• Default
  • Title
  • Date

كان لنا جيران يدعون آل ذهينة وكان في ساحة دارهم شجرة نبق(1). وبينما كانوا جالسين ذات يوم في الساحة يتناولون طعامهم، تساقطت عليهم الاحجار من الاعلى، فنهضوا مرتاعين، ونادوا الجيران" من الذي رمى علينا الاحجار؟" فاجابهم الجيران" لم نرم اي حجر، وكيف نفعل ذلك؟".

وفي تلك الليلة حين كانوا نائمين، وكان الظلام دامسا، تساقطت عليهم الاحجار مرة ثانية، فصرخ الجميع، رجالا ونساء واطفالا. وكانت تحيط بهم بيوت ذات جدران عالية ولهذا فلم تكن الاحجار ترمى من الشارع، فاستنتجوا بان الاحجار لابد ان تكون آتية من شجرة النبق. وذهبوا الى الشيخ جودة(2) وقالوا له" هل تستطيع تعويذنا من هذا الشر؟".

نصحهم الشيخ جودة ، بان يأخذوا سعفة ويقصوها بسكين من حديد بقرب شجرة النبق، فالارواح الشريرة حين ترى الحديد تخاف وتهرب. وقاموا بفعل ذلك ولكن من دون جدوى، لقد ازداد رمي الحجر، فأختبأوا وراقبوا ولكنهم لم يكتشفوا السبب.

وكام لدى والدي طلسم، تعود ان يقرأه على الملح(3) للتعويذة، وبهذا كان يطرد الشر الذي يحيق بالبيوت لانه كان ناصورائيا.

ذهبت اليهم وقلت لهم" سأقرأ لكم تعويذة ابي على الملح، وآتي بها لانشرها عليكم".

ونهضت ليلا وذهبت الى النهر مرتديا الرستة وتلوت التعويذة على الملح: ثم نشرت الملح في بيتهم وحول الشجرة، وعدت الى بيتي ونمت. كان الوقت صيفا وكان توجد غرفة عالية بين بيتنا وبيت زهرون( شقيق الراوي) لايمكن الوصول اليها الا من الاسفل، فليس هناك سلم يرقى به اليها ولا اية واسطة للصعود الى سطحها، فقد كانت الجدران عالية ملساء، لايستطيع حتى الحيوان ان يقفز الى سطحها. وكان من عادتنا ان نرمي الاوساخ على سطح تلك الغرفة.

من ذلك السطح في تلك الليلة قذفت علينا قنان فارغة واسمال بالية وانواع من الانقاض، نهضنا فزعين وذهبنا الى بيت الشيخ جودة، فضحكوا منا قائلين، لماذا لم تنثروا الملح في داركم لعله ينقذكم ! " .

لم ننم تلك الليلة بل قمنا بتلاوة الادعية والتعاويذ وجئنا بكثير من الملح ورششناه حول مكاننا.

وكان يوجد صابئي يسمى معيدي بن باروني وهو شيخ طاعن في السن بلغ المائة والثلاثين عاما في ذلك الوقت، ومع ذلك كان قويا يأكل ويرى ويسمع بشكل جيد، انه لعمر طويل حقا (3) وكان بيته على بعد عشرين دارا من بيتنا، ولكنه بدأ يقذف بالحجر هو واسرته كما هي الحال معنا، واصاب الحجر كتف زوجته، وسقطت بعض الاحجار على ابنه، فجاء الينا وقال" اعطوني ملحا وتعالوا وانثروه في بيتنا " فالجميع كانوا يعرفون بتعويذة ابي وكيف كان يستعمل الملح للتعويذة، بعد التطهر بالنهر، مرتديا الرستة والسكندوله. ان الملح مبارك وضد الشياطين والارواح الشريرة والمكروبات(4) وجميع المخلوقات الضارة.

قال اهلي" لاتعطه ملحا معوذا، لان آخر مرة اعطيت فيها الملح غضبت الارواح وقذفنا بالحجر. لاتعطه شيئا".

رفضت ان اعطيه ملحا، فهرب هو واسرته من البيت وتركوه خاليا، لم يأخذوا معهم سوى اثاثهم، وظل البيت خاويا لم يجرأ، احد، صابئيا، كان ام مسلما على الدخول فيه. غير انهم اجرّوا جزءا من الدار ملحقا بها الى رجل موصلي، وكان ينام هناك ليقوم على حراسة اخشابه. وفي الليلة الاولى له في البيت قذف بالخشب طول الليل، ولكن بشكل لم يكن ليؤذيه بل ليخيفه، وظل هكذا يقذف ليل نهار، وتخيرا جاء الى الصابئين وهو يصيح" ايها الصابئون ما هذا؟ اي شيء هذا الذي في داركم؟" فلطفوا من هياجه قائلين" لماذا انت خائف، انت رجل، فلا تخف من احجار قليلة تتساقط ، لا شيء في الدار غير صحيح".

عاد الرجل وجلس في ساحة الدار، وكان الوقت ليلا والقمر بدرا والجو حارا، وشرع يصب له طعاما من اللحم والرز وجلس ليأكل، فرأى قطة بيضاء امامه، ورأى القطة تكبر وتكبر، فعجب الرجل من ذلك وقال " ماهذا؟" ونظر فاذا القطة بحجم الكلب، وبدأ قلبه يخفق خائفا، وكبرت القطة كثيرا فلم يعد يحتمل ذلك، واخذ يصرخ ويستغيث" تعالوا اليّ انا في جواركم" فصاح به الصابئون الذين كانوا ينامون فوق السطح" لاتخف، لاتخف" وحين سمع اصواتهم عاودته بعض شجاعته ليتحرك ويهرب الى الجيران مرتعبا، وقد جن خوفا. حاول الصابئون ان يهدأوه قائلين" لماذا انت بهذا الحال؟" بينما كان هو يقول" ماذا هناك في بيت هذا الصابئي ولماذا لم يخبروني بذلك؟".

وفي الصباح ارسل من اخرج له اخشابه من الدار وباع الخشب، ولم يعد هو نفسه الى البيت. لقد كان مرتعبا الى حد كبير. بعد ذلك ترك مدينة العمارة ورجع الى مدينته. ومن ذلك الوقت والناس في الموصل اذا رأوه سخروا منه صائحين" جاك الطنطل"( 7) فيرتعب الرجل ويلتفت الى الوراء خائفا.

اجل ان رمي الحجر ذلك كان من عمل الجن لا الانس.

 

ملاحظات

 

1-النبكة او النبقة، تسمى شجرة الدر او سدرة في جنوب العراق ومصر وهي دائمة الخضرة. تثمر ثمرا صغيرا، يؤكل، وتحتل مكانا مرموقا بين اشجار العراق. وبينما لاينسب العراقيين اي تقديس لشجرة النخيل، وهي على ما هي عليه من ضرورة للحياة في العراق. فان تبجيلا عظيما يعار للنبقة. والشيعة يغسلون الموتى باوراقها، ويعتبر من الكوارث قطعها او قلعها. ويفترض فيها انها تئن حين تقطع، وان عصيرها الاحمر، يؤيد فكرة ان لها حياة كحياة الانسان. وغالبا ما تزور النساء شجرة النبق( ومساء الثلاثاء هو الوقت المناسب لذلك) يوقدن النيران تحتها ويلفين البخور على النار، ثم ينصرفن من بعد ان يتركن خلفهن اربع شموع مشتعلة بجانب رماد النيران. وقد شاهدت هذه عدة مرات. ولدى استفساري من الزائرات عن سبب هذه الزيارات، اجبن انها حفل سحري لشفاء قريب مريض، وتعلق بشجرة النبق خرق خضراء، كما تقدم نذور ايضا في بعض الاحيان، وفي مدينة القرنة توجد شجرة نبق يعرفها الاهلون بانها " مقام ابراهيم" ولدى اخرين انها" شجرة الحياة" لان المفروض ان جنة عدن تقع في البقعة التي يلتقي فيها النهران، دجلة والفرات. وقد تضررت تلك الشجرة من قبل الجنود خلال الحرب العالمية الاولى. ثم اقيم سور حولها من قبل السلطات البريطانية. وكانت قد قطعت من قبل. والتقاليد تقول بان شجرة نبق اقدم من هذه كانت تقوم بنفس هذا المكان. ومن المحتمل ان السكان المحليين لم يكونوا يعيرونها اي اهتمام، الا انهم كانوا يرشدون الزوار الانكليز اليها، حين كانوا يسألون عن

" شجرة الحياة" في جنة عدن المزعومة وكان السكان يرشدونهم الى شجرة نبق كان يظن ان لها صفة منح الحياة.

2-الشيخ جودة عالم صابئي روحاني بدرجة كنزفره من سكنة مدينة الغمارة توفي في شباط عام 1940 ميسلادية.

3-لقد استعمل الملح في العراق من اجل التعويذ منذ اقدم العصور، ونظرا لبياض لونه وخواصه في التعقيم، فهو مرتبط بالحياة والروح. فكلمة ملح العربية و" تابو البابلية" لهما كليهما معنى مزدوج يشير الى الطيبة والصحة. لقد كان البابليون يعتقدون ان الاله" اين ليل" قد كرز الملح( تابو) كطعام للالهة العظام، والذي بدونه لايشم اله او ملك او امير الاريج( رائحة الطعام). ويؤكل الملح من اكثر الوجبات الطقسية المندائية، ويمزج مع الطحين الابيض لعمل البهثة او الخبز المقدس( كما هي الحال في خبز البابليين المقدس) ويقول كتاب" دراشة اد يهيا" وان سر الملح الروح. وحين تدفن الفطائر المنقوشة في عتبة باب بيت مندائي متوفي لطرد الارواح الشريرة، يوضع فيه قليل من الملح.

4-في هذا شيء من المبالغة. وفي الحقيقة يوجد معمرون كثيرون بين الصابئين.

5-الميكروبات تترجم هنا الى نوع من الارواح الشريرة، وهو مفهوم مطابق تماما للافكار البابلية القديمة.

6-من المعتاد النوم على سطوح الدور صيفا في االعراق.

7-الطنطل: من المعلوم انه تعبير عربي وليس مندائيا، فالروح الشريرة لدى المندائيين يطلق عليها

" شيفاهي" والطنطل نوع من الاشباح الشريرة التي تظهر عادة على هيئة شبح طويل. من هنا جاء الاشتقاق، وهو يعني الطويل. وتخبرني احدى النساء البريطانيات بان خدمها قصوا عليها مرة قصة، هي انه يوجد شيطان او طنطل في غرفة حجرية صغيرة كانت تتخذ لخزن الفحم، وقد انتشر الرعب بينهم الى حد انهم خافوا ان يدخلوا الى الغرفة بعد حلول الظلام. وكان يقال بان الشيطان يظهر ماسكا برأسه، وحين سألت صديقتي احد الخدم، الذي اعترف انه شاهده، وعرفت شكله، قال الرجل" انه كان طويلا ويرتدي ملابس السهرة. وقد سوّي الامر باستشارة احد الماهرين في التعويذ، برش الملح خارج كل باب من ابواب البيت والمرافق.

 

 

الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013 20:59

في رحاب الكَنزا رَبّا الحلقة الثانية

في رحاب ( كَِنزا رَبّا )

الكتاب المقدس للصابئة المندائيين

الحلقة الثانية

بقلم : بشار حربي

 

( التوحيد هو الجواب الأكيد )

 

}يا جميع الذين تستمعون الى نداء الله * تقومون وحين تقعدون * حين تذهبون وحين تؤوبون * تأكلون أو تشربون * أو في مضاجعكم ، أو وأنتم تعملون * اذكروا الله وسبحوه كثيرا {

 

ليست حياة الأنسان على الأرض سوى ومضة من الزمن ، نبدأها صغارا ً بلا وعي ، ونختمها كباراً بوعي، وفي قوس الحياة هذا تبدأ أسئلتنا المشتركة ، صغيرة فطرية ساذجة ، لتكبر على مر السنين ، فتدخل حقل الفلسفة والعلوم الأخرى ، ثم نفيق على حقيقة كبرى ، وهي أن الجواب الأكيد والوحيد على كل أسئلتنا هو الله ، منبع المعرفة والإرادة ومحط الثناء والإشادة .. المعين الذي لا ينضب ، والقدرة التي لا تتعب . ولقد حار الفلاسفة والعلماء في سر الوجود ، فأنكر بعضهم المعبود ، وثنّوه ، ثم نفوه ، حتى جاءهم الموت ، ونفذ الصوت ، وتبخر الخلود ، فأصبحوا عن سعيهم قعود ، تضمهم اللحود ، وهم على حيرتهم شهود ، وتنطفيء شعلة حياتهم ، كالشمعة في ظلام دامس لتبدأ شمعة أخرى وأخرى نفس المشوار ، ويبقى السؤال الدوار ، ما سرّ الحياة ؟ وما الموت ؟ ولمن الخلود ؟ وهل الخالق موجود ؟ .

وإذ يبتعد المتهكمون على الدين عن الطريق السالك لأبهى الممالك ، مملكة الله في سناه .. فيحارون ويمنطقون ، وعن الإجابة يعجزون ! ، يرى المؤمنون الإجابة في لوحة المهابة ، بين أسطر الكتابة في السفر المبين ، وعمود الدين ، ( كنزا ربا ) .

}الله * هو الجلال والإتقان . هو العدل والأمان . هو الرأفة والحنان * الأول منذ الأزل . خالق كل شيء * ذو القوة التي ليس لها مثيل . صانع كل شيء جميل. {

فالإنسان والحيوان والطير والشجر والماء والثمر والهواء ، تشكل جميعها سمفونية الحياة الجميلة التي عجز ويعجز الأنسان أن يأتي بمثلها أو ذرة منها } ويل لمن يغفل عنك ياسيدي . ويل لمن تشغله عنك زينة الحياة الدنيا * أيها الحق الذي لا ضلال فيه {

وقد ميّز آدم ، رأس السلالة البشرية الخالق ، فعبده وأطاعه وحصل على ثنائه ورضاه ، فذهب الى عالم الأنوار ، ولأنه ميّز الله ، فقد ميّزه الله .

}طوبى لمن عرفك * طوبى لمن تحدث بعلم منك * طوبى لمن ميّزك * طوبى لمن تميّز لديك { . فآدم ( الأنسان ) خليفة الله في الأرض ، ذو النفحة الإلهية ، يحمل في كينونته جزءاً من عالم الأنوار السني ، عالم المعرفة والكمال والبهاء والجلال ، لم يك آدم أبكم ، وهو أول الخلق ، ولم يشأ الله أن يخلقه جاهلا لا يعلم ، بل زوِّدَ بمعرفة ربانية ، ولذا فقد أطاعه وبجّله .} ونهض آدم . ركع وسجد والحي القدير مجّد . ومجّد أباه إد كاس زيوا (1) . وشهد بأسم الحي والمانا (2) العظيم الذي منه أنبثق {

ولم يك آدم بسيط الوعي والمعرفة ، ودليلنا في هذا ، صحفه وتعاليمه وتكوينه للأسرة الأولى ، وكذلك معرفته التي لا تُحَد بالذات الألهية ، وآدم هو الذي بنى هرم المعرفة من قمته ، ليتسع بمرور الزمن وتتسع قاعدته ، فيكون آدم بعلمه ، رأس الحكماء ونحن بمعرفتنا الواسعة اليوم نتسلق الهرم ارتفاعا ً لنصل إليها .

إذن فقد بدأت معرفة الخالق متكاملة وواضحة وجلية ، وجهدنا اليوم في هذا الأطار هو محاولة الوصول الى نقطة البداية ، } قل لآدم لا إنسان منك أحكم وربّك أعلم { ، وكما تعرّف آدم مباشرة الى الحي العظيم وما كان محتاجا ً لأن يفلسف الأشياء ويدرك كنهها ، فقد عَلمَ وتعلم ، أن من يملك هذا الجبروت وهذه القدرة أي ( الله ) ، لابد أن يمتلك الحلم الكامل ، فيكون بذلك أحق أن يُرتجى ويُتكلُ عليه . 

}باسم الحي العظيم

أسبّحك ربي بقلب ٍ طاهر

أيها الحي العظيم

المتميز عن عوالم النور

الغني عن كل شيء

العلي فوق كل شيء

نسألك الشفاء والظفر

وهداية الجنان

وهداية السمع واللسان

ونسألك الرحمة والغفران

آمين

يا ربنا يا رب العالمين { .

إن كنزا ربّا ( صُحُفُ آدم ) وكِتابُ السلالة الروحية ( الصابئة المندائيين ) ، بأعجازها العلمي والفلسفي الكوني الدقيق ، وتشريعاتها المتكاملة ، تجعل من آدم النبي ، رأس سلالة المعرفة للذات الألهية في تاريخ الأنسان على الأرض .

}إنزل يا صورييل(3) الى عالم الشر والنقصان 

نادِ آدم وعلـّمه الحكمة والإحسان 

قل له : كنت أخرس فأنطقناك وأصمّ فأسمعناك وجاهلا ً فعلـّمناك ومستوحشاً فآنسناك {

والمندائيون اليوم ، أتباع آدم (ع)، يتعرفون على الله الواحد الأحد ، بنفس النظرة الإيمانية لآدم ، والتي سطـّرها لنا كتابنا المقدس ( كنزا ربّا ) ، والمندائيون يتوصلون الى فهم الخالق الجليل ووحدانيته من خلال الأستدلال العقلي والتبصّر الواعي بقوة الترابط بين فحوى الأشياء في الطبيعة ورقيّها وتخصصها وتكامل خواصها منفردة ، وتكاملها مجتمعة . وترى صلاتهم تبدأ ب ( بشميهون إد هيي ربي – بأسماء الحي العظيم ) ويختمونها ب ( للحيّ سجدنا وللرب عارف الحياة سبّحنا ولهذا السيماء العظيم الموقـّر الذي من نفسه تكوّن ) ، والصلاة دعاء المؤمن .. والأنسان يسمو على عالم الأشياء ، وبالتوحيد يعي كرامته السامية الى ذروة الإنسانية ، فالله فوق القيم كلها .

