• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 07 نيسان/أبريل 2013 12:45

اللغة المندائية بين الاخذ و الرد

كتب صديقي و اخي ترميذا علاء النشمي قبل فترة مقالاً حول كيفية احياء اللغة المندائية على المستوى النظري و العملي و خلص الى عده امور منها انه لايوجد احد يتحدث الان اللغة الكلاسيكيه المندائية (لغة الشعر و النثر )و يستعمالها في حياته اليوميه و ان بنك المفردات المندائية في الحياة اليوميه اقل من ضئيل ، و ان مواد التدريس المبنيه على اسس علميه و لغويه من كتيبات و كراريس و ملصقات غير متوافره ، اضافه لافتقادنا الى مدرسين مؤهلين لتدريس هذه اللغة ، و ختم ملاحظاته بضربه تشاؤميه اجهزت على ما تبقى عندما ذكر ان عمليه بقاء اللغة متوقفه على مدى تعلق متحدثيها بها ويتسائل بمرارة (فأين نحن من ذلك )؟!!
اعتقد ان هذه الملاحظات على الرغم من مسحه التشاؤم التي تسودها فهي بالتاكيد نابعه من حرص ممزوج بالأسى لحال اللغة المندائية الذي وصل اليه بعد ان كانت حتى عهود ليست ببعيدة منتشرة في ارجاء و اسعة من بلاد مابين النهرين و قسم من بلاد الشام و فلسطين ، معززه ذلك التواجد و الانتشار الكثيف بطبع نقود متداوله باللغة المندائية ، و المخطوطات و اللفائف و الاواني التي و جدت منتشره في ارجاء تلك البلدان مما كشف النقاب عنه و مالم يكشف عنه بعد الا بالكاد ، كما هو الحال في مخطوطات قمران ، خير دليل على ذلك.
نعم انا اتفق معه في مسأل رئيسية و احدة و هي ان ما يميز اي امه عن غيرها هي لغتها بما تحويه من تراث و فلكلور و علم وحياة يومية ، و الحفاظ على هذه اللغة هو الحفاظ على كل هذا الخصائص ، و يمكن لنا ان نفهم بعد ذلك مثلاً، لماذا قامت فرنسا بعد الحرب العالميه الثانيه بحصر كل المفردات الدخيله عن اللغة الفرنسية و اخراجها من القواميس اللغويه لديها ، و ايضاً يمكن ان نفهم تعصب البعض من الشعوب للغتها بحيث لا يتحدثون مع الغرباء في بلدانهم الا بلغتهم الخاصه حتى لو كانو يجيدون لغة هؤلاء الغرباء ، و ايضاً اعتزاز العرب بلغتهم و ادبهم و شعرهم ....الخ ، بمعنى اخر ، نحن ندرك كل هذه الصعوبات في عمليه تعلم و تعليم اللغة المندائية ، و ندرك جيداً كم هي كبيره تلك المعوقات التي تعترض قيام نهضة تعليمية لغوية حقيقية في الطائفة ، و لكن هل هذا كافٍ لكي نجلس و نتحسر على ماض تولى ؟!.
لقد بدأنا في الطائفة و بالتحديد منذ عام (1998) في انشاء مدرسه هي اقرب ما تكون الى المدارس النظامية المعمول بها في مجتمعنا العراقي ، ذات ادارة وصفوف دراسية ومناهج ، و هذه المناهج ربما تكون ليست منهجيه مئه بالمئه او علمية واكاديمية متكاملة كما يطلب البعض ، و لكنها بالتاكيد خطوة كبيرة وصحيحة في درب الالف ميل اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الامكانيات المتوفرة مادياً و فنياً و حتى علمياً ، وخططنا للأمر مستفيدين من اخطاء الدورات العشوائيه التي كانت تقام في المندي سابقاًَ في اوقات متباعده و لفترات قصيره لا تتجاوز الشهر الواحد او الشهرين و بمدرس و احد من رجال الدين يكون هو المدرس و المدير و معد المنهج ، و تعطى فيها دروس لا يربطها تخطيط او منهج و اضح ، انما هي مزيج من اللغة و المفاهيم الدينيه و بشكل غير مبرمج ، مع اعتزازنا الكبير بالطبع بما قدمه رجال الدين في هذا المضمار كبدايه كان لا بد منها بما احتوته من ايجابيات و سلبيات ، الا ان الامر اختلف بعد انشاء تلك المدرسه ، فجعلنا مده الدراسه فيها ثلاثه سنوات ، اي ثلاث مواسم دراسيه بمعدل سته اشهر لكل موسم دراسي ، تبدأ في العطله الصيفيه في (1/7) و تنتهي في (24/12) حيث حفل التخرج ، يتدرج الطالب فيها من الصف الاول وصولاًَ الى الصف الثالث مع تغير في نوعيه المناهج و مستواها في كل سنه من هذه السنوات الثلاثه في حركه تصاعديه عموديه ، و تم تقسيم الطلاب الى ثلاثه فئات عمريه لغرض تحقيق التجانس العمري في الصف الواحد قدر الامكان ، فكانت مرحله الصغار تبدأ من (8-12) سنه و الثانية من (13-20) سنه اما الثالثة فتبدأ من (21)سنه فما فوق،و كانت نسبه الطلاب في كل سنه تتراوح بين ال (350-500) طالب و طالبه من كل الاعمار و خصوصاً في المرحله العمريه الصغيره حيث تجاوز عدد الطلاب الاطفال في كل سنه ال (100) طالب وبالطبع خصصت لكل مرحله عمريه منهج خاص بها في ماده اللغة (قواعد- محادثه- قراءه-املاء) و التربيه الدينيه (تعليم – طقوس-كتابيات-لاهوت) ، و المهم في ذلك كله اننا ركزنا على ان نسبه تعليم اللغة يجب ان تكون (70%) مقابل (30%) للتربية الدينيه و انعكس ذلك على جدول الحصص و عدد الدروس المعطاة لمادة اللغة مقابل عددها لمادة التربية الدينية ، على اعتبار ان الثقافة الدينية بما تحويه من مفاهيم و تعاليم و تربية يمكن الحصول عليها من خلال القراءه او حضور المناسبات و الاحتفالات الدينية و القداسات او حتى من خلال مجالسه رجال الدين او الحديث معهم ، بينما اللغة لايمكن اكتسابها بأي حال من الاحوال الا عن طريق مدرسه او منهج او استاذ ، اضافة الى ايماننا كادارة مدرسه في تلك الفترة ، بضرورة رفع شعار (احياء اللغة المندائية) ، و اعتقد اننا نجحنا في ذلك الى حد كبير حيث يتخرج الطالب من المدرسة المندائية بعد ثلاثة سنوات و هو قادر، لا اقول على التحدث بطلاقة باللغة المندائية ، ولكنه على الاقل يستطيع ان يقرأ ويكتب (بسهولة) و الاهم من ذلك اننا حصلنا على جيل متعلم لغوياً يستطيع البعض منه من المتفوقين ان يكون مدرساً في تلك المدرسة ليعلم الاخرين كجيل اول من الاساتذة اللذين يمكن الاعتماد عليهم بنسبة (60-70%) .
ربما البعض يقول ان هذا غير كافٍ او كما يقول الشيخ علاء اننا نفتقر الى مدرسين مؤهلين (اكاديمياً) لتدريس هذه اللغة و يجيدون المندائية في نفس الوقت ، ثم يذكر بعد ذلك اقتراحه بانشاء مجمع لغوي للغة المندائية يضم في اروقته كافة المتخصصين باللغة المندائية ..! ، اعتقد اننا يجب ان نكون و اقعيين بعض الشي لكي نستطيع ان نحقق عملاً او انجازاً حقيقين على ارض الواقع ، من اين نأتي بهؤلاء المتخصصين ، هل نستوردهم من دول اخرى أم ماذا و اين هي الامكانيات المادية و بالذات المادية التي توهلنا لانشاء مجمع لغوي رصين ومعروف ؟ ربما البعض من المندائين عندما يسمع هكذا اطروحات سيكون من حقه ان يتسائل ويقول اليس من الانفع و الاجدى ان نبني مندي آخر في جهة الرصافة من بغداد ليكون احدهما مخصص للامور الادارية فقط بكل اقسامها وتفرعاتها من مجالس و انشطه ، و الاخر يخصص لاجراء المراسيم و الاحتفالات و الطقوس الدينيه ،؟! مع العلم و هذا ليس بخاف على احد ان تمويل الطائفة بالكامل هو تمويل ذاتي ياتي من خلال تبرعات من المندائين من داخل و خارج العراق ليغطي احتياجات لا اول لها و لا اخر.
اضافة الى مسألة مهمة اخرى ذكرها اخي ترميذا علاء و هي اعتقادة الخاطئ بان استعمال مفردات اللغة في الحياة اليوميه لا تعد ديلاً على اجادة هذه اللغة و ان ذلك بمثابه القشره في اللب !! و انه لايوجد من يجيد الكلاسيكية المندائية ( التي يكتب بها الشعر و النثر ) و يستعملها في الحياة اليومية ، في الحقيقة هناك عده مستويات في ايه لغة يمكن ان يتعلمها المرء ، مثلاً في اللغة العربية . كما هو معروف ، هناك الفصحى و هي اللغة التي كتب بها الشعراء الجاهليين قصائدهم و ايضاً تلك اللغة الرفيعة التي نزل بها القران الكريم ، و هناك الفصيحة و هي لغة الكتب والمجلات والصحف ، وتأتي بالمرتبة الثالثة العامية وهي مزيج من الفصحى والفصيحة ومفردات مبتكرة وأخرى من لغات مختلفة تؤدي وظائفها في تلبية أحتياجات الفرد في مجتمعه ، لذلك لا يمكن لمن يريد أن يتعلم اللغة سواء المندائية أو غيرها ، أن يبدأ من فوق نزولاً الى الأساس ، أي اننا لا يمكن ان نعلم اللغة الأنكليزية مثلاً لطالب لا يفقه منها شيئاً من خلال تدريسه مسرحيات وليم شكسبير أو اللغة الفرنسية من خلال كتابات موليير وفكتور هوغو أو الألمانية من خلال روايات غوته أو حتى العربية من خلال قصائد طرفه بن العبد او زهير بن أبي سلمى ونقول له بعد ذلك ، عليك أن تستعمل هذا الاسلوب الراقي جداً من اللغة في حياتك اليومية ومتطلباتها ، أن اللغة الحية كما يعرّفها علماء اللغة هي لغة الحديث الفعلية المستعملة يومياً وليست تلك الموجودة في دواوين الشعر وروائع النثر والأدب ، أو كما قال العلامة ( مصطفى جواد ) رحمه الله ، أن الخطأ الشائع أفضل من الصحيح المهجور . يمكن لنا أن نفهم بعد ذلك تلك التجربة التي قام بها أحد المعاهد الفرنسية المتخصصة في علوم اللسانيات عندما أجرى أمتحاناً في قواعد اللغة الفرنسية لمجموعة من (الكتاب والأدباء الفرنسيين) المشهورين ، أي أصحاب الحرفة مثلما يقال ، ماذا كانت النتيجة ؟ ، أتضحت أن نسبة الرسوب وصلت الى أكثر من (50%) بالضبط وهم أهل الصنعة وأهل القلم ، ما اريد قوله هو اننا لسنا بحاجة لمعرفة اللغة الكلاسيكية المندائية لكي نتعلم لغتنا الجميلة ، أنما يكفينا في البداية أن نجيد هذه اللغة كمفردات يومية مستعملة ، نستطيع بعدها أن نطور أنفسنا ، على أعتبار أن اللغة هي مجهود ذاتي اولاً وأخيراً وأن الأستاذ يعطينا المفاتيح فقط لنكمل الدرب وحدنا ونتعمق بعد ذلك في أدبيات وروائع هذه اللغة من دواوين وشعر وأدب ، نحن لا نريد أن ننتظر سنوات أخرى بأنتظار التمويل المادي الذي قد يأتي أو لا يأتي ، لكي ننشأ مؤسساتنا التعليمية ، أو ننتظر سنوات أخرى طويلة لكي يصبح لدينا ربما بالصدفة ، أحد الاكاديميين المتمرسين باللغة المندائية لنعتمد عليه بعد ذلك في وضع حجر الأساس لأنطلاقة تعليمية قد تبدأ أو لا تبدأ ابداً ، أنما أقول أن نبدأ بأمكانياتنا البسيطة والمتوفرة ، وبما هو موجود حالياً من خبرات بسيطة أو كبيرة ونفتح الصفحة الأولى في سجلٍ تعليمي يمكن له أن يتطور ويتجاوز الاخطاء التي يقع فيها وتزداد خبرة العاملين فيه مع أحتكاكهم المستمر بدورات تدريبية وطروحات وأفكار ونظريات لغوية حديثة عالمياً ، وما بدأته المدرسة المندائية قبل ثمانية سنوات ( المدرسة متوقفة منذ سقوط النظام السابق لعدم أستقرار الوضع الأمني في البلد وستعود الى سابق عهدها بمجرد أستقرار وأستتباب الامن والنظام ) ، يمكن له أن يستمر وأن ينشأ لنا جيلاً متعلماً قادراً على أستيعاب لغته بمفرداتها البسيطة ولكن ليست القليلة ، وبقواعدها السهلة وبخطها الجميل وأن يكون فعلاً الحجر الأساس والحقيقي والواقعي في نشر وأنتشار هذه اللغة بين المندائيين داخل وحتى خارج العراق ، متمنين أن يوفقنا هيي قدمايي في معرفة الصواب من الخطأ وأتباع الطريق القويم بعون الحي العظيم .

سؤال يردده اكثر من مندائي بأسى وهو ينظر الى ما آلت اليه هذا اللغة المقدسة. فقد انكمشت على ذاتها واقتصر دورها على الطقوس الدينية واهمل استعمالها في الحياة اليومية ولم تعد لغة المندائيين الرسمية mother tongue واستعيض عنها باللغة العربية في العراق وبالفارسية في ايران وبلغات بلدان التواجد ، بعد موجة الهجرة الأخيرة . ثم بدأ الناشئة بدورهم بنسيان العربية وتبني اللغات الجديدة التي يتلقون علومهم بها ويحيون بها في اوطانهم المختلفة.
ان امر احياء لغة شبه ميتة ليس مستحيلا ، ولكنه ليس هينا ايضا ، وهو يستدعي في البدء والمنطلق نهضة مندائية شاملة ووعيا تاما بتداعيات اهمال التراث واللغة وايقاظا لحس الانتماء للمندائية الذي هو مفقود تماما لدى الكثيرين. ان جميع الاثنيات في العراق جاهدت للاحتفاظ بهوياتها ولغاتها الخاصة ولم تفرط بها ، فالكلداني والأرمني والآثوري والسرياني والتركماني والكردي لا يستخدم الا لغته الام في البيت وفي التخاطب مع ابناء جلدته، عدا الصابئة الذين نبذوا لغتهم وتخلوا عنها تماما لصالح اللغة العربية ، بالرغم من ان المندائية تعد من اجمل لهجات اللغة الآرامية، سيدة لغات وادي الرافدين ومنطقة الهلال الخصيب، محط اهتمام المستشرقين وعلماء اللغات السامية .

 لا حياة لأمة بدون لغة

ويمكن احياء اللغة المندائية عن طريق دراسة وربما تطبيق ما نجح فيه من سبقنا في هذا المجال. فقد مرت العبرية في الماضي بنفس ما تمر به المندائية في الوقت الحاضر ، اذ اقتصرت هي ايضا على تلاوة الصلوات والادعية والكتب الدينية الى ان برزت بين الشباب اليهود الأوربيين في بداية القرن التاسع عشر حركة دعت الى احياء اللغة العـبرية وكان من ابرز قادها "اليعيزر بن يهودا" صاحب مقولة (لا حياة لأمة بدون لغة). وقد دعا اليعيزر بن يهودا الى جعل العبرية لغة التخاطب للاجيال الجديدة في وقت لم يكن احد يتصور بأن تغدو العبرية لغة محادثة تستخدم في مختلف شؤون الحياة اليومية.
وقد هاجر اليعيزر بن يهودا مع زوجته الى فلسطين عام 1881 ، وظل على ما يقارب من اربعين عاما يكافح من اجل احياء اللغة العبرية. وقد فرض على نفسه وعلى زوجته واولاده التحدث فيما بينهم بالعبرية ولم يعبأ بانتقاد وسخرية اليهود انفسهم. وقد اصدر بن يهودا في القدس صحفا بالعبرية للكبار والصغار دعا فيها الى احياء اللغة العبرية واستعمالها للتخاطب ، وأسس رابطة للمتكلمين بالعبرية، فصارت داره منتدى يأمه الشباب اليهودي المثقف الطامح الى النهضة واحياء اللغة.

مشروعا ضخما

وقد انجز اليعيزر بن يهودا مشروعا ضخما تمثل في تأليف قاموس اللغة العبرية القديمة والجديدة وانكب ينقب بدون كلل او ملل عن كنوز اللغة في كتب الاقدمين في العهد القديم والتلمود وفي الادب العبري الذي نشأ في بلاد الأندلس وفي اللغات السامية التي استقى منها الفاظا ومصطلحات وجذور وجعلها صالحة للاستعمال في لغة التخاطب والكتابة ، ولما اعوزته الحاجة الى مصطلحات عادية ضرورية في الحياة اليومية قام بن يهودا فابتكرها بعد الرجوع والبحث في اللغة العبرية وبقية اللغات السامية. وبهذا اتم اليعيزر بن يهودا تسعة مجلدات مما يعرف اليوم "بالقاموس العبري الكبير" الذي يضم ستة عشر مجلدا.
وعندما ادرك اليهود الجهد الذي قام به بن يهودا انتخوا وبدءوا بانشاء المدارس الحديثة ليتلقى فيها الطلاب دروسهم وفق اسلوب تربوي حديث حيث يتدرج فيه التعليم تدرجا تربويا وتحتوي مناهج التعليم في المدرسة الحديثة القراءة الموضحة وقواعد اللغة ودراسة العهد القديم والهاگـاداه والمشنا والـگـاماراه وتاريخ بني اسرائيل والجغرافية والرياضيات والطبيعيات. وكانت لغة التدريس هي العبرية وحدها.

وصارت لغة حية

ونتيجة لهذا التطور في اللغة بدأ اليهود كتابا وشعراء وصحفيون يكتبون باللغة العبرية فازدهرت الصحافة العبرية ازدهارا ملحوظا فكانت تصدر في اوربا نشرات دورية سنوية وشهرية واسبوعية وصحف يومية وكلها بالعبرية ، ومن اهمها صحيفتي "هاتسفيرا" و"هامليتس" الى جانب الصحف الاخرى التي تصدر بلغة الايديش (وهي اللغة التي يتداولها اليهود في اوربا الشرقية) . كما برز منهم كتاب وشعراء كبار من امثال شالوم رابينوفتش واسحق بيرش والشاعر حاييم نحمان بياليك. لقد ادت كل هذه الجهود المشتركة الى جعل اللغة العبرية لغة حية تتردد على السنة الصغار والكبار. وقد ساهم مساهمة فعالة في نشر اللغة العبرية المثقفين اليهود من مختلف المذاهب والمعلمين (الراباي) ، فصارت لغة حية تستعمل في الكتابة والمحادثة والفنون والآداب والعلوم.

وماذا عن المندائية ؟

ان من يتصحف الكتب والدواوين المندائية سيجد تراثا مدونا ً بلغة ثرية بالمفردات والمعاني، وقد كتب بهذه اللغة العشرات من الكتب واللفائف والنصوص منها على سبيل المثال لا الحصر :
1 ـ كتاب گـنزا ربا ـ كتاب المندائيين المقدس بجزئيه اليمين والشمال، او (سيدرا ربا) و ديوان أباثر و دراشا اد يهيا و ديوان هران كويثا و أسفر ملواشا و ديوان نهرواثا.
2 ـ النصوص السرية الخاصة بالكهنة ومنها: (أ) آلما ريشايا ربا (بـ) الف ترسر شياله (جـ) ديوان ملكوثا اليتا
3 ـ كتب الطقوس الدينية ومنها: (ا) شرح د بروانايا (البنجه) (بـ) شرح طراسة د تاغه شيشلام ربا (جـ) شرح د قابين شيشلام ربا . وهناك المئات من مدونات الطلاسم والادعية والنصوص السحرية الخاصة بطرد الارواح الشريرة والحسد وأدعية لجلب المحبة والرزق والسلامة.
ان هذه المهمة التي تتعلق بمستقبل الامة المندائية ينبغي ان ينهض بها مثقفو الطائفة ذاتها، وهذا يستدعي الحصول على الدعم العلمي والمادي الللازمين من مراكز البحوث المتخصصة بالأثنيات والأديان القديمة الموجودة في الجامعات الاوربية، وخصوصا اقسام دراسة اللغات السامية، وفي مراكز ثقافية عالمية متخصصة كاليونسكو مثلا . ان مثل هذا الامر يستدعي تشكيل لجنة متخصصة من المندائيين تأخذ على عاتقها مخاطبة مثل هذه الجهات ذات العلاقة.
لقد كان الشيخ نجم الشيخ زهرون يتراسل مع المستشرقة دراور باللغة المندائية ... واذا كان بامكان سيدة انجليزية قراءة وفهم رسالة بالمندائية، فأليس من باب اولى ان يقوم المندائيين بدراسة لغتهم وفهمها ثم جعلها لغة استعمال يومي ..

بتوقف درس اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق المفردات وبناء الكلمات ضاع الكثير من المعرفة وتوقف الإستدلال والإدراك لمتضمنات الكلمات والمصطلحات وصار الفهم منحصرا بالسياق الذي درج عليه. وقس على ذلك في فهم معنى النصوص ومن ثم ترجمتها!
وحين يتم التعامل مع اللغة على أساس البحث وليس على أساس الترجمة وحسب، فإن الباحث ستستوقفه المعاني والدلالات وبخاصة لرمزية المصطلحات الشائعة منها. وهذا ما إستوقفنا فيما نعكف عليه من متابعات في هذا الميدان. ووددنا هنا أن نعرض بعض ما وصلنا إليه، وهو من وجهة نظرنا محاولة للدخول في رمزية بعض المصطلحات المندائية تأسيسا على دلالاتها اللغوية. وقد يكون مجالا لإستثارة ما لدى العارفين المندائيين وغيرهم في مدخل من مداخل اللغة المندائية.
نبدأ موضوعنا هذا، الذي يمكن أن يتوسع لاحقا، بأكثر المصطلحات شيوعا ً. وسيكون نهجنا في ذلك أن نثبت ماهو معروف وصحيح، وما توصلنا إليه قطعا من معان لبعض المصطلحات لإطلاع القارئ الكريم. أما الذي لم يتم القطع فيه فيمكن أن يكون مدار نقاش وحوار وإستزادة رأي المختصين حتى قطع ويقين.

آدم : ترد تسمية آدم رأس السلالة البشرية لأول الخلق العاقل. وقد عمت تسميته باللفظ نفسه جميع لغات العالم قديمها وحديثها. وفي اللغة العربية يشار الى الإختلاف في إشتقاق الإسم حيث يقول البعض: أنه سمي آدم من أدمة الأرض. وقال آخر: لأ ُدمة جعلها الله تعالى فيه والأ ُدمة هي القرابة والوسيلة.
أما في اللغة المندائية فترد أيضا تسمية آدم الذي تعده العقيدة المندائية أول أنبياء المندائيين، وهو الرجل الأول" أدم كبرا قدماييا " ويعد رأس السلالة البشرية " آدم ريشا إد شـُربتا هايتا ". ولا تزيد المندائية في شرح التسمية. وبالتأسيس على أن لا كلمة دون مدلول، فإننا يمكن أن نتابع تسمية آدم من أساس الفعل " دما " في اللغة المندائية الذي يرد بمعنى : يشبه، يشاكل، يناظر. والأسم فيه يكون الشبيه ، المـُشاكل، المـُناظر، ذو الهيئة. ولأن التصور أن آدم قد خلق على هيئة الخالق، فيكون من المقبول أن تأتي تسميته بما يشير الى ذلك ويؤكده. وعلى هذا فأن معنى آدم يمكن أن يكون النظير. ونذكـّر بمعتقد المندائية أن النفس بعد أن تفارق الجسد وتذهب في مسيرتها نحو عالم الأنوار لا تستقر حتى تلتقي نظيرها وشبيهها الـ " دموتا " لتتحد معه وتستقر.
كما أن تميز الحياة عن سواها إنما يكون في مظهرين أحدهما خارجي وهو التنفس، والآخر داخلي وهو الدم سائل الحياة. وترد كلمة الدم في اللغة المندائية على " دما " تأسيسا على الكلمة في اللغة الأكدية " دامو". ويمكن أن تكون الكلمة إرتباطا بتسمية آدم ذاتها، لذا تشـّبه النفس بالدم فيرد في الأدب المندائي " لِـدما داميا نيشمتا " : النفس تشبه الدم.

