• Default
  • Title
  • Date

نتابع بحثنا عن الدولة الاّرامية ولغتها الأبجدية الأم التي اشتقت منها ومن ابنتها الشرعية كل لغات المشرق العربي والجزيرة العربية وضولاّ إلى القرن الأفريقي ( اللغة التغرينية والتغري والكوشية اّرامية سريانية بامتياز ) ومصر إلى قرطاج والمغرب العربي الأمازيغي ...
في القرن الخامس عشر وما بعده قبل الميلاد غزا الدولة الاّرامية العديد من الغزاة من الاّشوريين الذين احتلوا عاصمتها اّرام دمشق ودمّروها وأحرقوها مع غوطتها إلى غزوات فرعون مصر رمسيس الثاني ألى غزو البابليين والحثيين .... وحفر كل فاتح وغاز إسمه على صخرة نهر الكلب شمال بيروت التي لاتزال قائمة حتى اليوم رغم كل عاديات عهود الظلام والإغتصاب والإحتلال .... كماغزاها الهيكسوس الذين احتلوا مصر فيما بعد ونهبوها .. وقد صمدت في وجههم مدينة ( اّرام حماة ) عدة أشهر قبل احتلاله وتدميرها في القرن الثامن قبل الميلاد تقريباّ .. وأقام الهيكسوس عاصمتهم شمال مدينة حمص وأطلقوا عليها إسم ( قطنا ) لاتزال خرائبها قائمة مكان قرية المشرفة الاّن ...
وسقطت كل جحافل الغزاة واندثرت وبقي الاّراميون أسياد الحضارة والثقافة إلى جانب الحرفة والزراعة والتجارة التي سيطرت قوافلها وسفنها على أسواق العالم القديم حتى أقصى المغرب وأوربا وبنوا محطاتهم التجارية التي تحولت بسرعة إلى مدن دولة في قرطاج والمغرب ومالطة وصقلية وسردينيا وجزر البليار وغيرها حتى أضحى البحر المتوسط بحيرة فينيقية ... رغم وجود الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية في الغرب والإمبراطورية الفارسية في الشرق وحيوشهم الجرّارة وبقيت اللغة الاّرامية - التي تطورت إلى السريانية بعد الميلاد - لغة هذه الحضارة والتجارة والصناعة تغتني بتطور بنائها الحضاري والإقتصادي التحتي ... في الدويلات الاّرامية اللامركزية تقريباّ وتطورها الإنساني والديمقراطي في بناء السلطة وخصوصاّ في جبيل وصور وصيدا وقرطاج وكنعان وغيرها من مدن الاّراميين وأحفادهم الكنعانيين سكان فلسطين الأصليين والفينيقيين سكان لبنان وسواحل البحر المتوسط الأخرى الذين اعتمدوا النظام الشبه جمهوري لأول مرة في التاريخ والفصل بين السلطات التي تضم الرئاسة المؤلفة من قاضيين : أحدهما يهتم بالإدارة والاّخر بالعدل ويختارهما مجلس الشيوخ لمدة عا م واحد قابل للتجديد على أن صلاحيتهما لاتشمل قيادة الجيش ...... ثم مجلس الشيوخ ومجلس الشعب ...الخ وكان لمجلس الشعب ومجلس المئة المنبثق عنه حق محاسبة قادة الجيش - راجع كتاب – الحضارات – تأليف السيد لبيب عبد الستار - إصدار دار المشرق بيروت – ص 118 وما بعدها - لأن الاّراميين لم يشكلوا سلطة مركزية واحدة متسلطة كما يبدو من اّثارهم رغم الوحدة القومية واللغوية والثقافية بينهم وكانت كل مدينة تتمتع بشبه استقلال لامركزي لها سلطنها المستقلة المنتخبة رغم وجود العبودية الطبقية التي لاتقاس بعبودية الديكتاتوريات الحديثة بعد ثلاثة اّلاف سنة من الدويلات الاّرامية تلك المستقلة عن المركز إدارياّ وإقتصادياّ مع بقاء الدفاع ضد العدو الخارجي مشتركاّ لذلك نرى مثلاّ : اّرام دمشق واّرام حمص واّرام حماة واّرام ( صوبا ) أي عنجر اليوم وأرام كنعان في فلسطين واّرام جبيل واّرام صيدون ...الخ وهذا التطور المجتمعي والسياسي والإقتصادي هو الذي انتج هذه اللغة الراقية المستندة إلى قواعد علمية ثابتة لأول مرة في التاريخ تستند إلى أبجدية محددة وقواعد صرف ونحو مبسطة .. أنتجت أدباّ وفناّ وموسيقا وتقاليد جديدة كما صنعت اّلهة جديدة متطورة سيطرت على العالم القديم دون غزو لتحل محل اللغات القديمة الرمزية والتصويرية والمسمارية والهيروغليفية وغيرها وتضعها في متحف التاريخ ... وأضحى جميع الغزاة السابقين يستعملون اللغة الاّرامية كلغة رسمية لهم ..... وبهذا نستطيع القول كما كان يقال قديما : إن الحضارة اليونانية الهللينية اّسرة لقاهريها ( 13 ) ... فإن الارامية السريانية قاهرة واّسرة لغزاتها
.....؟ ( 14 )
وهنا نلحظ التشابه بين الدويلات الاّرامية التي توجد بينها فواصل إدارية وجغرافية أحياناّ – كالرابطة مع قبرص وقرطاج مع الدويلات السومرية في جنوب العراق والفواصل المائية التي كانت تفصل بينها في أهوار العراق التي ضمت : أور وأروك ولجش والوركاء وغيرها التي كانت كل منها دولة شبه مستقلة رغم وحدة الشعب السومري ولغته وثقافته .... نتج عن كل ذلك نوع من النزعة الديمقراطية البدائية في قلب مجتمع عبودي في هاتين المنطقتين من العالم القديم رغم أن معاول المنقبين وعلماء الاّثار لم تزودنا بالكثير عن البناء الإنساني الداخلي باستثناء ملحمة كلكامش وعشتار واّدونيس وغيرها في الأساطير
ولاتزال اللغة الاّرامية لغة معابد الصابئة المندائيين في العراق وإيران والهند وغيرها حتى يومنا هذا و الصابئة هم أقدم ديانة توحيدية وأول من استعمل كلمة ( مسلمون
, وبسم الله الرحمن الرحيم - ) قبل الإسلام بقرون طويلة ( 15 ) كما كانت موجودة في الجزيرة ومكة التي كان يطلق عليها في التاريخ ( أنديكا ) ولم يطلق اسم الجزيرة العربية إلا في العصر الحديث – راجع العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي –
وبعد تطور الاّرامية إلى السريانية بعد الميلاد وتطور معها إسم الدولة الاّرامية إلى إسم سورية الداخلية والساحلية .. أضحت السريانية اللغة الرسمية ولغة الكنيسة والصلوات ولا تزال مستعملة كلغة شعبية ودينية في شمال العراق وفي منطقة الجزيرة السورية وفي ثلاث قرى في محافظة دمشق هي ( معلولا وبخعة وجبعذين )وفي كنائس السريان والموارنة في سورية ولبنان والعراق وإيران وفلسطين وغيرها ....إلى جانب بقائها لغة شعبية رسمية لفظاّ وكتابة في القرن الأفريقي كما ذكرنا سابقاّ
وبرزت في السريانية لهجتان : شرقية في العراق استعمل الألف في نهاية الكلمة مثل : أب – أبا وأم - أما ... أما في اللهجة الغربية في بلاد الشام تلفظ واو : أب : أبو – أم : امو وفي اللغة السبئية - أب وأم كالعربية وكذلك في اللغة التغرينية والكوشية في القرن الأفريقي ( 16 – 17 )
وكانت السريانية واللهجات المشتقة عنها كأمها الاّرامية لغة الثقافة والعلم والفن والموسيقا والشعر والحضارة .. ويعود الفضل الأول الرهبان والعلماء والمفكرين السريان في صيانة وحفظ الكثير من كتب التراث والعلم في مغاورهم وصوامعهم في شمال العراق كالعلاّمة ( إبن العبري ) و ( الرهّاوي ) و العلاّمة ( الكندي ) وفي جبال لبنان وسورية رغم فقدان معظمها على أيدي الجهلة والإضطهاد الديني المستمر أربعة عشر قرناّ .....
تأكيداّ لوجود السريانية في مكة واليمن مايلي : روي عن محمد بن عمر المدائني في كتابه ( القلم والدواة ) .. قال محمد لكاتبه زيد بن ثابت : أتحسن السريانية ؟ قال لا : قال محمد تعلمها إذاّ . فتعلمها زيد في سبعة عشر يوماّ ( 18 ) و هذا يؤكد انتشار السريانية في مكة ومن الطبيعي أن يكون محمد قد أتقنها سواء أثناء رحلاته التجارية مع عمه أبوطالب إلى دمشق أو من السيدة خديجة صاحبة المال والتجارة التي أصبحت زوجته الأولى بطلب منها كما تؤكد جميع المصادر الإسلامية - او من عمها ورقة بن نوفل الذي كان رئيساّ للدين على المذهب النسطوري الذي كان سائداّ في مكّة والجزيرة بتأثير من الحيرة عاصمة هذا المذهب .كما تبرز أهمية هذا الموضوع إذ علمنا أن زيد بن ثابت هو كاتب ( الوحي ) المعتمد في جميع المصادر الإسلامية المعتمدة ..؟؟؟... وأكّد العلاّمة العراقي جواد علي في موسوعته ( العرب قبل الإسلام الجزء الأول ) بأنه لم تكن في قريش لغة خاصة مكتوبة غير اللغة المكتوبة السائدة في مكة والجزيرة - وهذا ما أكده كتاب الحضارات الاّنف الذكر في فصل الحضارة العربية قبل الإسلام ص 237 بقوله : ( كانت لغة الجنوب لغة معين وسبأ وحمير الأوسع انتشاراّ في العالم القديم ,كانت أبجديتها تتألف من 29 حرفاّ وتكتب بخطوط مستقيمة تسمى الخط المسند .... أما عرب الشمال فلم يكن للغتهم العربية أبجدية وحروف ولذلك استخدموا في الكتابة الحروف الاّرامية بالخط النبطي النسخي المستدير الشكل . هذا الخط هو الذي استخدمه عرب قريش لتدوين القراّن فأصبح الخط العريي المعروف ....( 18 )وجاء في كتاب الاّداب السامية ما يلي :
( في القرن الأول قبل الإسلام اقتبست العربية من الخط الإسطرنجيلي السرياني ومنها أخذت أبجديتها والخط الإسطرنجيلي عرف بالخط الكوفي واستعمل بعدئذ لكتابة القراّن الكريم - دون تنقيط طبعاّ – وسمي بهذا الإسم الإسطرنجيلي نسبة إلى الإنجيل المقدس ) (19)
وهذا ما أكده الدكتور فتحي الدجني والمطران اسحق سا كا في مصدرين تاريخيين هامين ( 20 ) وقال الكندي في إحدى رسائله : ( كان السريان لنا سبلاّ واّلات مؤدية إلى علم كثير . فإنهم لو لم يكونوا لم يجتمع هذه الأوائل الحقيّة ) ( 21 )
وقال الفارابي : ( بهذا يمكننا القول إن السريان هم الذين علّموا المسلمين الفلسفة أولاّ , وهم الذين ترجموها لهم ثانياّ , ولهذا تأثر المسلمون بالفلسفة التي كان السريان يعرفونها منذ أمد بعيد ) ( 22 )
وبقيت السريانية أوثق المصادر التاريخية والعلمية في التاريخ رغم تعرض كتبها ومصادرها الهامة لأبشع أنواع
النهب والحرق والإبادة بالترافق والتلازم مع ما تعرض أهلها لاضطهاد وإلغاء في حقب طويلة من الظلامية الدينية والإستبداد الشرقي المستشري والغزوات الخارجية الهمجية التي نهبت وأحرقت معظم مصادر وكتب التراث إلى جانب الجهل والتخلف ومابقي هو الجزء .الصغير جداّ من كتب التراث الذي نجا في المخابئ الخاصة في الأديرة والصوامع أو في الخارج كما فقدت معظم كتب إبن رشد وإبن سينا والكندي والفارابي والمعرّي والمعتزلة والحلاّج وغيرهم وأختم هذا الفصل بقول بولس بهنام : ( لاشك أن العرب أخذو خطهم الذي نراه اليوم من الخط النبطي الاّرامي , وإن الخط العربي الكوفي ما هو إلا الخط الإسطرنجيلي الاّرامي السرياني بتطور بسيط ) ( 23 ) يتبع .. – لاهاي
المصادر : 13 – جان توشار – تاريخ الفكر السياسي - ص 55
-------- 14 – تاريخ الشرق القديم – نور الدين حاطوم ص 127
15 – جواد علي - المصدر السابق – ص 169 - د . ناجية مرّاني الصابئة في التاريخ ص 64
16-عثمان صالح سبّي – تاريخ أرتيريا ص 53 –
17 – جرجي زيدان – تاريخ أدب اللغة العربية ص 173
18 – صبح الأعشى للقلقشندي ج1 ص 165 -فجر الإسلام - أحمد أمين ص 142 - كنيستي السريانية – للمطران إسحق ساكا ص86 - الحضارات – لبيب عبد الستار ص 237
19 - الاّداب السامية - محمد عطية الأبراشي – القاهرة 1947 – ص 69
20 - د. فتحي الدجني – أبو الأسود الدؤلي ونشأة النحو العربي ص 59 - إسحق ساكا – المصدر السابق
21 - رسائل الكندي الفلسفية ص 102
22 - الفارابي - تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علوم الكلام عند المسلمين ص 139

الأحد, 14 نيسان/أبريل 2013 12:30

اللغة الفينيقية وحوض البحر المتوسط

كان الفينيقيون من الشعوب التي تركت بصماتها الواضحة على تطور الحضارة البشرية. فالى جانب ابتكارهم حروف الأبجدية ونقلها الى النصف الغربي من العالم القديم، سادت لغتهم واللهجات المتفرعة منها على مساحة شاسعة من الأرض لمئات السنين، وكانوا من الأمم التي قاومت الامبراطورية الرومانية، ولم يتمكن الرومان من قهرها عسكرياً إلا بشق الأنفس. وارتبط الفينيقيون بالتجارة منذ القدم، وأسماهم اليونانيون بالفينيقيين نسبة الى Phoinikes وهي صبغة الارجوان التي كانوا يتاجرون بها، أما هم فكانوا يطلقون على أنفسهم اسم كنعان، وكذلك سمتهم وثائق تل العمارنة بمصر. وأطلق عليهم العهد القديم اسم السيدونيين احياناً نسبة الى صيدا، احدى المدن الفينيقية المهمة. اما تسمية البونيين فهي من ابتكار الرومان الذين أطلقوها على الفينيقيين الذين سكنوا قرطاجة والمستوطنات الفينيقية في البحر المتوسط، وهي الصيغة اللاتينية لكلمة فينيقي اليونانية. ومن المعروف ان حوض المتوسط مدين للفينيقيين بكلمة "أدون"، ومعناها سيد، فقد استعلمها العبرانيون في "أدوناي" للدلالة على الرب، وأخذها اليونانيون ايضاً بصيغة "ادونيس" وهي الاله الذي يقابل الاله البابلي تموز، وكذلك أخذت اللغات اللاتينية (الايطالية والاسبانية) الكلمة للدلالة على السيد، واسم اوبرا موتسارت "دون جيـوفاني" معروف في عالم الأدب والفن ومعناه التملك للمتحدث المفرد، وتستعمل الكلمة على نطاق واسع ايضاً كلقب للسيدة مريم العذراء .

