• Default
  • Title
  • Date


قبل أشهر مِن بلوغه الخمسين من العمر، والذي يصادف في 23 حزيران 1020م، رغبتُ بزيارته، لتهنئته، وهو في مقر إقامته في البلاط العباسي ببغداد، والتعرف على أحواله الشخصية، وإنجازاته الادبية، وكذلك على أحوال الخلافة العباسية في تلك الفترة.

وحان الوقت المناسب، تحركتُ مع إحدى القوافل، حيث الطريق ليس قصيراً بين سومر الجنوبية مسقط رأسي، وبغداد مسقط رأسه.. وصلتُ بعد رحلة طويلة مُتعبة، فوجدتُ بغداد زاهية بنهر دجلة العظيم وبجانبيها (الكرخ والرصافة)، وهذا ما خفف من متاعب رحلتي.. توجهتُ نحو مقصدي.. طرقت باب دار شيخنا الجليل أديبنا البارع (أبي الحسين هلال بن المحسن الصابئ).. فتح باب الدار بنفسه، وأطلَّ عليَّ بوجهه النوراني وبعمامته الجميلة وبزيِّهِ الناصع البياض، وهو يُسمعُني أجمل كلمات الترحيب، حتى دخلنا صالة الضيافة، ذات الجدران المغلفة بمكتبة، تضم كنوز التآليف له ولغيرة من الأدباء والعلماء والفلاسفة والمترجمين.
وبعد إستراحة قصيرة، قدَّمَ لي بيده الكريمة، قهوة بغدادية فاخرة، ولنقل " عباسية " .. أعقبها بكاسةٍ من اللبن وطبقٍ من التمر، وضعهما أمامي، قائلاً : هذا يُحلِّي جلستنا، وهو مبتسم .. ولنواصل، قال لي،
فإستأذنته، أن يمنحني وقتاً لطرح أسئلتي.. فأجابني : أنت ضيفنا العزيز.. إسأل عن كل ما يخطر ببالكَ
قلتُ: شكراً لكم.. وهذا أدب وتواضع وكرم الأدباء والعلماء
وكان أول أسئلتي: عن أسرته؟ وبهدوء ورصانة، وبفصاحة لسان وتواضع.. أجاب
أنا، (أبو الحسين هلال بن المحسن بن ابراهيم بن زهرون بن حيّون الصابئ) .. المولود ببغداد، سنة 359 هـ/ 970 م ، أي أن عمري اليوم (خمسون عاماً)، فأكرر شكري لتهنئتكَ، أيها الضيف السومري العزيز، المعطَّر بعطر الحضارات، ومعلِّم الحرف الأول للبشرية
ثم أكملَ عن والده وجدِّه، قائلاً : أما والدي ، فهو الأديب البارع (أبو علي المحسن الصابئ) ، المعروف بصاحب الشامة.. وجدّي، هو الأديب صاحب الرسائل، ورئيس ديوان الإنشاء في الدولة العباسية المعروف (أبو إسحاق إبراهيم الصابئ).. وليَ ولد سيواصل مسيرتنا، بإذن الله، هو (أبو الحسن محمـد غرس النعمة)
وعن أصول أسرتهم (آل الصابي) .. قال
أصولنا من مدينة حرّان.. وحرّان مدينة عظيمة مشهورة، وهي على طريق الموصل والشام والروم، وقيل سُمِّيت على إسم أخي النبي إبراهيم (ع)، وهو هاران، فعُرِّبت، فقيل حَرَّان، وفيها تعددت الأقوام والديانات والمذاهب الأقدم، ومنهم الصابئة
وهنا، لا بد من سؤالٍ يأتي تلقائياً، وهو : لماذا ترك أجدادكم مدينة حرّان، وقَدِموا إلى بغداد..؟
كان ذلك بسبب النهضة العلمية والأدبية والعمرانية، التي إزدهرت في بغداد، في عصر الدولة العباسية، حتى سُمِّيَ عصرها بالعصر الذهبي .. ولكنها الآن ضعفت، ولم يبق للخليفة من علامات السيادة إلاّ الدعاء له في الخطبة ونقش إسمه على السكة، بالرغم من أنَّ الأدباء والشعراء والمترجمين والفلاسفة وعلماء الفلك والفيزياء والرياضيات يقاومون هذا التراجع.
وعن بيته يقول:
فتَّحتُ عينيَّ في بيت علم وأدب ومعرفة.. تتلمذتُ على يد والدي وعدد من أصدقائه من كبار الأساتذة.. ثم تَولّاني جدّي (ابو اسحاق)، فعملتُ معه في ديوان الانشاء، ثم تقلدتُ رياسته بعد وفاة جدي، فإطّلعتُ على أسرار الديوان وشؤون الخلافة وأحوال الوزراء.
وهنا سألته عن صفات من يرأس ديوان الانشاء في الدولة العباسية..؟
فقال: يجب أن يمتاز بالكتمان، الرصانة، التبصير، الوقار، فصاحة اللسان، والمعرفة بطباع رؤسائه.. فإن توفرت هذه السمات، فلا مانع لدى رؤسائه أن يشركوه في مجالسهم الخاصة
وبعد ضيافة ثانية، كانت هذه المرَّة، ما لذَّ وطاب من فاكهة بساتين بغداد العامرة.
سألته : هل تكتب الشعر، أيها الأديب اللامع؟ فقال أكتب ، ولكنني لست مولعاً به..!ا
إذن، أين إنصبَّ إهتمامكَ، أيها الصابي، سألتهُ..!ا
وبفخر أجابني:
بصراحة، همَّتي كانت منصرفة نحو التأريخ، فهو الفن الذي إستأثر بنشاطي.. حتى أنني أوصيتُ إبني "غرس النعمة" أن يواصل في إتمام ما صنعتهُ.
فسألته من جديد : وماذا يعني علم التأريخ بالنسبة لكَ ..؟
فأجابني بكل تواضع : علم التأريخ عندي، يشمل فروعاً متعددة، فهناك التأريخ العام وتأريخ الوزراء والتأريخ المتصل بالنظم والرسوم والتأريخ المتصل بمدينة بغداد والتأريخ القائم على النظرية السياسية والتأريخ الخاص الذي يدور حول أسرتي ومآثرها.. ولهذا يمكن القول، أنني مؤرخ قبل أي شيء آخر.. وقد تفوقتُ في هذا المجال.
وهنا، جاء سؤالي المكمِّل: إذن لا بد من عوامل ساعدتكَ على التفوق..؟ فأجاب
أمور ثلاثة، ساعدتني،
الأول، تجربتي الذاتية في ديوان الانشاء. والثاني، لقائي بكثير من ذوي المسؤولية. والثالث، إطلاعي على الوثائق المحفوظة والرسائل الرسمية.
وبعد إستراحة قصيرة، طلبتُ منه، أن يسمح لي بالإطلاع على ما كتبهُ شخصياً، فكان قد أفردَ قسماً خاصاً من مكتبته الكبرى، لتآليفهِ، التي شملت : كتاب "التأريخ" وهو من أربعين مجلداً.. وكتاب يبحث في الإجتماع والسياسة، بعنوان "تحفة الأمراء في تأريخ الوزراء".. وكتاب "رسوم دار الخلافة"، وفيه يطلعنا على القوانين السائدة في دار الخلافة، وهو شبيه بما يدعى اليوم نظام التشريفات (البروتوكول).. وكتاب " غرر البلاغة "، الذي يُلقي ضوءاً على مستوى أسلوبه في الكتابة.
وكتاب تأريخ بغداد ، وكتاب الأماثل والأعيان ، وكتاب الرسائل ، وكتاب السياسة ، وكتاب الكُتّاب ، وكتاب تأريخ أخبار النحاة ، وكتاب مآثر أهله.
ومن بين الكتب، التي أخذت مني وقتاً أكثر، للإطلاع عليها، كان كتاب (غرر البلاغة)، وفيه وجدتُ أنّ أديبنا ( أبي الحسين هلال بن المحسن الصابئي)، لم يترك مجالاً، إلاّ وكتب فيه .. فكتب في : التحميدات ، السلطانيات ، الفتوح ، العهود ، البيعات ، التهاني ، التعازي ، الشكر ، العتاب ، الإعتذار ، صدور الكتب ، الدُّعاء ، الهدايا ، الثناء ، الموَدَّة ، الشوق ، القناعة .. وغيرها.

وقبل أن أودعه عائدا إلى مدينتي، إخترت لكم نصوصاً من ثلاثة مجالات، وكانت في: "التحميدات" و "التعازي" و "المودَّة"، وهي من بين مئات النصوص المنوعة، التي صاغها بمهارة عالية.
فمثلاً، في مجال التحميدات، كتبَ
" الحمد للـه واصل الحبل وناظم الشمل، وجامع الكلمة ومنزِّل الرحمة، الآمر بالألفة ، المانع من الفرقة الذي أحسن التدبير وأحكم التقدير، ودعا الى التبارِّ والتواصل ، ونهى عن التعادي والتقاطع . أحمده على ما أجمل من الصنع وأجزل من النفع ، وأوضح من الطريق ، وقيَّض من التوفيق ، وأسبغ من النعمة ، ووهب من العصمة ، وصرف من الحيرة ، وأزال من الشبهة ، حمداً قاضياً للحق ، ومؤدِّياً للفرض ،
ومدرَّاً للمادة ، وموجباً للزيادة.."ا

وهذا نموذج عن " التعازي "ا
من حق المصيبة أن تتلقّى بالصبر، كما أنّ من حق النعمة أن تتلقّى بالشكر، وعوض الحال الاولى ، حصول الأجر، وعوض الحال الأخرى ، وجود المزيد . لا جرم أن الحظ في اتباع أدب
الله أوفر حظ ، والربح في متاجرته أكبر ربح.

أما في مجال " الموَدَّة ".. فكتبَ
" ليس الموَدَّات بالدعاوى الموضوعة، والأحاديث المصنوعة، والأقوال المزوَّقة، واللفاظ المسوّقة، مثلها بالشهادات العادلة، التي تؤديها العيون الرامقة، عن القلوب الوامقة، والدلائل القائمة، من النفوس العالمة، على الغيوب السالمة . فإن تلك الأولى أمور واهية العُرى، واهنة القوى، قلقة الأقدام، غير ثابتة المقام، تغرُّ خادعة، وتخون غادرة . وهذه الأخرى قويَّة المنن، وفيَّة الذمم، قائمة المعالم، ثابتة الدعائم، تبدو رائعة، وتلهو راتعة وتُقيم رابعة، وتقرُّ وادعة"ا

وختاماً.. كانت رحلة جميلة ومفيدة.. ودعتُ بعدها شيخنا الجليل وأديبنا البارع ( هلال بن المحسن الصابي).. كان ذلك في حزيران 1020م ، أي قبل ألف عام من الآن.. لأعود إلى مسقط رأسي.. مدينة الأدب والفنون والثقافة.. المدينة السومرية، سوق الشيوخ.. في حزيران 2020م، لأُتابع من جديد مآسي وطن، كان صاحب حضارات وعصور ذهبية
~~~~~~~~~~~~~~

نشرت في تاريخ
الأحد, 05 تموز/يوليو 2020 17:03

الكتابة المسمارية

نشأتها .... تطورها .... أنتشارها

لم يكن أبتكار السومريون لأقدم أسلوب للتدوين في تاريخ الحضارات القديمة حدثاً عارضاً في التاريخ الأنساني ، بل أعتبر و بحق واحداً من أَعظم الأنجازات الحضارية في تاريخ البشرية وضع حداً فاصلاً بين مرحلتين أساسيتين من مراحل التطور الحضاري . حيث أنتهت مرحلة عصور ما قبل التاريخ لتبدأ بعدها مرحلة العصور التاريخية . و قد حدث هذا الأنجاز الرائع في مدينة (الوركاء) ، وتحديداً الطبقة الرابعة منها في الدور المعروف بأسم (جمدة نصر) الذي يؤرخ بحدود 3200 ق.م ، ليكون مكملاً و متوجاً لثورة الأستيطان المدني التي حدثت في هذه المدينة عند منتصف الألف الرابع ق.م . حيث كان الدافع أليه الحاجة لتوثيق الواردات الأقتصادية للمعابد التي كانت المحُركة و المُسّيرة لدفة المجتمع آنذاك . و قد عرف هذا الأسلوب من التدوين أو الكتابة بأسم (الكتابة المسمارية) نظراً لأشكالها التي تشبه المسامير، علماً أنه لايصح أطلاق هذه التسمية على المراحل البدائية الأولى من هذه الكتابة ، بل في مراحلها اللاحقة فقط بعد أن أصبحت العلامات المكتوبة تأخذ الأشكال أعلاه نتيجة شكل و طريقة الكتابة بالأقلام المعمولة من القصب على ألواح الطين الذي أصبح المادة الأساسية للكتابة ، لتوفره وخفة وزنه و أيضاً لسهولة تشكيله بأشكال و أحجام مختلفة حسب الحاجة . كما أنه تمت الكتابة على الحجر و مواد أخرى أيضاً .