حواء: على خلاف آدم، فإن كلمة حواء لا ترد بهذا اللفظ في جميع اللغات بل هذا لفظها مع بعض الإختلاف في عائلة اللغات السامية. ومعروف أن حواء زوج آدم. وإن كان هو أبو البشرية فهي أم البشرية ذاك أن من كليهما كانت الذرية البشرية.
ويمكن النظر الى معنى تسمية حواء بالإستناد الى اللغة المندائية تأسيسا على معنى الفعل " هوا " الذي يرد بمعنى يكون،يصير، يمنح، يوهب. ويقال في القراءة على روح المتوفي: رواها نهويلي" أي: لتوهب، تمنح له الرحمة. وعلى هذا فيمكن أن تكون تسمية " هوا: حواء" بمعنى العطية ، المنحة، الوهبة، المنة. وهي بلا شك هبة ومنة الخالق لآدم لكي تكون البشرية وتعمر الدنيا.

شيتل طابا : تسمية لنبي الله شيت (ع ). وقد أخذت أغلب اللغات التسمية بلفظها الوارد في اللغة العربية تقريبا. أما اللفظ في اللغة المندائية فهو يرتبط بمعنى الشتل والغرس تماما كما يرد في اللغة العربية وتأسيسا على الفعل في اللغة الأكدية " شتلو". ويرد في الكتاب المندائي الألف وإثنا عشر سؤالا: " يا بني وشتلي إد أنا بيميني شتليت" والمعنى واضح في المخاطبة : " يا أبنائي وشتلاتي (غرسي) الذين شتلتهم بيدي اليمنى.
أما كلمة طابا فتعنى الطيب. وعلى هذا يكون معنى تسمية النبي " شيت " على وفق اللغة المندائية " الشتل الطيب ". وهو حقا شتلا طيبا لآدم وللبشرية. ومن نقائه توزن النفوس جميعا بعد الممات، حسب العقيدة المندائية، بميزان " أباثر" ويكون قبالتها وزنا ً نفس النبي شيتل طابا لنقائها وصفائها وسلامتها.
وقد تسمى أحد أحفاد أبو إسحق الصابي وهو المؤرخ محمد بن هلال بن المحسن بـ" غرس النعمة " وهي ترجمة عربية صحيحة لـ" شيتل طابا " حيث "شيتل" هي الغرس و " طابا " هي النعمة والطيب. ولذا فإن صح إسلام غرس النعمة فإنه بقي متشبثا بـ " شيتل طابا " كنية عرف بها وإعترافا منه بمندائيته.

يوشامن: تسمية للحياة الثانية في إسطورة الخلق المندائية يمثل الحد الفاصل بين الخير والشر. والكلمة مكونة من مقطع (يو) وهو ما دأبت الديانة اليهودية ولغتها العبرية عليه في تسمية الكائنات العليا والراقية. أما كلمة " شامن " فربما هي من أساس الفعل " شمن" التي ترد في اللغة المندائية كما ترد كلمة " سمن " العربية بمعنى الإمتلاء. وعلى هذا فربما أن الكلمة تشير الى الإمتلاء الذي يراد منه وبه ما سيلحق من خلق قياسا على الأسطورة المندائية و التي يمكن الرجوع إليها في مصادرها.

مندا إد هيي: الملاك البارز والمبرز في الديانة المندائية. والتسمية معروفة بحكم شيوعها في الأدب المندائي وقيمتها الأساسية في إسطورة الخلق. ويشار له في الأدب المندائي كثيرا بأنه الرسول الأول( مندا إد هيي إد هو شليها قدمايا). والتسمية مكونة من ثلاث كلمات هي " مندا " والتي تعني في اللغة المندائية المعرفة ومنها تأتي تسمية المندائيين. وأداة الإضافة في اللغة المندائية وهي الـ " إد " وكلمة " هيي" التي تعني الحي. وبمجموع الكلمات تعني التسمية العارف بالحي أو العليم. ويمكن أن تكون صفة من صفات الخالق بأنه العليم. ومنها إنسحبت تسمية " الإغنوصية " على المندائيين في أنهم العرفانيين.

مانا : ترد الكلمة في الأدب المندائي لتصف الخالق "مانا ربا". والكلمة ترد في العديد من لغات العائلة السامية. و ترد في اللغة المندائية بمعنين الأول: الوعاء والإناء، والثاني العقل والفكر والروح والمعنى. ويخطر لنا بأن الكلمة مكونة من حرف الميم الذي يستخدم في اللغة المندائية كما في اللغة العربية لجعل الفعل أو ما يلحقه إسم أداة وآلة. فإذا أضفنا حرف الميم الى الضمير " أنا " تتشكل كلمة الـ " مانا " فهي ما أنا. وما أنا يفاد منها على أنها الضمير والعقل والفكر وكل ما في الكيان.

الروها : كلمة إعتمدت في الأدب المندائي لوصف الشر وكائنات الشر. وهي تتفق في اللفظ مع كلمة روح في اللغة العربية ولكنها تتعاكس معها في المعنى. فالروح في اللغة العربية هي هبة الله التي لا يعرف كنهها ولذلك جاء في القرآن الكريم: " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"(الإسراء:85). وهي بهذا المعنى تقابل كلمة " نيشمتا " أي النفس في اللغة المندائية ومدلولها في الأدب المندائي. أما " الروها " بحسب المعنى المندائي فهي تقابل كلمة النفس بمعناها في اللغة العربية بكل عوالقها ونوازعها ورغباتها. وهي التي جاء وصفها في القرآن الكريم أيضا: " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها "( سورة الشمس: 7 ، 8).
ويظهر لنا أن كلمة " روها " في اللغة المندائية إشتقاق من الفعل" رها، رهـو" الذي يرد بعدة معاني منها: يستنشق، يشم، يدرك عن طريق الحواس، يستريح، يفرح. وكل ذلك يرتبط بحاجات تتطلب الإشباع ويكون في إشباعها راحة ومسرة والعكس في خلاف ذلك. وربما تسمية الروح هنا من الراحة التي تتولد بالإشباع ولذا تبقى " الروها " في العقيدة المندائية طلابة وغير شبعة ومرتبطة بنزوات مادية وذاك ما يجر الى نزوعها للشر من أجل تحقيق الكفاية والإشباع والنهم.

النيشمتا: وتقابل معنى كلمة الروح في اللغة العربية ولفظ كلمة النفس. هي هبة الخالق وقبس منه. بدخولها جسد آدم الصلصالي المسجى تحرك وقام. لا يعرف كنهها كما لا يعرف كنه الروح في اللغة العربية. " نيشما سِلق لبيت هيي" النفس تصعد الى دار الحي، الدار الأولى حيث عالم الأنوار بعد أن تنعتق من حبسها في البدن طيلة الحياة الدنيا كما يرد في الأدب المندائي. والكلمة تتأسس على الفعل " نشم " في اللغة المندائية والذي يعني يتنفس. وعلى هذا فإن "النيشمتا" هي المتنفسة. تأتي بصيغة المؤنث، فالمذكر فيها " نيشما " وتجمع على " نيشماتا ". وهنالك كتاب ديني لدى المندائيين اسمه " سيدرا إد نيشماتا " أي كتاب الأنفس مخصص لصلوات طقوس التعميد.

هيبل زيوا: من أبرز الملائكة في الأدب المندائي ويقابل الملاك جبرائيل. كان دوره عظيما حسب الأسطورة المندائية في القضاء على " الروها " وقمع الشر. ويقرن دائما بصفات وخصائص الملاك العظيم " مندا إد هيي". والإسم مكون من كلمتين، الأولى مركبة من الفعل " هاب " والتي معناها كما في اللغة العربية: يهب، يمنح ، يعطي. وكلمة ييل كما في كلمة جبرائيل. أما الكلمة الثانية فتعني الضياء. وعلى هذا فإن المعنى الكامل لهذه التسمية هي واهب الضياء. وهذا هو الدور الكبير الذي تحمّله هذا الملاك حينما أعد وسُلح وجعل قاهرا لعالم الظلام في قصة الخلق بحسب الإسطورة المندائية.

أباثر: من الملائكة المبرزين في العقيدة المندائية وهو صاحب الميزان الذي توزن فيه النفوس ويجلس في آخر محطات المطهرات التي تحاسب فيها. وبحسب زنتها ترتقي الى عالم الأنوار. شكا له الملاك " فتاهيل" أن آدم الذي جبله غير قادر على جعله يتحرك. فسأل أباثر ربه العون فأنزل" النيشمتا " بعد أن لفت بقبس من نور وجعلت خفيا بيد الملاك العظيم مندا إد هيي يدخلها فيه.
لغويا يرى البعض أن كلمة " أباثر" مشكلة من كلمتين هما كلمة " أب " وكلمة " أثرا ". أما الأولى فمعناها في اللغة المندائية كما في اللغة العربية وأما الثانية فتعني الأثيري. وبهذا يرون أن معنى كلمة " أباثر" هو أبو الأثري أو الأثيريين. علما بأنه يرد في الأدب المندائي تسمية أبو الأثيريين ولكن بالإضافة حيث ترد:" أبا إد إ ُثري". والبعض يرى أن كلمة " أب " تعني (ذلك الذي) أما كلمة " تورا " فتعني الوزن والعدالة وبالتالي فهو صاحب القسط وصاحب الميزان. ويفسر بعض ثالث الكلمة على أنها مكونة من أب بمعناها العربي وكلمة " أتـُر" بمعناها الثراء ليكون ( أبو الثراء). وربما هي كما نرى" مُجلي الظلام" تأسيسا على أن كلمة " أبا " تأتي أيضا بمعنى الظلام في اللغة المندائية. أما كلمة " تـُر" فهي من الفعل " ترر" الذي يأتي بمعني يجهض ويطرح.

فتاهيل: ويلفظ بتاهيل تليينا للفاء. ملاك الفتح الذي أوكلت له مهمات كبيرة في تصليب الأرض والعالم السفلي بحسب الأسطورة المندائية. إنغر بفتحه ودوره وإرتأى أنه صاحب السلطان، فسحب الخالق الحق كل قدراته منه وعوقب مباشرة وظل موقوفا الى يوم الدين. الإسم يتأسس على الفعل في اللغة المندائية " فته: فتح " حيث طمر صوت حرف الحاء في المندائية . و يتطابق معناه مع اللغة العربية فهو ملاك الفتح.

كنزي برا: درجة دينية متقدمة في السلك الديني المندائي. ويظهر بحسب اللغة المندائية أن كلمة " كنزي" هي جمع لكلمة " كنزا " ومنها كلمة " كنزا ربا " أي الكنز العظيم وهو الكتاب الرئيس عند الصابئة المندائيين. كما تأتي كلمة " كنزا " بمعنى الكثرة والوفرة أيضا. وعلى هذا تكون كلمة " كنزي" جمع للوفرة والكثرة. وأما كلمة " برا " فيرد في معانيها الخلق والإبداع بما يقابل كلمة " بارئ " في اللغة العربية . فالله البارئ تعنى الله الخالق. وعلى هذا فنحن نرى أن كلمة " كنزي برا " تعنى خالق الكثرة من حيث المعرفة الدينية لارتباط هذه التسمية بدرجة دينية وما تمليه هذه الدرجة من مسؤولية على حاملها. وسيتضح لنا الأمر أكثر بالإطلاع على معاني تسميات الدرجات الدينية الأخرى التي ترتبط جميعها بالمعرفة وليس بمعنى عابر الكنزا ذلك أن ما يعقب كلمة كنزا الكلمة "برا" وليس "أبرا" بمعنى العبور.

ترميدا : وتلفظ تليينا ترميذا. وهي أول درجة دينية يرتقيها المكرس في السلك الديني المندائي . وقد أشيع معناها على أنها تعني تلميذ. وربما أن هذا اللفظ جاء من اللغة العربية. وقد ظهر لنا بأن اللغة العربية قد أخذت كلمة " ترميذا " وكيفتها لفظا وإعتمدتها بالمعنى المتداول بل وشكلت منها فعلا في" تلمذ يتتلمذ تلميذا ً" دخولا من اللغة الآرامية وبخاصة المندائية دون الإنتباه الى أن الكلمة في الأساس مكونة من كلمتين وكالآتي: الفعل المندائي " ترا " والذي يأتي كما في العربية بمعنى ثرى وأثرى وكثر ونما وتوسع وإزداد. وأما كلمة " مادا " فتعني في اللغة المندائية المعرفة من أساس الفعل " يدا " بمعنى يعرف ومنها إشتقـت تسميتهم " المندائيون ". وبجمع الكلمتين " ترا+ مادا " تكون كلمة " ترميدا " التي أخذتها العربية وجعلتها تلميذ. وبالتالي يكون معنى الدرجة الدينية " ترميد ا" الشخص الذي يثري ويزداد معرفة. وهي تسمية دقيقة ومناسبة تماما لمن يؤهل ويصبح عضوا في السلك الديني. فغير الثري معرفة لا يكون له دور فيما سيطلب منه ويرتقي فيه ليكون فيما بعد" كنزي برا " أي خالق الكثرة كما مر بنا أعلاه.

شوليا: وهي تسمية تطلق على المرشح للسلك الديني المندائي حين يكون في فترة الإعداد للتكريس . وقد درج على ترجمتها الى " المُرشـَح ". ويظهر لنا بأن الكلمة جاءت من الفعل المندائي " شال " الذي يرد معناه كما في اللغة العربية : يسأل، بعد التبادل المعهود في لفظ حرفي الشين والسين. وعلى هذا تكون ترجمة كلمة " شوليا " الى السائل وليس المرشح. وهذا المعنى أصح ذلك أن المطلوب من المرشح أن يبقى سائلا ومسؤولا عن المعرفة الدينية والحياتية والطقسية التي يجب أن يتأهل فيها خلال هذه المرحلة قبل أن تجرى مراسيم تكريسه والتي متى ما حصلت فإنه بالضرورة سينال مرتبة " ترميدا ".

شكندا: وتلفظ بكاف ثقيلة. وتأتي في الأدب المندائي بمعنى الرسول كما أنها صفة الفرد الذي يلازم من يقوم ببعض الإجراءات الدينية كالذبح. إذ لا بد أن يرافق من يقوم بعملية الذبح شخص نظيف أيضا تتوفر فيه الأهلية الدينية ليكون شاهدا على العملية ولذلك فهو يردد ويقول أثناء قراءات النحر " أنا سهدخ " بمعنى أنا شاهدك. والشيء نفسه مطلوب حينما يقوم رجل الدين المندائي بإجراءات التعميد أو الزواج إذ تتطلب عملية إنهاء المراسيم دورا للـ" شكندا ". ويظهر لنا بأن كلمة " شكندا" مكونة من كلمتين هما " شكا " والتي ترد في اللغة المندائية بمعنى الخطأ والزلل وكل ما يرتبط بهما، والفعل " ندا " الذي يعني في اللغة المندائية طرد ، دفع، أزال. وهكذا تكون كلمة " شكندا " بمعنى مُبعد الخطأ. وهذا هو الدور الفعلي لمن يقوم بهذا العمل إذ أن عليه مراقبة من يساعده دفعا لأي خطأ أو زلل لشدة حرص الديانة المندائية وتزمتها في إجراءاتها الطقسية. بل حتى إن أخذنا معنى الرسول للكلمة فما الرسول إلا الهادي المعلم دافع الخطأ ومبعد الزلل عن الإيمان الحق بالخالق.

كليلا : الإكليل في اللغة العربية يعني التاج. وفي اللغة المندائية فإن كلمة تاج تأتي أيضا بلفظ " تاغا ".
ويظهر لنا أن كلمة " كليلا " في اللغة المندائية متشكلة من مقطع "كا+ ليلا". أما مقطع " كا" فيفيد معنى هنا، وأما كلمة " لِيلا أو للاي" فتعني في اللغة المندائية للأعلى. ويمكن أن يكون المعنى هنا للأعلى. وبما أن الإكليل لا يكون إلا بالأعلى وهو فوق الرأس، فإن المعنى يتطابق مع القصد. ثم تعمم اللفظ على ما يوضع على الرأس مما هو جميل وراق فكان إكليل الورد والزخرف. وفي المندائية فإن كلمة " كليلا " هي التسمية الشائعة لغصن الآس المشكل بشكل حلقة كالخاتم والتي توضع على رأس المتعمد أو المحتضر تحت طرف من العمامة. واللغة العربية أشاعت هذا الإستخدام وعممته وجعلت منه فعلا يفيد ما يكون عاليا. والفعل يكلل ويتكلل أمثلة على ذلك. بل ربما أن كلمة " كلة " التي تعني الناموسية هي من أساس كلمة "كليلا" ذلك أن (الكلة) إنما تكون أعلى وفوق الشخص على سرير نومه.

رستا : هي اللباس الديني الأبيض المعهود الذي يرتديه المندائيون عند إجراء طقوسهم الدينية. وهي عامة تتكون من سبع قطع للشخص العادي وتسع لرجل الدين. أما المعنى اللغوي لكلمة " رستا " كما يرد في اللغة المندائية فهو الحق والإستقامة. والكلمة مستخدمة في اللغة الفارسية أيضا على أننا لا نستطيع أن نقرر مَن أخذ مِن مَن؟

سِندركا : وتعني في اللغة المندائية النخلة مع أن هنالك كلمة أخرى للنخلة وهي " تالا ". والـ" سندركا " تستخدم بمعنى رمزي في الأدب المندائي لتشير الى الفحولة والخصب وتكون مترادفة دائما مع كلمة " أينا " التي تعني كما في اللغة العربية العين والنبع إشارة الى الأنوثة. ويفيد معناهما المتلازم إشارة الى التكامل والإنجاب. ويظهر لنا بأن كلمة " سندركا " مكونة من كلمتين هما: كلمة " سين" وتعني القمر. أما كلمة "دركا " فتعني الطريق والنهج والسبيل. فهل يكون في جمعهما ما يشير الى السمو والإرتفاع؟

أصل اللغة المندائية:

ـ المندائية هي احدى اللهجات الشرقية للغة الآرامية وظهرت للوجود مع الظهورالأول للآراميين منذ حوالي ثلاثة الآف سنة حين استوطنت قبائلهم على امتداد نهر الفرات وفي كل منطقة الشرق الأدنى . لقد قام الآراميون بتأسيس اماراتهم ابتداء من الألف الأول قبل الميلاد على تخوم المدن الآشورية وامتدت مناطق نفوذهم من بيت زماني في الأناضول شمالا الى مملكة ميشان و بلاد العيلامين في الجنوب، وتوالت الهجرات الآرامية نحو جنوب العراق فاتجهوا نحو بابل في عصر الكاشيين وقد تمكن احد زعمائهم المدعو حدد أبال عديني من خلع ملك بابل وتنصيب نفسه ملكا عليها وذلك مابين 1071 ـ 1054 قبل الميلاد. لقد انتشر الآراميون انتشارا واسعا في ارجاء العراق هربا من الضغوط الآشورية على قبائل وممالك الشمال، حتى ان المناطق المحاذية لنهر دجلة والمتاخمة لبلاد عيلام شرقا وبلاد بابل غربا باتت تسمى (بلاد آرام). وفي عام 612 قبل الميلاد احتل نبوبلاصر نينوى وبدأ عصر الأمبراطورية الكلدانية التي صهرت ابناء عمومتهم الآراميين في بوتقتها، فأصبح الآراميون جزءا حيويا من الأمبراطورية الكلدانية، وبهذا انتهى صراعهم الدموي مع الآشوريين وبدأ دورهم المؤازر للكلدانيين. وعندما سقطت بابل الكلدانية سنة 539 قبل الميلاد على يد الفرس الأخيمنيين كان الآراميون قد فقدوا مع الكلدانيين دورهم السياسي والعسكري. ولكن النهاية السياسية للآراميين لم تكن خاتمة المطاف بل تلاها الدور الحضاري الذي قامت به الثقافة واللغة الآرامية في منطقة الشرق الأدنى بأكلملها لأكثر من ألف عالم، كما يذكر ذلك الدكتور خزعل الماجدي في كتابه "المعتقدات الآرامية" . وفي سوريا قام الآراميون بتأسيس ممالك عديدة جاء ذكر معظمها في كتاب التوراة (العهد القديم). وبالرغم من الصراع الدموي مابين الآشورين والآراميين الا ان الآشوريين تبنوا اللغة الآرامية لغة رسمية لأمبراطوريتهم في بداية الألف الأول قبل الميلاد ، وفي النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد ساعدت الأمبراطورية الأخمينية على نشر اللغة الآرامية فسهل ذلك على الفرس التعامل مع سكان بلاد الرافدين والشام وشمال الجزيرة، فانتشرت اللغة الآرامية من الهند الى مصر والحبشة. اما في فلسطين فصار اغلب السكان يتخاطبون بالآرامية الى جانب اليونانية اثناء حكم البطالسة والسلوقيون للمنطقة واقتصرت العبرية على كونها اللغة الخاصة بالهيكل.

يعزى انتشار اللغة الآرامية ، والتي كانت تسمى " لشان نهري " نسبة الى نهري دجلة والفرات ، الى عذوبة الفاظها ومرونة افعالها وكذلك الى الآراميين انفسهم الذين كانوا يمتهنون التجارة وجابوا أغلب مناطق الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض فانتشرت اللغة الآرامية على ايديهم انتشاراً واسعاً . لقد عثر على هذه اللغة في جزيرة الفيلة في مصر حيث دون بها العبرانيون كل وثائقهم وعقودهم الرسمية في منتصف الألف الأول قبل الميلاد ووجدت كذلك مدونة في مسكوكات اسيا الصغرى وأوامر مرازبة الفرس كما تم العثور عليها في اقاصي الصين حيث نقلها المبشرون المانوين الى هناك خلال القرنين الثالث والرابع بعد الميلاد.
قام علماء اللسانيات بتصنيف اللغة الآرامية الى لهجات غربية، استخدمت في بلاد الشام وفلسطين، وشرقية خاصة ببلاد وادي النهرين والأخيرة شملت كل من الكلدانية والآشورية والسريانية والبابلية والمندائية . وبالآرامية تمت كتابة كل الكتب المقدسة، فكتب بها التلمود البابلي وقسم كبير من العهد القديم مثل سفري عزرا ودانيال والأنجيل (العهد الجديد) وكتاب المندائيين المقدس كنزا ربا وأنجيل ماني وكتاب الأفستا ـ كتاب أقوال زرادشت، وهذا بحد ذاته يثير تساؤلا غريبا عن قدسية هذه اللغة. وقد اخطأ بعض المستشرقين حين اطلقوا على لغة الكتاب المقدس (كلدانية) لأن الكلدان كانوا فئة من شعب بابل، يقول العهد القديم: " فأمر الملك (نبوخذ نصر) بأن يستدعي المجوس والسحرة والعرافون والكلدانيون ليخبروا الملك باحلامه ... فكلم الكلدانيون الملك بالآرامية ..." (دانيال 2 :2 ـ 4) . والآرامية هي اللغة التي تكلم بها كل من يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) والسيد المسيح (عليهما السلام) وغيرهما من الأنبياء والقديسين.
لقد استمرت الآرامية لغة رسمية للعراق فترة طويلة تعدت الألف سنة دونت بها كل نشاطات الامبراطورية انذاك بما فيها الأداب والفنون مثل اعمال الفليسوف العراقي احيقار الحكيم ، كما ان المفكر والمؤرخ البابلي الكبير بيروز صاحب الكتاب الشهير بابيلونايكا كتب كل مؤلفاتة باللغتين الآرامية واليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد. ومازالت الذاكرة العراقية تحتفظ لنا بالعشرات من المفردات والتعابير الآرامية الى يومنا هذا مثل مسگـوف وحريشي و اسليمة وبلابوش و كرزات ونياحة وبزخ وانثبر وطرگـاعة وصيغ الأفعال مثل صعديت و أكليت وشربيت ولعبيت ومئات الأمثلة غير ذلك.