}باسم الحي العظيم

مسبّح ربّي بقلب نقي

هو ملك النور السامي

هو الله{.

 

( وللحديث صلة )

 

الهوامش :

 

(1)إد كاس زيوا : كائن نوراني ، وهو آدم الخفي البهي

(2)مانا : عقل ، وعاء ، وتعني أحيانا النفس ، وتأتي بمعنى ملاك ذو 

مرتبة سامية .

(3)صورييل : ملاك نوراني ، ويسمى سورييل شارويا

 

( الحلقة الثالثة )

 

•( يجبُ أنْ تتكونَ الطاقة الحرارية وتنتشر في جميع الأجسام ، كذلك في الفاكهة والكروم والأشجار ) كنزا ربا

•( خلق بثاهيل(1) كل شيء من طين الأرض ، من الريح والنار والماء ) كنزا ربا 

•( خرج من الثمرة الكبيرة ذات الحول الشامل والقدرة ألوف مؤلفة من الثمرات بلا نهاية وروبان روبان(2) من الشكينات(3) بدون عدد ، .. ) كنزا ربا

 

العلمُ وسيلةٌ وليس غاية ْ ، والبحثُ فيهِ بلا نهاية ْ ..

قصتهُ معروفة ْ .. وثمارُهُ مكشوفة ْ ..

مذهبهُ التقصّي والكشفُ عمّا يعصي ...

لكنهُ محدَّدْ بعقلِنا المجَّددْ ...

يحثـهُ السؤالْ .. ليبلغَ المنالْ ، فيقهرُ المُحالْ .. بهمةِ الرجالْ ...

يبهرُنا جديدهُ ، لأنهُ وليدهُ .. من دون ِ أنْ يملْ .. ويتعبُ أو يكلْ ...

باتَ لنا رفيقنا ، مُذ ْ شبَّ فينا عودُنا ، نسألهُ فينطقُ ، وقولهُ محقـَّقُ ...

أبعدُ أنْ يكونْ .. عن حالة ِ السكونْ ...

أضحى لنا سلاحنا ، يهابُ منه جهلنا .. في الكون ِ .. في الحياةْ .. في غَيهب ِ المماتْ ..

تراثُ مَنْ أفاقوا مِنْ سَكرةِ السكونْ ، وقارَبوا بسعيِّهم مناطقَ الجنونْ ، فأبدعوا وأثروا ...

وعلمُنا في يومِنا ، بمستوى الطفولة ْ .. لم يبلغْ الرجولة ْ .. ما زالَ لا يفسِّر ما قالهُ المبشرْ .. الحيُّ في الأعاليْ

بعالم ِ المثال ِ ..

وسفرُنا المُزكىّ .. كتابُ كنزا ربا .. أحاط َ بالعلوم ِ ، كالشمس ِ والنجوم ِ ...

تبصّروا بقوله ِ .. عَجَبا ترون ما به ِ...

إذ ْ قالَ ربُّ الحَوْل ِ والقدرة ِ والقول ِ ، عندَ الكتاب ِ السابع ِ، مِنْ كنزهِ الرائع ِ ...

( الشمسُ مع الأرض ِ تكوّنتْ ، كيانهُا مِنْ كيانِها ) و ( القمرُ صارَ من الأرض ِ) 

قد كانَ في الأزل ِ ، من قبلِ ِ خلق ِ المُلل ِ ..

( الثمرُ داخلُ الثمرْ . والأثيرُ داخلُ الأثيرْ والوعاءُ العظيم ِ ذو الوَقارْ .. منهُ كانتْ الأوعية ُ العظيمة ْ ، المنتشرة ُ أضويتها ، الكثيرة ُ أنوارها ) كنزا ربا 

حتى يقولُ سبحانهْ .. عديدةٌ مظانهْ ..

( ثمارٌ لا حدودَ لها وربواتٌ لا عددَ لها ، طلعَتْ مِن الثمر ِ العظيم ِ الذي لا حدَّ لهْ .. مسبِّحة ٌ للوعاء ِ العظيم ِ ذي الوَقارْ ، الحالُّ بالأثير ِ العظيم ) كنزا ربا 

وهل بعد هذا ، مِن بيِّن ٍ مُبينْ ، عن منشأ الأكوانْ .. عن قدرةِ الد يّانْ ..

يقولُ علمُ الفلكْ ، وقولهُ قد سَلكْ، في منشأ الأفلاكْ .. رحماهُ مَن دلا ّك..

كانَ سديما ً (4)هائلا ً .. يسبحُ في الأثيرْ، ما قد عرفنا مثلهُ .. منقطعُ النظيرْ .. يسقط ُ من علـُو ٍ .. يصعدُ في علـُو ٍ .. إذ ْ لمْ تكُ لنا جهات أربعْ .. أو من جهار ٍ يُسمَعْ .. قد كانَ لا مكانْ ، وكانَ لا زمانْ ..

وانفجرَ السديمْ .. أجزاؤهُ تهيمْ .. لا تعرفُ المقرْ .. والكلُّ في مَفرْ ، كبيرةٌ .. صغيرةٌ كقطرةِ المطرْ .. سريعة ُ السقوط ْ ، بشكلها المخروط ْ .. فانفصلتْ رؤوسُها .. تدورُ حول نفسها ..

( إنها منتشرة ٌ تدورْ .. لكلٍّ منها مسارْ ، وكلٌّ في مدارْ .. ) كنزا ربا

 

وانظرْ عدا عما سلفْ ، في قولهِ فيه الخلفْ ..

( إنـّا جعلنا الكونَ منازلَ وطبقات * مكتملات ٍ وغيرَ مكتملات ) كنزا ربا 

وهذا لعمري ، وصفُ المجموعات ِ الشمسية ِ والمجرّات ْ، وعددُها ربوات ُ ربواتْ ، وهنَّ فعلا ًمكتملاتٌ وغيرُ مكتملاتْ.. ألا ترى النجومْ ، تحيا وتموت ْ.. حينا ً ، بضوء ٍ ساطع ٍ .. حينا ً خفوتْ ..

وكذا الأبراجُ في منازلها ، والشموسُ في مطالعها ..

( إثنا عشرَ برجا ً للكواكب ِ كلـُّها تدورْ .. ) كنزا ربا 

والبركة ْ بالحركة ْ ، أنظرْ الى ما حولكَ .. ماذا ترى ؟ ، يا أيها الأنسانْ ؟ .. يا أصغرَ الأكوانْ ! .. وإذ ترى ، ماذا ترى ؟.. غيرَ الثرى ! ،هلا ّ ترى ما قد جَرى .. من قبل ِ ما خلِقَ الثرى ..

( قبلَ الأكوان ِ جميعا ً كانَ الثمرُ العظيم ) كنزا ربا 

يا أيها الأنسانْ .. إنْ كنتَ بعلمِكَ .. قد وسّعتَ فهمكَ .. لكونِنا ووجودِنا ، وقلتْ :

لسنا نعيشُ وحدَنا .. في كلِّ أركان ِ الدُنا .. والله ِ قد صَدَقتْ .. ما حِدتَ أو مَرقـْتْ ..

وبعدُ ..

ففي جعبتنا المزيدْ .. من كنزنا الفريدْ .. والعلمُ للأيمان ْ .. كالعَيْن ِ للأنسانْ ..

أوجزتكمْ فيما سَبَقْ .. رائعة ُ الذي خَلقْ ..

وللحديث ِ صِلة ْ .. لعلـَّنا نوصِلهْ ..

 

الهوامش :

1-بثاهيل : ملاك أثري يمثل الحياة الرابعة ، شارك في عملية الخلق والتكوين وله مَطهر .

2-روبان : وهو عدد قيمته 10 آلاف .

3-شكينات : مساكن .

4-السديم : الكتلة المائعة .

 

شجرة الزيتون ( Olea Tree) من الأشجار المعمرة التابعة للفصيلة الزيتونية ( Family :Oleaceae) وهي شجرة دائمة الخضرة ومعمرة يصل إرتفاعها أحيانا" إلى 15 متراً ، أوراقها بسيطة معنقه سهمية متقابلة ذات لون أخضر داكن ( زيتوني ) ، وعادة تزهر الشجرة ثم تثمر بعد أربع الى خمس سنوات وتستمر في إعطاء ثمارها أكثر من ألف عام ، وثمرة الزيتون من الثمار الغضة وتكون الثمرة في البداية خضراء داكنة ثم تتحول إلى سمراء بعد نضجها . تحتاج شجرة الزيتون إلى مناخ معتدل فى فصل الشتاء وجاف فى الصيف ، وإلى كمية كبيرة من الأمطار في فصلي الخريف والربيع ، وهي ظروف مناخية لا تتوفر إلا فى محيط البحر المتوسط لذلك فهذه المنطقة تعتبر من أكثر المناطق ملائمة لنموها . يعيش أشجار الزيتون حياة طويلة، حيث يُعتقد بأن متوسط حياتها قد تمتد من 300 إلى 600 سنة، أو حتى أكثر من ذلك. تُقّدر أعداد أشجار الزيتون الموجودة اليوم فوق سطح الأرض بحوالي 800 مليون شجرة ، تنتمي إلى 400 صنف مختلف من أشجار الزيتون المزروعة في أنحاء العالم . 

البيئة والموطن الاصلي

يقّر العلماء والباحثين بأن شجر الزيتون قد استوطن في البداية أراضي سوريا الكبرى قبل ستة آلاف سنة تقريباً ويعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط هو موطنها الأصلي ألا ان بعض المصادر التأريخية تعتبر أن الظهور الأول لشجرة الزيتون كان في سوريا وبالذات في مدينة أيبلا التأريخية القديمة ، حيث نشأت مملكة أيبلا عند ضواحي مدينة حلب السورية . والتي سيطرت في أوج عظمتها ( 2600-2240 قبل الميلاد ) على كلٍ من شمال سوريا ولبنان وأجزاء من بلاد ما بين الرافدين الشمالية . وقد وُجد العديد من الوثائق في أرشيف مدينة أيبلا القديمة يعود تاريخها لعام 2400 قبل الميلاد وتصف الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون والتي تعود ملكيتها للملك والملكة ، وقد اثبت ان حضارة إبيلا أول من عرفت زيت الزيتون ، وقدمت السائل الذهبي لآلهتها . 

و أعتبر سكان حوض المتوسط شجرة الزيتون شجرة مقدسة لآلاف السنين . قدّمت شجرة الزيتون عبر التاريخ بعض الخدمات للعديد من الديانات والثقافات ، وهي تعتبر رمزاً للسلام والحياة والخصوبة . 

وفي وقت لاحق نسب المصريون القدماء الفضل بتعلم الإنسان لزراعة الزيتون والحكمة للآلهة إيزيس .

وقد عُثر على عبوات تحتوي على زيت الزيتون بين القبور المصرية خلال العمليات الحديثة للكشف عن الحفريات الأثرية لهذه القبور.. أما في اليونان القديمة فقد استخدم الرياضيون الأوائل زيت الزيتون لتدليك أجسامهم . أول شعلة أولمبية كانت في الأصل عبارةً عن غصن زيتون مشتعل . 

و كان الرومان أول من نشر زراعة هذه الشجـرة في كل شبه الجزيـرة الإبيرية ، وقد أخذ الأسبان معهم هذه الشجرة أثناء اكتشافهم لأمريكا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين . ويوجد في اسبانيا حالياً اكثر من 215 مليون شجرة ، و تتبوأ إسبانيا المركز الأول في العالم في إنتاج وتصدير زيت الزيتون . واعتباراً من القرن الحادي عشر قبل الميلاد أي في عام 1030 دخل الزيتون إلى أسبانيا، ولأول مرة بواسطة الفينيقيين وعبر البحر آنذاك ، وأنتقلت زراعة الزيتون في القرن السادس قبل الميلاد إلى شواطئ متوسطية عديدة عبر الشواطئ الليبية و التونسية و ساهم الرومان في نشرها في حوض المتوسط و أعتبروها سلاحاً في أيديهم كعامل استقرار للسكان ، أما العرب المسلمون فقد كان لهم دوراً هاماً في نشر و تطوير هذه الزراعة حيث نقلوا أصنافاً عديدة من الزيتون إلى ضفاف المتوسط الأوربية و خاصةً إلى أسبانيا حتى أن كلمات الزيت و الزيتون في اللغة الأسبانية مأخوذة عن العربية في تلك الفترة .

انتقلت بعد ذلك زراعة الزيتون إلى أمريكا مع المكتشفين الإسبان ، و ابتداءً من عام 1560 بدأت بالظهور في أمريكا الجنوبية .

شجرة الزيتون في الديانات السماوية

لقد ذكرت قصة الطوفان والذي يعرف بطوفان نوح في كل الكتب السماوية ( الأسلامية ، المسيحية ، اليهودية ، والصابئية المندائية ) ، ان المياه قد غمرت الأرض قاطبة وبعد هدوء الفيضان أرسل النبي نوح الطيور ليفتشوا عن مكان ظهور اليابسة فكانت الطيور تغادر السفينة عدة مرات وتعود دون جدوى وفي النهاية أتت الحمامة وهي تحمل بفمها غصن زيتون مبشرة بالسلام رمزا" لأنتهاء غضب الله عن الأرض فعلم ان الطوفان قد انتهى وإن بأستطاعته أن يعود بسفينته الى الأرض . وتعتبر شجرة الزيتون أ ول شجرة نبتت في الدنيا، وأول شجرة نبتت بعد الطوفان، ونبتت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة ، ودعا لها سبعون نبياً بالبركة منهم النبي إبراهيم والنبي محمد ( ص ) حيث قال : ( اللهم بارك في الزيت والزيتون ) .

ومنذ ذلك الوقت أعتبرغصن الزيتون شعار من شعارات السلام والأمان ومازالت الشعوب تتناقل هذا الرمز جيلاً بعد جيل حتى جعلته الأمم المتحدة شعارها .‏ أما اليونانيون فجعلوها رمزا" للقوة والعظمة والحكوة والنصر .

قدسية شجرة الزيتون في الديانة الاسلامية

شجرة الزيتون شجرة مباركة ورد ذكرها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة منها التين والزيتون فقد عرف الناس شجرة الزيتون منذ أقدم العصور فقدسها الأقدمون وتباركوا بزيتها في طقوسهم الدينية وأستوقدوا عيدانها وأكلوا ثمرها ، وقد أشار كلٌ من القرآن الكريم والحديث الشريف إلى قيمة زيت الزيتون عدة مرات . ففي أحد الأحاديث ، رُوي بأن النبي محمد( ص ) قال بأن في زيت الزيتون علاجاً لـ 70 علة .

وقد ورد الزيتون في القرآن الكريم : { التين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الأنسان في احسن تقويم } . 

وفي مكان آخر : { انا صببنا الماء صبا" ، ثم شققنا الأرض شقا ، فأنبتنا فيها حبا ، وعنبا" وقصبا" وزيتونا" ونخلا }. لذلك قال الرسول محمد ( ص ) ( كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة ) .

والزيت المذكور هنا هو زيت الزيتون فقد جاء في لسان العرب لابن منظور أن الزيت : عصارة الزيتون .

وغالبا" ما يطلق العرب والمسلمون على شجرة الزيتون بالشجرة المباركة أو شجرة النور ، حيث ذكرت في أكثر من سورة في القرآن الكريم ، ومنها سورة سورة النور .

( الله نور السماوات والأرض مثل نوره ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري ، يوقد من شجرة مباركة زيتونه لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ) .

ولا عجب أن يقسم بها الفلاحون أحيانا"على هذا الشكل ( وحياة شجرة النور ) لأعتقادهم أن الشجرة مقدسة ومباركة ، وان كل إنسان يقطع إياه منها سيعاقبه الله ولن ينعم بأي سلام بعد ذلك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيتها ( كلوا من الزيت وادهنوا به فانه شفاء من سبعين داء منها الجذام ) .

ويعتقد المسلمون بأنه في ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان ، تفتح أبواب السماوات ، والشخص المحظوظ يمكن أن يرى من خلالها ، وفي هذه الليلة تنحني شجرة الزيتون كما الأشجار الأخرى إجلالاً حتى لا تنظر إلى وجه الله . ويقول الباحث المربي د. شكري عراف في انتقائه لغذاء النبي محمد فيقول كان النبي ( يغمس قطعة الخبز بالخل وزيت الزيتون ويأكل ) .

ولقد سماها النبي محمد ( ص ) بالشجرة المباركة لما فيها ما نفع الناس من نبتها وخشبها وورقها وثمرها ودهنها وهو الزيت وأوصى بشجرة الزيتون حيث روى عمر بن الخطاب ( ائتدموا بالزيت وأدهنوا به فانه من شجرة مباركة ) ، وروى الترمذي ( كلوا الزيت وأدهنوا به ) . ومما تقدم يمكن القول إن شجرة الزيتون حظيت بمكانة مرموقة في القرآن الكريم حيث أمد لنا أنها من نعم الله على العباد في الدنيا لما لها من منافع كثيرة وأستخدامات عديدة في المجالات الطبية وأنها الصديق الحميم للأنسان وطبيبه الملازم له .

قدسية شجرة الزيتون في الديانة المندائية

شجرة الزيتون شجرة مقدسة في الديانة الصابئية المندائية التي تعتبر من أقدم الديانات التوحيدية والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم وفي سور الحج والمائدة والبقرة ، ومن طقوسهم اثناء التعميد والزواج يلف غصن الزيتون قمة الدرفش وهو الرمز الديني للصابئة المندائيين رمزا" للمحبة والسلام والتعبد لله ، ولا ننسى ان هيكل الدرفش المتعامد الذي يلف عليه الوشاح هو مصنوع من اغصان شجرة الزيتون . وتؤكد الكتب الدينية المندائية انه عند نزول الملاك جبرائيل ( هيبل زيوا ) الى عالم الظلام كان غذاءه الروحي هو التمر والسمسم والزيتون .