لقد مرت (الكتابة المسمارية) بثلاث مراحل تطورية قبل أن تصل الى مرحلة النضوج التي أمكن للكاتب من خلالها توضيح أفكاره المختلفة . و قد سميّ الطور الأول أو البدائي منها ب(الطور الصوري) و فيه كان يتم كتابة الأشياء برسم صورها فقط ، لذلك كانت الكتابة في هذا الطور محدودة الأستخدام و لم يتم بها تدوين لغة معينة ، و أنما كانت مجرد جداول نقشت فيها أشكالاً لحيوانات ومنتوجات زراعية و أدوات عمل كانت تمثل الواردات الأقتصادية للمعابد (كما أسلف) حيث عثر على تلك الكتابات . ومن المرجح أن الأختام المنبسطة التي أبتكرها أنسان وادي الرافدين في مطلع الألف الخامس ق.م و ما كانت تظهره من أشكال على الطين عند الطباعة هي التي أوحت لأبتكار هذا النوع من الكتابة .
و في فترة عصر فجر السلالات الأول 3000_2800 ق.م دخلت الكتابة طورها الثاني الذي سميّ (الطور الرمزي) ، و فيه لم يعد رسم الصور السابقة يقصد به معناها المجرد و أنما معان أخرى جانبية مشتقة منها .... مثلا ًترسم صورة الشمس للتعبير عن الضوء أو الحرارة أو النهار ، أو يكون رسم صورة القدم للتعبير عن المشي و الحركة ، و صورة النهر للدلالة على السقي و الأرواء . وغيرها من المعاني الكثيرة الأخرى . كل ذلك أدى الى أستخدام عدد هائل من العلامات وصل في هذه الفترة الى ما يقارب 3000 علامة ، و هو عدد لم يكن الألمام به بالأمر اليسير طبعاً . و من الجدير ذكره هنا و لعدم نضوج أسلوب الكتابة في الطورين السابقين فأنه يُفضل تسمية فترتهما 3200_2800 ق.م بالفترة الشبيهة بالكتابية أو الشبيهة بالتاريخية .
دخلت الكتابة طورها الثالث الذي سميّ (الطور الصوتي) في عصر فجر السلالات الثاني 2800_2600 ق.م ، و هنا أستخدمت العلامات ليس من أجل معناها الصوري أو الرمزي و أنما لتمثل مقاطع صوتية لتدوين اللغة المحكية ، فكانت تجمع العلامات التي تمثل تلك المقاطع لتشكيل كلمات منطوقة . ويقصد بالمقطع الصوتي هنا (صوت علة+صوت صحيح وبالعكس)... مثل (كي) أو (لو) أو (شا) وغيرها ، أو أن يكون المقطع الصوتي (صوتين صحيحين بينهما صوت علة و بالعكس)... مثل (ليل) أو (كًال) أو (لام) و غيرها ... وبتجميع تلك المقاطع يتم تكوين الكلمة المدونة .. مثل القول في السومرية ...(لو_كًال) و تعني (مَلك) ، (كا_لام) وتعني (أقليم أو بلد) ، (أين_سي) وتعني (أمير) ، (كا_شي_تين) وتعني (خمر) ، (سان_كًا) و تعني كاهن . و مثل القول في الأكدية ... (شا_ار) وتعني (مَلك) ، (أي_لو) وتعني (إله) ، (ما_ات) وتعني (بلد) ، (ما_ار) وتعني أبن . وغير ذلك من الكلمات . و قد صاحب هذا التغيير في مدلول العلامات تغير في شكلها أيضاً ، حيث أخذت تفقد شكلها الصوري القديم تدرجياً لتأخذ أشكالاً أخرى محورة عنها . و يرجع السبب في ذلك الى كون الطين و هو المادة الأساسية المستخدمة في الكتابة كان غير ملائم لرسم صور الأشياء لكنه ملائم جداً لنقش علامات بشكل خطوط مستقيمة ، وذلك بضغط طرف القلم ذو الرأس المثلث و المعمول من القصب أو الخشب قليلاً على وجه اللوح فتتكون نتيجة لذلك خطوطاً أفقية و عمودية و زوايا مائلة ، و كان الشكل المثلث لطرف القلم قد أعطى تلك الخطوط رؤوساً تشبه المسامير ، ومن هنا أخذت شكلها و ميزتها و تسميتها المعروفة . وقد أختزل عدد كبير من العلامات في هذا الطور ليبقى ما مستخدم منها حوالي 800 علامة ، ثم الى عدد أقل في الفترات اللاحقة . و بهذه الطريقة أصبح بمقدور الكاتب تدوين لغته المحكية و أفكاره و معتقداته و أنجازاته الحضارية . فكتب على ألواح الطين مختلف شؤون الحياة .. ادب ، فلك ، طب ، نصوص قانونية ، نصوص دينية ... وغيرها الكثير . وقد كشفت التنقيبات الأثرية على آلاف الألواح المسمارية في معظم مدن وادي الرافدين مما جعلها الحضارة الأكثر غزارة بنصوصها المكتوبة المكتشفة مقارنة ً بالحضارات القديمة الأخرى . و يعود الفضل في ذلك الى قابلية الطين (المادة الأساسية المستخدمة في الكتابة) على مقاومة عوامل الزمن خصوصاً أذا تعرض للفخر ، لتصل ألينا و تكون مرآة تعكس واقع حياة شعب الرافدين و شعوب منطقة الشرق القديم قبل أكثر من 5000 سنة .
أن مايجدر الأشارة و التنويه أليه هو أن البعض يعتقد خطأ ً أن الكتابة المسمارية هي لغة ، حيث ترد أحياناً للأسف عبارة (اللغة المسمارية) وهذا ليس صحيح على الأطلاق ، و أنما هي وسيلة لتدوين لغة محكية معينة . و على هذا الأساس فقد دوّن بهذا الأسلوب من الكتابة العديد من اللغات القديمة ... حيث أستخدمت لتدوين لغتين أساسيتين في وادي الرافدين هما السومرية و الأكدية خلال فترة الألف الثالث ق.م . أما في فترة الألف الثاني ق.م فقد غلب عليها التدوين باللغة الأكدية بلهجتيها البابلية و الآشورية ، بعد أضمحلال اللغة السومرية نتيجة أنحسار دور السومريين السياسي . كما أنتشرت الكتابة المسمارية الى مناطق واسعة من الشرق القديم و أصبحت بالرغم من صعوبتها وسيلة التدوين الرئيسية هناك . و قد ساعد هذا الأنتشار على أنتقال العديد من الأوجه الحضارية الرافدية الى تلك المناطق و خاصة المعتقدات الدينية و النتاجات الأدبية . ففي بلاد أيران أستخدمت الكتابة المسمارية لتدوين كلا ً من اللغتين العيلامية و الفارسية منذ منتصف الألف الثالث ق.م و حتى الألف الأول ق.م . كما أستخدمها (الحثيون) في أسيا الصغرى لتدوين لغتهم خلال الألف الثاني ق.م . وفي فترة مبكرة نسبياً أنتقلت الى بلاد الشام ، حيث أكـتشفت في مدينة (أبلا) القديمة آلاف الألواح المسمارية التي دونت بها لغة أهل المدينة خلال منتصف الألف الثالث ق.م . كما أستخدم الكتابة المسمارية كلا ً من (الحوريين) و(الميتانيين) اللذين أستوطنوا شمال سورية لتدوين لغتيهما خلال الألف الثاني ق.م . كما وصلت هذه الكتابة الى بلاد (الأورارتو) في أرمينيا لتدوين اللغة (ألأورارتية) في مطلع الألف الأول ق.م . وخلال النصف الثاني من الألف الثاني ق.م أصبحت الكتابة المسمارية الوسيلة الرئيسة لتدوين المراسلات و الوثائق الدبلوماسية المتبادلة بين ملوك و حكام وادي الرفدين و وادي النيل و بلاد الشام و أسيا الصغرى بعد أن اصبحت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية اللغة الدوبلوماسية الأولى في منطقة الشرق الأدنى القديم . وكما تبين ذلك رسائل (تل العمرنة) في وادي النيل
، حيث كشف هناك عن مئات الرسائل المدونة عى ألوح الطين بالخط المسماري و باللغة الأكدية البابلية ، و التي أوضحت طبيعة العلاقات السياسية بين تلك البلدان خلال تلك الفترة.
لقد دعت صعوبة الكتابة المسمارية المقطعية و شدة تعقيدها و كثرة علاماتها الى البحث عن طريقة أسهل للتدوين . فبدأ الميل نحو الكتابة الهجائية الحرفية التي كان قد أبتكرها الفينييقيون في منتصف الألف الثاني ق.م ، و طورها بعدهم الآراميون لتصبح الوسيلة البديلة خلال الألف الأول ق.م في منطقة الشرق القديم . وكان ذلك أيذاناً بنهاية الكتابة المسمارية التي أخذت بالأنحسار تدريجياً ، والتي أقتصرت على تدوين بعض النصوص الدينية داخل المعابد لقدسيتها . حتى أنقرضت تماماً في منتصف القرن الأول الميلادي، وهي الفترة التي وصل ألينا منها آخر لوح مسماري.

نشرت في تاريخ

لقد تناولنا في مقالة سابقة مدعّمة بالمصادر التأريخية كيف أن الصابئة المندائيين هم الخلف الفعلي للبابليين والسومريين من قبلهم (مصدر1). 

Missam-Kingdom2

Missam-Kingdom3لم تكُن الحضارة السومرية أول حضارة للبشرية فقط وإنما كانت حضارة عظيمة، ووصلت إلى حد كبير في العلم والأدب، ولهذا فعِند سقوطها وتمزيق مُدنها أستولت الأقوام الأخرى على إنجازاتهم التأريخية وأدبهم، حيث يقول عالم السومريات صموئيل نوح كريمر بعد إنهيار الحضارة السومرية: فقد أخذ الأكديون والآشوريون والبابليون هذه الأعمال الأدبية بكاملها تقريبا. وترجم الحثيون والحوريون والكنعانيون بعضا منها إلى لغاتهم الخاصة، وقلدوها بلا شك تقليدا واسعا. وتأثرت صيغة الأعمال الأدبية العبرانية ومحتواها، بل حتى أعمال قدماء الإغريق تأثرت إلى حد ما تأثرا عميقا بالأعمال الأدبية السومرية (مصدر2)، حتى أنَّ كتاب العهد القديم ليس إلا إقتباس مُباشر للأدب السومري وخليفته البابلي (مصدر3).
وكان لهذه الحضارات العظيمة والتي بقيت إنجازاتها محط إعجاب العالم لغاية الآن، كانت لها قوة إقتصادية وتجارية كبيرة, ساعدها موقعها على رأس سواحل الخليج العربي, حيثُ أنّ مياه الخليج العربي كانت تصل إلى جنوب مدينة بابل وحدود مدينة ميسان في حدود الألف الثالث ق.م (كما مُبين في الصورة أعلاه مصدر 5 ص), وبعدها تستمر السفن التجارية القادمة من الخليج بالإبحار في نهري دجلة والفرات حتى تصل إلى غرب وشمال العراق وتقترب من البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا وهي بهذا كانت تُمثل طريق السفر الأمثل للبضائع والتجارة (مصدر4).