انتشار اللغة المندائية:

وقد انتشرت المندائية بشكل كبير في بابل والمناطق الممتدة جنوبا الى مملكة ميشان وبلاد عيلام في القرن الأول الميلادي. لقد تبنى كل من العلاميين والميشانيين الأبجدية المندائية في القرن الثاني الميلادي لمرونتها وقوة تعابيرها واصبحت اللغة التي دونت بها الكثير من الوثائق ونقشت حروفها على المسكوكات المعدنية في تلك الفترة وفي الوقت ذاته غدت المندائية، التي اتخذت من الارتماس (التعميد) بالماء رمزا لها، عقيدة آمنت بها مجاميع كبيرة من الناس سواء في بلاد الرافدين او حوض الأردن عندما كان النبي يحيى يكرز في البرية ويحارب الطغيان بينما هو يعمد الجموع التي تنضم لمسيرته . ويشيرالمستشرق الألماني الكبير مارك ليدزبارسكي M. Lidzbarsky ، الذي قام بترجمة كتاب كنزا ربا المقدس الى الألمانية في مطلع القرن الماضي الى ذلك بقوله:
" من المسلم به ان الانقلاب العظيم الذي احدثه الدين المندائي على الصعيد المذهبي لم يتم في عشية وضحاها . لقد استطاع هذا الدين ان يثبت جدارته وأن يتوطد ويغدو عقيدة لفئات واسعة من البشر . لكن نحن نفتقر الى امكانية للنظر في الأحداث التي مهدت لهذا الدين منذ البداية ." ومن المعلوم فأن الصابئة المندائيون كانوا منتشرين بكثرة في العراق وخصوصا المناطق الوسطى والجنوبية من العراق. وقد استمر الصابئة في تواجدهم على ذلك الجزء من جنوب بابل ومملكتي ميشان وعيلام بكل حيوية الى مابعد الفتح الأسلامي بأكثر من ثلاثة قرون وقد اسماهم ابو فرج النديم المتوفى سنة 438 هـ بالمغتسلة او "الصابة" حين قال :
" وهؤلاء القوم كثيرون بنواحي البطائح ، وهم صابئة البطائح يقولون بالاغتسال ، ويغسلون جميع ما يأكلونه، وهم عامة الصـَابـة المعروفين بين الحرانييــن ." كما اطلق عليهم ابن النديم ايضاً تسمية " الرشيين" و "الكوشطيين" ، و(الكوشطا) هي عهد الصابئة المقدس. وقد تعرض المندائيون الى العديد من حملات التطهير العرقي على مدى التاريخ، شأنهم شأن المانوين وغيرهم من الأقوام الذين انقرضوا من العراق، وآخرها كانت مذبحة شوشترالتي حدثت في القرن التاسع عشر حيث لم يتبق في هذه المدينة المندائية، والتي كانت تضم بحدود اربعة الآف دار، ولا مندائي واحد ، ونتيجة لذلك تضاءلت اعداد المندائين الى درجة مخيفة وباتوا على شفير الفناء ، وقد احصاهم المستشرق بيترمان في عام 1840 فوجد انهم بحدود الخمسمائة عائلة او ما يزيد قليلاً في المنتفك والقرنة وغيرها من مناطق الجنوب العراقي.

انحسار اللغة المندائية:

لقد كانت اللغة المندائية ـ والمندائية بالمناسبة تعني العرفانية ـ لغة العلم والمعرفة ولغة التداول اليومي جنبا الى جنب مع اللهجات الأخرى مثل النبطية والبابلية الكلدانية (القريبتان جداً من المندائية) الى ان اخذت بالضعف والأنكماش التدريجي امام اللغة العربية التي هيمنت على العراق بعد الفتح العربي الأسلامي في القرن السابع الميلادي ، فتخلى عنها المندائيون في العراق تماما لصالح اللغة العربية لأسباب عديدة ومن اهمها الاضطهادات الدينية والعرقية ، وأصبحت تقتصر حاليا على رجال الدين المندائيين الذين يؤدون بها الطقوس الدينية اي لغة طقسية او مايسمى بالأنجليزية liturgical language. وبالتأكيد، اذا ما استمر الحال كما هو عليه الآن فستنقرض هذه اللغة في المستقبل القريب كما تنبأت بذلك الليدي دراور التي درست اللغة المندائية وترجمت كتبهم وعاشت معهم لفترات طويلة.
ان الهجرة التي فرضت على المندائيين في العقدين الأخيرين وانتشارهم في المهاجر يشكل تهديدا خطيرا آخر للغة المندائية والتراث المندائي، حيث لا توجد مدارس تدرس المندائية ولامعاهد دينية تدرس الطقوس والعبادات لابناء هذه الطائفة. ان بقية الطوائف مثل الطوائف الكلدو اشورية والسريانية والآرامية تقاتل على شتى الصعد من اجل النهوض بلغاتها فحري بالمندائيين اتباع نفس هذا النهج بما يؤدي الى حفظ لغتهم وتراثهم من الاندثار والضياع . ان المندائية هي احدى المكونات اللغوية للعراق القديم والحفاظ عليها هو حفاظ على حضارة بكاملها تمثل مامر بالعراق من حضارات والشعب المندائي هو سليل تلك الحضارة العظيمة.

خصوصية اللغة المندائية:

وتنتمي اللغة المندائية الى نفس المجموعة من اللغات السامية التي تنتمي اليها الأكدية والعبرية والعربية والآرامية والفينيقية والكنعانية . والمندائية هي اللهجة الآرامية الوحيدة التي حافظت على نقاوتها اللغوية من الألفاظ والتعابير الخارجية خاصة من الألفاظ العربية، وتمتاز بسهولة تعلمها وبمرونة اصواتها وعذوبة الفاظها، ومازالت اللغة المندائية لغة الأدب ولغة الطقوس لدى المندائيين في العراق والعالم بالأضافة الى انها لغة التخاطب لدى صابئة ايران. وتشترك المندائية في كثير من مفرداتها مع اللغة العربية ويمكن تمييز ذلك بدون صعوبة تذكر، كما انها تحتوي على الكثير من المكونات السومرية مثل ملواشا (الأسم الفلكي) واشكندا (مساعد) وكذلك المئات من المفردات الأكدية مثل ديمتو (دمعة) ودالو (ارتفع) وهبالو (خوف) وهشالو(صائغ).

ان اللغة المندائية ذات انسيابة شعرية خاصة تعبر عن الأفكار الثيوصوفية التي يمتاز بها الأدب الديني المندائي كما نرى في المناجاة التالية من كتاب كنزا ربا المقدس والتي ترجمناها من اللغة المندائية مباشرة :
باسم الحي العظيم / معظم هو النور السامي / اني نشأت من عالم النور / منك ايها المقام النوراني / ان الأثرا (الكائن النوراني) الذي رافقني من دار الحياة / كان ممسكا بمركنة (عصا) الماء الحي في يده / ان عصا الماء الحي التي كان ممسكا بها في يده / مزدانة بأطيب الأوراق / قدم هو لي بعضاً منها / وكانت ملأى بالطقوس والصلوات / ومرة ثانية قدم لي بعضا منها / فوجد قلبي العليل فيها شفاءً / وحينما قدم لي بعضا منها في المرة الثالثة / رفع ناظري نحو العلا / فأبصرت أبي وعرفته / حين ابصرت ابي وعرفته / تضرعت اليه ان يحقق لي ثلاث امنيات / تضرعت اليه ان يهبني وداعة لاتعرف العصيان / وان يمنحني قلباً ثابتاً يتحمل الأوزار / وأن يمهد سبيلي لكي ارتقي عاليا وأرى مقام النور.

وللمندائيــة ابجديتها الخاصة بها التي تنفرد بها من حيث شكل الحروف ويطلـقون عليــها الـ (آ ـ با ـ گـا ـ دا) ، لكن قواعد الصرف والنحو تخضع لنفس المقاييس المتبعة في اللغة الآرامية بشكل عام وهي تعتمد في كتابتها على الحروف الصحيحة اكثر من اعتمادها على حروف العلة التي يعبر عنها بعلامات مقتبسة من الأبجدية نفسها كما في اللغات الأوربية . وأغلب كلماتها ترجع في اشتقاقها الى اصل ثلاثي الحروف ، كما انها تكتب مثل جميع اللغات السامية من اليمين الى اليسار ، والحرف المندائي له قدسية خاصة لدى المندائيين وتكمن في طريقه رسمه رمزية النور والظلام والصراع مابين الخير والشر، كما ان لهذه الحروف اقياماً عددية فحرف الألف قيمته واحد والباء اثنان والدال خمسة ، وهكذا. واللغة المندائية تتكون من اثنين وعشرين حرفا وتخضع لأبجدية (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت) وهي خالية من الروادف (ثخذ، ضغظ) . لقد تعرضت اللغة المندائية لأهمال كبير خاصة بعد الطاعون الكبيرالذي اصاب العراق سنة 1831م وحصد ارواح مئات الألوف من العراقيين ومن ضمنهم اغلب رجال الدين المندائيين ومن الفيضان الذي تلا ذلك الطاعون. ولكن جهود بعض الغيارى انذاك من افراد الطائفة المتنورين ادت الى جمع ما سلم من الكتب والدواوين بشكل كامل تقريبا. ان كافة الطقوس والصلوات تتم باللغة المندائية ـ ولا يجوز بغيرها ـ باعتبارها لغة العبادة ولذا فهي لغة مقدسة كتبت بها صحف آدم الأولى وبقية كتبهم الدينية.
ان النصوص المندائية هي الأكثر نقاوة من ناحية لغوية ولم تتعرض للعناصر الدخيلة interference ولذا فهي تقدم اللغة الآرامية بشكل افضل من لغة التلمود . لقد دونت المخطوطات المندائية في بابل وكتاب كنزا ربا قد كتب قبل قدوم الأسلام الى العراق بفترة طويلة، وخلف لنا المندائيون القدامى مخطوطات ودواويين ولفائف وتعاويذ طلسمية مكتوبة على اشرطة رصاصية وعلى قحوف الأحراز، واغلب هذه الدواووين والمخطوطات مكتوبة على ادراج طويلة بشكل ملفت للنظر تتخلها رسوم لشخوص كونية رمزية لها اسلوب خاص بفن الرسم الديني المندائي.

اللغة المندائية مهددة بالانقراض:

ان هذه اللغة الجميلة التي استمرت منذ حكم الملك البابلي العظيم نبوخذ نصـّر الى يومنا هذا هي فعلا مهددة بالانقراض ، ولم تحض بالأهتمام الأعلامي اللازم باعتبارها اللغة الغنوصية الوحيدة التي قدر لها البقاء بالرغم من كل الكوارث التي المت بها. ان مسألة الحفاظ على اللغة المندائية ينبغي ان تتولاها المؤسسات العراقية الرسمية وغير الرسمية مثل وزارة الثقافة ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي ومخاطبة الجهات الدولية ذات العلاقة مثل منظمة اليونسكو والمنظمات التي تدافع عن الأقليات واللغات المهددة بالانقراض، كما يتحمل المندائيون انفسهم مسؤولية النهوض بتراثهم وأحياء لغتهم. وفي السنوات الأخيرة قام بعض مثقفي المندائيين بمحاولات جادة ، ولكنها تبقى فردية ، لأحياء لغتهم . فقد تصدى الأستاذ خالد عبد الرزاق الخميسي ـ كارلوس جيلبرت ـ لترجمة كتاب كنزا ربا من الألمانية الى العربية فأتاح لأول مرة للباحث للمندائي وغير المندائي الاطلاع على محتوياته التي بقيت طي الكتمان مئات من السنين. كما قام الدكتور قيس مغشغش فابتدع طريقة لكتابة الخط المندائي على الكومبيوتر لذوي الأختصاص وقام بوضع كتاب (لنتعلم المندائية) وهو موجه للمندائين بمختلف الأعمار، اما الأستاذ أمين فعيل حطاب فقد ألف كتاباً في القواعد المندائية وترجم بعض الدواويين والكتب من المندائية الى العربية ومنها كتاب تعاليم يحيى (دراشا ديهيا) والذي نشر في بغداد قبل بضعة اعوام . اما قصب السبق في هذا المجال فكان من نصيب الأستاذان المرحومان نعيم بدوي وغضبان رومي حين ترجما كتاب : مندائيو العراق وأيران The Mandaeans of Iraq and Iran الذي قامت بتأليفه الباحثة البريطانية اثل ستيفانا دراور E. S. Drower ونشرته جامعة اوكسفورد سنة 1937 وصدر بالعربية في بغداد سنة 1969 تحت اسم الصابئة المندائيون. وفي سنة 1981 اصدرت الأستاذة المندائية ناجية المراني كتابها الموسوم مفاهيم صابئية مندائية تلاه كتاب الأستاذ عزيز سباهي اصول الصابئة المندائيين الذي اصدره في عام 1996. كما ان رجل الدين المندائي الربي رافد عبدالله السبتي قام بترجمة بعض الكتب المتعلقة بالطقوس المندائية مباشرة من المندائية الى اللغة العربية ومنها كتاب مهم هو طقوس المسقثا، اي طقوس عروج النفس (النشمتا) الى عالم النور. كل الذي ذكرناه جهد متميز لكنه لايرتقي لمستوى التحدي الذي تجابهه اللغة المندائية وهو تحدي بقاء بلا شك.

دور مؤسسات الدولة في الحفاظ على الأرث المندائي:

لقد قام الصابئة بدور كبير في النقل والترجمة في العصر الأسلامي فنقلوا الكثير من تراث مدرستهم العلمي والفلسفي الى العربية وترجموا امهات الكتب والمؤلفات اليونانية فاضافوا اضافة مهمة للتراث العربي ، كما ساهم الصابئة فى نقل العلوم اليونانية إلى العربية وكل هذه العلوم سواء الفلك أو الرياضيات أو الطب وغيره، وكانوا هم حلقة الوصل بين الحضارة الإسلامية والحضارات التى سبقتها وقدموا خدمات جليلة للعراق على مدى العصور ، فالدور الآن على اصحاب الشأن لانقاذ اللغة المندائية من الاندثار باعتبارها جزءا مهما من تاريخ العراق القديم والحديث وهذا من حقهم على العراق. ان احياء اللغة المندائية هو واجب على الحكومة العراقية الجديدة باعتباره عمل مؤسساتي النهوض به يقع ضمن اختصاص الدولة ، كما حدث في سوريا على سبيل المثال. فبعد ان ادرك المختصون هناك اهمية اللغة الآرامية اخذت الدولة على عاتقها اقامة معاهد عديدة لتدريس اللغة الآرامية في معلولة ودمشق وجبعدين وغيرها، كما ادخلت الآرامية مادة من ضمن مواد المنهج الدراسي في الجامعات السورية، فانتعشت هذه اللغة في بلاد الشام من جديد.

وفي جامعة بغداد استحدث قبل سنتين قسماً جديداً للغة السريانية (الآرامية) يترأسه الدكتور يوسف متي قوزي وقد احتفل في العام الدراسي السابق بانتقال طلبة هذا القسم من الصف الأول الى الصف الثاني، فلماذا ياترى لم تدرج اللغة المندائية من ضمن منهاج هذا القسم والدكتور يوسف متي قوزي هو الضليع باللغة المندائية وقام بترجمة كتاب الصابئة المندائيون المقدس كَنزا ربا من المندائية الآرامية الى العربية؟ ان على الجهات المندائية ذات العلاقة مطالبة الجامعات العراقية بادراج اللغة المندائية ضمن مناهجها التدريسية وضمن القسم المشار اليه اعلاه ليكون قسما ً للغات الآرامية ـ يشتمل على كل من السريانية والارامية والكلدانية والمندائية ـ وليس قسما للغة السريانية فقط.

لقد اولى المستشرقين وعلماء اللغات السامية اهمية خاصة للغة المندائية مثل الألمانين بيترمان Peterman الذي زار العراق في النصف الأول من القرن التاسع عشر والتقى بالمندائيين في سوف الشيوخ ووضع كتابا عنهم وكذلك البرفسور ثيودور نولكده N?ldke T. الذي ألف كتاب قواعد اللغة المندائية باللغة الألمانية سنة 1875 م وكثيرون غيرهم، ولكن ماتزال هذه الكتب والدراسات طي الأدراج وعلى الرفوف، وكذلك الكتب المندائية التي لم تترجم لحد الآن، تنتظر من يلتفت اليها ويقوم بترجمتها علماً بأنها دراسات وبحوث لن تتكرر مرة اخرى . كما ينبغي عليهم جمع كل هذه المخطوطوات في مكتبة مركزية واحدة وتصنيفها وتبويبها ومحاولة استرجاع ما موجود منها في المتاحف والجامعات العالمية و إن لم يتيسر ذلك فعمل نسخ مصورة عنها على الأقل.

اللغة المندائية اليوم:

ان من يستخدم المندائية كلغة تخاطب حالياً هم فقط مندائيو ايران، فقد دأب المندائيون في خوزستان (الأحواز) على الاستمرار بالتحدث بالمندائية فيما بينهم الى يومنا هذا لكونهم محافظين اكثر ـ ان جاز التعبير ـ من المندائيين في العراق، فهم اكثر تمسكا من اخوتهم في العراق بالطقوس وبالتالي اللغة المندائية . فنتيجة لإهمال السلطة الأيرانية انذاك للمنطقة العربية التي اصبحت تابعة لأيران فلم يتحول الكثير من ابناء المندائيين هناك الى التعليم العالي كما حصل في العراق وبقى اكثرهم بعزلته، ونتيجة لهذه الأنعزالية استمر صابئة ايران الى التحدث بلغتهم لحد الآن. ولكنهم اليوم يتمتعون في ايران ببعض الحماية وقليل من الحقوق اذ سمح لهم بأقامة مندي (معبد) صغير في الأهواز ومدرسة بسيطة لتعليم اللغة المندائية للأطفال، لكنهم، مع الأسف ، مازالوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية في الجمهورية الأسلامية حيث لا يحق لهم تبوأ اي منصب رفيع في الدولة. ان تأثيرات اللغة الفارسية بدت تطغى على كل من اللغة العربية والمندائية ، ضمن خطة تفريس المنطقة، وبتقديري فأن اللغة المندائية في ايران ستتعرض الى ماتعرضت اليه في العراق. هناك جهود عظيمة يقوم بها بعض ابناء الطائفة للحفاظ على تراثهم ازاء هذه التحديات واخص بالذكر جهود رجل الدين المندائي سالم الكحيلي الذي يبذل كل وقته في تصنيف وصيانة المخطوطات المندائية وتسجيل بعضها صوتيا، كما انه اصدر كتابا مبسطا في القواعد المندائية ولكن باللغة الفارسية . وهي جهوداً ضئيلة ،على اية حال، اذا ما قارناها بالمخاطر الجادة التي تهدد وجودها. ان الجنوب العراقي الذي كان يضج باللهجات البابلية والمندائية والآرامية والنبطية والعيلامية وغيرها قبل الأسلام قد تحول تدريجيا الى اللغة العربية لأن اللغة العربية اضحت اللغة الرسمية للبلاد، والمندائية لم يكن نصيبها افضل من غيرها في هذا المجال فتحول المندائيون كما تحول غيرهم، بسببب هيمنة اللغة العربية ولأسباب كثيرة يطول شرحها هنا، الى اللغة العربية وتخلوا عن لغتهم الأصلية.

ان من واجب المندائيين النهوض الآن من السبات الذي فرض عليهم على مدى قرون عديدة والسعي بكل حزم لتشجيع اولادهم على الالتحاق بالجامعات التي تدرس اللغات الآرامية والعبرية والأكدية من اجل بلورة نواة لغوية وثقافية تؤدي الى احياء اللغة والتراث المندائي على حد سواء وعناصر ديمومة كل من اللغة المندائية والتراث المندائي متوفرة، الا انها بحاجة للدعم المادي والمعنوي ومحاولة احياء هذه اللغة سيساهم بلا ريب في اذكاء جذوة البحث الأكاديمي . ان مسألة احياء اللغة المندائية هي مسألة مصير ووجود للشعب المندائي لكون اللغة هي الهوية القومية والحضارية وهي من الأسس التي يستند عليها وجود أي شعب حي، ولاحياة لأمة بدون لغة كما قيل. ولهذا ينبغي على المندائيين انفسهم بالعمل مع الجهات ذات العلاقة في العراق لصياغة القوانين التي تتيح لأبناءهم أن يتعلموا لغتهم الأم وان تتضمن هذه القوانين في الدستور العراقي الجديد. ان احياء المندائية سيؤدي الى اغناء حقيقي للتراث العراقي كله وانشاء مركز دراسات مندائية في العراق سيكون بمثابة نقطة جذب للباحثين والأكاديمين لدراسة هذا الشعب الغنوصي العراقي القديم الذي مازال مستمرا ليومنا هذا ، وستساهم المندائية في انتعاش السياحة الدينية في العراق وسيتدفق الكثير من الذين يؤمنون بالمعمدانية وهم بالملايين في كل انحاء العالم على العراق للاطلاع على طقوس التعميد وهي تجرى من قبل رجال الدين المندائيين في النهر كما كان يفعل يهيا يوهانا (يحيى بن زكريا) منذ اكثر من الفي عام.
والشعب المندائي شعب رافديني قديم قائم بذاته له لغته ومعتقداته الخاصة وبقعته الجغرافية التي عاش عليها الآف السنين وليس نتاجاً جانبياً لأية حضارة اخرى. وباعتبارهم آخر من تبقى من الغنوصيين في العالم فالمحافظة عليهم وصيانة آثارهم هي مسألة تهم الأنسانية جمعاء. لقد سلط عالم اللسانيـات الكبير رودولف ماسـوخ R. Macuch ـ الذي ساهم في تأليف القاموس المندائي مع الليدي دراور ـ الضوء على اهمية كل من اللغة والعقيدة المندائية بقوله: "ان موضوع تطور العقيدة المندائية كان وما يزال السؤال الرئيسي الذي يواجه الباحثين في تاريخ الأديان ، وهذه معضلة لايمكن حلها على الاطلاق مالم تتم دراسة الموروثات الفكرية والأدبية المندائية وترجمتها وتقديمها بالشكل الصحيح."

