• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 06:43

المندائيون وصياغة الفضة في العراق

يزخر المتحف البريطاني في لندن بالآثار التي لا تقدر بثمن والتي تعكس حضارة الشعوب التي جلبت منها هذه الآثار. ومن جملة هذه الآثار مصوغات فضية من مناطق ايران والعراق والشرق الأوسط قسم منها موشح بالمينا السوداء وتعود الى القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميلاد. وتعتبر الحلي من اول منتجات الانسان الفنية التي كان لها دور بارز في العصور القديمة في توضيح الاهمية الجمالية والسحرية لمعتقدات والتعريف باذواق وعادات وتقاليد المجتمعات وتميزت بتنوع نماذجها الوظيفية والجمالية التي لا يزال قسما كبيرا منها مستعملا لحد الآن . وقد اشتهرت صناعة الفضة في العراق القديم وكانت الفضة تدعى (( كسبا )) وكلمة كسبا كلمة مندائية آرامية قديمة ارتبطت بالذهب (( دهبا )) فالذهب والفضة (( الدهبا والكسبا )) كانا عماد الأقتصاد العراقي منذ القدم اضافة الى استخدامهما في الحلي والمصوغات فذهبا بذلك مثلا لدى العراقيين الى يومنا هذا (( الذهب والفضة زينة وخزينة)). وقد برع المندائيون بفن صياغة الفضة والنقش عليها بشكل أثار دهشة المهتمين واصبحت مصنوعاتهم قطعا فنية فريدة يقتنيها هواة جمع التحف النادرة في كل انحاء العالم. لقد توارث المندائيون هذا النوع من الفنون منذ اقدم العصور، منذ اول تواجدهم على ارض الرافدين. لقد تمثلت الحلي التي صنعها العراقيون في وصف الشاعر البابلي القديم لبعض منها بقوله:

" أمي هي نور الأفق الشديد الإضاءة
انها وعلة الجبال
نجمة الصباح التي تتألق
انها ينع ثمين ، انها زبرجد ماراهاشي*
انها حلي العقيق التي تحمل البهجة
وخاتم الذهب وسوار الفضـــــــــة
انها تمثال كامل الجمال ، كامل البهاء
انها ملاك رخامي على قاعدة من اللاوزرد "

لقد صنف العراقيون القدامي الصياغة والمهن المرتبطة بها، فملحمة جلجامش تعطينا فكرة واضحة عن هذه الحرفة وأهميتها في العراق القديم منذ اكثر من ستة الاف عام. لقد كان في ذلك الزمن الموغل في القدم انواعا من الصاغة، فهناك صبابو المعادن وشاغلو الأحجار الكريمة وشاغلو المعادن وصاغة الفضة والذهب وصانعو المجوهرات . فبعد موت انكيدو يأمر جلجامش مختلف صناع المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بصنع تمثال لصاحبه كما يتضح في المقطع التالي من الملحمة:

ـ جلجامش يأمر بصنع تمثال لأنكيدو ـ
" عندما سطع فجر اليوم التالي
عمم جلجامش نداء ً في كامل البلاد
صبابو المعادن ـ شاغلو الاحجار الكريمة ـ شاغلو المعادن
الصاغة وصانعو المجوهرات**
اعملوا لصديقي انكيدو تمثالا
يتناسب وقياسه
على ان يكون صدره مرصعا باللازورد
ومن الذهب بقية جسمه"

ان صياغة الفضة تستدعي من الصائغ حذق خاص وحرفية عالية ومعرفة تامة بمزايا وطباع المعدن. فبعد سباكة وصهر الفضة تحول أولا الى صانع مختص يدعى (( الجمـّاع)) وهو المختص بالجمع والتصفيح. والتصفيح هو تحويل سبائك الفضة الى صفائح مسطحة تأخذ السمك المرغوب فيه بغية تقطيعها للحصول على الهيئة المطلوبة. وبهذه التقنية تصنع الدلال والفناجين والطوس والأواني وعدد الحلاقة والصواني وعلب السجاير والسيوف والخناجر وغيرها، ويتم ذلك بطرق صفيحة الفضة يدويا بشكل متناسق على سندان حديدي حتى الوصول الى الشكل المطلوب . وتسخين الفضة يعد امرا ضروريا لتلافي التشقق الذي قد يحصل للصفيحة ، وعلى الصائغ معرفة درجة الحرارة اللازمة للتسخين فلا يتجاوزها كيلا تنصهر الفضة. ان عملية التصفيح (الجمع) عملية مرهقة ومعقدة وتحتاج الى زمن طويل فيختص بها نفر من الصاغة. ويستعين الجمّاع في عمله لتجسيم المصوغة بانواعا متعددة ومختلفة من السنادين والمطارق والقوالب.

وبعد ان ينتهي الجمـّاع من بناء النموذج تأتي عملية (البرد) التي تسبق النقش والحفر، ويقوم النقاش برسم اللوحة ونقشها وحفرها على قطعة الفضة باستخدام (( أقلام)) حديدية مثلثة بعد اسنادها اما على احدى ركبتيه او على مسند خشبي خاص يسمى ((الغزال)) . وبعد الحفر والنقش توشح اللوحة بالمينا السوداء وهي عملية ملء الفراغات الناجمة عن الحفر والحز بمسحوق هو خليط من الفضة والنحاس والرصاص والكبريت بنسب مدروسة ، ومن ثم تعرض القطعة لحرارة معينة تذيب هذا الخليط الذي يصبح فيما بعد وحدة متكاملة ذات جمالية وابداع مميز. ثم تخضع القطعة الفضية الموشحة بالمينا الى عملية برد دقيقة بمبارد خاصة ثم بورق الصنفرة (كاغد سمبادة) الى ان تظهر معالم اللوحة كاملة ، ثم تصقل يدويا بمواد صقل خاصة الى ان تصبح لماعة تأخذ بالأبصار.

استخدم هذا النمط الجمالي الفنانون ومهرة الصناع في العصريين الساساني والبزينطي وامتد الأخذ بتلك التقاليد الصياغية عبر أوربا في العصور الوسطى ، وبالرغم من العزوف عنها في اوربا في عصور لاحقة الا انها ظهرت في مناطق اسيوية امتدت من اسيا الصغرى وتوغلت لتبلغ مناطق في جنوب شرقي آسيا. وبعد اجتياح المغول للعالم الإسلامي هاجر الصناع المهرة من المدن العراقية والايرانية الى بقاع مختلفة أخصها الأناضول والقوقاز وآسيا الوسطى، حيث استمر الأخذ بتلك التقاليد وتوارثها الفنانون جيلا عن آخر بحيث وجدت أشكال متشابهة تبلغ حد التطابق لهذه التقنية في القطع المنفذة في تركيا والقوقاز والعراق وايران. الا ان اشكال النقوش وانماطها تختلف باختلاف تلك المناطق، فالتحف العراقية المندائية المطعمة بالمينا السوداء مثلا تتميز برسم المناظر الطبيعية او اجزاء منها كالنخيل والسفن الشراعية والزوارق والجمال والصحراء أو مآثر من التراث كالجوامع والآثار القديمة كإيوان كسرى وأسد بابل والتي تعكس براعة الصائغ المندائي في ابتكار العلاقة المتبادلة بين اللونين الفضي والاسود بين المساحة المليئة والفارغة.

لقد وصل هذا الفن الجميل في العراق ذروته على ايدي الصاغة المندائيين في الفترة مابين الحربين الأولى والثانية فأبدعوا في تطعيم الفضة بالمينا السوداء واشتهر بينهم الصائغ زهرون ملا خضر ونفر من عائلته مثل الصائغ المشهور حسني زهرون الذي ابدع في رسم صور (( البورتريت )) للأشخاص. كما برع آخرون في هذا المجال منهم عباس عمارة والشيخ عنيسي الفياض(الصائغ الخاص للملك فيصل الأول) وخليل مال الله (أصبح صائغ البلاط في زمن الملك فيصل الثاني وما تلاه من عهود) وياسر صكر الحيدر وجاني سهر وأحمد مجيد وصبري وعزيز عودة وجبار خضر الخميسي وأسمر زهرون وكثيرون غيرهم. لقد كان المندائيون ومازالوا الصاغة الوحيدون القادرون على تنفيذ هدايا الدولة العراقية التي تقدم لملوك ورؤساء الدول الأخرى، كما قاموا ببراعتهم المعهودة بأكساء معظم قباب وأبواب وجدران المراقد المقدسة في العراق بالذهب والفضة.

لقد اهتمت معظم الدول بالصياغة قديما وحديثا، فعلى سبيل المثال اولت الدولة العثمانية اهتماما كبيرا بهذه الحرفــة النبيلة، حيث قام السطان سليمان القانوني بانشاء دارا كبيرة للصياغة تحوي مشاغل عديدة. وكان للصاغة في عهده عيد موسمي يفتتحه السطان سليمان بحضور علية القوم حيث يتقدم كبار الصاغة في حفل ضخم لتقبيل يد السطان وتقدم له الهدايا من المصوغات الذهبية. كما نجد ان في اكثر الدول الأوربية حاليا معاهد وكليات متخصصة ـ ومنها جامعة كيلدهول في لندن ـ لتعليم مهنة الصياغة بكافة انواعها وفق الأساليب العلمية وتمنح الخريجين شهادات عالية توازي الماجستير والدكتوراه.
ولكن ما يؤسف له ان هذا الفن الجميل في العراق، وهو منشأ هذا الفن منذ القدم، في طريقه للإندثار، ان لم يكن قد اندثر فعلا وذلك لعدم قيام المندائيين بتأسيس مدارس أو مشاغل يتعلم فيها بانائهم هذه المهنة العظيمة ، كما كما ان الدولة العراقيــة لم تولي اهتماما بهذا النوع من الفنون فتدخله في المناهج التدريسية لأكاديمية الفنون الجميلة مثلا باعتباره ركنا اساسيا من اركان التراث العراقي القديم والمعاصر.

* الينع : العقيق الاحمر. الزبرجد: الياقوت الاصفر (Marahashi : منطقة من بلاد عيلام الى الشرق من سوز)
** الصائغ في السومرية : كو ـ ديم ، وفي البابلية ـ الآرامية المندائية قناي كسبا: صائغ الفضة و قناي دهبا : صائغ الذهب ، وفي المندائية تستخدم كلمة خشلاي أو هشلاي من خشل أو هشل بمعنى مصاغ اي مخشلات ، والهاشل: هو الصائغ.

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 10:21

صابئة حران والمندائيون اليوم

لقد تحدث في هذا الموضوع اغلبية الباحثين والكتاب والمؤرخين، قديما وحديثا، العرب والاجانب، المندائيين وغير المندائيين .. وبقيت الاراء متضاربة مابين مؤيد ورافض لفكرة ان صابئة حران هم امتداد للصابئة الموجودين في بطائح العراق.

اعتقد ان هذا الموضوع يجب ان يولى اهمية كبيرة من قبل الباحثين وخاصة المندائيين منهم لانهم وبكل بساطة معنيين بالموضوع اكثر من غيرهم، فبالاضافة الى حقيقة البحث العلمي مهما تكن، والتي من المفروض ان يلتزم بها الباحث ايا كانت جنسيته او دينه او اتجاهه السياسي او الادبي .. الخ .. فهنالك امر اخر يجب على الباحثين المندائيين ان يعوه وهو مسالة اظهار الحقائق عن دينهم وتراثهم ووجودهم التاريخي، لانه الدفاع عن الهوية والوجود المندائي، واعتقد شخصيا ان هذا الجانب، اقصد صابئة حران والمندائيين، له من الاهمية في اظهار الكثير من الامور الخافية، واثبات لحق مفقود، وتواجد تاريخي على الساحة الانسانية يجب ان لانهملها البتة في التاريخ المندائي.

ونحن نرى بان كلمة حران والقصص المتداولة حولها في المندائية لم تاتي في الكتب المندائية او في التراث المندائي المتداول اعتباطيا, وانما له ربط جدا وثيق ما بين هذه المدينة بكل ما تمثله على مختلف الاصعدة والصابئة المندائيون. ولا يلاقي أي من المهتمين صعوبة في الانتباه لتلك العلاقة عند قراته لكتب التراث العربي والتي زخرت بالكثير من الروايات حول هذا الموضوع .. واني لا ادعي بان تلك العلاقة هي واضحة وضوح الشمس ولا غبار عليها, فعلى العكس تشوبها الكثير من علامات الاستفهام التي تنتظر الباحثين والمهتمين للاجابة عنها. ولكني ادعو لعكس منهج البحث من عدم وجود تلك العلاقة مابين الصابئة الحرانيون والصابئة المندائيون (صابئة الوقت الحاضر) الى وجودية تلك العلاقة ولنجعلها منطلقا لدراساتنا حول ذلك الموضوع, وسوف نرى بان هناك الكثير يستحق اعادة النظر في تلك المسالة الشائكة ربما. بالاضافة الى الانتباه وعدم نسيان للزمن والعصر الذي تعيشه الطائفتين اللتان نقارنهما.

فحران التي نقصدها بحديثنا في هذ ه المقالة ، من المدن الهامة، في التأريخ الانساني، والصابئة المندائيون لهم حصة في هذا التأريخ العريق لا بل من صناعه ومن مبدعيه الأوائل، لانهم من الأقوام التي سكنت هذه المدينة .. التي سمي بها كتابهم التاريخي (حران كويثا).

وفي الحقيقة توجد اكثر من مدينة سميت حران، فحران في تركيا وحران في سوريا وحوران في العراق.