ولكن وبسبب ترسبات مياه نهري دجلة والفرات، تراجع الخليج من سواحل بابل ومدينة ميسان الحالية تدريجياً حتى وضعها الحالي (مصدر5&5.5).
ميسان كانت تُسمّى (خاراكس) أو الكرخ وتعني بالآرامية المدينة المسوّرة، وكان سُكانُها من المندائيين رُغم وجود ديانات أخرى (مصدر6&7), وفي نفس المصدر كان قد وصفها وفد الزعيم الصيني بان جاو الذي زارها سنة 97 ميلادية، حيثُ قال عنها بأنها مُحاطة بالماء من كُل جانب وتكثُر فيها الأسود والجمال والنعام وكانت مركزاً تجارياً رئيسياً على الخليج العربي, وتوجد العديد من المصادر المندائية تُبين أنّ تجمعات الناصورائيين كانت موجودة في ميسان, كما في قصة ماني حيثُ أخذه أبوه إلى ميسان وعُمره أربعة سنوات ليتم تكريسه من قبل رجال الدين الصابئة المندائيين في ميسان (مصدر11).
ولكن لو طرحنا سؤالاً منطقياً وهو أين هي الآثار المندائية المُتبقية ولماذا لم توثق بنفس الكُثرة التي وثقوا بها الأقوام الأخرى التي سكنت العراق، وربما يكون الجواب هو أحد الأسباب التالية أو جميعها معاً
1. لقد بدأت اللغة الآرامية الشرقية (المندائية) قبل الميلاد ببضع مئات من السنين، بينما كانت السومرية ثم الأكدية هي الشائعة في ميسان ويُرجح بأنهم قد بقوا يتداولون بها حتى وقت متأخر، ولهذا فعلى الباحثين عن الآثار المندائية إعتبار مرجع البحث هو اللغة السومرية والأكدية وليست المندائية. كما ويجب البحث عن جوهر الفلسفة المندائية وليس رموزها الحديثة مثل الدرافشا (والذي كان شعاراً ليهيا يوهانا), وحتى كتاب الكنزا ربا حيثُ أنه رُبما لم يكُن قد تم تجميعه بكتاب واحد، وإنما بدواوين مُنفصلة أو بنصوص غير مُباشرة، وهذا لأن التدوين المندائي للمندائيين قد بدأ بعد بدء الخطر التبشيري ضدهم في بداية الميلاد، وذلك لأن عملية التدوين هي غير مُستحبة لرجال الدين كونها تسمح بكشف الأسرار والتعاليم المندائية السرّية، والتي كانت تُنقل شفوياً ضمن السُلالات الدينية المندائية.
2. أن مُعظم الديانات التبشيرية المُهيمنة لم تكُن تسمح (ولاتزال لا تسمح) بنشر أي مُكتشفات للديانة التوحيدية الأولى، والتي أخذوا منها الكثير وذلك لما له من تأثير سلبي مُباشر عليهم وعلى قصصهم الدينية.
3. أن مُعظم الأماكن الآثارية في ميسان غير مُكتشفة، حيثُ يوجد أكثر من 3600 موقع أثري لم يُكتشف بعد (مصدر8).

4. أن وجود الثروة النفطية الهائلة في هذه البُقعة يمنع إعطاء الأهمية للمواقع الأثرية، ولكي لا تؤثر على الحقول النفطية التي تحفُر وتُدمّر الأرض وآثارها (مصدر9).
5. نحن نتحدّث عن مهد الحضارات في بلد الحضارات، وحيثُ أنّ الحُقب التأريخية المُختلفة تكون فوق بعضها البعض ولعشرات الأمتار تحت الأرض، وهذا طبعاً يستدعي مهارات وإمكانات تنقيبيه هائلة لا تتوفر الآن ولم تكُن مُتوفرة سابقاً. هذا فيلم توضيحي قديم أُعدَّ من قبل المتحف البريطاني ومُتحف اللوفر وجامعة أوكسفورد, عن التنقيب في المُدن السومرية يُبين الطبقات الحضارية المُتعاقبة وكيف أنّها فوق بعضها البعض (مصدر10).

المصادر للجزء الأول
1
https://www.facebook.com/sinan.jader/posts/10217408180664398

2
https://qudaih24.com/…/…/السومريون-تاريخهم-حضارتهم-وخصائصهم/

https://kitabat.com/…/من-سومر-إلى-التوراة-الحضارة-السومرية…/

4 العلاقات العراقية المصرية في العصور القديمة, محمد صبحي عبد الله, ص17
5
الصلات الحضارية بين العراق والخليج العربي, قصي التركي, ص49
5.5
https://www.thinglink.com/scene/570213211761016832

6 موسوعة المدن والمواقع في العراق – الجزء الثاني. بشير يوسف فرنسيس، ص881
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=547475&r=0

http://www.alnoor.se/article.asp?id=319286

http://www.diwanalarab.com/spip.php?article31860

10   https://www.youtube.com/watch?v=wz8L0J3_OEo

11  http://www.syriacstudies.com/2017/11/30/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-3/?fbclid=IwAR2_reRfyygCWiYzp8zQog8nd65WwxH8iYvKWc5IJwaeiLrtI0HWPHzeTNY


مملكة ميسان المندائية (الجزء الثاني)

هذه المقالة مُكمّلة للمقالة التي سبقتها (مصدر1) والتي قُلنا فيها ” أنّ على الباحثين عن آثار الصابئة المندائيين المادّية والفلسفية اعتبار مرجع البحث هو في اللغة السومرية والأكدية وليست المندائية. كما ويجب البحث عن جوهر الفلسفة الدينية المندائية, لأن التدوين المندائي للمندائيين قد بدأ بعد بدء الخطر التبشيري ضدهم في بداية الميلاد, وليس قبل ذلك التأريخ خوفاً من كشف الأسرار والتعاليم المندائية السرّية”
حيثُ تعتمد الفلسفة الدينية المندائية على تشفير الأسرار الربانية للمعرفة الناصورائية “الكَلِماتُ الخَفيَّةُ مَخفيَّةٌ ومَصونةٌ في أسفارِها” كنزا ربا اليمين ص59, خوفاً من وقوعها عند الأشخاص الخطأ “لاتُلْقِ القولَ الكبيرَ في المياهِ العَكِرة, ولاتُعطِ التَّألُّقَ والمعرفةَ والتسبيحَ والقولَ الخفيَّ إلى النّاقصينَ والكَفَرة ” الكنزا ربا اليمين ص268
لقد عمد المؤرخون المنتمون إلى الديانات المُسيطرة على طمس الشواهد لأي نتاج ديني- فلسفي أو معرفي أو أدبي عن فكرة معرفة وتوحيد الخالق لدى الديانة الموحّدة الأولى التي سبقتهم إليها وهي المندائية, حيثُ أنّهم كانوا ولايزالون يُشيرون إلى المندائيين بالتسمية اليونانية: الغنوصية (مصدر2) وهذه التسمية لم تأتي من فراغ وإنما هي لأجل دمجهم مع جميع الفرق الأخرى التي تأثرت أو أنشقّت عن المندائيين بعد الميلاد, وآخرها كانت الديانة المانوية في القرن الثالث الميلادي (مصدر3) وبالتالي لكي يتم اعتبار المندائية وكأنها هي المانوية وقد أتت بعد الميلاد بقرون, بل وحتى يُمكّنهم ذلك من تصنيفها بأنها فرقة مُنشقّة عن المسيحية, وليست دين خاص ومنفصل وقبل المسيحية بكثير!!!
لقد قامت الديانات التبشيرية ، وعلى مر العصور بتدمير جميع النتاج المعرفي والأدبي للصابئة المندائيين في جميع الأماكن وخاصة بما تبقى من معقلهم في مملكة ميسان (مصدر4) بعد تدميرها على يد الساسانيين سنة 222 ميلادية, وكذلك للفلاسفة والمُفكرين القُدماء في بلاد وادي الرافدين مهد الحضارات القديمة (مصدر5), ومن ثم استغلّ اليهود هذا الموضوع وربطوا جميع الخيوط الدينية والمعرفية بهم فقط (مصدر6).
في أحيانٍ قليلة نَجَت بعض من تلك النصوص الجميلة والتي تُشير إلى أفكار الفلسفة المندائية, أو ما أنشق عنها وكوّنَ الفِرق الأخرى المُقلّدة لها مثل المانوية والزردشتية, وكان بعض من القساوسة المسيحيين في العصور القديمة يُخفونها خوفاً عليها من التدمير المُمنهج المُتّبع من قبل الكنيسة. وفي أحيان أخرى كانت بعض هذه الأعمال المُكتشفة حديثاً تقع في أيدي العلمانيين الذين يرون فيها كنوزاً ثقافية ولا يُبالون بسُخط الكنيسة, ولكنهم وفي جميع الأحوال لا ينسبوها للصابئة المندائيين وإنما (للغنوصيين) وطبعاً لا يقولون أبداً أنها كُتِبت قبل الميلاد وإنما يُصنفونها بعد الميلاد وحتى ولو بسنوات!!!
نحنُ كمندائيين يكون واجباً علينا البحث عن هذه الكنوز التي تركها لنا أجدادُنا, والذين ضحوا بحياتهم في سبيل الحفاض على هذه الفلسفة القيّمة والتي تحمل في ثناياها أسرار وتعاليم الحي الأزلي للناصورائيين الصالحين.


مملكة ميسان واللؤلؤة (الجزء الثالث)
ترنيمة اللؤلؤة: وُجدَ هذا النَصْ الديني الجميل والفريد بالسريانية واليونانية (مصدر 7&8 الترجمة العربية والإنكليزية), ولكن تبقى لُغته الحقيقية غير مُحددة وهي رُبما تكون الآرامية الشرقية (المندائية) وذلك لأن اللغة السريانية (الآرامية الغربية) ليست هي لغة النصْ الأصلي ولكنها مُشابهة نوعاً ما, وبسبب التشابه مع الفلسفة المندائية.
يتعجب المحللون التأريخيون في عصرنا الحالي من ذكر أسم ميسان بجانب بابل العظيمة, وحيث أن شواهد الحضارة في مملكة ميسان لم يتبق منها شيئاً بعد تدميرها من قبل الساسانيين عام 222 ميلادية, ولكن قبل ذلك التأريخ كانت معقل الناصورائيين والمندائيين (مصدر4) وبعد ذلك أكملت الحملات الدينية العسكرية للأقوام اللاحقة الخِناق على المندائيين وطاردتهم حتى هرب الناصورائيون منهم إلى الأهوار وتعايشوا هناك بسلام وسرّية وهدوء.
نحن هنا سوف نكتفي بسرد التشابه بين هذا النصْ والفلسفة المندائية الدينية, وذلك لأن جميع البحوث الخاصة بأصل هذا النصْ كانت قد أعدّت من قبل القساوسة المسيحيين نفسهم وبالتالي لانعوّل على حياديتها تجاه تبعية النصْ وتحليله.
يَذكُر النصْ مدينتي بابل وميسان بل ويُعطي الأهمّية لميسان بأنها المكان الذي ينطلقُ منهُ الأمير (المُخلّص) في رحلته الخطِرة في سبيل جلب الكنز وهو اللؤلؤة والتي بقيت في مصر. حيثُ ترمز ميسان إلى مكان التعبُد والتدين ومدينة بابل إلى الطقوس الوثنية التي تُقدِس الكواكب السبعة ومصر إلى بلاد عقيدة الموتى والتي تُريد الخلود الأبدي في الدُنيا الفانية.

• المقطع الأول (الترجمة العربية التقريبية في الصورة)
حيثُ يتحدّث المقطع الأول في ترنيمة اللؤلؤة عن تربية البطل الذي نشأ في مملكة أبيه في الشرق وقد كانَ سعيداً مبتهجاً, وحيثُ يُشبِّه القِيَم والتعاليم التي تربى عليها بالذهب والفضة والأحجار الكريمة.