ولو عدنا الى التقسيم المعروف للغات السامية، نجد عائلة اللغات السامية الشمالية - الغربية، التي تتألف من الكنعانية وفروعها المعروفة مثل السريانية والسامرية والنبطية والتدمرية (من المجموعة الآرامية الغربية) والتلمودية والمندائية (من المجموعة الآرامية الشرقية). ويعتقد العلماء بأن النصوص التي وجدت في مدينة ماري (تل الحريري) على الفرات وفي مناطق من شمال سورية والتي تعود الى القرن الثامن عشر ق.م. هي نصوص كتبت بلغة تعتبر اللغة السامية الشمالية الغربية قبل انقسامها الى آرامية وكنعانية. اما في القرنين السادس عشر والخامس عشر ق.م. فقد تميزت الكنعانية كلغة مستقلة عن الآرامية، وذلك في نصوص جبيل، وسرابيط الخادم (في سيناء)، على رغم عدم وضوح هذه النصوص بشكل كاف. كذلك وجدت كلمات وأسماء كنعانية ضمن الرسائل الأكدية التي عثر عليها في تل العمارنة. اما اللغة الاوغاريتية، وهي لغة مدينة أوغاريت (رأس الشمرا على الساحل السوري) والتي ورثنا عنها مكتبتها الشهيرة التي تعود الى القرن الرابع عشر ق.م، فهي لغة كنعانية شمالية، وظهرت الفينيقية كلغة كنعانية شمالية (ساحلية) في العصر الحديدي (بعد 1200 ق.م . ) .

اما العبرية فقد حفظت لنا في أسفار العهد القديم التي كتبت غالبيتها باللهجة العبرية لمنطقة القدس (عدا عدد من أصحاحات سفري دانيال وعزرا واجزاء من بعض الأســفار الأخرى التي كتبت بالآرامية)، وهناك جزء يسير من الأسفار التي كتبت بلهجة السامرة الشمالية مثل سفر هوشع وأجزاء من نشيد الأناشيد. وتعود هذه النصوص الى فترات مختلفة، كتب آخرها في القرن الثاني ق.م. واختفت اللغة العبرية كلغة حية واقتصرت على الكنيس فحسب ولم تستعملها عامة اليهود إلا في تأدية الطقوس الدينية، إذ ازاحتها اللغة الآرامية التي أصبحت لغة التخاطب في المنطقة، وبدأت تسود تدريجاً منذ القرن الرابع ق.م .

انتشرت اللغة الفينيقية على طوال الساحل الشرقي للمتوسط وامتدت الى اطراف من جنوب شرق آسيا الصغرى والى قبرص (منذ بداية الألف الأول ق.م) والجزر اليونانية مثل رودس وحتى الى اليابسة اليونانية (اثينا وبيريوس، وديميترياس في تساليا) وذلك خلال القرون الثالث - الأول ق.م. وكان التوسع الحقيقي حدث في شمال افريقيا، بعد بناء قرطاجة (قرت حدشت أي المدينة الجديدة) العام 824 ق.م، وبناء المستوطنات الفينيقية على سواحل وجزر البحر المتوسط. فقد استوطنوا جزر مالطا وصقلية وساردينيا (واستعملت اللغة الفينيقية لغاية القرن الثاني الميلادي في ساردينيا)، وسواحل شمال افريقيا واسبانيا، وعبروا أعمدة ملقرت (التي اسماها الرومان اعمدة هرقل وهي مضيق جبل طارق) وسكنوا ساحل المحيط الأطلسي ايضاً. وملقرت المذكور هو أحد كبار الالهة الفينيقيين، ومعناه مختصر من "ملك قرت" اي ملك القرية او المدينة. وعرفت لغة المستوطنات الفينيقية (وعلى رأسها قرطاجة) باللغة البونية، وبعد سقوط قرطاجة العام 146 ق.م. اصطلح على تسميتها باللغة البوينة الحديثة. واستمر تأثيرها لقرن بعد ذلك، فقد تحدثت شعوب شمال افريقيا بالبونية (مثلا استعملت المملكتان النوميدية والموريتانية هذه اللغة لغاية القرن الثاني الميلادي)، وتمكن الرومان من اجبار سكان المدن على الحديث باللاتينية، غير انهم فشلوا في التأثير في سكان الأرياف الذين بقوا أوفياء الى لغتهم القديمة، خصوصاً في مناطق ليبيا والجزائر الحالية .

بعض الخصائص اللغوية

مقارنة باللغة الآرامية شقيقة الكنعانية، نلمس تحول الألف الممدودة الى واو (في البداية O ثم U ) في حين ظلت في الآرامية القديمة (مثلاً "راش" - "روش" وهو الرأس)، ويتميز جمع المذكر باستعمال لاحقة "يم" بدلاً من "ين"، مثل العبرية (بعليم مثلا، وهو جمع بعل أي سيد او اله). ومن الميزات الأخرى تحول أحرف ما بين الأسنان ( interdental ) مثل الثاء والذال، الى أحرف صفير مثل السين والصاد في الكنعانية، في حين تحولت في الآرامية الى حروف نطعية كالتاء والدال .

اما الاختلاف عن العبرية فيكمن بالدرجة الأولى في المفردات، ومنها أساسية، مثل الفعل (عمل، فعل) فهو في العبرية "ع س هـ"، وفي الفينيقية "فعل" أي مشابه تماماً للفعل العربي، وكذلك فعل الكينونة، فهو في العبرية "هـ ي ي" وفي الفينــيقية "كون". واستعملت الفينيقية تاء التأنيث في الوقت الذي تحولت في العبرية إلى ألف أو هاء. وعلى رغم استعمال العهد القديم لكلمة "حرص" بشكل ضيق في بعض الأشعار (وهي في الأوغاريتية "خرص") للدلالة على الذهب، إلا أن الكلمة العبرية المعتادة هي "زهب". ومن الغريب أن تكون أداة النفي في الفينيقية "بل" و"إي"، وهي في العبرية "لو" و"أل " .

وعدد الحروف الفينيقية 22 حرفاً، وهو نفس عدد الحروف الآرامية والعبرية، في حين كان عدد الحروف الأوغاريتية 29 حرفاً، ووصل عدد الحروف في البونية المتأخرة إلى 43 أو 44 حرفاً. ولم تبق أسماء الحروف إلى عصرنا الحالي، لكن يبدو أنها مشابهة لليونانية بالدرجة الأولى، وللعبرية أيضاً. ومقارنة الحروف العبرية واليونانية تؤكد ذلك، فقد حافظت الأبجدية اليونانية على الحرف الفينيقي "روش" ومعناه رأس في "رو" اليونانية، وهو الحرف الراء، الذي تحول إلى "ريش" في العبرية بسبب تأثير اللغة الآرامية، (وأسماء الحروف اليونانية والعبرية معروفة فهي ألفا = ألف، بيتا = بيت، غاما = غمل، دلتا = دالت... الخ).

وعلى رغم اتصال التجار الفينيقيين بعدد كبير من الشعوب، فإن الكلمات المستعارة في اللغة الفينيقية القديمة كانت محدودة للغاية، ولكن عددها ازداد بعد فترة، خصوصاً في لغة المستوطنات الفينيقية في اليونان وشمال افريقيا، وفي أغلبها مصطلحات تقنية أو سياسية، وأسماء العلم وأسماء الأشخاص. واقتبست الفينيقية من الاناضولية القديمة (اللوفية) بعض الكلمات مثل اسم الملك كيلاموا الذي حكم مملكة سمأل (شمال) في أواخر القرن التاسع ق.م. في مناطق من شمال سورية (وقد وجد نصب له في منطقة زنجرلي الحالية في تركيا، كتب بلغة تسمى بـ"پاليؤدية" وهي كنعانية في الأصل، تحمل آثار لهجة آرامية خاصة). واقتبس من اللغة المصرية بعض المصطلحات الدينية (مثل "حرسقراط" وأصلها حورس الطفل، والتي تقابل "هاربوكراتيس" في اليونانية)، ومن اليونانية أيضاً (مثل دراخمه وهو أصل الدرهم) ونقل الفينيقيون أسماء اعدائهم الرومان بصيغة لاتينية على الغالب مثل "أمبرعطور" وتلفظ امبراطور، "عوغسطس" أي أوغسطس (والعين هنا حرف علة)... الخ. وأخذوا حتى من النوميدية (وهي من لغات قبائل الطوارق) .

نماذج من النصوص

نص منقوش على تابوت الملك "أشمنعزر" ملك صيدا من القرن السادس ق. م. وبتحويله للحرف العربي: "(1) بيرح بل بشنت عسر وأربع لملكي ملك أشمنعزر ملك صدنم (2) بن ملك تبنت ملك صدنم دبر ملك أشمنعزر ملك صدنم لأمر..." وترجمته هي: "(1) في شهر بيل في السنة الرابعة عشرة من حكم الملك أشمنعزر ملك الصيدونيين (2) ابن الملك تبنت ملك الصيدونيين تكلم الملك أشمنعزر ملك الصيدونيين قائلاً..."

في هذا النص نجد كلمة شهر "يرح" التي تشابه كلمة "يرحا" التي يستعملها أهل معلولا (ولغتهم الآرامية الغربية الحديثة)، وأصلهما من الأكدية "يرخو" وهي القمر. ونلاحظ كذلك التماثل الكامل مع الصـــيغة العبرية الكلاسيكية المعروفة من العهد القديم "كلم الرب موسى قائلاً". ويبدو أنها صيغة شائعة الاستعمال في أدب المنطقة ولا تقتصر على نصوص العهد القديم .

وهذه السطور الأولى من نص الملك كيلاموا الذي مر ذكره آنفاً (ويعود إلى القرن التاسع ق.م.): "(1) أنك كلمو بر حيا (2) ملك جبر عل يأدي وبل فـ [ـعل] (3) كن بمه وبل فعل وكن أب حيا وبل فعل وكن أح (4) شأل وبل فعل وأنك كلمو بر تم [ـ] مأش فعلت (5) بل فعل هلفنيهم كن بت أبي بمتكت ملكم أد (6) رم وكل شلح يد للحم وكت بيد ملكم كمأش أكلت (7) زقن وكمأش أكلت يد وأدر علي ملك دنـ [ـنـ] ـيم..." وترجمة هذا النص الذي يصور حال الممالك السورية الصغيرة تحت رحمة الجيران الأقوياء: "(1) أنا كيلاموا بن حيا (2) ملك جبار على يَؤد (بفتح الياء) ولم أفعل [شيئاً سيئاً] (3) كان بمه (؟) ولم يفعل وكان أبي حياً ولم يفعل وكان أخي (4) شال ولم يفعل وأنا كيلاموا بن تم (؟) فعلت (5) ما لم يفعله الأسبقون، كان بيت أبي وسط ملوك (6) عظام، كل [واحد منهم] مد يده للخبز [ثروة البلد] وكنت بيد الملوك وكأنني أكلت [نتفت] (7) ذقني وكأنني أكلت [قطعت] يدي، وتجبر على ملك الدانونيين"...

والدانونيون هم قوم اسمهم باللغة الاكادية دا-نو-نا. هذا النص المؤثر يحمل البصمات الواضحة للفينيقية (مثلاً "أنك" = أنا، وصيغة جمع المذكر ملك ملكيم، "كن" = كان، والنفي بـ "بل"، وإستعمال "فعل" بدلاً من "عبد" الآرامية بمعنى صنع، فعل... الخ)، وبعض صفات اللغة الآرامية (مثلاً "بر" = إبن بدلاً من "بن") في الوقت نفسه .

الأحد, 14 نيسان/أبريل 2013 08:06

الترجمة ومسؤولية نقل النصوص المندائية

تمت في السنوات القليلة الماضية ترجمة بعض الكتب الدينية من المندائية مباشرة الى اللغة العربية. وأهم ما تمت ترجمته هو كتاب گنزا ربا المقدس حيث قدمت الينا ترجمتان احداهما من بغداد وقام بها كل من الأستاذ الدكتور يوسف متي قوزي وهو رجل مسيحي ضليع باللغات السريانية والكلدانية والآرامية وأستاذ متخصص باللغات السامية في جامعة بغداد، وعاونه في الترجمة الدكتور صببيح مدلول السهيري، وهو رجل مندائي معروف ببحوثه المندائية وتراجمه من اللغة الألمانية. وقد سلمت هذه الترجمة فيما بعد للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الذي قام باعداد صياغة الكتاب الأدبية بدون اذن من المترجمين. وبالرغم من الاعتراضات التي اثيرت حول هذه النسخة ـ والتي سنتطرق اليها في مقالات قادمة ـ الا انها تبقى المحاولة الأولى لنقل كتاب مهم مثل گنزا ربا المقدس مباشرة من المندائية الى العربية من قبل عراقيين. وقد اعتمدت هذه النسخة من قبل مجلس الطائفة في بغداد.