وادي حوران في العراق:

وهذه ملفتة للنظر للغاية وتحتاج إلى دراسة وبحث، بالإضافة إلى تنقيب اكثر جدية في هذه المنطقة التي تقع ما بين محافظتي كركوك والرمادي ،في الهضبة الغربية بالذات، وكانت تعرف (بصرى) وهي عاصمة الأنباط، وتقع على طريق تجاري معبد ومهم في الحضارات السابقة (بين الشام ومصر وبلاد فارس) .. ففي عام 1995 نشرت مجلة (ألف باء) العراقية مقالا مطولا عن رحلة قامت بها مجموعة من الباحثين الجيولوجيين إلى هذه المنطقة لدراسة طبيعة الأرض، وصدفة وجدوا الكثير من النقوش والرسوم القديمة المحفورة على جدران الصخور الكبيرة هناك، ولا أريد هنا ان أتجنى كوني مندائيا ولكن الصور المنشورة وما حوته من رسوم أدهشت كل من رآها وتمعن بها، واعتقد بان للمندائيين شيئا من هذه المنطقة!!.. فكتبت إحدى الزائرات لهذه المنطقة وهي الدكتورة سحر شاكر مقالة في المجلة المذكورة وتدعوا المنقبين والباحثين المختصين للذهاب واستطلاع الامر، باعتبار ان هذا الموضوع هو ليس من اختصاصها الذي هو علم طبقات الأرض، وقد دبجت مقالتها بعناوين((اكبر متحف عراقي في الهواء الطلق، تتمنى متاحف العالم ان تحوز على قطعة واحدة منه .. الإنسان العراقي القديم يترك آثاره قبل 2500 إلى 7000 سنة قبل الميلاد)). وقد حاولت مع بعض الاخوة والأخوات المندائيين المهتمين ان نصل إلى تلك المنطقة بعد اخذ الموافقات الرسمية، وبمصاحبة الدكتورة المذكورة، ولكن اصطدمنا بعائقين أساسيين هما الدعم المادي المكلف، ورفض دائرة السياحة للطلب المقدم لان هناك ثكنة عسكرية للجيش العراقي قرب المنطقة.

معنى كلمة حران:

جاء في كتب المؤرخين العرب عدت معاني نلخصها كالآتي:

• · ابن جبير (إنها بلد اشتق تسميته من هوائه).

• · ياقوت الحموي (سميت بهاران ، أخي إبراهيم الخليل ، لانه أول من بناها فعربت ، فقيل حران).

• · الطبري (أن نوحا خطها ، عند انقضاء الطوفان ، وخط سورها بنفسه وفيها منازل الصابئة).

• · أبا الفرج ابن العبري (ان الذي بناها هو قينان على اسم هاران ابنه).

• · هناك رأي عند بعض العلماء بان معنى حران (الطريق).

• · والبعض الآخر يقول بان حران جاءت من ألاكدية (حرانو HARRAANU ) بمعنى محطة او عاصمة تجارية، وذلك بالنسبة الى موقعها المميز بين اشور وبابل وسوريا.

المندائية من العقائد الباطنية:

من المعروف عند جميع الباحثين ان المندائية في مراحل كثيرة من تاريخها صح تصنيفها من ضمن العقائد الباطنية أو السرية التي لا يفشي معتنقيها أسرار وأمور عبادتهم وفكرهم ، وليس موضوعنا ألان ان نبحث بالأسباب الحقيقية التي جعلت المندائيين يخفون أفكارهم وعقائدهم ويتجنبون البوح بها وان ينظروا إلى سريتها بالمنظار المقدس ..وسوف نقوم به في مناسبة أخرى .. من هذا المنطلق فمن الطبيعي جدا ان لملة كهذه مغلقة على نفسها لا تفشي من أسرار عبادتها شيء .. ان تنعت وتوصف من قبل المؤرخين ، لا بل وحتى في نظر الناس المجاورين لهم ، بنعوت وصفات لا تمت إلى حقيقة عقائدهم بشيء .. فتكثر بذلك الدعايات والتؤيلات والتفاسير العيانية الغريبة لمجمل الفعاليات والمراسيم التي يمارسها معتنقي هذا المذهب .. ولان الديانة المندائية ديانة غير تبشيرية او أغلقت لاسباب كثيرة ومن مدة طويلة .. ولان أصحاب هذا المذهب حافظوا على عدم الكشف عن أسراره منعا للإساءة أليه عند عدم فهمه أو للضغوط والاضطهاد الكبير الذي تعرضوا أليه على فترات مختلفة .. ولان التسامح والسلام صفة أصيلة في أهل هذا المذهب ومن أخلاقيات تعاليمهم الروحية.

فقد وجد البعض في هذه المرتكزات تربة صالحة لبذور افتراءاتهم الباطلة، ورواياتهم الرخيصة البعيدة عن الذوق والمنطق فاصدروا الإشاعات لترويج ما أبدعته نفوسهم المريضة من أباطيل، ودس رخيص واتهامات حاقدة، ومن هذه الأراجيف اتهام أهل التوحيد الأول والقديم بعبادة الكواكب والنجوم.

وحقيقة ان ابن النديم والشهرستاني مثلهم مثل بعض المؤرخين العرب القدماء لا يختلفون عن هؤلاء المؤرخين الذين دبجوا كتبهم بالكثير من الطوائف وتحدثوا عن معتقداتهم وأفكارهم .. وهم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن حقيقة تلك الطوائف .. وهذا لا يخفى عن القارئ المحنك عند قراءته لكتاب الفهرست لابن النديم والملل والنحل للشهرستاني وغيرهم. فجميع الروايات التي نقلها ابن النديم والمسعودي عن عبادة وحياة الصابئة في حران، اعتقد بان مصدرها من الرهبان السريان والمؤرخون المسيحيون في منطقة الرها، الذين اشتهروا بعدائهم وغيرتهم من علماء ومفكري الصابئة الحرانيون الذين اشتهروا في بلاط الدولة الإسلامية، وارتفعت مكانتهم، فكانت سبب في النهضة العلمية والمعرفية آنذاك. على كل أن هذه الروايات ليست سوى دعايات رخيصة هدفها النيل من المكانة المميزة التي حضي بها الصابئة آنذاك.1 ¨

ولقد أعلن الكثير من العلماء المعاصرين مثل سميث وسيغال وحتى الليدي دراور، شكوكهم في ما يخص صحة الروايات التي نقلها الكتبة والمؤرخون العرب عن ديانة الصابئة في حران. فهم يعتقدون بأنه ليس من الحكمة الثقة برواة معادين.

اسم الديانة في حران:

يقول الكاتب محمد عبد الحميد الحمد في كتابه (صابئة حران واخوان الصفا) والباحث س. كوندوز في كتابه (معرفة الحياة) ان الحرانيون ليسوا بالصابئة. ويستخدمون اسم (ديانة حران، الديانة الحرانية) شانهم بذلك شان أغلبية الباحثين والمؤرخين، واعتقد على كثرة ما بحثته من هذه التسمية، أن فيها تشويها كبيرا للحقيقة .. كيف ذلك ؟!! هذا ما سوف اعرضه الان:

لا اعتقد بان هذه هي التسمية الحقيقية لهذا الدين المجهول الاسم عند المؤرخين العرب القدماء، فمن غير المعقول أن يسمى دين على اسم مدينة !!

لقد ذكرنا بان مدينة حران، مدينة متعددة الشرائع والعبادات حالها حال مدينة بغداد مثلا، فمن الخطا ان نطلق تسمية ديانة بغداد او الديانة البغدادية!!.. ونحن بذلك نختزل جميع الديانات والاتجاهات الفكرية في تسمية واحدة ونبخس حق كل دين موجود في المدينة، وبذلك تضيع الاتجاهات الوثنية مع الديانات التوحيدية!!.

ومن جانب آخر ذكر مار يعقوب الرهاوي والمتوفى سنة (708) في كتابه الأيام الستة ((عندما اطلع على كتاب هرمس الحكيم وهو من كتب الحرانية المقدسة قال عنهم: وهؤلاء القوم عند الناس لهم اسماء مختلفة منها الكلدان والحرانيون والحنوفون)) .. نستنتج من كلامه شيئين مهمين، اولهما: ان هؤلاء القوم عند الناس والأقوام المجاورة يعرفون بعدة اسماء منها التسميات التي أوردها!!.. والسؤال هو ماذا كانوا هم يطلقون على أنفسهم؟! هل كانوا يطلقون على دينهم (دين حران) نسبة الى المدينة التي كانوا يقطنوها!! هل من المعقول والجائز ان يطلق اسم مدينة على دين!!.. وإذا أراد أحد المسيحيين في العراق ان يعبر عن جنسيته، ويقول انا عراقي، فهل هذا معناه ان ديانته عراقية او ديانته اسلامية باعتبار ان الدين الرسمي في العراق هو الإسلام!!.. نفس الشيء يحصل للفرد اليهودي او الصابئي الساكن مدينة حران، يقول انا يهودي حراني او يهودي من حران او انا صابئي حراني!!.. مثلما هناك تسميات أوردها بعض المؤرخين مثل صابئة البطائح وصابئة حران، فهذا لايعني بان هنالك فرقتين من الصابئة، وانما المراد بالتسمية التوضيح بان هذا الصابئي من حران وان ذاك من البطائح وهي منطقة في جنوب العراق!!.. وفي وقتنا الراهن سمعت تسمية مشابهة لهذه التسمية ويصح ان نوردها الان، فهناك ما يسمى بصابئة العراق وصابئة إيران، هل المقصود من هذه التسمية فرقتين او طائفتين من الصابئة؟!!.. فهذا اعتقد خلط كبير وواضح للتسمية التي أوردها المؤرخون قديما.

كما ان هنالك الكثير من الاسماء التي وردت في كتب المؤرخين التي تذيل بكلمة (الحراني) وهم ليسوا من الصابئة وانما بعض منهم مسيحيين او يهود او اسلام، وهذا يثبت ما ذهبت اليه.

ولقد ورد شيء جميل وملفت للنظر في كتاب (هدية العارفين) للباباني ص 5، وهو يتحدث عن ابو اسحاق الصابئي الحراني فورد الاتي:

(الحراني: ابو اسحاق ابراهيم بن سنان بن ثابت بن قرة ابن مروان بن ثابت الحراني ثم البغدادي الطبيب من الصابئة توفي سنة 335). اذن فكنيته تشير الى مكان وليست الى دين او معتقد او طريقة فكرية. فهو اشار بانه الحراني أي نسبة الى (حران) لانه جاء او اصله من تلك المدينة، ومن ثم اصبح البغدادي، لانه نشأ وترعرع وعاش فيها.

وان الأسماء التي أوردها مار يعقوب الرهاوي واضحة المعنى أيضا، وأنا أتساءل هل ممكن ان تعني تسميتهم بالكلدان، انهم من الأصل في وادي الرافدين ونزحوا الى تلك المدينة؟! أم ان لديهم ارتباط وثيق وصلة قرابة بالكلدان في وسط وجنوب العراق؟!!.. وماذا تعني يا ترى تسمية الحنوفون التي أطلقت عليهم من قبل الأقوام المجاورة، وهل ممكن ان تعني الحنفيون او الأحناف!!.. وللعلم ان هذه التسميات أيضا قد أطلقت على الصابئة المندائيون. فقد ذكر المسعودي في كتابه (التنبيه والاشراف) ص 86، بان دين الصابئة وهي الحنيفية الاولى.

المندائيون الفلسطينيون:

كان الصابئة يقطنون تلك المدينة المسماة بحران، وعندما هاجر الصابئة المندائيون الفلسطينيون في القرن الأول الميلادي بعد دمار أورشليم حوالي سنة 70 للميلاد على يد القائد الروماني تيطوس،صعدوا الى هذه المدينة، لان لهم اخوة في الدين. فبقي منهم في حران، والبقية الباقية اثرت النزول الى وادي الرافدين عن طريق النهرين، وخاصة عن طريق نهر الفرات حسب اعتقادي، ومروا ايضا ب(بصرى – حوران) عاصمة الانباط، للالتقاء والاستقرار اخيرا مع اخوتهم ايضا الصابئة الموجودين في البطائح .. وكانت هذه الهجرة تحت رعاية الملك اردوان (يعتقد بأنه الملك البارثي ارطبانوس)،هذا ما ذكره الكتاب المندائي التاريخي (حران كويثا).

ومن المهم ذكره هنا، بان هناك عين ماء تسمى (عين الذهبانية او عين العروس) ألان ، وموقعها جنوب تل ابيض مقابل إحدى أبواب مدينة حران التاريخية، والتي كانت تسمى من قبل أهل حران ب(المصبتا) أي بمعنى التعميد او الصباغة وهو الطقس المشهورة به ديانة الصابئة سواء أكانوا في حران او في بطائح العراق!!.. ويقال أيضا ان هذه العين تابعة لإبراهيم الخليل، هذا حسب ما أورده الكتبة والمؤرخون العرب ومنهم ابن جبير. ويروي أحد المشاهدين لهذا المكان بان عينه الجارية قد جفت في بداية التسعينات من هذا القرن. ويذكر أيضا بان هذه العين كانت للمياه الجارية الساخنة!!.. وكان الناس يقصدونها من اجل الشفاء من بعض الأمراض الجلدية خاصة. وهذا يذكرنا بالقصة المندائية المتوارثة حول تواجد أجداد المندائيين في منطقة جبلية، وكانوا يتعمدون في مياه ساخنة شتاءا!!.

ومن باب آخر إذا أسلمنا بقصة ايشع القطيعي النصراني، فلماذا بقت تسمية الصابئة إلى اليوم تطلق على هؤلاء الناس او ذلك الدين المجهول الهوية والاسم؟!!