ويمر المرشح لنيل الدرجة الاولى من سلم رجال الدين في الديانة الصابئية المندائية ، بجملة من الأختبارات الدينية و الطقوس التي تستمر لمدة اسبوع واحد يلبس خلالها المرشح مع استاذه المشرف ، الملابس الدينية البيضاء الخاصة.. يتبعها فترة اعتكاف للصلاة والتأمل والدراسة لمدة ستون يوما" من العزلة التامة ، حينها يستلم هداياه واسلحته الكهنوتية وهي (( خاتم الحياة وهو من الذهب الخالص ويجب ان يرتديه مادام حيا" في خنصر يده الايمن ، وعصا الكهنوت أو رجل الدين المستعملة من قبله في اثناء اداءه الطقوس الدينية هي من أغصان الزيتون لصلابتها وعمرها الطويل وامكانية التحكم بشكلها المطلوب ، والتاج الذي يحاك من الحرير الخالص ، وباقة من اغصان شجرة الاس التي ترمز لخلود عطر الحياة الطيب )) بعدها يصبح المرشح برتبة ترميذا .

قدسية شجرة الزيتون في الديانة اليهودية

كان زيت الزيتون يستعمل في مراسيم تتويج ملوك اليهود القدماء ، وقد أمر أبناء إسرائيل بإحضار زيت زيتون مرصوص ( إلى خيمة الاجتماع السرج دائماً ) كذلك عندما مسح صموئيل كأول ملك على إسرائيل كان الزيت يملا القارورة .

كذلك تستعمل أغصـان شجرو الزيتون للزينة فاستعملها المسيحيون لتزيين شموع أطفالهم في أحد الشعانين . 

وأستعملت شجرة الزيتون وزيتها في تفسير الأحلام فعند تفسيرهم لحلم شخص رأى في منامه أن يزرع شجرة زيتون أو يقطفها أو يستعمل زيت الزيتون وما إلى ذلك ، وتفسير الحلم يعني انه ينتظر ضوء أمل وفرج أكيد .

وفي استعراض كتاب تأريخ القدس / الجزء الأول الذي يتحدث عن العهد القديم فانه يؤكد عندما جاءوا اليهود إليها أي الى القدس كان في البلاد أنواع عديدة من الفواكه والثمار ذكر بها التين والزيتون والخوخ والعنب والرمان . وتشير البحوث الى ان اليهود أستعملوا أغصان الزيتون لبناء العرش في عيد المظلة . أما أغصان الزيتون اللينة فتصنع منها سلال حتى يومنا هذا في العيد من القرى العربية . أما أوراق شجر الزيتون فاستعملت كغذاء للحيوانات واليابسة منها للتدفئة والكتابة .

قدسية شجرة الزيتون في الديانة المسيحية

يكرر الإنجيل ذكر زيت الزيتون في 140 موضعاً ، وجعل المسيحيين شجرة الزيتون رمزاً للدين والآلام لأن السيد المسيح عيسى تألم على جبل الزيتون ، وأخيراً جعلت رمزاً للصحة والطعام اللذيذ ، ولم تهمل الكتب المقدسة الأخرى ومنها الإنجيل شجرة الزيتون وفضلها ، بل أشارت بذكرها في مواضع كثيرة فيها تعبير بديع يشبه الزيت بروح الله وذلك في مثل العشر عذاري الحكيمات والجاهلات ، واعتبر الزيتون البري في الإنجيل وأعمال الرسل دلالة عن الرجل الوثني ، أما الزيتون المزروع فدلالة عن المسيح عيسى عليه السلام الذي اكد استعمال زيت الزيتون في شفاء المرض في رسالة يعقوب الرسول بقوله ( أمريض أحد منكم ، فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب ) . وورد في إنجيل مرقص ما يشعر بذلك ( واخرجوا شياطين كثيرة ، ودهنوا بزيت مرض كثيرون تشفوهم ) .

كما ويقوم المسيحيون يمسح أطفالهم بزيت الزيتون اثناء عمادهم ، كما استقبل سكان القدس المسيح عيسى بأغصانها يوم دخل المدينة قبل موعد صلبه بأسبوع ، وما زال الأطفال حتى يومنا هذا يحملون مجموعه من نفس الأغصان ، يزينوها بالورود والبيض والبالونات في مثل هذه الذكرى ( أحد الشعانين ). ولكون شجرة الزيتون مباركه ومقدسه فأن أمهاتنا يبخرن بأوراقها أولادهن وحيواناتهن عند الشك بإصابتهم بالحسد والعين الشريرة .وللمسيحين اعتقاد عن شجرة الزيتون ففي عيد الصليب المقدس في 13 أيلول وفي عيد الغطاس في 6 كانون الثاني فإن شجرة الزيتون تنحني احتراماً لوجه الله .

 

شجرة الزيتون في التراث العربي

قال ابن منظور في كتابه لسان العرب والشجرة المباركة هي شجرة الزيتون .

وقال ابن سينا في كتابه ( القانون في الطب ) الزيتون شجرة عظيمة توجد في بعض البلاد وقد يعتصر من الزيتون الفج الزيت ، وقد يعتصر من الزيتون المدرك ، وزيت الإنفاق هو الزيت المعتصر من الفج ، والزيت قد يكون من الزيتون البستاني وقد يكون من الزيتون البري .

جاء في كتاب الطب النبوي لابن قيم الجوزية : الزيت حار رطب في الأول , وغلط من قال يابس . 

وجميع أصنافه ملينة للبشرة , وتبطيء الشيب . وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار , وبشد اللثة , وورقه ينفع من الحمرة والقروح الوسخة والشرى , ويمنع العرق , ومنافعه أضعاف ما ذكره

ذكر إمام الحافظ محمد بن أحمد الذهبي في كتابه ( الطب النبوي ) عن الزيتون : 

زيت الزيتون هو المعتصر من الزيتون الفج وهو بارد يابس .. والمتخذ من الزيتون المدرك حار باعتدال مائل الى الرطوبة , وكلما عتق قويت حرارته , والادهان به يقوي الشعر والأعضاء , ويبطيء الشيب , وشربه ينفع السموم ويطلق البطن , ويسكن وجعها , ويخرج الدود , ومنافعه جمة , وجميع الادهان تضعف المعدة إلا الزيت . 

وجاء في كتاب ( حديقة الأزهار والعقار ) لأبي القاسم بن محمد بن إبراهيم العسالي : أن شجرة الزيتون من جنس الشجر العظام المعمر , وهو نوعان : 

بستاني , وبري , فالبستاني يعظم كثيراً وثمره أعظم من ثمر البري الزبوج ويعتصر من الزيتون الفج يقال له زيت الانفاق

قال الشاعر داود المعلا .....

يا شجرة الزيتون ما اقتربت من صدرك العاري سكاكيني

الا لارسم فيك ما عجزت عنـه رسـومات الملاييـن

وهناك اغنية شعبية تقول كلماتها: 

على دلعونا على دلعونا فلاح بلادي زارع زيتونا 

فلاح بلادي تسلملي ايدو ويا ربي الهادي من عندك زيدو 

نازل ع الوادي والمعول بيدو ينكش زرعاتو ينال اللي يريدو 

وأغنية أخرى :

يا شجرة الزيتون يا زينة الاشجار

يا امـــنا الحنون يا بهجة الانظار

فيك لنا طعــام في الزيت والثمر

ومنك كم جنينا ما ينفع البشر

يا شجرة الزيتون يا راية السلام

الله حقاً فيك قد بارك الانام

 

لقد ذكرت شجرة الزيتون في التراث الفلسطيني فقيل في الزيتون وزيته : 

كل زيت بتناطح الحيط ، القمح والزيت سبعين بالبيت ، الزيت نور على نور ، اللي عنده زيت بعمر البيت . 

وقد تغنى الفلسطيني بالزيتون قائلاً ...

على دلعونا على دلـعونا بي.. الغربة الوطن حنونا 

بالله إن متت يامّا اقبروني بأرض بلدنا بفيّ الزيتونا

للزيتون منافع كثيرة منها يسرج الزيت ، وهو إدام ودهان ، ودباغ ووقود يوقد بحطبه وتفله ، وليس في شيء إلا فيه منفعة ، حتى الرماد يغسل به الإبريسم .

قال داوود : الزيتون من الأشجار الجلية القدر، العظيمة النفع، تغرس من تشرين (أكتوبر) إلى كانون (ديسمبر، فتبقى أربع سنين ثم يثمر فيدوم ألف عام .

قال الدكتور صبري القباني في كتابه الغذاء لا الدواء " لقد عرف الإنسان شجرة الزيتون منذ أقدم العصور فاستغلها خير استغلال إذا ائتدم بثمرها واستضاء بزيتها واستوقد وجزل حطبها.

قال الدوس هكسلي في كتابه شجرة الزيتون " لو كنت استطيع الرسم ، وكان لدي الوقت الكافي لقضيت عدة سنوات وأنا أرسم لوحات تصور شجرة الزيتون ، فكم هناك من أشكال مختلفة لشجرة واحدة ؟ هي شجرة الزيتون . وهناك قصة كسرى والفلاح الشيخ الذي غرس زيتونا ، وقصة التينة الكئيبة على رحيل النبي محمد ( ص ) ، حين قالت للزيتونة بنوع من التحدي : ما بك لا تحدّين على رحيل ابننا الكريم ! فقالت الزيتونة : ( الحداد ليس بسقوط الورق، لكن قلبي من جوّا احترق...) وغير ذلك الكثير من الحكايات الشعبية الرائدة . 

يقول الفلاح : زيتونتي اطيب عروس ، ما بتتثمن بالفلوس ، تحميني من الفقر والبؤس ، ومن شر يوم عبوس ، الزيتون مصيبي لقاطو بشيب بس زيتو طيب.

الفوائد الطبية لزيت الزيتون

تتركب ثمار الزيتون من: 

الماء 86% ، البروتين 5% ، الدهون 20% ، المواد سكرية 9% ، ثمار الزيتون مغذية ومهضمة تفتح 

الشهية وتقوي المعدة وتساعد على الهضم وتمنع الإمساك وتفيد في مكافحة الرواسب والحصى الصفراوية ونوى الثمار «البذر» كان الطب الشعبي يصفه

بخوراً ودواءً للربو والسعال .‏ 

يعد زيت الزيتون من أغنى الزيوت النباتية من حيث القيمة الغذائية فهو يعطي قيمة حرارية عالية في غذاء الإنسان ( 1 غرام منه يعطي 224 سعرة حرارية ) ويشمل زيت الزيتون على فيتامين A , D ,E ) الذوابة في الدهون وعلى حوامض عضوية غير مشبعة ومفيدة للإنسان ويتألف الزيت من الغلسرين وحامض الزيت وهو لا يذوب في الماء لأنه أخف منه ويتحول الزيت الى صابون كيميائياً بمزجه بمادة قلوية وقد ثبت أن زيت الزيتون لا يزيد من كمية كولسترول الدم وهو يقاوم الشيخوخة ويحمي الأمعاء والمعدة وينشط افرازات الحرارة ويقلل من أخطار تكوين الحصى وعموماً فإن زيت الزيتون سهل خفيف يحافظ على جمال ونضارة الجسم وقد وجد أنه يخفض نسبة السكر بالدم ويستخدم لتغذية فروة الرأس وذلك عن طريق تدليك الجذور .

 

ثمار الزيتون من الثمار الغنية بالزيت ، وكما هو معلوم فإن الزيت يتكون من الأحماض الدهنية ( Fatty Acids) والجليسرول ( Glycerol ) وزيت الزيتون يحتوي على بروتينات ، مواد سكرية ، بوتاسيوم ، كالسيوم ، مغنسيوم ، فوسفور ، حديد ، نحاس ، ألياف ، كاروتين .

وترجع القيمة الغذائية والطبية العالية لزيت الزيتون لاحتوائه على نسبة عالية من الأحماض الدهنية غير المشبعة الأحادية والتي تصل إلى 83% من زيت الزيتون وهي تفوق نسبتها في الزيتون الأخرى بكثير.

كما يحتوي زيت الزيتون على نسب عالية من الفيتامينات وخاصة فيتامين E.B والكاروتين .

الأهمية الاقتصادية لشجرة الزيتون 

لشجرة الزيتون أهمية خاصة عند العرب والمسلمين منها خشب شجرة الزيتون من الأخشاب الممتازة ذات اللون لبني العسلي غني بالمواد الحافظة التي تمنع تلفه وتسوسه وإصابته بالحشرات أو الأرض( النمل الأبيض ) والذي يعتبر من ألد أعداء المواد الخشبية .. ويستخدم خشبها في صناعة أفخر أنواع الأثاث الخشبي ، يستخدم تفل النوى ( المتبقي بعد عصر الزيت ) في علف الدواب، وتسميد الأرض ، ووقود وفي تطيين الجدران .تستعمل أوراق شجرة الزيتون في معالجة أمراض الأسنان واللثة عند مضغها خضراء . تعطي شجرة الزيتون حوالي 60 كيلوجرام من الزيتون المستخدم في التخليل والتغذية وينتج منه زيت الزيتون .شجرة الزيتون تعمر أكثر من 5 آلاف سنة، ولا تحتاج إلى مجهود كبير في الرعاية فهي حقاً شجرة مباركة .فهل بعد ذلك لا نأكل زيت الزيتون ولا نَّدهن به ونعتني بشجرة الزيتون تلك الشجرة المباركةّ!!!!

 

الهوامش ــــــ

1 ـ مجلة Week to optimum healt للمؤلف أندرياويل

2 ـ دراسة نشرت في مجلة (Archives of Internal Medicine ) في عدد أغسطس 1998

3 ـ كتاب Heart Owner Handbook ) الذي أصدره معهد تكساس لأمراض القلب

4 ـ بحث نشر في شهر ديسمبر عام 1999 في مجلة AmJclin Nutr

5 ـ بحث قام به الدكتور ألدو فرارا في جامعة نابولي الإيطالية ونشر في مجلة

Archives of Internal Medicine بتاريخ 27 مارس 2000 

6 ـ كتاب إعجاز النبات في القرآن الكريم الدكتور نظمي أبو العطا أستاذ النبات في الجامعات المصرية 

 

مندا إد هـيّي يقول : كل نفس تسأل هي عن أعمالِها . لا تـُـشارك نفس نفساً ، ولا تتحمل نفسٌ نفسـاً * أيها الأصفياء والكاملون ، صونوا أنفسكم من الغش والإثم والزور ، والكذب والزيف والشرور ، واتقوا الدجل والإفك والضلالة ، والفتنة والقسوة والجهالة * يا باهري الصدق حصنوّا أنفسكم ونساءكم * كل نفس هناك في كوّة من الموت عميقة ، وفي هوّة من الظلام سحيقة .. حتى يومها الأخير * يا أصفياء الصدق المعظمين * احفظوا أنفسكم من الراجفة * ومن الذئاب الخاطفة * ومن أي دعـوة زائفة . * يانشمثا الحي الحرّة ... يا بنت المصابيح الثَرَّة .. أي سلاح تبتغين أمضى من السلاح الذي تحملين ؟ * معك الناصورائية ، الكلمات الصادقة الحية .. هي سلاحك الجسور ، الآتي إليكِ من بيت النور . 

صدق الحي المزكي

 ( أول ما يـُـعـَـلمـّـكَ الـطـَـريـق الـصّـعــب ، هو أنّـه طـَـريـق سَهـل ، وكـَـمـا نـُـمـسِـك عـَـن الـكَلام فـي غـَـيـر مـَـوضِـعـه ، يـجـبُ أن نـَـتـَجــَـنـّـبَ الـصـَـمـْـتَ فـي غـَـيــِر مـَـوضـِـعِــهِ . )

 إن من أهم الأدوات التي تساهم في تصحيح وتنقيح مسار الإنسان وفكره وشخصيته هي النقد والمحاسبة ، والثابت أن ليس هناك أي كمال مطلق في ( عالم الإنسان ) ، فكل شيئاً في حياته خاضعا لإعادة النظر والمراجعة والتصحيح والتنقيح والمشورة ، لكي يــُـقـَـوِّمُ ما فيه وما عنده ولديه من نقص وضعف وتلكؤ وتردد وتخلف ، وعلى كل إنسان على الأرض أن يُـسلـّم ويقتنع تماماً ، بأنه ناقص غير كامل ، فالكمال لله الحي القيوم وحده ، ومتى اعترف الإنسان بذلك واقـرّه ، يكون قد ضمن تحقيق التكامل والاستقامة والحلم والنضج ، ومن ثم النجاح ، وإمكانية إتّخاذ القرار الصائب الهادف.

 ليس هناك من لا يخطأ في عالم الإنسان والمعروف أن فعل الإنسان متطـّور حتما وغير ثابت مطلقا ، فلابد لهذا التطور أن يخضع لظروفه ، لتصدر عن الإنسان وبسبب تلكم الظروف ، الهفوات والأخطاء . ومن هذه الظروف التي تحيط بالإنسان اليوم ، على سبيل المثال لا الحصر هي : 

•الجَـهـُـل . 

•السيـرُ خلف نوازع النفس ، وإتباع رغباتها وهواها .

•عـَـدمُ القدرة والرؤية الواضحة في إدراك الحقيقة والكمال .

 

إن من لم يـقـّـر منا بذلك فإنه لا محالة سيقع في أشد الأمراض المزمنة فتكاً به ، ألا وهو مرض الـغـرور ، والمغرور لا يـَـقـَّـر ولا يعترف ولا يُـسَــلـّم كونه قد قـَـصّـر بحق الإنسانية ، كونه إنساناً ، وبالتالي فإنه لا يستطيع وضع أو إخضاع نفسه للنقد أو المحاسبة، لذلك سيبقى وكراً ثابتاً ، ومرتعا خصباً ، بل موطناً دائماً للأخطاء والتخلـّـف والهفوات ، ليبتعد في آخر المطاف عن المسيرة الحياتية الإنسانية التكاملية .