أما الترجمة الثانية ـ نسخة أستراليا ـ فقد قام بها الباحــث والمترجـــــم المندائي كارلـــوس گيلبرت ـ خالد عبد الرزاق الخميسي ـ نقلا عن نسخة المستشرق الألماني الكبير مارك ليدزبارسكي ـ الألمانية والعبرية ـ والتي أمضى فيها هذا المستشرق سنوات طويلة في ترجمتها عن المندائية، بعد ان قام بتنقيحها ومقارنتها بنصــوص متعـددة من كتـاب گنزا ربا الموجودة في مكتبات أوكسفورد ولايدن وميونخ ونسخة باريس التي يعود تاريخها الى سنة 1560 م، وكذلك مع مخطوطات يوحنا ، بعد تكليفه بذلك من قبل جامعـة گوتينـگن الألمانية في عام 1913 . وقد اتم ليدزبارسكي ترجمة كتاب الصابئة المقدس گنزا ربا خلال العامين 1916 و 1917 بعد ان واجهته صعوبات جمة في الترجمة منها ان هناك عددا كبيرا من المفردات المندائية تحتوي على معان غامضة او متباينة كما ان الكثير من النصوص تطغي عليها الرمزية المليئة بالمفاهيم الميثلوجية والثيولوجية المستمدة من حضارات وادي الرافدين و منطقة الهلال الخصيب. وقد ساق المستشرق ليدزبارسكي العديد من الأمثلة على ذلك اوردها في حواشي ومتن الترجمة التي قام بها. وتحسب للمترجم كارلوس گيلبرت نقطة ايجابية مهمة حين استعان برجل الدين المندائي الترميذا رافد ابن الريشما عبد الله لتفسير الكثير من المفردات الغامضة والتي بينها في الهوامش، وهي خطوة مهمة في ترجمة هذا الكتاب بدون شك.
ان ترجمة كتاب ديني مهم مثل كتاب گنزا ربا المقدس لدى الصابئة المندائيين وبقية الكتب المقدسة في المستقبل يستدعي استثمار الدراسات والنظريات الحديثة في الترجمة والاستفادة من التراث المندائي وأن يكون المترجم على وعي تام بمقتضيات المجال التداولي للمتلقي المندائي كما هو الحال بالنسبة للأكاديمي والباحث والمهتم بالأدب والأرث المندائي سواء كان هذا المتلقي مندائيا أو أجنبيا لأن التصادم الذي قد تحدثه الترجمة في نقل المفاهيم والمصطلحات يؤدي الى تشويه النصوص أو وأدها في مهدها او اعطاء صورة مغايرة تماما لما تعنيه هذه النصوص نتيجة لتباين المعاني تبعا لمفهوم النص وزمانه ومكاته، خاصة وأن المخطوطات المندائية تمتد الى حوالي الألفي عام في ذاكرة التاريخ. كما ينبغي على المترجم أن يكون يقضا لخصوصية النصوص التي يترجم عنها وتبيان أي لبس في المعاني مستخدما التنبهيات المستمرة للقارئ في حواشي ومتن النسخة المترجمة.

وعلى العموم تبقى ترجمة هذه الكتب مغامرة على من ينوي خوضها ان يكون ملما الماما شديدا باللغة العربية وباللغة المندائية واللغات التي كانت سائدة في وادي الرافدين مثل الآرامية، التي هي مفتاح مهم لكل من يحاول الترجمة عن المندائية، والأكدية والبابلية والفارسية والعبرية والنبطية واليونانية لوجود مفردات كثيرة منها في النصوص المندائية وأن يكون ملما باللغات السريانية والكلدانية والآشورية لاشتراكها مع المندائية في الكثير من المفردات والقواعد، ناهيك عن اتقانه اللغتين الألمانية والأنجليزية اللتين ترجمت اليهما أغلب النصوص المندائية والتي يجب ان يدرسها كل مترجم بعناية قبل اقدامه على الترجمة من المندائية. كما ينبغي للمترجم ان يكون على اطلاع واسع بتاريخ وادي الرافدين ومنطقة الهلال الخصيب والموروث الحضاري والأسطوري لهذه المنطقة امتدادا من حران شمالا وحتى القرنة جنوبا حتى لا ينساق وراء الدلالة العربية لكلمة اسطورة myth على انها خرافة بما تحويه من مدلولات سلبية على الترجمة في الفكر العربي. وكل هذا يتطلب ، كما هو واضح ، لجنة من المختصين بهذه المجالات يعهد اليها بالترجمة.
لقد استغرق الوصول لصيغة مقبولة لترجمة الكتب المقدسة كالأنجيل (العهد القديم والعهد الجديد) مثلا عن الآرامية واللاتينية قرونا عديدة واشترك في هذه الترجمة خيرة علماء اللاهوت و اللسانيات المسيحيين واليهود الى ان جاءت بهذه الصورة المتقنة التي نقرأها في الطبعات العربية. ان شروع المندائيين بترجمة كتبهم المقدسة هو بادرة تستحق التقدير والتشجيع لأنها ستؤدي بالنهاية الى اضاءة مجالات الا مُفكر فيه في التراث المندائي وستحفزهم لتبني نقل كتبهم الدينية الى اللغة العربية ولاحقا الفارسية ـ لوجود جالية مندائية كبيرة في أيران لا تجيد العربية ـ والأنجليزية ـ لأجيال المندائيين التي ستنشأ في المهاجر ـ لكون المندائيين هم الأولى والأحق في استخلاص مكنونات تراثهم ولغتهم وفك طلاسمها بدلا من تركها للمستشرقين الذين أفادوا منها كثيرا في مجالاتهم الأكاديمية. والترجمة ليست بالمهنة الغريبة على الصابئة فقد برعوا فيها منذ القدم كما برعوا في العلوم والطب والهندسة والفلك والشعر والصياغة .

ومن المعلوم فان الكتب المدونة باللغة المندائية ستبقى الوحيدة المستخدمة في الطقوس المندائية من قبل رجال الدين والعامة، اذ لا يجوز استخدام المترجمة الى لغات أخرى في طقوسهم كونها لغتهم المقدسـة التي حمتهم عبر تاريخهم الطويـل ، ولكن التراجـم ستتيح للمندائيين الاطـلاع على لغـة جميلة أصيلة كانت سائدة في بقـاع كثـيرة ردحا طويلا من الزمن، ثم أهملت بسبب القهر والجور، وحان الآن وقت تعلمها واحياءها.

تـُعداللغة أعظم إبتكارعرفته البشرية. وليس غريبا أن تكون بلاد ما بين النهرين، أصل الحضارات، راعية هذا الإبتكار وأرضه الخصبة المنمية والمطورة حتى كان فيها أول حرف عرفته البشرية وحتى تأتي اللغة الآرامية لتكون أكثر اللغات شيوعا في الشرق، تتكلم بها شعوب المنطقة وتحفظ تراث بلدانها. وما تصنيف اللغات السامية الا ّحديثا حيث ظهر على يد الألماني شلوتزر عام 1781 الذي نسبها الى سام بن نوح (ع).
ومع شيوع اللغة العربية وسيادتها في كل البلاد العربية، فإننا مازلنا نجد في بعض هذه البلدان وبخاصة في العراق تواتر العديد من الكلمات والمفردات المحكية دون أن تكون معتمدة في اللغة العربية الفصحى، بما يشكل ما يسمى باللهجة المحلية أو الشعبية. وما هذه اللهجة الشعبية في إختلاف مفرداتها وبعض قواعدها بمبتكرة أو ميسرة أو مجرد مفردة بسيطة أو دخيلة وحسب، بل هي أساسا لغة كانت محكية، حتى إذا ما سادت لغة أخرى مثل العربية، رغم أن العربية إستمدت مادتها والكثير من مفرداتها مما سبقها من اللغات ضمن العائلة السامية، فإنها سادت رسميا وبقي الشارع والعامة يتداولون ويتناقلون اللغة الأساس التي مع ضعف إستخدامها، الا أن الكثير من مفرداتها ظل حيا ومتداولا بما يعرف باللهجة العامية. وعندما لا نجد أساسا عربيا لمفردات محكية فإن البحث يقود الى إحتمال نقلها من لغات بلدان الجوار وبخاصة الفارسية والتركية، والأكثر هو إنحدارها مما جاء من اللغات التي كانت سائدة أصلا وهو ما وجدناه كثيرا ومؤصلا ً.
المفردتان " أكو ، ما كو " العراقيتان الشائعتان الى الحد الذي جعل اللهجة العراقية الدارجة تتميز بهما، تثيران أستفسارات عديدة حول مرجعهما، خاصة وأنهما ليستا من المفردات الدخيلة فارسيا أو تركيا. ويقود هذا الإستفسار الى كلمات أخرى عديدة جدا ً. وبما أن هذه الكلمات ليست دخيلة فهي أصيلة إذا ً، وأصالتها متأتية من الأكدية أساس لغات ما بين النهرين ووريثتها الآرامية. ولأن اللغة المندائية الفرع الأصيل والنقي من اللغة الآرامية، ولأن المندائية كانت سائدة في الجنوب العراقي ولفترة طويلة كإمتداد لسومرية المندائيين، فإن شعب هذه المنطقة عامة كان يتكلمها بدلالة أن العديد من مفردات هذه اللغة ساد وما زال سائدا في اللغة المحكية لعامة المنطقة، بل وبعضها في عموم العراق وحتى بعض بلدان الجوار. ومن أشيع هذه المفردات " أكو.. ما كو". نعم، أكا : بمعنى موجود في اللغة المندائية ونفيها بـ "لا أو ما" يعني غير موجود. إذن " أكو.. ما كو " ليستا كلمتين للهجة عامية عراقية، بل هما مفردتان فصيحتان في اللغة المندائية حيث يقال: أكا هيي: الحي موجود ، أكا ماري : الرب موجود.
ويجرنا هذا الأمر الى البحث في المفردات المحكية في العامية العراقية ومرجعيتهاالآرامية المندائية وهي كثيرة جدا سواء في مفرداتها أم في قواعد لغتها. وسنقف هنا على بعض أمثلة المتواتر والشائع ذلك أن المتداول كثير جدا، وسنلاقي في الأساس والإستخدام مما هو غير موجود في اللغة العربية من معنىً أو قواعد إستخدام. وللقارئ أن يسأل عن أية مفردة شائعة في اللغة المحكية العراقية دون أن تكون ذات أساس عربي وسنعمل على إخباره عن مدى وجودها في اللغة المندائية.
الكلمة المندائية المعنى باللغة العربية الشائع في اللغة العامية
أكا / لا كا، ما كا موجود / غير مو أكو / ما كو
أمو / بقلب العين همزة عم عمو
أمنطول ما دام ماطول
ألج / الجمع ألوج علج / علوج : ثقيل اللسان، أبكم، غبي
بت بنت بت
بسمار مسمار بسمار
بشة بطة بشة
بدق عرف، دقق، فحص بدك
بهش/ باهوش متحرك، مفتش عن الشيء باهوش
بهدا.. بهدا: وحدة وحدة بتمهل بهداي
جوّ داخل / في جوّ
جطل/ مجطول قتل/ طرح أرضا مجطول/ جطله
هطر ضرب، ضرب كف هطره: ضربه
هطر سقط/ وقع إنهطر
هم أيضا هم
هرش خرس حريشي
هشل جلس بقوة إنهشل
وي! للتعجب وي!
طيرقا/ طيركا مشكلة، مصيبة طركاعة
طر فلق طر الفجر، أطرّه طر
شلف سلب شلفه: عزله، تمكن منه
كبّ / كبّت شعل شوى كبّت: إشتعلت ومنها كباب: المشوي
كرفت جمع كيفما إتفق تكرفـّت
لهط لهث/ تعب لهط
لوش خلط/ عجن يلوّج
مانا/ مونة معنى/ فحوى مونة
مهط/ معط مدد/ مط ّ معط
مو! أليس! مو!
مطّ سحب مط ّ
مشّا/ مش مسح مش ّ
متع أمد/ أطال ممتوع
نبا أخبر نب عليه: أخبره
نز فز نز
فلج/ فلك قسم ّ/ نصّف فلكه: ضربه حتى شج رأسه
رهم ناسب رهم/ يرهم
شبش خلط شبش
شله شلح ثيابه شله وأعبر
شمر رمى شمر
شنو ماذا شنو
شدن/ سدن مجنون / مختل عقليا مسودن
مود أجل/ من أجل على مودك

ما تقدم هو أمثلة وحسب، وهنالك المئات من المفردات.
أما فيما يخص صيغ القواعد وبخاصة صيغ أستخدام الأقعال فإننا نجد أن عموم الإستخدام الشائع في لغة الجنوب العراقي هو من أساس قواعد اللغة المندائية الفصيحة وكأمثلة فقط نلاحظ:

أن التحدث عن الشخص الثالث بصيغة الماضي في اللهجة تكون بإستخدام ( إنـ ) ثم الفعل، مثال: إنهطر، إنهشل، إندفن، إنكسر... وهي الصيغة القواعدية ذاتها في اللغة المندائية. وكذلك في صيغة المتكلم حينما يريد أن يقول مثلا: جئت، كتبت.. فهو يقول: إجيت، كتبيت.. وهي الصيغة القواعدية ذاتها في اللغة المندائية. ويقال في العامية ( إبهاتهم و إبهاتكم: آباؤهم، آباؤكم) وهي صيغة الجمع ذاتها في اللغة المندائية. ويقال ( كلـّيتله، بمعنى: قلت له) وهي الصيغة القواعدية المندائية في ربط الفعل بضمير المتكلم أو الغائب أو المخاطب. بل أن طريقة لفظ الحرف في التهجئة العامية العراقية ما زالت ذاتها الطريقة المندائية حيث يلفظ الحرف بلفظ همزة قبله كما في : إب ، إن ، إق ، إش، إص.. وهكذا.

في كل ما تقدم لنا إستنتاجين أساسيين:

الأول، أن هذه الكلمات المستخدمة في العامية العراقية هي ليست كلمات لهجة أو تحريف لمفردات عربية أو كلمات دخيلة، بل هي من أساس اللغات التي كانت سائدة في المنطقة قبل شيوع العربية وإستخدامها الرسمي وظلت حية لقوة اللغات الأساس ودقة تعبيرها أحيانا وإلتصاقها بالجذور المؤصلة.

والثاني، أن مرجعية المئات منها الى اللغة المندائية المثبتة في كتبهم وأدبهم تدلل على الوجود المؤسس للمندائيين في بلاد النهرين، هذا الوجود الغارق في الزمن قدر قدم العراق وحضاراته من جهة ومن جهة أخرى شيوع اللغة المندائية كلغة محكية في المنطقة بأجمعها وقدرتها على إحتواء مفردات الحياة والتخاطب بما جعل شعب المنطقة يتحدث بها وما زال. وهذا، بلا شك، بعض إرث المندائيين في وطنهم العراق.

الأحد, 07 نيسان/أبريل 2013 14:08

الصاية والصرماية في اللغة المندائية

حين تبتكر حضارة وادي الرافدين أول أبجدية وتعتمدها في الكتابة، فما ذاك إلا ّ
لرقي إنسانها في ميادين عديدة ومنها الميدان اللغوي. لذا فإن أرض الرافدين تعد
مخزونا لغويا هائلا بدأ ابتكارا وأثرى بحكم ثراء حضاراته وما يمليه ذلك الثراء
من حاجة للمفردات على اختلاف ميادين الحياة المزدهرة. لقد توارثت حضارات وادي
الرافدين اللغة من بين ما توارثت، ذلك أن اللغة تراكم أصوات ومفردات واشتقاقات
وبناءات وقواعد واستخدام لين سلس تفوق حاجة الإنسان فيها حاجاته الأخرى من حيث
الاستخدام. فالإنسان إنما يأكل مرات محسوبة ويشرب مثلها.. وهكذا في حاجاته
الأخرى، في حين أنه يستخدم اللغة على مدار يومه نطقا أو تفكيرا ، بل يعتمد
اللغة حتى في أحلام منامه.

