالية، عند اليهود والمجتمع آنذاك. ومعنى اسمه ممكن ان ياتي من كلمة (زكايا) في اللسان المندائي الارامي وتعني (القديس، النزيه، المنتصر). وكان عمره 99 سنة عندما ولد النبي. ولقد بارك الأب زكريا ولده النبي واعترف بنبوته. اما والدة هذا النبي فاسمها في المندائية (اينشبي) او يلفظ لفظا شائعا ب(اينشوي)، وبالعربية (اليصابات) وبالإنكليزية (اليزابيث)، وجاء ايضا اسمها في المصادر العربية ب(اليشاع)، وكانت عمرها 88 سنة، عندما ولدت النبي (يهيا يوهنا) وهي لم تنجب أبدا لأنها عاقر، وتذكر مصادر الادب المندائي بان (انشبي) شربت من الماء السماوي (يردنا اد ميا هيي – يردنا ماء الحياة) بقدرة الرب العظيم وبمعجزة اللاهية ، وتلبية لدعائها، فحبلت بالنبي الموعود (يهيا يوهنا). فهي لم ترى ابنها النبي بعد ولادته، إلا عندما صار عمره 22 عام، وجاء لها فعرفته من خلال غريزة الأمومة، وصاحت بوجه اليهود عندما أرادوا تسميته بأسماء يهودية مثل (بنيامين، شوموئيل .. الخ) .. ورفضت وأبت إلا أن تسميه ب(يهيا يوهنا) ممن وهبه الحياة.

ولد النبي وفق البشارة الإلهية لأبويه زكريا واينشبي وهي المعجزة الأولى، معجزة الولادة .. وان الله وهبه الحكمة وعلمه الكتاب وهو صغير في حال صباه فقد كان عمره 22 سنة عندما دعي كنبي في أورشليم .. وبعد ولادته مباشرة، وقبل ان تقع عينا والدته عليه، أخذه الملاك أنش أثرا الى ( بروان طورا هيوارا – جبل بروان الابيض) وتم تعميده بعد بلوغه سن الثلاثين يوما. واخذ ينهل الحكمة وتعاليم الرب العظيم من قبل ملائكته الابرار الى ان بلغ سن الثانية والعشرين، بعدها أعطي التاج والصولجان واصبح من الناصورائيين العظام (الناصورائي هو المتبحر بالعلوم الربانية)، وعاد بصحبة الملاك الى مدينة اورشليم ليجهر بدعوته واصلاحه الناس. 

ان القصة المندائية التي تؤكد على ان هذا النبي قد تتلمذ وعاش ونشا بعيدا عن اورشليم، في منطقة تعرف ب (جبل بروان الابيض) تاخذنا الى امكانية وجوده وتعليمه قد تمت ما بين جماعة الاسينيين في منطقة قمران، وممكن ايضا ان يكون هذا الجبل هو احد التلال والجبال المحيطة بمنطقة قمران (جنوب شرق البحر الميت). ومن باب اخر ممكن ان يكون ما بين الصابئة المندائيون في حران. والاخيرة فيها جدل كبير سوف احاول ان اناقشه في مناسبة اخرى بخصوص العلاقة ما بين الصابئة المندائيين الحاليين وصابئة حران القدماء.

ان الأدب المندائي المدون يتحدث عن زواج هذا النبي وتكوين عائلة كبيرة من بنين وبنات. فيذكر انه تزوج من فتاة اسمها (انهر) والذي يعني اسمها في اللسان الارامي المندائي (الأحسن، الاشرق، الاضوء)، ورزق ايضا بخمسة ذكور وثلاثة اناث، واسمائهم هي كالاتي: الذكور : هندام ، بهرام (ابراهيم) ، انصاب (الثابت) ، سام ، شار. والإناث : شارت ، رهيمات هيي (رحمة الحياة)، انهر زيوا (انهر الضياء).

توفي النبي يهيا يوهنا في فلسطين حوالي عام 28 / 30 للميلاد .. وكان يعيش حياته في التقشف والصلاة. فقد كان له مجموعة من التلاميذ ( 360 ترميذي)، وأن تلاميذه قاموا بدفن جسده بعد ارتقائه إلى عوالم النور، في دمشق سوريا واصبحت مرجعا للمندائيين وبعد ذلك صارت كنيسة إلى أن جاء الوليد بن عبد الملك الأموي وزينها بالفيسفساء وجدد بناءها وأصبحت تعرف بالجامع الأموي. وان هنالك اماكن اخرى يدعي الناس بانها ترجع لهذا النبي وخاصة في الاردن وفلسطين.

ابتدات قصة ولادته برؤية عجيبة راها احد كهنة اليهود في اورشليم، اختلت فيها موازين الطبيعة، اذ راى كوكبا هبط على انشبي ثم ارتفعت نار تتوهج في باب بيت زكريا. وحصل اضطراب في الاجرام السماوية، والارض انحرفت عن مكانها، ونيزك انحدر نحو اليهود واخر نحو اورشليم، وارتفتعت سحب الدخان في بيت المقدس. وعندما تليت هذه الرؤية على كهنة اليهود، اوعز رئيس الكهنة (اليزار – اليعازر) بان يستعان بتفسير تلك الرؤية بالكاهن (ليولخ) وهو كاهن ذو علم بتفسير الاحلام. فكتبوا رسالة يشرحون فيها الرؤية واعطوها الى (طاب يومين) ليوصلها الى ليولخ، وجاء تفسير الرؤية من قبل ليولخ بالاتي:

( سوف تلد انشبي ولدا ويدعى نبيا في اورشليم وانه سيقوم بتعميد الناس في الماء الجاري "يردنا" وسقيهم ماء الحياة "ممبوها"، فالويل لكم يا كهنة اليهود، اذا ماولدت انشبي مولودا، ويل لك يا معلم الصغار، وويل للتوراة، اذا ماولد يحيى في اورشليم. ان يحيى يجيىء ويصبغ في يردنا، وسيكون نبيا في اورشليم ).

فسرها الكهنة بان هذه رؤية ستتحقق بميلاد نبي من صلب زكريا وانشبي (اليصابات). وعلى اثرها ثار كهنة اليهود على الاب الشيخ زكريا، وقال (اليزار) له ( ابتعد عن اورشليم ولا تلقى الفتنة في اليهود )، ورد الاب الشيخ زكريا بصفع الكاهن اليزار على خده، قائلا له: (هل هناك من مات ثم عاش ثانية، حتى تلد انشبي مولودا؟ هل هناك من اصيب بالعمى ثم ابصر، او كان كسيحا ثم قام، حتى تلد انشبي مولودا؟ هل الاخرس يستطيع ان يكون معلما كي تلد انشبي مولودا؟ منذ اثنتين وعشرين سنة لم اقترب من زوجتي، فأي مصير ينتظرها وينتظركم، اذا ولدت انشبي مولودا؟!! ). 