 

الكثير منا ، ممن أصابه مرض الغرور ... لا يريد إقرار تقصيره من خلال مرضه هذا تجاه نفسه ، والناس وتجاه أهله من أبناء دينه ، لذا نراه لن يقبل أو يجعل أو يـُـخضِـع نفسه للمحاسبة والنقد الذاتي ، ويستنكف ويتأفف عند نقده من قبل ناسه ، كارهيه ومحبيه ، لذا فإنه قد فقد بتصرفه الغير صحيح هذا ، أعظم فرصة لمعرفة نواقص ذاته ونفسه من خلال عيون الساخطين عليه قبل الراضين عنه :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة إلاّ إن عين السخط تبدي المساويا

 

إن محاسبة ونـقـد الإنسان لنفسه على أخطاءه وتقصيره بحق خالقه الحي المزكّى ، من خلال عدم التزامه بما قرره ورسمه إليه من أوامر ونواهي في العبادات والمعاملات ، وتقصيره بحق الناس ، إخوانه في الخلق أو الدين من خلال تعامله الحياتي اليومي معهم ، وتقصيره تجاه نفسه ، حالة صحية في عقل وتفكير أي إنسان طبيعي ، ودليل قائم على يقظة ضميره وحسه الديني الإيماني والدنيوي الإنساني .

 

لقد اعتنى الهيي ربي مسبح اسمه من خلال شريعته الصابئية الغراء ، بأصحاب أول رسالة دعت للتوحيد له والتسبيح باسمه ، من خلال إظهاره هذا الجانب التربوي الرئيسي ــ عند أعظم مخلوقاته ، الإنسان وشخصيته ــ جانب المحاسبة والنـقد الذاتي ــ وقبوله ممن يوجهونه إليه ، أصدقاء وأعداء ، محبيّن وكارهين

 

بسم الحي العظيم

* من أخطأ منكم فقوموّه وأسندوه * فإن أخطأ ثانيةً فقوموّه وأعينوه * فإن أخطأ ثالثة فأرشدوه ، والصلاة والتسبيح لله فأسمعوه * فإن عصى واستكبر ، وأبى إلاّ المنكر ، فاجتثوا هذه الكرمة من الجذور ، وازرعوا مكانها كرمةً تعرف طريق النور ، فقد قالوا له إسمع فلم يسمع . وأروه نور الله فلم يخشع ، فسقط في العذاب... و *عـلـّـموا النشـماثا أن لا ترتـاب قلوبها ، وأسمعوها لغة السلام : التسبيح الذي آتيتكم .. فتشهد قلـوبهـا وتطمـئـن .

 

إن من أخطر ما يصاحب الإنسان ويواجهه في حياته اليومية ، العملية والفكرية هي إعتقاده بل تأكده واعتباره إن كل ما يبدر منه ، ويصدر عنه من تصرفات وسلوكيات ، صحيحة المسار لا غبار عليها ، لشعوره الغير صحيح بأنه قد اكتمل وتفوق على غيره من الناس ، فهو الأحسن إذن ، وتحصيل حاصل ، إن ما يقترفه ويقوم به ويصدر منه أو عنه ، غير قابل ، وغير خاضع للنقاش ، وذلك يقوده حتما إلى التبرير والمغالطة وإخفاء الحقيقة وتضليل الحق :

 

بسم الحي العظيم

* ويل للسيئين من اليوم المحفوظ ، يزرعون الإثم ويحصدون العذاب * عيونهم يملؤها الظلام ، قلوبهم يملؤها الظلام * يظل عَـماهُـم يلازمهم فلا يرون بلد النور . 

 

و ( إن أكثرهم للحق كارهون ) و ( من صارع الحق صرَعَـه ) ، لذلك تراه يدافع عن الخطأ ويصّـر على الاستمرار فيه ، والسقوط في مثالبه ، وجـَرع مرارة مذاقه ، وقبول مساوئ آثاره ، بدوافع التكبر والاستبداد والعناد ، فلا يصغي لمن ينتقده ، ولن يلتفت لمن يحاسبه ، بالرغم من ترديده وتشدقه للمقولة الخالدة : الاعتراف بالخطأ فضيلة .

 

 

تحدث كتابنا المقدس [ الكنزا ربا ] مبارك اسمه ، ورسلنا وأنبياؤنا ( عليهم السلام ) وعلماؤنا الأعلام من أبناء ديننا الصابئي الحنيف ، الكثير عن تلك الظاهرة الاجتماعية الخطيرة السيئة ، والتي واجهت أول دعوة صابئية ، توحيدية إيمانية خالصة تـَـدعـو الإنسان الصابئي إلى الإيمان بالله الحي المزكّى ، واليوم الآخر والبعث والحساب ، فتشرق في نفسه ، شمس لا تغيب تحرص على محاسبتها من خلال نورها الإيماني المـُـشِـع في ذاته ، فنراه يقترب من السعي والبحث عن من ينتقده ويحاسبه على ضوء الواقع الذي يعيشه ، والموازين والقيم الشرعية والعملية والأخلاقية والعقلية . .

 

لقد دعت شريعتنا الصابئية الغراء إلى محاسبة الإنسان الصابئي ، الذي آمن بأحكامها ، واعتقد بقيمها ، والتزم بأوامرها ونواهيها ، دعته بل ألزمته ، وفرضت عليه ، وجوب محاسبة نفسه ونقدها ومراجعتها ليعرف أسباب مواطن ومكامن ضعفها ، التي دفعته إلى الوقوع والقيام بما لا يرضي الله الحي القيوم ، والسقوط أمام إغوائها له ، فتضفي شرعية زائفه مهلهلة ، تدفعه للاعتقاد بصحة وصواب ما قام به في ذلك اليوم :

 

* كل حي له نفسه يصطفيها * يعـدّها ، ويقيـها * لاتكن في خطيئتها ثاوية * إن أراد الخلاص من الهاوية .

 

.. إن إصرار الصابئي على عدم مراجعة نفسه وإخضاعها إلى قبول مبدأ نقدها ومحاسبتها من قبل الناس ، تجعله يتأرجح ما بين الحق والباطل ، فتنعدم عنده رؤية ما هو حق وواجب ، إلى حـَـدّ تـَـمـَـكـُـنـِّـهِ من الدفاع عن الباطل بأسلحة يصوبّها لنفسه فيقتلها ، ليعيش الحق ويستمر كونه حـَـق قائم ، لذلك نراه يعيش ميتاً . إن إيمان الصابئي بما جاء في كتابنا المقدس [ الكنزا ربا ] مبارك اسمه ، من أحكام ، يدفعه ويجعله ويدعوه إلى سماع كلمات النصح والتوجيه والإرشاد ، التي تتعارض مع نوازع نفسه الشيطانية الأخرى ، والتي تؤثر حتماً على قراراته ومواقفه ، وتؤكد نصوص كتابنا المقدس ( الكنزا ربا ) مبارك اسمه للصابئي المغرور ، الغير قابل للنقد ، الممتنع الرافض المحاسبة لنفسه من قبله ، وله من قبل غيره إخضاع نفسه لمن ينتقدها ويحاسبها من قبل أي إنسان ..

 

إن قـُـوَّة َشَخصيـّـة الإنسان الصابئي ، أو قـُـوّة شخصية أي إنسان وما يصدر عنها من قرارات خاطئة ، لا تكمن في التمسك بالدفاع عنها وتبـريرها ، والإصرار على تِـكرارها والاستمرار فيها ، بل إن قـُـوة الشخـصيّـة تستـَـند وترتكز وتتعمّـق وتزدهر من خلال قبول الحق والاعتراف بقيامه . لقد أوضح الهيي ربي مسبح اسمه للانسان وألزمه من أن يكون رقيبا يقظاً على نفسه :

بسم الحي العظيم

* باسم السِّـر الأعظم ، لا تمسوّا النفس بمكروه . * أيتها النفس عليَّ أن لا أفزعكِ ، وأن لا أخيفك ، لا ينبغي لك أن تفزعي وأنت في كسائك هذا ، ولكي لا تفزعي ، هاأنذا أتخذ شكل آدمي .

 

، مقوماً لأفعالها ، قائما ساهراً على تصحيح نواياه ومقاصده ، ليكون مصفاة لا تصدأ لتخليص نفسه وتنقيتها مما علق بها من شوائب وانحرافات :

* رأس فضائلك أن تنتصر على نفسك .

 

وقد وُصِـفَ من لا يقوم بمحاسبة نفسه ورصد أخطائها ، ومراقبة سلوكها بالأحـمـَـق ، والأحمق معاقاً لا يستطيع استخدام عقله ، ولا يقدر على مجابهة نزغات نفسه ، كسيحاً لا يتمكن من مقاومة نوازع شـّرها ، مهملاً للقيام بواجب الخير كونه فريضة عليه من قبل الهّيي الحكيم ، غير مستعـدٍ لملاقاة الهيي العزيز في الاخِـرةِ ، خادعا لنفسه ، ضاحكاً عليها ، منغـَمساً في ملذات وأماني وأوهام [ أرض تـيبـل ] ، أرض الزيف والزوال والظلام والآثام . إنه الحـُـمـْـق ، والأحمق كما جاء على لسان المختصين : 

من الحمق ، وهو قلة العقـَــل أو فـَـسادٌ فيه:

 

بسم الحي العظيم

* وأما عالم الظلام ، عالم الشرور والآثام .. * عوالم من دخان ونار ، ونقص وشنار * تعج عجيجاً بالأشرار ، وبالقتلة والفجار ‘ والسحرة والمشعوذين والكفار * أرواحهم زاهقة * ..* وسفهاء * ومصاصو دماء * بوجوه مظلمة سوداء * صـُـمٌّ بلهاء * ينهض بينهم المشعوذون * و السرّاق والمجرمون * والقتلة والمجرمون

 

كما إن إعجاب الإنسان بنفسه ، من الأسباب التي تدفعه للاعتداد والغطرسة واللامبالاة بالقـِـيم القائمة والمتداولة ، تؤدي مجتمعة إلى إهلاك من ترافقه وتصاحبه ، لتحيط بنفسه ، مانعة له من الالتفات والاكتراث والاستماع إلى النقد والمحاسبة ، والمؤمن كما جاء في كتاب تحف العقول / للحرّاني / صفحة 457 :

المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله ، وواعظ من نفسه وقبول ممّـن ينصحه .

 

وما عرضناه فيما يتعلق بالفرد لا يستثني ولا يعفي الجماعة ، من خلال عملهم الجماعي في النشاط الإيماني أو الـدَعـَـوي أو التعبدي أو السياسي أو الفكري أو المعرفي ، إلى آخره من النشاطات التي لا يمكننا حصرها ، فإذا ابتـَـلوا بمرض الغرور ، سيطر هذا المرض على إرادتهم في اتخاذ أي قرار صائب ، لذا نراهم يفتقرون إلى الدواء الناجع الشافي المُـنقِـذ ، ألا وهو نكران الذات والمحاسبة ، كلٌّ من موقعه ومركزه لنفسه من خلال نفسه لذاته ، ولنفسه وذاته من خلال غيره ، لذا ستكون أكثر قرارات جماعته ، مختومة وموقعة بختم [ الأنا ] ، يؤطـّـرها الغرور والإعجاب بالنفس والزهو بمفرداتها العقيمة القاصرة .

  

* كـراهـية الـنـقـد .

 * الـنـقـد بين الـهـدم والـبـناء .

* مـن هـو الـناقـِـد ، وهل ثـَـمّـة شروطـاً يجب توافرها فيه ؟

 الـكـثير منـا و للأسف الشديد لا يـميل بل لا يحب سـماع أي نقـد يـوّجه إليه ، لأنه يشعر بأن هذا النقد إنما يظهر ما فيه من عيوب ونقص وغرور وتخلف وسقوط وتردد وخطأ ، فلذلك لا يـَـوّد أحد منا أي شخص ، بل يكرهه ويمـقـته ، مهما كانت علاقتنا به ، قريبا أو بعيدا ، يوجه إلينا ما يظهر ما تقدم ذكره فينا . لذلك فترانا نميـل إلى من يكيل لنا المديح الزائف و الثناء المبالغ فيه ، بل تجدنا نكره من يبّين لنا عيوبنا ويظهر لنا أخطاؤنا ويكشف لنا غرورنا وتخلفنا ويرصد لنا نقصنا ويعدّد لنا زلاتّنا وهفواتنا ، ومن يقدم لنا نصحه وإرشاده وتوجيهه .

 إن من المفروض أن نصغي جيداً إلى من ينقدنا نقداً بناءً ، ويحاسبنا محاسبة حريصة تفيد عملنا ، لأنه ناصح لنا يساهم في تسديد أخطاؤنا ، يسعدنا في إنجاز أعمالنا ، سواء أكانت فردية أو جماعية ، اقتصادية ، فكرية أو اجتماعية :

 

* إذا رأيتم حكيماً صادقاً فتقرّبوا إليه ، وخذوا من حكمته

 

أما من لا ينقدنا مثل هذا النقد ، بل يحاول ـ لغاية في نفسه ـ أن يخفي عنا عيوبنا وهفواتنا ، ويطلي لنا هذه العيوب بطلاء النفعية والمصلحة والانتهازية و التوفيقية والمهادنة والمساومة ، والثناء الكاذب الخادع ، إنما هو عنصراً هداماً ، يحجب عنا نور الحقيقة وعلـّـو الحق وصدق الإيمان : 

 

* وإن رأيتم حكيماً شريراً فابتعـدوا عنه ما استطعتم ، إن حكماء الشر من أتباع الشيطان .

 

لذا علينا أن نصغي ونسمع ونـّود ، ونحترم من يوجه لنا نقده البناء الهادف لتبيان هـَـفواتنا وزلاتنا ، حتى نتمكن من تشخيصها والوقوف على أسبابها ، وعدم تجاوزها وعدم تكرارها مرة أخرى . إن هذا النقد يـُـساهم وبفعـّـالية كبيرة في عـَملية التحصين الـَنفسي العقـائدي ، ويزيد من مناعـتنا ضد كل ما يساهم في إحباط عملنا الإيماني ، وتحـرّكنا النهضوي :

 

بسم الحي العظيم

* انظروا بأعينكم * وانطقوا بأفواهكم * واسمعوا بآذانكم * وآمنوا بقلوبكم * واعملوا بأيديكم زدقا وطبوثا * إعملوا بمشيئة ربكم ، ولا تعملوا بمشيئة الشيطان .

 

إن ما تقدم ذكره لا ينفي أو ينكر أو يتجاهل ، من أن هناك أصولاً وآدابا وقواعد وضوابط وصفات إنسانية وأخلاقية ، على الناقد أن يتمسك ويلتزم بها ويراعيها ، وأهم ما تقدم من شروط :

•أن يكون الحق مـعـيار وفيصل وهدف الناقد ونقده .

•أن يسعى الناقد من وراء نقده تحقيق المصلحة العامة لمن ينتقد ه ، وللناس الذين هم موضوع نقده. 

•أن يكون جريئاً ، صادقاً ، واقعيا وموضوعيا في نقده .

•أن يكون مخلصا مبدئيا أميناً يسعى لتحقيق هدفا عاما وليس هدفا خاصاً .

•أن يبتعد في نقده عن التوفيقية والانتهازية ، وعن التحّـيز الأسري والعشائري ، فكلنا صابئة وكلنا واحـد .

فالنقد استنادا لما تقدم أداة تنقيح وتصحيح وإرشاد وتقويم ، النقد ليس تهريجا وتجريحا ، وتشكيكاً بعمل ومبادرات الآخرين ، النـقـد ليس معـوَل هدم ، لهدم ما يشيده الآخرين . النقد أداة بناء وعلى الناقد أن يتناول أحكام وقرارات وخطط ومشاريع وآراء وأفكار ، من يريد نقدهم ومحاسبتهم ، ويبتعد عن المواقف الشخصية التي تحدث أو حدثت بينه وبين من يريد نقده ومحاسبته ، إن الجهل والتعصب والأنانية والحقد ، تدفع الناقد إلى تشويه عمل ومنهج من يريد نقدهم ، والتشهير بهم ، والإضرار بسمعتهم ، وإلصاق التهم الرخيصة بهم ، من خلال رصد هفواتهم وثغـر اتهم ، وتتبع عثراتهم : 

بسم الحي العظيم

* أنا الرسول الطاهر أقول لجميع الناصورائين : ميزوا كلمات هؤلاء ، إن بعضهم يكذب بعضاً * النبي يكذب النبي * والملك يطعن الملك

 

لذلك يجب على الناقـِد أن يبتعد عن كل هذه الصفات المريضة عند نقده ومحاسبته ، وإتباع المنهج ، و الأسلوب والنهج العلمي في نقده ، وعلى المـَـنـقـود [ الـْــمـُـنـْـتـَـقـَـد ] ، أن يقبل و يتقـَـبـّـل النـقـد من الـنـاقِـد بعَـقـل مُـتـفـَـتّـح ، وصدر واسع رحب ، وبالتأكيد سيسعى من يكون قد خضع لهذا النوع من النـقـد ، حتما لتغيير ما كان عليه من آراء ، وتفكيك ما رسمه من مشاريع ، سينشط وبكل طاقة وسرعة لتبني الصواب وتجاوز الخطأ ، والتحرك نحو التكامل والحسِـن والجـيّد :

 بسم الحي العظيم

* كونوا أقوياء ثابتين ، فإن اُضدهتم فاحتملوا الإضطهاد إلى أن تقضوا آجالكم بعضكم لبعض مساندين * ولا تغضبوا ، ولا تهتاجوا ، إن الغضب والهياج مملوءان بوسوسة الشيطان .. فاطفئوا نار غضبكم بالإيمان .

 إذن فالمهمة النقدية ، يجب أن تكون مهمة رسالية إيمانية ، هدفها بناء الإنسان الصابئي ، والسعي من ممارستها ممارستها الى صياغة السلوك الإنساني الصابئي ، من خلال المفردات والنصوص الشرعية المرسومة له ، والواردة في كتبه المقدسة ، وما هو مُـدوّن ومعروف في سيرة وسنن أنبياءه ورسله عليم السلام ، وأعمال روحانيّه ، وسلوكيّات واجتهادات رجال دينه الأفاضل ، وعلماءه الأعلام .