وقد ورد في كتاب (شذرات من كتب مفقودة في التاريخ) الذي استخرجها وحققها الدكتور إحسان عباس، حديث عن كتاب (الربيع) المفقود لغرس النعمة بن هلال الصابئي، ولا اشد من انبهاري وانا أقرا ان معظم الروايات المنقولة على لسان غرس النعمة عن شخص قريب له يسمى أبو سعد الماندائي، إذ يقول غرس النعمة ((حدثني أبو سعد المندائي قال: ......الخ .. وحدثني المندائي ... الخ))، وهذه أول مرة تأتي هذه التسمية (المندائي) على لسان أحد الأشخاص المنتمين الى الصابئة الحرانية في النسب .. فقد كان والد جده أبو إسحاق الصابئي المترسل المعروف. وان المحقق للكتاب المفقود لم يعلق على هذه الكلمة (المندائي) واعتبرها اسم لعشيرة!!.. وللعلم ورد ذكر أحد العلماء المشهورين أيام العباسيين اسمه أبو الفتح المندائي، وهو صابئي من أهل حران!!. ومن الأهمية أن نذكر أيضا ورود اسم زهرون أو أل زهرون عند ذكر الكثير من أسماء الصابئة الحرانيون والمشهورون في البلاط العباسي. فاسم زهرون هو من الأسماء المقدسة الواردة كثيرا في النصوص الدينية المندائية، وهو اسم أحد الملائكة، وان نفس الاسم تكنى به عشيرة من كبريات العشائر المندائية ولحد ألان، وهي عائلة (أل زهرون).

الصابئة المندائيون في حران:

أن الصابئة المندائيون وحسب كل الدلائل والإشارات التاريخية كانوا يسكنون مدينة حران ومساهمون بتاريخها وحضارتها، ولكن هذا لايعني وجودهم في المنطقة لوحدهم .. وأما حران فهي مدينة كبيرة مختلفة الشرائع والعبادات والمذاهب .. حالها حال مدينة بغداد مثلا ، فيوجد فيها الصابئي والمسيحي واليهودي والمسلم واليزيدي وغيرهم . وكانت حران في مطلع القرن الثامن الميلادي، مجتمعا متعدد الاعراق والديانات. تعيش في ظل ثقافة عربية إسلامية، والظاهر ان أهل الرها الذين يدينون بالمسيحية كانوا على نقيض مع ثقافة حران فلذلك وردت حران في كتابات أهل الرها بأنهم عبدة أوثان ووصفوهم بمختلف الصفات السيئة وهذا يدل على وجود خلاف فكري وعقائدي معهم.

واعتقد أن المؤرخين العرب صار عندهم خلط واضح ما بين الصابئة المندائيين وتسميتها، وبعض الطقوس الوثنية وعبادة الكواكب التي تمارسها بعض المذاهب القديمة .. وهذا يظهر جليا عند وصفهم للصابئة في معرض حديثهم ، فهم في بعض الفقرات يأتون على وصف مذهب الصابئة بصفات تدل على وثنية خالصة ، وفقرات أخرى يأتون بصفات تدل على وحدانية خالصة !!. والحق يقال ان المشاهد العياني لاي من الطقوس المندائية او غيرها وان لم يشاهدها مسبقا، يظن للوهلة الاولى بانها تمت بصلة لطقوس عبادة وثنية واشراك بالله!! ولكن يصل الى هذه النتيجة فقط عندما يستند الى تفسيره الخاص بدون الرجوع الى اصحاب الشان في المراسيم او الطقوس المذكورة وتفسيرهم لها وما يبغونه منها. فمثلا تقبيل تمثال السيد المسيح او مريم العذراء من قبل بعض المؤمنين المسيحين، او تقبيل الحجر الاسود في الكعبة اثناء الحج عند المسلمين .. هل نستطيع ان نقول ان مثل هذه الممارسات تمت بصلة الى الوثنية؟ او هي من بقايا عبادة الاوثان والشرك بالله في الازمان الغابرة؟ وهنالك الكثير من على شاكلة تلك الامثلة نستطيع ان نوردها.

ومثلما أوضحنا سابقا أن المؤرخين العرب اعتمدوا على الرواية الشفهية والتناقل بين شخص وآخر على كتابتهم لتاريخهم وهذا يعطي الدليل المنطقي على خلطهم وتؤيلهم لأمر الصابئة.

مثال واقعي حاصل:

وبودي أن اسرد مثال واحد فقط يكفي لأبين صحة ما ذهبت أليه حول هذا الموضوع .. جميع المندائيين يعرفون الدعايات والتؤيلات المغرضة التي يبثها بعض الناس الجهلة والتي تدور في مخيلتهم على الرغم من كذبها وتلفيقها وعدم عدالتها ، ومثال هذه الدعايات (وهو أن الصابئة يخنقون الميت قبل وفاته .. أو بإسقاط الذبيحة (الخروف) من فوق سطح البيت وبعد ذلك يتم خنقه وأكله!!) وصدقها الكثير من أبناء المجتمع العراقي مع الأسف الشديد بدون تمحيص وتدقيق والبعض منهم من الف الكتب وألقى المحاضرات حولهم بالاعتماد على دعايات وتؤيلات لا أساس لها من الصحة .. ولقد دعيت ذات مرة لحضور محاضرة في إحدى الكنائس المسيحية في بغداد بعنوان (الصابئة المندائيون) لأحد المحاضرين المعروفين على مستوى الكنائس في العراق .. ولقد كان عدد الحضور حوالي 60 شخص من كلا الجنسين .. ولا اشد من اندهاشي وهو يتطرق لمواضيع حول المندائية لا تمت بصلة لها .. وهو حديث بالحقيقة اقرب إلى حديث بعض العامة الذي لايمت إلى حقيقة البحث العلمي وأصوله، فهو يقول من جملة ما يقوله، بان الصابئة المندائيون يعبدون كوكب الجدي!!.. وغيرها كثير اتحف بها محاضرته التي ليست سوى اعطاء رؤية خاطئة جدا ومنافية للحقيقة عن الصابئية المندائية، سواء عن قصد او عن غيره .. وعندما انتهت المحاضرة وبعد تحدثي معه وسألته عن المصادر التي اعتمدها في محاضرته هذه .. فكانت الفاجعة عندما قال لي بأنه اعتمد على مقالة لانستاس ماري الكرملي المنشورة في مجلة المسرة المسيحية الصادرة عام 1969م ، وكتاب الصابئة في حاضرهم وماضيهم لمن يقولون عنه بالمؤرخ عبد الرزاق الحسني، وقصته المعروفة مع سيادة المرحوم الكنزبرا دخيل الكنزبرا عيدان (ولي رجعة حول هذا الكتاب في مناسبة أخرى!) وعلى ما يعرفه من معلومات متفرقة حولهم من المحيط العام (أي الدعايات والتؤيلات التي تحدثنا عنها والتي سمعها من شرذمة المجتمع) .. فأنا حقيقة اعجب لمثل هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين والباحثين وهم ابعد بكثير من أن يكونوا بهذا الشكل .. فكيف على الباحث أن يخوض في مثل هذا الموضوع معتمدا على دعايات وتؤيلات تقال هنا وهناك ولا أساس لها من الصحة ؟!! والظاهر أن أغلبية المؤرخين والكتبة العرب من هذا الصنف .. أبعدنا الله عن هؤلاء الذين يشوهون أخبار الأولين بقصد أو بغيره معتمدين على شائعات ودعايات واهية، وأبعدنا الله أيضا عن الباحثين من أمثال صاحبنا الذي اعتمد في إلقاء محاضرة عن تاريخ وطقوس وأفكار وعبادة المندائيين الوجه الأخير من روحانيات العصر القديم ، على مقالة بسيطة نشرت في إحدى المجلات!!!

فلما حاججت أخينا بكيفية اعتماده على تلك المصادر فقط .. قال وعذره اشد من فعلته .. (لاوجود لمصادر حول المندائية في المكاتب) ، ولحسن حظي كنت جالبا معي ما يقارب السبعة كتب تدور حول المندائية ومن مختلف الجوانب والمتوفرة في المكتبات العامة والخاصة .. فعندما تفحصهن وتأكد من أن الغالبية العظمى من الكتب إصدار دور النشر العراقية ، فظل خجلا لا يعرف بماذا يجيب .. ومن أمثاله كثير!!.. ونحن لا ننكر بقلة الكتب الصحيحة والموثوقة التي تتناول الصابئة المندائيين في المكتبة العربية .. ولكن هذا لايعني أن نتجنى وان ننشر الأفكار غير الصحيحة حول مجموعة من الناس!! وهذا ما فعله بالضبط أخينا بالله.

فلا نستغرب إذا عزيزي القارئ الكريم ، من ابن النديم والشهرستاني وغيرهم من المؤرخين العرب الذين يقولون بان الصابئة يحرقون الإنسان ويسلخون جلده ويقطعونه اربا، وبعد ذلك يأكلونه. وهذه العملية هي جزء من طقوسهم وقرابينهم للقمر أو الكواكب الأخرى !!.. وغيرها من الأكاذيب كثير تجده عزيزي القارئ في كتاب الفهرست لابن النديم والملل والنحل للشهرستاني. واعتقد ان القارئ لهذا الكتاب يشعر بأنه يشاهد أحد الأفلام المرعبة عن آكلي لحوم البشر!!.

ومعروف عن المؤرخين العرب القدماء ، انهم يعتمدون في مادتهم العلمية والتاريخية على الرواية الشفهية من شخص لأخر دون تمحيص وتدقيق بالأمور التاريخية المنقولة .. وان الرجل ابن النديم يعترف بان مصدر معلوماته أشخاص آخرين .. لا نعرف نحن ألان مدى صحتهم ومدى حسن نواياهم ومدى معرفتهم بالصابئة آنذاك ، وهل كانوا أصدقاء أم أعداء حاسدين ؟! .. واعتقد أن ابن النديم لا يعرفهم شخصيا ولم يقابل واحد منهم البتة .. أكيد أن معلوماته عن الصابئة جاءت عن طريق السماع .. وأعوذ بالله من هكذا مؤرخين ينقلون أخبار التاريخ عن طريق السماع !! .. ومثلما يقول المثل الدارج ((بين العين والأذن أربعة أصابع)) ، وأنا بدوري أقول ((أن بين الحقيقة والخيال ، والصدق والكذب ، شعرة واحدة)).

صابئة حران والدولة الاسلامية:

وان كان الصابئة في حران وثنيين حسب زعم ابن النديم ،فكيف أذن استطاعوا أن يصوبوا مواضع الرياسة في مجال الثقافة والعلم والأدب في الدولة الإسلامية ؟! .. وكيف قبل سادة الدولة الإسلامية بذلك؟!..ونحن نعرف جيدا ما للدين الإسلامي من حزم على إنكار وهدر وإباحة الكفار الوثنيين !! ..وهذا الأمر يأخذنا إلى نتيجة مفادها أن لصابئة حران حجة قوية وأساس توحيدي قوي استطاعوا من خلاله بسط شخصيتهم واحترامهم آنذاك. ومن الجدير بالذكر انهم حصلوا على رخصة أمير المؤمنين في ممارسة شعائرهم وطقوسهم بشكل علني في أماكن عباداتهم !!.

اما بخصوص اهتمام صابئة حران بالفلك والتنجيم واخذ الطالع وشرح طبيعة الكواكب واسمائها وميزاتها ومتعلقاتها، فهذا يظهر جليا واضحا لمن له معرفة أو قراءة في كتاب مندائي اسمه (أسفر ملواشي)!!.. وللعلم أن جميع الأديان والملل والمذاهب القديمة والحديثة في جميع شعوب العالم، اهتمت بهذه الناحية من الحياة الإنسانية ولديها تراث كبير في هذا النوع من المعرفة، وربما لا بل أكيد انه اكثر من الأدب والتراث المندائي!!. فهذا لايعني ان جميع التراث المكتوب باللغة المندائية مثلا، بالضرورة أن يكون تراث مقدس ويعبر عن عبادة المندائيين!!.

الصابئة وحركة اخوان الصفا:

اضافة الى ان هؤلاء الصابئة الذين عملوا في البلاط العربي الاسلامي كان لهم اثر جدا كبير على الفكر العربي الاسلامي .. وكثير من الحركات الفكرية التي ازدهرت آنذاك .. كان الفكر الصابئي له التاثير الكبير عليها .. وخاصة يكفي هنا ان نضرب مثل واحد في هذا الموضوع وهو بما يسمى باخوان الصفا وهي حركة فكرية ازدهرت في العهد الاسلامي .. فانا اتفق مع الكاتب عبد الحميد من ان فكر هذه الحركة (اخوان الصفا)اغلبيته مستمد من الفكر الصابئي .. وخاصة وان الفكر الصابئي كان متداولا في العهد العباسي والاموي من خلال جهابذة العلم والادب الصابئة من امثال ثابت بن قرة وابو اسحاق الصابئي ... الخ.

وهذا يظهر جليا عند قراءت نا لبعض الرسائل التابعة لهذه الحركة والتي تسمى (رسائل اخوان الصفا) فوجدت فيها فصلا كاملا عن علاقة حسابية فلكية رقمية، نفسها موجود في كتاب مندائي يسمى (أسفر ملواشا - سفر الأبراج) اعتقد بانه ترجمة حرفية عربية لما موجود في هذا الكتاب المندائي !!!

إضافة للتشابه الغريب والعجيب للأفكار الغنوصية الموجودة في هذه الرسائل، مع أجزاء من ديوان مخطوط باللغة المندائية يدعى (ألف ترسر شيالة – ألف واثنى عشر سؤال). سوف اعقد مقارنة ما بين فكر طائفة اخوان الصفا والمندائيون في مناسبة اخرى.