فاعتمل الغضب والكره في قلوب كهنة اليهود الكبار، وخططوا شرا للتخلص من الوليد وامه .. وعلى اثره غضب الاب الشيخ زكريا وهمَ بالخروج من المعبد، فتبعه اليزار فراى ثلاثة اسرجة ضوئية تسير معه. فساله مستفهما عنهما، فقال له زكريا: ( يا اليزار يا رئيس جميع الكهنة، المشاعل التي عبرت امامي لا اعرف من تحرس؟!! والنار التي اتت من خلفي، لا ادري من ستلتهم؟!! ولكن اسمعوا: اي مصير ينتظرها، وينتظركم، اذا ما ولدت انشبي مولودا؟!! ).

وعرف عن هذا النبي بانه قوي وذو تاثير كبير على محيطه، ولقد جاء في الادب المندائي، وعلى لسان (يهيا يوهنا) بان مصدر قوته كانت من خلال تسبيحاته لخالقه وعبادته له، والتي صار بها كبيرا في الدنيا .. فهو لم يقم عرشا بين اليهود، ولا كانت نيته تبؤء المناصب وكراسي الحكم، لانه صاحب دعوة تصحيحية كان قد بداها في فلسطين، فقد كان زاهدا في الدنيا ولم يحب اكاليل الورود، ولم تغره النساء، ولم يكن من شاربي الخمر ولا اكلي اللحوم، ولم ينسى ابدا محبته وعبادته لابيه السماوي (الحي العظيم)، ولم يترك صباغته (تعميده) ولا رسمه الطاهر، ولم ينسى يوم الاحد المقدس. فلقد كانت مجمل احاديثه وتعاليمه تدور حول حيازة نعيم ملكوت الحياة بعد الموت. فهو يذكر الغفاة والجهلة والنبلاء والذين يتدثرون بنعيم هذه الدنيا الفانية، ويقول لهم: ( ماذا ستفعلون من اجل ان ترحل نفوسكم نقية من اجسادكم الى عالم النور بعد الحساب ؟ ).

وان لهذا النبي الكثير من الوصايا والتعاليم والحكم التي وردت في الكتب المندائية، والتي تدعو الى العبادة والنزاهة وتنقية الانفس. وسوف اورد بعضا منها للقارىء العربي، وخاصة ما يسمى منها بالراسيات:

 

رأس الحقيقة .. لا تفسد كلمتك، ولا تحب الفساد والكذب. 

راس ايمانك .. الأيمان بملك الأنوار المقيم والثابت في كل الفضائل.

راس ثباتك .. أن تقاضي نفسك.

كن كالجبل التي تنو فوقه الأزهار والأشجار ذو الرائحة العطرة.

راس علمك .. لا ترمي نفسك بالتهلكة.

راس معرفتك .. لا تقول ما لاتعرف.

راس طهارتك .. لا ترمي نفسك بالرجس.

راس ايمانك .. اعطف على الأنفس العانية والمضطهدة.

تشبه بمائدة الطعام التي تقدم للجياع وهي مبتهجة.

الحكيم من لا يبني بيتا بدون سقف.

 

كان النبي المعلم (يهيا يوهنا) حسن المظهر والوجه والصورة ، وهو على اكمل أوصاف الصلاح والتقوى ، وهو شديد الشبه بوالديه، فتذكر المصادر المندائية بان فمه وعينيه وانفه تشبهان فم وعين وانف والدته اينشبي ، وشفته وجبهته وطوله، تشبهان شفة وجبهة وطول والده زكريا ، ويقال أن النبي عند ولادته كان يضيء البيت لنوره وحسن وجهه وجماله. فكان لباسه البياض دائما، ماسكا عصا السلام (مركنا). وكان مبارك اسمه حكيم وحليم وذو نفاذ بصيرة وطبعه هادئ وودود ومتواضع ومتصدق وجميل الصورة وله جاذبية قوية وحديثه ممتع وكلامه رصين ومبني على تعاليم ربه، وكان محبا ومكرما ومجلا لأبيه وأمه وزوجته. وينقل أن النبي يحيى عندما يصلي تغرورق عيناه بالدموع من كثرة خشوعه .. ويقال أيضا انه عندما يبدا بالصلاة في الصباح الباكر ، حتى طيور السماء تركن إلى أعشاشها وتنصت لصوته وتراتيله النورانية الخاشعة . فكان يحب ويقدس يوم الأحد ، وكان يسهر ولا يغمض له جفن في ليلة السبت لاستقبال يوم الأحد ونهاره ليبدا بالصلاة. فتلك الصورة الشخصية لهذا النبي رسمها لنا الادب المندائي بكل وضوح. على الرغم من ان هنالك اسئلة كثيرة تدور حول حياته من مختلف الجوانب، تبقى مبهمة ويلفها الغموض لحد الان.

ان هذا النبي كان ينهمك في تعميد الجموع الغفيرة التي تطلب الرحمة والغفران من الرب وعلى يديه من خلال تعميده المشهور، فقد كان تعميده موجه لليهود وغير اليهود وبدون استثناء. ويجري ذلك كله في النهار، حيث ينصرف في الليل الى تلقين تلاميذه ومن يبغي المعرفة الحية، تعاليمه وووصاياه وافكاره الدينية.

اما بخصوص العلاقة ما بين يوحنا والمسيح .. فهما ومثلما هو معروف تعاصرا لفترة زمنية في منطقة اورشليم وضواحيها. ولقد جاء المسيح الى يوحنا المعمدان لكي يتقبل المعمودية على يده، وفي البدء رفض يوحنا تعميده ولكن في النهاية انصاع وعمد المسيح، وقد كان لهذا التعميد اهميته اللاهوتية والاجتماعية بالنسبة للاخير. ولحد هذه اللحظة هنالك بحوث ودراسات جدلية كثيرة في مجال العلاقة التاريخية والروحية ما بين هذان النبيان.

واذا اردنا ان نكون باحثين محايدين يجب ان ناخذ جميع النصوص الدينية (اي كان مصدرها) ونجردها من محتواها الميثولوجي الديني، ومقارنتها بالاصول الاخرى، وتحليلها حسب المعطيات التاريخية والاجتماعية في عصرها، لكي نخرج بصورة ربما تكون اقرب الى الحقيقة التاريخية. على العموم تبقى مساءلة حياة هذا الرجل النبي محط اهتمام الكثير من الباحثين (الغربيين) لما له اهمية في اكمال حلقات مفقودة من التاريخ الايدولوجي والروحي في فترة التاريخ المسيحي المبكر وكيفية نشاتها. فلذلك من الاهمية ان نقوم بعرض حياة هذا النبي من وجهة نظر مندائية، لكي نحاول مقارنتها مع وجهاة النظر الاخرى التي تصدت لهذا الموضوع في ادبياتها. على الرغم من اننا قمنا بعرض الجزء اليسير من تلك الرؤية المندائية وذلك بما سمحت لنا مساحة الكتابة في هذا المنبر الاعلامي المفيد.

* جريدة عربية تصدر في استراليا، الاربعاء 23 حزيران 2004 العدد 4191.