وفي الكنزا ربا نجد العديد من المقاطع التي تتحدث عن تكليف الملائكة بالمهام الخطرة (وخاصة الملاك هيبل زيوا وبثاهيل) والذين كانوا تربوا سعداء في مملكة الأنوار.
” من ضياءِ أبي الزَّخرِ أتيتُ .. قالَ لي قُم يابٌنَيَّ لِتَبدأَ رحلَتَكَ الخَطِرَة” الكنزا ربا اليمين ص290

• المقطع الثاني
يتحدّث عن ترك البطل لرداءه المتلألئ وعباءته والذي يرمز إلى نفسه المثالية (الدموثا – مصدر9) والتي تبقى في العالم المثالي (مشوني كشطا), ثُمَّ يسجلون العهد على قلبه وهو وَسمَه الذي وُسِمَ به خوفاً من أن ينسى, وطبعاً يكون الوَسم للحي العظيم هو أهم شيء للمندائي. ثم يُكلفوه بأن يذهب إلى مصر (بلاد عقيدة الموتى) ولكي يجلب اللؤلؤة (النشمثة) التي يحرسها التنين والموجودة في وسط البحر, والتنين هو شهوات الجسد والعالم الفاني. والبحر هُنا يرمز للظلام وفي المندائية هو بحر كشاش الذي يجب على النفس عبوره لكي تصل إلى عالم الأنوار, ثُم يذهب البطل ومعه أخواه (مساعداه) لأن الإخوة في عالم مشوني كشطا هُم أخوة الكشطا (الحق والعهد) وليسوا أخوة الجسد, ولأنه كان صغيراً جداً.
وكذلك نجد نَصْ مُشابه في هبوط المُخلص, هيبل زيوا أو واهب الضياء (اليمين ص91) الأبن الذي أكرموه بأن عدّلوه وقوموه وأعطاه أبوه (مندااد هيي) رداءه الخاص, ثُم أرسلوه في مُهمته الخَطِرة إلى أكوان الظلام ومعه مُساعِداه, ثُم يَخرُج برحلته الخطرة من عالم النور إلى عالم الظلام.
” كنزَ الحياةِ الذي يؤخَذُ من هنا .. ويُلبسونَهُ كساءَ اللَّحمِ والدَّم .. لباس العالَمِ الفاني” اليمين ص66


• المقطع الثالث
يتحدّث عن الإنطلاق من ميسان (وهي مدينة المندائيين – مصدر4) مكان أجتماع تُجار المشرق, أي أنه أنطلق من المدينة التي تربى فيها دينياً عندما لَبِسَ الجسد الفاني, ثُم ذهب إلى بابل وبعد ذلك إلى مصر حيثُ سَكَنَ بجوار جحر التنين مُنتظراً لفرصة أن ينام التنين ولكي يأخذ اللؤلؤة. حتى تعرّف على شاب من جنسه (له نفس المُعتقد) لأنه جعل هذا الشاب يُساعده في مطلبه وهو الحصول على اللؤلؤة من التنين.
• المقطع الرابع
ثُمّ كان البطل قد حذّرَ صديقه من مُعاشرة القذرين خوفاً من أن يتعلّم منهم, ولكنه في الأخير لَبِسَ مثل ثيابهم, أي أنه حاول أن يتشبّه بهم خارجياً لكي لايُحاربوه ويوقظوا التنين ضدّه, وهذا رُبما كان انه قد غيّر مُعتقده ظاهرياً ولكنهم عرفوا ذلك وخدعوه وأغروه أن يأكُل طعامهم, أي أنهم جعلوه يفعل أفعالهم السيئة والفاحشة, حتى نسي أصله وذلك لأن التواصل مع ذاته المثالية في عالم مشوني كشطا قد أنقطع لأنه لم يعُد صالِحاً فسقَطَ في النوم العميق ونسي مُهمّته ولؤلؤته, وأصبح يعيش مثله مثل الناس هناك, ولكن أبوه قد عَلِمَ بحاله فجَمَعَ نبلاء مملكته ووضع خُطّة لإنقاذه من ضلاله ولكي لايبقى في بلاد الموت التي لا يصعدون منها لبلد النور.
” الآنَ سَيتَغلَّبُ عليَّ الخاطِئون .. سَيُعلِّمونَني ممّا يَعلَمون, ويُكلِّمونَني كما يَتَكلَّمون, فَيُنسُونَني مَن أكون .. وسَأهبِطُ إلى الأعماقِ التي إليها يَهبِطون .. يغوصون فلا يَصعَدون” اليسار ص45
” أقَّمتُ في ثوبِ الظّلام .. فجعلتُ نفسي جزءاً من الظلام .. وحزنتُ في ثوبِ الباطلِ والآثام ” اليسار ص113
” ستصعّدُ نشماثا الناصورائيّين, الَّذين لم يأكلوا أكلَ الفاسدين, ولاكانوا عابثين ولافاسقين ” اليمين ص272

• المقطع الخامس
ثُمّ كتبوا له رسالة ذكروه بها بأصله وبلؤلؤته وبعباءته (دموثا) ووضعوا أسمائهم جميعاً عليها وختمها أبوه الملك بيده اليُمنى لكي لا يستطيع الأشرار الإستيلاء عليها, وهم هُنا أولاد بابل الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة رمز الشر.

• المقطع السادس
وفي هذا المقطع تطير الرسالة على شكل النسر (وهو رسول الحي) وتأتي إلى البطل وتتحول إلى كلام يتطابق مع الكلام الذي كانَ قد طُبِعَ على قلبه عندما كان في بيت أبيه وهو وسمَه الذي وُسِمَ به, فيستيقظ من سُباته ويأخُذ اللؤلؤة من التنين بعد أن يستخدم كلماته التي أتت من بلاد أبيه وهي التسابيح.
” قال لي..فتعالَ معَ الرَّسولِ الّذي إليك جاء..لماذا تبقى داخلَ المعمورة .. لِمَ تَترُكُ ثوبَكَ الطّاهِر وتلبسُ ثيابَ العصيان .. أنشقَّ قلبي نصفَين, وملأَ دمعي العينَين .. هل يوجدُ من ينزعُ ثوبَهُ الطَّاهرَ, ويلبسُ ثيابَ الخاطئين؟” اليمين ص287
” أرسلَ إليَّ رسولَهُ الأمين, فانتزَعَني من الخاطئين ” اليسار ص34
” هَلُمِّي .. هَلُمِّي أيَّتُها اللؤلؤةُ التي من كنزِ الحيِّ أُخِذَتْ ” اليسار ص131
” أيَّ سلاحٍ تبتغين, أمضى من السِّلاحِ الَّذي تَحملين؟ (21) مَعكِ النّاصورائيّة, الكلماتُ الصَّادقةُ الحيَّة” اليسار ص46

• المقطع السابع والثامن
ثُمَّ يصِفُ كيفَ أنه يخلع الثياب الغير نظيفة التي كان يرتديها ثياب الخطيئة ويعود ليرتدي ثيابه الطاهرة اللامعة بعد أن تقوده رسالة أبيه وتُساعده في ُسفره في رحلة العودة ويَصِل إلى ميسان, ليرتدي الثوب اللامع (الرستة) أي أنه يعود ليُصبِحَ تقياً وصالحاً

• المقطع التاسع والعاشر
يَصِف كيف أنه مُتلهف للقاء عباءته التي فارقها ولكنه يجد نفسه فيها وأنها مُتطابقة معه ويجدُ كنوزه التي كان قد تركها عندما سافر وهو صغير أي أنه يتحد معَ الدموثا. ويفهَم بأن حياتهُ كان مُقَدراً لها أن تجري بهذا الشكل سَلَفاً
ثُمَّ يعودُ إلى ضياء أبيه (حيثُ أنَّ كلمة زيوا وهي الضياء بالمندائية نجد بأنهم حاولوا أن يُترجمونها إلى كلمة جلالة)
” أيَّتُها اللؤلؤةُ الطّاَهرةُ التي من كنوزِ الحيِّ أُخِذَتْ .. وإلى كنوزِ الحيِّ عادَتْ .. طارَتْ نشمثا بأجنحةِ أدْعيَتِها وصَلَواتِها .. ووَصَلتْ إلى بابِ بيت هَيي .. فأتى المُخَلِّصُ لمُلاقاتِها كان الأكليلُ البَهيجُ في يَدَيه, والرِّداءُ على ذراعَيْه” اليسار ص52
” خارجٌ أنا للقاءِ شَبيهي
وخارجٌ شَبيهي للِقائي
حَنا عليَّ, وحَنَوتُ عَليه
كأنَّني عائدٌ من السَّبيِ إليه ” اليسار ص99


المصادر للجزء الثاني والثالث
1.
https://www.facebook.com/sinan.jader/posts/10217574996754696
2.
كتاب ميزوبوتاميا 5000 سنة من التدين العراقي, سليم مطر. ص19
3.

المانوية البابلية.. أساس التصوف العراقي
4.
كتاب ماني والمانوية, ترجمة زكار. ص55
5.
6.
https://saaid.net/daeyat/zainab/260.htm
7.
http://m.ahewar.org/s.asp?aid=582853&r=0&cid=0&u=&i=0&q=
8.
https://mufakerhur.org/ترتيلة-الروح-اللؤلؤة-الرافدينية-في-ا/
9.