شخصيات من صابئة حران في البلاط الاسلامي:

فابن النديم يذكر في فهرسته اكثر من عشرة أسماء لامعة من صابئة حران كانت لهم مواضع الرياسة في كثير من مجالات العلم والمعرفة وحتى الدولة وعلى مدار سنين طويلة. فقد جاء في كتب المؤرخين وفي كتب الأفذاذ من علماء الصابئة الحرانيين عن ثابت بن قرة الصابئي الحراني المعروف بعلمه الوفير والذي تميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات، فقد تخرج ثابت والذي كان قد برز من بين اقرانه، واصبح من أخوان العهد والثبات (ابني قايما)، وصار له الحق في كشف الأسرار، وقد دعي (صديقيا) كما ورد عند ابن النديم، وهي تعني الحكماء الإلهيين، او من كان حكيما كاملا في أجزاء علوم الحكمة. وأنا اعتقد ان هذه الكلمة محرفة أو من كلمة (ناصورائي زديقي ) المندائية، والتي تعني المتبحر بالعلوم الدينية والمعرفية والإلهية او من كلمة (زاديقي) أي الصديق. وبالإضافة إلى ذلك فان الباحثة الإنكليزية الليدي دراور المتخصصة بالدراسات المندائية تؤكد بان المفكرين الحرانيين كثابت ابن قرة ومدرسته كانوا من عباقرة الصابئة الناصورائيين المندائيين الذين يمارسون التعميد وكانوا أوفياء لدينهم الذين عليه ولدوا. ولقد كتب ثابت رسالة في مذهب الصابئين وديانتهم، كما أن ولده سنان بن ثابت قام أيضا بترجمة بعض الصلوات والأدعية الصابئية الى اللغة العربية، فلديه رسالة في شرح مذهب الصابئين ورسالة في النجوم ورسالة في اخبار ابائه واجداده وسلفه، ورسالة في قسمة ايام الجمعة على الكواكب السبعة الفها لابي اسحاق الصابئي ، واحتمال جدا ان تكون بعض ماورد في كتاب (اسفر ملواشي – سفر الابراج) المخطوط باللغة المندائية، من تاليفه او تاليف والده.

ولدي حدس كبير يقول بان بعض الاعلام المندائية التي حافظت على الدين والكتب، والذين ورد ذكرهم في الكتب المندائية، ولانعرف ماهي اسمائهم الحقيقية، لان اسمائهم الواردة في الكتب هي دينية .. اعتقد بان من فيهم ثابت وغيره.

وللعلم ان مؤرخ الفلسفة المعروف ابن حزم يشير في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) الى ان الحرانيين هم من الصابئة الذين يرد ذكرهم في القران. وقد صنف عبد القادر الجزائري في كتابه (ذكرى العاقل وتنبيه الغافل)، العرب قبل الاسلام، أصنافا: صنف اعترف بالخالق، وانكر البعث. وصنف عبدوا الاصنام. وصنف عبدوا الملائكة. وكان منهم من يميل الى اليهودية ومنهم من يميل الى النصرانية ومنهم من يميل الى الصابئة وكانت بقيت عندهم، بقايا من دين اسماعيل وابراهيم الخليل.

هل المندائيون اهتموا بالتاريخ ؟!!

من الأجدر أن نعترف بان الأمور التاريخية التي وصلتنا عن طريق الكتب والمخطوطات المندائية، هي ضئيلة ولا تشبع فضول الباحث. ولكن في نفس الوقت من المرفوض القول بان المندائيون لا يهتمون بكتابة تاريخهم أو التاريخ بصورة عامة. فان محاولاتهم من خلال ما وصلنا عن طريق الرواية الشفهية وديوان حران كويثا (وخاصة إذا خلصنا الأخير من بعض التزويقات والخيالات والتي تتشابه مع بعض الكتب التاريخية القديمة) وكذلك الازهارات (وهي عبارة عن ذيول تاريخية وردت في آخر الكتب والدواوين المندائية) ما هو إلا إثبات واضح وصريح من تمكن المندائيون من كتابة ونقل التاريخ الآمين .. ولكن اعتقد بان هنالك الكثير من الكتب المندائية، وربما التاريخية قد فقدت أو مخبأة لحد هذه اللحظة !!! أو ربما أتلفت عمدا أو عن غير قصد أو لم تكتشف لحد الان .. لأننا لحد هذه اللحظة لا نمتلك تقرير كامل وموثق لعدد الكتب والمخطوطات المندائية .. ولا ننسى من محاولة البعض التخلص من كل ما يتعلق بالمندائية وبشتى الوسائل. وذلك لأغراض ربما تكون سياسية في عصر معين أو دينية أو اجتماعية في عصر آخر.

فعلى قلة الكتب والمخطوطات المندائية الموجودة في حوزتنا الان، او المخبأة والتي لم ترى النور لحد هذه اللحظة، والتي تتحدث عن التاريخ المندائي، لا يمكن القول بان ليس هناك تاريخ مندائي او ان التاريخ المندائي ليس ذو أهمية في تاريخ المناطق التي سكنها المندائيون قديما !!!.. وبنفس الوقت لا يمكننا القول بان المندائية كانت لها تاريخ معقد وعميق كالحظارة اليونانية او غيرها.

الاتهام الاول يرجع اليوم:

ومثلما اتهمنا اليوم بعبادتنا من أناس سواء ليس لديهم فهم حقيقي وعلمي للديانة الصابئية المندائية او من أناس حاقدين رغم معرفتهم الحقيقة، اتهم ايضا أجدادنا الأوائل بعبادتهم ووصفوا بالوثنية او الشرك بالله من أناس على نفس الشاكلة السابقة .. فعلى الرغم من الاضطهاد الذي حصل لأجدادنا الصابئة المندائيين في مدينة حران، الذي أدى الى إسلام بعضهم وتنصر البعض الأخر خوفا، بقي الكثير منهم على دينهم أمينين، صامدين متحملين الظلم لاجله، واستطاعوا رغم هذا الظلم والاضطهاد ان يتبوؤا مراكز مهمة في الدولة الإسلامية وغيرها بفضل عزيمتهم وعلمهم واخلاقهم، فقد كان ابو اسحاق الصابئي من نساك دينه والمتشددين في ديانته وفي محاماته على مذهبه . وقد جهد فيه عز الدولة ان يسلم فلم يقع له ولما مات رثاه الشريف الرضي ، وقصته وقصائده مع ابي اسحاق معروفة للجميع.

وقال ثابت بن قرة الصابئي الحراني ((عندما اضطر الكثيرون، الى ان ينقادوا الى الضلال، خوفا من العذاب، احتمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى، ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة)).

ومن جملة الظلم والغزو الذي تعرض له الصابئة في التاريخ فهو كثير، فقد ذكر في كتاب (لسان الميزان) لابن حجر العسقلاني، بان الامير محمد بن مروان بن الحكم الاموي قد غزا الصابئة مرارا وسبى بها.

وأريد هنا أن انقل شيئا ملفتا من كتاب (الفهرست) ، لكي أبين مدى الخلط الذي ذهب أليه ابن النديم في كتابته ونقله للتاريخ ، فهو يتحدث عن طائفة اسمها (الكشطيين) وجاء بالنص ما يلي:(يقولون بالذبائح والشهوة والحرص والمفاخرة . ويقولون انه كان قبل كل شيء ، الحي العظيم ، فخلق من نفسه ابناً سماه نجم الضياء : ويسمونه ، الحي الثاني . ويقولون بالقربان والهدايا والأشياء الحسنة ).

فمن هم الكشطيين هؤلاء ؟ (للعلم أن هذه الكلمة مندائية الأصل وجاءت من كلمة كشطا أي الحق أو العدل أو العهد، وهذه الكلمة نفسها تطلق على المندائيين في الكتب الدينية !!) .. يلاحظ القارئ الكريم مدى الخلط الواضح في كلام ابن النديم في تعريف هذه الطائفة .. وهناك الكثير في كتاب الفهرست لابن النديم.

أن ابن النديم ليس سوى ناقل للدعايات والإشاعات بدون تمحيص أو تدقيق ، والعهدة على القائل والناقل كما يقولون !! .. أقول من أين اخذ محاضرنا الذي تحدثنا عنه ، أسلوبه بالبحث ، الظاهر والله اعلم أن الشغلة متوارثة من أجداده الأوائل !!

اما ايشع القطيعي النصراني وقصته حول الصابئة ورحلة المامون فهي قصة واهية ومغرضة دحضها اغلب الباحثين من أمثال الليدي دراور وناجية المراني وعزيز سباهي في كتابه الأخير، وحتى الشاعرة المندائية لميعة عباس عمارة في بحث لها.

وبودي أن انقل بيتين من الشعر في هذه المناسبة للشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي فهو يقول:

وما كتب التاريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لامر الحاضرين فرابنا فكيف بأمر الغابرين نصدق

وهذا فعلا ما حصل عندنا (الصابئة) فنحن موجودين على قيد الحياة وممكن التحقق من امرنا بكل سهولة، ولكن ننعت ونضرب في عبادتنا للخالق ويقولون أننا نخنق الميت!!

فهذا في الحقيقة مأخذ كبير على المؤرخين العرب ومصداقية التاريخ الذي كتبوه .. وأنا لا أقول بان كل التاريخ الذي كتبوه هو غير صحيح وغير موثوق فيه .. ولكن على الباحثين اليوم أن يدققوا ويتفحصوا كل ما ينقله المؤرخين العرب لنا، وهذا ما تنص عليه أصول البحث العلمي الدقيق. وقد أكدت الباحثة الإنكليزية الليدي دراور التي عاشت فترة طويلة في جنوب العراق تدرس التراث المندائي. قالت (في جملة ما أورده المؤلفون العرب من روايات يوجد بها قدر لاباس به من الحقيقة، وهو ان لدى الحرانيين ما يشتركون به مع الصابئة المندائية، الذين يسكنون أهوار جنوب العراق).

وحسب اطلاعي وبحثي في هذه المسالة بالذات، بان الصابئة قديما وحديثا هم المندائيون أنفسهم .. وان صابئة حران ما هم إلا امتداد لصابئة العراق وفلسطين المندائيين .. واحتمال ان يكون قد تشبه بعض الأقوام بالصابئة لفترة معينة قصيرة ولحالة خاصة، ولكن هذا لا يعني بوجود فرقتين من الصابئة المندائيين. وان فطاحل العلماء والمفكرين الصابئة الذين اشتهروا في البلاط الإسلامي ما هم إلا صابئة مندائيين.

واليوم كما في السابق،من منا قام بمدح دين آخر غير دينه أو على حساب دينه فكل المناقشات والجلسات وخاصة الدينية منها ليست سوى إظهار عيوب الأديان الأخرى وبث الدعايات والتؤيلات السيئة عليها .. وهذا الحال لم يظهر ألان أو هو وليد عصر ما يسمى بالديانات السماوية او الكونية مثلما اصطلح على تسميتها احد الكتاب .. بل هو موجود منذ فجر التاريخ وبالضبط عندما بدا الإنسان يعبد قوى الطبيعة .. فهذه الحالة لاتمت بصلة إلى الإيمان الحقيقي والى جوهر عبادة شيء اسمه الله .. وتذكرني هذه الحالة بمقولة لأحدهم بما معناه (أن الوطنية هي حب الوطن والإخلاص له ولايعني كره الأوطان الأخرى) وأنا أقول ألان (إن حب دين معين والأيمان به لايعني بالضرورة كره الأديان الأخرى).

اجدادنا في حران:

على كلا بودي أن أوضح للمندائيين بان ليس كل ما يكتب عليهم قديما وحديثا، هو حقيقة يجب التسليم لها. فلا يجوز أن نبتري اليوم من أجدادنا العظماء الذين جاهدوا في سبيل ان تبقى المندائية وان نخلق نحن اليوم مندائيين. فحق علينا اليوم ان نفتخر بهم وان نعتز بانتمائنا لهم، لا بل و أطالب ايضا بان نحيي رموزنا القدماء وان نحتفل بهم كل عام ومن هؤلاء كثير فعلى سبيل المثال: ثابت بن قرة وأبو إسحاق الصابئي الذين كانوا أعلام عصرهم ولهم الفضل في كثير من العلوم الان، وهم الصابئة المندائيون الاصلاء الذين حافظوا على إيمانهم رغم الظلم والاضطهاد الكبيرين الذي لحق بهما وبأجدادهم ، حيث ورد على لسان ثابت بن قرة ما يلي ( ((عندما اضطر الكثيرون، الى ان ينقادوا الى الضلال، خوفا من العذاب، احتمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى، ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة)).

.. وأطالب أيضا بأهمية وضرورة إعادة وتجميع كتابة تاريخنا المبعثر في ضوء معطياتنا الجديدة، ويجب أن لا ننسى بان تاريخ حران والصابئة هناك ما هو إلا جزء من التاريخ المندائي العريق. كما وأشجع جميع المثقفين والباحثين الصابئة المندائيين للبحث في هذا الموضوع بالذات، لاثبات حقنا في تاريخنا المفقود، ولاثبات حق أجدادنا في نسبنا لهم!!.

ومما تقدم ،ارفض وبحجج اعتقد بانها ليست ضعيفة .. مقولة الكاتب عبد الحميد الحمد بان (لاصلة بين مذهبي الصابئة المندائية والصابئة الحرانية. فالمندائية حصاد بيئة فقيرة في معطياتها الحضارية. لذا لم يكن لهم أي تأثير على الشعوب المجاورة!!). وبودي أن أعيد ما قاله نبينا الحبيب يهيا يهانا (مبارك اسمه) حين سأله بعض المندائيين عن مصيرهم في حقبة معينة، قال لهم (سيأتي اليوم الذي إذا نظروا للرجل الذي يلبس عمامة بيضاء وهميانة ، تعتريهم الدهشة ويأتون ويسألونكم " تعالوا من نبيكم؟ حدثونا عنه؟ وما هو كتابكم؟ ولمن تسجدون وتعبدون؟" وانتم لا تعلمون ولا تعرفون!! .. ملعون ومخزي من لا يعرف ولا يعلم أن ربنا هو ملك النور العظيم، ملك السماوات والأرض الواحد الأحد) دراشا اد يهيا -بوثة رقم 17. وأنا أسأل المندائيين (الصابئة) كم واحد مر في هذا الموقف؟!!!!.