ومعلوم أن اللغة السومرية هي أساس لغة وادي الرافدين ثم تأتي اللغة الأكدية 

بعبقرية تكاملها لتكون اللغة الأم لما أصبح تقسيما شائعا تحت تسمية اللغات
السامية من قبل الباحث الألماني "شولتسر" في نهاية القرن الثامن عشر. وتأتي
اللغة الآرامية لتكمل البناء اللغوي في لغة وادي الرافدين. ومنها تفرعت لغات
شعوب المنطقة وتعدت الى أصقاع عديدة استخداما وتأثيرا.

ولأن المندائيين مكون أساسي من مكونات شعب وادي الرافدين، وبحكم حجم وجودهم
وغنى تراثهم فقد اختصوا بلغة خاصة هي اللغة المندائية التي يعدها الأكاديميون
والمعنيون الفرع النقي الخالص للغة الآرامية الشرقية لعدم تأثرها بمفردات اللغة
العبرية كما في اللهجات اليهودية، ولا بالإغريقية كما في اللهجات المسيحية. كما
طوروا أبجدية خاصة بهم أيضا غير متأثرة برسوم الأبجديات المتوارثة الأخرى. لذا
يرى عالم اللغات "كارل بروكلمان" بأنها تمثل الأصوات الحقيقية للغة تمثيلا
صادقا. ولأن بيئة المندائيين المعهودة هي وسط وجنوب العراق فإن تداول هذه اللغة
كان هو الشائع الى حد سك نقود مملكة ميسان بها.

وبدخول الإسلام أرض العراق بدأ تسيد اللغة العربية التي هي أيضا فرع من اللغة
الآرامية. ومع سيادة اللغة العربية كونها لغة القرآن وأداة فهم الدين وطقوسه
وشعائره، ثم تبني العراق تشييد صرح هذه اللغة بمدرستي الكوفة والبصرة وما أعقب
ذلك من ثراء لغوي بنتيجة ثراء الدولة العربية إبان الخلافة العباسية، مع ذلك
كله، فقد بقى لسان الناس يحفظ الكثير من الكلمات والمفردات التي قد يستغرب
بعضهم استخدامها ولا يعرف أساسه لانقطاع الرجوع الى اللغات التي كانت سائدة في
المنطقة. وليس غريبا أن إحصاء هذه الكلمات سيكون كثيرا جدا الى الحد الذي أصبح
بعضهم يطلق عليه اللهجة أو اللغة المحكية أو اللغة غير الفصيحة مع أن الكلمات
المتواترة في اللغة المحكية هي كلمات فصيحة في أساس لغاتها.

ومع أن بعض الأكاديميين والباحثين قد تناولوا هذا الموضوع وبخاصة في الكلمات
الأكثر شيوعا، فإن بروز الحاجة لاستخدام بعض الكلمات مما هو شائع في اللغة
المحكية أما لالتصاق تداولها بعامة الناس أو لغرابة استخدامها أو لغرض التنوع
وتجاوز المألوف أو لصلاحيتها للتعبير المتكامل عن معنى كبير لا تخدمه مفردة
واحدة في اللغة العربية قد جعل بعض الكلمات شائعة إعلاميا في الوقت الحاضر.

للأسف بقت اللغة المندائية مهملة في مهد منشئها ووطن وجودها مع أن لفظ الجنوب
العراقي، خاصة، يتطابق تماما مع لفظ اللغة المندائية ناهيك عن الكم الهائل من
المفردات المستخدمة والتي إنما هي مفردات بقت المندائية تحفظها عن الأكدية
والآرامية أو ابتكرتها وأشاعت استخدامها جميعا في المنطقة بحكم وجودها وشيوع
لغتها فيها منذ ما يزيد عن 2200 عاما.

لقد تناولنا في مواضيع سابقة استخدام اللغة المندائية بشكل فصيح لمفردتي " أكو
.. ماكو" وكذلك لمفردتي " الجا واللعد " وغير ذلك مما أحصيناه والذي يربو على
ألف كلمة وأساس أفعالها في ما نعكف عليه الآن في قاموس المفردات المندائية في
اللهجة العراقية. ومن بين الكلمات التي علا صوت استخدامها بعد أن اعتمدتها قناة
الشرقية وأشاعت ذكرها إعلاميا مفردتي " الصاية والصرماية " و " كرستا وعمل ".
وقد ذهب بعضهم في تفسيره بناء على المتداول في أن " الصاية والصرماية " هما
الجاه والمال والاكتفاء بأن المفردتين من أصول أكدية.

وبعد الرجوع الى اللغة المندائية فقد وجدنا أساسا لهذين المفردتين وكما يلي:
أما " الصاية " فأساسها في اللغة المندائية هو كلمة (صايتا ) التي تعني السند
والحزم والقرب والمعـيـّة. ولذلك يقال في اللغة المحكية ( بصاية الله وصايتك )
بمعنى بسند ودعم ومعية من الله ومنك . وبالمعنى نفسه ترد كلمة ( سياتا ).
ويلاحظ أن حرف التاء في آخر الكلمة في اللغة المندائية يشير الى صيغة المؤنث
أما ورودها بصيغة المذكر فيكون ( صايا ) وفي حال الجمع (صايي). وأما كلمة "
الصرماية " فأساسها في اللغة المندائية الفعل (صرر) ومنه تتشكل كلمة (صرراية )
وأيضا كلمة ( أ ُصرايا ) التي ترد بمعنى " الذخيرة والمخزون والإدخار والثروة
". ويظهر لنا بأن الحاجة الى إعتماد الكلمتين كمصطلح شامل متكامل بين الـ "
صاية " بمعناها السند والـ " أصرايا " بمعناها الذخر قد تطلب تحوير الكلمة
الأخيرة لتكون على وقع وسجع الكلمة الأولى فصارت مع تقادم الإستعمال وتليين
إستخدامه " صراية ثم صرماية ". وهكذا فإن مصطلح " صاية وصرماية " في اللغة
المندائية يعني ( السند والذخر) وهو ما يراد به تماما بحسب فهمنا لمعنى
الإستخدام الدارج حينما تشير الأم الى أبنائها بأنهم ( الصاية والصرماية) .

أما مصطلح ( كرستا وعمل) فإن كلمة "عمل" معروفة بأساس الفعل في اللغة العربية.
وأما كلمة (كرستا) فإن أساسها ما وجدنا في اللغة المندائية حيث تلتقي هذه
الكلمة مع الكلمة المندائية ( كَـِرساتا ) التي تعني الطحين أو دقيق الأشياء
القابلة للطحن. وعلى هذا فإن الخبز مثلا لا يحتاج إلا الى الطحين والعمل أي (
الـكرستا والعمل). ولأن عيش الناس قائم على الخبز فقد أصبحت مادته الأولية
(الطحين / الكرستا ) مثالا للمادة الأساسية لأي مجال إنجاز آخر. فصار وصف
متطلبات الإنجاز بـ (الكرستا والعمل).

كان إرجاعنا للمفردتين العراقيتين الشهيرتين ( أكو.. ماكو) الى أصلهما في اللغة المندائية كوريث أساسي للغة الأكدية أم اللغات السامية، كان مثار نقاش في أثناء عرض دراستنا حول اللغة المندائية في مؤتمر جامعة مدينة بوزنان في بولونيا ضمن مؤتمر الأديان غير المسلمة في العراق. وقد أثار ذلك تحفظات بعض المستشرقين حتى دعمنا ذلك بالمعنى، ثم بالإستشهاد بكلمات أخرى ذات إستخدام شائع في اللغة العراقية المحكية والتي لا يعرف لها أصل عربي أو قد يستهين بها البعض بعدها من المفردات ( الجلفية) التي قد يعاب إستخدامها.
وقد تطور النقاش على هامش المؤتمر حتى جذب إهتمام معهد الإستشراق في الجامعة للمفاجآت العديدة التي عرضناها في عائدية مفردات عراقية وبخاصة في لغة الجنوب المحكية الى اللغة المندائية حصرا أو إرثا أكاديا. كما أبرز النقاش الحاجة لوضع قاموس للمفردات المندائية الشائعة في لغة العراق المحكية، وهو ما قطعنا فيه شوطا طيبا.
وقد كانت مفاجأتنا مفرحة ولا تقبل التأجيل في الإعلان عن مرجعية الـ( چـا) العراقية الى اللغة المندائية. هذه الـ( چـا) التي تتقاسم مع الـ( أكو.. ماكو) سمة اللهجة العراقية ، حتى أن من يريد ان يظهر بيان تحدثه باللهجة العراقية فإنه يلجأ الى إستخدام هذه الكلمات الثلاث. أما الـ( أكو.. ماكو) فقد تناولناهما في مقالة سابقة، وأما الـ( چـا) فنقول أن باحثين عديدين حاروا في عائديتها وقد ذهب فيها البعض الى أنها من الكلمة الهندية ( آچـا) وقد جاءت مع مربي الجاموس الهنود يوم إستقدموا للعراق مع جاموسهم. أو هي تحوير لكلمة (أكو) بقلب الكاف جيما والواو ألفا لتكون( أچـا) ثم ( چـا) أو أنها من المقطع ( كا). وكذلك حاروا في معناها كلازمة فقط أم أنها تفيد المعنى في الإستدلال بتثبيت الظرفية خاصة وأنها تسبق السؤال بكيف وأين وماذا..
ويقابل لفظة الـ (چـا) كلمة ( لعـد) البغدادية. فالسؤال (جا وين؟) يقابله (لعد وين؟).. وهكذا. ولذا تجد البعض حينما يريد أن يتبغدد ويرتقي على لهجة الجنوب العراقية في الـ(چـا) يقول الـ( لعـد). مع أن لكمة ( لعـد) متكونة من (لا) و ( عاد). والـ(عاد) هنا ليس بمعنى العودة ولا بمعنى العادة أو أي معنى مشابه في اللغة العربية الفصيحة.
وإذا إعتمدنا أن (لا) هي أداة نفي في العربية والمندائية، فإن كلمة (عاد) هي ما تحتاج الى متابعة. ونجد في اللغة المنداية كلمة ( آد) تعني( فإن ،إذن، الى حين، حتى) وهي تفيد المعنى ذاته خاصة إن فرقنا الكلمتين كما في بيت الشعر الدارمي( دكم سترتك زين لا عاد أشتم..). وبذا تكون الـ ( لعد) البغدادية هي ربط بين لا وحتى أو الى حين أو إذن . ويكون المعنى أوضح في (كافي عاد) و ( بس عاد).

أما الـ(چـا) فقد قادنا البحث فيها الى أنها من أساس الفعل ( شا: ش، ا، ا) في اللغة المندائية. ولأنه من المعتاد أن يقلب لفظ حرف الشين في بعض الكلمات في لهجة الجنوب العراقي الى (چ) ذلك أن هذا االصوت ليس من اصوات الأبجدية المندائية ولا العربية، فإن ال( شا) تصبح (چـا) . ويتأكد ذلك من خلال معنى الفعل ( شا) في اللغة المندائية والذي يفيد : التكلم، التحدث، المناقشة ، الذكر. وهذا تماما ما يراد به في ذكر كلمة الـ(چـا) حيث ترد دائما مقرونة بكلمة أخرى مثل: چـا شلون: قل كيف؟ چـا وين: إذكر أين؟ چـا شمالك: قل ما بك؟ وهكذا فهي مرتبطة بالسؤال والإستفسار والطلب من المقابل أن يذكر: كيف وكم ومتى وأين ولماذا؟
ومن أصل هذا الفعل تشتق كلمة ( شيتا) بمعنى الكلام في اللغة المندائية، وكلمة(شوتا) بمعنى القول وهي ليس بعيدة عن الكلمة العربية ( الصوت). ويرد في الأدب المندائي : ( هازن هي شوتا قدمايتا) بمعنى: هذا هو الصوت الأقدم، الذي نادى به الحق لمعرفة الخالق وتوحيده في أنه الدين الأول.
ولأن اللغة المندائية - كما هو معروف- خالطت لغة النبط في مملكة ميسان قبل ما يزيد على 2300 عاما ، فإن مفرداتها سادت وتعاقبت وعاشت في المجتمع. ولم تستطع اللغة العربية ، مع أنها إستندت الى أصولها السامية وأخذت الكثير من اللغة الأكدية، أن تستوعب جميع المفردات وبخاصة تلك التي كانت لصق اللسان أو الأسهل والأيسر والأدق في التعبير. وعلى هذا نجد أن اللهجة المحكية أقصر طريقا في التعبير عن الفكرة في أغلب الأحيان.
وحيث يستند أصحاب الأصل الغربي للمندائيين ( قدومهم من فلسطين) الى ورود بعض المفردات المحددة في اللغة المندائية والتي تشير الى مواقع في حوض الأردن كما في كلمة (يردنا) التي تشير الى الماء الجاري فإن هنالك من الدلائل أن هذه الكلمة ذاتها ذات أصل سومري في ( گور- دو- ن). كما أن مئات الكلمات التي مازالت مستخدمة و شائعة في اللغة المحكية العراقية وبخاصة في جنوب العراق هي أدواتنا لمقابلة هذا الفريق في أن المنشأ والوجود والبقاء المندائي إنما هو بلاد ما بين النهرين. بل أن للمندائيين بناءاتهم المؤسسة في هذا الوطن العراق، وإن جادل مجادلون فهذه لغتهم في الـ( أكو، ماكو، جا، لعد، يمعود....والمئات التي نقوم بتوثيقها الآن).
كيف لا يؤلمنا إذن إستهدافهم من قبل الطارئين على العراق. وكيف لا يعصرنا إذن ألم نزوحهم الإجباري اليوم من العراق. تاركين فيه تعميدهم الذي لا يرتقيه أي تعميد في ماء غير ماء الفرات، فهو ( فراش زيوا: الفرات النوراني)! وتاركين مفردات لغتهم التي سيبقى العراق يتحدثها لغة محكية في الوقت الذي يضطرون هم من جديد الى تعلم لغات بلدان اللجوء!