http://mandaean.dk/node/24043

نشرت في تاريخ

تفكير طفولي متعب تجثم بين طياته ملامح الخوف الدائم وألم الجوع والعطش والقلق المستمر حكايات الطنطل وخضرة ام الليف والعفاريت لها عالمها الخاص اضافة الى الشائعات والحرائق التي تلتهم اكواخنا كل يوم بل كل لحظة ومن ابرز الاشاعات في طفولتي البائسة التي عشتها عبارة ستنتهي الحياة ( تنقلب الدنيا) سمعتها من البيبي رحمه الله ورحت افكر كيف سيحدث هذا وسألت وسألت دول ان احصل على اجابة ؟

متى ستنقلب الدنيا اجابوني غدا لذلك قررت ان اشتري بكل النقود التي جمعتها في حصالتي منذ فترة زمنية واشتريت كل شيء حتى انتهت كل نقود الحصالة وهي ريما لاتتعدى عده دولارات ليس الا ،وجاء الغد والبعد الغد واستمرت الحياة ولم تنقلب ورحت العن كل من اخبرني ان الحياة ستنتهي منذ ذلك الحين وأنا افكر في قراءة الطالع والكف وقراءة المستقبل وماذا سيحدث اي التنبؤ حيث منذ القديم منذ بدء سفر الحياة فكر الانسان في مستقبله واخذ يتأمل الاحداث التي حدثت له او ربما ستحدث واخذ ينشد الى الخلود الابدي ويحسب حساباته لتجنب الصعاب والمشقة والمواقف الصعبة وهو دائما يخشى الغيب حيث البوابة السحرية لمعرفة مصيره وقدره وقدرته وجبروته ومن ثم نهايته فكر في الطبيعة والكوارث والمهالك والموت والحياة وقد ايقن بعد سنين وسنين ان الجميع سيرحلون وسقطت ورقه الخلود من حسابات بني البشر لقد ايقن ان الرحيل لابدمنه ولكن كيف ومتى وفي اي زمان ومكان ومن هذه النقطة صار يتأمل ويبحث عن معرفة المستقبل واحداثه اي التنبؤ لذلك لجأ الى المتنبئين والفلكيين والسحرة والدجالين والمشعوذين لذلك تعلق اصحاب السلطة والحكم والمشاهير واهل الفن والادب بهذه الحكاية ومن ثم ظهر مايسمى الباراسيكو لجي وليس نحن بصدد هذا موضوع هذا العلم وانما من هو الذي سار هذا الطريق وماهي توقعاتهم ومدا صحتها ونسبة تحقيقها وهناك الكثير منهم مثل لورنز منجم دوق فلورنسا وتيمور براهه في النمسا واليزابيث تيسية المستشارة الروحية للرئيس الفرنسي الاسبق متران ، من التنبؤات في الوقت الحاضر هو ماذكرة ستيفن هو كينع عالم الفيزياء البريطاني الفلكي قوانيين تخص الثقوب السوداء والسفر عبر الزمن كما انه توقع ان تكون نهاية العالم خلال الف سنة القادمة بسبب كارثة من صنع البشر وسيتم القضاء على البشرية وكثير من التنبؤات العلمية الفرضيه كان هناك عدد من الاشخاص كتبوا في نفس الموضوع فكثير من العلماء امثال كلارك وكاكوو البرت وانشتاين الذي عمل على تطور الادراك البشري لمفهوم العلاقة بين الفضاء والزمن وكذلك نظريته المشهورة في النسبية العامة والخاصة ، كثير من الذين تخصصوا بقراءة الكف او الفنجان وقراءة الطالع وتوقعات احداث السنيين الجديدة ولكن الذي يتبع هذا المجال الواسع والعلم الجديد يلاحظ اسم الدكتور البارز نوستراداموس وقد نشر تنبؤته على شكل رباعيات شعرية ولد داموس في يوم 14 ديسمبر من 1503 في منطقه سان ريمي في فرنسا ولم تكن اسرته من سلاله الاطباء او الكهنة انما ناس من نسب عادي من المناطق الريفية كان اداموس الابن الاكبر وكان له اربعة اخوة واصبح الذكاء العظيم الذي يملكه واضحا وهو شبابه وقد تعلم على يد جده الذي علمه قواعد اللاتينية والاغريقية والرياضيات والتنجيم الذي سماه اداموس العلم السماوي توفي جده ورجع الى بيت والديه الا ان جده الاخر واصل تعليمه وارسل الى بلدة أفينون للدراسة وقد استمر في هذه البلدة فترة زمنية طويلة بسبب اهتمامه بالتنجيم وقد اصبحت حكاياته من الاحاديث الشائعة بين اصدقائه وزملائه الطلبة وكان يؤيد نظريه الكوبرنيكيه التي تقول بأن الارض كروي وتدور حول الشمس قبل مقاضاة غاليلوبسبب الاعتقاد ذاته بأكثر من 100 عام ارسله والده في عام 1522م لدراسة الطب في مدينة مو بنليه وكان عمره 19 سنه ونال درجه البكلوريوس بعد ثلاثه سنوات وبعد ان اصبح طبيباً مجازاً قرر ان يترك الجامعة ويخرج الى الريف لمساعده المحتاجين من ضحايا الطاعون ويقال انه يستعين بكتاب اسمه اسرار مصر وهو كتاب قديم حول التنبؤات من تأليف بامبليخوس اليوناني وقد ذكر وجد علما في هذا الكتاب لم يعثر عليه في اي كتاب اخر ويعتقد انه كتاب يخص التضاريس الارضيه واسرار الكرة الارضية وماذا سيحل بالجبال والانهار والمدن والمعابد والناس من تنبأته مايلي وجميعها على شكل اشعار رباعية :-

1 – ذكر ان نهاية العالم ستكون عام 3797

2 – لقد شخص بعض القضايا السياسيه منها الدور المركزي لايران في صراع الاسلام مع الغرب.

3..لقد تنبؤ لراعي الغنم فيلتيش بيرتي حيث توقع ان يصبح راهباً ويحصل على مركز ديني عالي هو درجة البابا سيكستوس الخامس حيث شاعت هذه النبؤه

4 - انه دعي ذات مره للغداء فقال لصاحب الدعوة لديك اثنان من الخنازير ابيض واسود وسوف تذبح لنا الخنزير الابيض اما الاسود فسوف يأكله الذئب وانتهز صاحب البيت هذه المناسبة لاظهار واخفاق ادموس وقال للطاهي اذبح لنا الخنزير الاسود بسرعة وجاء الطعام وقال اداموس انه الخنزير الابيض ولكن صاحب الدعوة اكد انه الاسود ولكن اداموس اصر على انه الابيض وجاء الطاهي واعترف بأن الخنزير الاسود الذي ذبحه تسلل اليه الذئب وخطفه وهرب

5 - في عام 1550 وصل الى مدينة صالون وشاهد صبي وطلب رؤيه شامات موجوده على جسم الصبي في موقع مخفي من جسمه الا ان الصبي خاف وهرب استغل اداموس نوم الصبي وشاهد الشامات واعلن ان هذا سيكون في يوم من الايام ملك لفرنسا على الرغم من ان ملكة فرنسا كاترين لها ولدين على قيد احياة وكان هذا الصبي هو هنري النافاري الذي اصبح فيما بعد هنري الرابع هذا مجمل توقعاته وقد دونها في كتابين وعلى شكل 1000 رباعيه توفي عام 1566 ان مسأله التنبؤ موجوده في جميع اركان المعموره وقد برز فيها المندائي جدا الكبير العظيم الموهوب سنيجر يذكر الاستاذ مجيد جابك جاري في مجلة افاق مندائية العدد الثالث الصادرة في العراق سنة 1996 نوردها كما يلي : -

هو سنيجر بن عامر بن ناصر بن عزيز بن الاحد بن سبتي بن زهرون المتهيمن شخصية مندائية عاش حياته في ارياف محافظة ميسان يقال لها الاكرح مرجعه ناحية الكحلاء ولد حوالي 1800 م . وكان يؤدي جميع الطقوس الدينية ليل نهار مرجعه كتابنا المقدس كنزاربا . متنور بالدين واحكامه .. كان رجلاً ريفيا بسيطاً كعامة الريف لم يراى نور الحضارة طيله حياته كانت مدرسته هي الحياة التي عاشها والبيئة الريفية التي الهمته والتي علمته العلم في الدين وقضايا المجتمع الذي عاش فيه.... لقد كان شاعرا ذكيا ومتحدثا يجذب اذان جلسائه اشتهر بتنبؤاته والى يومنا هذا فأذا حدث حادث خطير هذا مذكور عند سنيجر وبالذات في قصيدته المشهوره ولقد سمعت وانا فتى من لكني ما رحمه الله ومن غير ماسمعتم منهم لاني كنت احسب ذلك كله من باب الخرافات والشعوذه العوذه وبعد مرور الايام والسنين اخذت نظرتي الى هذا الرجل تتغير شيأ فشياً واخذت اصدق ما اصدق ماكنت اسمع اخباره وتوقعاته فتغيرت افكاري حتى تبلورت لدي فكرة واضحة عن هذا الرجل الذي قضى حياته كلها في الريف ولان الحضاره لم تدخل الوطن بعد حرصت ان انه اتقتى اخبار هذا الشاعر هنا وهناك وعند اقرب الناس اليه كانوا يحفظون قصيدته كلها وبعضا منها ويتداولونها في مجالسهم الليلية التي يعتقدونها فيقولون انه سيأتي يوم فيه الحديد يطير في السماء والحديد يمشي في الماء فكانو لايصدقون مقاله سنيجر ويسخرون منه ويستهزئون به فيأتي احدهم بقطعة من الحديد متحديأ سنيجر له هذه الحديده فكيت تتكلم وكيف تطير وكيف وكيف فكان يرد عليهم بقوه هذا ما بان عندي بكتابي لقد حرصت أن اجمع ما حفظه الناس من قصيدته وأستطعت ان اجمع اكثرها وامامي الان نسختان من القصيدة تضم الاولى ثلاثة وسبعين بيتا والثانيه سته وسبعين بيتا ولم اجد اختلافا جوهريا بين الاثنين الا ان الابيات تؤثر على مجرى القصيدة غير ان هناك بعض الابيات قد حرفت كلماتها او تقدم بيت على الاخر ولكن عموما فان شخصية الشاعر واضحة في النسختين وقد قال الكثير اراء مختلفة حيث قال البعض انها تربو على مائتين بيتا ومنهم قال خلافا ذلك ومهما يكن من شيئ فالقصيدة تضم اغراضا مختلفة .. وقد حرفت بعض من كتاباته وقد بداها الشاعر بتعريف نفسه:

1. يقول الفتى المسمى أسنيجر----- وقولي جواهر من در البحاره

2. قولآ معرب مافيه نقيصه ----- كتبته بطرس تبدع أدواره

3. نبدي مثل للطيبين عمده ------- حديث موزون ملفوظه أشعاره

4. قولا منظم من قلبي مخفى ------------- مبين عند ذلك بالجهاره

5. تصاريف الوقت عسرت علينه ---------- وهذا الوعد بالافلاك داره

6. أخبركم خبر يصعب عليكم ------------- نظمته عن علم وعن خباره

7. أخبركم أنا يا(داي) عاجل ------ يضعف دينكم في آخر داره

9. ويجيكم زمن يكفينه الله شره ------- بيه الجار ما يأمن بجاره

10. ويفرح بيه لو طاح أبنقيصه ------- ووده يرحله من وسط داره

11. وإبن العم يغيض لآبن عمه ------- يفرح بيه لو طاح بخساره

12. والخوان لو ناموا يتحالفون ------- ويحطون بينهم عهد الله جهاره

13. ولا ولد يصفه لآمه وأبوه ----------- تتشابه أصغاره أعله أكباره

14. وتلكه لمة الآجواد قلت ------------ وكل جارصار يتحايل بجاره

15. وماتلكه واحد ينادي بالصحيح -------- وجمع الآجواد مامنهم أخباره

16. ويجينه دور بلا مهر نمهر -------- سفاح المهر بالوقت داره

17. وبدورنه كم من عجايب رأينه ---- ويضيك الدهر بين سنون عشاره

18. ويظهر شئ بالآرض دوم يمشي ------- يأخذ خبر ويجيب الآخباره

19. وتظهر سفينه مصنوعه من خشب -- وأتطير بالهوىمثل الطير طاره

20. وتظهر سفينه أسمها المركب -------- وما تمشي بالبحر الا بناره

21. ويمشي بليه قلاع ولاشراع --------- يجينه بلا وعديه ولا قداره

22. ويظهر شئ مصنوع من الخشب ------ تعجب بلحنه ويغني جهاره

23. وتظهر نجم بالجنوب أبظهابهه ------ لها ذيل مجرورآ جرة ذوابهه

24. وتظهر بالسمه نجمه عجيبه -------- لها ذيل بلونها وراها حراره

25. ومن مصر يجينه حاكم خارجي ------ ويذبحنا بحد سيفه جهاره

26. ويحكم حكم بالوقت عسفآ ------ ويخلي الدمه فوك الارض جاره

27. وما بين العراق وبين كرخه -------- تسيل الدمه لرسوغ المهاره

28. وما بين الكرختين تصير ذبحه ------ من الفجر الى تالي النهاره

29. وتقيم الحرب سبعة كوامل --------- وتهتز الارض وأبليس داره