صعوبة ترجمة النصوص المندائية:

ان الترجمة من لغة قديمة وفك رموزها امر صعب للغاية خصوصا لأن اغلب هذه النصوص محاط بغموض طقسي خاص، كما هو الحال مع كافة النصوص الغنوصية. بالأضافة الى القواعد اللغوية التي تتباين وفقا لزمان الحدث ـ واقصد تصاريف الأفعال خصوصاً وان المفاهيم اللغوية الموجودة في تلك النصوص قد مضى عليها زمن طويل وليس من اليسر التوصل الى تفاسير لها ونحن بعقلية القرن الحادي والعشرين . ان المترجم يضيع احيانا في متاهة صيغ الأفعال والأعادات المتكررة للجملة الواحدة مع تغير مواقع الكلمات مثال على ذلك: "عند بوابة منزل ابدوني / وضع عرش للجني / للجني وضع عرش / وأمامه وضع اناء / انه ينادي على السحرة قائلا: / تعالوا ، اسقطوا في الإناء / تعالوا في الإناء اسقطوا / تعالوا كونوا على بينة من انفسكم / على هذا ماكنتم انتم قد اقترفتم في العالم ." ومن الأسباب الأخرى لصعوبة ترجمة النص يكمن في ان اللغة المندائية مدونة بشكل نص متصل غير منفصل بنقاط او علامات تشير الى بداية ونهاية الجملة ناهيك عن الأخطاء الاملائية والنحوية التي وقع بها النساخ. ومن العوائق المهمة التي تجابه المترجم ايضا ان الكثير من هذه النصوص مكتوب بطريقة مشوبة بالغموض الخاص بالاهوت الخلاصي للنفس (النشمتا) soterioligy بحيث لاتتيح لمن هو غير مخول بفهمها، كما ان العديد من الطقوس يتم تناقلها شفاها من جيل الى جيل بين رجال الدين وهذا يشكل عائق آخر نحو فهم هذه النصوص.
في الحقيقة ان اهمال النساخ واخطائهم النحوية تضيف كثيراً الى الصعوبات التي تلاقي المترجم وهنا تبرز الحاجة الى لجنة من الأكاديميين ورجال الدين المندائيين كي تقوم بتحقيق هذه النصوص وطبعها بصيغها الصحيحة بعد ان تتم مراجعة ومطابقة النص مع مصادر اخرى لنفس النص ان توفرت. ان الترجمة من المندائية القديمة تستدعي استثمار الدراسات الحديثة في الترجمة و الاستفادة من التراث المندائي في نقل المعلومة وان يكون المترجم على وعي تام بما سيتلقاه القارئ المندائي وغير المندائي لأن الخطأ في نقل المفاهيم والمصطلحات قد يؤدي الى تشويه النص نتيجة لتباين المعاني تبعا لمفهوم النص وزمانه خاصة وإن المخطوطات المندائية تعود الى حوالي الفي سنة. وعلى العموم تبقى ترجمة هذه المخطوطات والدواوين مغامرة على من ينوي خوضها ان يكون ملما باللغات ذات العلاقة كالعربية والآرامية والعبرية والأكدية لوجود مفردات وقواعد نحوية مشتركة بين هذه اللغات كما ينبغي عليه ان يكون ملماً بتاريخ وادي الرافدين ومنطقة الهلال الخصيب والموروث الحضاري والأسطوري لهذه المنطقة امتدادا من حران شمالا وحتى القرنة جنوبا حتى لا ينساق وراء الدلالة العربية لكلمة اسطورة على انها خرافة بما تحويه من مدلولات سلبية على الترجمة في الفكر العربي. وكل هذا يتطلب ، كما هو واضح ، لجنة من المختصين بهذه المجالات يعهد اليها بترجمة الكتب المندائية.

ان اهمية اللغة المندائية تكمن في مايلي:

أولاً: ان المندائية هي اللغة العرفانية ـ الغنوصية - Gnosticالوحيدة التي استمرت الى يومنا هذا نتيجة لمأثورها الديني الضخم.
ثانياً: ان الكتب المندائية تشكل اكبر مكتبة غنوصية تم الحفاظ عليها من قبل المندائيين وصانوها من التلف والضياع .
ثالثا: ان اللغة المندائية هي اللغة الوحيدة القادرة على تقديم الفكر العرفاني ـ الغنوصي بشكله الحقيقي لما تحويه من بلاغة التعبير وثراء المعاني والصور. لقد صان البعد الجغرافي للمندائيين وانعزاليتهم في بيئتهم الخاصة ادبيات المندائيين من التأثيرات الهلنستية، مما جعل المندائيون اقل عرضة لأغراءات ملائمة افكارهم بما يتوافق مع الفكر الغربي (اليوناني) الذي ساد لفترة طويلة منطقة الشرق الأوسط بعد مجيء الأسكندر الأكبر، ولهذا يعتبر الأدب المندائي الأدب الوحيد النقي من تلك التأثيرات ولهذا اهمية كبيرة لدى المؤرخين وعلماء اللغات والأديان.
رابعا: ان الأدبيات المندائية تتمتع بمثلوجية فريدة مكتنزة بالصور البلاغية الشعرية الغير موجودة في باقي المعتقدات ولهذا فهي اللغة الوحيدة التي من خلالها يستطيع الدارسون النفاذ الى الفكر والمعتقد الغنوصي العصي على الفهم احيانا.
خامساً: ان النصوص المندائية لاتحتوي على اية تأثيرات او مفردات عربية فرضت عليها جراء الفتح الأسلامي للعراق لأن اغلب هذه النصوص تعود الى تواريخ اقدم بكثير من الوجود العربي في العراق.
سادساً: ان نظام الأصوات الكلاميةphonetics في اللغة المندائية هو من اهم الظواهر الملفتة للنظر في الفيلولوجيا السامية ، والسبب في ذلك يعود الى المرونة والسلاسة الفريدة التي يتمتع بها نظام الأصوات الكلامية في اللغة المندائية مقارنة بمثيلاتها من اللغات السامية.
لقد أكد العالم الألماني الكبير ثيودور نولدكه N?ldke (1836م ـ 1930م) على اهمية كل من اللغة المندائية والتراث المندائي بقوله:
" ان دراسة العقيدة المندائية والأدبيات المتعقلة بها ستؤدي بنا الى فهم أكبر للمعتقدات الغنوصية التي انقرضت منذ زمن بعيد والى فهم تأثير المندائية على من تزامن معها او من جاء بعدها من معتقدات وأديان."

خاتمة:

لقد استغرق الوصول لصيغ مقبولة لترجمة الكتب المقدسة كالأنجيل (العهد القديم والعهد الجديد) مثلا عن الآرامية واللاتينية قرونا عديدة واشترك في هذه الترجمة خيرة علماء اللاهوت و اللسانيات المسيحيين واليهود الى ان جاءت بهذه الصورة المتقنة التي نقرأها في الطبعات العربية. ان شروع المندائيين بترجمة كتبهم المقدسة هو بادرة تستحق التقدير والتشجيع لأنها ستؤدي بالنهاية الى اضاءة مجالات الا مُفكر فيه في التراث المندائي وستحفزهم لتبني نقل كتبهم الدينية الى اللغة العربية ولاحقا الفارسية ـ لوجود جالية مندائية كبيرة في أيران لا تجيد العربية ـ والأنجليزية ـ لأجيال المندائيين التي ستنشأ في المهاجر ـ لكون المندائيين هم الأولى والأحق في استخلاص مكنونات تراثهم ولغتهم وفك طلاسمها بدلا من تركها للمستشرقين الذين أفادوا منها كثيرا في مجالاتهم الأكاديمية. والترجمة ليست بالمهنة الغريبة على الصابئة المندائيين فقد برعوا فيها منذ القدم كما برعوا في العلوم والطب والهندسة والفلك والشعر والصياغة .

السبت, 06 نيسان/أبريل 2013 14:51

مفردات آرامية مندائية عربية مشتركة

نحن المندائيين ، نعتز بلغتنا لانها جزء مهم من وجودنا على الرغم من الوهـن الذي اصابها [ لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا ] لكن ذلك لم يمنعنا من ان نعتز بها أعتزازنا بوجودنا ؛ لأنها الوعاء الذي حفظ لنا معتقداتنا ووجودنا كشعب وكدين قديم قدم الزمان والمكان و الانسان منذ أن حلّ آدم على أديم هذه المعمورة .
غير خافٍ ان اللغتين العربية والارامية خرجتا من رحم واحد أصيل هو اللغة السامية ؛ الا انهما ورغم طول المسافة الزمنية التي مرت بهما ظلتا محتفظتين بروابط ووشائج ، أما اللغة المندائية فهي الوليد البكر للغة الآرامية وهي التوأم للغة الآرامية الشرقية .

في هذا البحث سنجد كلمات مشتركة بين العربية والآرامية والمندائية في مختلف مناحي الحياة ليس هذا حسب بل سنجد كلمات او مفردات نعتبرها عامية من اللهجة العراقية المحكية ؛ الأ أنها وبكل بساطة مفردات مشتركة بين اللغات الثلاث والبعض منها انحرفت عن العربية لكنها أحتفظت بصوتها وجرسها المندائي الآرامي ،ومن هذه الروابط مفردات ذات ألفاظ مشتركة في المعنى والمبنى وعلى الرغم من هذا الاشتراك الا ان الخصوصية لكل لغة جعلها تختلف من آن لآخر عن أخواتها .
يقول دي سوسور (( اللغة فكرة منظمـة مقرونة بصوت )) *1 علم اللغة دي سوسور ص121 لاشك ان حاجة الانسان هي التي دفعته لأن يتجه ولأن يتعلم ويبرع ليحفظ لنا تجاربه وآلامه وأفراحه ومعتقداته وليسجل ما له وما عليه من أموال أو مقتنيات على شكل رموز وعلامات ، ومن هنا بدأت أول خطوات الكتابة والتي عرفت فيما بعد بالكتابة الصورية . وبعد ذلك بدأ الاستقرار نتيجة لوجود الزراعة ؛ ونتيجة لهذا الاستقرار بدأت عجلة الحضارة بالدوران ، واضحت اللغة الوعاء الذي تصب فيه الحضـارة مـا تفرزه من رحمها من ثقافات ومشاحنات تاركة اللغة ** نقوشـاً وصوراً ** شاهدة لوجودها ولزوالها . وهنا ظهرت الكتابة المسمارية التي بها سطّـر ونقش العراقيون الأوائل اول ابجدية تعلّم منها باقي البشر ما يعرف اليوم بالكتابة . ؛ فكانت مسلّـة [[ حمو رابي ]] الشهادة التي وقّع بها العراقيّون الاوائل تميّـز هم و أصالتهم .

نـظـرة تـأريخيــة
لم تكن اللغة الآرامية وسيطاً مهماً لتدوين الأدب المندائي عبر مسيرته الطويلة حسب بل كانت وما زالت وستبقى الوسيط الأهم لتدوين ونقل التراث الديني المندائي فبها دوّنت كل الدواوين و الكتب وكذلك سفرنا الخالد *** كنـــزاربــــــــا**** ولهذا صار لزاماً علينا أن نتعرّف على الأدوار التاريخية الاولى لظهور اللغة الآرامية وما كان للآراميين من دور في نشرها في مختلف الاصقاع أنذاك ؛ فليس بالجديد القول أن العمق التاريخي لأي لغة سيجعلها محط أنظار الباحثين والمنقبين الذين أفادوا في بحوثهم هذه ماكان خافياً ؛ فأناورا ظلمة الجهل الذي كان سيطبق على العقول لو ظلت الأمور على ما كانت عليه ؛ لإن اتساع الرقعة الجرافية للناطقين بالآرامية وتعدد طوائف الناطقين بها جعلها تنشعب الى عـدة لهجات لايوحدها سوى بعض الألفاظ او الصيغ الكلامية الذي سنتعرّف عليها لاحقاً .

قبل الخوض في معترك اللغة واللهجات سنتعرّف وبشكل موجز على تاريخ اولئك القوم الذين أثّـروا في مجرى التاريخ وطبعـوا تلك الحقبة بميسمهم ، يقول الدكتور عبدالواحد وافي {{ الآرامييون قبائل [كانت ] تتنقلّ منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد في الصحراء المتاخمة لمنطقة * ميزوبوتاميا *[ دجلة والفرات ] وانها كانت مصدر قلق وازعاج لسكان المنطقة وما اليها من بابليين وآشوريين ؛ فكانت لا تفتئ تشن عليهم الغارات وتقطع الطرق وتنشر الرعب على حدود البلاد }} *2. فقه اللغةص52 ان هذا الوصف كان سينطبق على معظم الهجرات التي نزحت من الجزيرة العربية ؛ فهم كبشر يحتاجون الى ما يؤمن لهم سبل الاستقرار والحياة الآمنة ؛ونتيجة لهذا الاستقرار اختلط الآراميون بغيرهم من القبائل التي كانت تسكن تلك الاصقاع ويضيف الدكتور وافي ( نزحت بعض قبائلهم [ الآراميين ] الى بلاد سوريا وفلسطين وما اليها ، وكان يسكن المنطقة التي استقر فيها الآرامييون شعوب غير سامية كانت في درجة راقية من الحضارة) *3فقة اللغةص52 أذن كان احتكاك الآراميين أول الأمر بشعوب أو قبائل كان لهم وجود حضاري استغله الآراميون الأوائل وإستفادوا منه خير استفادة ، مما لاشك فيه ان الهجرات ما كانت لتحدث لو توفرت أسباب الابقاء من أمان وماء ؛لأن الاستقرار هو المطلب الرئيسي للبشر وبالإستقرار تُخلق الحضارة وتدوّل الدول ، الا ان هذه الهجرة جعلت الآراميين ينقسمون الى شقيين[ قسم في الشمال الغربي على تخوم البلاد الكنعانية وقسم آخر في الشرق في صحراء ميزوبوتاميا على حدود بابل وآشور ، أما في الشمال الغربي فقـد أخضعوا لسلطانهم السكّان الأصلييـن للمـنطقة الـتي استقروا فيها وأنشأوا بها بضع دويلات آرمية مستقل بعضها عن بعض )*4 فقة ص52 أي وجود جديد ، أقصد الهجرة ينقل وبكل تأكيد العادات والتقاليد واللغة ومن هؤلاءِ الى اولئك وبنفس الوقت سيتأثر هؤلاءِ بما هو موجود في المنطقة او المكان الجديد ،,اول ما يتم التأثير فيه هو اللغة ؛ لانها الوسيط اليومي للتعامل بين البشر ولهذا سنرى اللغة الآرامية (( تشتبك في صراع مع لغـات السكّان الاصليين وكتب لها النصر عليها وفقاً لقوانين الصراع اللغوي ))*5فقةاللغةص52 بيد أن اللغة لوحدها لا تكفي لتغير مجرى التاريخ ولا تكفي لترسيخ كيان جديد وبالتالي لإنشاء دولة ؛ فنلاحظ ( أن الآراميين إنتفعوا بحضارة هؤلاءِ السكّان وثقافتهم وآدابهم وصناعتهم ، ولم يكتفِ الآراميون بأن نزلوا بالقرب من الكنعانيين وبين ظهرانيهم بل إستغلوا هذا الوجود ؛ فأخذوا من الكنعانيين حروف التهجي الآرامية وكثيراُ من أساليب الرسم ) *6 فقه ص52 أمّا الارامييون في الشرق ( في بلاد العراق ) فلم يكن لهم وجود ضمن فترة طويلة متأخرة ولكنهم ورغم ذلك لم يتوانوا في تحقيق مكاسب لرفعة شأنهم بواسطة لغتهم فلقد أخذت ( الآرامية تقتحم على الآكادية معاقلها وتنتزعها معقلاً معقلاً ؛ فلم ينتصف القرن الرابع ق. م حتى كانت الآرامية قد طغت على جميع الألسن )*7فقه ص53، الآرامية وبعد أن قويت شوكتها وزادت قوتها وأصبح رجالها ذوي قوة ونفوذ فإنها وبواسطتهم وبعد أن زاد إنتشارها في بلاد الرافدين لم تقف عاجزة عن إقتحام معاقل أٌخرى لتوسيع تواجدها فكان أن اشتبكت في ( صراع مع لغات الكنعانيين جيران الآراميين في الشمال الغربي فقضت على العبرية في أواخر القرن الرابع الميلادي وعلى الفينيقية في القرن الأول ق.م لذا صارت اللغة الآرمية الممتدة شرقاً وغرباً هي اللغة السائدة في التخاطب في جميع بلاد العراق من جهة ، وفي سوريا وفلسطين وما اليها من جهة أٌخرى ، ووصلت الى أقصى درجات إتساعها في المرحلة المحصورة بين 300 ق.م و650 ميلادية وبلغت مساحة البلاد الناطقة بها [ الآرامية]نحو 600الف كيلو متر مربع وكان لها فوق ذلك منزلة اللغة الدولية في كثير من المناطق المجاورة لها ).* 8 فقه ص53 مما سبق يتضح لنا إن إتساع إستعمال اللغة أي لغة بشكل واسع سيعني إنتشارها في أماكن بعيدة عنها أو غير خاضعة لنفوذها وأن المعاملات الرسمية والتجارية تحتم إمتداد تلك اللغة واستعمالها كأحدى وسائط التفاهم الحيوية وللتبادل المنفعي بين الطرفين ، أو الشريكين التجاريين أو الأحلاف العسكرية ؛ فقد عُثر في آسيا الصغرى [ تركيا وبلاد الاناضول ] على نقود صدرت في عهد بعض الولاة الفرس تحمل رموزاً آرامية .. بل يظهر انها كانت تستخدم فيها أحياناً لتدوين بعض المنتجات العلمية والأدبية ؛ كما يدلّ على ذلك نقش عثر عليه في مينة كابدوس وهذا النقش مؤلف باللغة الآرامية ومدّون بالرسم الآرامي .. وكان للآرامية في مصر نفسها في العهد الفارسي وما بعده منزلة لا تقلّ عن منزلتها في البلاد الأُخرى ، كما تدلّ على ذلك الوثائق التي عثر عليها في جزيرة فيلة ( أنس الوجود ) ويرجع تاريخ هذه الوثائق الى القرنين السادس والخامس ق. م أي الى عصر سابق للعهد الفارسي ، ولم يقف نفوذ ها عند هذا الحد بل تعداه الى بعض مناطق اللغة العربية نفسها فكانت تستخدم لغة كتابة في بعض المناطق العربية اللغة ، بل أن الآرامية وصلت ( مناطق واقعة شمال الحجاز خاصة واحة تيماء والحجر [ مدائن صالح ] ) *9 فقه ص53 ونتيجة لإمتداد الرقعة الجغرافية واتساعها إنشعبت اللغة الآرامية الى لهجات عـدة ( وترجع لهجات هذه المجموعة الى مجموعتين يفصل بينهما نهر الفرات وصحراء الشام ، إحداهما مجموعة الآرامية الشرقية وتشمل اللهجات الآرامية ببلاد العراق في منطقتيها الجنوبية والشمالية وثانيهما مجموعة اللهجات الآراميةالغربية وتشمل سوريا وفلسطين وشبه جزيرة سيناء ) *10 فقه ص53
ما يهمنا نحن المندائيين هو المجموعة الشرقية التي تنقسم الى لهجات كثيرة أهمها أربع لهجات ( أولها اللهجة الجنوبيةوالتي شرح بها اليهود كتاب {{ المشناة }} *** [المشناة ] هي ثلاث وستون كتاباً كتبت باللغة العبرية ، تبحث في شؤون الدين اليهودي والقانون و التاريخ المقدّس ثم تمَّ شرح المشناة فيما بعد بالآرامية وأُطلق على هذا الشرح اسم [ الجمارة ] و من المشناة واالجمارة تألف ما أطلق عليه لاحقــاً اسم ( التلمود ) ***
.ثانيهما اللهجة المندائية أو المندعية التي كان يتكلم بها طائفة المندائيين أو المندعيين وهي طائفة تقطن كذلك جنوب العراق ، وثالثهما اللهجة الحرانية التي تنسب الى مدينة حـرّان شمال العراق ، ورابعتها اللهجة السريانية وهي لهجة مدينة أدسـا ) *11 فقه ص53 . لقـد تسبـب إتساع إستعمال الآرامية في شتى بقـاع المعمـورة المعـروفة أنـذاك وفي تلك الحقبة السحيقة من الزمن الى دفع كـلِّ مجموعة بشرية مستوطنة لتلك البقاع والأماكن أن يبتعد وبشكل مستمر عن بقية المجاميع مما خلق تلك التقسيمات المارة الذكر
بيد أن الملاحظ ان تلك المجاميع بنزوحها المستمر تركت وراءها ما يدلّ على وجودها لكن ومع الأسف لم تكن تلك الآثار مما يمكن الإعتداد به أو الإشارة اليه ؛ فالآرامية الشرقية مثلاً ( لم يصل الينا من هذه الآثار الا القليل عثر عليها في مدينة آشور ويرجع أقدمها الى القرن السابع والسادس قبل الميلاد وهي مدّونـة بالرسم الآرامي القديم ذي الحروف المتفرقــة ) 12* فقه ص53 ويضيف الدكتور {{ وافي }} أما بالنسبة الى السريانية الوثنية فما وصل الينا لا يتعدى ( خطاب مارابن سـربيون ) ومع قـدم هذا الخطاب فهو لا يختلف في لغته عن اللغة الحديثـة ، لكن ما وصل الينا من السريانية المسيحية فهي آثار كثيرة الا انها إنقسمت هي الأٌخرى الى قسمين ؛ الأول الخط النسطوري ويُعرف بالهنـد بإسم الكلـداني والثاني بإسم السرتو أو المارونـي ، أما الأثر الثالث فكان ( تلمود بابل ) وقد سلكت مدارس اليهود نفس المسـلك في شـرح المشناة ؛ فشرحته بلهجتها الآرامية في أسفار إشتهرت تسميتها بـ ( تلمود بابل ) .
امّـا الأثر الرابع وهو ما يهمنا وما نبحث عنه فهو [ آثار الطائفة المندائية ] فيقول عنها الدكتور وافي ( لا تختلف اللهجة التي دونت بها هذه الآثار اختلافـاً كبيراً عن اللهجة التي دوّن فيها تلمود بابل غير أنها أقلّ تأثراً باللغة العبرية ويرجع أقدمها الى المرحلة المحصورة بين القرنين السابع والتاسع بعد الميلاد ويمتاز رسمها عن سائر أنواع الرسم السامي بشدة عنايته بأصوات المـد حتى أنه لا يكاد يغادر صوتـاً منها دون أن يرمز اليه )*13 فقه ص54 بيد أن هنالك من أعطى بعـداً زمنياً أبعد مما أورده المؤلف ويأخذنا الى فترة أبكر وينبه الى الآثار المحفوظة في المتحف العراقي التي تشير الى فترة أسبق فلقد لاحظت الباحثة المندائية [ فريال زهرون نعمان ] وقالت ان [الأحراز المندائية المحفوظة في المتحف العراقي أفادت الدراسات فيها الى أنها تعود الى القرن السادس الميلادي ]*14 ملاحظة ) كانت تلك المحاضرة بعد نيل الباحثة المندائية درجة الماجستير في الاحراز المندائية المحفوظة في المتحف العراقي )
وعلى ذلك تؤكد الاستاذة ناجية المراني فتقول {{ اللغة المندائية احدى اللهجات الآرامية التي دونت فيها علوم مختلفة ، لقد ظهرت آثار تدل على أن أقدم المخطوطات تعودالى القرن السادس أو السابع الميلادي ، ألا انها وبلا شك أقدم من ذلك حيث أن [ المادة ] التي تتضمنها تلك [ الآثار ] هي أقدم من ذلك بكثير }} 15*( ومع ذلك فالدراسات والبحوث لم تتوقف عند زمنٍ معّين بل استمرت وظل الباحثون والمهتمون ينقبّون ويستنطقون التاريخ والأطلال والشواهد حيث يأخذنا الأستاذ محمود فهمي الحجازي الى غور التاريخ فيقول عن اللغة المندائية( انها لهجة آرامية شرقية تتحدث بها طائفة الصابئة المندائيين ، إزدهرت منذ القرن الثالثق الميلادي في بلاد الرافدين ) *16 غير انه يتساءل بعد عدة اسطر ليقول عن وجودها قبل هذا التاريخ المفترض ( ولا نعلم هل كانت موجودة قبل هذا التاريخ أم لا ! )* 17 وأنا أقول انها موجودة وستبقى موجودة لأن السر الإلهي يحفظها ويحفظ حفظتها لذا ومن هذا الموقع أ دعو كافة المندائيين وغير المندائيين المهتمين بأمور اللغة والدين المندائي والذين بحوزتهم كتباً أو مدونات باللغة المندائية ابرازها لتعم فائدتها ولنتعرف وبشكل أعمق ما كان من دور لنا في صناعة التاريخ ، وشكراً سلفاً لكل جهد ولكل مندائي غيور على دينه ورفعة شأن طائفته .
وفي معرض الحديث عن اللغة المندائية وعن وجود المندائيين الممتد في عمق التاريخ ، يقول الدكتور * علي عبد الواحد وافي * {{ وقد وصلت الينا الآرامية كذلك عن طريق السماع فهي لا تزال مستخدمـةحتى العصر الحديث في بعض المناطق ْ}} *18ه فقه ص59
مما تقدم نعلم ان ما وصل الينا من الآرامية المندائية قليل اذا ما قيس العمر الإفتراضي لعمر الديانة المندائية ، لكن البحوث والدراسات المستقبلية كفيلة بكشف النقاب عما خفي من ماضينا وعقيدتنا فما كان موجوداً قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة سيبقى موجوداً حتى قيام الساعة .
نظرة لمنطقة ميزوبوتاميا ***بلاد مابين النهـرين ***: بلاد ما بين النهرين وكما هو معروف أقدم مستوطن سكنه البشر لماكان فيه من خضرة نضرة يانعة وأشجار باسقة ومياه عذبـة متدفقة طوال أشهر الشتاء والصيف فكانت نظرات اصحاب المناطق المجاورة له مصوبة عليه خاصة من أبناء الجنوب سكان الجزيرة العربية عندما تشتد الازمات ويصيب القحط الاخضر واليابس وتحتبس الامطار فيجف الضرع ويبدأ التضرع ، وليس هنالك من منقذ سوى الرافدين وأهل الرافدين لكن هل خلت ارض الرافدين من البشر ! يقول الدكتور وافي { كان يسكن هذه المنطقة قبل أن يهاجر اليها الساميون شعب يسمى الشعب السومري وهو شعب مجهول الأصل } *19
فقه ص 60 ويعزز هذا الرأي رأي آخر الا أنه يوغل في القدم ليكون السومريون الحلقة الوسطى ؛ فيقول الدكتورسامي سعيد الأحمد ( ونحن نعرف الآن أن جنوب العراق سُـكن من قبل أقوام سبقت السومريين اطلق عليهم اسم * السوباريون * أو الفـراتيون الاوائل الذين لا نعرف عن لغتهم الآن الا كلمات بسيطة عَرَضـاً بين طيّات النصوص السومرية ومن تلك الكلمات ذات التاريخ الطويل والتي نعرف عن وجودها في السومرية مما أخذه الأكديون ثم وردت في العربية وبعض اللغات السامية الاُخرى كلمــة *** خـس ***20* ومثل هذا القول سنجده في مكان آخر حيث يقول الأستاذ طـه باقر ( أن وادي الرافدين من حيث حضارته وتراثه اللغوي واختلاف اصوله وجذوره ترجع هذه الى أقوام مختلفة اسهمت في تكوينها وتطورها و بالنسبة الى تراثها اللغوي يمكن القول بأنه تراكم وتكدس بما يمكن تشبيهه بالطبقات المتعددة والمنضّـدة بعضها فوق بعض ) *21 . ومن المعلوم ان اللغة اي لغة ومهما كنت قوية ومتينة لكنها غير مستعملة سيكون مصيرها الذبول والاضمحلال فهي كالـوليد تحـبو ، تـنمـو ، تـشيخ ثـم تضمحـل وتذوي وعن ذلك يقول الدكتور سامي الأحمد: ( الأكدية بقيت لغة العراق الرسمية مدة طويلة من الزمن من حوالي 2500 ق. م حتى وقت ما من فترة
الاحتلال الإخميني للعراق ربما بداية القرن الرابع ق . م وأصبحت اللغة الآرامية بعد ذلك لغةالتفاهم والمخاطبة رغم أن الأكدية استمرت مستعملة لمدة بعد ذلك ولكنها ظلت في طور احتضار حتى انقرضت )*22 . أن ظهور أي لغة و بشكل ٍ قوي بين السكّـان الأصليين عن طريق وافدين جـدد وبشكل كثيف يعني أن تلك اللغة الجديدة ستكون هي الوسيط اللغوي الأكثر استعمالاً وتداولاً وبذا ستكون هي البديل عن الأصيل ويقول الاستاذ طه باقر (( لقد صارت الآرامية وسيطاً لغوياً مهماً جاء إلينا عن طريقها كثير من المفردات البابلية التي دخلت عن طريق الاستعارة الى البابلية والى العربية في أزمانٍ مختلفـة من التاريخ ))*2