في مقالاتٍ سابقةٍ ، تطرقت الى موضوع النواهي بإعتباره واحدٍ من المواضيع العديدة التي أمرنا فيها نبينا الكريم (يحيى) {ع} أ ن ننتبه اليها ونوليها الإهتمام .

النواهي إنما تصدر من القوي المقتدرالى الضعيف المتلقّي، الغاية منها ؛تحذير وترهيب وتذكير بما يمكن أن يصاب بـه كلّ من لا يلتزم بهذه الاوامر ، فهي حث على إلتزام جادة الصواب والإبتعاد عن المعصية لئلا تكون العاقبة العذاب الدائم .

من هذه النواهي ما ورد في النصالحادي عشر{لا تزنِ فيثبت عليك العقاب ، لا تسرق فتحلّ عليك اللعنة ،لا تنفخ بمزمار الشيطان فتصبح وقودا" للنــار . }}

ثلاثة أوامر، ثلاث وصايا ، ثلاثة تحذيرات متعاقبة ، متتاليةوكل واحدمنها يشير الى ما لا يحمد عقباه ، ثلاثة نواهٍ ما كان لها ان تكون إلا لأمرٍ جللٍ ، أمرٍ خطيرٍ ؛ فالنهي الأول _ لا تزنِ _هـو البداية للآخرينِ-لا تسرق-لا تنفخ- ؛ فالأول الثلاثة *الزنـى* والملاحظ إن الكثير من نصوص دراشة يهيا*مبرخ ومطروس* تتحدث عن الزنى بإعبتباره أول الموبقات ،بل أنه أول النواهي وأشدها عقوبة وأكثرها مقتا" لما تنطوي عليه من مخالفةٍ لأشد المحرمات؛ لذا ستكون العقوبة الأشد والأقسى،فهي أقصى عقوبة يمكن أن توجـه لمن يقترف مثل هذا الذنب .

لا شك في أن للزنى مساؤه الإجتماعية والأخلاقية في زمنٍ كان من العسير إثبات عائدية المولود فلا حامض } د . ن أج} ولا فحوصات الدم، بل كانت العفّـة والإبتعاد عما يمكن أن يشوب العلاقات الزوجية .

لكلِّ عملٍ يصدر عن البشر مـا يثاب عليه أو يجازى بـه؛ فإن عملنا حسنا" فالثواب هو هو الأجر ، وإن سيئا" فالعقاب هو الجزاء،؛ لذا نجـد العقاب أشد قسوة وأكثر ديمومة وكأنه شيء مهما حاولنا أن نزيله سبقى ملتصقا" بنا ! > لا تسرق فتحلّ عليك اللعنة <قد تكون السرقة إحدى الآفات التي يمكن أن يتعرض لها أيا" منّـا ، وقـد يمارسها البعض هواية وتحديا" للآخرين غير عابئ بالمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها ، غير مكترثٍ لما قد يواجهه من عقوباتٍ جرّاء عمله المشين هــذا ؛ السرقة هي السرقة 

إن بدأت بفلس يخص الغير أ و بمليار ؛ فيس ثمة من يفرق في اللفظ بين سارق الفلس وسارق الوطن ! لانه*سارق* لص*حرامي* علي بابا*مختلس؛ لذا رغم إختلاف التسميات فالمعنى واحـدلكن تبقى تسمية العقوبة حق لمن له إنزال العقوبة .>حسب أعتقادي< إن اللعنة هنا تعتبر أشد أنواع العقوبات لم لا يمسك متلبسأ بالجرم المشهود فيفلت من العقاب الأرضي الوضعي لكنه لن يفلت من العقاب السماوي الرباني .

*لا تنفخ بمزمار الشيطان؛ فتصبح وقودا" للنار *ولربّ سائل يسأل :أ وهل للشيطان مزمار ! أقول نعـم 

له مزمار واحدلكن لهذا المزمار مليون نافخٍ ! ولم العجب وبإعتقادي ان المقصود بــ المزمار هو الإشاعة ! نعم الإشاعة التي يراد من خلالها التشويه والحطّ من الآخرين أو تشوية صورة ما إستنادا" الى قول مشبوه اطلقه من لم يصن لسانه فأطلقها دون ان يعي بل انه زيّنها بأن زادها وحرفها بما يتناسب وطبعه اللئيم ،دون أن يدرك انه بعمله هذا سيكون وقودا" للنار .

لا أقول حكما" ولا ادعي ذلك ، لكن علينا ان نتوخى الحذر ونصون لساننا ونتذّكر المثل القائل {لسانك حصانك ان صنته صانك وإن خنته خانك } او نتذكر البيت الشعري القائل { لسانك لا تذكر به عورة امرءٍ فكلك عورات وللناس السن }}

ياربِّ قـِنا عذاب الأرض والسماء وأخلِّ ضمائرنا مما يثقلها واجعل ليالينا هانئةً خاليةً من الشكِّ فيما سيكون عليه الغد؛ فاللحظة التي نحن فيها الآن ملك لنا لكن ما بعدها سيكون ملكا" لك وحدك ، ولك ان تقرر أتمنحها أم تمنعها ، نحن رهـن إشارتكفإن أومأت سنأتي اليك صاغرين طائعين وإن أشحت ولو لوهلة واحدةسنكون شاكرين ممنونين .. لك ندعــو ولعطفك نرجــــو 

والحي المزكّي للأعمــال والنيّات

 

في مقالاتٍ سابقة تطرقت إلى مواضيع في الاستعارة والتشبيـه ، إلا أنني الآن قـد اخترت مقالا" عن الهدوء المفضي إلى التعقّل والتعامل بحكمة وعقلانية بعيـدا" عن التهوّر المؤدّي إلى سوء العاقبـة ؛ حيث لا ينفع الــندـم .

الهــدوء أول سمات العاقـل ؛ فهو يتيـح له التفكير السليم وبالتالي الوصول إلى النهايات المنطقية . نحـن بـشر وقـد خصّـنا الخالـق الأوحـد بميزة فريدة ألا وهي ميزة العـقـل الراجح ، لكننا كثيرا" ما نخذلـه بعملٍ طائشٍ متهوّرٍ غير مسؤول . كتـاب { مواعـظ وتعـاليم يحـيى بن زكريّـا } (ع) يٌفـتتـح بنصٍ يبدو فيه *الحق* يتساءل ( مم خُـلق آدم ؟ وكيف تكونت حـواء )*2 لنتريّـث قليلا" ولو لحظـة واحـدة ، وأن لا نحـث الخطى – كعادتنا – ونـترك هـذا المقـطع دون الالـتـفات إليه ونتساءل (هل كان الحق )سبحانه وتعالى فرحـا" جذلا" أم كان كمن يتحاور مع ملاكئته ، أو كان غضبا" حانقـا" ؟ . إن الذي مـن 

أن يفهم هذا سيجد ( يوشامن ) وقـد وضع نفسه موضعا" لا يحسد عليه ، وفي حالة يرثى لها ؛ وبذا استحق العقاب والتجريح بدلا" من الـثواب والمديح 