بعض التشابهات المهمة

بين الصابئة في حران والصابئة في البطائح*:

• الصابئة في حران يجيدون اللغة الآرامية، وكانت لهجتهم افصح اللهجات الآرامية .. وهذا ينطبق على اللغة التي يتحدث بها المندائيون الان والتي كتبت بها كتبهم المقدسة وغيرها من ادبياتهم واشعارهم .. وهي (اقصد اللغة المندائية) احدى اللهجات الارامية.

• لديهم من الصلوات ثلاثة، وهي الواجبة يوميا (صبحا، ظهرا، عصرا)، ولا تتم إلا بعد أداء الاغتسال أو الوضوء .. وهذا يشابه ما لدى الصابئة المندائيون الان بما يعرف ب(الرشاما والبراخا) وهي الصلاة الفرضية الواجبة والرسمية في اوقاتها الانفة الذكر.

• يدفنون الميت باتجاه الشمال .. ويحرمون اللطم والبكاء والحزن على الميت، لان هذه الأفعال سوف تعيق الروح في معراجها. ويحرمون الانتحار .. ايضا يقوم المندائيون بدفن موتاهم باتجاه الشمال ويحرمون الحزن واللطم والبكاء وايذاء الجسد على الميت، تحريما قاطعا، لان هذه الافعال تؤدي الى عرقلة مسير النفس (نشمثا) الى عوالم النور من قبل الارواح الشريرة.

• يقدسون المياه الجارية الحية، ويعتقدون بأنها محروسة من قبل الأرواح الخيرة النورانية .. ان المندائية والمياه الجارية الحية والتي تعرف باليردنا، شيئا واحدا لايقبل الفصل .. فكرا وتطبيقا. وان المياه الجارية الحية (اليردنا) مهمة في عملية الخلق والتكوين ومهمة في ولادة الانسان في طقس التعميد (مصبتا) ، ولاننسى بان اليردنا الارضية محروسة من قبل اثنين من الكائنات النورانية الاثيرية وهما (شلمي وندبي).

• الأيمان بخلود الأرواح، وان أرواح الأفراد لها صلة بأرواح أسلافها وتعاني قبل أن تتطهر، إلى أن تتحد بالجسد النوراني في ملكوت الله .. اصلا ان عيشة الانسان المندائي المؤمن (المتهيمن) هي للحياة الاخرى في عوالم النور وليست للحياة الارضية، ويجب ان تعود النفس (نيشمثا) الى علة الوجود (الخالق) بدورة كاملة، لانها نفحة من ذاته العظمى .. ولكن يجب ان يتم لها التطهير الكامل من الشوائب التي علقت بها اثناء حياتها الارضية، لكي ترجع هذه الجوهرة (كيمرا) صافية نقية كما خلقها الحي (هيي)، فلذلك يجب ان تدخل في اماكن العقاب والتطهير المسماة (المطراثي). وبعد ان يتم ذلك، تتحد النفس (نيشمثا) مع جسدها النوراني (دموثا) أي الشبيه النوراني الذي لايتكون من اللحم والدم.

• يخضعون إلى رؤسائهم الدينيين بدلا من السلطة الزمنية في حل قضاياهم الدينية والدنيوية .. ايضا يخضع المندائيون الى رؤسائهم الدينيين لحل مشاكلهم او لاداء المراسيم الدينية.

• قبلتهم واحدة وقد صيروها نحو جهة الشمال، لاعتقادهم بأنها مركز علة الوجود .. ان الاتجاه الرسمي الذي يتجه به الانسان المندائي اثناء اداء طقوسه وواجباته الدينية، هي الى جهة الشمال المسماة (اواثر)، وما النجمة القطبية (نجمة الشمال) التي اتهم بعبادتها الصابئة المندائيون سواء في حران او في بطائح وادي الرافدين، ليست سوى دليل واشارة وطريقة علمية لمعرفة اتجاه الشمال، وبالتالي معرفة اتجاه مكان بوابة اواثر أي بوابة الرحمة لملكوت الحي (بيت هيي).

• لديهم الوضوء في الماء الطاهر المطهر، ويتطهرون من الجنابة وعند الاتصال الجنسي ومن لمس الميت، كما يعتزلون الطامث .. نفس ما تنص عليه العادات والتقاليد المندائية.

• يحرمون أكل إناث البقر والضان والحوامل من الحيوانات .. نفس تحريم المندائية لها.

• لايتم الزواج الا بولي وشهود، ولا يقرون مبدا تعدد الزوجات. ولا يسمحون بالطلاق او هو محرم إلا في حالات خاصة جدا.

• عقد القران (المهر) إذا كان لامراءة (ثيب) ينجس الكاهن الذي يقوم به.

• يحرمون لبس اللون الأزرق والاسود، ولباسهم المفضل الثياب القطنية البيضاء.

• يقدمون الطعام من اجل راحة نفس الميت ولمدة 45 يوما.

• يستعدون لتجنيز الميت قبل خروج الروح من الجسد، لان الروح لا تتطهر إذا لم تخرج من بدن طاهر، لذلك يجب غسل المحتضر، وإلا تعذر تطهيره ولمس الميت.

• يحمل نعش الميت اربعة رجال انحدروا من عائلة أصيلة النسب مؤمنة، منذ ثلاثة أجيال.

• يقدسون الطبيعة بكل اشكالها، وواضحة في مفاهيمهم وطقوسهم التي تدعوا الى الرجوع الى الطبيعة.

• لديهم أعياد تقام في مواعيد معينة، يذهبون بها للاغتسال في المياه الجارية، طلبا للطهارة وغفران الخطايا.

• يقدسون نبات الآس (الياس) المستعمل في طقوسهم وخاصة في أكاليلهم.

• صيامهم في أيام معدودة متفرقة على أيام السنة، ويمتنعون فيها عن أكل اللحوم.

• يسمون الله في لغتهم ب (مارا اد آلما) أي رب الكون.

• لاياكلون أي شيء غير مذبوح بطريقة إيجابية، أي، كل حيوان يموت بسبب مرض او حادث او لم يكن مذبوحا.

• يتجنبون ويحرمون الختان (الطهور) فهم لا يعملوا أي تغيير في عمل الطبيعة.

• المرأة مساوية للرجل في متابعة قوانين الدين وتستلم نصيبا مساويا للذكر في الميراث.

• يعتبرون ان بعض الأمراض التي تصيب الإنسان والتي تعتبر غير نظيفة ، هي نجاسة عظيمة مثل الجذام وهو الأكثر نجاسة، فعلى سبيل المثال ترك إبراهيم مجتمعه بسبب ظهور الجذام على قلفته (وهي نفس الرواية المندائية حول إبراهيم)، فكل من يعاني من هذا المرض يعتبر نجسا. وهذه الأفكار موجودة عند أديان أخرى مثل اليهودية.

• هذا بالإضافة إلى الكثير من التشابه الكبير في الأفكار والفلسفة واللاهوت الديني، وفي النظرة اللاهوتية للرب العظيم ووجوده وكينونته. ربما في مناسبة أخرى سوف اعقد مقارنة أوسع في مجال الفكر واللاهوت الديني.

* راجع كتاب (صابئة حران واخوان الصفا) عبد الحميد الحمد، وكتاب (معرفة الحياة) س. كوندوز ترجمة الدكتور سعدي السعدي، وأيضا كتاب (الملل والنحل) للشهرستاني وكتاب (الفهرست) لابن النديم.

¨ فقد قالت الليدي دراور في كتابها الصابئة المندائيون مايلي (وبالنسبة للمؤرخين العرب فقد كانوا منذ اقدم الازمان يعتمدون على الرواية، ولذا لايمكن قبول بيناتهم او تقاريرهم الا على هذه الصورة؛ كما يمكن ان يقال نفس الشيء حول مالدينا من معلومات عن الصابئين دونها الكاتب السرياني "برخوني" فقد كان يدون معلوماته كمجادل يريد الحط من فئة مارقة ؛ ولكن كتابه على كل حال يعطينا أدلة على نقض كل ما قرره عن الصابئين).

معجم الادباء .. ياقوت الحموي ص 892.

يتيمة الدهر .. الثعالبي ص 529.

صبح الاعشى .. القلقشندي ص 25.

يقصد الملابس الدينية البيضاء المندائية (الرستة).

اغلبية هذه التشابهات استخرجتها او وردت في كتاب (صابئة حران واخوان الصفا) للكاتب عبد الحميد الحمد ‍‍؟

نشرت في تاريخ

لموقع مدينة واسط المتميز وسط العراق شأن بارز ودور مهم في تأريخ العراق منذ تأسيسها على يد (الحجاج بن يوسف الثقفي ) عام ( 83هــ) واختيارها مركز للعراق خلال فترة العصر الاموي ، وتقول باحثة الأثار (جنان خضير منصور ) في مقالتها الموسومة ( تاريخ واسط ) المنشورة في مجلة فيزوبوتاميا ( بلاد النهرين ) العدد( 5 و 6) والمنشورة على صفحات الانترنيت تقول : عن بناء المدينة
(امـا عن تاريخ بناء المدينة فقد اختلفت المصادر في تحديده، إلا ان معظمها يجمع علي ان عملية البناء تمت بين الاعوام 83هـ ــ 86هـ/ 702 ــ 705م أي في أواخر حكم الخليفة عبد الملك بن مروان الذي استأذنه الحجاج في انشاء المدينة. واني ارجح بناء مدينة واسط سنة 83هـ/702م معززين الرأي بما وصلنا من مسكوكات فضية (دراهم)، مضروبة بهذه المدينة حيث تعتبر المسكوكات وثائق اساسية ومهمة جداً يعتمد عليها في تتبع مسيرة التأريخ وفك الاشكالات والتداخلات التي يقع فيها كتابه. ويحتفظ المتحف العراقي بدرهم فضي مضروب بواسط سنة 83هـ، كما ويحتفظ بدرهم اخر من ضرب سنة 84هـ. وهذا يقدم لنا دليلا علي ان بناء المدينة كان قبيل عام 83هـ واخذت تستكمل بعد ذلك مرافق المدينة حتي عام 86هـ. لقد وصفت واسط بناء وتخطيطاً بأنها كانت تقع علي الجانب الغربي لنهر دجلة يقابلها علي الجانب الشرقي مدينة قديمة تسمي كسكر. وقد ربط المدينتين جسر من السفن على كل جانب من جانبي النهر جامع، وكان يحيط بالمدينة سور وخندقان، إلا ان( بحشل)1 يذكر انه كان للمدينة سوران وخندق ) .
وكذلك تشير الباحثة جنان خضير منصور الى ان ياقوت الحموي يقول :) واسط اكتسبت اسمهما من موقعها الوسط بين البصرة والكوفة والأحواز ) .


وبعد سقوط الحكم الاموي وانتقال الخلافة للعباسيين وبناء بغداد على يد ( ابو جعفر المنصور) عام 145هـ ، وأختيارها عاصمة للدولة العباسية ، بقيت واسط من الأقاليم المهمة في العراق ، وخلال القرن الرابع الهجري حدثت تقسيمات أدارية مهمة في العراق أصبحت واسط ، أحدى الولايات المهمة والمرموقة حيث ضمت مدنا ًعديدة وقرى وقصبات كثيرة .