30. والزحف كل يوم وكل ساعه ---- وتسيل الدمه مثل سيل الأمطاره

31. وبعدها تنتهي محنه جبيره -------- وتنطفي ناره بلمح الأبصاره

32. ونأمل بالسلم والكون يبطل ----- ولكن فالنا يخيب بخساره

33. حيث تجينه من بني أصفر عساكر --- وعلى شط الفرات تصير غاره

34. ويأتي من الغرب قوم أواغد ------- كلهم كفار وأكبر كفاره

35. مبحرين بعدد الفين خشبه --------- ومثلها الفين تحميهم بالبحاره

36. ويخربون الأرض شرقا وغربآ ------ ونخسر بالحرب ياما خساره

37. وتخرب أرض بابل من منابتها ----- وتغدي ديارها سود الحجاره

38. ويخرب أرض واسط وبغداد خلفه --- وشط النيل ما تلكه خباره

39. أيا ويل البصيره ثم يا ويل أهلها ---- تدخلها بدو تدمرها دماره

40. ويبقى قليل من بعض الخيارى -- ولا يبقى نفر عاد من يعطي أخباره

41. ويعم القحط في بلد بابل ----------- ويصير الخبز في لون الغباره

42. ويقل(الأبيضين) بكل منزل --------- وحتى الملح من أيران طاره

43. وبعدها يظهر صراف ظاهر ------- ويصره كل مايات الأهواره

44. ولا نهرسيحون لهم يروى ------- ولا دجله والفرات القهاره

45. ولا مايات من(ماري) تثينه ------- ولا بركه زرع بيهن غزاره

46. واليزرع فلا فوكه مزيده --------- صاع أبصاع بالقمصي قداره

47. (ويفقع)(قرقدان) أبيض ثم أحمر -- ويغدي الذبح ما بين الكفاره

48. ثم يدورون أبنوبتهم علينه ------- وايظلوا من بعدنا يذكون المراره

49. ويكولون لو متنه بدور أجدودنا --- ولاضكنا هالعذاب وهالقهاره

50. ومن (المنده) يظل سبعون واحد -- أعيون امكسره ويطيح داره

51. وأهل النظافه يا ويل حالهم ------ عدأهل الهشوخه كلهم يسارى

52. يكرهون الدين وأسم (هيي) ------ وهمه لازم يذوكون المراره

53. وأول ما يدور الظلم بينه ------- ونغدي بالحزن ما منها فراره

54. وثاني الوعد كل واحد بقريه ----- ذليلين ومن بعد صغر صغاره

55. وثالث كالذبايح بيد بايع -------- ولا ناصر يقينه ذل اليساره

56. ورابع ما ندوس الأرض يمهم --- ومثل ( الكوريه) يذب النا حجاره

57. وخامس كل صباح أنه نحيب ---- ودمع العين عالوجنه غزاره

58. وسادس من ظلمهم أتصير(جرفل) -- ويبقى قليل من بعض الخيارى

59. وسابع يظهر الدجال مسرع ----- ويواطيها كلها بر وبحاره

60. وتأتي من بني أصفر عساكر ---- ومثل جراد البر الها أنتشاره

61. ويأتي قوم من بني أصفر ------ مثل دود الثرث وهم كفر الكفاره

63. ويقولون لنا أكلو الخنزير معنا -- وأكلو(رقوق) الما تحل بكتابهه

64. ويقول لنا أعطونا من نساكم ---- ونعطيكم من نسانا ويغدي نسابهه

65. وين ما شافو(اثه)أنهرتيه أيلغطونها -- وأهلها وقوفا والعين تجري سكابهه

66. يحامون على(الشرشي)ولاهو بهين ---- يجاسون المنايا أبشده (ماجرابهه)

67. يدعون على أرواحهم ياداي كل صبح ومسه --- ياريت لاكان صرنه أبعذابهه

68. شئ يطيعون وشئ تضرب الفلا --------------- أبهيمه بعيدهوأرض خرابهه

69. لو عند غيري هالمثايل تخفف --------------- ساج بالوديان وأسكن خرابهه

70. وين أسكندر أذا القرنين وأين عميره--- وين ملك كسرى وين هارون الرشيد

71. وين ملك أفلاطون قصرت بابهه ------ وأحنه بأخس عيشه وأنموت أبفقرنا

72. وين ملك سليمان بن داوود أسمه وخاتمه ----- قعد على الابساط ورفع هوابهه

73. أذا جا المحتم يا غرورا أمالك ------ ترى الموت أسرع من لمعة سحابهه

74. ويظهر آجوج ماجوج شرقا --------------- طوله شبر وعرضه فتاره

75. ومن بعد آجوج تظهر عساكرها نثايا --- وتحكم فوك التخت بين ( الجهاره)

76. وتظهر عساكر من مريم ------------------ كلها نثايه وما بيها ذكاره

77. وتظهر عساكر سلطانهم حرمه ----------- مذكور عدنه تصير الها أخباره

78. وتأمر بالحكم عشرين عاما -------- وتجلس على التخت بين الوزاره

79. وبعدها تحكم الشيخه ام لحيه ----------- وعسكرها نسه كلهن جهاره

80. وتهلك ذا النسه هلكآ فرد ساعه --- ويفقدون الأرض من مطلعها الى مغابهه

81. ويظهر أبثاهيل بصيوان من ذهب --------- ولا يجد للداي أي أخباره

82. ويصول صولتين يا نعم صولته ---------- ويخفي الزوال من عج الغباره

83. ويهب ارياح صرصر من حد غرابهه أبيوم جمعه أبشهر عاشور تغدي الدنيا خرابهه

84. ويواطي الجبال وتندرج السمه ----------- ويصير الزوال في فتر وشباره

85. وكل مله عليها نبي يظهر -------------- والكل تقوم أحياء بقدرة قداره

86. وأهل الخير يأتيهم الخير --------------- وأهل الشر تأتيهم شراره

87. وتنزل خمرتنه من بيت هيي ------------- بزيوه ونهوره وتغدي نهاره

88. ويصير الداي بزيوه ونهوره ------------ ومشبه هاخ برصوفه ورب ديقاره

89. ولا واحد تشوفه من غير جنسك --------- وتصير الداي كلها بعز ويساره

90. أيها الناس لاتعاصون ربكم ------------ امامكم نار ساعره وعذابهه

91. شوفوا كيف خلقكم وكيف يميتكم ------- وشوفوا أشخالق في سحابهه

92.هذا ما بان عندي في كتابي ------------- مؤكد مؤرخ منقط باليساره

93. ومن بعد الصلاة أعله النبوه ------------ ما طلعت شمس والنجم ساره

والان نتابع توقعات الشيخ الجليل سنيجر وتنبؤاته وماذ تحقق منها

1 – البيت رقم 7 تشتت الطائفة المندائية وضعف التمسك بالدين او عدم التمسك نهائيا

2 – السطر رقم 8 معاناة الطائفة من الطوائف الاخرى في التحول الديني والمذهبي سواء كان لتلك الجهة كما هو حصل في العراق او الى المبشرين الجدد كما هو في استراليا واوربا وكندا وغيرها

3 – البت رقم 9 العلاقات الاجتماعية بين الجيران والاهل والقربة

4 – البت رقم 11 – 12 -13 التفكك الاسري بين الاسرة الواحدة الاخوان وابناء العم

5 – السطر 13 البر بالوالدين واين وصلنا

6 – البيت 15 انعدام الاخلاق وعلى كافة الصعد والاتجاهات

7 – البيت 16 الزواج بلا مهر ودون الرجوع الى المحاكم او رجال الدين

8 – البيت 18 ظهور السيارات والتلفونا ت والموبايلات وغيرها

9 – البيت 19 صناعة الطائرات

10 – البيت 20 صناعة السفن والبواخر والغواصات وغيرها

11 – البيت 22 اجهزة الراديو والتلفزيون وكافة اجهزة البث

12 – البيت 23 ظهور المذنبات وغيرها من التوابع المكتشفة حديثا

13 – البيت 24 ظهور الصواريخ

14 – البيت 25 مجئ صدام حسين من مصر وتدخل حكام مصر في مصير وحكم العراق

15 – البيت 26 مجازر صدام حسين وتاريخه الاسود

16 – البيت 27 الحرب بين العراق وايران

17 – البيت 29 فترة استمرار الحرب العراقية الايرانية بين7الى 8 اعوام

18 – البيت 33 دخول الجيوش الغربية الى العراق

19 – البيت 34 ، 35 ، 36 اعمال التخريب والنهب والسلب التي حصلت في العراق

20 - البيت 39 خراب البصرة وتحملها في جميع الحروب التدمير والتهديم

21 – البيت 41 ، 42 القحط والجوع الذي حل في العراق

22 – البيت 44 شحة ماء الفرات ودجلة بعد ان سددت مصادر المياه من قبل تركيا وايران

23 – البيت 49 شحة الزراعة في العراق

24 – البيت 51 نقص عدد المتمسكين والمتهيمنين في الطائفة المندائية

25 – في البت 54 تشتت المندائيون في جميع انحاء الغالم

26 – في البيت 58 قلة صلة الرحم وعمل الخير المعروف

27 – في البيت 60 احتلال العراق من قبل امريكا والجيوش الغربية

28 – في البيت 62 المضايقات الدينية والضغوط من قبل جهات عديدة

29 – في البيت 65 الاعتداءات على الشابات والنساء المندائيات من جميع النواحي مثل الخطف والنهب والقتل والاغراء وغيرها

30 – البيت 74 دخول الجنس الاصفر الى العراق

يذكر الاستاذ سلام جاني ان قسما من القصيدة لم يذكر وهي تخص حاكم العراق صدام حسين وتاريخه الاسود خوفا من اجهزته الامنية القمعية حيث انه يصفه بكلمة ( كورية ) اي السئ الظالم بالغة المندائية وكذلك الحاكم المسيحي هو ميشيل عفلق .

اهم تنبأته اذكرها كما يلي

1 – الحرب العراقية الايرانية

2 – زمن استمرار الحرب

3 – مجئ صدام حسين من مصر وتدخل عبد الناصر بمصير العراق

4 – احتلال امريكا الى العراق

5 – صناعة الطيرات والسفن والاجهزة الحديثة كافة

6 – التغيرات الاجتماعية والاقتصادية

وغيره وغيره وما ندري ماذا سيتحقق من تنبؤاته في المستقبل رحمك الله ياجدنا العظيم وكم في هذه الطائفة رجال عظماء .

نشرت في تاريخ
الخميس, 08 شباط/فبراير 2018 21:21

لنمجد شهداءنا في ذكرى شباط الأسود / 1963

 

لمذا تمجد الشعوب شهداءها ؟ سؤال يطرحه الكثيرون ،أهو تمجيدا" للموت البطولي ؟ أم هو محبة وعشقا" للجود بالنفس وهل كان الشهداء زاهدين بحياتهم بمعزل عن الأهداف التي ناضلوا من أجلها ؟ الجواب بالتأكيد كلا، فلم يكن العظماء من البشر ومن بينهم الشهداء، على مدى التأريخ عشاقا" للموت. بل كانوا من عشاق الحياة الكرامة والدفاع عن القيم الأنسانية التي آمنوا بها وضحوا بحياتهم من اجل تحقيقها، وهكذا تظل ذكرى الشهداء ساطعة تنير درب المناضلين وتعطيهم المثل والقوة في الصمود دفاعا" عن القضايا النبيلة في وجه أعتى الدكتاتوريات.

بعد أيام قليلة وفي الرابع عشر من شباط من كل عام يحتفل الشيوعيون العراقيون بيوم الشهيد الشيوعي. هذا اليوم الذي أصبح تقليدا" يلتقي فيه الشيوعيين وأصدقائهم لأحياء ذكرى شهداء حزبهم الذين سقطوا في ساحات النضال المختلفة، دفاعا" عن قضايا شعبهم ووطنهم في مواجهة الدكتاتوريات المتعاقبة. فهذا الأحتفال ليس احتفالا" عابرا" بل أحتفالا" تحتشد فيه المعاني والرموز العميقة، انه يوم ذكرى البطولة والصمود والأستشهاد من أجل القيم والمبادئ السامية، ذكرى قادة الحزب الشيوعي العراقي الذين قدموا أنفسهم قرابين للمبادئ التي آمنوا بها من اجل حرية الشعب واستقلال الوطن والغد الأفضل .

ففي الرابع عشر من شباط / فبراير 1949 وفي العهد الملكي البغيض تعهد الطاغية نوري السعيد بالقضاء على الحزب الشيوعي العراقي وجماهيريته وذلك بأعدام قادته الأبطال. حيث صعدت الى المشانق أول كوكبة خالدة من الشهداء هم قادة ومؤسسي الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد )، زكي بسيم ( حازم )، وحسين محمد الشبيبي ( صارم ) وهم يهتفون بحياة وطنهم وحزبهم وشعبهم. ففي هذا اليوم وفي ذكرى أستشهادهم دأب الشيوعيون أينما وجدوا على تمجيد هؤلاء القادة وهم يقفون إجلالا" لأرواحهم الطاهرة. وفي لحظات الخشوع يتطلع الشيوعيون وكل الوطنيين بإكبـار إلى الأرادة الصلبة التي حملها هؤلاء الأبطال والتي واجهت المشانق برجولة وشرف متحدية الطغاة والجلادين.