اللغة وأهميتها
كلنا يعلم أن الكتابة طور لاحق للغة و كذلك للكلام المباشر ؛ فالكتابة هي المعّول الرئيس المعتمد والذي يعتد به ، لأن الأفكار التي لا تدرج في الكتب تبقى حبيسة في صدور حفظتها ومع مرور الزمن ؛ فأن ضرراً سيلحق بهذا المخزون الفكري من زيادة أو نقصان أو تحريف أو تشويه متعّـمد أو خلافه ومن هنا يبدأ التحريف الذي يظهر هنا وهناك لأن {{ الواقع يخبرنا أن الديانات والشرائع المعروفة الآن لم يكتبها الأشخاص الذين أتاهم العلم والكتاب وإنما حفظها الحفظة في صدورهم ، ثم كتبت بعد ذلك في وقت متأخر تيسرت فيه كتباتها }}*24 ناجية غافل من كلِّ ما تناولاه من مادة تاريخية عن اللغة الآرامية وعن تواجدها ضمن محيط اللغات المختلفة فلقد أثرت وتأثرت و أخذت من الغير وأعطتهم في نفس الوقت وطوال الوقت الذي ظلت فيه سيدة متسيدة في ذلك الزمن ؛ فتركت لنا مادة لغوية ثرية من مفردات ومعانٍ مازالت منبثة في جوانب من أركان اللغة العربية وما زالت جذورها واضحة المعالم ، بيد أن اللغويين يعتبرونها من الدخيل أو الأعجمي لأن قوالبها لا تنطبق وقواعد اللغة العربية الحاليّـة وهي بلا شك من الرواسب اللغوية لماضينا العتيد وبهذا الصدد يقول الاستاذ ، طـه باقـر {{ وخلاصة ما يقال عن تأصيل الكلمات العربية الموسومة في معاجمنا بالدخيل أو الأعجمي حصرها في الأصناف التالية :
( 1 ) مفردات بقيت حيّـة الاستعمال في اللغة العربية المحلية وبوجه خاص في العراق على هيئة رواسب لغوية وخاصة في امور الفلاحة والزراعة .
(2) مفردات لا يشك في اصلها الأجنبي دخلت عن طريق الاستعمال من اليونانية واللاتينية والفارسية على أثـر انتشار الآرامية في أقطار الشرق الأدنى منذ الألف الأول ق . م ) *
(3 ) مفردات آرامية ( سريانيةكثيرة عاشت في الاستعمال على إثر إنتشار الآرامية في اقطارالشرق الأدنى منذ الألف الأول قبل الميلاد )*25طة باقر
ويؤكد الأحمد ما كتبه الاستاذ طه باقر فيقول : ( تحوي اللغة العربية الكثير من الكلمات التي يوجد ما يماثلها في اللغة الأكدية بلهجتيها البابلية والآشورية ولكن ليس معنى هذا أبداً أن لهذه الكلمات اصولاً عربية بل أن هذه الكلمات مشتركة بين جميع اللغات السامية . ) *26 ؛ لذا نعلم مما تقدّم ان اللغة الآرامية هي اللغة الأم بالنسبةللمندائيين الا ان التأثير في اللغةالمندائية كان قليلاً من قبل اللهجات او اللغات المجاورة لها حيث ان ( الدراسات والبحوث التي اجريت من قبل لغويين متخصصين أظهرت أن المندائية هي من أسهل اللهجات العربية القديمة وأكثرها مرونة صوتية وأقلها تأثراً باللغات الأجنبية كاليونانية وذلك بسبب عزلتها وانزوائها ، كما أنها ما زالت لغة أدب وكلام في الوقت ذاته ، ممايسهل دراستها وتحليلها ومقارنتها مع اللهجات العربية الأُخرى المندثرة والحيّـة معــاً ) *27 الصّباحي والى نفس التحليل يصل باحث آخر فيؤكد ان المندائية لا تختلف كثيراً عن شقيقاتها السامية الا ان لها خصوصية حيث يكتب (( وعلى الرغم من القرابة الواضحة بين اللغة المندائية وشقيقاتها اللغات السامية الاخرى من ناحية وجود بعض الاسماء أو المصطلحات ومن ناحية الجذور والاصول التي تتفق بها أغلب الساميّـات ، الإ أن الخصوصية واضحة في بعض الامور ؛ حيث تتميز بأن رسمهايختلف عن الرسم الآرامي، فقد إستحالت الحاء المندائية الى الهاء وقد يذوب الصوت تاركاً محله الفً لينة ))*28 الناشيء . أن هذه الخصوصية للغة المندائية وابتعادها عن بقية اللغات السامية جعلها بمنأى ولو بسيط عن التغيرات الحاصلة في بقية اللغات السامية ؛ فنلاحظ مثلاً ( إستخدامها [ إد ] كأسم موصول خلافاً للساميات اللأُخرى ، وغياب الحركات في هذه اللغة أدى الى إستخدام الحروف بدلاً منها ، وأيضاً فقدان حروف الحلق بارزة في المندائية *** ع ، ح ، غ ، ولم يبق الا الهمزة )*28 الصبّاحي . وبرأي ان فقدان الحركات واستعمال الحروف بدلاً منها جعل ضبط النطق أصح وأسلم لكن وعلى الرغم من ذلك بقية صعوبة متمثلة في حرف [ الفاء ] والذي يلفظ في بعض الاحيان مثل حرف [ الباء ] الآري والقريب من حرف *** الباءالعربي*** . إضافة لما تقدّم سنلاحظ أن حرفين من حروف اللغة العربية غير موجودين في المندائية [[ الظاء والضاد ]] كما سنلاحظ أن المندائية ِتخلو بشكلها الأصلي من {{ وجود التنقيط فيها .. ومن المعروف أن المندائية تحتوي اربعة وعشرين حرفاً تبدأ بحرف الألف وتنتهي بالألف والذي يمثلان كمال النور والحياة }}29*الليدي ويؤمن المندائيون أن هذه الحروف لم تكن في يوم ما حروفاً عادية بل {{ أنها حروف مقدسةوالقراءة تبدأمن اليمين الىاليسار كالعربية ومن السهولة جـداً تعلّم اللغة المندائية بسرعة وذلك لأن أصوات الحروف تمتزج مع الحركات }}*30الناشيء

الأبجدية المندائية :
تطرقت سابقاً الى أن هنالك من ينظر الى الحروف المندائية والى قدسيتها بإعتبار أنها تمثّـل *ملك النور * [ ملكا أد نهورا ] ويسرني هنا وما دمنا بصـدد ***الآبــا كــادا *** المندائية أن اورد ما كتبه الأستاذ غضبان رومي الناشيء حول معنى الحروف المندائية فكتب ما نصـه{{ وقد وجدت معاني الحروف في أربعة أماكن في كتاب ( الكـنـّّـزا المـقـدّس )
سأنقل صورة واحدة منها كما يلـي :
أ : أثا طابا كشطا نهورا أد مسكي البيت الرهمي / أتي بأطيب العهود النورانية وأدخلها في بيت الرحمة.
ب : بهيرا أنت زاكي / أنت المختار المزكى .
ج : كَـاورييل ( كَاوريل ) إشليه / الرسول جبرائييل .
د : دركـا / السبيل أو القانون .
هـ : هيي ربّي / الحي ربّـي .
و : ويله / ويل لمن لا يصغي للغة الحياة ز
ز : زيوا أنات / أنت النور .
ط : طاب أنات / طوبى انت الطيب .
ي : يمينه / واليمين ركز النور واليسار رمز الظلمة .
ك : كشطـا / العهد الحق _ بالايمان .
ل : ليشانا / لسان –النطق بالحق .
م : مانا ربـا كبيرا / العقل الكبير أو النفس .
ن : نهورا / اي النور الإلهي .
ع : [ أي ] : أين / العين التي ترنو الى الله .
ف او با أو ، وا : بيرا أنا أدهيي / انا شجرة الحياة .
ص : صوت انات قدماي / انت صوت الأزل .
ق : قال أنت قدمايي هيي /قولك الحق الأزلي .
ر : ربيهون أد كلهن آلمي / رب كل العوالم .
ش : شامش / الشمس ضوء الحياة .
ت : تيابـا / التوبــة .
أد : / حرف اضافة ويعتبر كحرف مفرد .
أ : / البدايـة والنهايـة

ملاحظة : لم استطع ادخال الحرف المندائي لأسباب لم استطع معرفتها ؛ فعـذراً لذلك

وهنالك بضعة ملاحظات حول اللغة المندائية وأخواتها الساميّـة وخاصة العربية أود الإشارة اليها والتنويه بها : نحن نعرف ان اللغة العربية لا تبدأ بصوت ساكن وتستعين بالهمزة للتوصل الى نطق السكن ؛ بيد أن اللغة المندائية وكما يقول الاستاذ الناشئ (من الواضح عندهم [ الصابئة ] أنه قد يبدأ بساكن ) 31* الناشيء . وأصبحنا كذلك نعرف أن العربية والمندائية تشتركان في أن كلا اللغتين متشابهتان في الكثير من الكلمات التي تخص طائفة كبيرة من المجاميع فأن الكثير من ( الحروف والضمائر وأسماء الإشارة
والاسماء الموصولة والاستفهام والظروف والأعداد وأسماء أعضاء الجسم وأعضاء العائلة ومعظم المفردات المندائية موجودة في العربية ) *32 المراني وهنالك باحث آخر يؤكد ما هو أكثر من ذلك فيكتب ( وليس هذا فحسب فأن هناك تبادلاً في بين الأحرف المختلفة ، مثلاً ، نلاحظ الآن قلب الجيم ياءاً في لهجة اهل جنوب العراق حيث يظهر التأثير واضحاً في لهجة اولئك الناس [ جبر : يبر ] وكذلك نلاحظ التبادل بين النون واللام [ صنم : صلم ] وهنالك تبادل بين الراء والنون والمثال المعروف [ بر : بن **إبن **] وهذا الأمر ليس حصراً بين العربية والآرامية فهناك مثلاً بين المندائية والسامية (( ففي عدة لهجات آرامية نجد الباء تبدل بالواو فالمندائية [ أود ] ومعناها [ هلاك ] من السامية [ أبـد ] *33 موسكاتي . وأود القول هنا أن ابدالاً آخر نجـده بين الحرفين [ غ ]
و[ ي ] والذي كثيراً ما نسمعه في لهجة سكان الخليج العربي حيث نسمعهم يقولون [ أبـي ] وهو يعني [ أبغـي ] أي اريد وأطلب ، وإذا نسينا فإننا لا ننسى سكان جنوب العراق وهم يبدولون الجيم بالياء فنسمع [[ يابـر ]] والمقصود [[ جابر ]] كماأن كثيراً ما يحصل تبادل بين بين حرفي ( س ) و ( ش ) فنقرأ مثلاً شامش والمقصود بها شمس ، وحرف آخر من الابجدية المندائية موجود مثبت فيها لكننا لا نسمع هذا الصوت و أقصـد بـه حرف [ ع ] والذي تأول كما رأينا الى حرف الـ [ أ ]
كما أود الإشارة هنا الى حرف آخر وصوت من أصوات اللغة المندائية التي تحولت و مع مرور الزمن الى صوت آخر ولفظ آخر لا يمت بصلة الى الصوت الأصلي ؛ وأقصد هنا حرف [ الهاء ] المندائي والذي هو [ ح ] في باقي اللهجات الساميّة الأُخرى مما يدل على أنه حاء وليس هاء اً وهذه الملاحظة تقودنا الى ملاحظة ثانية والى رأي آخر وهو : ان المندائي أدرك ومنذ زمن سحيق أن نطق حرف الهاء أسهل مخرجاً وأقل عناءاً من نطق حرف [ الحاء ] فرغم وجود حرف الحاء في ** الآباكادا ** المندائية ومثبت فيها ؛ الآ اننا عملياً لا نجد أي مفردة مندائية تبدأ بحرف الحاء أو أن حرف الحاء موجود فيها أقصد ضمن المفردة الواحدة ، ولا أبتعد كثيراً عند الاشارة الى حرفين آخرين من حروف اللغة المندائية وهما حرفا [[ الفاء والباء ] فنسمع بعض الأحيان كلمة _ كنزفرا _ فنسمعها ( كنزبرا ) وقد يغالي البعض فيقول _ كنزورا _ بقلب الحرفين الى [ واو ] . وقبل أن أُنهي هذا الموضوع أود الأشارة والتنويه الى الموضوع التالي : كلنا يعرف أن اللغة العربية ما زالت تحتفظ بالتنوين كلاحقة تأتي في نهاية الأسم الخالي من [ ألـ ] التعريف وكان هناك قديماً ما كان يسمى بـ [ التميـيم ] وهي لاحقة تأتـي في نهاية الإسم مثل [ صدتم ، بيلجم ] في الرقعة الشمالية الغربية ، الإ إننا نجد السريانية والآرامية بوجه عام تتفق مع العبرية في انها تخلو من ظاهرة التمييم في المفرد ومع ذلك قد تفسر بصيغ الاسمية مثل [ إ يماما ] يوم،و[ بما ] فم على أنها تحتفظ ببقايا التمييم ) *34 موسكاتي . .. لكن والحق يقال لم أفهم معنى أو القصد من كلمتي _[_ صدتم وبيلجم] . فعذراً
بعد هذه الملاحظات والتي كان لابد منها ليستوفي البحث وليخرج على أحسن وجه إن جاز التعبير ؛ دعونا نتابع سوية بعض المفردات الآرامية المندائية العربية المشتركة:

ألمفردات ألعربية ألمفردات ألآراميــــة
المندائيــــــــة ألمفردات ألعربية ألمفردات ألآراميــــة
المندائيـــــة
آجر أكورا ترجمان تركمينا
ارجوان اركًيوان تشـرين تشـرينا
اذان ايـدان تلمــيذ ترمــيذا
أرمـــلة ارمثـلا تـل تـلا (تيلا )
أسفـين اسـفينا تنــوّر تنـورا
أسكـفة عشقـوفتـا تـين تينــا
امـة امـتا جـبن كَبنتــا
انبــوب امبوبــا جـراب (كيس ) كَـرابـا
انجانــة اكونا أكَون** جـْرير ( نبات) كَركَيـرا
اوزة وزا جسـر كَشـرا
ايــار ايـارا جـص كَصّـا
بـاريـة( حصير) بـوريـا جفـــن كَفنـا
بـتول ( عذراء) بتـولا جمـّار دقـلا [!]
بـرغـوث برتغتـا (بـرطعتـا ) حلْفـاء حـلفـا
بُطـم (شجرة ) بطنـا( بطميثـا ) خـابيـة( حِب) خابينا( حابيـا)**
بغـداد بيت كَـدادة خازن خزانــا
بقـل بـقولا خـبل ( اقترض ) خبـولا
تـاجـر تـكَـترا(تنكـارا ) ! خـرّوب( نبات ) خـروبـا
تـاج تـاغـا خـس خسـّا
تالـة تـالا خـلار ( حمّص ) خـلا
تـخـم تيخـومـا درّاق (خـوخ) دورقينـا
دف (دفة الكتاب ) دفـا شمـرة (حبة حلوة) شـمارا
دفـران ( نبات ) دفرانـو شيص (تمر غير مقّلح) شيصـا
دلــب ( نبات ) دلبــا شـيقل ( وزن )* شـقل
دلــو دولا صـبر ( نبات ) صـبرا/صبارا
دن ( وعـاءالخمر) دنــا صنـم( زلم ) صلـما **
دور ( حصن ) دورا عـامود عمـودا
دوسر (نبات ) دوشيـرا فـرزال ( آلة حديد )سكين فرزل /برزل-برزلا
رصف ( رصافة ) رصـاف قاقــــلي ( نبات) قـاقولا
رز ( شلب ) رزا ، برنجي قـدر ( وعاء الطبخ ) قـدرا
رقـة ( مدينة ) رقـاتو قرش ( كوسج ) كرسـا
ركبــة بركــا**** قمقم (قنينـة) قنقـا
رمّــأن ( نبات) رمـانا كبريت كفروتـا
زعتـر ( نبات ) صعتـري كتان ( قطن) [ قماش ] كـتّان
زعـفران ( نبات ) زعفـرون كـحل كخـلا
زوفـا ( نبات ) زوفـا كـر ( و زن أو كيل ) كـورا
سـدى( حياكـة ) شيـتا كـراث [ نبات ] كــراثا
سفـينة سفينتـو / سبينتو كركـــي (طائر ) كـركـيا
ســلق ( نبات ) ســلقـا كمــون ( نبات عطري ) كمـونا
سلـــة ســلا / سـليتا كـركـم ( نبات عطري) كـركيمــا
سـمسم شوشمـا كمثـرى ( فاكهة) كمــترا
سورنجان ( نبات ) سـرنجان كــفـر ( قريـة ) كــفـرا
سـنونو ( طائر ) سنونيتا كـّوة( فتحـة ) كــويتا
شـعر شــور كيس كيسـا
لــكَن ( وعاء الغسل ) لقـتـا نــون ( سمكة /حوت ) نــونا
ماسورة ( ماصول ) ماسـورا/ مازورا نـير ( نول حياكة) نــولا
مـر ( مسحاة ) مــرا هيت ( مدينة ) هيت ادقيرا
مـد ( كيل = 18لتر مـدا ورشان( حمام بري ) ورشانا
* أكونـا [ اعتقد ] بأنها تحولت مع الاستعمال الى ( لكَـن ) ولا شك ان المندائيين الذين يشتغلون في محلات التصفية يعرفون هذه اللفظـة جيـداً .
** واظن أن كلمـة [ حبّانة ) هي التحريف وهي من المفردات العامية العراقية .
*** نلاحظ هنا قلب حرف ( نون ) الى ( لام )
**** قلب مكاني .
8 مازالت هذا المفردة مستعملة في الاراضي الفلسطنية كعملة
الكلمات ( المفردات ) السابقة كانت مستخلصة من كتاب ( من تراثنا اللغوي القديم في ما يسمى بالعربية بالدخيل ) للأستاذ طـه بـاقر والمفردات وعلى قلتها هنا لتؤكد أن الآرامية كانت وسيطاً مهماً إنتقلت من خلالها الى البابلية والآشورية ومنهما الى العربية .