 إن ديننا الصابئي الحنيف يـُـلـزمنا بالابتعاد عن مخادعَـة النـفـس [ النشماثا ] ، بتبـريـننا أخطاؤها وبالتالي إسقاطها ، والعمل على أن نقنع الـنـفس [ النشماثا ] أيضاً بصحة ما نقوم به ويصدر عنا ، وإرضاء النفس بواقعنا المريض المهزوز ، دون أن نتحرك لتشخيص الأسباب الكامنة لهذا المرض المزمن فينا والذي نتوارثه ، دون رضانا نحن الصابئة ( الورثة ) ، ضمن تركة ثقيلة محملة بها نتيجة ظروف فرضها علينا من يريد إسقاطنا وتغيبنا عن الساحة الإنسانية ، التي تحمل أعمالاً جليلة لصابئة كُـثر ومعروفين ، لم تستطع مَـعـاول تزييف التأريخ من هدم أسوارها الإيمانية ، التي تحيط وتحصّـن النفس الصابئية .

 قيل : إن رجلاً عَـبـَـدَ الله أربعين سنة ، ثم قدّمَ قرباناً فلم يقبله الله منه ، فقال الرجل لنفسه : ما أتيت إلاّ منك ، وما الذنب إلاّ لـكَ ، فأوحى الله سبحانه إ ليه : ذَمـّـكَ لِـنـَـفسِـكَ أفـضـَـل من عبادَتِـكَ أربعين سنـة .

 بسم الحي العظيم

* أفـيقـِي يـانـَـشـمـثـا .. أفـيـقي من نـَـومِـكِ * تـَـطـَّـلعـي على بـيت هيّـي . * إنهضي وتطلعّـي إلى بيت هيي أ وارفعي وجهـَـكِ صَـوب بـَـلـد الـنّـور * أنـْـظـري إلى العالم كلـّه .. شيئ كاللاشيئ .. وما ليس بشي فـَـأيـة فائـدة فيــه .

صدق الحي المزكي

الثلاثاء, 02 نيسان/أبريل 2013 00:28

عابد النار وآدم بو الفرج

لقد منح الله آدم بو الفرج قدرة على نقل نفسه الى المكان الذي يريد الذهاب اليه، فما كان عليه الا ان يتلو عزيمة ليكون هناك. وكما تطير الطيور الى حيثما تشاء، هكذا كان آدم بو الفرج يتنقل الى حيثما يشاء، الى شيشتر او العمارة، او الى اي مكان آخر. وفي احدى المرات جاء في مثل تلك الحال، هو وزوجته الى شيشتر. ان الله قد علمه التعزيم الذي كان يمكنه من الارتجال بسرعة. كما يفعل الدراويش الذين يطيرون في لحظة الى حيث يريدون. ففي يوم واحد رحل الاثنان ووصلا الى شيشتر ساعة اداء صلاة العصر. وكان كلاهما يرتديان الملابس البيضاء كالدراويش. لانهما كانا يرتديان الرستة(1). وقد استقبلهما الصابئة في شيشتر وسألوهما" من اين اتيتما؟" لم يجب آدم بو الفرج بانه ريش امه وانه جاء على الصورة التي جاء بها بل سكت. فجاء شيوخ الصابئين وسالوه" من اين قدمت؟ وما هي حرفتك؟" اجاب ادم بو الفرج" انا درويش".

قالوا" درويش؟ ولكن ما هي مهنتك؟".

اجاب" انا راعيكم".

ظن القوم انه راعي غنم، بينما كان يعني انه راع ارواح(2). قالوا" لدينا جواميس وماشية واغنام، فخذها الى البرية واعتن بها، لماذا تبقى بطالا بلا عمل هنا؟".

 

اجاب" كما تريدون" واخذ القطيع وخرج من المدينة، وقام فخط خطا حول القطيع لئلا يضل(3) وتلا تعزيمة دعا فيها ارواحا تمنع الماشية اجتياز الحد المقرر لها وترعاها.

 

بعد ذلك جلس بو الفرج وسط القطيع، وفي احد الايام جاءت اليه في محله ذلك عجوز، حسبت انه درويش، ورأى هو انها في محنة فسالها" لماذا انت مضطربة؟ وماذا يحزنك؟".

 

اجابت " اردت من الترميذه ان ينسخ لي كنزه ربه(4) ولكنه رفض لانني لا املك النقود اللازمة" . ان الشخص الذي يمتلك كنزه ربه سيخلد اسمه في هذه الدنيا وفي الآخرة لان الكنزه ربه ستبعد عن الشر كما تحمي الشجرة باغصانها رأسه من حرارة الشمس.

 

اجاب آدم بو الفرج العجوز" هاتي لي ورقا وحبرا وساكتب لك كنزه ربه دون ان آخذ منك نقودا".

 

كتب لها الكنزه ربه وحين وصل الى التاريخ(5) دون هذه الكلمات " ايها الناصورائيون، ايها المندائيون ايها الترميذي، لقد اتيت اليكم وعشت بينكم، ستحل بكم محنة وحين تقع، تعالوا اليّ فانا في مندلي".

 

بعد ذلك اخذ زوجته وعاد الى محله في مندلي. وبعد اربعين يوما جاء الى شيشتر رجل حكيم يعرف السحر جيدا، وظهر هناك امام الصابئيين وقال لهم " باية معجزات تقدرون ان تقوموا؟".

 

سألوه" وماذا تريد منا؟".

 

وكان الرجل الحكيم على ملة عبدة النار(6). فاجابهم" اذا لم تقدروا على ان تروني معجزة ما فاسضطركم الى الدخول في ديني، لدي عصا، تنقلب حين آمسها افعى تلدغ من اشاء، ولدي اسد، وحسب امري، يفترس من اشاء، ولدي ايضا جدار من الطين، حين امتطيه سيجري كالحصان، فلا مفر لكم. لابد ان تدخلوا في ديني او ان الاسد سيفترسكم، والافعى ستلدغكم واحدا بعد الاخر وتميتكم". ثم اظهر لهم معجزة اخرى، وهي عبارة عن بساط يفرشه فوق سطح الماء، فلا يغطس بل يسمح له بالجلوس فوقه كما لو كان سفينة.

 

خاف الصابئون... واستشار بعضهم بعضا، ونظروا في كتبهم ودواوينهم(7)، في اسفر ملواشة وفي جميع الكتب التي بين ايديهم، الا انهم لم يعثروا على سبيل للنجاة فيئسوا تماما، وجاءت المرأة العجوز وقالت لهم" ان الدرويش الذي كان هنا قد كتب لي كنزه ربه، وقد تجدون فيها شيئا يعيننا في محنتنا".

 

وجاءوا بالكنزه ربه وقرأوا فيها ما دونه الدرويش" انا آدم بو الفرج ، لقد اتيت اليكم وعشت بينكم وجعلتم مني راعيا للاغنام، فاذا اصابتكم مصيبة فتعالوا اليّ في مندلي".

 

ذهبوا الى الرجل عابد النار وطلبوا منه مهلة اربعين يوما، ثم قصد اربعة مندائيين بينهم اثنان من حكمائهم مندلي، ممتطين ظهور الجياد، ففي تلك الايام لم تكن توجد سيارات او قطارات، وقضوا ثمانية وثلاثين يوما في رحلتهم حتى وصلوا الى مندلي، قصدوا بيت آدم بو الفرج، وطلبوا منه العون قائلين" نحن في حمايتك" وقصوا عليه كل ما حدث لهم.

 

ضحك آدم بو الفرج وقال" لا تخافوا!".

 

اجابوه" ولكن بعد يومين سيبدأ الاسد والافعى بافتراس ولدغ كهاننا وعلمائنا، لم يبق لنا وقت لاسعافهم!" قالوا ذلك وبكوا منذرين.

 

قال بو الفرج مكررا" لاتخافوا، فانا استطيع ان اذهب الى هناك بسرعة" الا انهم لم يطمأنوا وقالوا فيما بينهم" كيف سيصل الى هناك خلال يومين!".

 

اجاب" لا تخافوا سنغادر مندلي غدا وسنكون في شيشتر مساء". وبدأوا يتشجعون ويتحدثون الى بعضهم البعض ويعجبون قائلين" كيف سيحدث هذا".

 

وفي اليوم الثاني وهو اليوم التاسع والثلاثين، نهض آدم بو الفرج وقال "تعالوا، دعونا نرحل" وقادهم الى بركة على شاطيء النهر( بركة المندي)، وقال" تعالوا وتوضاؤا".

 

لبس الجميع الرستات(8) ودخلوا الماء وتطهروا وصلوا صلاة الظهر كاملة. بعد ذلك جلس بو الفرج وقال" تعالوا" فجلس احد المندائيين فوق كتفه اليمنى وجلس الآخر فوق كتفه اليسرى، وجلس الاخران واحد فوق ركبته اليمنى والاخر فوق ركبته اليسرى، ثم شرع يعزم هامسا، بحيث لم يسمعوا ما كان يقول. ثم امرهم قائلا" اغمضوا عيونكم" فاغمضوها. وهبط عليهم نور صعد بهم عاليا في الجو بحيث لم تعد الارض ترى. قال لهم ادم بو الفرج" لاتحدقوا عاليا في الجو لم تعد الارض ترى. قال لهم آدم بو الفرج" لاتحدقوا مليا" فلقد كان النور قريبا، وساطعا جدا، لقد كانت المغناطيسية هي التي تحملهم(9)، وفي الساعة العاشرة من بعد الظهر هبطوا وشاهدوا الارض. قال آدم بو الفرج" افتحوا عيونكم" ففتحوا عيونهم ورأوا انفسهم في مدينتهم شيشتر.

 

صاحوا جميعا" ايها المولى اهذه شيشتر؟" قال" نعم" قالوا" كيف هذا؟".

 

اجاب " لاتخافوا، وعودوا مسرعين الى بيوتكم".

 

قالوا له" نخشى ان يكون هذا حلما وخداع بصر" اجاب" ليس هذا حلما انه الحقيقة وانتم حقا في مكانكم".

 

ذهب المندائيون الاربعة الى الكنزفره وقالوا له" لقد حضر آدم بو الفرج" تجمع الكهان ومساعدوهم والشيوخ وجمع غفير من الناس في بيت الكنزفره، وكان سائر المندائيين مختبئين في بيوتهم باكين على ما سينتظرهم صباح الغد.

 

سأل الكنزفره" كيف اتيتم؟".

 

اجابه الاربعة" وصلنا في اربع ساعات من مندلي!" وصرخ الجميع" لقد نجونا" وبدأوا يضحكون واطلق النساء والاطفال صيحات الفرح، وكان عيدا عظيما، ثم صاح الجميع" اين هو؟" واجابهم آخرون" انه يصلي( يبرخ) انه يصلي في البستان!" وذهب الجميع يبحثون عنه، الكهان والصاغة والنساء والاطفال، الجميع يتقدمهم الكنزفره والكهان ومساعدوهم ليقبلوا يده وصاحوا" نحن في حمايتك! ما كنا نعرف من انت! لقد جعلنا منك راعيا لا غناما. فلم نكن نفهم".

 

اجاب" لابأس عليكم".

 

جاء الرجل عابد النار صباح اليوم التالي، وتجمع اناس كثيرون، من جميع الطوائف، نساء واطفال وجميع اهالي شيشتر، ليروا ماذا سيفعل الصابئون. وتقدم الصابئون وعلى رأسهم آدم بو الفرج، وساروا الى السهل خارج شيشتر والناس حلقة من حولهم ليروا ما سيحدث.

 

وتقدم اليهم عابد النار وتلا عزائمه على عصا فاذا هي حية تسعى وقال لها" الدغي هذا الرجل آدم بو الفرج".

 

ضحك آدم وقال للافهى" انت عصا فبأي قوة اصبحت افعى؟" فعادت الافعى عصا كما كانت، وشرع عابد النار يقرأ، الا انه العصا بقيت ثابتة لاتتحرك. بعد ذلك خاطب عابد النار الاسد قائلا" ايها الاسد عليك بهذا الرجل فافترسه".

 

وخاطب آدم بو الفرج الاسد قائلا" ما عملك ايها الاسد؟ انت وحش من وحوش الصحراء لاعمل لك هنا، فعد الى محلك!".

 

وتراجع الاسد وولى هاربا الى الصحراء

 

وصاح عابد النار يدعوه ولكنه لم يعد واختفى عن الانظار. قال آدم بو الفرج لعابد النار" وماذا يعد لديك من المعجزات؟".

 

اجاب عابد النار" لدي معجزات اخرى" قال ذلك وامتطى جدارا من الطين فبدأ يتحرك يعدو به كما لو كان حصانا.

 

خاف الناس وبدأوا يهربون صائحين" الجدار يتحرك. انه يتحرك".

 

صاح آدم بو الفرج" قف" فوقف الجدار الطيني مكانه، فعزم عابد النار وعزم ولكن الجدار بقي ثابتا لايتحرك مطلقا.

 

قال له آدم بو الفرج " الديك معجزة اخرى؟".

 

قال الرجل، نعم لدي بساط لو نشرته فوق سطح الماء وركبت عليه لما غاص في الماء ولسار كالسفينة

 

قال آدم بو الفرج" اعرض ذلك وسارى".

 

نشر عابد النار بساطه فوق سطح النهر وجلس فوقه، فدهش الناس حين رأوه يتحرك فوق سطح الماء ولا يغرق، وكان لدى آدم بو الفرج تعزيمة دعا فيها " شلي وندبي"( روحي الماء) فوقفا بجانبه فقال لهما" اريد ان يغرق هذا الرجل في الماء هو وبساطه، فاغرقاه وعذباه قليلا ليتألم قليلا".

 

غاص البساط تحت الماء ثم برز فوق السطح مرة اخرى، ثم غاص وطفا بحيث اصبح عابد النار نصف غريق فصاح اطلقني، اطلق لي حريتي!".

 

قال له آدم بو الفرج " ولماذا عذبت هؤلاء الناس؟ لماذا اخفتهم ونسائهم واطفالهم؟ الا تخاف الله؟ تقول للاسد ان يقترسهم وللافعى ان تلدغهم!".

 

قال الرجل" انا نادم، فالرحمة، الرحمة، سوف لا افعلها ثانية".

 

اخرجه بو الفرج من الماء وقال له" كما تريد، ساريك شيئا ما، غير ان آياتنا ليست من السحر، لاننا نعبد الله ولايمكن ان يحدث الا ما يشاء الله فقط!".

 

قال عابد النار" اريد ان ارى شيئا من آياتكم!" وكان مع بو الفرج طير حر( حمامة) خاطبه قائلا" لايوجد تمر في شيشتر فهات لي تمرا".

 

طار الطائر وعاد ومعه تمرة اخذها آدم بو الفرج واعطاها لعابد النار قائلا" كلها" فاخذها الرجل واكلها، فاخذ آدم بو الفرج النواة وغسلها في النهر ثم دسها في التربة.

 

وفي الشمس توجد ارواح تمنح النمو واللون والرائحة للازهار. ان عطر الازهار ولونها هي من عالم الانوار وليس من عالمنا هذا. و" الاثرى" هم الذين يأتون بها الى الارض. طلب آدم بو الفرج من الاثرى ان يمنحوا نواة التمر قوة النمو لتصبح نخلة، فلقد كان آدم من محبي الله ويحصل على منفعة السماء.

 

وحين كان يتكلم جعل الاثرى النواة تنبت وتورق! لقد نمت واورقت الى ان صارت نخلة كبيرة، ثم ازهرت وحملت ثمارا ونضجت الثمار. دهش عابد النار وقال" كيف يحدث ان تنمو نخلة بهذه السرعة" قال له آدم بو الفرج " اصعد واجن الثمرات الناضجات".

 

تسلق عابد النار النخلة ووجد الثمار ناضجة فاكل منها. في هذه الاحيان جعل الاثرى الرياح تهب وقال بو الفرج " ادعوا الرياح، الشمالية والجنوبية، الشرقية والغربية، دعوها تهب وتظهر شدتها!".

 

بدأت الرياح تهب وبدأت النخلة تتأرجح في الهواء من جهة الى اخرى بحيث كانت تصطدم بالارض كلما مالت الى جهة. فتضرب بذلك عابد النار الذي شرع يصرخ " انا في حمايتك. لقد تبت ولن افعل سوءا بعد اليوم، لن اسيء لهم بعد الان، ساترك قومك يتبعون دينهم بسلام، انا في حمايتك".

 

قال له آدم بو الفرج " ان جميع الاديان، المندائيين، والمسلمين والمسيحيين واليهود قد ارادها الله هكذا وارادها فعليا الا نسيء الى احد منهم. لقد اوجدهم الله وامرهم بما يفعلون" وامر الرياح ان تقف، ونزل عابد النار من النخلة، وساله آدم بو الفرج" من اين حصلت على قوتك؟ وكيف استطعت ان تجعل من العصي افاعي ومن الاسود مطيعين، ومن الجدار حصانا يتحرك ومن البساط مطية تحملك فوق الماء؟".

 

اجاب عابد النار" ان قوتي هي من قرطوس ديوا(10).." وندم الرجل على عمله وفر ناجيا بنفسه.

 

وهكذا عرف الصابئون اسم قرطوس ديوا، فاذا اضر احد الجن بشخص ما، وتلبست روحه الجن، همسوا باذنه" ياقرطوس ديوا.. اشف هذا الرجل، افتح له" فيشفى.

 

ان قرطوس ديوا هو احد كبار افراد الجن، ومنذ ذلك اليوم عرف الصابئون اسمه واخذوا يستعملونه، اما عابد النار فقد عاد الى موطنه الاصلي.

 

ملاحظات حول هذه القصة الاسطورية

 

1- ان هذا التشبيه، تشبيه محبب فقد جاء في ديوان " دراشة يهيا" " انا راع واحب غنمي" اشارة الى منداهيي. ويعلق ليدزبارسكي فيقول: " تستعمل هذه العبارة لوصف آلهة وثنية مختلفة، وبشكل خاص الاله" هرمز" والعبارة اقدم من هذا فهي تطلق على" انليل" في طقوس " كالو" اذ يدعى" الراعي الامين".