وكانت مأساة الأنقلاب الفاشي في الثامن من شباط الأسود / 1963 محطة من أكثر المحطات سطوعا" في تأريخ الحزب، ففي هذا اليوم تعهد قادة حزب البعث الفاشي بعد تسلمهم السلطة بأنقلابهم الدموي الأسود بتحقيق نفس الأمنيات بعد تسلمهم السلطة. حيث إمتزجت دماء العرب والأكراد والكلدوآشوريين والمندائيين والتركمان والأيزيدين في جنوب الوطن وفي جبال كردستان العراق، حين أصدر الحاكم العسكري للأنقلابيين رشيد مصلح التكريتي البيان رقم 13 الذي يدعوا ويخول رؤساء الوحدات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي إبادة الشيوعيين..
ثم تبعه قانون رقم 35 لسنة 1963 الخاص بتشكيل فرق الحرس القومي. ومنذ الساعات الأولى لتشكيله بدأت عصابات الحرس القومي بألقاء القبض على الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين من كافة القوميات والأديان، عسكريين ومدنيين، من قادة الحزب وكوادره وأصدقاءه. وتحول العراق على يد هؤلاء القتلة في تلك الأيام الى سجن رهيب بأستعمالهم كافة أدوات التعذيب البشعة في سراديب قصر النهاية وبيوت المخابرات السرية والنادي الأولمبي في الأعظمية وملعب الأدارة المحلية في المنصور ومركز شرطة الفضل وبناية محكمة الشعب وغيرها بحق الشخصيات الشيوعية والوطنية، وأمتلئت تلك السراديب ببرك الدماء والجثث المقطعة للضحايا ، وجرى إغتصاب النساء. في حين كانت تواصل بقية قطعان البعث تنفيذ عمليات الأعدام في النادي الأولمبي في الأعظمية ببغداد ومعتقل رقم واحد في معسكر الرشيد وغيرها. وقضى عدد كبير منهم وهم يسطرون ملاحم بطولية خالدة ومن هؤلاء الشهداء :
سلام عادل، جمال الحيدري، محمد صالح العبلي، جورج تلو، محمد حسين أبو العيس، طالب عبد الجبار، وعبد الرحيم شريف، عبد الجبار وهبي، نافع يونس، وحسن عوينة، عزيز الشيخ، ومهدي حميد، وحمزة سلمان، شريف الشيخ، لطيف الحاج، عبد الرحيم شريف والمئات من الشهداء من كافة القوميات والمذاهب والشخصيات النقابية والأجتماعية.
وبما أن الصابئة المندائيين هم أحدى المكونات الأساسية للشعب العراقي فقد تعرضوا منذ مئات السنين الى الأضطهاد الديني والأجتماعي، فهم أبناه هذا الوطن وقدموا كل شئ من أجل بناءه، هم الشريحة المتعلمة والمثقفة المسالمة المحبة للخير والسلام، ووجدوا في الأفكار الوطنية والأشتراكية الوافدة الى العراق خير وسيلة للدفاع عن حقوقهم المفقودة لذلك ساهموا بالحركة السياسية الوطنية منذ نشأتها في العراق، وأرتبط المئات منهم بالأحزاب الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي وساهموا في النضال الشاق طيلة تأريخه الطويل وتعرضوا أسوة برفاق الدرب الآخرين الى البطش والتصفيات الجسدية والتعذيب في الثامن من شباط الأسـود / 1963. ففي هذا اليوم دخل المئات منهم السجون والمعتقلات وتعرضوا الى أبشع أساليب التعذيب الجسدي وأستشهد العشرات منهم تحت التعذيب ومنهم من إستشهد وهو يتصدى ببطولة وبسالة لجلاوزة الأنقلاب الفاشي في ذلك اليوم المشؤوم ..
وفي ذكرى يوم الثامن من شباط المشؤوم ويوم الشـهيد الشيوعي لابد للصابئة المندائيين أن يتذكروا شهدائهم الذين سقطوا في تلك الأيام، يمجدوهم ويفتخروا بهم كرموز لطائفتهم المندائية ولشعبهم العراقي، ومن حقهم ان يقفوا دقيقة صمت اجلالا" لأرواحه هؤلاء الشهداء الأبطال....( صبيح سباهي خلف، مهدي عودة الوالي( شنور )، حواس حلو بندر الزهيري، سميع جاني سهر الناشي، شاكر نعمة هليل البريجي، ماجد عبداللة خلاوي الزهيري، عبد الواحد راشد الزهيري، فرج شجر منصور الزهيري، كريم خلف داخل، نعيم عنبر منشد، وعبد الجبار الزهيري ) وغيرهم من الأبطال المجهولين الذين تمت تصفيتهم أو إختفت آثارهم ...
ليكن الثامن من شباط ويوم الشهيد الشيوعي مناسبة لوقفة إجلال وإكبار أمام تلك الدماء الزكية التي أضاءت الدرب. ولابد أن نقول لكل الشهداء من الصابئة المندائيين وشهداء الحركة الوطنية العراقية أننا نفتخر بأسمائكم فقد صنعتم عهدا" جديدا" للوطن وكنتم الصخرة التي دفعت النظام الدكتاتوري الى مزبلة التأريخ، أليكم المجد أيها الأبطال .. يا من قدمتم حياتكم ودمائكم قربانا" للمثل النبيلة التي آمنتم بها، اليكم المجد أيها الأحبة فأنتم في الوجدان والضمير.

أن من واجب الصابئة المندائيين في هذا اليوم أن يشعروا عوائل الشهداء ... آبائهم وأمهاتهم وأراملهم وأطفالهم اليتامى بأن طائفتهم لم ولن تنساهم يوما"، وليبدأ الجميع وخاصة ذوي الشهداء ومعارفهم بأحياء ذكراهم سنويا" بالكتابة عنهم، وعن تأريخهم وبطولاتهم وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لأرواحهم الطاهرة فهل سيتم تحقيق ذلك ؟ أنها أمنية نتمنى ان تتحقق وأملنا كبير بذلك.
المجد كل المجد لشهداء الصابئة المندائيين ، لشهداء الحزب الشيوعي العراقي ، لشهداء الحركة الوطنية، ولكل شهداء الشعب والوطن.
لنمجد شهداءنا في ذكرى شباط الأسود / 1963

لمذا تمجد الشعوب شهداءها ؟ سؤال يطرحه الكثيرون ،أهو تمجيدا" للموت البطولي ؟ أم هو محبة وعشقا" للجود بالنفس وهل كان الشهداء زاهدين بحياتهم بمعزل عن الأهداف التي ناضلوا من أجلها ؟ الجواب بالتأكيد كلا، فلم يكن العظماء من البشر ومن بينهم الشهداء، على مدى التأريخ عشاقا" للموت. بل كانوا من عشاق الحياة الكرامة والدفاع عن القيم الأنسانية التي آمنوا بها وضحوا بحياتهم من اجل تحقيقها، وهكذا تظل ذكرى الشهداء ساطعة تنير درب المناضلين وتعطيهم المثل والقوة في الصمود دفاعا" عن القضايا النبيلة في وجه أعتى الدكتاتوريات.

بعد أيام قليلة وفي الرابع عشر من شباط من كل عام يحتفل الشيوعيون العراقيون بيوم الشهيد الشيوعي. هذا اليوم الذي أصبح تقليدا" يلتقي فيه الشيوعيين وأصدقائهم لأحياء ذكرى شهداء حزبهم الذين سقطوا في ساحات النضال المختلفة، دفاعا" عن قضايا شعبهم ووطنهم في مواجهة الدكتاتوريات المتعاقبة. فهذا الأحتفال ليس احتفالا" عابرا" بل أحتفالا" تحتشد فيه المعاني والرموز العميقة، انه يوم ذكرى البطولة والصمود والأستشهاد من أجل القيم والمبادئ السامية، ذكرى قادة الحزب الشيوعي العراقي الذين قدموا أنفسهم قرابين للمبادئ التي آمنوا بها من اجل حرية الشعب واستقلال الوطن والغد الأفضل .

ففي الرابع عشر من شباط / فبراير 1949 وفي العهد الملكي البغيض تعهد الطاغية نوري السعيد بالقضاء على الحزب الشيوعي العراقي وجماهيريته وذلك بأعدام قادته الأبطال. حيث صعدت الى المشانق أول كوكبة خالدة من الشهداء هم قادة ومؤسسي الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد )، زكي بسيم ( حازم )، وحسين محمد الشبيبي ( صارم ) وهم يهتفون بحياة وطنهم وحزبهم وشعبهم. ففي هذا اليوم وفي ذكرى أستشهادهم دأب الشيوعيون أينما وجدوا على تمجيد هؤلاء القادة وهم يقفون إجلالا" لأرواحهم الطاهرة. وفي لحظات الخشوع يتطلع الشيوعيون وكل الوطنيين بإكبـار إلى الأرادة الصلبة التي حملها هؤلاء الأبطال والتي واجهت المشانق برجولة وشرف متحدية الطغاة والجلادين.
وكانت مأساة الأنقلاب الفاشي في الثامن من شباط الأسود / 1963 محطة من أكثر المحطات سطوعا" في تأريخ الحزب، ففي هذا اليوم تعهد قادة حزب البعث الفاشي بعد تسلمهم السلطة بأنقلابهم الدموي الأسود بتحقيق نفس الأمنيات بعد تسلمهم السلطة. حيث إمتزجت دماء العرب والأكراد والكلدوآشوريين والمندائيين والتركمان والأيزيدين في جنوب الوطن وفي جبال كردستان العراق، حين أصدر الحاكم العسكري للأنقلابيين رشيد مصلح التكريتي البيان رقم 13 الذي يدعوا ويخول رؤساء الوحدات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي إبادة الشيوعيين..
ثم تبعه قانون رقم 35 لسنة 1963 الخاص بتشكيل فرق الحرس القومي. ومنذ الساعات الأولى لتشكيله بدأت عصابات الحرس القومي بألقاء القبض على الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين من كافة القوميات والأديان، عسكريين ومدنيين، من قادة الحزب وكوادره وأصدقاءه. وتحول العراق على يد هؤلاء القتلة في تلك الأيام الى سجن رهيب بأستعمالهم كافة أدوات التعذيب البشعة في سراديب قصر النهاية وبيوت المخابرات السرية والنادي الأولمبي في الأعظمية وملعب الأدارة المحلية في المنصور ومركز شرطة الفضل وبناية محكمة الشعب وغيرها بحق الشخصيات الشيوعية والوطنية، وأمتلئت تلك السراديب ببرك الدماء والجثث المقطعة للضحايا ، وجرى إغتصاب النساء. في حين كانت تواصل بقية قطعان البعث تنفيذ عمليات الأعدام في النادي الأولمبي في الأعظمية ببغداد ومعتقل رقم واحد في معسكر الرشيد وغيرها. وقضى عدد كبير منهم وهم يسطرون ملاحم بطولية خالدة ومن هؤلاء الشهداء :
سلام عادل، جمال الحيدري، محمد صالح العبلي، جورج تلو، محمد حسين أبو العيس، طالب عبد الجبار، وعبد الرحيم شريف، عبد الجبار وهبي، نافع يونس، وحسن عوينة، عزيز الشيخ، ومهدي حميد، وحمزة سلمان، شريف الشيخ، لطيف الحاج، عبد الرحيم شريف والمئات من الشهداء من كافة القوميات والمذاهب والشخصيات النقابية والأجتماعية.