ويشير الأستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي في كتابه الموسوم ( واسط في العصر العباسي )2 وكان يسكنها خليط من العرب والفرس والاتراك والديلم والنبط * والزط **، وقد تعايشت فيها طوائف دينية الى جانب المسلمين ، اذ كان هناك نصارى ويهود وصابئة مندائيون .
ويوضح الأستاذ المعاضيدي : لقد كانت مناطق وجودهم ( الصابئة المندائيين) تمتد من واسط الى خوزستان في منطقة (الطيب ماثا ) بعد هجرتهم ونزوحهم من مدينة حران وقبلها من فلسطين ، كما ورد ذلك في أحد كتب المندائيين كتاب (حران كويتا )3 المدون باللغة المندائية .
كما أن هناك العديد من المصادر تشير الى أنهم سكنوها قبل الفتح الاسلامي بزمن طويل ، وعندما جاء الفتح الاسلامي ذهب وفد من الصابئة لمقابلة القائد العربي المسلم وعرضوا عليه أمرهم فأقرهم على دينهم فأكسبهم ذلك قوة ومنعة بأعتبارهم أصحاب كتاب وظلوا بين المسلمين يؤدون الجزية . فقد كتب الأستاذ عزيز سباهي ***في كتابه الموسوم ( جذور الصابئة المندائيين ص193 مانصه ( ونحن تعرف ومن كتاب حران كويتا أن أنش بر دنقا ، وكان يشغل أعلى المراكز الدينية عند المندائيين ، قد ذهب وبصحبته مجموعة من وجهاء المندائيين إلى قائد الجيش الإسلامي وأوضح له طبيعة دينهم وعرض عليهم كتابهم الديني ( الكنزا )4 لكي يضمن لقومه التسامح الذي خص به القرآن أهل الكتاب ، وقد تم له ذلك ).
وفي صفحة 180 من كتاب الاستاذ عزيز سباهي يقول : (ورد في كتابهم ( حرّان كويتا ) أنهم كانوا جماعة كبيرة ، وأن في الأيام الأولى من وجودهم في بلاد ما بين النهرين وليس في ميسان وحدها ، كان هناك أربعمئة مشكينا ( أي مندي ، وهو المعبد المندائي ) .
وعن دور الصابئة في المساههمة في بناء الحضارة في بلاد الرافدين يشير الاستاذ ( عزيز سباهي ) في صفحة 9 من كتابه ( جذور الصابئة المندائيين ) ( لعب الصابئة ، رغم كونهم طائفة دينية صغيرة ، دورا ً ملحوظا ً في تطور الحياة الروحية والفكرية في بلاد مابين النهرين خلال ظهور المسيحية وانتشارها أو بعد ظهور الإسلام ، ولاسيما بعد ازدهار الحضارة العربية ــ الإسلامية أيام العباسيين ، ولمعت من بينهم شخصيات علمية أسهمت بقسط وافر في إعلاء شأن الحضارة العربية ـــ الإسلامية ) .
يشير الاستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي في كتابه ( واسط في العصر العباسي ) لقد سكن الصابئة المندائيون في الجانب الغربي من مدينة واسط وكان لهم درب خاص بهم سمي( درب الصاغة) لانهم كما يشير المؤرخ ( الخطيب البغدادي ) أشتهروا بمزاولة الصياغة كحرفة خاصة بهم .
ويشير الاستاذ عبد القادر المعاضيدي في بحثه لقد ساعد وجود الصابئة في واسط على ظهور علم الفلك فيها لمعرفتهم الواسعة في علم الفلك والرياضيات تلك المعرفة التي نقلوها معهم من مدينة حران المشهورة في علم الفلك. ويشير الى وجود ( البيت المندائي ) الذي يعد من أهم البيوتات التي ساهمت في بناء وتطوير الحياة الفكرية والثقافية في واسط ، فيقول ( أذ اشتهرت في واسط عائلة عريقة في القضاء والعلم والرواية وهي من اصل (مندائي ) ساهمت في تطور الحياة العلمية فيها .
ومن ابناء هذه العائلة المندائية كما ورد في كتاب الاستاذ عبد القادر المعاضيدي :
1 ـــ القاضي ابو العباس أحمد بن بختيار أبن المندائي توفي سنة 552 هـ 1157 م وهو قاض ٍ وكاتب .
2 ـــ أخوه أبو السعادات علي بن بختيار أبن المندائي وكان أديبا ً وشاعرا ً وكاتبا ً وقد تولى القضاء في واسط .
3ـــ أبو الفتح محمد بن بختيار أبن المندائي توفي سنة 605هـ ـــ 1208 م وقد تولى القضاء في واسط .
4 ــ أبو حامد محمد بن محمد أبن المندائي فقيه توفي سنة 602 تولى القضاء في واسط .
5 ــ أبو العباس أحمد بن محمد أبن المندائي وكان من رجال العلم والحديث توفي عام 642 هــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) بحشل : هو ( أسلم بن سهل الواسطي ) توفي في 292 ألف كتاب ( تاريخ واسط ) وقد كان من كبار الحفاظ العلماء من أهل واسط ، وقد حقق الكتاب كوركيس عواد .
( 2 ) كتاب ( واسط في العصر العباسي ) للأستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي ، أستاذ العلوم الأسلامية ، والكتاب دراسة تأريخية قيمة عن أحوال واسط الادارية والأجتماعية والثقافية والإقتصادية و كذلك عن الحياة السياسية وطوائفها الدينية خلال العصر العباسي لفترة من ( 324 هـ لغاية 656هـ ) أو (953 لغاية 1258 م) .
* النبط : هم من الأراميين سكان العراق القدماء وكان هؤلاء يسكنون البطائح ويشتغلون بالزراعة وقد أطلق المسلمون بعد فتح العراق على سكان السواد اسم النبط . المصدر السابق
** الزط : أصلهم من بلاد السند وهم مربوالجاموس وقد تحولوا أخيرا ً الى قطاع طرق حتى قضى عليهم الخليفة المعتصم وكان يقدر عددهم قرابة ( ألـ ) 27 ألف . المصدرالسابق
وكذلك تشير عديد من المصادر ان الزط هي احدى اسماء الغجر . فقد ورد في كتاب ( الغجر الظرفاء المنبوديين ) الطباع والدكتور منذر الحايك : يعدد الكتاب بعض التسميات العربية القديمة للغجر كالزط والسبابجة, وتجمع المصادرالعربية على أن الزط قوم من بلاد الهند وبالتحديد من حوض نهر السند, ويعتقد أن (زط) عرّبت عن أصلها (جت) وهي باللغة الهندية اسم هؤلاء القوم الذين كانوا يعرفون بـ(زنوج الهند) بسبب بشرتهم السمراء .
*** الأستاذ عزيز سباهي : مناضل وسياسي ، وكاتب وباحث له العديد من الاصدارات والدراسات والبحوث ، وكتابه ( (اصول الصابئة المندائيين ) يعد من الدراسات القيمة التي أضيفت للمكتبة العربية فيما يخص الديانة المندائية لما احتواه من مصادر غزيرة متنوعة ، بالاضافة إلى تحليلاته وشروحاته الوافية .
( 3 ) كتاب ( ديوان حران كويتا )أو ( ديوان حران كويته ) وهو محاولة لعرض تأريخ الطائفة المندائية . وقد وضع الكتاب ودن في بداية العهد الإسلامي الأول . وقد ترجمته السيدة دراور ونشرته سوية مع كتاب ( تعميد هيبل زيوا ) في الفتكان عام 1953. المصدر:عزيز سباهي ( اصول الصابئة المندائيين) ص15
( 4 ) كتاب الـ ( كنزا ) هو كتاب ( كنزا ربا ) ، أو الكنز العظيم ،أو السيدرا ، هي جميعها أسماء لكتاب واحد الا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ، وكنزا يكتب بالمندائية بالجيم وليس بالكاف وأثرنا على كتابته على كتابته يهذا الشكل لان المندائيين ينطقون الجيم كاف . المصدر ( أسماء الأعلام المندائية في ( كنزا ربا ) ص2 وهو دراسة ماجستير في اللغات السامية ( اللغة المندائية ) ـــ جامعة بغداد 1997 للأستاذ عبد المجيد سعدون الصباحي

نشرت في تاريخ
الخميس, 04 نيسان/أبريل 2013 03:44

الوحدانية فـي الديانة المندائييــة

{ملعون وموصـوم بالعار كل من لا يعلم أن ربـنا هـو ملك النور العظيم،ملك السمواتّ والأرض، الواحـــد الأحــــــد }*1

{نناشدك يحيى بملك النـور العظيــم الذي سجدت لــه }*2

الديانة المندائيية ، هذا الدين القديم قـدم الدهر لـم يقـم إلا علـى التوحيد، توحيد الذات الإلهية فقط .

نحــن نعتبـر أن الدين المندائيـي وجــد مـع وجـود الإنسان الأول ،ونعتبر آدم أول الأنبياء ؛ فهـو والحالة هـذه اًنزل مـع مع نـزول نسمة الحياة في جـسـد آدم . لقـد صنـع البشـر بـداية الأمـر التماثيـل والأصنـام ، وبنى الهيـاكل لـتكون الوسيط بينه وبين خالقـه لكن وبعـد مرور زمنٍٍ على هـذا الصنع نسيت الغاية وصارت {الوسيلة هي الغاية} فلقد أضحت هذه التماثيل والنصب تتمتع بالقوة المطلقة والتي هي بالأساس قوة الخالق الأوحد الذي تدين له الرقاب وله وحده الثواب والعقاب ؛ لقد نسي هؤلاءِ في خضم الحياة حقيقة إن ما يقدسون وما يعظمون الآن ما هي إلا حجارة صنعوها بأيديهم ولا تملك ضرا"أو نفعا" لهم؛ هذا النسيان ولّّد عبادة الأوثان والأصنام ، قد يكون مرد هذا التحول والنكوص يعود إلى الطبيعة البشرية التي ما كانت تصدق إلا ما تراه العيون وما تلمسه الأيدي أو ما تميزه بقية الحواس ، لكن أن يأتي {رسول أو نبي } ويقول أن هناك من هو قادر على الإحياء ، وله القدرة { وحـده} على المنح والمنع ، وإننا لا نستطيع معرفة كينونته وماهيته إلا بالعقل والمنطق ، فكان هذا والحالة تلك محض هراء لم يقتنع به أحد،واحتاج الأنبياء والرسل إلى سنواتٍ طويلة وعذابات مريرة ليوضحوا لبني البشرهذه الكينونة ، إلا أن المندائيين أصحاب العقيدة الثابتة الواضحة لم يرتضوا إلا أن يكونوا عبدة الواحد الأحد ذي الجلال والإكرام ، خالق الخلق والذي بيده أقام الدنا السبع وله وحده أن ينهيها لحـظة يشاء .

كتاب { مواعظ وتعاليم يحيى بن زكريا } زاخر بنصوص تنهى عن القيام بمثل هذه البدع خاصة بعد تفشي عبادة الأصنام والأوثان وبناء هياكل تمجـد الأشياء لا خالقها .{أبنائي، احذروا، لا تسجدوا للشيطان والأصنام والتماثيل في هذا العالم، مذنب من يفعل ذلك ، ولا يصل إلى دار الكمال }*3

{ أيها المختارون ، إن القرابين التي تقدمونها للهياكل تفقر تفكيركم وإيمانكم وتفرقكم }*4 أنها دعـوة واضحة الأهداف لا غموض فيها ، ولا يمكن تجاهلها؛ فهي صادرة عن نبي فتح الحي الأزلي بصيرته وهداه إلى سواء السبيل .لقد خلق الله الشيطان ليكون الفيصل بين الخير والشر وليمتحن قـدرة البشر على التمييز ..{ركبتاي اللتان سجدتا للحي العظيم لن تسجدا للشيطان والأصنام، قدماي اللتان سلكتا طريق الحق والإيمان لن تسلكا دروب الزور والمعصية ..}*4 ونص آخر يؤكد هذا المعنى {أصدقائي ، أيها الساجدون للحي العظيم ،خطاياكم وذنوبكم ستغفر..}*5

فيض من النصوص والتي تدعـو كلها إلى هـدف واحـد وأمر واحـد ؛ فهي كلها تسـعى إلى أن ينتبه البشر أن لا حياة بـدون صانع هذه الحياة ألا وهو الواحـد الأحد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا" أحـد .

ربـنا لك نـدعـو، وباسمك نلهـج ، ولك نسبّح ؛ فامنحنا وضوح الرؤيا وسهل لنا أمورنا ، وهب لنـا من لدنك هدوء أنفسنا.

والحي مزكّـي الأعمال والنيات 

النصوص

______:

*1النص19

*2النص25

*3النص44

*4النص12

*5النص22 

الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 09:48

ألفن ألمندائي في أسترليا

تفتخر ألأمم بفنونها وتراثها وتعطيه من القدسية اعلى صورة ممكنة ، لأن ذلك دليل على رقي وتطور تلك الشعوب في مراحل مختلفة من وجودها حتى وان كان العمل بدائيا وبسيطا .

والمندائيون وبكل فخر واعتزاز يملكون من التراث أندره ومن الفنون أروعها ، فتراثهم الديني طقوسا وانتماءا يعد من أٌقدم من استمر على الحفاظ بأطارها ألأصيل ليومنا هذا وحتى خطهم الكتابي فأمتداده الى قرون قبل الميلاد، أما فنونهم فأي فن اعرق وأقدم من الصياغة ؟؟؟؟

أفلايكفي ذلك ليكون مدعاة فخرنا وأعتزازنا .

عذرا فلست باحثا كي اسطر دلائل التأريخ ، كما لا اود نسيان ابداعات أجدادنا في الحدادة والنجارة فكلا الحرفتين الآنفتين هما في جدول الفنون كما لا ننسى مبدعينا من التشكيليين او المسرحيين وحتى العلماء .

لقد جأت الى الوطن الجديد وأنا أحمل جزءا من تراث أجدادي ، أفتخر واعتز به كأولادي، ان بعض القطع رافقتني حتى قبل أن يأتي ابني البكر، انها متعة تغنيني عن كنوز الدنيا ، بذلت ومعي اخوان كثيرين ساعدوني في المجازفة التي وصلت حد الموت في سبيل اخراجها من وطني الأم ، فلا يسعني هنا الا أن أشكر كل من ساعدني في أول خطوة حتى وصولها الى ربوع وطني الجديد وسدني بالذات ، حين حط بي الرحال في استراليا لم اتوقع أن اجد في اقصى طرف في المعمورة قطع مندائية من شغل اجدادنا وبعضها يعتبر من النوادر وكنت أحلم بأن احصل على قطعة واحدة منها في العراق وكهاو وعاشق للتراث اشتريتها بدون تحفظ وأحتفلت بهذه القطع أيما احتفال ...... ادناه بعض تفاصيلها وصورها :

1- علبة سكائر صغيرة الحجم عمل الفنان الخالد زهرون ملا خضر ( موقعة باسمه ) مطلية بالذهب من الداخل

تفاصيل الصور : الوجه ألأول نخيل ونهر ، والوجه الآخر مركب في النهر وجمال ونخيل .

جماليتها الرائعة في رشاقتها يترواح وزنها بحدود 128غرام تأريخ صنعها في عشرينيات القرن الماضي اشتريتها سنة 1999من أحد محلات التحف في سدني ) ولم يكن قد مضى شهرا على وجودي في استراليا. )

2- علبة سكاير صالون ( كبيرة ) مغلفة بالخشب من الداخل جوانبها منقوشة بمناظر عراقية تقليدية والوجه عليه جسريشبه الجسر المعلق في بغداد واعتقد أنه جسر الكوت ، ليس عليها اسم الفنان ، وزنها 186غرام ، يدل ان صنعها في حدود سنة 1960 ، اشتريتها مع قطعة ثانيةمندائية من سوق للتحف في سدني .