 

2- يقول هرمز هنا معلقا" اجل لقد رأيت ما يشبه هذا انا نفسي، لقد رأيت " شيخ الشبان" يقرأ حول افعى ويرسم حولها دائرة بحيث صارت عاجزة عن تخطي الخط او الخروج من الدائرة.

 

3- في بداية كل مخطوطة مندائية يدون اسم الشخص الذي كتبها مسلسلة نسبه، ونسب الشخص الذي كتبت له هذه النسخة، وبعض التفاصيل عن حوادث عامة حدثت في تلك السنة، وهذا ما يسمى عندهم بـ" التاريخ".

 

4- عابدو النار يسمون في الكتابات المندائية( يازد فابي) وبينما توجد بعض الاشارات العدائية لهؤلاء وبعض الهجوم على عباة النار، لايوجد اي هجوم على زرادشت.

 

5- هذا نموذج من اقوال هرمز، ان هناك ما يدعو الى اعتبار الحديد مادة قاهرة للارواح الشريرة بسبب انه سهل المغنطة. ان احجار المغناطيس وقوة المغنطة كانت معروفة في آسيا منذ اقدم الازمان.

 

6- شلمى وندبى: هما الروحان الحارسان في ( اليردنه) اي الماء الجاري، وهناك اشارات كثيرة في الطقوس والكتابات.

 

7- الاثرى، ارواح حياتية بارزة، وهي التي تحرك الريح وهو حسب قول هرمز ( اير زيوا) و( ايرسيغا) اي ( الهواء المشع والهواء الوفير).

 

8- كانت هذه احدى اوائل القصص التي جمعتها وفيها استعملت كلمة الله.

 

9- قرطاس هو صحيفة من الورق وقرطس هي لفافة من ورق اي انها كتابة مجسدة او تعزيم مجسد.

 

وقرطاسة اسم محبب بين النساء المندائيات.

  

القصة التي هي مملوءة بالذكريات عن مجريات الامور بين السحرة المصريين وموسى قد قصت عليّ من قبل صابئين آخرين، ويقص بترمان شكلا ناقصا منها.

 

وقد لاحظ هرمز وهو يعلق على القصة فقال" لقد مان آدم بو الفرج ناصورائيا يتخاطب مع الاثرى في الشمس. ان من يفتش عن المعرفة ستفتش المعرفة عنه ويمكن ان يصير ناصورائيا ايضا".

الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013 16:24

النخلة " سِندِركا " في الأدب المندائي

النخل في الشجر كآدم في البشر، أول وأب، مثمر ومعمر، منتصب الهامة طويل، لا يتكاثر شرفا إلا بالفسيل، صعب المرتقى، بعيد المجتنى، كثير السلاح، شديد الكفاح، بعيد الظل، وافر النوع ، كثير العروق، بطيء النشوء، لا يتساقط ورقه، ولا يتصبب عرقه، صبور، قنوع، ذو حنو وعطاء، يشابه الإنسان في صفات، فهو ذكر وأنثى ، وهو باللقاح ، وهو جذع ورأس، وهو شغاف وقلب، موته لا يكون إلا بقطع الرأس. لم يبدل خصائصه على مرور العصور وكرور الدهور، كل ما فيه فائدة، وأعز فوائده الغذاء والدواء، فثمره الخلال والرطب والتمر، ومنه الدبس. هو المأكل والملبس، والسقف والمعبر، والسرير والحصير، والبناء والسداد، وهو مؤشر الغنى حين يـُعد العديد. ذكرته نصوص كل الأديان بأحسن الذكر، وأوردت قيمته وأوصافه كل الشرائع، وحفظت رسومه أقدم الجداريات والأسطوانات والأختام.

 ونصوص الديانة المندائية من بين نصوص الأديان التي حفظت القيمة للنخل شجرا وثمرا. فالنخلة ترد في الأدب المندائي بتسميتين: الأولى " تالا" وهي مفردة مشتركة في عائلة اللغة الآرامية ، أما المفردة الأكثر شيوعا وتميزا فهي " سندركا ". ويقترن إستخدام كلمة " سندركا " بالإشارة الى معنى الفحولة ورمزا لها. إذ يرتبط ورود الكلمة في النصوص مقرونا بكلمة " أينا " التي تعني العين والنبع، كما إنها إشارة الى الأنوثة. ويكون في تعبير " أينا وسندركا " ما يفيد معنى الأنوثة والذكورة، وتعبير عن المرأة والرجل.

 ويخطر لنا أن كلمة " سندركا " هي كلمة مركبة في اللغة المندائية ذلك إن كتابتها تكون بالحركة كما يلي: سينديركا. ولو قسمنا الكلمة فنجدها تحتمل التجزئة الى " سين" و " دركا ". وبما أن كلمة سين هي تسمية للقمر، وأن كلمة " دركا " تعني الطريق في اللغة المندائية، فيكون من المقبول فهم مصطلح " سندركا " على أنه طريق القمر، ربما لذلك الإرتفاع الذي يلاقي القمر حين ينظر إليها في الليالي ، وربما لمدلول آخر.

 ومما يرد من تعظيم للنخلة " السندركا" في أوصافها في النصوص المندائية: " سندركا ربا: النخلة العظيمة ، سندركا هيوارا: النخلة البيضاء، سندركا إد نورا: نخلة النور، مانا وسندركا: العقل والنخل". " لبوشا إد آدم إد من سندركا نفق": لباس آدم الذي جاء من النخلة . وهذا يعني، كما أشرنا، الى أن النخلة صنو آدم عليه السلام. ومثل هذا ما يرد في التراث الإسلامي أيضا من أن النخلة قد جبلت من فضلة الطينة التي جبل منها آدم وبذلك تكون النخلة أختا لآدم وهي عَمـّة البشر!

 كما أن ثمر النخلة " التمر" هو من أنواع الطعام التي يجب أن لا يخلو منه طقس مندائي فيه طعام. ومن بين هذه الطقوس مائدة الطعام التي توضع أثناء عقد القران وإجراء مراسيم الزواج حيث يكون التمر أساسي، بل أن وجوده أمر واجب. حتى أن تمرة تنقع بكمية من الماء مع الزبيب ثم تعصر وتوضع في إناء صغير وتقدم منه جرعة قليلة الى الزوج ليشربها مع قراءة دينية كإشارة ورمز الى تأكيد الفحولة وتغذية الإخصاب لبذر غرس و ذرية طيبة. والتمر أيضا مما يوصى به في الوجبة الطقسية التي يقيمها المندائيون على أرواح موتاهم بدءً من اليوم الأول للوفاة وحتى اليوم الخامس والأربعين وهو آخر يوم تمر به نفس المتوفي في مسيرة عروجها وتجاوزها المطهرات قبل أن يتاح لها أن تلتحق بعالم الأنوار حسب العقيدة المندائية. كما تقام هذه الوجبة في مناسبات دينية أخرى وكلما رغب أهل المتوفي بإجرائها للمتوفين، وهو طقس ذكر ومشاركة وتواصل مع من غادروا الى عالم الأنوار.

 ولم يتوقف المندائيون عند هذا الحد من الذكر للنخلة سواء في النصوص الدينية أو الطقوس المعتمدة من قبلهم، بل أنهم أوردوا ذكرها في " الدواوين"، وهي لفائف طويلة تشرح إجراءات وتوضيحات دينية ، وتعد من الأدب الديني المندائي المهم. وتتميز هذه الدواوين بوجود الرسومات التعبيرية عن الأشياء والأحداث والحيوانات والشجر والأنهار التي يرد ذكرها. وقد تابعنا ورود ذكر " السندركا " في هذه الدواوين ووجدناه يرد في أغلبها، مع تميز البعض بالرسوم الخاصة بالنخلة. ومما تجدر الإشارة إليه أن النخلة ترد في الأدب المندائي بصيغة المذكر فيكتب: "سندركا هو" أي نخلة هو. ومما يجلب الإنتباه أيضا أن رسم النخلة الذي تكفله الناسخ المندائي منذ أن نسخ الكتب الدينية المندائية قد جاء بأشكال متعددة مع المحافظة على الخاصية العامة للنخلة من حيث منظرها العام. فقد رسم الناسخ هذه الشجرة بشكل يحاكي شكلها الطبيعي حيث الجذع المستقيم والطويل قياسا بأبعاد الشجرة، وإعتمد الناسخ شكل السعف المقطوع الذي يحيط بجذع الشجرة والذي يشكل سلما للصعود على الشجرة من أجل تلقيحها وجني ثمارها. وهذه هي الصيغة نفسها المعتمدة في بلاد ما بين النهرين في قطع سعف النخيل. وقد أخذ السعف الشكل المعروف للنخلة، إلا في بعض الرسومات حيث بدلا من أن يكون متدليا للأسفل رسمه الناسخ متجها نحو الأعلى بقصد يتطلب الوقوف عليه بحسب النصوص والتعبير الذي يخدمه.

 وفي كل الأحوال فقد رسم الناسخ المندائي النخلة بشكل جميل ودقيق وجذاب وتفنن في تقديمها بما يميزها عن أشكال الأشجار والنباتات الأخرى على الرغم من قدم عملية النسخ والتي يرقى بعضها الى حوالي 2000 عاما. ويمكن للقارئ الكريم أن يقف على ذلك من خلال النماذج التي صورناها لهذه الرسومات كما وردت في نسخ من هذه الدواوين. بل أن أحد هذه الرسومات يتطابق في شكله مع أشهر تصميم معماري إعتمد حديثا في الإمارات العربية المتحدة ليكون مجمّعا سياحيا أخذ شكل النخلة أيضا وسمي بإسمها، وكأن مهندسها قد شاهد صورة هذه النخلة في ديوان " ملكوثا إليثا ". 

الثلاثاء, 02 نيسان/أبريل 2013 00:21

شعائر ومفردات دينيه و معانيها

شعائر ومفردات دينيه و معانيها

 

الترميدا سلوان شاكر

 

الجزء الاول

 

الرشامة : وهي شعيرة رئيسية من شعائر الدين المندائي ويراد بها تطهير الانسان قبل البراخة (الصلاة) او التبارك لهيي ربي الحي العظيم او الطقوس الدينية الاخرى والمقصود بتطهير الانسان هو ان يتطهر روحاً وجسداً فليس بالماء فقط يتطهر الانسان وانما بكلامٍ مقدس طاهر نقي يرافق التطهير بالماء وتتكون الرشامة من اثني عشر فقرة حيث يطهر الانسان ابتداً من اليدين وانتهائاً بالقدمين وهي مفصلة باللغتين العربية والمندائية في موقع الرشامة والبراخة .

 

البراخة: وهي الشعيرة التي تلي الرشامة وتعني التبارك والسجود لهيي ربي وهي الرابط الروحي الذي يربط الانسان بربه علاوةً على انها اعترافاً طواعياً بالحي العظيم وبصورةٍ ابسط ان البراخة هي صورة تجسد ان الانسان هو مخلوق ٍ محدد القدرات وان هيي ربي هو الخالق المطلق القدرات ، فمن خلال السجود والنطق بأن الرب لاخالق له( إلاهه اد من نافشي افرش ) من نفسه ابعث وهو الملك العلي لكل الاكوان ( إلاهه ربا راما و ماريهون اد كلهون المي) اذن ومن خلال هذه النصوص البسيطة نقول ان البراخة هي الراحة التي يركن اليها العبد لربه من اجل مغفرة الخطايا ومن اجل تقوية الروح بالايمان من خلال زيادة الثقة بالنفس وهو ان يعترف الانسان بما عمله الوقت بوقته من اجل ان يكون على الدوام مراجعاً ذاته وان تكون صفحته بيضاء لاشائبة فيها امام خالقه .

 

المصبتا : وهي طقسٌ وركن من اركان الديانة المندائية و تعني الارتماس بالماء الجاري، اصل الكلمة مندائياً ارامياً حيث جاءت الكلمة من الجذر( صبا) اي ارتمس او غطس وكذلك جاء هذا الجذر في اللغة العربية مماثلاً كما في اللغة المندائية وجاء تفسيره في المعاجم العربية هو صب الماء من الرأس الى اخمص القدم او الارتماس في الماء وجاءت تسمية الصبة او الصابئة من خلال المحيط لهم وهم يغطسون ويرتمسون بالماء واطلق البعض عليهم تسمياتٍ مختلفة مثل المغتسلة .والمندائيون يفضلون تسميتهم بالمندائيين بدلاً من الصابئة لان هذه التسمية جاءت في الكتب الدينية المقدسة.

 

روحياً يفسر هذا الطقس على انه العمود الفقري للديانة المندائية لانه ومن خلاله يصطبغ الانسان بصبغةٍ جديدة يبدل بها صبغته القديمة اي بمعنى انه يترك الظلام ويهتدي الى النور او ان يغسل اخطائه واثامه وحوباته بالماء الجاري الحي الذي هو اصل كل شئ وعندما نتوسع في التفسير فأننا نصل الى ان المصبتا هي نوع من انواع العبادة المكثفة للانسان حيث ان جزءاُ منها ومن مكوناتها البراخة اضافة الى القرآت الخاصة في كتاب تراتيل الصباغة او المصبتا وفيه يتساوى الانسان مع اخيه الانسان حيث الكل يرتدي بياضاً ولباساً واحداً لافرق فيه بين كبير وصغير او غني او فقبر. ومن شروطه ان يجرى هذا الطقس بماءٍ جارٍ وان يكون الشخص مرتدياً ملابسه الدينية (الرستة) وان يملك اسماً دينياً ايضا وهو (الملواشة) وان تسبقه شعيرة الرشامة .

 

و المصبتا هي البوابة التي يدخل من خلالها الانسان في الديانة المندائية عندما يكون عمر الشخص ثلاثون يوماً اي بعد فترة شهر الولادة مباشرةً (الصورثة) اي فترة الرجاسة والتي تبدأ بالمخاض وتنتهي بعد شهر من ذلك وتشمل الام والطفل المولود، ولابد من توفر شخص بدرجة (حلالي) يصطبغ مسبقاً وبعدها يقوم بحمل الطفل ويكون اباً روحياً له وذلك لان الطفل في هذا السن لايستطيع التكلم .

 

والمصبتة يستطيع الانسان ان ينالها لمراتٍ عديدة خلال فترة حياته من خلال الصباغة في جميع الايام وخاصةً ايام الآحاد والاعياد وذلك لتقوية الايمان داخل الانسان وكذلك لمغفرة الخطايا والذنوب كما قلنا سلفاً.

 

يأخذ الشخص المصطبغ خلال الصباغة الامور التالية :

 

¤خمسة عهود(كشطا) وذلك بتصافح الايدي بين المصطبغ ورجل الدين

 

¤الخبز المقدس والماء المقدس(بهثه وممبوهه) حيث يمثل الخبز جسد الانسان والماء هو النبض(الحياة) الذي ينبض به ذلك الجسد.

 

¤اكليل الآس(اكليلة اد اسه) وهو اشبه بالخاتم يتكون من غصنين من شجرة الآس المقدسة ذي الرائحة الطيبة الغصن الاول يمثل الصباغة الاولى اما الغصن الثاني يمثل الصبغة الجديدة يضعه المصطبغ في خنصر يده اليمنى قبل الغطس في الماء وبعدها يأخذه رجل الدين ليضعه في رأس المصطبغ ويمثل هالة من النور يتوج بها الشخص دليل على انه وهب صبغةً جديدة وبهاءاً جديد والاكليل يمثل ايظا رمز الام فبمجرد الغطس سيكون هناك تزاوج بينه وبين الماء الذي يمثل الاب وسينتج عن ذلك الزواج ولادة رمزية جديدة للانسان وهو المعنى الاساسي للصباغة .

 

الليافة: وتسمى الدخرانا اي التذكر وهي شعيرة مهمة في حياة المندائيين يتذكرون فيها موتاهم من خلال اقامة وجبة طعام مباركة مقدسة تعد اعداداً دينياً خاصاً تتكون من سبع انواع من الفواكه والخضروات بوجود الملح الذي يمثل الروح اضافة الى الماء والخبز وهما رمزان مهمان كما اسلفنا وكذلك السمك او اللحم والليافة تعني الاتحاد وهنا ربما يسأل سائل ماعلاقة الاتحاد بذكرى الموتى !!

 

ان الاتحاد في المندائية لوفا هي عبارة عن اتحاد النسمة(نشمثة) التي وهبها هيي قدمايي للانسان مع الروح التي تمثل النزعة الشريرة ليصعدا معاً الى عالم الحساب( المطهرات ) لتحاسب الروح على ما اكترفته من اخطاءٍ وذنوب وبذلك تتألم النسمة لمحاسبة اختها الروح لذا فأن المندائيين يترحمون على موتاهم ويثوبون على ارواحهم ويقرؤون نصٍ ديني ضمن نص اللوفاني يبدأ ((بشميهون اد هيي ربي لوفا ورواهه اد هيي ...)) أي بأسماء الحي العظيم اتحاد وتجدد للحياة ...)) حيث ان النسمة والروح لا يموتان وانما الجسد هو الذي يموت لانه من طين ويعود الى الطين اما النسمة والروح هما من هيي ربي ويعودان اليه ، وان تفاصيل هذا الطقس موجودة في كراس الليافة .

 

الطماشة: وهي شعيرة يراد بها تطهير الجسد والروح من خلال الغطس بالماء وذلك للاسباب التالية :

 

¤الجنابة عند الرجل.

 

¤الحيض عند المراة.

 

¤مسك الميت.

 

¤مسك المتزوج خلال فترة اسبوع الزواج(الصورثة).

 

¤تسبق الطماشة جميع الطقوس.

 

¤هي جزء من الرشامة ولكن تنفيذها يكون بشكل رمزي اي برمي قليل من الماء على الرأس.