فلأن { يوشامن هو الذي أشعـل فـتيل الحـرب ، وجنى مـرارة المشاجرة الكـبرى التي لم تستطع الأجيال أن تغيـّرها }*3 فسيكون من المنطـقي إن عـقابه سيكون بمقدار فعلـه الشائن ؛ لـذا جمع *الحق* الملائكة بالرغم من أنـه –العارف- بكلِّ شيء ، إلا أنه سبحانه وتعالى أراد أن يُعـلم الجمـيع أن ليس ثـمّة من يعصى أوامره ونواهيه ويفلت من العـقاب ، أو يطلب المغفرة ويلتمس المغفرة ليستطيع المذنـب أن يصحح ما بدر منه كيلا يناله ما هو أقسى وأمر ؛ فعلى الرغم من أن { يوشامن جلا سِـرّ الحياة العظمى }*4 وكان مقربّـا" من الحـق إلا أنه فقـد هذه المكانة السامية حين قال { بقدرتي وبالدعاء والتعظيم لنفسي وضعت النصائح وأطـلقتُ الأوامر ، واخترتُ من يتكلّـم معي ... لم اصغِ إلى نداء الحياة العظمى .. لقد أغضبتُ أبي ؛ ففقدتُ حريتي }*5 ومن نفس النص نقـرأ ثانية" ، وكأننا –نسمع- الصوت الهادئ الصادر عن ( اتنـصّـاب زيـوا) وهـو *يـلوم* وبلطـف العاقل وبأدب العالِم المتفهّـم يلوم يوشامن على

تهوره وعـدم امتثاله لأوامر الحي الأزلي ، فيقول { ألم توصَ أن تهـدأ ، أن تتجنبَ الغضب َ كيلا تثير المتاعب َ..} *6 نفهم من هذا الحوار – ان المتاعب هي النتيجة الغضب ،والهدوء البديل لقمع هـذه الحالة غير المستحـبّة لأنه { فقـد الحكمـة الأولى التي وهبها لك الأولون ... وكما تجري المياه في الأنهار تدفقت الدموع من عينيك } *7 لكن هـل تغسل دموع الندم الأعمال السيئة ؟ هل يُعـيد الندم ما قـد فُـقــد ؟ { كان لك عرش، وها أنت عنـد باب سوفات تُـقيم

لقد أشعت الخراب فـي كلِّ ما أنجـزت ..}*8 . لنعـد الآن ترتيب الأحـداث .فـأول الأمـر تـمَّ إبعـاد يوشامن لأنه لم {يسمع } كـلام الحـق الأزلي ولم يطـبّق ما طلب منه ؛ فكان جـزاء"هذا العـقـوق أن قال يوشامن { أنا منزِل الأحزان ... وحـدي أحمل الهموم و لا تتخلى عني ... والعدالة ترصـد كلَّ الأخطاء }*9

كان يوشامن يعرف إن ما اقترفه لن يكون مما يمكن أن يُغـفر لـه أو أن يُغـض الطـرف عـنه ، كان يعـلم ، بـيد أنه لم يكـترث ؛لذا أُنزل بـه الغضب الإلهي ، كان يوشامن (يعتقـد) إن الحي الأزلي غافل عمّـا يفعل و إلا فما الداعي لهذا العمل الخائب ! ونتيجة اخرى لما اقترفه أن صدر الأمر بأن { تحجب أعمال يوشامن ، إن يوشامن أصبح من الخاسرين }*10 والمصيبة قبل النهائية التي أصابت هذا المغضوب عليه { أقم سجنا" وألقِ بيوشامن فيه }* 11 لكن العـقـوبة النهائية فكانت أقسى عقوبة يمكن أن يتعـرّض لها مـلاك مـقـرّب مـن الحياة العـظمى فلقـد { بدأ ضـوء يوشامن يخفت ، فألقى بـه منـدادهيي في السجن }*12 . ومع كـلِّ ما بدر منه إلا أننا نجـد من يـتوسّط لـه عنـد مـلك النور ؛ لما أبـداه يوشامن من نـدم ٍ ، فها نحـن نسمعـه يقـول { من أُنادي كـي يجيبني ؟ إذا سألتُ أجاب ، ولا يئـد كلماتي ... لماذا أقبع عند باب سوفات تُحيط بـي الحسرات ، هـل هناك مثلي تخلّـى عنـه حتـى الأبناء }* 13 لكن دعونا 

*نسمع* ما قاله الوسيط لملك النور العظيم الأمر الذي أدّى إلى الصفح عن هذا المغضوب عليه { أنت العليم ذو الجلال ، أنت كنز لاينفد ، ايها المنقذ ذو الوقار ، أنت الذي أوضح التعاليم ، وأضاء ها بلا حدود ن صباغتك بيردنا ثابتة ؛ فمستقرها في ذاتك ... باسمك سيهدأ ويستقر ويوطـد في مكانه ... فلن تتركه فــي غضــبه ، إن التوبـة تملأ فكره وقلبـه ..... وفي صـحن سجــنه غارق في الـتـنهـدات ؛فبات لا يقـوى على التفكير } *14 ولأن ملك النور ملئ بالرحمة؛فهو الرحمن الرحيم لـذا {أمـر أنصاب زيوا أن يـكــشف الأسرار بوضوح وبصورةٍ متـقـنـةٍ ، وأن يـجـمع لـه التعاليم والحكمة.... وأن يهـدّئ مــن روع يوشامن بكلمات تزرع الراحـة فـي قلبـه وترسّـخها .... أن الحياة العظمى تكــــنٌّ لـه خيـــرا" كثيــرا"}* 15 .

ربّــنا خفـف من شطط نزعاتنا وامنحنا نعــمة التفكير السليم ، وهـبْ لنـا عقـلا" مميزا" ولسانا" فصيحـا" نسبّح لك به ، انك أنت العليم الحكيم .

والحـــي مزكّــــي الأعمال والنيّـات 

النصوص:*1النص الثالث

*2*3النص الأول

*4 النص الثاني

*5*6*7*النص الثالث

*8*9*10 النص الرابع

النص السادس *11السابع

*12*13*14*15 

الصابئة المندائيون جزء من سكان العراق الاوائل عبر تأريخه الحضاري في بلاد مابين النهرين-سكنوا بطائح جنوب العراق وفي منطقة الطيب في ميسان قريباً من الانهار الجارية التي كانت تشكل اهمية كبيرة