اللهجـــة العاميّــة
ان ( اللغة هي القالب الذي يصب فيه التفكير ؛ فكلما ضاق هذا القالب وإضطربت اوضاعه ضـاق نطاق الفكر واختلت نتاجـه ) 28 دي سوسر ان اختلال أي اللغة سيؤدي الى تشويه مفرداتها وتنحدر تدريجياً لتصبح عاميّة خاصة بتلك المنطقة ومنها اللهجة العاميةالعراقية التي ما هي الا خليط وامتداد لمجموعة من اللغات السامية وكذلك اللغات المحيطة به من فارسية وتركية وكردية وغيرها من اللهجات واللغات الوافدة مما غيّـر وحـرّف وشوه الكثير من المفردات وجعلها تنحدر لتصبح بعد ذلك لهجة خاصة بتلك المنطقة وبعض الاحيان بما يجاورها من مناطق ذات امتداد سكاني مختلط مما يجعل انتقال تلك المفردات وتداولها سهلاً وخلق بالتالي ما يسمّى باللهجة العاميّة او المحلية
ان جاز التعبير .
من الكلمات التي يدور حولها جدل بين الحين والآخر {{ أكـو ، مـاكـو }} بيد أن الاستاذ طـه بـاقر ، استطاع أن يضع النقاط على الحروف فكتب ما نصّـه ( الكلمتان أكو ، ماكو من المفردات اللغوية الغريبة التي يقتصر تداولها على العاميّة العراقية ، وتعنيان على مـاهو معروف [ يوجد ولا يوجد] وقد حار المفسرون المحدثون في تأصيلها وذهبوا مذاهب شتى ؛ فمنهم من رأى انهما اختصار ، يكون ولا يكون وجاء في معجم الالفاظ الكويتية للشيخ جلال الحنفي ان كلمة ( ماكو ) مركبة من ما النافية ومن كلمة ( أكو )التي خمنها تخميناً صحيحاً على انها من الألفاظ العراقية القديمة التي بقيت في الإستعمال معروفة ومتداولة الى يومنا هذا ) 28 طه باقر لكننا نجده وفي مكان آخريشير الى ماكان الباحث يخشاه حينما يأتي أحدهم ويدلو بدلوه لكن في مكان لا يحسن ان يكون فيه ؛ فنجد الاستاذ طه باقر يستغرب من يورد الأب أنستاس الكرملي قوله :
( ونقل عن الأب الكرملي ان اكو ، ماكو من الصابئية المندائية التي نقلتهما عن اليونانية ) أن ما نقل عن الأب على انهما منقولتان عن اليونانية فلا نعرف مدى صحته ولا نعرف من أين إستقى معلوماته ؟ حتى ان الاستاذ باقر إستغرب القول الذي ادلى به الأب انستاس فوضع [ كـذا ] للدلالة على أنه غير مصدّق على القول السابق .

ان ما أوردته قبل قليل ليشير بوضوح الى ان هاتين المفردتين إنما هما من اللغة المندائية وليس هذا فحسب بل ان المندائيين يستبشرون بكلمة * أكـا * باعتبارها فاتحة للشهادة المندائية ***أكا هيي أكـا ماري أكامندادهي***
وكما نلاحظ ان الكلمةاو المفردة الأصلية هي [ أ كا ] لكنها وبمرور الوقت ولعدم معرفتها من قبل القاطنيين المجاورين لتلك البقاع جعلها تنحرف عن النطق السليم لتتحول بعد حين الى [ أكـو ] والتي تعني ( موجود ).

الالفاظ العاميّة العراقية المشتركة بين العربية والمندائية والتي يستحسن بعضهم بتسميتها ** رطنـة ***كثيرة الا انني اورد هنا بعض هذه الالفاظ للدلالة ليس الا :

اللفظ العامـيّ اللفظ المندائي اللفظ العامـيّ اللفظ المندائي
ماطول أمنطول انده/ نادي انده اند
تلكَِط تلكِّطا بيناتهم/ بينهم بيناتهيون
حيل /قوة حيل خشان خشان/طائر
شمر/ رمى شمر شيلة /للرأس شيلا
طاسة طاسا شيشة شيشا
اكو/يوجد اكو ماكو/لايوجد ماكو ماكو
منو/ من منو مرزيب مرزيب
طب/ دخل طب مو /أليس كذلك مـو
كَِنا/ وعاء النار كَِـنا كنا طمر/ دفن طمر
كتان كتان كمش / قبض على كَِمص
كورة كورا كشر/ اظهر اسنانه كشر
كل من كلمن كرف/ لمَّ /جمع كرفيون
مي/ ماء مي مي ميزان موزان
نطلب/نبغي نبي انبط /انشق نباط
مملي/ مملوء ماملي اكو هطر/ضرب بقوة هطر/ ضر هطر

ناطور /حارس ناطر اكو اكا اكا

المفردات اللاحقة والتي يصل عددها الى المأتين والخمسين مفردة قد استخلصتها من مجموعة من المؤلفات المندائية والتي ترجمها كل من الافاضل :
الاستاذ غضبان رومي ، الاستاذة ناجية غافل المراني ، الشيخ رافد ابن الريشمة عبدالله نجم ، الشيخ سلوان شاكر ، والليدي دراور .
وعذراً ان كان قد فاتني إيراد بعض المفردات ذات الصلة أو سهوت عنها فلم أدرجها ضمن السياق المطلوب وذلك ولقلة المصادر التي توفرت لدي.

المندائــي العربـي المندائية المفردة المفردة العربية
ابدا أبدى/ أظهر ابـا أب
بني ابناء ابل ابل/ جمال
تقن اتقن اثـا اتى/جاء ا
اكًـِرا آجر اثرا إثراء/ إغناء
اهتا/ اهاثا اخت اهـا اخ
خير أخير آهي/ اهواتا اخوة
ايدان اذان آدم آدم
اربا اربعة اذنا اذن
آس/آسا آس ارا ارض
اشما اسم اسرا اسر/اعتقل
اصبا اصبع شرا اشترى
اصري اصرة/عقدة صبأ اصطبغ
افارقا افارق/ ابعد تروشا اطرش
اقبل إقبْل/ ارضَ فتا افتى
اكليلا اكليل اقليل اقليم
الاها اله اينا/ اليا الى اين
قودام امام/قدام اما/ ايم اما ام
املا املأ امر امر/ قال
انا انـا اتملا امتلاء
انثا انثى انات انت
اوقر اوقر/ احترم اوراشليم اورشليم
ايلول ايلول
باطلا باطل بيرا بئر
باديرا بذور بتولا بتول
باسما بسمة إبسط بسط
بنا بنى / أشاد ترميذا تلميذ
ابنات بنات بنـثا بناء
تزميرا تزمير تكَارا تاجر
تشرينا تشرين تشبيهثـا تسبيح
تمرا تمرة ت تراصـا تكريس
/تيبوثا تيابـا توبة تموزا /تموز / تموز
توم ثم/ من ثم تلاتا ثلاثة
تورا ثور تمانيـا ثمانية
كَدلا جدل كَـديـا جـدي
كَومري جمـر كَفـنا جفن
يوهرة جوهرة كَندي جندي
هبيبـا حبيب كَنـدا جيش
هكمتـا ه حكمــة هميانـا حـزام/ هميان
همـارة حمــار هكيمــا حكـيم
هلمـا حلـم هليبـا حليب
هيلا حيل /قوة هيي حـي
فطيرا خبز فطير هوا حواء
هسر خسر هتم ختم
همشـا خمسة هطايا خطيئة
هتمـا ختـم همـرا خمـر
دبـا دب دانقي دانق /عملة قديمة
دكَـالا دجّـال دببـي دببـا
دولا /داولي دلـو دراشـة دراسـة
رشـم رسـم رابص ربص/ربض/اختبأ
رطـبا رطب رزا/رونزا رز
رمـزا رمز [العيون] و بوركا ركبة
ريهان ريحـان رمـانا رمـانة
ذيبـا ذئب روهــا روح
دكر ذكر /عكس الانثى درايا ذراع
ريشا رأس دهبـا ذهب
ربـا رب ريشما رئيس الامة
ركَـلا ر رجـل رهم /احب رحـم
زرا زرع ركَـيما رجيم
زنا/ زنيوثا زنــا زدقــا زكـاة
زوادا زوادة للطعام زنديقـا زنديق
زهـأ زهـا ، أينع زوا زوجـة
زوا ضياء زيفا زيف , كذب
شما سمع ساغدا ساجدة
شوطا سوط شتبلنا سنبلة
هربا سيف شوقا سوق
شلشتا سلسلة شلاما سلام
شيليطا سليط سلطان سلطان
شباط شباط ساهدا شاهد
ريها شذا , رائحة شتل شتل , انبت
شرهبيل شرحبيل شوزب شذب
شمشا شمس سمالا شمال
سهدوثا شهادة كبّا شوكه
سطانا شيطان شيتل شيتل ( شيت ع)
إزدقا صدق صبا صبغ
سيقلا صقيل زدقة صدقة
شوتا صوت صوم صُم (إمسك)
صلما صنم (زلم) صورا صورة
طابا طاب كهك ضحك
طوبا طوبى طاما طعم
طينا طين طمر طمر ( دفن)
ابد عبد آلمــا عالم
اتيقا عتيق ازيزا عزيز
اسرة عشرة ارقبا عقرب
كيلا كيل ( وزن ) انبا عنب
كانون كانون ك( و تقلب خ) ك ( المخاطبة)
كتانا كتان كدفا كتف
اينا عين كذبا كذب
أزل غزل غربا غرب
فتا فتى( قال) فروشتا فراشة
كاطل قاتل فم , بم فم
قبرا قبر قام قام
قرا قرأ قبل قبِِـل ( رضا)
قديما قديم قدسا قدس
قوم قُم ( انهض) قاز قز, حرير
قنينة قنينة قشوتا قسوة
لمن لمن لشانا لسان
لاغط ماسك ميّا ماء
ماردا مارد ماكولتا مأكل
هبيب محب ياقدا متوقد
مزكَا مزج مريرا مرارة( غدة)
زيفا مزيف مزيكَا مزيج
شلمانا مسالم مشكنا مسكن
مطرا مطر مشبا مسبّح
ماقيم مقيم مقام مقام ( وجود )
ملكا ملك ملاها ملاح
مملي ممتليء ملكوتا ملكوت
لبا لب (قلب ) لا لا
لمن لمن لشان لسان
من من ( اسم موصول) ملا ملأ
موتا موت من من ( للجر )
زيفا مزيف موزانيا ميزان
شلمانا مسالم مشكنا مسكن
مشيها مسيح مشبا مسبّح
مقام مقام (وجود ) مطرا مطر
ملاها ملاح ماقيم مقيم
ملكوتا ملكوت ملكا ملك
نو نوح مملي ممتليء
ناكر ناكر ناطرا ناطور ( حارس )
نفشا نفس نطفتا نطفة
ناقي نقي نفق نفق ( مات )
وردا وردة هاد واحد
هو هو هاهو هاهو
هي هي هوا هوى ( سقط )
هازا هذه هادا هذا
يهيا يحيى ياور ياور ( مساعد )
يما يم ( بحر ) يوما ( يوم ) يوم
ويل ويل يمينا/ يمين يمين

مما تقدّم من مفردات والتي تبدو قليلة بالنسبة الى لغة كاللغة الآرامية كانت السيدة الاولى في عصرها لكن يبدو ان يد اللغة العربية قد امتدت نحوها لتزيلها عن موقعها ؛فالعربية والآرامية وهما _ كما عرفنا من اللغات السامية قد استعملتا الكثير من المفردات المشتركة في المعنى والمبنى مع بعض الاختلاف هنا وهناك نتيجة لانحسار استعمال اللغة الآراميةالتي لم تستطع مقاومة تيّار اللغة العربية المتدفق بقوة لظهورالدعوةالاسلامية وما رافقها من انتشار في اصقاع مختلفة من الارض المعروفة آنذاك .؛ وكنتيجة حتمية بدأت اللغة العربية تقوى على حساب باقي اللغات السامية الموجودة أنذاك [ وكما قلت سابقاً ان اللغة تمر بأدوار تبدأ أولاً بالنمو والتطور نتيجة لقوة الشعوب التي تتكلم تلك اللغة او تبدأ بالضمور والاضمحلال لضعف المتكلمين بها نتيجة لتكلمهم اللغة الجديدة القوية مثلما يحدث الآن ونحن في الشتات ! ] وهاهي اللغة تذوي شأنها شأن هذا العالم المتغير المتطور المتقـلب ؛ فمن استعمال الكتابة الصورية الى الخط المسماري والنقش على الحجر والرقم الطينية فالخط الهيروغليفي والكتابة على ورق البردي الى الطباعة الحجرية فالطباعة الآلية ثم الكتابة بالليزر ولن يتوقف هذا التقدم والتطور ما دام الانسان يبحث وينقب عما يمكن ان يفيد الآخرين ح ونتيجة لهذاا لتطور المتسارع ظهرت مصطلحات وكلمات كانت تستعمل في مجال غير المجال الذي نستعمله في وقتنا الحاضر ح ولهذا تحوّل المتلقي تدريجياً لاستعمال المفردة الجديدة دون الالتفات الى المعنى الأصلي وذلك لطغيان المعنى الجديد بين الجيل الجديد وبالتالي سيؤدي هذا الاستعمال للمفردة من نسيان المعنى الاصلي ، من هذه الكلمات التي خرجت عن معناها الاصلي ولبست المعنى الحديث أو أنها صارت تستعمل للدلالة على أكثر من معنى لكن موقعها من الجملة هو الذي يحدد معناها ** رائع ** فهي في الاصل ( مخيف جداً ) لكنها صارت تعطي معنى * جميل جداً * لانها مشتقة من الفعل [ راع ]
ومن المفردات التي تعطي معنيين مختلفين [ حديث ] فهي تعني ** كلام ** وتعني [ جديد ] بل ان هنالك مفردات تعطي المعنى وضده مثل (( جون )) التي تعطي معنى *** أسود وأبيض ** *عين الوقت .
و لنلاحظ أن المفردة ( عين ) لها أكثر من معنى ؛ فهي [ العين ] التي نرى بواسطتها وهي ما نأخذ منها الماء وهي[ نفس الشيء ] ومثل هذه المفردة تسمى في اللغة العربية بـ[ المثلث]
وقد أثار انتباهي مؤخـراً الكلمة (( ناطر )) و( ناطرة ) والتي نعتبرها من المفردات ذات الدلالة الخاصة لانها تعني الملاك الحارس والحامي للفرد وعلى نفس الوتيرة كان استعمالها في اللهجة العاميّة العراقية وتعطي نفس الدلالة وهي ( الحارس ) وخاصة الحارس الليلي ، لكنني لاحظت أن أهل الشام وخاصة اللبنانيون يستعملون المفردة لكن بمعنى آ خر مغاير الا وهو (انتظر وينتظر ) .
وما دمنا بصدد الكتابة والتدوين فيسرني هنا أن أقتبس ما أوردته الليدي دراور عن مادة الكتابة والتدوين .

مادة الكتابة والتدوين
االمندائيون من أوائل الأقوام الذين دونوا كتبهم الدينية المقدسة والتاريخية بإعتبارها الإرث الأكثر قدسية في الحياة الدنيوية ؛ فلقد كتبوها حيناً بنقشها على ألواح الرصاص وطوراً على الخشب وفي مناسبات اخرى على ورق البردي أو على أواني الفخار كأحراز لتبعد الشر وتحرس البيت من غائلة الشر والأشرار ولتطرد الأذى عن ساكني تلك البيوت .
التدوين على الورق يحتاج الى مادة حيوية لغرض الكتابة فكان إستعمال الحبر هو الوسيلة المثلى لهذا العمل ؛ لذا ولحيوية الحبر ولقدسية المادة المكتوب بها هذا الحبر فلقد وجدت وصفات يتداولها نسّاخ كتبنا المقدسية {{ رواه ناويلهم }} لصنع هذه المادة السوداء ، منها الوصفة الآتية :
{{{ امزج الغراء واتركه الى أن يذوب ثم اغله الى درجة التبخر لمدة ستة أيام ، اسحقه في اليوم السابع واخلطه بمسحوق الفحم بنسبة مثقال واحد من الفحم الى خمسة وعشرين مثقالاً من الغراء لمدة 4-5 أيام ثم امزجه بالماء الى أن يصبح عجينة ثم بعد غليانه يصير على شكل بلورات تمزج بماء النهر ( يردنه ) .
ولعمل الحبر يجب ان يتلى عليه دعاء {{{ أسوثـا ملكـــا }} [ صلاة التسليم ]* الليدي دراور
وهنالك وصفة اخرى لعمل الديوثا {{{** الحبر **}} ( حيث يستخدم بندق العفص أو السخام المأخوذ من زيت السمك أو دهن السمك وتضاف اليه بعض الأعشاب من النوع الجيد مما يمكن الحصول عليه ) الليدي دراور .
في الختام أرجو أن أكون قد وفقت في هذا البحث والذي سبقني اليه آخرون والذين كان وسيبقى لهم سبق الريادة والتفوق لأنهم هم من بدأو هذا المشوار المضني وأخص بالذكر منهم الأستاذة المندائية الرائعة بكل المقايس ** ناجية غافل المراني** أمدها الحي الأزلي بالقوة والعزيمة وكتابها الموسوم ( مفاهيم صابئية مندائية من صفحة 166 الى صفحة 174 وكذلك الاستاذان الجليلان غضبان رومي ونعيم بدوي لما بذلاه من جهد لايصال المعلومات المندائية الينا وأخص كتاب الاستاذ *** غضبان رومي ***[[ الصابئـــة ]] الفصل الثاني عشر والثالث عشر وكذلك الشكر لبقية المندائيين الذين كان لهم باع في الترجمة ومنهم الدكتور ** أنيس زهرون الصابري ** والمهندس ** خالد كامل عودة الصابري **

والحي الأزلي ينير طريق كل من أوقد شمعة ليضيء طريق الآخرين

تحت التأسيس
المصادر :
1- علي عبدالواحد وافي : فقة اللغة ط6- طبع لجنة البيان العربي -1986
2- فريال نعمان زهرون : ندوة الاحراز المندائية المحفوظة في المتحف العراقي [ قاعة المندي ] في 17/ 1/ 1997
3- عبدالمجيد سعدون جلاب : اسماء الأعلام المندائية في * كنزا ربّـا * رسالة ماجستير مصورة . 1997
4- سامي سعيد الأحمد : مجلة التراث الشعبي ، العددان 11/12 السنة السابعة 1976{{ اللغة البابلية في اللهجة العراقية العامية .
5- طـه باقر : من تراثنا اللغوي ما يسمّى بالعربية بالدخيل ، مطبوعات المجمع العلمي العراقي 1980
6- ناجية غافل المراني : مفاهيم صابئية مندائية – مطبعة شركة التايمس ط2 بغداد 1981
7- الليدي دراوور : الصابئة المندائيون – الكتاب الاول –ط2 / مطبعة الديواني – بغداد 1987
8- غضبان رومي الناشيء: بحث اجتماعي تاريخي ديني /ط1/مطبعة الامة /1983
9- ساباتينو موسكاتي : مدخل في قواعد اللغات السامية / مقارنة ط2/1969/ طباعة بالتصوير .
10- فرديناند دي سوسور : علم اللغة العام _ دار آفاق عربية ، ت/ د_ يوئيل يوسف 1985