 

¤هي جزء من المصبتا (الصباغة) حيث عندما يغطس المصطبغ يقرأبوثة الطماشة وهي:

 

(( بشميهون اد هيي ربي (الملواشة) اصبينا بمصبتا اد بهرام ربا بر روربي مصبتي تناطري وتسق لريش اشما اد هيي واشما اد مندادهيي مدخر الي ))

 

الترجمة

 

(( بأسماء الحي العظيم (الاسم الديني) اصطبغنا بصباغة بهرام الكبير(احد الملائكة) ابن القدرة صباغتي ستحرسني وتسموا بي الى العلا اسم الحي واسم مفجر الحياة مذكورٌ علي)).

 

ملاحظة : عند الطماشة يجب التوجه الى القرفصاء (اباثر) وان نغطس اذا كانت الطماشة في النهر ثلاث مرات اما اذا كانت بماء الاسالة فيجب على الشخص قراءة النص ثلاث مرات ايضاً مع استمرار سكب الماء بدون توقف .

 

السكين دولا: وهي اداة تتكون من ثلاثة اجزاء الخاتم والسلسلة والسكين ويجب ان تصنع من الحديد وتستخدم كرادع للشر ، حيث نقشت اربعة رموز على خاتم هذه الاداة وهذه الرموز تمثل المكونات الاربعة للمادة حيث الافعى وتمثل التراب والاسد ويمثل النار والعقرب والذي يمثل الماء والدبور الذي يمثل الهواء وهذه الرموز تمثل وفق النظرة المندائية ملوك عوالم الشر ، الذي قيدها ملاك الرب هيبل زيوا (جبريل الرسول) وكشف اسرارها عندما هبط الى اعماق عوالم الشر بأمر الرب لردع قوى الظلام حيث نقشت فيما بعد خلق ابونا ادم على الحديد والذي يمثل هو ايضا رمزاً ضد الظلام وعندما يتمعن الانسان في هذه الرموز يرى ان الخاتم عبارة عن درع يصد شرور الظلام والسلسلة عبارة عن الرابط الذي يربط الدرع بالسكين التي تمثل السلاح الرمزي ضد اي محاولة للشر . وتستخدم هذه الاداة في الحالات التالية, كما ويستطيع الشخص حملها معه في اي وقت يشاء:

 

¤فترة اسبوع الزواج .

 

¤فترة النفاس عند المرأة التي تلد ومدتها شهر واحد .

 

¤تستخدم في طقس الزواج حيث يحملها العريس واضعاً اياها في الجهة اليمنى من الهميانة .

 

الرستة: وهي اللباس الديني الخاص بالمندائيين حيث ترتدى في جميع الطقوس الدينية كالصباغة والزواج والطراسة والمسقثة وفي النحر وطقوس تصعيد الكتاب المقدس(كنزا ربا) وكذلك في طقس الزدقة بريخا (الصدقة المباركة) وكذلك في طقس القماشي(الهدوت ماني) من اجل الموتى.

 

تتكون الرستة من الاجزاء التالية التي جاء ذكرها في الكتاب المقدس كنزا ربا:

 

.1الاكسويا وهي قميص طويل يصل الى القدمين تخاط على الجهة اليمنى من الفتحة الموجودة اعلى الكسويا(الزيق) قطعتين صغيرتين من القماش يكونان معاً جيباً صغير يستخدم في طقس (مشا دخيا) الدهن الطاهر الذي يوضع في قنينة صغيرة وهو الرسالة التي يرسلها الترميذا ليرتقي لدرجة اعلى وهي درجة الكَنزورا.

 

.2الشروالا وهو السروال الذي يخاط بطريقة خاصة .

 

.3النصيفة (الكَنزالة) وهي قطعة من القماش بطول مترٍ ونصف تقريباُ توضع حول العنق متدليةً وتستخدم استخدامات مختلفة فالشخص العامي يستخدمها بوضعها فوق رأسه عند الصباغة وكذلك يمسكها بيده عند اخذ الكشطا اما رجل الدين فأنه اضافةً الى ما تقدم فأنه يعقدها عقدةً خاصة عند صباعة شخص وكذلك عند الزواج حيث يقوم العريس بمسك كَنزالة الكَنزورا لانها رباط روحي يربط الشخص برجل الدين .

 

.4الهميانه وهي كالزنار(الحزام) والتي تتكون من احدى و ستين خيطاً من صوف ابيض جز لخروفٍ حمل وهذا العدد يمثل مكونات الانسان من نخاع العظم الى الشعر وتتكون من طرفين احدهما على شكل حلقة وتمثل الكمال او( لكل بداية نهاية) وهي تمثل عالم النور اما الطرف الاخر فهو عبارة عن شراشيب متدلية تمثل حزمة من النور تنير الطهةاليسرى والتي تمثل الظلام وتعقد الهميانة بطريقة خاصة تكون فيها دائما الحلقة والتي تمثل النور على الطرف الايسر الشراشيب والذي يمثل الظلام بعقدتين .

 

.5البرزينقا وهي العمامة التي تربط بطريقة يبقى جزءاً بطول نصف متر يتدلى على جهة اليسار و يسمى الفندامة والتي تمثل النور الذي يبقى مشعاً على جهة اليسار الذي يمثل الظلام اما الباقي والذي يكفي لربط العمامة ثلاث دوراة حول الرأس من اليمين الى اليسار . والفندامة يطويها رجل الدين على فمه من اليسار الى اليمين والمعنى في ذلك وفقأً لكتاب ترسر والف شيالة انها تمثل الردع لرموز الشر المتمثلة بالاسنان الثمانية والعشرين عندما يؤدي طقوساً من اجل الاخرين ولكن عندما يكون الطقس من اجل رجل الدين نفسه سوف لا يقوم بطي تلك القطعة من القماش على فمه وان الكَنزالة تستخدم ايضاً من قبل عامة الناس وذلك بطيها على الفم في حالة واحدة هي في رفع جنازة المتوفي من قبل الحلالية .

 

اما بالنسبة لرجل الدين فأنه يمتلك قطعتين اضافيتين هما التاغة (التاج) ويكون من الحرير الخالص وهو الذي يميز رجل الدين عن الشخص العامي كونه ملكاً كما جاء في الكتب الدينية المقدسة والمركَنا وهي عصا الزيتون او عصا الماء (كَوازا اد يردنا او اد ميا) والتي ترمز للسلام وهاتان القطعتان يعطيان الى رجل الدين عند التكريس.

 

الشوم ياور: وهو خاتم من الذهب الخالص يمنح لرجل الدين عند التكريس منقوش عليه ((شوم ياور زيوا)) اي أسم الضياء الساطع وهو احد اسماء هيي قدمايي( الحي الازلي) ويلبسه رجل الدين في خنصر يده اليمنى وذلك في اقصى اليمين اي في اقصى النور لان اليمين يمثل النور كما اسلفنا.

 

الرخصة: وهي عبارة عن نصٍ ديني يقراءه الشخص قبل الدخول الى الماء الجاري وهو:

 

(( بشميهون اد هيي ربي انا اثبن بهيلي وهيلة اد يردنا ايلاوي ، اشري ايثي انهث ليردنا واصطبا ، قبل دخيا روشمي ، البش اصطلي اد زيوا ، واترص بريشي كليلة راوزي ، اشما اد هيي واشما اد مندادهيي مدخر الي ))

 

والترجمة

 

(( انا جئت بقوة الحي وقوة الماء الجاري العلي ،جئت ناوياً ان ادخل الماء الجاري لأصطبغ ، وانال الرسم الطاهر ، وارتدي لباس النور ، واثبت في رأسي اكليلُ السرور ، اسم الحي واسم مفجر الحياة مذكولرٌ علي)).

 

الميسرة: وهي حدود ترسم على الارض بأشكالٍ مختلفة اما دائرية او بيضوية او حسب الحاجة وتطمش بالماء ويوضع في داخلها الحيوان لينحر .

 

فرة الطريانة: وهي حركة طوفانية يقوم بها المصطبغ حول وعاءٍ مكونٍ من اربع قطع طينية يسمى بيث الريها وتكون الحركة الطوفانية عكس اتجاه عقرب الساعة لان جميع الاشياء في الكون تدور حول مركزها ابتداً من النواة وانتهاءاً بالنجوم والكواكب التي تدور حول الثقوب السوداء في المجرة بنفس الطريقة والارض تدور حول الشمس عكس اتجاع عقارب الساعة ويقرأ :

 

(( اسوثة وزكوثة نهويلخون ياملكي واثري ومشكني ويردني ورهاطي وشخناثا اد آلمي دنهورة كليخون ))

 

الترجمة

 

(( السلام والتزكية لكم ايها الملائكة والاثيريين ومساكن العبادة والانهار الجارية والجداول الجارية وساكني عوالم النور جميعهم )) .

 

بيث الريها : وهو مكون من اربع قطع طينية وهي:

 

.1الطريانة وهي وعاء طيني دائري الشكل فيه جيب طيني صغير يسمى الميسرة.

 

.2القوقة وهي وعاء طيني صغير يشبه القدح يوضع بداخله البخور ويستقر في الميسة الموجودة في الطريانة.

 

.3البريهي وهو وعاء طيني مثلث الشكل يوضع فيه النار من اجل البخور ويوضع على الطريانة .

 

.4الكنكنة وهي وعاء طيني صغير دائري الشكل يوضع تحت الطريانة .

 

وهناك بيث ريها يختلف عن الاول بعض الشئ فبدل الطريانة هناك وعاء على شكل صندوق له غطاء ويسمى( الكينثة ) ويستخدم بيث الريها هذا في المناسبات الدينية والطقوس الدينية الكبرى ويجب ان يكون مرافقاً للدرقش .

 

ترجمة واعداد

 

كنزبرا سلوان شاكر

الثلاثاء, 02 نيسان/أبريل 2013 00:16

ألامة المندائية

هذه هي قصة أمتنا . كان الصابئة ، وهم الأبناء الحقيقيون *لأدم بغرا * وحواء كاسيا ، يعيشون في سيرانديب (سيلان) قبل *250 ألف عام . وقضى الوباء عليهم جميعاً عدا زوجين هما رام ورود . وأصبح لهما أبناء وبنات تكاثروا بدورهم حتى كثروا أخيراً وكونوا العنصر البشري. ولكن بعد* 150 ألف عام، وبأمر من* (هيبل) زيوا، اندلعت ألسنة اللهب في الأرض كلها ونجا اثنان فقط وهما شوربي وشرهبيل . وكان لهما أبناء وبنات ، وتكاثروا فأصبحوا شعباً مرة أخرى .هذا كله حدث في سيرانديب . وبعد 100 ألف عام جاء أمر من بيت الحي إلى نوح ، وذلك قبل ثلاثمائة عام من الفيضان ، قائلاً "ابن فلكا (كيوالا) ، لأن العالم سوف تدمره المياه" ، فجيء بخشب الصندل من جبل *حرّان ، وبُني الفلك بطول* ثلاثين جاما ، وعرض* ثلاثين جاما ، وارتفاع ثلاثين جاما، والجاما هو قياس بطول الذراع . وسأل نوح عن آية فقيل له عند ظهور الأنجارا في التنور (والأنجارا هي براعم خضراء من القصب الغض) فستكون تلك هي الآية . وبعد مضي ثلاثمائة عام ، كانت زوجة سام, وكنة نوح, تخرج القصب الملتهب من التنور ، وكانت على وشك وضع خبزها فيه حين رأت في وسط النار, أنجارا خضراء نابتة ، فقطعتها وأعطتها لنوح ، وعندما نظر إليها بدأت روحه تتوثب في داخله .

جاء نوح بزوج من كل الحيوانات ، حتى البرية منها, كالأسود والأرانب ، ودفعهم داخل الفلك ودخل هو وكنته في الفلك . أما سام فكان في البرية يرعى غنمه . فادلهمت السماء بالغيوم وظلت تمطر لاثني وأربعين يوماً وليلة ، وهطل المطر من السماء وارتفع منسوب مياه الأرض . وساق سام أغنامه إلى الجبال لكنها غرقت مع كل الأشياء الحية الأخرى . استطاع سام أن يصل إلى الفلك ، ولأنه كان مغلقاً صعد على سطحه ، وهناك كان هيبل زيوا يمنحه الأكل في أوقات الوجبات . وكان الفلك يترنح فوق الماء هنا وهناك لأحد عشر شهراً . ولم يكن هناك شيء سوى الماء ، والشيء الوحيد المنظور فوق المياه كان الفلك . وكانت الجبال ، والأوطان ، والمدن كلها مغطية . وأخيراً جاءت الرياح بالفلك بالقرب من مصر ، وتوقف هناك . وعندما أدرك نوح بأن منسوب المياه قد انخفض أرسل الغراب قائلاً له "اذهب ، وتجول طائراً ، وائتني بأنباء الدنيا " ، فطار الغراب ، ولكن عندما رأى جثة تطوف فوق الماء نسي كلمات نوح وبدأ يأكل منها . وانتظر نوح وأخيراً عندما لم يعد الغراب أطلق حمامة. وطارت فرأت الغراب يأكل من الجثة ، وكذلك رأت شجرة زيتون خضراء تنمو فوق الماء ، فأخذت غصناً منها في منقارها، وعادت إلى نوح ومنحته إياه . فقبّلها وفتح الباب وخرج من الفلك بصحبة كنته ، ورأيا ساما جالساً على سطح الفلك . فنادى نوح ابنه قائلاً "اهبط ! أنا أبوك وهذه هي زوجتك" فهبط سام وعانق زوجته ووالده ، وشكر بيت الحي لسلامتهم وصحتهم . ثم خرج وبنى بيتاً من الطين ليعيشوا فيه ، بينما ذهب نوح يتجول في الأرض ليستمتع بمشاهدها، يتمشى فيها ويستعيد صحته . وجاءت روهه فرأت نوحاً وادعت ظهور زوجته .

ألقت عليه التحية وقالت "أنا زوجتك أنهورايتا!" فأخذها وحبلت منه وأنجبت ثلاثة أبناء هم ، حام ، ويام ، ويافث . وهؤلاء هم أسلاف العناصر البشرية ، فأصبح حام أباً للجنس الأسود ويام أباً للأمم البيضاء وإبراهيم واليهود ، ويافث أباً للغجر. أما سام وزوجته أنهار فهم أسلاف المندائيين . وبعد مضي ستة آلاف عام فقد بنى البيت المقدس (أورشليم) القدس . وفي القدس أشركت * روهة في ملكها موسى من بني إسرائيل . وكان موسى ضد المندائيين وظل يخاصمهم في مصر . وكانت لأردوان (أردبان) الملك المندائي رؤية ، وسمع صوتاً قادماً من بيت الحي قائلاً: "قم واخرج من هذا المكان من أجل صحتك وراحتك" فقام وأخذ المندائيين معه وخرجوا من مصر ، وجاءوا إلى البحر الذي أنفلق تاركا طريقاً تحفه جبالاً من المياه على الجانبين ، وهكذا خرجوا من مصر . وبقي فروخ ملكا، شقيق أردوان ملكا، في مصر يحارب اليهود هناك حتى *حاصروه وهزموه فهرب. وعندما رأى بأن طريق البحر ما زال مفتوحاً ، ذهب هو وشعبه خلاله، ولكن عندما بلغوا منتصف البحر أطبقت عليهم جبال المياه فغرقوا جميعاً. 

أما أردوان ملكا ومعه ستين ألفاً من المندائيين ظلوا يسافرون ويسافرون حتى وصلوا أخيراً إلى طور ماداي ، وانفتح أمامهم الجبل ، لأنه كان عالياً وكبيراً وصعب الاجتياز ، فدخلوا عليه وذهبوا خلفه . فانغلق مرة أخرى فقال هيبل زيوا إلى أردبان ملكا "ابق هنا مع المندائيين، ولن تدور عليك الاثنتا عشر (علامات البروج) والسبعة (كواكب)" . وطاردهم موسى ، وعندما وصل طور ماداي لم يستطع الاستمرار فعاد وذهب إلى أورشليم .

وعاش اليهود هناك حتى أنجبت إينشوي يحيى (يوحنا المعمدان). وكان زكريا * وإينشبي كلاهما قد تقدم بهما العمر الآن ، وحدث هكذا : فبعد أن شربت إينشوي الماء حبلت منه . ورأى أحد اليهود في منامه بأن زكريا سوف يصبح أباً ، وأن ابنه سوف يصبح نبياً ، وانتظروا ليقتلوا يحيى . وبعد تسعة أشهر ، وتسعة أسابيع ، وتسع ساعات ، وتسع دقائق ، أنجبت إينوشوي ابنها ، فجاء* أنوش ـ أثرا وأخذ الطفل * وحمله إلى فرات ـ زيوا (وهو نهر في السماء توأم نهر الفرات في الأرض) ووضعه تحت شجرة كانت تحمل فاكهة تشبه حلمة الثدي . وكان يحيى يرضع من حليبها لثلاثين يوماً ، وأرسل أنوش ـ أثرا امرأة اسمها * صوفان لوليثا لترعاه . وفي يومه الحادي والثلاثين جاء أثرا ليعمده في نهر الأردن . وعلمه ا ، ب ، كـَ ، وأتاه بكتاب الأرواح (سيدرة أدنشماثا) ووضعه بين يديه ، وعلمه أن يقرأه ويتلوه . وعلمه كل سبل بيت الحي . وعندما بلغ سن الواحد والعشرين جاء أثرا إلى يحيى ليجعله ترميدا . فعلموه جميع الطقوس الإيمانية وأمروه ليرافق أنوش ـ أثرا إلى أورشليم ، ليصبح يحيى نبياً هناك . فجاءوا بسفينة (بيلوم) وسافر كلاهما، وذهبا فجاءا عبر نهر الأردن إلى أورشليم .

وعند وصولهما هتف أنوش أثرا بصوت عال قائلاً : " إن كان في هذا المكان أحد قد أضاع طفلاً ، دعه يأتي ويطالب بحقه!" . وسمعت خادمة إينشوي ذلك ، ولاحظت الأوصاف فعادت إلى سيدتها حاملة الخبر ، وقالت "إن عينيه تشبه عيني إينشوي، ووجهه يشبه وجه زكريا" . وكانت إينشوي قد بلغت الثمانين من العمر ولم تعد تحيض إلاَّ أنها كانت نظيفة وطاهرة . وكان زكريا أيضاً قد طعن في السن . وعندما قالت الخادمة "رأيت فتى يشبهكما يجلس على سفينة في النهر ، قامت إينشوي ، وفي أوج فرحتها سارت باتجاه النهر .