في حياتهم الاجتماعية واقامة الطقوس الدينية وامتدت ديانتهم ايضاً الى فلسطين والشام ومصر زمن الفراعنة. ان تأريخ الصابئة المندائيين يلفه شيء من الغموض، وذلك لانزوائهم وانغلاقهم الديني بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له خلال فترات متعاقبة من تاريخهم. فأثروا هذا الأنزواء كوسيلة للحفاظ على دينهم وتراثهم.
وللصابئة كتيب يسمى (حران كوثيا) يتحدث عن هجرة المندائية التي قاموا بها من اورشليم في فلسطين سنة 70م بعد الاضطهاد الذي حصل لهم على يد السلطات الدينية والحكومية في هذه المدينة الحديثة التي كان يسيطر عليها الحكم الروماني فعادوا الى موطنهم الاصلي وادي الرافدين وكانت هذه الهجرة برعاية الملك أردوان(أرطبيانوس الثالث) ولقد جاء ذكر الصابئة في ثلاث أيات من القران الكريم سورة البقرة،سورة المائدة،سورة الحج.
وفي منتصف القرن السابع الميلادي عرفت هذ الطائفة لأول مرة في اوساط الباحثين الاوربيين ومنهم (ليدز بارسكي) (الليدي دراور) التي استطاعت في كتاباتها عن المندائية ان تزيح الكثير من الغموض عن ديانتهم وتأريخها وتراثها.
ومن اجل هذا عاشت مع الصابئة في جنوب العراق ودرست احوالهم عن قرب. وترجمت العديد من الكتب والمخطوطات المندائية الى اللغة الانكليزية.. واهمها كتاب الصابئة المندائين. الذي ترجمه الى العربية الاستاذان نعيم بدوي وغضبان الرومي.
وفي العقدين الاخيرين من القرن العشرين، تمكن عدد من مثقفي الصابئة بترجمة العديد من الكتب الدينية الى اللغة العربية اضافة الى بعض الكتب التي تخص الميثولوجيا المندائية.. فقد ترجم الكتاب المقدس (كنزاربا) ودراسة بهيا) تعاليم يحيى(ع) والنياني والقلستا.
وكلمة الصابئة مشتقة من الفعل الارامي المندائي -صبا-أي غطس او ارتمى في الجاري أما المندائيون فهي مشتقة من الفصل الأرامي- دا- التي تعني (العالم -العارف- فيكون معنى الصابئة المندائيين هو.
الصابغون العارفون بدين الحق واتفق اغلبية الباحثين والمستشرقين على ان كلمة صابئي جاءت من الجزء الأرامي وليس العربي للكلمة.. وهناك تسميات أخرى لهم.
المغتسلة-(من غسل) اي تطهر ونظف في الماء اي ربى شلماني-من (شلم)، أرامية تعني المسالم.
أبنيء نهورا-أبناء النور
اخشيطي من كشطا-أي اصحاب الحق
لغتهم
اللغة المندائية هي اللغة التي وردت بها المخطوطات الصابئية فكل الكتب الدينية ماتحتويه من تعاليم وصلوات وتراتيل مكتوبة بهذه اللغة. وأول من قرأ الابجدية المندائية هو ادم(ع) وبقية المختارين الاصفياء ومنهم يحيى بن زكريا(ع) وهي مقدمة عند جميع الصابئة واللغة المندائية هي لهجة من الآرامية التي تنتسب الى المجموعة السامية كالبابليين والاشورية والكلدانية.
واقدم ماالف عنها كتاب المستشرق الالماني (نولدكه) سنة 1875 تحت عنوان قواعد اللغة المندائية-ذلك القاموس المندائي انكليزي الذي الفته الليدي دراور.
وقام في السنوات الاخيرة بعض ابناء الصابئة بتأليف بعض الكتب في المندائية فقد أنجز الشيخ خلف عبد ربه مع المهندس خالد كامل القاموس المندائي-العربي) واستطاع الاستاذ امين فيصل تأليف كتاب قواعد اللغة المندائية الذي اعتمد كمصدر في المجمع العلمي العراقي.
وتتكون الابجدية المندائية من أثنين وعشرين حرفاً تكتب من اليمين الى اليسار. وبسبب اقتصارها على المراسيم الدينية فقد بقيت مفرداتها محدودة.
المعتقدات
يقوم جوهر الديانة الصابئية المندائية على أن الله واحد انبعث من ذاته وانبعثت الحياة من لدنه.. ومن اركان الديانة المندائية:
التوحيد: حيث جاء في افتتاحية الكتاب المقدس كنزاربا، الصفحة الاولى- مبارك اسمه..
باسم الحي العظيم (سبحانك ربي العظيم. اسبحك بقلب طاهر ايها الحي العظيم المتميز عن عوالم النور- الغني من كل شيء- الغني فوق كل شيء نسألك الشفاء والظفر وهداية الجنان وهداية السمع واللسان.. ونسألك الرحمة والغفران امين ياربنا - يارب العالمين.
وعلى اساس ماجاء في كتبهم الدينية المقدسة فأن الصابئة المندائيين يعتقدون برب عظيم خالق للكائنات الروحية والمادية.. وكذلك الاعتقاد بان النفس في الجسم يجب ان تعود الى خالقها في عالم الانوار بعد موتها.
وهذه دلالة على وحدانية الدين المندائي
التعميد:
الصباغة-(صبغة الله)
ويعتبر الركن الاساسي وهو فرض واجب على كل صابئي مندائي ويهدف الى فتح باب الخلاص والتوبة وغسل الذنوب والخطايا والتقرب الى الله. ويتم هذا الطقس في الماء الجاري (اليردنا) ويكون يوم الاحد على رأس الايام المقدسة لأن الله بدأ الخلق فيه. والتعمد بدأ في عوالم النور العليا حيث تعمدت الملائكة وأنزل الى الارض عن طريق الملاك جبريل الرسول (هيبل زيوا) حيث قام ليتعمد ادم وحواء ثم اصبح سنة لآدم وذريته من بعده.
ومن مستلزمات التعميد في الديانة الصابئية:
أ- الماء الجاري-ماء الحياة (مياهيا) واكليل الريحان والآس وهما يرمزان الى الحياة وطيبها.
ب- الملابس الدينية الخاصة (رستا) وهي ملابس قطنية او من الكتان الابيض ويرمز اللون الابيض الى الطهارة والنور يرتديها رجل الدين والشخص المتعمد بعد أن ينزع كل قطعة من ملابسه الاعتيادية.
ج- اشياء تمثل حاجات الانسان البدائية وهي طبق من الطين (طريانا) وكوب ماء وأناء لوضع البخور وراية بيضاء حول خشبة مصنوعة على هيئة علامة (+) وترمز الى راية السلام (شيشلام) والمعروفة في اوساط كثيرة (الدرفش).
وخطوات التعميد تبدأ بالنزول الى الماء والغطس فيه والارتسام مع ذكر اسم الله تعالى وشرب شيء منه بعد ذلك يتبادل المعمد نعمة الخبز ومعها شيء من الماء ثم يختتم رجل الدين التعميد بأن اليد اليمنى على رأس المتعمد ويقوم بعدها بالمصافحة لاداء يمين الحق.
ويعطى للمتعمد الاسم الديني (الملواشة) التي ترافقه حتى نهاية الحياة..وبعد مجموعة من التراتيل الدينية الخاصة ومنها اتيت الى الماء بارادة الله وارادتي. الماء الذي يهيئ القوة نزلت الى الماء واصطبغت وتقبلت الرسم الزكي وارتديت ملابس النور واحكمت اكليل الورد الغض برأسي وذكرت اسم الله العظيم علي.