إظهارا ودعما لأهمية اللغة في حياة الشعوب والأمم، فقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعتماد عام 2008 سنة دولية للغات وقد أسندت مهمة تنسيق الأنشطة المتعلقة بهذا العام لليونسكو التي أكدت عزمها على القيام بدورها القيادي في هذا المجال إدراكا منها بالأهمية الحاسمة للغات في التصدي للتحديات العديدة التي سيتعين على البشرية مواجهاتها خلال العقود المقبلة.
وقد دعا مدير عام المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم " يونسكو " كوتشيرو ماتسورا الحكومات ووكالات المنظمة الدولية والمؤسسات التعليمية والجمعيات المهنية وجميع الجهات المعنية إلى العمل على احترام وتعزيز وحماية جميع اللغات لاسيما اللغات المهددة بالإنقراض. وأشار ماتسورا إلى أهمية العمل للحيلولة دون اندثار هذه اللغات من خلال وضع سياسات لغوية تتيح لكل جماعة لغوية استخدام لغتها الأولى أو لغتها الأم على أوسع نطاق ممكن ولأطول فترة ممكنة. وأكد ماتسورا ضرورة اتخاذ مبادرات فى مجال التعليم والإنترنت بالإضافة إلى القيام بمشروعات تهدف إلى حماية اللغات المهددة وتعزيزها باعتبارها وسيلة للاندماج الاجتماعي. وأشار إلى أن السنة الدولية للغات 2008 تعد فرصة فريدة لإحراز تقدم حاسم في المساعي الرامية نحو بلوغ هذه الأهداف. وأعلن ماتسورا أن 21 فبراير القادم - الذي يوافق اليوم الدولي للغة الأم - يكتسب أهمية كبرى هذا العام في ظل السنة الدولية للغات، حيث سيكون فرصة لإطلاق المبادرات الرامية إلى تعزيزها.
لقد إعتمدت اليونسكو تاريخ 21 شباط من كل عام يوما للغة الأم، وهذا اليوم هو تخليد لتاريخ أبشع تصفيات جسدية ذهب ضحيتها أساتذة ومتخصصون وناشطون بنغلاديشيون ناضلوا من أجل بقاء لغتهم البنغالية الأم مقابل تسييد اللغة الأردوية المعتمدة في الباكستان قبل إستقلال بنغلادش عن باكستان. وهكذا صار هذا اليوم مناسبة للتأمل في اللغات المهددة بالانقراض، وتقصي الأسباب الكامنة وراء ذلك، والتحرك دولياً للحد منه وتعزيز اللغات الأم وإحياءها. فاللغة هي التي تحمل قيم الجماعات وهويتها الاجتماعية، وهي وسيلة الإنسان للتواصل مع الآخرين، وأداته المعرفية. وبالتالي فاللغة هي الإنسان نفسه، و" هي البعد الأساسي للكائن البشري، بل أننا نحيا في اللغة وبها " كما يقول المدير العام لليونسكو.
إن كل لغة هي نتاج شعب أو أمة وهي دليل قوي على قيمة ذلك الشعب وأهميته وحاجته للتميز بلغة خاصة يأتي ابتكارها وتطويرها واستعمالها مؤشرا على الضرورة الخاصة بالقيمة الاجتماعية والخصوصية. وقد صارت مقوما أساسيا من مقومات كل شعب أو أمة. ولأنه لا يمكن إدراك الحياة دون لغة، فإنها من هذا الجانب غدت بمثابة كائن حي يعيش مع البشر عامة لتميزهم دون سائر الكائنات الحية الأخرى بها. وهي أداة التعبير عن الإحساس والشعور والعاطفة والتفكير والمعنى. ولتميز الإنسان دون سواه بأعلى الدرجات في هذه الخصائص بل وتفرده في بعضها، فلم يعد مجرد التعبير الصوتي واللفظي ولا حتى اللغة المنطوقة كافية لسد حاجة التواصل الإجتماعي وخدمة ثقافة الشعوب. ولذلك فقد تخطت اللغة أن تكون مجرد وسيلة اتصال، بل صارت أداة توثيق ونقل ومعرفة للأنظمة القيمية للشعوب وأساليب تعبيرها الثقافي وعاملا أساسيا في هويتها. فاللغة ابتكار عظيم من قبل البشرية وعليها المحافظة عليه.
إن تعدد الشعوب وتنوعها وقدمها كان وراء وجود ما يقرب من 7000 لغة في العالم بحسب إحصاءات الجهات الدولية المتخصصة. إلا أن ما يسجل الآن أن أكثر من نصف هذا العدد مهدد بالإنقراض بأسباب تسيد لغات أخرى عليها أو قلة أعداد المتحدثين بها. وقد كان ذلك مدعاة لأن تسعى منظمة اليونسكو ومنظمات أخرى لتبني مشاريع للمحافظة عليها وأن ينادى بالعام الحالي عاما للغة.
ومفهوم اللغات المهددة بالانقراض يشرحه عنوانها بوضوح. وميدانيا، إعتبرت اليونسكو أن اللغة مهددة بالإنقراض إذا كان عدد المتحدثين بها لا يرقى إلى 1000 شخص، وإن أقل من 30 % من أبنائها غير قادرين على تحويل ألفاظها إلى تعبير كتابي. وتأسيسا على هذا فإن هنالك لغة تنقرض كل أسبوعين تقريبا بوفاة آخر المتحدثين فيها. وهذا ما كان وراء جهود كثيرة وكبيرة وحثيثة للمساعدة في تدوين هذه اللغات وتوثيقها والمحافظة عليها ، بل وإحياءها. فمثلا كان عدد الناطقين بلغة «الاينو» في جزيرة هوكايرو اليابانية ثمانية اشخاص فقط في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، لكن هذه اللغة تم العمل على إحيائها وصار لها متحفا للغة يقدم دروساً للشبان والشابات المقبلين على تعلمها. وفي انجلترا انقرضت لغة «كورنيك» منذ عام 1777، وتم إحياؤها في السنوات الماضية، وهناك اليوم ألف ناطق بها كلغة ثانية.
وتحددا بالعراق، بلاد ما بين النهرين، فإن موروثه اللغوي يتطلب أقصى رعاية، ذلك أن سجله في تاريخ البشرية يشير الى أن سكانه هم أول من ابتكر اللغة وامتلك أكبر إرث لغوي في العالم، وأنهم سبقوا العالم أجمع بأبجديتهم السومرية التي بدأ بواسطتها تدوين التاريخ مقارنة بعصور ما قبل التاريخ، وعن طريقها تم الوقوف على موروث أدبي وقيمي كبير وقيم خلد جانبا مهما من حضارات سومر وأكد وبابل وآشور وجعلها حاضرة ليس بآثارها المادية الشاخصة على أرض العراق، وليس بلغة الوثائق المكتشفة التي دونت جانبا من عصور وجودها، بل باللغة المنطوقة المحكية التي مازال اللسان العراقي يحفظها ويعتمدها على الرغم من إعتماد اللغة العربية لما يزيد على أربعة عشر قرنا. وحيث صارت اللغة العربية لغة البيت والشارع والتعليم، وبالتالي اللغة الرسمية للبلاد، فإن ذلك لا يمنع من متابعة الأساس اللغوي المشترك بين لغات العراق القديمة واللغة العربية خاصة أن هذه اللغات تشترك جميعا ضمن تسمية عائلة اللغات السامية بالإضافة إلى اللغة الكردية ولهجاتها واللغة التركمانية.
واللغة المندائية واحدة من عائلة اللغات السامية. يصنفها اللغويون بأنها الفرعي النقي للآرامية الشرقية لصرامة محافظتها على عدم التأثر بأي لهجة أخرى. ساهمت، من خلال التدوينات الكثيرة، في توثيق موروث المندائيين الديني والطقسي. وهي الشاهد القائم على طريقة تدوين الأدب البابلي وأسلوب كتابة التلمود البابلي. والدارس لهذه اللغة يفاجئ بالكم الكبير الذي تحتويه هذه اللغة من المفردات التي مازالت مستعملة في اللغة العامية المحكية في العراق وبشكل خاص في وسطه وجنوبه بحكم وجود المندائيين في هذه المناطق، والتي ظلت لصق لسان العراقيين على الرغم من إعتماد اللغة العربية لغة دين ولغة رسمية. فمن من العراقيين لا يقول في لغته المحكية " أكو، ماكو، چـا، يمعود، ياعين موليتين، عالميمر، چـوبي، أبو خـْريّان، صاية وصرماية، ترجية، طرشي، نشمي، ... ومئات الكلمات من التي عكفنا على وضعها بمعجم أصلها المندائي، وسيكون بين أيدي عامة العراقيين قريبا.
إن هذه اللغة التي تعتبر من مقومات كيان الصابئة المندائيين، والتي توثق جانبا أساسيا من تراثهم وأدبهم وطقوسهم ، بل ومن تراث العراق بحكم الإشتراك الذي أشرنا إليه، هذه اللغة اليوم تعد بكل المقاييس لغة مهددة بالإنقراض. وإنه من المؤسف حقا أن تكون هذه النتيجة بأسباب الإهمال التام الذي أصابها في وطنها الأم العراق خلال عصور الإضطهاد ، والأخطر أن هذا الإضطهاد صار وراء تخلي أبنائها عنها على الرغم من فاعليتهم وكفاءتهم المعهودة في جميع مجالات الحياة والتخصص.
لا يتحدث اللغة المندائية من المندائيين البالغ عددهم في جميع أنحاء العالم حوالي 60000 نسمة أكثر من 100 شخص. يشكل رجال الدين نسبة 40% تقريبا منهم بحكم أن الطقوس الدينية المندائية التي يجريها رجال الدين تتم باللغة المندائية. لكن هؤلاء أنفسهم لا يتحدثون اللغة المندائية في بيوتهم ولا حتى فيما بينهم أثناء تلاقيهم. ومن عامة المندائيين في العراق لا يتحدثها أكثر من 10 أشخاص. والعدد الآخر هو من المندائيين المتواجدين في جنوب إيران. علما بأن اللغة المعتمدة من قبلهم يطلق عليها " الرطنة " وهي ليست مندائية خالصة ، بل هي مزيج من المندائية الكلاسيكية والفارسية والعربية.
وتأسيسا على مقاييس منظمة اليونسكو ، فإن اللغة المندائية من بين أكثر اللغات المهددة بخطر الإنقراض. وقد حفزنا ذلك للسعي من أجل جلب انتباه بعض الجهات المسؤولة بهذا الخصوص بما نجم عنه تدوين اللغة المندائية ضمن أطلس اليونسكو للغات المهددة. وبناء على هذا التدوين يتوجب أن يقدم بلد اللغة المهددة بالإنقراض كل الدعم اللازم في التدوين والتوثيق والتعليم وضرورة مساهمة المنظمات المعنية بتقديم الدعم والخبرة المطلوبة بما تلمس نتائجه خلال فترة تحسبا للانقراض.
من هنا، ولأغراض المحافظة على هذه اللغة الأصيلة والقديمة فإننا نرى ضرورة تظافر جهود مكثفة وحريصة يقف في مقدمتها نشاط المندائيين أنفسهم في دعم لغتهم، ذلك أن أي نشاط في هذا المجال إنما يتأسس أولا على إقبال المندائيين على تعلم لغتهم والحرص على قدر مقبول من التخاطب بها ولو ببعض المفردات التي تعزز نطقها وربما تعارف المندائيين فيما بينهم من خلال كلمات التحية والسؤال والجمل القصيرة. كما أن هنالك مسؤولية مباشرة للجهات الرسمية المعنية في العراق ممثلة بوزارة الثقافة ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتبني ودعم برامج في هذا الخصوص تتمثل في توثيق اللفظ والقراءات المندائية بصيغتها الكلاسيكية التي وردت في الكتب الدينية قبل إنقراض القادرين على التحدث بها، وكذلك توثيق اللغة المندائية المحكية التي تسمى بالرطنة لأغراض المقارنات والحفظ وكذلك جوانب التمايز من أجل الفهم. كما يتطلب الأمر تطوير الحرف المندائي بحسب الأبجدية المندائية الخاصة والمتميزة وتوفيره لأغراض الإستخدام الكومبيوتري لمساعدة المندائيين في إعادة تدوين الكتب الدينية المندائية التي تحفظ لغتهم وتراثهم وإعتماد تقنيات وبرامجيات الكومبيوتر لهذا الغرض وكذلك دعم البرامج التعليمية التي تساعد في تعليم هذه اللغة لأبنائها.
إنها دعوة لأن يساندنا جميع العراقيين، متثقفون ومعنيون، من أجل أن توضع دعوة الأمم المتحدة بجعل عام 2008 عاما للغة الأم موضع التنفيذ. فنحن نأمل ونرجو ونطالب أن يكون هذا العام، على مستوى العراق، عاما لدعم اللغة المندائية بإعتبارها حقا لغة مهددة بالإنقراض بحسب تصنيفها وتسجيلها في أطلس منظمة اليونسكو. كما نرجو أن تقوم الحكومة العراقية بالطلب إلى مندوب العراق في منظمة اليونسكو من أجل متابعة ذلك عن طريق التنسيق مع الجهات المندائية المعنية والأكاديمية المتخصصة علما بأنه سبق وكان لنا إتصال مباشر مع هذا المنظمة في هذا الموضوع. كما أن الأمر يتطلب تخصيصات مالية يقرها مجلس النواب لتنفيذ الكثير من البرامج التعليمية والتوثيقة المهيئة والتي تنتظر تمويلا مناسبا لوضعها موضع التنفيذ ومن ذلك إمكانية إيصال كتابنا التعليمي" أتعلم المندائية " مجانا إلى جميع المندائيين فهو كفيل بمرحلة تعليم القراءة والكتابة الأساسية، وقد حظي بتقييم وتقدير منظمة اليونسكو، ومشاريع أخرى موقوفة بأسباب عدم توفر الدعم. ونشير أيضا أن هذا الأمر يمكن أن تشترك فيه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المنبثقة عن جامعة الدول العربية ذلك أن مثل هذا الموضوع يقع ضمن ميدان عملها وندعوها لأن تسهم معنا في وضع دعوة الأمم المتحدة بهذا الخصوص .

اعتمد حقل البحوث المندائي في القرنين السابع والثامن عشر على تقارير الرحاله والمبشرين المسيحين معتبرين ان المندائيين مسيحيون من اتباع القديس يوحنا وسرعان ما حُمل ادبهم الديني من كتب ومخطوطات الى اوربا مع مفتاح لغتها واصول قرائتها واضعين الاساس وممهدين الطريق لحقل البحوث المندائي
فقد شهد مستهل القرن التاسع عشر اول ترجمه لكتاب المندائيين المقدس كنزا ربا الى اللغه اللاتينيه باسم ? Codex Nazareus كتاب الناصورائيين او? Liber Adami? اي صحف ادم من قبل المستشرق السويدي ماتياس نوربري حيث تعد اول ترجمه اكاديميه في حقل البحوث المندائي واضعهً حجر الاساس لتغني وتنير بمعلوماتها باحثي هذا المجال
السيره الذاتيه
اشتهر نوربري لدى الكثير من الباحثين باللفظ الانكليزي لاسمه ماثيو نوربرغ
ولد في شهر حزيران عام 1747 في احدى القرى التابعه لمدينه اُبسالا في السويد لعائله عريقه النسب
اهتم نوربري منذ شبابه في دراسه اللغات القديمه مما دفعه للالتحاق بجامعه اُبسالا والدراسه فيها ليحصل عام1773? على شهاده الماجستير لرسالته الموسومه كتاب العهد الجديد في اللغه السريانيه
ثم عين مدرس اللغه الاغريقيه في الجامعه نفسها لكنه لم يواصلها بل شرع في تخصصه في الاستشراق لمده خمس سنوات في العديد من الدول اهمها اليونان وتركيا فحصل على التقدير والاستحسان من بلاط السويد الملكي ثم اوقف رحلته واٌثر المكوث في تركيا لكي يتعمق في دراسة المخطوطات الشرقيه تحديدا العربيه والتركيه
حصل على شهاده الدكتوراه من جامعه كوبنهاكن الدنماركيه كما نال لقب بروفسور في اللغه الاغريقيه واللغات الشرقيه من قبل جامعه لوند السويد عام 1780وقد استمرت خدمته في الجامعه المذكوره لحين تقاعده حيث قدم خلالها اكثر من 158 بحث اكاديمي وقد لاقت هذه البحوث استحسان وتقدير الكثير من الجامعات واهم هذه الشهادات التقديريه هي:
شهاده تقديريه من المجمع العلمي السويدي
شهاده ماجستير فخريه من جامعه ابسالا
وقد اغنت بحوثه حقل الاستشراق الاكاديمي في كل ميادينه مما اعطته شهره كبيره في الوسط الاكاديمي معتبرين ذلك مصدرا مهما لبحوثهم
البحث عن المخطوطات المندائيه
التقى نوربري بعد تخرجه باربع سنوات بالمستشرق الالماني الشهير جوهان دافيد ميشليس والذي حثه بالبحث حول المخطوطات المندائيه لمعرفه حقيقه دينهم حيث كانت الديانه المندائيه ماده خصبه للباحثين والمستشرقين في ذلك الوقت لكونها تمثل حلقه تاريخيه اساسيه في عصر الديانه المسيحيه المبكره
وقد اهتم نوربري بالموضوع مشرعا بالبحث عن المخطوطات المندائيه في كل مكتبات اوربا تحديدا في هولندا والمملكه المتحده لكنه لم يعثر على شئ فواصل البحث في مكتبه باريس الوطنيه حيث عثر على نسخه مندائيه قديمه لكتاب المندائيين المقدس كنزا ربا فبدا بنسخها خطيا ليحتفظ بها لنفسه ولغرض دراستها وترجمتها في مقر ابحاثه في السويد
اجل نوربري ترجمه الكنزا ربا معتقدا بان التعرف على اصول الديانه المندائيه سيسهل عليه الترجمه
عرف نوربري الكنزا ربا هو كتاب فلاسفه ادب العظماء الذين وضعوا احاسيسهم باسرار التعاليم القديمه الساميه
اصبحت الكنزا ربا نقطه تحول في بحوثه حيث زادت اهتمامه بدراسته الطوائف الدينيه وخصوصا المندائيه منها ولمعرفه حقيقه هذه الطوائف مكث نوربري خمسه سنين في بلدان الشرق الاوسط واضعا احد اهم اهدافه هي الديانه المندائيه
كما يخبرنا في احدى رسائله لعام1779 بانه وجد في القسطنطينيه قس ماروني اسمه جرمانو كونتي الذي ادعى بانه التقى مع المندائيين وشاهد طقوسهم وقداساتهم اما عددهم فيقارب 10 000 شخص يعيشون في مدينه اللاذقيه السوريه

من الواضح بأن نوربري التقى مع اكبر قساوسه البطرياركيه المارونيه كونتي الذي كان هو الاخر مهتما بنشأ ة الديانه المندائيه حيث اعتبر في نظرياته نُصيرو اللاذقية جزء من المندائيين وبالتالي تكلم مع نوربري عن النُصيريين باعتبارهم مندائيين لكن جامعه كوتنكه الالمانيه عقبت على هذا الخبر بأن معلوماتهم تدل على ان اتباع مسيحيي يوحنا اي المندائيون يقطنون البصره وهم بعدد قليل
ان ثقه نوربري العمياء في القس كونتي ادت به ان يعتبره مصدرا اساسيا عن المندائيين وعليه عاضد نظريه كونتي ثم بنى نظريته الجديده مؤكدا المنشاء الغربي للمندائيين وتحديدا طائفه الجليليين في فلسطين

عاد نوربري الى السويد بعد خمس سنوات من الاستشراق حيث شغل منصب بروفسور في جامعه لوند
وفي عام1780 القى في جامعه كوتنكه محاضره بعنوان ديانه ولغه الصابئه التي تعد بحق احدى اولى المحاضرات الاكاديميه عن المندائيين

ترجمه الكنزا ربا

ان اهتمامات نوربري في الديانه المندائيه دفعه الى تكمله مشروعه المؤجل حول ترجمه الكنزا ربا ففي عام 1815 - 16 اصدر نوربري كتابه الشهيرAdami ? Liber صحف ادم اوCodex Nazareus ? اي كتاب الناصورائيون وهي عباره عن ترجمه لاتينيه لكتاب المندائيين المقدس كنزا ربا حيث اعتمد في ترجمته على اقدم نسخه للكنزا ربا على الاطلاق المتواجده في باريس الذي نسخها خطيا قبل سفره الى الشرق الاوسط
اقتصرت هذه الترجمه على ثلاث مجلدات بضمنها النص المندائي مطبوع بالحروف السريانيه
لاقى هذا الاصدار شهره سريعه واصبح محطه لانظار الباحثين ومصدر الهام لكثير من الادباء نذكر منهم استاكنيليوس شاعر اسكندينافيا الكبير الذي تتلمذ على يد نوربري عشق ادب الكنزا والهم به فاصبح كتاب الكنزا ربا له نقطه تحول ادبيه في شعره ومصدر الهامه حيث بدء يكتب اشعاره الجديده متاثرا بفلسفه ثنائية النور والظلام النفس والجسد ولعله قصيدته معراج النفس تجسد تاثره بالافكار الفلسفيه للقسم الايسر من الكنزا ربا وعليه تأثر الادب الاسكندينافي بهذا اللون الجديد من الشعر فما زالت بعض من اشعار استاكنيليوس الدينيه تنشد في الكنائس السويديه حيث يلتمس قارئها روحيه الفلسفه المندائيه

وبالرغم من استحسان الادباء لهذه الترجمه لكنها واجهت انتقادات شديده من بعض الباحثين حيث اعتبروا طريقه الترجمه غير ملتزمه وفق معايير الترجمه الاكاديميه بل حتى نظريته عن اصل ولغه المندائيين كانت مبنيه على اسس غير رصينه

تؤكد بعض المصادر بأن نوربري شعر بأسف وحسره في السنوات الاخيره من عمره وذلك لكونه لم يحاول ان يرى المندائيين بام عينه في الوقت الذي كان بالقرب منهم في محطات استشراقه

عام 1826 فارق نوربري الحياة مخلدا اسمه بأعماله الكبيره كما خلده المجمع الاكاديمي السويدي برسم لوحه بورتريت له التي مازالت متوسطه شامخه في احدى قاعات جامعه لوند بصفته احد اهم محطات التطور الاكاديمي للقرن التاسع عشر

وبالرغم من انتقاد الباحثين لطريقه ترجمته لكن تعد هذه الخطوه بحق حجر الاساس لحقل البحوث المندائي فقد اعتمدت نسخه الكنزا ربا التي اكتشفها نوربري في باريس من قبل الكثير من الباحثين

لقد حفّزني لكتابة هذا الموضوع ما أطالعه يوميا من أخطاء سببها عدم معرفة كثير ممن يكتبون بالعربية بمواضع همزة كلا الحرفين و ما يترتب عليه من إشكالات في المعاني المقصودة ما سيقف عليها المتتبع عند القراءة الدقيقة لهذا المقال الذي سأحدد فيه : وجوب الكسر , وجوب الفتح , جواز الكسر أوالفتح , بأسلوب مبسط بعيد عن التعقيد
مواضع الكسر وجوبا

هناك حقيقة علمية ثابته بالنسبة لكسر همزة { إنَّ } ذلك أنَّها تُكتب كذلك عند وقوعها في جملة الابتداء , مهما كان موقع تلك الجملة

أول الكلام , أو وسطه , ويمكن حصر ذلك في الجمل التالية

أ - الجملة الابتدائية : إنَّ العراقيين لصامدونَ

ب - جملة القول : قال الأستاذُ : إنَّ الصدقَ سلاحُ المخلصينَ , ٌوأضاف قوله : إنَّ خيرَ العلماءِ مَنْ انتفعَ بعلمِه الناسُ , فعقَّبَ سعيد قائلا : إنَّ مصاحبةَ عالمٍ فقيرٍ خيرٌ منها لجاهلٍ وافرِ المالِ

ج - جملة الخبر لمبتدأ هو اسم عين { ذات } : زيدٌ إنَّه فاضلٌ

د - جملة صلة الموصول : حضر الذين إنَّهم زينةُ الدارِ

ه - جملة الحال : قدمتْ سلوى وإنَّها لفي أحسنِ حالٍ

و : الجملة الاستئنافية : التواضعُ مِن أسمى الأخلاقِ , إنَّه تاج

المبدعينَ , وزينةُ المؤمنينَ

ز - جملة جواب القسم : والله , إنَّ كلمةً طيبةً لأثمرُ مِن فعلٍ خبيثٍ

وهنا يُشتَرَط أن تدخل في خبرها اللام المزحلقة

ح - الجملة المعطوفة على جملة ابتدائية : إنَّ الحبَّ لسرٌّ من أسرارِ الكونِ , وإنَّه لمفتاحٌ للقلوبِ

ط - في الجملة المؤكدة لأخرى بالتكرار : إنَّ الصبرَ جميلٌ , إنَّ

الصبرَ جميلٌ

ك - بعد { ألا } الاستفتاحية : { ألاْ إنَّهمْ همُ السفهاءُ } , ألاْ إنَّ

الجاهلَّ مسكينٌ

ل - بعد فعل من أفعال القلوب وقد عُلِّقَ عنها باللام : علمتُ إنَّه لَشاعرٌ

م : بعد { حيثُ } الظرفية التي تلازم الإضافة إلى جملة : اجلسْ حيثُ إنًَ الحكماءَ يجلسونَ

ملاحظة مهمة : انفردتْ { إنَّ } دون غيرها بأن خبرها تلحقه { لام } التوكيد المفتوحة المزحلقة نحو : {إنَّ الأبرارَ لفي نعيمٍ } , إنَّ الطلابَ لحاضرونَ , وإنَّهم لمنشغلونَ , لهذا فإنَّ دخول اللام في خبرها من أسباب كسر همزتها

مواضع الفتح وجوبا

يتوجب فتح همزة { أنَّ } عندما يصح سبك مصدر مُؤوَّل منها , ومن اسمها , وخبرها , والمقصود بالمصدر المُؤوَّل أنَّه يُفَسَّرُ بكلمة واحدة

تشتق من معنى الجملة , ويعرب هذا المصدر حسب موقعه من الإعراب كما مبين أدناه

أ - المبتدأ المُؤَخَّر: من المعلومِ أنَّكَ صادقُ القولِ , من المعلوم : خبر متقدم على المبتدأ , وفُهمَ ذلك لكونه شبه جملة , و{ أنَّ واسمها وخبرها } مصدر مؤول في محل رفع مبتدأ متأخر , والتقدير : من المعلومِ صدقُكَ

ب - الخبر : المعلومُ أنَّكَ صادقٌ : أنَّ ومعمولاها في محل رفع خبر المبتدأ الذي جاء اسم معنى , معرفة { اسم المعنى مثل : الثابت , المقصود , المفهوم , أمّا اسم الذات فمثل: زيد , بحر }

ج - الفاعل : أسعدَ الحضورَ أنَّ الحفلَ بهيجٌ , المصدر المؤول من أنَّ ومعمولَيها في محل رفع فاعل

د - نائب الفاعل : سُمِعَ أنَّ المحتلِّينَ راحلونَ , أمفهومٌ أنَّ أخاكِ قادمٌ ؟

المصدر المؤول في محل رفع نائب فاعل

ه - المفعول به : سمعَ الملحنُّ أنَّ مطربا صوتُهُ جميلٌ , المصدر

المؤول من أنَّ ومعموليها في محل نصب مفعول به

ظنَّ الأحرارُ أنَّ الغزاةَ راحلونَ , المصدر المؤول في محل نصب

سدَّ مسد مفعولي الفعل ظنَّ المتعدي إلى مفعولينِ أصلهما مبتدأ وخبر

أعلمَ المذيعُ المستمعينَ أنَّ الغزاةَ راحلونَ

المصدر المؤول من أنَّ ومعموليها في محل نصب سد مسد المفعولين الثاني والثالث للفعل أعلمَ المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل , ثانيهما وثالثهما أصلهما مبتدأ وخبر

و - في محل جر بالحرف : شعرتُ بأنَّ طيفَكِ قد زارَني , المصدر المؤول من أنَّ ومعموليها في محل جر بحرف الجر , الباء

ز - في موقع معطوف على مصدر صريح : تذكّرْ نصيحَتي وأنِّي حذَّرتُكَ من أصحابِ السوءِ

أو معطوف على مصدر مؤوَّل مثله : تذكَّري أنِّي نصحتُكِ وأنِّي حذَّرتُكِ من أصحابِ السوءِ

جواز الكسر أو الفتح

يجوز كلا الحالين عندما يكون الحرف ومعمولاه قابلا للتفسير بجملة فيجوز عندها الكسر , أو يقبل التأويل بمصدر فيجوز الفتح نحو

أ - بعد { إذا الفجائية } : خرجتُ فإذا إنَّ زيدا يقابلني , خرجتُ فإذا أنَّ زيدا يقابلني

ب - في جواب القسم غير المُقترِن باللام : لَعَمْرُكَ إنَّ أباكَ نبيلٌ

لَعَمْرُكَ أنَّ أباكَ نبيلٌ

ج - بعد فاء الجزاء الواقعة في جواب الشرط : مَنْ يزرْني فإنَّهُ لكريمٌ

مَنْ يزرْني فأنَّهُ كريمٌ

د - إذا وقعت بعد مبتدأ هو في المعنى قول , وخبر إنَّ قول , والقائل واحد : خيرُ القولِ إنِّي أحمدُ اللهَ

خيرُ القولِ أنَّي أحمدُ اللهَ

ففي الأولى { إني أحمد الله } جملة في محل رفع خبر المبتدأ

وفي الثانية { أنَّ ومعمولاها } مصدر مؤول في محل رفع خبر المبتدأ , أي أنه بتقدير كلمة واحدة , وليس جملة

 

ترد من آونة لأخرى عبارة ( الفلسفة المندائية ) في العديد من الكتب والمقالات وخاصة في الصحافة المندائية الناشئة وكذلك نجدها في الترجمات لبعض المستشرقين والباحثين في المندائية . ترى ما هو المقصود بتلك العبارة ؟ وما علاقة تلك الفلسفة بالفلسفات المعروفة في حضارات البشرية مثل الفلسفة اليونانية والإسلامية وغيرها ؟ ثم متى ظهرت تلك الفلسفة ؟ وما هي الحقبة الزمنية التي نضجت بها تلك الفلسفة ؟ ومن هو العقل أو العقول المبدعة لها ؟ قد تكون هناك إجابات لتلك الأسئلة لدى البعض وأسهلها طبعا إنها من عند الحي الأقدم أو إنها صحف آدم أو غير ذلك من الإجابات النابعة عن الأيمان لا عن العقل الذي يقدسه المندائيون ولا اعتراض على ذلك لكنها خارجة عن نطاق محاولتنا في البحث عن أيجاد أجوبة علمية لتلك الأسئلة .