3- مشربة الماء ( مصخنة ) : اشتريتها مع القطعة السابقة وتحوي بعض الرسوم التقليدية من نخيل وماء وخلافه وموقعة بأسم ( ناجي ياسر) وهو الصائغ السيد( ناجي ياسرصكر الحيدر) يبلغ وزنها 158غرام حدود صياغتها حوالي 1975 .

4- بروج( دبوس) على شكل سفينة شراعية جميلة الصنع فيها سلسلة يدوية الصنع صغيرة صياغتها في حدود 1960 .

5- فاتحة رسائل على شكل سيف أفريقي من جهته ألأولى صور ألأهرامات ونهر النيل وتمثال كتب تحته توت عنخ آمون بألأنكليزية والجهة الثانية مناظر عراقية للنهر والمراكب الشراعية والنخيل وعليه ختم به حرفان بألأنكليزية يتوسطهم قط وخلال ألأستفسار ومراجعة ما نشر عن الرعيل ألأول للفنانين المندائيين الذين سافروا الى الدول ألأجنبية والعربية وجدنا اسماء من ينطبق عليهم ذينك الحرفين وهم ( زيدان ، زهرون )? و ( غالب او غريب

نشرت في تاريخ
الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013 12:11

مسقيت سيدرا أو تصعيد الكَنزا

كنا في السابق عندما نسمع ان احداً قد توفاه الهيي قدمايي وقد صعدوا له الترميدي الكنزا (مبارك اسمها) فأن ذلك لهو بمثابة عرسٌ وفرحٌ كبيرين لانه ليس من السهل عمل هذا الطقس الا من خلال مجموعة اجراءاتٍ يقوم بها الترميدي والكَنزوري والسامرايي كلٌ بأختصاصه .

 

ان تصعيد الكَنزا هو بمثابة مسقثة للمتوفي فهي تتم بوجود درفش وكينثة وبناء رهمي كبير والقراءة في الكتاب الكبير المقدس في نصوص تكاد تكون هي نفسها التي تتلى في طقس المسقثة ولكن بوجود اختلافات حتماً.

 

هذا الاختلاف يجسده الاختلاف ايظا في طريقة الوفاة فأن المسقثة تعمل من اجل الذين يتوفون وفاتاً غير طبيعية وان تصعيد الكَنزا يجرى للذين يتوفون وفاة طبيعية طاهرة اي ان يطمش المحتضر بماءٍ من النهر الجاري وان يرتدي ملابسه الطاهرة الزكية كاملة دونما نقص وان يتوجه وجهه صوب اواثر المبارك وان يكرس له اكليل من الاس يوضع في راسه فيكون بذلك مهيئٌ لان يصعد له كَنزا بعدما تخرج النيشمثا والروهة من الجسد .

 

ان المسقثة هي بمثابة استذكار وتجسيد لمكونات الانسان وتطهير لكل جزءٍ من تلك الاجزاء الستون التي يتكون منها الانسان وذلك كي ترتقي الروهة والنيشمثة ليستطيعا الدخول في ذلك الجسد الرحي الا وهو الدموثة .

 

وان تصعيد الكَنزا هو عبارة عن دعم اضافي وقوة رادعة لارواح الشر التي تحاول ان تعبث بالروهة والنيشمثة عند خروجهما من الجسد وهي عبارة ايظاً عن رسالة لفتح جميع الابواب الموصدة بوجه المُتحدين روهة ونيشمثة ، وان هذا الطقس لهوَ نادر الحدوث عبر تاريخ الطائفة والذي يجب ان يجرى لكل مندائي متوفرة فيه الشروط التي ذكرت ، وان التصعيد هو ليس قوة للمتوفي فقط وانما هو ثواب وحسنة وقوة ايظا للذي يصعد الكَنزا وكذلك للذين يرفعون الجسد على رؤسهم .

 

وانا العبد الفقير الذي لااستحق ان اكون التراب الذي يسير عليه اخواني الترميدي والكَنزوري لي الشرف في انني قد صعدت كتابنا المقدس كَنزا ربا لاربع مرات من اجل مغفرة الخطايا ومن اجل الثواب ودفع العقاب لي ولجميع المندائيين امين.

 

هذا نص نادر عن طقس تصعيد الكَنزا ربا اقتبسته من كتاب نياني مأرشف في جامعة ((اوبسالا)) عمره مائتان سنة قد حصلت عليه من اخي وصديقي قاسم حربي حبيب وفقه مندا ادهيي لما فيه الخير لان هذا الطقس بقي ولسنيين طويلة منقولا شفاهاً .

 

سأنقله بأمانة مع وضع ملاحظاتي عليه بين قوسين والنصوص الدينية بين قوسين مزدوجين وهو:

 

مسبح الرب ..

 

هذا شرح قراءة السيدرا خلف المتوفي والتي تسمى تصعيد كَنزا .

 

قم ببناء رهمي تحت الدرفش ( قبل ذلك اطمش وضع كينثة على يسار الدرفش ) وعند الانتهاء خذ كشطا من الشكَندا ووقر تاجك (اي انزع تاجك عن رأسك ببوث ـ بينة من هيي والنهشثة وياهبشبا قابلي وفارقي ـ زهير ومزهر زهرون ـ كث قيمي اثري ـ اثير كليل نهور ـ كشطا اسيخ تاغي وقَبْل التاغة ستين مرة ومرة واحدة ) وبعدها جهز اربع من السامرايي ( اي اربع حلالية كاملين اما ان يكونوا مصبوغين مسبقاً او ان تبني رهمي صباغة بعد الرهمي الكبير وتصبغهم ) كي يحملوا المتوفي الى القبر (لابد ان يرتدوا السامرايي رستاتهم كاملة وان يقوم الابو بعمل المندلثة بأشراف احد الترميدي وبعدها يقوم السامرايي الاربعة ببناء الشريجة والتي تكون عادة قبل شد البندامة وبعدها يصطف السامرايي وراء المتوفي بأتجاه اواثر وان يكون الابو هو في الرأس وعلى يساره البقية وان يقرأوا جميعاً (( لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (الملواشة) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي )) وهم ممسكون بطرف البندامة واضعين عليه بعض الريها واثناء القراءة يقومون بشدها على فيهم وان يكون التخت على الجهة اليمنى من المتوفي وبعدها يقومون بشد التخت وبعدها يضعون الشريجة على التخت ويضعون بعدها المتوفي في الشريجة ويقومون بشد حبال الشريجة وبعدها حبال التخت وبعدها حيث يقف الابو على الجهة اليمنى قرب الرأس يتم حمل المتوفي على الرأووس على ان تكون ايمانهم فوق الشريجة والتخت وينطلقون بأتجاه اواثر وبعدها يعبرون فوق المندلثة وان تكون ارجلهم اليمنى قبل اليسرى الا الابو فيعبر برجله اليمنى فقط ويرجع لكي يختم المندلثة ثلاث ختمات بيده اليمنى وبعدها يعود ليأخذ مكانه في حمل المتوفي والترميدي يقومون بالاشراف والتوجيه لئلا يكون خطأ وعند الوصول الى المقبرة يقوم السامرايي وهم حاملين المتوفي بالدوران من يسار القبر الى يمنه ويضعوا المتوفي على الجهة اليمنى للقبر ) بعدها قوم بترصة تاغة بأربع بوث ( بوثة قدمايي نخرايي وعند الوصول الى الملواشة اقرأ ملواشتك وبعدها قول ((لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي بهيلي اد ياور زيوا وسيمات هيي)) وبوثة بشما ادهاهو كَفرا وبوثة هيي قريوي وبوثة نهور نهورا وبوثة مندا اقرن وعند الوصول الى الملواشة اذكر ملواشتك وبعدها اقرأ نفس المقطع اعلاه في قدمايي نخرايي واكمل البوثة) وبعدها اغرس الدرفش على يمين القبر (واقرأ البوثتين التاليتين : ((بشما اد هيي ربي اهدون ربي اهدون اداسخالي ياور بدربشي اد زيوا وفسِمخي اد نهورا اهدون اد اكبشني لهشوخا وباطيلني لقاله اد ماردا هين ابادنين استدرت هينيله اناتون اسديري سدرو )) وبوثة (( بشما اد هيي ربي بيوما اد اثري سادرو ليردنا اد ميا هيي مصبوتا بكَوي اصطيبيت ونصبوي لبيهرام دربشا ولشخينثا اد شيشلام ربا ايلوي ولبابا اد هيلبوني اد زيوا نيكَدوي اد اثري وشخيناثا بزيوي ناهري هادي من ريش بريش )) بعدها اكرخ البنداما ( بشميهون اد هيي ربي اسوثة تهويلي لديلي (ملواشتك) توم لوفا ورواهة ادهيي وشابق هطايي نهويلي لهازه نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) هيال اكبر رازا ربا اد زيوا ونهورا وايقارا اد اشري لفميهون اد مني ديلي هو مندا ادهيي اد هو ايدا افرش بأصريهون اد هيي قدمايي اد هينون فريشايي اد هينون ومشبين هيي)) بعدها يرمي الريه بالنار(هنا يأخذ القوقة ويقرأ بوثة هال هيي قدمايي بدون ريها اد بسم) وبعدها اقرأ ازهارا لنفسك ولملواشة المتوفي (اي البوث من مشبين هيي قدمايي الى اسيرا هتيما ربتي) بعدها يطلب الترميدا من الابو ان يحفر ثلاث حفرات واثناء الحفر يقرأ بوثة ((بشميهون اد هيي ربي لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي )) لكل حفرة ويرمي التراب على الجهة اليسرى من القبر (يضع رجله اليمنى على المسحاة ويبدأوّن بحفر القبر ويتساعد الجميع بالحفر) بعدها يبدأ الترميدا بالقراءة من بوثة ((اباثر اد ايتنغد رقيها )) وبوثة بعد بوثة الى ان تصل الى بوثة ((انكَرثا مهتمتا اد نافقا مني من الما )) وتكملها اطلب من السامرايي ان ينزلوا المتوفي في القبر (تجرى الطقوس الاعتيادية للتلحيد) بعدها اطلب من ريشا اد بادا اد سامرايي (اي الابو) ان ينزل ثلاث كفات من التراب على المتوفي (واحدة عند الرأس والثانية عند الوسط والثالثة عند الارجل) وفي كل واحدة اقرأ بوثة ((بشميهون اد هيي ربي لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي)) (قبل انزال التراب اطلب من حلالية غير السامرايي ان يعملوا لوفاني بملواشة المتوفي ) واردم القبر بترابه واستمر بالقراءة الى تصل الى نهاية كَنزا سمالة اي الى بوثة (( المن والمن والمن)) بعدها اطلب من الابو ان يرسم القبر (بثلاث رسومات ) بالسكندوله واختم (بثلاث اختام) واقرأ عند كل رسم وبعدها عند كل ختم بوثة رواهة اد هيي((بشميهون اد هيي ربي لوفا ورواهة اد هيي وشابق هطايي نهويلي لهازة نيشمثة لديلي (ملواشة المتوفي) ادهازه مسقثة وشابق هطايي نهويلي)) بعدها اطلب من السامرايي ان يصطفوا على يسارك بحيث يكون الابو بجانبك وبأتجاه اواثر والجميع على يسار الدرفش وانزعوا البنداما ببوثة (( ملِل وابثة ادهيي ربي بفميهون بزيوا ونهورا وايقارا اد نافشيهون ومشبين هيي)) بعدها وقر تاجك بالبوث التالية((اي انزع تاجك عن رأسك ببوث ـ بينة من هيي والنهشثة وياهبشبا قابلي وفارقي ـ زهير ومزهر زهرون ـ كث قيمي اثري ـ اثير كليل نهور ـ كشطا اسيخ تاغي وقَبْل التاغة ستين مرة ومرة واحدة )) (قبل ان توقر تاجك اكرخ الدرفش بالبوثتين التاليتين(( بشما اد هيي ربي بيوما اد كِرخي بيهرام ربا لدربشي تلتما وشتين ناطري اِلي اشرون كسِوي بسفطي هيلي هَتمي اد ربي اثنون اِلي بارخيلي ربي بفوميهون دخيا لكَفرا اد هاخا اشري وامريلي من زيوَخ ايثوزف ومن نهورخ ايثاقَن كُلي الما مَنهربي ابون بقاله شانيا وامر كُلمن اد اكشِط ومهيمن صيفرا ليردنا لانزكَي ولانترشِم بروشما اد يردنا من ريش بريش))و وبوثة ((بشما اد هيي ربي بيوما اد ايتكسي زيوا شيشلامئيل دربشا بسفطي اد زيوا كُلهون اثري من كرسواثون قام وابريختا اد شاني بزهرون شيشلامئيل دربشا بارخي ومن اصطوني اد زيوا نَسبيلي ولهيلبوني كَوايي كسيا كاسيلي ومبَرخيلي ومناطريلي وامريلي اكما اد زيوَخ بسفطي ناطر تتنَطر دموثخ كُلهون المي اد هزِلخ بيرختا بديلخ نيبرخون ونيشبون من ريش بريش)) .

 

ملاحظة:

 

اذا كان المتوفي ترميدا او كَنزورا فأنك تبدأ بالقراءة من بوثة(( بشمبيهون اد هيي ربي لوفا ورواهة اد هيي ... وبعدها بوثة يامانا نيها يامانا سيدرا ومسدرا يامانا نيها نيسقون مينخ اد ياوري الما لموزنيا تقل ابادي وآكَري .. وبعدها بوثة بشميهون اد هيي ربي مرورب نهورا شانيا مانا انا اد هيي ربي مانا انا اد هيي روربي مانا انا اد هيي ربي ابكَو تيبل من اشَريّن ابكَو تيبل )) اما انزال المتوفي في القبر فيكون في بوثة(( كث اتهشب هشوخا ادم من بغري نافق )).