نشرت في تاريخ
الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 09:18

ألامة المندائية

هذه هي قصة أمتنا . كان الصابئة ، وهم الأبناء الحقيقيون لأدم *1 بغرا *2 وحواء كاسيا ، يعيشون في سيرانديب (سيلان) قبل 250 ألف عام . وقضى الوباء عليهم جميعاً عدا زوجين هما رام ورود . وأصبح لهما أبناء وبنات تكاثروا بدورهم حتى كثروا أخيراً وكونوا العنصر البشري. ولكن بعد 150 ألف عام، وبأمر من*3 (هيبل) زيوا، اندلعت ألسنة اللهب في الأرض كلها ونجا اثنان فقط وهما شوربي وشرهبيل . وكان لهما أبناء وبنات ، وتكاثروا فأصبحوا شعباً مرة أخرى .هذا كله حدث في سيرانديب . وبعد 100 ألف عام جاء أمر من بيت الحي إلى نوح ، وذلك قبل ثلاثمائة عام من الفيضان ، قائلاً "ابن فلكا (كيوالا) ، لأن العالم سوف تدمره المياه" ، فجيء بخشب الصندل من جبل حرّان ، وبُني الفلك بطول ثلاثين جاما ، وعرض ثلاثين جاما ، وارتفاع ثلاثين جاما، والجاما هو قياس بطول الذراع . وسأل نوح عن آية فقيل له عند ظهور الأنجارا في التنور (والأنجارا هي براعم خضراء من القصب الغض) فستكون تلك هي الآية . وبعد مضي ثلاثمائة عام ، كانت زوجة سام, وكنة نوح, تخرج القصب الملتهب من التنور ، وكانت على وشك وضع خبزها فيه حين رأت في وسط النار, أنجارا خضراء نابتة ، فقطعتها وأعطتها لنوح ، وعندما نظر إليها بدأت روحه تتوثب في داخله .
جاء نوح بزوج من كل الحيوانات ، حتى البرية منها, كالأسود والأرانب ، ودفعهم داخل الفلك ودخل هو وكنته في الفلك . أما سام فكان في البرية يرعى غنمه . فادلهمت السماء بالغيوم وظلت تمطر لاثني وأربعين يوماً وليلة ، وهطل المطر من السماء وارتفع منسوب مياه الأرض . وساق سام أغنامه إلى الجبال لكنها غرقت مع كل الأشياء الحية الأخرى . استطاع سام أن يصل إلى الفلك ، ولأنه كان مغلقاً صعد على سطحه ، وهناك كان هيول زيوا يمنحه الأكل في أوقات الوجبات . وكان الفلك يترنح فوق الماء هنا وهناك لأحد عشر شهراً . ولم يكن هناك شيء سوى الماء ، والشيء الوحيد المنظور فوق المياه كان الفلك . وكانت الجبال ، والأوطان ، والمدن كلها مغطية . وأخيراً جاءت الرياح بالفلك بالقرب من مصر ، وتوقف هناك . وعندما أدرك نوح بأن منسوب المياه قد انخفض أرسل الغراب قائلاً له "اذهب ، وتجول طائراً ، وائتني بأنباء الدنيا " ، فطار الغراب ، ولكن عندما رأى جثة تطوف فوق الماء نسي كلمات نوح وبدأ يأكل منها . وانتظر نوح وأخيراً عندما لم يعد الغراب أطلق حمامة. وطارت فرأت الغراب يأكل من الجثة ، وكذلك رأت شجرة زيتون خضراء تنمو فوق الماء ، فأخذت غصناً منها في منقارها، وعادت إلى نوح ومنحته إياه . فقبّلها وفتح الباب وخرج من الفلك بصحبة كنته ، ورأيا ساما جالساً على سطح الفلك . فنادى نوح ابنه قائلاً "اهبط ! أنا أبوك وهذه هي زوجتك" فهبط سام وعانق زوجته ووالده ، وشكر بيت الحي لسلامتهم وصحتهم . ثم خرج وبنى بيتاً من الطين ليعيشوا فيه ، بينما ذهب نوح يتجول في الأرض ليستمتع بمشاهدها، يتمشى فيها ويستعيد صحته . وجاءت روهه فرأت نوحاً وادعت ظهور زوجته .
ألقت عليه التحية وقالت "أنا زوجتك أنهورايتا!" فأخذها وحبلت منه وأنجبت ثلاثة أبناء هم ، حام ، ويام ، ويافث . وهؤلاء هم أسلاف العناصر البشرية ، فأصبح حام أباً للجنس الأسود ويام أباً للأمم البيضاء وإبراهيم واليهود ، ويافث أباً للغجر. أما سام وزوجته أنهار فهم أسلاف المندائيين . وبعد مضي ستة آلاف عام فقد بنى البيت المقدس (أورشليم) القدس . وفي القدس أشركت *4 روهة في ملكها موسى من بني إسرائيل . وكان موسى ضد المندائيين وظل يخاصمهم في مصر . وكانت لأردوان (أردبان) الملك المندائي رؤية ، وسمع صوتاً قادماً من بيت الحي قائلاً: "قم واخرج من هذا المكان من أجل صحتك وراحتك" فقام وأخذ المندائيين معه وخرجوا من مصر ، وجاءوا إلى البحر الذي أنفلق تاركا طريقاً تحفه جبالاً من المياه على الجانبين ، وهكذا خرجوا من مصر . وبقي فروخ ملكا، شقيق أردوان ملكا، في مصر يحارب اليهود هناك حتى حاصروه وهزموه فهرب. وعندما رأى بأن طريق البحر ما زال مفتوحاً ، ذهب هو وشعبه خلاله، ولكن عندما بلغوا منتصف البحر أطبقت عليهم جبال المياه فغرقوا جميعاً.


أما أردوان ملكا ومعه ستين ألفاً من المندائيين ظلوا يسافرون ويسافرون حتى وصلوا أخيراً إلى طور ماداي ، وانفتح أمامهم الجبل ، لأنه كان عالياً وكبيراً وصعب الاجتياز ، فدخلوا عليه وذهبوا خلفه . فانغلق مرة أخرى فقال هيبل زيوا إلى أردبان ملكا "ابق هنا مع المندائيين، ولن تدور عليك الاثنتا عشر (علامات البروج) والسبعة (كواكب)" . وطاردهم موسى ، وعندما وصل طور ماداي لم يستطع الاستمرار فعاد وذهب إلى أورشليم .