حاوره موسى الخميسي من روما: تعتبر الديانة المندائية من الديانات التوحيدية، وورد ذكرها في القرآن الكريم، وكثر الحديث عن اتباع هذه الطائفة في القرن الماضي فالفت فيهم الكتب ونشرت البحوث والدراسات الانثروبولوجية قام بها شرقيون وغربيون. وديانة هذه الطائفة الصغيرة( 70 الف) التي تنتشر في العراق وايران، غير تبشيرية. كتابهم المقدس يطلق عليه" الكنزاربا" اي الكنز العظيم مدون باللغة المندائية وهي احدى فروع اللغة الارامية ومترجم الى عدة لغات عالمية ومنها اللغة العربية.
الدكتور قيس مغشغش، احد مثقفي هذه الطائفة الدينية ، وهو واحد من القلائل من ابناء الطائفة الذين قاموا بتحقيقات ودراسات قيمة في ميدان الدراسات اللغوية السامية، وله معرفة واسعة بلغات حية كثيرة، وساهم بالعديد من الدراسات اللغوية، وهو من الداعين الى احياء اللغة المندائية، باعتبارها كائنا حيا تعرض للاستلاب، بعد ان حلت محلها لغة تنتمي الى ثقافة وحضارة اكثر تقدما وحداثة، وقد اصدر في الاونة الاخيرة كتابا تعليما مصورا للكبار والصغار ولمختلف الثقافات والانتماءات القومية والدينية لتعليم اللغة المندائية باعتبارها رمز ثقافي له مكانته الكبيرة في التكوين الثقافي لاي مجتمع من المجتمعات. التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار:
* يقال أن لا حياة لإمة بدون لغة، فهل ينطبق هذا على المندائيين؟
- هذا صحيح، فاللغة أحد المقومات الأساسية لأية أمة. والمندائيون أمة تميزت بإبتكار لغة خاصة بها وذلك دليل على عدة جوانب منها: كبر حجم أمتهم ما جعل لغة خاصة بهم حاجة تتطلب الإبتكار. غنى تراثهم وتنوعه بما لم تستوعبه لغة من اللغات السائدة في مناطق تواجدهم. القدرة الإبتكارية للمندائيين في وضع لغة خاصة بكل ما تتطلبه اللغة من أبجدية ومفردات وأصوات وقواعد. خصوصية المندائية والمندائيين في ديانتهم وأدبهم وتراثهم. التعايش المجمـّع والموحد للمندائيين بحياة تفصيلية ما تطلب التخاطب بلغة خاصة. وقد كانت المندائية حية وحيوية بلغتها، وبفقدها اليوم تفقد عنصرا مهما من عناصر الديمومة وشد اللحمة والإرتباط بالأصول قدر الإطلاع عليها بلغتها التي دونت فيها لتكون أكثر تأثيرا في الوجدان والعاطفة.
* يقول علماء اللغة بأن 3400 لغة في العالم ستختفي في جميع أنحاء العالم خلال فترة الخمسين سنة القادمة، هل تعتقد أن اللغة المندائية ستكون واحدة منها؟
- من بين أكثر من 6000 لغة في العالم فإن هنالك أعدادا كبيرة منها معرضة اليوم للإنقراض. وهذا راجع أما الى زوال وإنقراض صفة المجموعات والشعوب التي تتحدث هذه اللغات، أو إنسحاب بعض اللغات إزاء سيادة لغات أخرى. وهذا ما حصل ويحصل للغة المندائية التي إنسحبت من لغة سكـّت بها العمل النقدية في زمن أوجها الى لغة لا يتحدث بها اليوم أكثر من 100 فردا.
* ماذا يستوجب هذا الأمر؟
- إن هذا الأمر يستوجب العمل في مجالين أساسيين. الأول: مجال الأمة ذاتها، وتحديدا هنا المندائيون أنفسهم. فقد إنسحب المندائيون تدريجيا عن لغتهم بسبب سيادة اللغة العربية وبسبب عيش المندائيين غير المحدد ببيئة جغرافية معينة أوخاصة بهم مما يمكن أن يحافظ على لغتهم من خلال دوام التحدث بها. وكذلك من حرص المندائيين على المعايشة مع المجتمع الأكبر الذي أصبحوا يعيشون فيه ويتعاملون معه كاسبين وده لضمان البقاء. كل ذلك جعل المندائيين يتقنون سريعا اللغة العربية بلهجتها العراقية دون تميز أو لكنة. ثم جاء الإنتظام في التعليم الرسمي ولغته العربية، وقد تميز المندائيون في اللغة العربية شأن تميزهم وتفوقهم التعليمي مما شكل الضربة القوية للغة المندائية. فقد غدا المتعلمون في الأمة المندائية ومثقفوها، بنتيجة الإنشغال عن اللغة المندائية، أميون في لغتهم الأم. وهكذا خسر المندائيون أن يحفظ ويطور الجيل المتعلم هذه اللغة مثلما طور علوما ومهنا كثيرة وتميز بها. إذن، إن مجال إحياء اللغة يتعلق أولا بالأمة ذاتها وبخاصة المتعلمون والمثقفون والواعون . ومع أن سبل الإحياء اليوم صعبة وكثيرة ومتنوعة الا ّ إنها مازالت ممكنة.
أما المجال الثاني، فهو الإسناد الدولي المتخصص. فقد أدركت منظمات دولية وأكاديمية وإنسانية عديدة أهمية اللغات التي إبتكرتها أمم وشعوب العالم وإعتبرتها إرثا إنسانيا يستوجب المحافظة عليه. وقد سعت هذه الجهات الى تحديد اللغات المهددة والمعرضة لخطرالإنقراض وبدأت بمشاريع توثيقها بل والمساعدة على ديمومة التحدث بها. وقد سعيت شخصيا لهذا الأمر من خلال مخاطبة منظمة اليونسكو وكذلك جمعيات أكاديمية أخرى لتسجيل اللغة المندائية واحدة من اللغات المعرضة لخطرالإنقراض علما بأن الأمر يتطلب جهود ومتابعة من المعنيين المندائيين.
* إذن، هل من سبيل لإحياء اللغة المندائية؟ وما هي متطلبات ذلك؟
- نظريا ً نعم. أما الجانب العملي فهو يعتمد على المندائيين أنفسهم. فقد أحيت دولة إسرائيل اللغة العبرية رغم تعدد قوميات ولغات اليهود. أما أهم متطلبات عملية الإحياء فهي الرغبة والدافع لدى المندائيين لأن يتعلموا لغتهم وهذا واقع ويمكن إستثارته من خلال حاجة المندائيين لإثبات هويتهم الخاصة وأنهم سلالة أمة موجودة وكان لوجودها إعتبار وقيمة تحملت من أجله الكثير وظلت حتى اليوم تعيش التطور والتقدم دون أن تتقوقع أو تتخلف أو تزول. فهي حقا تستحق الإكبار والمكافأة. والمكافأة هي أن نكافئ نحن أنفسنا بإعتزازنا بهويتنا المندائية وأبرز سمات الهوية اللغة الخاصة وهي موجودة ولاتتطلب إبتكار.
ينبني على ما تقدم ضرورة توفير الدعم لوضع المناهج التعليمية وأدواتها ووسائلها من كتب وبرامجيات وتقنيات ثم إعداد بعض الكوادر التعليمية وهم- فرواه ماري- كثيرون ومشهود لهم في ميدان التعليم.
ومع أن توزع المندائيين اليوم في بلدان المهجر قد زاد من تعقيد هذا الأمر، الا ّ أن إستخدام تقنيات الإنترنيت وغرف المحادثة والبرامج الكومبيوترية يمكن أن يستغل بشكل فاعل. على أن هذا الأمر يتطلب جهة متخصصة تحرص على متابعته، وقد كانت لنا فكرة إعتماد رابطة تجمع المتخصصين والمعنيين باللغة المندائية بمن فيهم أكاديميون غير مندائيين. وبهذه المناسبة فإنا نطلق دعوتنا لتشكيل مثل هذه الرابطة لتكون جهودها متخصصة وتنفيذية ملموسة.
* هل تحتمل اللغة المندائية إستنباط كلمات ومفردات جديدة، وكيف لها مسايرة متطلبات المعاصرة في حياة تعصف بها رياح التقنيات الحديثة وإحادية اللغات العالمية؟
- أما عن الشق الأول، فالإجابة نعم، تحتمل اللغة المندائية إستنباط كلمات ومفردات جديدة بحكم أن اللغة المندائية تقوم في مفرداتها على الفعل أساسا لإشتقاق الكلمة. فليس التلفاز في اللغة الإنكليزية والألمانية أكثر من " المشاهدة عن بعد" . وبالمندائية يمكن إشتقاق كلمة له من الفعل" هزا" بمعنى شاهد ليكون" هزوانا" مثلا وبعد أن يوضع في الإستخدام يشيع فيعتمد وهكذا. علما بأن اللغة العربية، على غنى مفرداتها، قد عربت كلمة تلفزيون على تلفاز، وهذا مدخل آخر في الإستنباط.
أما مسايرة متطلبات المعاصرة، فإن العولمة التي يراد لها أن تدق وتطحن خصوصيات الشعوب والأمم لصالح قطب احادي، فإنها تسعى لتفوق لغة واحدة بما يجعل اللغات الأخرى خجلة أمامها من حيث مفرداتها أو تعزيز إنتشارها. ونحن اليوم نفكر فقط في كيفية المحافظة على اللغة المندائية إذ أن التحدث ، وهو من أهم مقومات حياة اللغة، لا يتم الا ّ من خلال التواجد المشترك والتفصيلي وهذا ما لا يعيشه المندائيون اليوم حتى في وطنهم الأم. علما بأن هنالك لغات عريقة وواسعة الإنتشار ولها مقومات الإسناد، ومع ذلك فهي تتهم اليوم بأنها ليست لغة علم أو تكنولوجيا، كما هي اللغة العربية ولغات البلدان الإسكندنافية.
* يقال بأن أحد رجال الدين المندائيين كان يتراسل مع المستشرقة الإنكليزية الليدي دراور باللغة المندائية، فهل تعتقد أن أبناءنا المندائيين يستطيعون مستقبلا كتابة رسائل فيما بينهم باللغة المندائية؟
- كِلا المرحومين الكنزابرا الشيخ دخيل الشيخ عيدان والكنزابرا الشيخ نجم الشيخ زهرون كانا يتخاطبان مع الليدي دراور باللغة المندائية. وقد إطلعت على إحدى هذه المخاطبات والتي أحتفظ فيها لنسخة بخط يد الليدي دراور باللغة المندائية. كما أن تذييلات الكتب الدينية والى عهد الكنزابرا المرحوم الشيخ عبد الله الشيخ سام تكتب باللغة المندائية، وفيها يتم تدوين الوقائع التأريخية والحياتية المهمة في عصر الناسخ. ولا شك بأن تحدث المندائيين في إيران وتخاطب البعض منهم باللغة المندائية على ما يداخلها من مفردات ولكنة فارسية هو مدخل هام وأساسي في عملية إحياء اللغة المندائية إن عزم المندائيون على ذلك. وعلى هذا فإني على يقين أن بإمكان أبناءنا وشبابنا- إن رغبوا- كتابة رسائل فيما بينهم بالمندائية وقد بدأ البعض منهم فعلا مخاطبتي بجمل مندائية. وليس هذا الأمر بكثير فقد تعلم حتى الكبار منا لغات بلدان المهجر التي أصبحنا نعيش فيها. علما بأن تعلم اللغة المندائية عملية سهلة فهي لا تختلف عن العربية التي نتقنها جميعا من حيث الأسس بل وحتى في الكثير من المفردات التي سيتفاجأ المندائي بدرجة تشارك اللغتين فيها، ذلك أن الأساس واحد وهو اللغة الأكدية أم اللغات السامية.
* لماذا يصر رجال الدين المندائي على إستخدام اللغة المندائية في ممارسة الطقوس الدينية ويهملون تداولها في الحياة اليومية؟
- أخي موسى، ما أبقى حياة ًفي اللغة المندائية لحد الآن هو إعتمادها لغة وحيدة في كتابة النصوص الدينية والأدب المندائي. والمندائيون رغم تخليهم عن درس فقه الدين المندائي بسبب ظروف الإضطهاد والمعاناة التي تعرضوا لها، فإنهم لم يتخلوا عن ممارسة طقوسهم الدينية. وبما أن جميع هذه الطقوس تقوم على القراءات الدينية المصاحبة للمراسيم الأخرى، فقد أوجب ذلك على رجال الدين ضرورة إعتماد اللغة المندائية التي بدونها لا يتم الطقس خاصة وأن من القراءات ما يجب أن يكون جهرا. ولقد ظل عدد من رجال الدين وبعض المتعلمين الى عهد قريب يتحدثون اللغة المندائية حتى طغت اللغة العربية على تخاطبهم أيضا بأسباب عدم تواجدهم متلاقين متخاطبين وإنشغالاتهم الحياتية التي أحدثت تركا للغة. ومعلوم أن ترك اللغة يؤثر في قدرة التخاطب بها ويضعفها وهو ما حصل لدى أغلب رجال ديننا. ونحن نتمنى عليهم تكثيف درس اللغة حتى يكونوا عامل جذب وتشجيع للآخرين بل وفي مقدمة المساهمين في إحيائها. وهنا يسرني أن أشيد بالجهود التي بذلت من قبل الترميذا الشيخ سلام غياض في ستوكولم/ السويد لإستحصال الموافقات لإعتماد اللغة المندائية لغة أم وتدريسها على وفق منهج معد لأبنائنا المندائيين في مدارسهم النظامية مع الأمل بالتعميم والدعوة للحذو في جميع بلدان تواجد المندائيين.
* ما قصة الحرف المندائي، وهل من سبيل لوضعه في الخدمة الكومبيوترية شأن حروف لغات العالم الأخرى؟
- الحرف المندائي حرف جميل رغم قدمه وعدم السعي لتطوير شكله بسبب نصوص تقديس المندائيين لحروف أبجديتهم حفاظا أن لا يمسها تغيير أو ترك وقد نجحوا بذلك. لقد زاد من جمالية الحرف إمكانية ربطه من اليمين واليسار مع وجود خمسة حروف لا تقبل الربط من اليسار. وبهذه الميزة يمكن إجراء تكوينات تشكيلية في الخط المندائي بما يشابه التشكيلات في لوحات الخط العربي التي أصبحت فنا بحد ذاتها. ويمكن بهذا الخصوص الإطلاع على نماذج قمنا بها ومماثلتها أو تطويرها من قبل الفنانين المندائيين كمدخل آخر للإعتزاز والإحياء. أما عن وضع الحرف المندائي في الكومبيوتر فقد تم القيام بذلك بشكل محدود جدا من قبل بعض المندائيين. ولأغراض طبع كتابي فقد قمت بتصميم ثلاثة أنواع للخط المندائي هي " زازي، شكندا، و هيونا" وهو تخليد لأقدم وأبرز ثلاثة ناسخين مندائيين. وهنالك اليوم مخاطبات مع بعض الجهات الأكاديمية لوضع ثلاثة خطوط مندائية أخرى بحسب نموذج الكتابة اليدوية لكل من " ليدبارسكي/ عالم الساميات الألماني الكبير ومترجم كتاب الكنزاربا الى الألمانية، والليدي دراور الغنية عن التعريف، و رودولف ماتسوخ باحث اللغات المشترك في وضع القاموس المندائي " تقديرا لجهودهم المتميزة في خدمة المندائية.
والعمل جار من قبلنا لتسجيل حقوق هذه الخطوط من أجل وضعها في خدمة المندائيين والخدمة الكومبيوترية عامة.
* وهل سيساعد ذلك في إمكانية إستخدام الكومبيوتر لتعليم اللغة المندائية؟
- لا شك أن ذلك سيعد أحد الإسهامات خاصة وأن البرامج الكومبيوترية أصبحت اليوم من أكثر البرامج التعليمية فعالية، فهي وسيلة فردية وجماعية ويمكن أن تعتمد الصوت والصورة والحركة. فإذا ما تم بناء برامج تعليمية على وفق مبادئ التعليم المبرمج فإن ذلك سيساعد أبناءنا في تعلم لغتهم. والحقيقة أني قد قطعت شوطا في بناء برنامج تعليمي من هذا النوع الا ّ أن هنالك مشكلة تقنية تتمثل في تحويل برنامج" البور بوينت" الذي إعتمدته الى إسلوب عرض إعتيادي يستقبله أي كومبيوتر. وأنا أطلب مساعدة شبابنا المتخصص لحل هذه المشكلة وتسهيل إنجاز هذا العمل الذي يمكن أن يكون بين أيدي عامة المندائيين قريبا ً.