 

اما بقية الطقوس فتبقى كما هي .

 

بعدها وعند اكمال الطقس يقوم الترميدا او الترميدي بعمل لوفاني على طريانا سأقوم بشرحها مفصلة في باب خاص بها.

 

اما السامرايي الاربعة فيطمشون في اليردنا وبعدها يعملون لوفاني اسمه سامرايي .

 

اللوفاني يستمر لمدة خمسة واربعين يوما .

 

يقوم الترميدا او الترميدي بقراءة كَنزا سماله (الذي قرأوه في المقبرة يستمرون بقراءته على ثلاثة ايام).

  مع غروب شمس اليوم الاخير من السنة المندائية تبدأُ مراسيم الإجتماع العائلي ، لنحتفلَ ونعيد ذكرى الخليق الارضية . قرابة ال(36ساعة) تتجتمعُ خلالها العائلة المندائية وتتباركُ بقراءة الأدعية والتسابيح المندائية في كتبنا المقدسة، ويقومُ المندائي بالقيام بتخزين المياه وكل الأطعمة والمشروبات في داخل منزله، ولا يختلط بالمحيط الخارجي و لا يمسْ اليردنا خلال الكراص. ويمثل الكراص (الكرصة) عيد رأس السنة المندائية.

وهناك فكرتين لتفسير الكراص:

•الاولى تعود الى تصليب الارض وتهيأتها لبداية الحياة الارضية بأمر الحي العظيم ، بعدما كانت مياه آسنة وجزءاً من عالم الظلام .وهنا يحاول الملاك ابثاهيل المُكلّفُ بهذه العملية ان يقوم بها، ولكنه يعجزعن تصليب الارض فيصعد للسماء ليطلب من أبيه أباثر العظيم المساعدة فيُمنَحُ السر من عوالم النور، وبالنداءات الثلاثة التي وهبها اياه الحي العظيم يعودُ ويطلقُ النداءات:

النداء الاول بصيحتين:

في الاولى :تتكثف المياه (وهنا هو اليوم الاول من الكرصة والذي يبدأُ مع غروب الشمس) والذي مازال الماء فيه آسنا ولا يسمح لنا بلمسه.

وفي الثانية: تصيرُ اليابسة ،وهنا يكون اليوم الاول من عمرالارض اي (1/1)، وهو اليوم الثاني من الكرصة، ولا يُسمح لنا أن نمسَّ الماءَ لأن المياه الجارية لم تتدفق بعد، حيث تتدفق المياه الجارية بالنداء الثاني للملاك أبثاهيل ،مباركٌ إسمه.

النداء الثاني: تترقرق المياه في الأرض (تيبل)، لذلك يكون 2/1 مندائي يوم الخروج من الكراص وملامسةالماء الجاري ،لأن قبل ذلك كان الماء آسنا ولا يجب لمسهُ.

وبالنداء الثالث :تُخلق الحياة والاطياب والأطيار.

وبعدها يقع ابثاهيل تحت وسوسة ابناء الظلام وينادي بنداءات اربعة اخرى بتأثير الظلام وينتج النقص ، وهذا هو تفسير ايام المبطلات التي تواكب هذه المناسبة حيث تتعاظم قدرة الظلام ومخلوقاته في هذه الايام ،حتى يشتدُ خطرُ الظلام في اليومين السادس والسابع ليكونان يومين مبطلين ثقيلين.

(راجع كنزاربّا- اليمين طبعة بغداد ص 290/ تسبيح الخلق).

 

• اما الفكرة الثانية وهي الارجح :

إنّ الكرصة تعودة لحادثة خلق آدم ،وهنا يلتفُّ عالمُ الظلام ومخلوقاتهِ على ابثاهيل ويقنعه بالاشتراك معه في خلق آدم ، فيوافق ابثاهيل ثم يعجزُ من إتمام المهمة ولا ينتصب آدم على قدميه كما الحيُّ شاء، فيصعدُ أبثاهيل للسماء ويُعطى النفس(النيشمثا) ملفوفة بالنور ومحروسة من قبل ملائكين حارسين ويعودُ بها للأرض، وحين تحين الساعة ان تدخل النيشمثا (النفس) في الجسد المطروح يأخذها الملاك العظيم مندادهيي بيده العظيمة ويرميها في الجسد ليتمّ خلق آدم وينتصب واقفاً على قدميه. 

((حين آقام بثاهيل آدمَ على قدميه ، كنتُ أنا (مندادهيي) من أنهضه.. ولحظة وضعَ يدهُ عليه، أنا الذي جعلتهُ يتنفسُ الحياة)) كنزا رّبّا 

والنفسُ هي النفحة التي جاءتْ من مخزنِ الأسرار في عوالم النور السامية لتمثل الفكر والعقل وتُحرّك فيه الروح . وممكن ان تكون هذه العملية قد بدأتْ مع غروب اليوم بعد ان سبقتها مراسيم وطقوس خاصة وإستعدادات في النهار، وهذا قد يكون هذا تفسيرا لطقوس الكنشي وزهلي التي تقامُ صبيحة اليوم الاول للكرصة إستعداد لبداية الكراص مساءاً (وهنا يبدأ اليوم الاول من الكرصة).

وفي صبيحة اليوم التالي يكتملُ خلق آدم ، وهنا يكون اليوم الاول من عمر الإنسان والبشرية وحساب الزمن ، أي(1/1) رأس السنة المندائية، ويعتبر هذا اليوم كرصة ايضاً ولايسمح لنا ان نمسَّ الماء حتى اليوم الثاني( 2/1 ) ،حيثُ يوكلُ الملاك مندادهيي، مباركٌ إسمهُ ملائكة المياه الجارية حراسا لآدم في ذلك اليوم فقط (اي 2/1 ) ليرجعَ لعالم النور فلذلك لايمكننا أن نمسُّ الماء قبل ذلك – وهذا تفسير عدم ملامسة الماء الجاري قبل اليوم الثاني من السنة.

(( وأمتلأت عظامهُ بالمخ. ونطقتْ فيه إشعاعيةُ الحيّ ..ففتحَ عينيهِ. عندها عرَجَ إدكاس زيوا الى موطنهِ ...

وأوكلتُ بهِ ملائكة المياه الجارية)) كنزا ربّا .

وبعد خلق ادم يرجع مندادهيي(م.أ)- اي في 2/1 - ليظلَّ الشر والظلام يحاصران النيشمثا المسكينة الوحيدة (وهذا هو تفسير المبطلات المُزامنة لهذه الايام) ,وتعاني النفس بعد نزولها من علياء عوالم النور للجسد الطين، وهذا ما ترويه لنا نصوص كنزا ربّا المباركة. وتزدادُ معاناة آدم ووحدتهُ في يومي السادس والسابع من السنة المندائية، فيشتدُّ بأس الظلام والأشرار على آدم حتى يأتيه العون مع هبوط الملاك المخلّص مندادهيي مرة اخرى في ليلة 6-7 /1 ليساعدَ آدم ويهبَهُ المندائية (المعرفة) حارصاً أن يهبَها له بنفسهِ كما أدخل النيشمثا بيده الكريمة الى جسدِ آدم ، وهنا يبدأُ تعليمُ آدم وهبوط الكنز الالهي العظيم (المعرفة) لتكون سلاحاً لآدم وبنيه، وأول كلمات النور كانت إفتتاحية الكنزا ربّا المبارك اذ يخاطب آدم بالمعرفة بادئاً بتعريف رأس المعرفة، الحي العظيم ، فيقول:

بسم الحيّ العظيم

(هو الحيُّ العظيم، البصيرُ القديرُ العليم، العزيزُ الحكيم، هو الأزلي القديم، الغريبُ عن اكوان النور) كنزا ربّا

وممكن ان أتجرأ هنا اكثر واقول إنّه يوم بداية نزول تعاليم كتابنا المبارك كنزا ربّا ، سلاحاً وخلاصاً ورحمة للعالم الجديد، وهذا هو تفسيرعيد شوشيان (ليلة القدر المندائية) ، وهي ليلة مباركة يقضيها المندائيون حتى الصباح بقراءة الأدعية والتسابيح المباركة ،لأنه يوم تلبية الدعاء وقبول الرجاء لكل قلبٍ وضمير وفكر طاهر. وتنتهي المبطلات بجلاء المعرفة كاملة لآدم فيندحرُ الظلام بأكتمال التعاليم وسيادة العقل، وهنا تكتمل المبطلات ، ليبدأ يومٌ جديد وعصرٌ جديد وحياةٌ جديدة .

راجع النص في كنزاربّا/اليمين- طبعة بغداد ص70.

لذا فإن الفكرتين او التفسيرين السابقين يتفقان على كون العيد الكبير( دهوا ربّا) هو ذكرى الخليقة الأرضية أو الحياة الدنيا .

الأحد, 27 كانون2/يناير 2013 23:10

المندائيون لا يعرفون التَّيَمُّمَ!

بعد نيسان (أبريل) 2003 نزلت فتاوى بالبصرة على رأس الصَّابئة المندائيين، أصدروها مَن هم حديثو العهدٍ باعتمار العِمامة، وأقصد أنهم لم يطلعوا بعد على أحكام دينهم، فنحن في زمن العِمامة صارت زياً بديلاً عن أزياء كثيرة تحكمت بالعراقيين وزالت، والأيام في تداول. لا أقصد العِمامة الملفوفة فوق الرأس، إنما الملفوفة حول أنياط الفؤاد، إنه التَّدين السِّياسي، الذي يدعي صاحبه أنه مكلف بواجب شرعي يمارسه في الحكم والمعارضة، وعندما يقول «واجب شرعي» يعني أنه مكلف مِن الله، وبالتالي هو ظل الله الماشي على الأرض والمتوج بتكليفه.
‎ تطور اضطهاد المندائيين، مِن فتاوى القتل والتَّهجير واستغلال ضعف هذه الطَّائفة الأصيلة في تاريخ العِراق وتاريخ جنوبه بالذات، إلى منعهم مِن الماء، وهو وسيلة عبادتهم، مع أنهم يشيرون بأيدهم إلى الله نفسه، الذي يعبده محافظ البصرة ومانعو الماء عن حوض منديهم (معبدهم)، والمندي مفردة منحوتةٌ مِن لغتهم الآرامية الدَّينية، وتعني العقل أو المعرفة. بمعنى آخر هو مكان العقل ومحل المعرفة، ومعرفة مَن؟! معرفة ال له، لذا عُرفوا بالمندائيين أي العارفين بالله، والله واحد لكن اختلفت طرق عبادته، وهو قد أراد وأوجب اختلاف الطرائق. فليعلم مانع الماء على المندائيين بالبصرة، وهم أهلها قبل أن يحل أجداده فيها، أنهم يعبدون الله الذي يعبده هو أيضاً، على شاطئ النَّهر.
‎ شاهدهم، أو سمع عنهم، النَّديم (ت 438 هـ)، فذكرهم في كتابه «الفهرست»، بمغتسلة البطائح. يعني قبل ألف عام ويزيد شوهدَ الصَّابئة المندائيون يتعمدون في ماء الأهوار، فمَن له الحق بعد كل تلك العشِرة مع المكان مِن منع عبادتهم. يبدو أن مجلس محافظة البصرة، والمتنفذون هناك، أخطأوا طريق الجنة، فهو لا يمر عبر اضطهاد هذه الطَّائفة، التي تُحرم القتل ولو دفاعاً عن النَّفس، ورايتهم، قبل أن يعرف العالم مجالس السِّلم ومصطلح السَّلام العالمي، هي الرَّاية البيضاء، وليس: «شيشلام ربه» لديهم سوى ملاك السَّلام.
‎ أطالب آل بحر العلوم، وهم مِن وجهاء النَّجف، ولهم وجاهة عند سلطات اليوم، وأخص بالذكر السَّيد محمد بحر العلوم، ألا ينسى الصَّداقة بين والده السيِّد علي (ت 1962) والشَّيخ الصَّابئي المندائي عنيسي الفياض، أليس والده هو القائل، وهذا ما سمعته مِن بحر العلو م نفسه:
‎بيني وبين أبي بشير صداقة/ تبقى مدى الأيام والأحقابِ
‎أني لأرجو الودَ يبقى بيننا/ ‎ كودادِ سيدنا الرَّضي والصَّابي
‎ مَن مِن رؤساء البصرة اليوم أشرف مِن الشَّريف محمد الحسين الرَّضي (ت 406 هـ)، وكانت صداقته مع الصَّابئي الكاتب والأديب أبي إسحاق إبراهيم بن هلال (ت384هـ) مشهورة. أليس هناك خشية مِن هذا التَّاريخ، تدعون أنكم كنتم مظلومين فكيف يتسنى لكم ظلم آخرين، ولو كان للمندائيين سيوف مشهورة ما حال بينهم وبين الماء أحد، لكنهم، مثلما وصفناهم سابقاً مثل طيور الماء لا تجد بينها كاسراً.
‎ إذا ضاق الماء على المسلم رفع التُّراب وتيمم، ومع ذلك قيل: «إذا حَضَر الماءْ بَطلَ التَّيمُّم»(التِّكريتي، الأمثال البغدادية المُقارنة)، ولا أظن أن البصري في تاريخه اضطر إلى التَّيمُّم، أو أذن لصلاة الاستسقاء، لكثرة الماء. أما المندائيون فلا يعرفون التَّيمُّمَ، ومنع الماء عنهم لا يعني سوى الاعتداء على دينهم وقتلهم.

نشرت في وجهة نظر
الصفحة 2 من 2

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014