وعاش اليهود هناك حتى أنجبت إينشوي يحيى (يوحنا المعمدان). وكان زكريا *5 وإينشبي كلاهما قد تقدم بهما العمر الآن ، وحدث هكذا : فبعد أن شربت إينشوي الماء حبلت منه . ورأى أحد اليهود في منامه بأن زكريا سوف يصبح أباً ، وأن ابنه سوف يصبح نبياً ، وانتظروا ليقتلوا يحيى . وبعد تسعة أشهر ، وتسعة أسابيع ، وتسع ساعات ، وتسع دقائق ، أنجبت إينوشوي ابنها ، فجاء*6 أنوش ـ أثرا وأخذ الطفل *7 وحمله إلى فرات ـ زيوا (وهو نهر في السماء توأم نهر الفرات في الأرض) ووضعه تحت شجرة كانت تحمل فاكهة تشبه حلمة الثدي . وكان يحيى يرضع من حليبها لثلاثين يوماً ، وأرسل أنوش ـ أثرا امرأة اسمها *8 صوفان لوليثا لترعاه . وفي يومه الحادي والثلاثين جاء أثرا ليعمده في نهر الأردن . وعلمه ا ، ب ، كـَ ، وأتاه بكتاب الأرواح (سيدرة أدنشماثا) ووضعه بين يديه ، وعلمه أن يقرأه ويتلوه . وعلمه كل سبل بيت الحي . وعندما بلغ سن الواحد والعشرين جاء أثرا إلى يحيى ليجعله ترميدا . فعلموه جميع الطقوس الإيمانية وأمروه ليرافق أنوش ـ أثرا إلى أورشليم ، ليصبح يحيى نبياً هناك . فجاءوا بسفينة (بيلوم) وسافر كلاهما، وذهبا فجاءا عبر نهر الأردن إلى أورشليم .
وعند وصولهما هتف أنوش أثرا بصوت عال قائلاً : " إن كان في هذا المكان أحد قد أضاع طفلاً ، دعه يأتي ويطالب بحقه!" . وسمعت خادمة إينشوي ذلك ، ولاحظت الأوصاف فعادت إلى سيدتها حاملة الخبر ، وقالت "إن عينيه تشبه عيني إينشوي، ووجهه يشبه وجه زكريا" . وكانت إينشوي قد بلغت الثمانين من العمر ولم تعد تحيض إلاَّ أنها كانت نظيفة وطاهرة . وكان زكريا أيضاً قد طعن في السن . وعندما قالت الخادمة "رأيت فتى يشبهكما يجلس على سفينة في النهر ، قامت إينشوي ، وفي أوج فرحتها سارت باتجاه النهر .
فجاءت إينشبي إلى يحيى في النهر ، وأسرعت بالدخول في الماء حتى بلغ صدرها ثم إلى حلقها ، فضمها يحيى إليه وقبَّلها . فوبخه أنوش أثرا قائلاً : "لماذا قبلت هذه المرأة ؟ هذا سلوك مرفوض ، فلماذا فعلته؟" أجاب يحيى "عفوك سيدي ، إنها والدتي ، الحي ، وضعني لتسعة أشهر في رحم هذه المرأة. وكنت أنام بخفة في رحمها ، لأنني أحببتها . إنها أمي ، ويتوق قلب كل ابن إلى والدته!" . فقال أنوش أثرا "نعم ، هذا صحيح ، فالرجل يجب أن يُكرِّم والديه!" .
وعندها دخل يحيى أورشليم . وكان يبرئ الأعمى والمريض ، وجعل الكسيح يسير . فغضب الرهبان وجاءوا إلى يحيى وأمروه بأن يترك المدينة فوراً . رفض يحيى أن يذهب وتحداهم قائلاً : " ائتوا بالسيوف وقطِّعوني إرباً ، تعالوا بالنار وأحرقوني ، أو الماء فأغرقوني!" فرد عليه الرهبان "نحن نعلم أن السيوف لا تقطِّعك، ولا النار تحرقك, ولا الماء يغرقك" وعندما بدأ يحيى بقراءة كتابه كنـزا رباَّ ، نطقت عصافير الهواء تُمجِّد الحي، وفتحت الأسماك أفواهها تُعظِّم مندادهيي .
راوي القصة رجل دين مندائي من إيران قام بروايتها امام الباحثة الانكليزية الليدي دراور التي اهتمت بالديانة المندائية اهتماما كبيرا منذ العشرينيات من القرن الماضي والتي جعلت من بحوثها عن هذه الديانة نبراسا انار طريق الباحثين من بعدها وقمت انا بدوري بعد الاطلاع على هذه الشذرات من كتبنا الدينية والتي صيغت بصيغة ادبية بديعة قمت بترجمتها الى اللغة العربية لان بها ترابط زمني متسلسل يفيد المندائي ،مع التنويه الى ان اغلب ما جاء في القصة اعلاه هو من صلب الكتب الدينية المندائية مثل "دراشا اد يهيا وكَنزا ربا وهران كَويثا .

ملاحضات المترجم الى العربية:
1• آدم بغرا : هو أبونا آدم الجسد ، ونقول بغرا وذلك لتميزه عن آدم كسيا أي آدم الروح وهو موجود في عالم مشوني كُشطا .
2• هوة كسيا : هي حواء الروح وهي زوجة ادم كسيا وليس ابينا ادم الجسد (ادم بغرا).
3• هيبل زيوا : هو ملاك الرب جبريل "مبارك اسمه " .
4. روهة : هي روح الشر.
5. إينشبي : هي ام النبي يهيا يهانا مبارك اسمه وزوجة زكريا ويقابله بالعربية (اليصابات) .
6. انوش ـ اثرا وهو آحد ملائكة الرب وهو احد ابناء ادم كسيا الذين اوكلهم الرب لرعاية العالم وهو الذي علم ابونا ادم وامنا حواء في بداية الخلق.
7. في هذا المقطع يوجد قليل من الاختلاف وهو وكما جاء في دراشا اد يهيا وهران كَويثا ان الملاك انوش اثرا اوكل احد الارواح وهي صوفاني بأخذ المولود الجديد الى جبل بروان وهو الحبل الابيض حيث هُيأة له احد الاشجار المقدسة والتي اسمها (إلانا اد ماربي يانفي) الشجرة المرضعة للاطفال.
8. صوفان لوليثا : هي احد الارواح الخيرة التي اوكلت اليها مهمة رعاية النبي يهيا يهانا مبارك اسمه.

نشرت في تاريخ

سلسلة بحوث من بصائر العقيدة

 

م/ أحكام الجنابة في

الشريعة الناصورائية

{ ابعدوا أ نفسكم عن الحياه الفانية,وإذا غشيتم زوجاتكم فتطهروا بالماء وإغتسلوا جيداً بداً من قمة

رؤوسكم ,فلو بقيت شعرةٌ واحدةٌ لم يمسها الماء لن تتطهروا} دراشا اد يهيا

قد يتسائل بعض المندائيين عن حكم الجنابة أو ما هي احكامها في الشريعة المندائية الناصورائية ,

وكيف تجري ,وما هي العلة من تشريع الاغتسال (الطماشا) من الجنابة ...لذلك وددنا في هذا البحث 

أن نسلط الاضواء على هذا الجانب المهم من فقه شريعتنا الناصورائية النورانية الغراء.

 

فأن من مسببات

الجنابه أمران :

1)

خروج المني.