* هل تعتقد أن كتابك القيم في تعليم المبادئ الأساسية للغة المنداية يصلح كمنهج تدريسي للصغار والكبار على السواء في داخل البيئة العراقية وخارجها؟
- إن كتاب : "أتعلم المندائية" الذي قمت بوضعه يصلح كأساس لتعلم اللغة المندائية قراءة وكتابة. لقد تم بناؤه على وفق أسس التعليم الصحيحة للمرحلة الأولى في إكتساب اللغة. وهو منهج موجه من حيث مستواه الأولي وصوره الى الأبناء الذين نسعى أن يقدموا على تعلم لغتهم الأم. كما أنه يصلح لكل من يسعى للبدء بتعلم هذه اللغة على إختلاف مراحلهم العمرية. ولذلك فقد أقرت جامعة برلين الحرة إعتماده لتعليم اللغة المندائية لطلاب قسم الدراسات السامية، كما طلبت نسخا منه جامعات عديدة لحد الآن مثل: جامعة هايدلبرغ و جامعة كوتنكن في ألمانيا ، جامعة لندن، جامعة لايدن في هولندا، جامعة هلسنكي في فنلدا.
وتأسيسا على هذا المستوى يمكن وضع المستويات الأخرى بما تتطلبه من نصوص وتمرينات وقواعد.. وهكذا. والأمل معقود على كل من له معرفة وقدرة للإشتراك في لجنة متخصصة لهذا العمل. ولنا شرف التعاون مع الجميع خدمة لهذا المجال الحيوي من مجالات المحافظة على المندائية وبقائها. وأشكركم.

موروث بلاد النهرين لايحظي بدراسة مراكز البحوث والاكاديميات

إظهارا ودعما لأهمية اللغة في حياة الشعوب والأمم، فقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعتماد عام 2008 سنة دولية للغات وقد أسندت مهمة تنسيق الأنشطة المتعلقة بهذا العام لليونسكو التي أكدت عزمها علي القيام بدورها القيادي في هذا المجال إدراكا منها بالأهمية الحاسمة للغات في التصدي للتحديات العديدة التي سيتعين علي البشرية مواجهاتها خلال العقود المقبلة.

حماية جميع اللغات
وقد دعا مدير عام المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم " يونسكو " كوتشيرو ماتسورا الحكومات ووكالات المنظمة الدولية والمؤسسات التعليمية والجمعيات المهنية وجميع الجهات المعنية إلي العمل علي احترام وتعزيز وحماية جميع اللغات لاسيما اللغات المهددة بالإنقراض. وأشار ماتسورا إلي أهمية العمل للحيلولة دون اندثار هذه اللغات من خلال وضع سياسات لغوية تتيح لكل جماعة لغوية استخدام لغتها الأولي أو لغتها الأم علي أوسع نطاق ممكن ولأطول فترة ممكنة. وأكد ماتسورا ضرورة اتخاذ مبادرات في مجال التعليم والإنترنت بالإضافة إلي القيام بمشروعات تهدف إلي حماية اللغات المهددة وتعزيزها باعتبارها وسيلة للاندماج الاجتماعي. وأشار إلي أن السنة الدولية للغات 2008 تعد فرصة فريدة لإحراز تقدم حاسم في المساعي الرامية نحو بلوغ هذه الأهداف. وأعلن ماتسورا أن 21 فبراير القادم - الذي يوافق اليوم الدولي للغة الأم - يكتسب أهمية كبري هذا العام في ظل السنة الدولية للغات، حيث سيكون فرصة لإطلاق المبادرات الرامية إلي تعزيزها.
لقد إعتمدت اليونسكو تاريخ 21 شباط من كل عام يوما للغة الأم، وهذا اليوم هو تخليد لتاريخ أبشع تصفيات جسدية ذهب ضحيتها أساتذة ومتخصصون وناشطون بنغلاديشيون ناضلوا من أجل بقاء لغتهم البنغالية الأم مقابل تسييد اللغة الأردوية المعتمدة في الباكستان قبل إستقلال بنغلادش عن باكستان. وهكذا صار هذا اليوم مناسبة للتأمل في اللغات المهددة بالانقراض، وتقصي الأسباب الكامنة وراء ذلك، والتحرك دولياً للحد منه وتعزيز اللغات الأم وإحياءها. فاللغة هي التي تحمل قيم الجماعات وهويتها الاجتماعية، وهي وسيلة الإنسان للتواصل مع الآخرين، وأداته المعرفية. وبالتالي فاللغة هي الإنسان نفسه، و" هي البعد الأساسي للكائن البشري، بل أننا نحيا في اللغة وبها " كما يقول المدير العام لليونسكو.

صوت الامة
إن كل لغة هي نتاج شعب أو أمة وهي دليل قوي علي قيمة ذلك الشعب وأهميته وحاجته للتميز بلغة خاصة يأتي ابتكارها وتطويرها واستعمالها مؤشرا علي الضرورة الخاصة بالقيمة الاجتماعية والخصوصية. وقد صارت مقوما أساسيا من مقومات كل شعب أو أمة. ولأنه لا يمكن إدراك الحياة دون لغة، فإنها من هذا الجانب غدت بمثابة كائن حي يعيش مع البشر عامة لتميزهم دون سائر الكائنات الحية الأخري بها. وهي أداة التعبير عن الإحساس والشعور والعاطفة والتفكير والمعني. ولتميز الإنسان دون سواه بأعلي الدرجات في هذه الخصائص بل وتفرده في بعضها، فلم يعد مجرد التعبير الصوتي واللفظي ولا حتي اللغة المنطوقة كافية لسد حاجة التواصل الإجتماعي وخدمة ثقافة الشعوب. ولذلك فقد تخطت اللغة أن تكون مجرد وسيلة اتصال، بل صارت أداة توثيق ونقل ومعرفة للأنظمة القيمية للشعوب وأساليب تعبيرها الثقافي وعاملا أساسيا في هويتها. فاللغة ابتكار عظيم من قبل البشرية وعليها المحافظة عليه.
إن تعدد الشعوب وتنوعها وقدمها كان وراء وجود ما يقرب من 7000 لغة في العالم بحسب إحصاءات الجهات الدولية المتخصصة. إلا أن ما يسجل الآن أن أكثر من نصف هذا العدد مهدد بالإنقراض بأسباب تسيد لغات أخري عليها أو قلة أعداد المتحدثين بها. وقد كان ذلك مدعاة لأن تسعي منظمة اليونسكو ومنظمات أخري لتبني مشاريع للمحافظة عليها وأن ينادي بالعام الحالي عاما للغة.
ومفهوم اللغات المهددة بالانقراض يشرحه عنوانها بوضوح. وميدانيا، إعتبرت اليونسكو أن اللغة مهددة بالإنقراض إذا كان عدد المتحدثين بها لا يرقي إلي 1000 شخص، وإن أقل من 30 % من أبنائها غير قادرين علي تحويل ألفاظها إلي تعبير كتابي. وتأسيسا علي هذا فإن هنالك لغة تنقرض كل أسبوعين تقريبا بوفاة آخر المتحدثين فيها. وهذا ما كان وراء جهود كثيرة وكبيرة وحثيثة للمساعدة في تدوين هذه اللغات وتوثيقها والمحافظة عليها ، بل وإحياءها. فمثلا كان عدد الناطقين بلغة "الاينو" في جزيرة هوكايرو اليابانية ثمانية اشخاص فقط في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، لكن هذه اللغة تم العمل علي إحيائها وصار لها متحفا للغة يقدم دروساً للشبان والشابات المقبلين علي تعلمها. وفي انجلترا انقرضت لغة "كورنيك" منذ عام 1777، وتم إحياؤها في السنوات الماضية، وهناك اليوم ألف ناطق بها كلغة ثانية.
وتحددا بالعراق، بلاد ما بين النهرين، فإن موروثه اللغوي يتطلب أقصي رعاية، ذلك أن سجله في تاريخ البشرية يشير الي أن سكانه هم أول من ابتكر اللغة وامتلك أكبر إرث لغوي في العالم، وأنهم سبقوا العالم أجمع بأبجديتهم السومرية التي بدأ بواسطتها تدوين التاريخ مقارنة بعصور ما قبل التاريخ، وعن طريقها تم الوقوف علي موروث أدبي وقيمي كبير وقيم خلد جانبا مهما من حضارات سومر وأكد وبابل وآشور وجعلها حاضرة ليس بآثارها المادية الشاخصة علي أرض العراق، وليس بلغة الوثائق المكتشفة التي دونت جانبا من عصور وجودها، بل باللغة المنطوقة المحكية التي مازال اللسان العراقي يحفظها ويعتمدها علي الرغم من إعتماد اللغة العربية لما يزيد علي أربعة عشر قرنا. وحيث صارت اللغة العربية لغة البيت والشارع والتعليم، وبالتالي اللغة الرسمية للبلاد، فإن ذلك لا يمنع من متابعة الأساس اللغوي المشترك بين لغات العراق القديمة واللغة العربية خاصة أن هذه اللغات تشترك جميعا ضمن تسمية عائلة اللغات السامية بالإضافة إلي اللغة الكردية ولهجاتها واللغة التركمانية.

عائلة السامية
واللغة المندائية واحدة من عائلة اللغات السامية. يصنفها اللغويون بأنها الفرعي النقي للآرامية الشرقية لصرامة محافظتها علي عدم التأثر بأي لهجة أخري. ساهمت، من خلال التدوينات الكثيرة، في توثيق موروث المندائيين الديني والطقسي. وهي الشاهد القائم علي طريقة تدوين الأدب البابلي وأسلوب كتابة التلمود البابلي. والدارس لهذه اللغة يفاجئ بالكم الكبير الذي تحتويه هذه اللغة من المفردات التي مازالت مستعملة في اللغة العامية المحكية في العراق وبشكل خاص في وسطه وجنوبه بحكم وجود المندائيين في هذه المناطق، والتي ظلت لصق لسان العراقيين علي الرغم من إعتماد اللغة العربية لغة دين ولغة رسمية. فمن من العراقيين لا يقول في لغته المحكية " أكو، ماكو، چـا، يمعود، ياعين موليتين، عالميمر، چـوبي، أبو خـْريّان، صاية وصرماية، ترجية، طرشي، نشمي، ... ومئات الكلمات من التي عكفنا علي وضعها بمعجم أصلها المندائي، وسيكون بين أيدي عامة العراقيين قريبا.
إن هذه اللغة التي تعتبر من مقومات كيان الصابئة المندائيين، والتي توثق جانبا أساسيا من تراثهم وأدبهم وطقوسهم ، بل ومن تراث العراق بحكم الإشتراك الذي أشرنا إليه، هذه اللغة اليوم تعد بكل المقاييس لغة مهددة بالإنقراض. وإنه من المؤسف حقا أن تكون هذه النتيجة بأسباب الإهمال التام الذي أصابها في وطنها الأم العراق خلال عصور الإضطهاد ، والأخطر أن هذا الإضطهاد صار وراء تخلي أبنائها عنها علي الرغم من فاعليتهم وكفاءتهم المعهودة في جميع مجالات الحياة والتخصص.
لا يتحدث اللغة المندائية من المندائيين البالغ عددهم في جميع أنحاء العالم حوالي 60000 نسمة أكثر من 100 شخص. يشكل رجال الدين نسبة 40% تقريبا منهم بحكم أن الطقوس الدينية المندائية التي يجريها رجال الدين تتم باللغة المندائية. لكن هؤلاء أنفسهم لا يتحدثون اللغة المندائية في بيوتهم ولا حتي فيما بينهم أثناء تلاقيهم. ومن عامة المندائيين في العراق لا يتحدثها أكثر من 10 أشخاص. والعدد الآخر هو من المندائيين المتواجدين في جنوب إيران. علما بأن اللغة المعتمدة من قبلهم يطلق عليها " الرطنة " وهي ليست مندائية خالصة ، بل هي مزيج من المندائية الكلاسيكية والفارسية والعربي.
وتأسيسا علي مقاييس منظمة اليونسكو ، فإن اللغة المندائية من بين أكثر اللغات المهددة بخطر الإنقراض. وقد حفزنا ذلك للسعي من أجل جلب انتباه بعض الجهات المسؤولة بهذا الخصوص بما نجم عنه تدوين اللغة المندائية ضمن أطلس اليونسكو للغات المهددة. وبناء علي هذا التدوين يتوجب أن يقدم بلد اللغة المهددة بالإنقراض كل الدعم اللازم في التدوين والتوثيق والتعليم وضرورة مساهمة المنظمات المعنية بتقديم الدعم والخبرة المطلوبة بما تلمس نتائجه خلال فترة تحسبا للانقراض.
من هنا، ولأغراض المحافظة علي هذه اللغة الأصيلة والقديمة فإننا نري ضرورة تظافر جهود مكثفة وحريصة يقف في مقدمتها نشاط المندائيين أنفسهم في دعم لغتهم، ذلك أن أي نشاط في هذا المجال إنما يتأسس أولا علي إقبال المندائيين علي تعلم لغتهم والحرص علي قدر مقبول من التخاطب بها ولو ببعض المفردات التي تعزز نطقها وربما تعارف المندائيين فيما بينهم من خلال كلمات التحية والسؤال والجمل القصيرة. كما أن هنالك مسؤولية مباشرة للجهات الرسمية المعنية في العراق ممثلة بوزارة الثقافة ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتبني ودعم برامج في هذا الخصوص تتمثل في توثيق اللفظ والقراءات المندائية بصيغتها الكلاسيكية التي وردت في الكتب الدينية قبل إنقراض القادرين علي التحدث بها، وكذلك توثيق اللغة المندائية المحكية التي تسمي بالرطنة لأغراض المقارنات والحفظ وكذلك جوانب التمايز من أجل الفهم. كما يتطلب الأمر تطوير الحرف المندائي بحسب الأبجدية المندائية الخاصة والمتميزة وتوفيره لأغراض الإستخدام الكومبيوتري لمساعدة المندائيين في إعادة تدوين الكتب الدينية المندائية التي تحفظ لغتهم وتراثهم وإعتماد تقنيات وبرامجيات الكومبيوتر لهذا الغرض وكذلك دعم البرامج التعليمية التي تساعد في تعليم هذه اللغة لأبنائها.