إن الخوض في هذه المواضيع لمجازفة حقيقية بالنسبة لي وذلك بسبب الغموض الكثيف الذي يحيط بالمندائية بصورة عامة ولكوني لست متخصصا فيها . ولكن لابد من بداية وكلي أمل أن تغري تلك البداية أحدهم ليسير بها قدما في هذا الطريق الوعرة ، ولابد أن أحدهم سيصل يوما إلى الحقيقة التي نرنو إليها جميعنا .

إلى الآن وجميع المنافذ الجادة مغلقة أمام الباحث في معرفة نشأة المندائية ومن هي تلك العقول الكبيرة التي وراءها وأين انطلقت أولا وغيرها من الأسئلة التي يتشوق كل مندائي وأنا واحد منهم في معرفة الحقيقة العلمية عنها . ومع كل إصدار جديد عن المندائية تكبر علامات الاستفهام ولا ألوم أحد هنا فكل البحوث إلى اليوم تدور في نطاق الظن والفرضيات .

كنا نأمل أن نجد ولو بعض الأجوبة الجادة لتلك الأسئلة في ترجمات ( الكنزا ربا ) ولكن تلك الترجمات جاءت لتزيد الأمور تعقيدا . فترجمة الدكتور " قوزي " والتي نقحت ووضعت بشكل يتماشى مع الظرف الخاص الذي يمر به المندائيون في العراق خرجت وكأنها " وصف العميان للفيل " . تجد فيها حقائق ولا تجد فيها الحقيقة الأهم . أما ما ترجم في أستراليا فلم يكن أكثر وضوحا حيث اختلطت الترجمة بآراء المترجمين سواء العرب أو الألمان . أظن إن ترجمة الكنزا ربا بحاجة إلى جهد أكاديمي متخصص واسع بالتاريخ وتأريخ الأديان خاصة وفي اللغات والفلسفة مع حس مندائي بعيد عن التداخل مع النص .

وبعد الرجوع إلى أغلب ما كتب وترجم في المندائية وجدت إن من بين أهم ما يميز المندائية هي نظرتها في مسألة النشوء والخلق والانبعاث ومسألة النفس وخلودها . فما تقوله المندائية في تلك المسائل ؟ وكيف تشترك في العديد من تلك الأمور مع الأديان والفلسفات الأخرى؟

إذا نظرنا أولا إلى أسطورة نشأة الكون نجد أن الفكرة المندائية عن النشوء تختلف كليا عن تصور الأديان التوحيدية الأخرى لها . فلم يخلق الله السماوات والأرض في سبعة أيام ثم استوى على العرش أو خلد للراحة وإنما ترى المندائية أن نشأة الخلق تمت على مراحل يمتد فيها الزمن لآلاف الآلاف من السنين اشتركت فيها العديد من عناصر الطبيعة وإن تمت بإرادة الحي الأقدم.

ورد في كتاب كنزا ربا" يمين " الجزء الثالث ما يلي :

حيثما كانت الثمرة " بيرا" داخل الثمرة.
وحيثما كان الأثير "آير" داخل الأثير .
وحينما كان " مانا " ذو الوقار العظيم هناك .
ومنه تكونت " المانات " العظيمة الكبيرة .
أنتشر بريقها وعظم نورها . وما كان قبلها في الثمرة العظيمة شئ .فانتشر نورها بلا حدود.أكثر من انتشار الكلام .
وجل نورها عن أن يوصف باللسان والتي كانت وقتئذ في تلك الثمرة ثم تكونت منها آلاف آلاف الثمار بلا نهاية .
وملايين ملايين المواطن بلا عدد.
تقف هناك وتمجد " مانا " الموقر العظيم .
الذي يحل في " آير " العظيم.
وتكون الماء الجاري " يردنا " الذي لا حدود له.
وبقوة الحي العظيم انبثقت منه مياه جارية " يردني "
بلا نهاية ولا عدد.
..................
...............

وهكذا يستمر النص بوصف التكوين الأول " الحياة الأولى " والتي تمت بإرادة الحي العظيم " هيي ربي " وتصور هنا النضج الأول داخل الحياة الأولى " هيي قدمايي" وفي " هيي قدمايي " "الحياة الأقدم " الحياة الأولى تشترك عناصر أساسية في عملية التكوين .

أولا " مانا العظيم " وهو ( العقل أو الفكر المدبر أو اللب أو وعاء الأنا أو النفس" نشمثه " ).

ثانيا " آير" الأثير وهو الهواء النوراني الأول أو الأثير الوهاج أو "آير ربا هيي " أثير الحي العظيم . "وهذه النظرة للتكوين الأول تذكر بالانفجار الكوني الكبير "
وثالثا الثمرة " بيرا " حيث تكونت من تلك الثمرة العظمى الثمار والمواطن .
ويلعب" مانا "( العقل)الدور الأساسي في عملية التكوين هذه وكذلك"مثيله الأنثوي النوراني"
وهنا يتدخل الخيال ويحول عنصر الحياة الأول إلى زوجان وهما الأولان في الثمرة العظيمة
وهكذا أنجب " مانا " العظيم المانات والتي تنشأ منها الحياة الثانية " يوشامن "وتنشأ الحياة الثالثة " أباثر " من الحياة الثانية ومن أباثر تنشأ الحياة الرابعة أو أرض تيبل " أرا تيبل " والتي أسهم في تكوينها " ابثاهيل " . " الفكرة ربما تكون قريبة من فكرة زواج الآلهة البابلية وخلق السماء والأرض وكانت تلك فكرة غنوصية شائعة.

وبعد ذلك العالم الذي يمثل الحياة الأولى" هيي قدمايي" عندما كانت الثمرة داخل الثمرة وكان الأثير داخل الأثير وكانت المانا العظيمة داخل المانا والتي يستغرق نضوجه ستة آلاف ألف من السنين تظهر الحياة الثانية وبنتيجة الإنبعاث تظهر الحياة الثالثة من الثانية مستغرقة ذات الوقت ومع ظهور الحياة الثانية يظهر النقص ويزداد مع كل تكون جديد. وكما تصف الكنزا ربا العملية :

أنا " مانا" أتحدث مع مثيلي " دموثا "
تعال أنا وأنت نود أن نبني
نود أن نبني بهتاف خفي ، نبني الثمرة العجيبة
حتى نغرس الأثمار حتى نهيئ المساعدين
..........................................
.........................................
انثنيت وانحنيت أمام رفيقي وتسلمت منه العهد الثمين
دخلنا المانات واختبأنا وقبلت أن تكون شريكتي
وعندما كانت هنا الحياة الأولى فكرت في الحياة الثانية
وحين كانت الحياة الثانية فكرت في الحياة الثالثة وحين كانت الحياة الثالثة فكرت في الحياة الرابعة .
......................................
......................................

مما تقدم أعلاه يفهم بأن " المانا " العقل هو العنصر الأساسي في عمليات التكوين الأربعة وإن كانت هناك عناصر أخرى تظهر في تلك العمليات مثل الماء "يردني " والنور " يورا " والبخار أو الغاز " تنا " والعديد من الأسماء والتي تكتب دائما "ملكي" بمعنى ملاك أو مخلوقات نورانية .

لننظر إلى ما هو دور العقل " مانا " المندائي أو ( logos ) اللاتينية في عمليات التكوين في الفلسفات اليونانية والإسلامية ؟ وهل التشابه الموجود بينهما جاء بشكل عفوي ؟ في الفلسفة اليونانية القديمة أي قبل ( أفلاطون )"600 قبل الميلاد " كان الاتجاه العام ينحو نحو أصالة الوجود وكان جهد الفلاسفة في ذاك الوقت منصب في البحث عن المادة الأولى المكونة للعالم .

فالفيلسوف اليوناني " طاليس " كان يقول أن الآلهة هي القوة التي بها يتحقق وجود الأشياء وبها تتحرك وإن قوة الآلهة كامنة في داخل الأشياء . ثم ظهرت نظرة فلسفية أخرى تقول إن العالم قد تكون بفعل عامل خارجي هو "العقل" وقالوا أن العقل هو القوة المحركة للعناصر " البذور" الغير متناهية الصغر المكونة للمادة وكون العقل هو قوة مادية تؤثر في تفاعل "البذور". وكانت الفلسفة قبل أفلاطون بصورة عامة هي فلسفة أقرب إلى النظرية المادية أما فلسفة أفلاطون فكانت تدعو إلى جانب أصالة " الماهية " ترى تحكم نظرية المثل "الأفكار " والتي هي ماهيات ثابتة تختص وحدها بصفة الوجود الحقيقي أما العالم الخارجي "المادي " فليس سوى ظلال عابرة لتلك المثل وبمثابة أشباح لها .( فكرة الدموثة المندائية ) .

ثم جاء أرسطو ( 350 قبل الميلاد ) وكان من أول المنظرين لموضوع أصالة الوجود فهو يعترف بأولوية الطبيعة وإن الموجودات " الجزئيات " عنده هي أولى الموجودات وأحقها بالوجود أما الكليات " الأجناس والأنواع " فوجودها قائم داخل الجزئيات وأطلق تسمية الجواهر الأولى على الجزئيات وقال إن ( الأجناس والأنواع ) هي الجواهر الثانية وبذلك نرى أن أفلاطون وأرسطو يرون أن الصورة تتفوق على المادة ويتفوق العقل على المحسوسات . ويرى الفكر اليوناني القديم بصورة عامة بأن الوجود أزلي أي أنه لا يأتي من العدم ويرون أن الله هو جزء من هذا الوجود ويمثل قمته ( القمة في الوجود ) . ويرون أن العالم عمل فني إلهي لا بأصله وإنما بتنظيمه .

أما الفلسفة اليونانية الحديثة ( إفلوطين 200 بعد الميلاد ) فهي تحصر الوجود الحقيقي في عالم العقول ( المانا ) الروحانية وهو تعبير عن الماهيات الكونية أي أن نظام الكون قائم على فكرة أصالة الماهية وكل شئ يتركب من مادة وصورة . وترى أن الكون نشأ عن طريق الفيض ، حيث أن الفيض الأول صدر عن حكم الله بالضرورة والطبع لا عن إرادة واختيار لأن الإرادة تنتهك هنا وحدانية الله والطبع هنا يعني إنه كما الله بذاته اقتضى أن يفيض عنه النور الذي هو وجود الكائنات وفق نظام مترا تب الدرجات . ولأن العالم المادي وجد عن طريق الفيض من المبدأ الأول بوسائط العقول الفلكية المفارقة فإن الفيض ما أن ينتهي إلى هذا العالم حتى يكون نصيبه من الإشعاع الإلهي ضئيلا وبذلك يمثل العالم المادي والظلام بالقياس إلى الأفلاك المفاضة عن الله مباشرة ( انظر كيف يدخل النقص بعد الحياة الثانية " يوشامن " ثم الثالثة " أباثر والرابعة " ابثاهيل حسب النظرة المندائية لمراتب التكوين ).

وترى الأفلوطينية كذلك إن كل ما هو مادي هو إمكانية وإن الفكر هو الذي يخلق العالم الواقعي لهذه الإمكانية وهي موجودة بالقوة " أي إنها كامنة في الشيء ذاته " قبل وجودها المادي الواقعي ، أي إنها ذات وجود أزلي ، وترى أيضا أن العالم المادي خسيس لأنه الدرجة الأدنى من درجات الفيض . حتى أن افلوطين كان يخجل من جسده كونه سجنا لنفسه . وهكذا يذكرنا باحتقار المندائيين للجسد ( بغره ) وتقديس النفس التي بداخله فقط .

ترى فلسفة افلوطين إن صدور الوجود هو اضطرارا أي غير مقترن بإرادة أو اختيار " إنما هو فيض " وترى أن الروح وحدها هي التي تصعد إلى الباري وترى أن الألوهية مبثوثة في كل مكان وذلك لأن الجسم المطلق " الهيولي " قد أتى عليه دهرا طويلا إلى لأن تمخض وتميز منه الكثيف واللطيف وإلى أن أخذ الأشكال الكروية الشفافة " الفلكية "، والتي تركب بعضها في جوف بعض ( تذكرنا تلك الأفكار كثيرا بالفكر المندائي من حيث النفس والجسم وصعود النفس فقط إلى باريها وكذلك تكون البذرة داخل البذرة ) . وإلى أن استدارت أجرام الكواكب النيرة وركزت مركزها وإلى أن تميزت الأركان الأربعة وترتبت مراتبها وانتظم نظامها .

بذلك نفهم من النص أعلاه وما سبقه أن الأجرام الفلكية وعناصر الطبيعة وما تولد منها من معادن ونبات وحيوان تكونت بعملية داخلية متسلسلة المراحل . بدأت من الجسم المطلق " الهيولي الأول" واحتاجت إلى وقت طويل حتى انتقلت إلى مرحلة التمخض الذي جرى بعملية جديدة أو بمرحلة أخرى في العملية المتصلة نفسها حدث خلالها نوع من الانتقاء أدت عملية الانتقاء هذه إلى قبول الجسم المطلق " الهيولي الأول " أولى أشكال المادة وهي الأشكال الكروية للأفلاك ثم جاء دور العملية داخل هذه الأشكال ( بتركيب بعضها في جوف بعض ) ثم حلت مرحلة انتقاء جديدة هي استدارة أجرام الأفلاك النيرة واتخذت مراكزها وتميزت أركانها الأربعة وهكذا كانت منها المولدات من معادن ونبات وحيوان ويصورها افلوطين بفلسفته بأنها عملية ارتقائية .

إن الأفلاطونية الحديثة بحاجة إلى دراسة مقارنة مكثفة مع الفكر المندائي . ففيهما تشابه كثير قد يساعدنا في فهم الفكر المندائي وحتى نشأته ربما.

أما الفلسفة الإسلامية والتي جاءت لاحقا أي أنها جاءت بعد المندائية زمنيا ستفيدنا دراستها حتما ابتداء من أخوان الصفا وحتى أبن رشد وذلك للبحث عن الفكر المندائي الذي قد يكون بعضه موجود فيها سواء كان تأثيرا أو التقاء فليس هناك انقطاع في مراحل تطور الفكر البشري ولابد أن ولادة أي فكر ستأتي من فكر الآخرين وإن كان يعارضه ظاهريا .

قبل الخوض في الفلسفة الإسلامية حبذا لو يساهم إخواننا المندائين المعنيين بالفكر المندائي في مناقشة ما ورد في المقالة لغرض التقرب من الحقيقة.

المصادر :
كنزا ربا الطبعة العراقية
كنزا ربا الطبعة الأسترالية
كتاب النشوء والخلق في النصوص المندائية للدكتور كورت رودولف – ترجمة الدكتور صبيح مدلول
معرفة الحياة س . كوندوز ترجمة الدكتور سعدي السعدي
الموسوعة الفلسفية
خريف الفكر اليوناني – عبد الرحمن بدوي –
افلوطين عند العرب – عبد الرحمن بدوي –
موجز حضارة وادي الرافدين – طه باقر –
الصابئة المندائيون – الليدي دراور -
مصادر أخرى مندائية متفرقة وغيرها

نشرت في تاريخ

الصابئة المندائيون جزء من سكان العراق الاوائل عبر تأريخه الحضاري في بلاد مابين النهرين-سكنوا بطائح جنوب العراق وفي منطقة الطيب في ميسان قريباً من الانهار الجارية التي كانت تشكل اهمية كبيرة

في حياتهم الاجتماعية واقامة الطقوس الدينية وامتدت ديانتهم ايضاً الى فلسطين والشام ومصر زمن الفراعنة. ان تأريخ الصابئة المندائيين يلفه شيء من الغموض، وذلك لانزوائهم وانغلاقهم الديني بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له خلال فترات متعاقبة من تاريخهم. فأثروا هذا الأنزواء كوسيلة للحفاظ على دينهم وتراثهم.
وللصابئة كتيب يسمى (حران كوثيا) يتحدث عن هجرة المندائية التي قاموا بها من اورشليم في فلسطين سنة 70م بعد الاضطهاد الذي حصل لهم على يد السلطات الدينية والحكومية في هذه المدينة الحديثة التي كان يسيطر عليها الحكم الروماني فعادوا الى موطنهم الاصلي وادي الرافدين وكانت هذه الهجرة برعاية الملك أردوان(أرطبيانوس الثالث) ولقد جاء ذكر الصابئة في ثلاث أيات من القران الكريم سورة البقرة،سورة المائدة،سورة الحج.
وفي منتصف القرن السابع الميلادي عرفت هذ الطائفة لأول مرة في اوساط الباحثين الاوربيين ومنهم (ليدز بارسكي) (الليدي دراور) التي استطاعت في كتاباتها عن المندائية ان تزيح الكثير من الغموض عن ديانتهم وتأريخها وتراثها.
ومن اجل هذا عاشت مع الصابئة في جنوب العراق ودرست احوالهم عن قرب. وترجمت العديد من الكتب والمخطوطات المندائية الى اللغة الانكليزية.. واهمها كتاب الصابئة المندائين. الذي ترجمه الى العربية الاستاذان نعيم بدوي وغضبان الرومي.
وفي العقدين الاخيرين من القرن العشرين، تمكن عدد من مثقفي الصابئة بترجمة العديد من الكتب الدينية الى اللغة العربية اضافة الى بعض الكتب التي تخص الميثولوجيا المندائية.. فقد ترجم الكتاب المقدس (كنزاربا) ودراسة بهيا) تعاليم يحيى(ع) والنياني والقلستا.
وكلمة الصابئة مشتقة من الفعل الارامي المندائي -صبا-أي غطس او ارتمى في الجاري أما المندائيون فهي مشتقة من الفصل الأرامي- دا- التي تعني (العالم -العارف- فيكون معنى الصابئة المندائيين هو.
الصابغون العارفون بدين الحق واتفق اغلبية الباحثين والمستشرقين على ان كلمة صابئي جاءت من الجزء الأرامي وليس العربي للكلمة.. وهناك تسميات أخرى لهم.
المغتسلة-(من غسل) اي تطهر ونظف في الماء اي ربى شلماني-من (شلم)، أرامية تعني المسالم.
أبنيء نهورا-أبناء النور
اخشيطي من كشطا-أي اصحاب الحق
لغتهم
اللغة المندائية هي اللغة التي وردت بها المخطوطات الصابئية فكل الكتب الدينية ماتحتويه من تعاليم وصلوات وتراتيل مكتوبة بهذه اللغة. وأول من قرأ الابجدية المندائية هو ادم(ع) وبقية المختارين الاصفياء ومنهم يحيى بن زكريا(ع) وهي مقدمة عند جميع الصابئة واللغة المندائية هي لهجة من الآرامية التي تنتسب الى المجموعة السامية كالبابليين والاشورية والكلدانية.
واقدم ماالف عنها كتاب المستشرق الالماني (نولدكه) سنة 1875 تحت عنوان قواعد اللغة المندائية-ذلك القاموس المندائي انكليزي الذي الفته الليدي دراور.
وقام في السنوات الاخيرة بعض ابناء الصابئة بتأليف بعض الكتب في المندائية فقد أنجز الشيخ خلف عبد ربه مع المهندس خالد كامل القاموس المندائي-العربي) واستطاع الاستاذ امين فيصل تأليف كتاب قواعد اللغة المندائية الذي اعتمد كمصدر في المجمع العلمي العراقي.
وتتكون الابجدية المندائية من أثنين وعشرين حرفاً تكتب من اليمين الى اليسار. وبسبب اقتصارها على المراسيم الدينية فقد بقيت مفرداتها محدودة.
المعتقدات
يقوم جوهر الديانة الصابئية المندائية على أن الله واحد انبعث من ذاته وانبعثت الحياة من لدنه.. ومن اركان الديانة المندائية:
التوحيد: حيث جاء في افتتاحية الكتاب المقدس كنزاربا، الصفحة الاولى- مبارك اسمه..
باسم الحي العظيم (سبحانك ربي العظيم. اسبحك بقلب طاهر ايها الحي العظيم المتميز عن عوالم النور- الغني من كل شيء- الغني فوق كل شيء نسألك الشفاء والظفر وهداية الجنان وهداية السمع واللسان.. ونسألك الرحمة والغفران امين ياربنا - يارب العالمين.
وعلى اساس ماجاء في كتبهم الدينية المقدسة فأن الصابئة المندائيين يعتقدون برب عظيم خالق للكائنات الروحية والمادية.. وكذلك الاعتقاد بان النفس في الجسم يجب ان تعود الى خالقها في عالم الانوار بعد موتها.
وهذه دلالة على وحدانية الدين المندائي
التعميد:
الصباغة-(صبغة الله)
ويعتبر الركن الاساسي وهو فرض واجب على كل صابئي مندائي ويهدف الى فتح باب الخلاص والتوبة وغسل الذنوب والخطايا والتقرب الى الله. ويتم هذا الطقس في الماء الجاري (اليردنا) ويكون يوم الاحد على رأس الايام المقدسة لأن الله بدأ الخلق فيه. والتعمد بدأ في عوالم النور العليا حيث تعمدت الملائكة وأنزل الى الارض عن طريق الملاك جبريل الرسول (هيبل زيوا) حيث قام ليتعمد ادم وحواء ثم اصبح سنة لآدم وذريته من بعده.
ومن مستلزمات التعميد في الديانة الصابئية:
أ- الماء الجاري-ماء الحياة (مياهيا) واكليل الريحان والآس وهما يرمزان الى الحياة وطيبها.
ب- الملابس الدينية الخاصة (رستا) وهي ملابس قطنية او من الكتان الابيض ويرمز اللون الابيض الى الطهارة والنور يرتديها رجل الدين والشخص المتعمد بعد أن ينزع كل قطعة من ملابسه الاعتيادية.
ج- اشياء تمثل حاجات الانسان البدائية وهي طبق من الطين (طريانا) وكوب ماء وأناء لوضع البخور وراية بيضاء حول خشبة مصنوعة على هيئة علامة (+) وترمز الى راية السلام (شيشلام) والمعروفة في اوساط كثيرة (الدرفش).
وخطوات التعميد تبدأ بالنزول الى الماء والغطس فيه والارتسام مع ذكر اسم الله تعالى وشرب شيء منه بعد ذلك يتبادل المعمد نعمة الخبز ومعها شيء من الماء ثم يختتم رجل الدين التعميد بأن اليد اليمنى على رأس المتعمد ويقوم بعدها بالمصافحة لاداء يمين الحق.
ويعطى للمتعمد الاسم الديني (الملواشة) التي ترافقه حتى نهاية الحياة..وبعد مجموعة من التراتيل الدينية الخاصة ومنها اتيت الى الماء بارادة الله وارادتي. الماء الذي يهيئ القوة نزلت الى الماء واصطبغت وتقبلت الرسم الزكي وارتديت ملابس النور واحكمت اكليل الورد الغض برأسي وذكرت اسم الله العظيم علي.

نشرت في تاريخ

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014