فجاءت إينشبي إلى يحيى في النهر ، وأسرعت بالدخول في الماء حتى بلغ صدرها ثم إلى حلقها ، فضمها يحيى إليه وقبَّلها . فوبخه أنوش أثرا قائلاً : "لماذا قبلت هذه المرأة ؟ هذا سلوك مرفوض ، فلماذا فعلته؟" أجاب يحيى "عفوك سيدي ، إنها والدتي ، الحي ، وضعني لتسعة أشهر في رحم هذه المرأة. وكنت أنام بخفة في رحمها ، لأنني أحببتها . إنها أمي ، ويتوق قلب كل ابن إلى والدته!" . فقال أنوش أثرا "نعم ، هذا صحيح ، فالرجل يجب أن يُكرِّم والديه!" .

وعندها دخل يحيى أورشليم . وكان يبرئ الأعمى والمريض ، وجعل الكسيح يسير . فغضب الرهبان وجاءوا إلى يحيى وأمروه بأن يترك المدينة فوراً . رفض يحيى أن يذهب وتحداهم قائلاً : " ائتوا بالسيوف وقطِّعوني إرباً ، تعالوا بالنار وأحرقوني ، أو الماء فأغرقوني!" فرد عليه الرهبان "نحن نعلم أن السيوف لا تقطِّعك، ولا النار تحرقك, ولا الماء يغرقك" وعندما بدأ يحيى بقراءة كتابه كنـزا رباَّ ، نطقت عصافير الهواء تُمجِّد الحي، وفتحت الأسماك أفواهها تُعظِّم مندادهيي .

راوي القصة رجل دين مندائي من إيران قام بروايتها امام الباحثة الانكليزية الليدي دراور التي اهتمت بالديانة المندائية اهتماما كبيرا منذ العشرينيات من القرن الماضي والتي جعلت من بحوثها عن هذه الديانة نبراسا انار طريق الباحثين من بعدها وقمت انا بدوري بعد الاطلاع على هذه الشذرات من كتبنا الدينية والتي صيغت بصيغة ادبية بديعة قمت بترجمتها الى اللغة العربية لان بها ترابط زمني متسلسل يفيد المندائي ،مع التنويه الى ان اغلب ما جاء في القصة اعلاه هو من صلب الكتب الدينية المندائية مثل "دراشا اد يهيا وكَنزا ربا وهران كَويثا .

 

ملاحضات المُعد :

 · آدم بغرا : هو أبونا آدم الجسد ، ونقول بغرا وذلك لتميزه عن آدم كسيا أي آدم الروح وهو موجود في عالم مشوني كُشطا .

 · هوة كسيا :هي حواء الروح وهي زوجة ادم كسيا وليس ابينا ادم الجسد (ادم بغرا).

 · 250 الف سنة : ذكرت في الكَنزا ربا 216 الف سنة.

 · 150 الف سنة : ذكرت في الكنزا ربا 156 الف سنة.

 · جبل حران: ذكر في الكَنزا ربا انه تم جمع الاخشاب من مكان اسمه عمانوس وكذلك من لبنان.

 · 30 جاما : ذكر في الكَنزا ربا انه كان طول الفلك 300 جاما.

 · 30 جاما: ذكر في الكَنزا رب انه كان عرض الفلك 50 جاما.

 · هيبل زيوا : هو ملاك الرب جبريل "مبارك اسمه " .

 · روهة : هي روح الشر.

 · حاصروه وهزموه فهرب: ان موسى لم يهزم فرعون كما جاء في الكَنزا ربا وانما فرعون قام بمطاردة موسى بعدما تركها اردوان ملكا وستين الف من الناصورائيين قبلهما ،وان موسى قد فتح البحر بمساعدة الاهه المسمى يوربا او (يهوا) وعندما تابع فرعون حملته ضد موسى فوجد البحر مفتوحا فعبر هو وجيشيه الكبير المكون من 770 الف ولكن البحر انطبق عليهم ولم ينجى منهم الا فرعون وبعض يسير.

 · إينشبي : هي ام النبي يهيا يهانا مبارك اسمه وزوجة زكريا ويقابله بالعربية (اليصابات) .

 · انوش ـ اثرا وهو آحد ملائكة الرب وهو احد ابناء ادم كسيا الذين اوكلهم الرب لرعاية العالم وهو الذي علم ابونا ادم وامنا حواء في بداية الخلق.

 · في هذا المقطع يوجد قليل من الاختلاف وهو وكما جاء في دراشا اد يهيا وهران كَويثا ان الملاك انوش اثرا اوكل احد الارواح وهي صوفاني بأخذ المولود الجديد الى جبل بروان وهو الجبل الابيض حيث هُيأة له احد الاشجار المقدسة والتي اسمها (إلانا اد ماربي يانفي) الشجرة المرضعة للاطفال.

 * صوفان لوليثا : هي احد الارواح الخيرة التي اوكلت اليها مهمة رعاية النبي يهيا يهانا مبارك اسمه.

الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013 12:11

مسقيت سيدرا أو تصعيد الكَنزا

كنا في السابق عندما نسمع ان احداً قد توفاه الهيي قدمايي وقد صعدوا له الترميدي الكنزا (مبارك اسمها) فأن ذلك لهو بمثابة عرسٌ وفرحٌ كبيرين لانه ليس من السهل عمل هذا الطقس الا من خلال مجموعة اجراءاتٍ يقوم بها الترميدي والكَنزوري والسامرايي كلٌ بأختصاصه .

 

ان تصعيد الكَنزا هو بمثابة مسقثة للمتوفي فهي تتم بوجود درفش وكينثة وبناء رهمي كبير والقراءة في الكتاب الكبير المقدس في نصوص تكاد تكون هي نفسها التي تتلى في طقس المسقثة ولكن بوجود اختلافات حتماً.

 

هذا الاختلاف يجسده الاختلاف ايظا في طريقة الوفاة فأن المسقثة تعمل من اجل الذين يتوفون وفاتاً غير طبيعية وان تصعيد الكَنزا يجرى للذين يتوفون وفاة طبيعية طاهرة اي ان يطمش المحتضر بماءٍ من النهر الجاري وان يرتدي ملابسه الطاهرة الزكية كاملة دونما نقص وان يتوجه وجهه صوب اواثر المبارك وان يكرس له اكليل من الاس يوضع في راسه فيكون بذلك مهيئٌ لان يصعد له كَنزا بعدما تخرج النيشمثا والروهة من الجسد .

 

ان المسقثة هي بمثابة استذكار وتجسيد لمكونات الانسان وتطهير لكل جزءٍ من تلك الاجزاء الستون التي يتكون منها الانسان وذلك كي ترتقي الروهة والنيشمثة ليستطيعا الدخول في ذلك الجسد الرحي الا وهو الدموثة .

 

وان تصعيد الكَنزا هو عبارة عن دعم اضافي وقوة رادعة لارواح الشر التي تحاول ان تعبث بالروهة والنيشمثة عند خروجهما من الجسد وهي عبارة ايظاً عن رسالة لفتح جميع الابواب الموصدة بوجه المُتحدين روهة ونيشمثة ، وان هذا الطقس لهوَ نادر الحدوث عبر تاريخ الطائفة والذي يجب ان يجرى لكل مندائي متوفرة فيه الشروط التي ذكرت ، وان التصعيد هو ليس قوة للمتوفي فقط وانما هو ثواب وحسنة وقوة ايظا للذي يصعد الكَنزا وكذلك للذين يرفعون الجسد على رؤسهم .

 

وانا العبد الفقير الذي لااستحق ان اكون التراب الذي يسير عليه اخواني الترميدي والكَنزوري لي الشرف في انني قد صعدت كتابنا المقدس كَنزا ربا لاربع مرات من اجل مغفرة الخطايا ومن اجل الثواب ودفع العقاب لي ولجميع المندائيين امين.

 

هذا نص نادر عن طقس تصعيد الكَنزا ربا اقتبسته من كتاب نياني مأرشف في جامعة ((اوبسالا)) عمره مائتان سنة قد حصلت عليه من اخي وصديقي قاسم حربي حبيب وفقه مندا ادهيي لما فيه الخير لان هذا الطقس بقي ولسنيين طويلة منقولا شفاهاً .

 

سأنقله بأمانة مع وضع ملاحظاتي عليه بين قوسين والنصوص الدينية بين قوسين مزدوجين وهو:

 

مسبح الرب ..

 

هذا شرح قراءة السيدرا خلف المتوفي والتي تسمى تصعيد كَنزا .

 

قم ببناء رهمي تحت الدرفش ( قبل ذلك اطمش وضع كينثة على يسار الدرفش ) وعند الانتهاء خذ كشطا من الشكَندا ووقر تاجك (اي انزع تاجك عن رأسك ببوث ـ بينة من هيي والنهشثة وياهبشبا قابلي وفارقي ـ زهير ومزهر زهرون ـ كث قيمي اثري ـ اثير كليل نهور ـ كشطا اسيخ تاغي وقَبْل التاغة ستين مرة ومرة واحدة ) وبعدها جهز اربع من السامرايي ( اي اربع حلالية كاملين اما ان يكونوا مصبوغين مسبقاً او ان تبني رهمي صباغة بعد الرهمي الكبير وتصبغهم ) كي يحملوا المتوفي الى القبر (لابد ان يرتدوا السامرايي رستاتهم كاملة وان يقوم الابو بعمل المندلثة بأشراف احد الترميدي وبعدها يقوم السامرايي الاربعة ببناء الشريجة والتي تكون عادة قبل شد البندامة وبعدها يصطف السامرايي وراء المتوفي بأتجاه اواثر وان يكون الابو هو في الرأس وعلى يساره البقية وان يقرأوا جميعاً (( لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (الملواشة) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي )) وهم ممسكون بطرف البندامة واضعين عليه بعض الريها واثناء القراءة يقومون بشدها على فيهم وان يكون التخت على الجهة اليمنى من المتوفي وبعدها يقومون بشد التخت وبعدها يضعون الشريجة على التخت ويضعون بعدها المتوفي في الشريجة ويقومون بشد حبال الشريجة وبعدها حبال التخت وبعدها حيث يقف الابو على الجهة اليمنى قرب الرأس يتم حمل المتوفي على الرأووس على ان تكون ايمانهم فوق الشريجة والتخت وينطلقون بأتجاه اواثر وبعدها يعبرون فوق المندلثة وان تكون ارجلهم اليمنى قبل اليسرى الا الابو فيعبر برجله اليمنى فقط ويرجع لكي يختم المندلثة ثلاث ختمات بيده اليمنى وبعدها يعود ليأخذ مكانه في حمل المتوفي والترميدي يقومون بالاشراف والتوجيه لئلا يكون خطأ وعند الوصول الى المقبرة يقوم السامرايي وهم حاملين المتوفي بالدوران من يسار القبر الى يمنه ويضعوا المتوفي على الجهة اليمنى للقبر ) بعدها قوم بترصة تاغة بأربع بوث ( بوثة قدمايي نخرايي وعند الوصول الى الملواشة اقرأ ملواشتك وبعدها قول ((لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي بهيلي اد ياور زيوا وسيمات هيي)) وبوثة بشما ادهاهو كَفرا وبوثة هيي قريوي وبوثة نهور نهورا وبوثة مندا اقرن وعند الوصول الى الملواشة اذكر ملواشتك وبعدها اقرأ نفس المقطع اعلاه في قدمايي نخرايي واكمل البوثة) وبعدها اغرس الدرفش على يمين القبر (واقرأ البوثتين التاليتين : ((بشما اد هيي ربي اهدون ربي اهدون اداسخالي ياور بدربشي اد زيوا وفسِمخي اد نهورا اهدون اد اكبشني لهشوخا وباطيلني لقاله اد ماردا هين ابادنين استدرت هينيله اناتون اسديري سدرو )) وبوثة (( بشما اد هيي ربي بيوما اد اثري سادرو ليردنا اد ميا هيي مصبوتا بكَوي اصطيبيت ونصبوي لبيهرام دربشا ولشخينثا اد شيشلام ربا ايلوي ولبابا اد هيلبوني اد زيوا نيكَدوي اد اثري وشخيناثا بزيوي ناهري هادي من ريش بريش )) بعدها اكرخ البنداما ( بشميهون اد هيي ربي اسوثة تهويلي لديلي (ملواشتك) توم لوفا ورواهة ادهيي وشابق هطايي نهويلي لهازه نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) هيال اكبر رازا ربا اد زيوا ونهورا وايقارا اد اشري لفميهون اد مني ديلي هو مندا ادهيي اد هو ايدا افرش بأصريهون اد هيي قدمايي اد هينون فريشايي اد هينون ومشبين هيي)) بعدها يرمي الريه بالنار(هنا يأخذ القوقة ويقرأ بوثة هال هيي قدمايي بدون ريها اد بسم) وبعدها اقرأ ازهارا لنفسك ولملواشة المتوفي (اي البوث من مشبين هيي قدمايي الى اسيرا هتيما ربتي) بعدها يطلب الترميدا من الابو ان يحفر ثلاث حفرات واثناء الحفر يقرأ بوثة ((بشميهون اد هيي ربي لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي )) لكل حفرة ويرمي التراب على الجهة اليسرى من القبر (يضع رجله اليمنى على المسحاة ويبدأوّن بحفر القبر ويتساعد الجميع بالحفر) بعدها يبدأ الترميدا بالقراءة من بوثة ((اباثر اد ايتنغد رقيها )) وبوثة بعد بوثة الى ان تصل الى بوثة ((انكَرثا مهتمتا اد نافقا مني من الما )) وتكملها اطلب من السامرايي ان ينزلوا المتوفي في القبر (تجرى الطقوس الاعتيادية للتلحيد) بعدها اطلب من ريشا اد بادا اد سامرايي (اي الابو) ان ينزل ثلاث كفات من التراب على المتوفي (واحدة عند الرأس والثانية عند الوسط والثالثة عند الارجل) وفي كل واحدة اقرأ بوثة ((بشميهون اد هيي ربي لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي)) (قبل انزال التراب اطلب من حلالية غير السامرايي ان يعملوا لوفاني بملواشة المتوفي ) واردم القبر بترابه واستمر بالقراءة الى تصل الى نهاية كَنزا سمالة اي الى بوثة (( المن والمن والمن)) بعدها اطلب من الابو ان يرسم القبر (بثلاث رسومات ) بالسكندوله واختم (بثلاث اختام) واقرأ عند كل رسم وبعدها عند كل ختم بوثة رواهة اد هيي((بشميهون اد هيي ربي لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي)) بعدها اطلب من السامرايي ان يصطفوا على يسارك بحيث يكون الابو بجانبك وبأتجاه اواثر والجميع على يسار الدرفش وانزعوا البنداما ببوثة (( ملِل وابثة ادهيي ربي بفميهون بزيوا ونهورا وايقارا اد نافشيهون ومشبين هيي)) بعدها وقر تاجك بالبوث التالية((اي انزع تاجك عن رأسك ببوث ـ بينة من هيي والنهشثة وياهبشبا قابلي وفارقي ـ زهير ومزهر زهرون ـ كث قيمي اثري ـ اثير كليل نهور ـ كشطا اسيخ تاغي وقَبْل التاغة ستين مرة ومرة واحدة )) (قبل ان توقر تاجك اكرخ الدرفش بالبوثتين التاليتين(( بشما اد هيي ربي بيوما اد كِرخي بيهرام ربا لدربشي تلتما وشتين ناطري اِلي اشرون كسِوي بسفطي هيلي هَتمي اد ربي اثنون اِلي بارخيلي ربي بفوميهون دخيا لكَفرا اد هاخا اشري وامريلي من زيوَخ ايثوزف ومن نهورخ ايثاقَن كُلي الما مَنهربي ابون بقاله شانيا وامر كُلمن اد اكشِط ومهيمن صيفرا ليردنا لانزكَي ولانترشِم بروشما اد يردنا من ريش بريش))و وبوثة ((بشما اد هيي ربي بيوما اد ايتكسي زيوا شيشلامئيل دربشا بسفطي اد زيوا كُلهون اثري من كرسواثون قام وابريختا اد شاني بزهرون شيشلامئيل دربشا بارخي ومن اصطوني اد زيوا نَسبيلي ولهيلبوني كَوايي كسيا كاسيلي ومبَرخيلي ومناطريلي وامريلي اكما اد زيوَخ بسفطي ناطر تتنَطر دموثخ كُلهون المي اد هزِلخ بيرختا بديلخ نيبرخون ونيشبون من ريش بريش)) .

 

ملاحظة:

 

اذا كان المتوفي ترميدا او كَنزورا فأنك تبدأ بالقراءة من بوثة(( بشمبيهون اد هيي ربي لوفا ورواهة اد هيي ... وبعدها بوثة يامانا نيها يامانا سيدرا ومسدرا يامانا نيها نيسقون مينخ اد ياوري الما لموزنيا تقل ابادي وآكَري .. وبعدها بوثة بشميهون اد هيي ربي مرورب نهورا شانيا مانا انا اد هيي ربي مانا انا اد هيي روربي مانا انا اد هيي ربي ابكَو تيبل من اشَريّن ابكَو تيبل )) اما انزال المتوفي في القبر فيكون في بوثة(( كث اتهشب هشوخا ادم من بغري نافق )).

 

اما بقية الطقوس فتبقى كما هي .

 

بعدها وعند اكمال الطقس يقوم الترميدا او الترميدي بعمل لوفاني على طريانا سأقوم بشرحها مفصلة في باب خاص بها.

 

اما السامرايي الاربعة فيطمشون في اليردنا وبعدها يعملون لوفاني اسمه سامرايي .

 

اللوفاني يستمر لمدة خمسة واربعين يوما .

 

يقوم الترميدا او الترميدي بقراءة كَنزا سماله (الذي قرأوه في المقبرة يستمرون بقراءته على ثلاثة ايام).

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014