دعم اللغة المندائية
إنها دعوة لأن يساندنا جميع العراقيين، متثقفون ومعنيون، من أجل أن توضع دعوة الأمم المتحدة بجعل عام 2008 عاما للغة الأم موضع التنفيذ. فنحن نأمل ونرجو ونطالب أن يكون هذا العام، علي مستوي العراق، عاما لدعم اللغة المندائية بإعتبارها حقا لغة مهددة بالإنقراض بحسب تصنيفها وتسجيلها في أطلس منظمة اليونسكو. كما نرجو أن تقوم الحكومة العراقية بالطلب إلي مندوب العراق في منظمة اليونسكو من أجل متابعة ذلك عن طريق التنسيق مع الجهات المندائية المعنية والأكاديمية المتخصصة علما بأنه سبق وكان لنا إتصال مباشر مع هذا المنظمة في هذا الموضوع. كما أن الأمر يتطلب تخصيصات مالية يقرها مجلس النواب لتنفيذ الكثير من البرامج التعليمية والتوثيقة المهيئة والتي تنتظر تمويلا مناسبا لوضعها موضع التنفيذ ومن ذلك إمكانية إيصال كتابنا التعليمي" أتعلم المندائية " مجانا إلي جميع المندائيين فهو كفيل بمرحلة تعليم القراءة والكتابة الأساسية، وقد حظي بتقييم وتقدير منظمة اليونسكو، ومشاريع أخري موقوفة بأسباب عدم توفر الدعم. ونشير أيضا أن هذا الأمر يمكن أن تشترك فيه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المنبثقة عن جامعة الدول العربية ذلك أن مثل هذا الموضوع يقع ضمن ميدان عملها وندعوها لأن تسهم معنا في وضع دعوة الأمم المتحدة بهذا الخصوص موضع التنفيذ تأسيسا علي قرار منظمة اليونسكو بإعتبار اللغة المندائية لغة مهددة بالإنقراض.

مادة البحث : جرد بالأفعال الرباعية في لهجة جنوب ووسط العراق
وجدت من ولعي بتحليل و مقارنة العربية الفصحى مع اللهجة العراقية (لهجة أبناء وادي الرافدين) وجود مجموعة لا يستهان بها من الأفعال الرباعية التي تشكّل جزءً مهماً من هيكل الحديث بالعامية وتنتشر بشكل غير اٍعتيادي في العامية العراقية في حين أننا نعلم أن الفعل الثلاثي هو العمود الفقري للفصحى ,وأن الفعل الرباعي المجرد قليل الاٍستخدام بشكل واضح في الفصحى ويكفي القول أنه باٍحصاء ماورد في القرآن الكريم من الأفعال الرباعية وجد منها ثمانية فقط هي (وسوس،حصحص،عسعس،دمدم،زلزل،زحزح ،كبكب وبعثر) وهذا يدل على ندرة اٍستخدامها ومحدودية اٍنتشارها في العربية الفصحى مع ملاحظة أن فعلاً يتيماً واحداً منها وهو( بعثر) هو رباعي مجرد أصيل أي غير مكرر .
واٍليكم ما جمعته من هذه الأفعال المستخدمة في العامية العراقية التي هي أما غير مستخدمة في الفصحى أو مستخدمة بمعنى مختلف تماماً عن الاٍستخدام في العامية مثل الفعل بكبك الذي يعني في الفصحى قلب فنقول بكبك المتاع أي قلبه وهي من بكك (بكّ) الشيئ أي فرّقه في حين يعني في العامية العراقية التباكي أو التظاهر بالبكاء(راجع معجم الأفعال الرباعية في العربية للدكتور ألياس عطا الله/الناشرون مكتبة لبنان) :
حرف الباء
بحلق بحرث برجم بربخ برمك بركس برطل بنچر بغلط بندل برطم بقبق بهبه بلعس بزبز بصبص بثبث بسور بلتق بلطج بلهث بلتح بلبل بربق بسبس بسمر بغّل بحبح بربگ
حرف التاء
ترتخ تركم تلل تلتل تمبل تكتك تنّح تلفس تكّن تبّل تنحر ترخم
حرف الثاء
ثعول ثغبر
حرف الجيم
جرجر جكجك جربز جرذم جكنم جنبد جندل جنتل جعمر جعمص جبجب جرجب جلفط جورب جنجل جرجف جعبن جقلب جقجق
حرف الحاء
حنبج حلحل حرجم حقرص حندل حنفش حرمص حسحس حرمن حرفص
حرف الخاء
خرخش خردل خنفس خشخش خشّش خلبص خربص خنجر خطّم خربط خربج خنزر خرمش خنخن
حرف الدال
درسك درعم دستر دسمل دعّم دعمث دربن دهرب دعبل دندل دندن دنبك دبدب دردم درفع درمج دردع دوهس
حرف الذال
ذبذب
حرف الراء
ربرب رندج رصرص رعبل ركرك رسمل رغرغ رمرم
حرف الزاي
زاغل زحلف زنبر زعبل زغلط زربن زامط زقزق زنجر زنجل زحّج زقنب زلوت زنكن زوبل
حرف السين
سكرش سحول سردح سرسر سرمح سربل سرجن سلّك سمسم سحسل سلبح سكرب سولف سورب سوطر
حرف الشين
شربت شربك شندخ شروش شوشر شرشب شحشط شلّح شنكل شنبخ شرمخ شلّل شلّه
حرف الصاد
صعصع صخرج صخم صحصح صلّخ صنّن صنّف صنصل صكّك صنكر صندح صنكر صرصف صوبن صوخل
حرف الضاد
ضربط ضكضك ضجور ضبضب
حرف الطاء
طفّش طركع طرطش طربك طشّر طمطم طمبر طنطل طنكر طبطب طربس طربل طربك طيّز طيّر طيّح طكطك طخطخ طوجل
حرف الضاء

حرف العين
عربش عبعب عصمص عصلج عنتك عنجل عربن عرّت عكنن عنقر عروج عجّج عنطز عكرف عوّر
حرف الغين
غرغر غشّم غتّر
حرف الفاء
فستق فلفس فلفل فرفح فبرك فركش فرغص فطفط فرزن فنطز فلحم فلحط فلّش فرعن فسّس
حرف القاف
قنبل قنزع قشمر قشقش قنطر قنعر قندر قلقل قلفص قنبص قرمط قرّم قندل قنزع قرقش قحوط قحور قرطف
حرف الكاف والگاف
كنكر كرمش كرمع گرگد كركح كربح گرگر كهكه كربس كرفت كولب

حرف اللام
لفلف لبلب لعوس لغلغ لولو لقلق لطلط لغمط لهمد لحلح لوبح
حرف الميم
مرغث مرغل مرزب مرجل مرجح مسكن مرعد مسلت مطمط مخرط مشمش مندل
حرف النون
نغّص نغبش نغنغ نعثر نشنش نحنح نعنع نگبر نگرز نسور نوّص نبّل نعوص
حرف الهاء
هبّش هربش هنجل هربت هدهد هذرى هفّى هبّت هودر
حرف الواو
وهوه وندخ وزوز ورشع ودّر وهدن ورعش ورور
حرف الياء

الملاحظات والشرح و التحليل

ا-معاني أغلب الأفعال الوارده هنا معروفة لدى أبناء وسط و جنوب العراق وسأكون شاكرا" لو أمدني القراء بالمزيد مما فاتني ذكره أو ما لا أعرفه أو لم أسمع به من عامية غرب و شمال العراق .
ب- عدد الأفعال الذي يزيد عن 300 فعلا" يشير بشكل لا يقبل الجدل الى أن العامية العراقية قد غطت تماما" نقص الفصحى الواضح في المفردات التي أعتمدت على الفعل الثلاثي ومزيد الثلاثي ورغم أن الفصحى لا تخلو من الرباعي المجرد الا أنه لا يمثل كما في العامية ركناً هاماً بل هو في الحقيقة نادر الاٍستخدام كما تقدم من مثال القرآن الكريم .
ج. من الواضح أنّ الكثير من الأفعال لا تمتّ اٍلى العربية بأي صلة ولو بعيدة وأغلبها لم يرد في لسان العرب ولقد اٍعتمدت على المعجم آنف الذكر للدكتور ألياس عطا الله في المقارنات بين الفصيح والعامي حيث أنه قد قام بجهد واضح في تجميع كل ما ورد من الرباعي في لسان العرب والعين والمعجم الكبير والوسيط وباقي أمهات الكتب العربية في الاٍشتقاق.
د. لا شكّ أن محاولة الوصول الى أصول هذه الأفعال ستكون مهمة ليست بالسهله خصوصا" وأن العامية العراقية تمثل قمة التلاحم العرقي واختلاط الدم على مر القرون بين أهل البلاد الأصليين من سومريين و بابليين واشوريين وأكديين و اراميين ومن نزح اليها أو غزاها على مر التاريخ .وكانت لغة جميع العراقيين هي اللغة السريانية العراقية ومن الواضح أن التلاقح بين لغة العراقيين الأصلية والعربية قد أنتجت العامية العراقية الهجينة مع الأخذ بنظر الاٍعتبار أن كلا اللغتين ساميتان نهلتا من السومرية والأكدية مع بقاء بعض حروف الأكدية في السريانية واٍنتقالها الى العامية العراقية في حين أن هذه الحروف اٍختفت من العربية الفصحى وكذلك وجود آثار السومرية في اللهجة العراقية . سأحاول هنا المرور على بعض الأفعال واسعة الاستعمال و تفوح منها في نفس الوقت النكهة العراقية المتميزة .
· جنجل : هي اخف من جن الفصحى في معناها العامي وتقال لمن يغضب غضبا" شديدا" بحيث يقلب الدنيا عاليها سافلها وربما هي خليط من جن وجال .
· حنفش : وهي جمع رائع بين حنش ونفش ،فحنش تعني تفرق وانتشر وخاصه للطائر ينفش ريشه لذا فأن حنفش العاميه تسد فراغاً واضحاً للكلمه غير متوفر في الفصحى حيث تعني التألب والتهيؤ النفسي والبدني للهجوم.
· حرقص: يتحرق شوقا" لفعل شىء مصحوبا"بالتحرك وعدم الصبر على الجلوس في مكان ما، أنها مزيج من حرق ورقص الفصيحتان ورغم أن الفعل فصيح الا أن المعاجم تعطيه معنى آخر بعيد عن المعنى المستخدم في العاميه .
· حرمن : سرق وهي مزيده من حرم ففي الفصحى الحرامي فاعل الحرام من فعل حرم ذات الاستخدام الواسع بالفصحى في حين أن حرمن تقتصر على فعل السرقه فقط.
· خربط : المعنى في العامية معروف لكن ليس له مرادف مباشر في الفصحى فهناك
خرب
خلط
خبط
خرط
والعراقية تجمع الأفعال الأربعة وتخلق (خربط ) ذات المعنى المتميز.
· خرخش : هز شيئا" محدثا" صوتا" وفي الفصحي هناك خرخر تطلق على تردد صوت الماء حين يعترض مجراه شيء. وهناك في الفصحى أيضا ( خرالماء والريح ) أحدثا صوتا . ولم أستطع الوصول الى مصدرها الذي ربما هو جمع بين خر وخش . في الفصحى هناك أيضا" خشخش للسلاح وغيره صوت أذا حرك.

· بحرث : العامية تعني فتت الشيئ وأكثر ما تطلق على تفتيت التربة وفي الفصحى هناك
بحر،حرث ،بحث ،بحثر ،بثبث
والعراقية تجمع الأفعال الأربعة وتخلق (بحرث)
· قشمر : غش وضحك على الذقون ولا توجد مرادفات قريبة في الفصحى اللهم اٍلا اٍذا كانت غين غش قد قلبت قافاً كما يفعل العراقيون في بعض المناطق حيث يلفضون غني قني ودمجت قشّ مع غشم وغشّم التي يستخدمها العراقيون بمعنى غشّ
· قرطف : قص أطراف الشعر وكذلك ريش الحيوان حتى يمنع من الطيران وهناك في الفصحى قرط ،قطف ،قطّ
لكنها لا تؤدي الغرض من قرطف (بالكاف العراقية بديلة القاف)
· دردم : تحدث مع نفسه واشتقاقها محير ف-( درد و درم )لا تعطيان هذا المعنى بل هما تبينان سقوط الاسنان
وربما يكون الاشتقاق هو تحدث من لا أسنان له حيث يكون الكلام غير واضح وغير مفهوم.
· دردع : شرب الماء بل عب الماء مع صوت وهي أيضا" غير واضحه الاشتقاق .
· دسمل: لبس الثياب الوسخه القذره الباليه وهي جمع واضح بين دسم وسمل الفصيحتان.فنقول دسمت الثياب ( أتسخت ) ونقول سمل الثوب ( بلى) .
· دعبل : بمعنى رمى شيئا" على الارض يتدحرج ومنها( الدعبل) الذي هو كرات الزجاج الملونه التي يلعب بها الأطفال . وفي المعاجم الدعبب : اللعب ودعب ذاتها تأتي بمعنى مشابه أو مقارب ودعل تعني هرب .
· درعم : تقال للذي ضيع سبيله وسار سيرا" سريعا" على غير هدى . وهي خليط من درع ودعم .
· دعمث : لوث بشىء غير نظيف وهي من لوث ودعم .
· دمبل : تورم وهي خليط واضح من دبل التي هي سمن وامتلاء ودمل الذي من معانيه ألتهاب الجرح أوالجلد والنسج التي تحته مصحوب بتقيح .
· درفع : خليط من( دفع ورفع ودفر ) وتستعمل في العاميه لوصف الذي يقوم بدفع شخص بالقوة لازاحته من مكانه الى مكان منخفض .
· دستر : تقول المعاجم أن كلمة الدستور معربه عن اصل أجنبي لكن يبدو أن الاستخدام العامي لها بمعنى رتب الشيء وسنه على شاكلة معينه تشير الى غير ذلك. يلوح لي أنها مزيج من( دست) العربيه القديمه وهوالمنصب أو التنظيم المعين زائدا" ( دسر ) التي تعني جمع الشيء بقوه والتنظيم المعين زائد ا" ("ستر) التي تعني تعقل
وتفكير وتدبر ومنهاالستر اي العقل .
· دهدر : دحرج وهي تشبه دهدى الفصحى لكنها تختلف عنها فهي في ظني جمع بين (هدر ) و (حرج ) و(دهر)
ودهدر أقرب ما تكون لمعنى دهور الفصحى .
· دهرب : أيضا" دحرج للشى الكروي عادة" وهي خليط من( دهر) و( هدر) و( هرب) .