2) الجماع

وإن لم يحصل معهُ إنزال المني فإذا حصل أحد هذين الامرين وجب على الفرد المندائي ان يطمش

(يغتسل) من الجنابة اذا اراد ان يمتثل لامر الحي الازلي نلاحظ ما جاء بالنص الخامس و العشرون من 

كتابنا المقدس {دراشا اد يهيا} تعاليم ابونا يهيا يهانا مبارك اسمه{ ...بماذا يحكم القاضي على كل 

من يضاجع زوجته ولا يتطهر بعد ذلك بالماء ؟.....كل من قرب زوجتهُ , ولم يطهر جسده بالماء يلقى 

في اعماق الظلام, والزوجة التي لم تتطهر بالماء ,تلعن وتظرب ضرباً مبرحاً ويحذف اسمها من بيت الكمال}*

 

اما أذا حرك المني في الداخل ولم يخرج فلا تحصل الجنابة .إما أذا خرج من الفرد المندائي ماده لا يعلم أنها 

مني أم لا . ففي هذه الحالة إن خرجت هذه الماده من الرجل مع شهوة و أنتصاب أو بدون انتصاب يحكم بأنها مني فتجب الطماشا.

 

أما اذا خرجت من المرأه مع شهوة وهياج كذلك تحكم بأنها مني وإلا فالحكم عليها الطماشا. إما أذا خرج 

من المرأه مني بعد الطماشا علمت بانهُ مني الرجل فقط اي بعد الاتصال الجنسي الشرعي فلا يجب عليها 

غسل الجنابة مره أخرى لعدم تحقق الجنابة عندها في هذه الحالةوانما هذا ماء الرجل,ولكن الحكم يختلف 

عند الرجال فالحكم ان الاستبراء وأنتهاء المني بالبول فإن لم يستبرأ المغتسل ثم خرجت منهُ بعد الطماشا 

رطوبة مشتبهه بين المني و غيره فيحكم بأنها مني ويجب عليه الطماشا مره أخرى.

 

أما كيف تؤدى الطماشا أن الاغتسال أو الطماشا تجري في أي وقت وفي أي يوم من أيام السنه ,

وأن هذه الطماشا تجري من قبل الشخص نفسه مباشرة أما في حاله الاضطرار فسيقط الماء عليه مباشر من قبل 

شخص أخر ك زوجته أو أمه أو والده

....الخ مع مراعاه أحكام للنظر و ستر العوره وتكون الطماشا أما في النهر الجاري أو ينبوع جاري وهو الانغماس 

تحت الماء لثلاث مرات مع قراءه بوثا (سورة) الطماشا 

أو تجري في الحمام و الوقوف تحت صنبور الماء وتقرأ البوثة لثلاث مرات فكل الامور صحيحة المذكور سابقا في 

الطماشا ويجب أن يصل الماء الى كل

أجزاء الجسم وأطرافه كما جاء بالنص الحادي و العشرين من كتابنا المقدس {دراشا اد يهيا} تعاليم ابونا يهيا يهانا عليه

افضل مبارك اسمه

{ ... ابعدوا انفسكم عن الحياه الفانية,وإذا غشيتم زوجاتكم فتطهروا بالماء وإغتسلوا جيداً بداً من قمة رؤوسكم ,فلو بقيت

شعرةٌ واحدةٌ لم يمسها الماء لن تتطهروا}. أما واجبات الغسل: 

فهي تقع بدورها على قسمين هامين اولهما ما يتعلق بالمغُتْسِل/ تجب النية في الطماشا كما هو الحال في الرشاما.ولا توجب النيه

الكلام بها بل يكفي إخطارها في النفس.كذلك لا يصح ا

لغسل مع وجود حاجز او مانع او حاجب يمنع وصول (اليردنا) الماء الجاري إلى البدن .فالاصل ان يطمس الفرد المندائي 

أرتماسياً في الماء و لصعوبه ذلك تحول الى استعمال ماء

الصنبور كما اسلفنا سابقاَ اي ماء الاساله فيجب ايصال الماء بالطماشا من اعلا الراس الى أخمص القدم و ألا تبقى شعره بالجسم 

لا وصل الماء اليها.

 

ثانيها ما يتعلق الامر بماء الطماشا/يشترط في الماء الذي يطمش فيه الفرد المندائي أن يكون ماءً جاري و زكياً و أن يكون ماء

طاهر جاري 

نقي كماء النهر أو الينبوع أو ماء الاسالة الجاري .... وأليكم أعزائي نص هذه البوثة

 

{ ماري مشبا – بشَميهون اد هيي ربي . أنا (الملواشا) صبينا بَمصُبتا اد بِـِـهرام ربا بر روروبي مَصُبتاي وتيناطَـَـري وتسِــق 

الريش شما اد هيي وشما اد مــَندا اد هيي مــَدخـَر ِ إلـَـي

.------------ مسبح ربي – باسماء الحي العظيم.

أنا (الاسم الديني) تعمدت بعماد بهرام العظيم أبن القدرة ,عمادي يحرسني ويرفعني الى العلا ,اسم الحي واسم عارف الحياه منطوق علي } **

.أن الحكمة من الطماشا هو التنظيف وأزاله الاوساخ مما علق بالجهاز التناسلي الذكر و الانثوي وتنظيفهما وتجديد الحيويه و النشاط ,لان 

الاغتسال عباره عن أفاضة الماء كما قلنا على البدن كله ومن

شأن الجنابة أن تحدث تهيجاً في المجموع العصبي فيتأثر بها البدن كله ويعقبها فتور واسترخاء وضعف فيه يزيله الماء 

,ويوصي الطب اليوم بالاغتسال بعد الاتصال الجنسي للامور التى ذكرناها سابقا و غيرها الكثير ...فالشريعة المندائية شرعت هذه 

الامور منذ بداية الخليقة رحمة لرعيتها...أن الجنابه كأي عارض أو ظاهرة أخرى لا تثبت إلا باليقين 

,فلو رأى الفرد المندائي في ثوبه الخاص منياً مما دله على أحتلامه ليلاً وجب الغسل عليه,وكذلك لو وجد في جسمه من الضعف 

و الفتور مما لا يجده ألا بعد الاحتلام,ولو باشر زوجته ولكن شك في الدخول الذي يوجب الغسل وجبت الطماشا.أما موجبات الطماشا فهي 

خروج المني عند الرجل و الانزال عند المرأه و الجماع و الحيض و النفاس عند الولادة ومس جنازة الميت. 

وفي الختام أتمنى من( هيي قدمايي )الحي العظيم مبارك اسمه ان يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي...لابتغاء وجهُ الكريم.

.ألهم أغفر خطايانا وأثامنا نحنُ وجميع الناصورائيين من دارة أدم الرجل الاول ألى نهاية

العوالم والاجيال ..ألهم امين.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــد في ترجمة

النصوص الدينية من كتابنا المقدس( أدراشا أد يهيا ) تعاليم ابونا يهيا يهانا مبارك

اسمهه على ترجمة أمين افعيل حطاب للكتاب , بغداد.

 

** ترجمة الربي رافد الريشما عبد الله الكنزورا نجم ..كتاب الصلاه المندائية وبعض الطقوس الدينية

1988, بغداد

 

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014