ه.أرى أن العامية العراقية قد أبلت بلاءً منقطع النظير في توليد وتوليف الرباعي من خليط الآرامية والس

ان اللغة من المقومات الاساسية للشعوب والاقوام التي تبغي الحفاظ على هويتها وكيانها الحضاري والثقافي. ومن المعلوم بان تقدم اي امة يبقى منقوص اذا لم يتم الحفاظ على لغتها المميزة لها، والتي انتقلت فيما بين متونها افكار وفلسفة ومشاعر وتمنيات ابناء هذه الامة ام تلك. ان التاريخ الانساني على هذه المعمورة حافل بلغات عديدة لا تحصى، اندثر بعضها وبقى البعض الاخر وتطور على انقاض المندثر منها، وهنالك من اللغات التي تنتظر الاندثار لانها وبكل بساطة لم تواكب تطور الانسان ومن ثم لم تلبي حاجات الانسان في حياته اليومية والفكرية والاجتماعية المصاحبة لتطوره. اما في الحالة المندائية، ان انهيار اللغة المندائية واندثارها يعني انهيار واندثار الكثير من الروح المندائية الدينية منها والفكرية.

هنالك دعوات لاحياء اللغة المندائية من مختلف شرائح المجتمع المندائي. وهنالك نوعين من تلك الدعوات:

دعوة مبنية على عواطف رخوة لاتغني ولاتسمن وغرضها علاج مشكلة بمشكلة اكبر واعم، كمثل ذاك الرجل الذي اصابت البلهارزيا احد افراد عائلته فجلب طبيب مصاب بالجدري لعلاجه!! قصدي هو ان البعض الذي يدعو الى استعمال اللغة المندائية في الحياة اليومية فيما بين افراد الطائفة قد جلب هذا الحل لعلاج تشتت افراد الطائفة فيما بين اكثر من عشرة بلدان، وهو يرى بان استعمال اللغة الموحدة سوف يحل لنا مساءلة تشتت الاجيال القادمة. وان هذا لربي عظيم ان نفكر بمشكلة الاجيال القادمة وكيفية اتصالها وعلاقاتها ببعضها، ولكن الحل المطروح لا يشفي الجرح لان حال اللغة المندائية لا يسر عدو ولاصديق وهو نفسه يحتاج الى حل وعلاج فكيف له ان يعالج ويحل مشكلة الاجيال القادمة!!

ان مساءلة احياء لغة معينة دائما يرتبط بهدف عظيم تنشده امة او جماعة معينة .. ويجب ان يكون هذا الهدف ذو علاقة مباشرة مع حيثيات اللغة وخصائصها اللغوية في الادب والشعر .. فلا يمكن عمليا احياء لغة ميتة لغرض او هدف ليس له علاقة بروحية تلك اللغة.

اما مساءلة الاجيال المندائية القادمة والمنتشرة حول العالم وكيفية الاتصال والتواصل فيما بينها وبقائها في حدود الطائفة، فاعتقد بان هذه المساءلة لا تحل بقضية احياء اللغة فقط. لان عملية التزامهم بالمندائية وبقاء علاقاتهم وتواصلهم ابعد واعمق من مساءلة تخاطب شخصين بنفس اللغة. ان عالم اليوم يزخر بجماعات تؤمن بفكرة وقضية واحدة وتدافع عنها وفي نفس الوقت المنتمين لها يتحدثون بلغات مختلفة عديدة ربما لا تمت للاخرى بصلة. ان اللغة في عالمنا اليوم ليست العامل الوحيد والفريد في تجميع الافراد تحت غطاء قضية واحدة وانما هنالك عوامل ابعد من الانتماءات اللغوية هي التي تشد اواصر الافراد والجماعات وتجعلهم يسيرون بمسار واحد وتحت خيمة واحدة. وهنالك امثلة كثيرة تدعم مقولتنا السابقة يمكن سوقها هنا.

ان احياء اللغة ليس الحل الشامل والسحري لمساءلة الحفاظ على اجيالنا القادمة!!! وانما هنالك مساءل اخرى لا تقل اهمية من اللغة اذا لم تفوقها في الاهمية. فالاهم في نظري هو كيفية احياء المفاهيم المندائية والبناء عليها ومن ثم ضخها باجيالنا القادمة !! وكيفية احياء مفهوم الهوية والانتماء المندائي فيهم، وجعلهم يشعرون بوحدة القضية وبوحدة الانتماء بغض النظر عن لغاتهم وثقافاتهم !! وان اللغة ليست المساءلة الوحيدة التي سوف تفرق اجيالنا القادمة وانما هنالك اسس اخرى وانتماءات وولاءات اخرى سوف تتغير باجيالنا القادمة منها الانتماء الوطني والثقافي والاجتماعي .. فاين نحن من ذلك كله !!

والدعوة الثانية المبنية على اصول علمية متينة ونظرة واقعية صحيحة للغة المندائية، ويبغي احيائها كلغة حية منتجة لها فوائدها الجمة وليس مجرد استعمالها كلغة عامية يومية للتفاهم (ان صح استعمالي لكلمة لغة وانما هي مجرد كلمات مبعثرة ليس لها اي قائمة من مقومات اللغة). على كلا ان اللغة المندائية التي استطيع ان امثلها بالانسان المصاب بمرض عظيم، فاما ان نطلق عليه رصاصة الرحمة ونوقف عذاباته ام نحاول اسعافه ونكتشف مرضه، وكلنا امل بان رحمة الحياة تسعفنا لانقاذه!!.. لربما سوف ينتقدني البعض بان امثل اللغة المندائية بهكذا مثل، واقول لهؤلاء باني كنت متحيزا ومحبا للغتي بان انعتها بالانسان المحتضر الموشك على الموت، لان الباحثين وعلماء اللغة قد اطلقوا رصاصة الرحمة منذ زمن على اللغة المندائية وحرروا لها وثيقة وفاة وجعلوها من ضمن لغات العالم المندثرة!! فاعتقد بان وصفي كان اكثر لطافة ورقة بحق اللغة المندائية.

ولمعلومات القارىء الكريم ان علماء اللغات يصنفون اللغة التي ليس لديها متحدثين اصليين (يقصد هؤلاء الذين يولدون ويتحدثون بتلك اللغة منذ طفولتهم) على انها لغة (ميتة او مندثرة)، واللغة التي ليس لديها متحدثين اصليين في الاجيال الشبابية تصنف على انها لغة (محتضرة او موشكة على الاندثار)، اما اللغة التي لديها عدد جدا قليل من المتحدثين الاصليين فتصنف تلك اللغة على انها (معرضة لخطر الزوال).

دعونا ناتي الى النقطة الاهم وهي ماهي المعضلات والمشاكل التي تواجه عملية احياء لغتنا اللغة المندائية؟!! دعونا نسطر هنا بعضا منها:

1. هل تعرف عزيزي القارىء بان لا يوجد اي احد يتحدث اللغة الكلاسيكية المندائية وينظم بها الشعر والنثر ويستعملها في الحياة اليومية (ماعدى الرطنة "اللهجة العامية المندائية والتي يتحدث بها عدد قليل جدا وعلى نطاق ضيق)!! ومثلما يعرف الكثيرون ان عملية تواجد اي لغة حية لا يقف على مساءلة ذهاب شخص الى السوق ويشتري كيلو طماطة مستعملا تلك اللغة !!! فهذه بمثابة القشرة من اللب.
2. هل تعرف بان 99.9% من المندائيين تعتبر لغاتهم الام اما عربية او فارسية او انكليزية. فمهمتنا الان هي كمن يعلم المهاجرين العرب في استراليا مثلا اللغة الانكليزية. تخيل عزيزي القارىء الجهود الجبارة التي تبذل من كافة انواعها لجعل هذا الشخص يتحدث باللغة الانكليزية !!!
3. ان هنالك لهجتان مندائيتان متاثرتان بمحيطين مختلفين وهما لهجة مندائيي العراق المتاثرة بالمحيط العراقي ولغته العربية، ولهجة مندائيي ايران المتاثرة بالمحيط الايراني ولغته الفارسية. وان هذا الامر الطبيعي والعلمي اخذ منحى عنصري مع الاسف الشديد.
4. ان بنك المفردات المندائية في الحياة العصرية اقل من ضئيل، ويكاد ان يكون مفلسا، وهذا سوف يعيق مهمة المعلمين الذين يبغون تعليم مادة اللغة المندائية.. فمن الاهمية ان تستنبط كلمات ومفردات جديدة تواكب الحياة العملية من صميم وروح اللغة المندائية، واذا وصلنا الى طريق مسدود فمن الممكن الاستعارة من الارامية الام او من لهجاتها المتعددة لان المندائية وكما هو معروف لهجة من تلك اللهجات.
5. ان مواد التدريس من كتيبات وكراريس وملصقات وتوضيحات لغوية وقواميس مختلفة غير متوافرة. قصدت بتلك المواد المبنية على اسس علمية ولغوية واكاديمية صحيحة وبمختلف اللغات.
6. افتقارنا الى مدرسين مؤهلين اكاديميا لتدريس مادة اللغة، ويجيدون المندائية في نفس الوقت.
7. ان الابجدية المندائية من الابجديات القديمة التي لم تتطور، وبالتالي افتقارها الى الليونة الكتابية والسهولة اللفظية لاستعمالها كلغة حية مرة اخرى كما كانت في فترة تاريخية معينة .. فمثلا لا يوجد تنقيط ولا حركات مميزة في المندائية، فلحد الان هنالك حروف تلفظ باكثر من لفظ وبدون اي تمييز فيما بينها كتابيا (وغيرها)، وهذه من الامور التي تعيق عملية تطور اللغات واحيائها ايضا. فالبعض يحرم كلمة تطور على اللغة المندائية ويرفض تطورها او مدها باسباب الحياة، ومما يزيد من الطين بلة يدعو الى احياء اللغة، وكأن اللغة في حساب البعض قالب حلوى ينفع في كل زمان ومكان وما درى بان اللغة كائن حي سنته الحياة لكي يتطور ويتكيف وان لم يفعل ذلك اضمحل وانفنى.
8. ان عملية بقاء لغة متوقف ايضا على مدى تعلق متحدثيها وايمانهم بها .. فاين نحن من ذلك!! فهل عوائلنا مستعدة لتحمل تبعات عديدة في سبيل تعليم اولادهم تلك اللغة. ومن هذه التبعات ما تكون مادية ومعنوية ووقت ووجهد وطول صبر واناة.
9. التراث المندائي المكتوب مبعثر ولا توجد جهة مركزية واحدة ولا معلومة تحوي هذا التراث المكتوب. فكيف نريد ان نحيي اللغة وتراثنا المكتوب مبعثر وليس بمتناول يد الجهة المسؤولة عن عملية الاحياء المفترضة؟!!
10. لايوجد لدينا اي مركز مؤهل خارج البلاد، لكي يكون بمثابة مدرسة منتظمة للغة المندائية.

ان هذه العملية ليست بالامر اليسير ولكنها ليست بالامر المستحيل اذا توفرت وسائل انجاحه. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من يقوم بعملية احياء اللغة المندائية؟!! هل الافراد ممكن ان يقوموا بهذه المهمة الكبيرة؟!! هل الجمعيات المندائية في بلاد المهجر؟!! والتي لا تملك اي واحدة منها مواصفات اكاديمية ولا برنامج علمي صحيح ولا موارد مناسبة للقيام بتلك المهمة التي يتطلب انجازها سنين طويلة ومستمرة من العمل الجاد والصحيح وفق خطة اكاديمية وعلمية ومدعومة ماديا ومعنويا. لا اعتقد بان جمعياتنا مؤهلة لهكذا غرض وهدف كبير، فان جمعياتنا (البيها مكفيها). ممكن ان يكون لتلك الجمعيات دور مساند.

اما مقترحاتي التي ادعو بها هي الاتي:

1. انشاء مجمع للغة المندائية على غرار المجامع اللغوية الاخرى مثل مجمع اللغة السريانية في العراق. وهو مجمع اكاديمي متخصص مبني على اسس علمية وعلى ايدي ناس متخصصين. لدى هذا المجمع خطته واهدافة ولجانه المتخصصة.
2. يضم هذا المجمع كافة المتخصصين والمهتمين باللغة المندائية من مندائيين وغير مندائيين. ومن الضروري ادراج بعض المتخصصين في اللهجات الارامية الاخرى من ضمن هذا المجمع، ومنها السريانية والتلمودية وغيرها.
3. دعم هذا المجمع العالمي للغة المندائية بالموارد المادية والمعنوية من قبل جميع الجمعيات المندائية في العالم. ومن الممكن جدا العمل على تحصيل دعم مادي ومعنوي من قبل مؤسسات وجامعات اكاديمية عالمية .. ومن الممكن ايضا ان تكون مؤسسة ارام العالمية والتي تنظم المؤتمرات الدورية حول المندائية نقطة الانطلاق.
4. بذل الاموال والجهود الكبيرة وفق خطة علمية وصحيحة لجمع التراث المندائي المكتوب والمخطوط بعدة نسخ، حتى ولو كانت قصاصة من الورق مكتوبة بالحرف المندائي.
5. تشجيع البحوث والدراسات اللغوية، وفتح المجال والدعم امام نشر وطباعة القواميس والكتب والكراريس التي تختص باللغة المندائية ولكافة المراحل.
6. انشاء الصفحات الالكترونية المختصة بتعليم اللغة المندائية من خلال شبكة الانترنت وفق اسلوب علمي وصحيح. ودعم ابتكار الخط المندائي الكمبيوتري وتعميمه على نطاق واسع.
7. توعية عوائلنا وابنائنا وبناتنا باللغة المندائية واهمية تعلمها وبقاءها لانها حاملة للفكر المندائي.

ان انهيار اللغة المندائية واندثارها يعني انهيار واندثار الكثير من الروح المندائية الدينية منها والفكرية. لان الفكر المندائي لحد هذه اللحظة هو خزين الكتب والمخطوطات، وما ترجم منها سوى النزر القليل. ان النقاط اعلاه من الامور المهمة لمن يريد احياء اللغة المندائية ويدعو لها جديا. ويجب ان يتم تحضير البنية التحتية لاي عمل قبل الشروع به .. واعتقد ان ما اثرته من خلال مقالتي هذه، هي بعض الاسس المهمة التي يجب العمل على تثبيتها وانشائها لغرض المضي قدما في سبيل تحقيق حلما عريضا ورديا جميلا كهذا. فيكفينا ترديد الدعوات والامنيات والحلول النظرية والغير عملية. يجب التركيز الان على وضع الخطط وتحضير الموارد للمضي قدما في تحقيق بعض الامنيات والاحلام. فعلى ضوء مستوى فكري البسيط، اعتقد بان الطائفة المندائية لديها الكثير من المؤهلين والمبدعين والاختصاصيين للقيام والنهوض بهكذا عمل والنجاح فيه .. ولكن .. لكن .. ما اصعبها من كلمة .. فلو كانت رجلا لصرعته !!

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014