وبما أن الصابئة المندائيين هم أحدى المكونات الأساسية للشعب العراقي فقد تعرضوا منذ مئات السنين الى الأضطهاد الديني والأجتماعي، فهم أبناه هذا الوطن وقدموا كل شئ من أجل بناءه، هم الشريحة المتعلمة والمثقفة المسالمة المحبة للخير والسلام، ووجدوا في الأفكار الوطنية والأشتراكية الوافدة الى العراق خير وسيلة للدفاع عن حقوقهم المفقودة لذلك ساهموا بالحركة السياسية الوطنية منذ نشأتها في العراق، وأرتبط المئات منهم بالأحزاب الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي وساهموا في النضال الشاق طيلة تأريخه الطويل وتعرضوا أسوة برفاق الدرب الآخرين الى البطش والتصفيات الجسدية والتعذيب في الثامن من شباط الأسـود / 1963. ففي هذا اليوم دخل المئات منهم السجون والمعتقلات وتعرضوا الى أبشع أساليب التعذيب الجسدي وأستشهد العشرات منهم تحت التعذيب ومنهم من إستشهد وهو يتصدى ببطولة وبسالة لجلاوزة الأنقلاب الفاشي في ذلك اليوم المشؤوم ..
وفي ذكرى يوم الثامن من شباط المشؤوم ويوم الشـهيد الشيوعي لابد للصابئة المندائيين أن يتذكروا شهدائهم الذين سقطوا في تلك الأيام، يمجدوهم ويفتخروا بهم كرموز لطائفتهم المندائية ولشعبهم العراقي، ومن حقهم ان يقفوا دقيقة صمت اجلالا" لأرواحه هؤلاء الشهداء الأبطال....( صبيح سباهي خلف، مهدي عودة الوالي( شنور )، حواس حلو بندر الزهيري، سميع جاني سهر الناشي، شاكر نعمة هليل البريجي، ماجد عبداللة خلاوي الزهيري، عبد الواحد راشد الزهيري، فرج شجر منصور الزهيري، كريم خلف داخل، نعيم عنبر منشد، وعبد الجبار الزهيري ) وغيرهم من الأبطال المجهولين الذين تمت تصفيتهم أو إختفت آثارهم ...
ليكن الثامن من شباط ويوم الشهيد الشيوعي مناسبة لوقفة إجلال وإكبار أمام تلك الدماء الزكية التي أضاءت الدرب. ولابد أن نقول لكل الشهداء من الصابئة المندائيين وشهداء الحركة الوطنية العراقية أننا نفتخر بأسمائكم فقد صنعتم عهدا" جديدا" للوطن وكنتم الصخرة التي دفعت النظام الدكتاتوري الى مزبلة التأريخ، أليكم المجد أيها الأبطال .. يا من قدمتم حياتكم ودمائكم قربانا" للمثل النبيلة التي آمنتم بها، اليكم المجد أيها الأحبة فأنتم في الوجدان والضمير.

أن من واجب الصابئة المندائيين في هذا اليوم أن يشعروا عوائل الشهداء ... آبائهم وأمهاتهم وأراملهم وأطفالهم اليتامى بأن طائفتهم لم ولن تنساهم يوما"، وليبدأ الجميع وخاصة ذوي الشهداء ومعارفهم بأحياء ذكراهم سنويا" بالكتابة عنهم، وعن تأريخهم وبطولاتهم وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لأرواحهم الطاهرة فهل سيتم تحقيق ذلك ؟ أنها أمنية نتمنى ان تتحقق وأملنا كبير بذلك.
المجد كل المجد لشهداء الصابئة المندائيين ، لشهداء الحزب الشيوعي العراقي ، لشهداء الحركة الوطنية، ولكل شهداء الشعب والوطن.

لمذا تمجد الشعوب شهداءها ؟ سؤال يطرحه الكثيرون ،أهو تمجيدا" للموت البطولي ؟ أم هو محبة وعشقا" للجود بالنفس وهل كان الشهداء زاهدين بحياتهم بمعزل عن الأهداف التي ناضلوا من أجلها ؟ الجواب بالتأكيد كلا، فلم يكن العظماء من البشر ومن بينهم الشهداء، على مدى التأريخ عشاقا" للموت. بل كانوا من عشاق الحياة الكرامة والدفاع عن القيم الأنسانية التي آمنوا بها وضحوا بحياتهم من اجل تحقيقها، وهكذا تظل ذكرى الشهداء ساطعة تنير درب المناضلين وتعطيهم المثل والقوة في الصمود دفاعا" عن القضايا النبيلة في وجه أعتى الدكتاتوريات.

بعد أيام قليلة وفي الرابع عشر من شباط من كل عام يحتفل الشيوعيون العراقيون بيوم الشهيد الشيوعي. هذا اليوم الذي أصبح تقليدا" يلتقي فيه الشيوعيين وأصدقائهم لأحياء ذكرى شهداء حزبهم الذين سقطوا في ساحات النضال المختلفة، دفاعا" عن قضايا شعبهم ووطنهم في مواجهة الدكتاتوريات المتعاقبة. فهذا الأحتفال ليس احتفالا" عابرا" بل أحتفالا" تحتشد فيه المعاني والرموز العميقة، انه يوم ذكرى البطولة والصمود والأستشهاد من أجل القيم والمبادئ السامية، ذكرى قادة الحزب الشيوعي العراقي الذين قدموا أنفسهم قرابين للمبادئ التي آمنوا بها من اجل حرية الشعب واستقلال الوطن والغد الأفضل .

ففي الرابع عشر من شباط / فبراير 1949 وفي العهد الملكي البغيض تعهد الطاغية نوري السعيد بالقضاء على الحزب الشيوعي العراقي وجماهيريته وذلك بأعدام قادته الأبطال. حيث صعدت الى المشانق أول كوكبة خالدة من الشهداء هم قادة ومؤسسي الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد )، زكي بسيم ( حازم )، وحسين محمد الشبيبي ( صارم ) وهم يهتفون بحياة وطنهم وحزبهم وشعبهم. ففي هذا اليوم وفي ذكرى أستشهادهم دأب الشيوعيون أينما وجدوا على تمجيد هؤلاء القادة وهم يقفون إجلالا" لأرواحهم الطاهرة. وفي لحظات الخشوع يتطلع الشيوعيون وكل الوطنيين بإكبـار إلى الأرادة الصلبة التي حملها هؤلاء الأبطال والتي واجهت المشانق برجولة وشرف متحدية الطغاة والجلادين.
وكانت مأساة الأنقلاب الفاشي في الثامن من شباط الأسود / 1963 محطة من أكثر المحطات سطوعا" في تأريخ الحزب، ففي هذا اليوم تعهد قادة حزب البعث الفاشي بعد تسلمهم السلطة بأنقلابهم الدموي الأسود بتحقيق نفس الأمنيات بعد تسلمهم السلطة. حيث إمتزجت دماء العرب والأكراد والكلدوآشوريين والمندائيين والتركمان والأيزيدين في جنوب الوطن وفي جبال كردستان العراق، حين أصدر الحاكم العسكري للأنقلابيين رشيد مصلح التكريتي البيان رقم 13 الذي يدعوا ويخول رؤساء الوحدات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي إبادة الشيوعيين..
ثم تبعه قانون رقم 35 لسنة 1963 الخاص بتشكيل فرق الحرس القومي. ومنذ الساعات الأولى لتشكيله بدأت عصابات الحرس القومي بألقاء القبض على الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين من كافة القوميات والأديان، عسكريين ومدنيين، من قادة الحزب وكوادره وأصدقاءه. وتحول العراق على يد هؤلاء القتلة في تلك الأيام الى سجن رهيب بأستعمالهم كافة أدوات التعذيب البشعة في سراديب قصر النهاية وبيوت المخابرات السرية والنادي الأولمبي في الأعظمية وملعب الأدارة المحلية في المنصور ومركز شرطة الفضل وبناية محكمة الشعب وغيرها بحق الشخصيات الشيوعية والوطنية، وأمتلئت تلك السراديب ببرك الدماء والجثث المقطعة للضحايا ، وجرى إغتصاب النساء. في حين كانت تواصل بقية قطعان البعث تنفيذ عمليات الأعدام في النادي الأولمبي في الأعظمية ببغداد ومعتقل رقم واحد في معسكر الرشيد وغيرها. وقضى عدد كبير منهم وهم يسطرون ملاحم بطولية خالدة ومن هؤلاء الشهداء :
سلام عادل، جمال الحيدري، محمد صالح العبلي، جورج تلو، محمد حسين أبو العيس، طالب عبد الجبار، وعبد الرحيم شريف، عبد الجبار وهبي، نافع يونس، وحسن عوينة، عزيز الشيخ، ومهدي حميد، وحمزة سلمان، شريف الشيخ، لطيف الحاج، عبد الرحيم شريف والمئات من الشهداء من كافة القوميات والمذاهب والشخصيات النقابية والأجتماعية.
وبما أن الصابئة المندائيين هم أحدى المكونات الأساسية للشعب العراقي فقد تعرضوا منذ مئات السنين الى الأضطهاد الديني والأجتماعي، فهم أبناه هذا الوطن وقدموا كل شئ من أجل بناءه، هم الشريحة المتعلمة والمثقفة المسالمة المحبة للخير والسلام، ووجدوا في الأفكار الوطنية والأشتراكية الوافدة الى العراق خير وسيلة للدفاع عن حقوقهم المفقودة لذلك ساهموا بالحركة السياسية الوطنية منذ نشأتها في العراق، وأرتبط المئات منهم بالأحزاب الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي وساهموا في النضال الشاق طيلة تأريخه الطويل وتعرضوا أسوة برفاق الدرب الآخرين الى البطش والتصفيات الجسدية والتعذيب في الثامن من شباط الأسـود / 1963. ففي هذا اليوم دخل المئات منهم السجون والمعتقلات وتعرضوا الى أبشع أساليب التعذيب الجسدي وأستشهد العشرات منهم تحت التعذيب ومنهم من إستشهد وهو يتصدى ببطولة وبسالة لجلاوزة الأنقلاب الفاشي في ذلك اليوم المشؤوم ..
وفي ذكرى يوم الثامن من شباط المشؤوم ويوم الشـهيد الشيوعي لابد للصابئة المندائيين أن يتذكروا شهدائهم الذين سقطوا في تلك الأيام، يمجدوهم ويفتخروا بهم كرموز لطائفتهم المندائية ولشعبهم العراقي، ومن حقهم ان يقفوا دقيقة صمت اجلالا" لأرواحه هؤلاء الشهداء الأبطال....( صبيح سباهي خلف، مهدي عودة الوالي( شنور )، حواس حلو بندر الزهيري، سميع جاني سهر الناشي، شاكر نعمة هليل البريجي، ماجد عبداللة خلاوي الزهيري، عبد الواحد راشد الزهيري، فرج شجر منصور الزهيري، كريم خلف داخل، نعيم عنبر منشد، وعبد الجبار الزهيري ) وغيرهم من الأبطال المجهولين الذين تمت تصفيتهم أو إختفت آثارهم ...
ليكن الثامن من شباط ويوم الشهيد الشيوعي مناسبة لوقفة إجلال وإكبار أمام تلك الدماء الزكية التي أضاءت الدرب. ولابد أن نقول لكل الشهداء من الصابئة المندائيين وشهداء الحركة الوطنية العراقية أننا نفتخر بأسمائكم فقد صنعتم عهدا" جديدا" للوطن وكنتم الصخرة التي دفعت النظام الدكتاتوري الى مزبلة التأريخ، أليكم المجد أيها الأبطال .. يا من قدمتم حياتكم ودمائكم قربانا" للمثل النبيلة التي آمنتم بها، اليكم المجد أيها الأحبة فأنتم في الوجدان والضمير.

أن من واجب الصابئة المندائيين في هذا اليوم أن يشعروا عوائل الشهداء ... آبائهم وأمهاتهم وأراملهم وأطفالهم اليتامى بأن طائفتهم لم ولن تنساهم يوما"، وليبدأ الجميع وخاصة ذوي الشهداء ومعارفهم بأحياء ذكراهم سنويا" بالكتابة عنهم، وعن تأريخهم وبطولاتهم وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لأرواحهم الطاهرة فهل سيتم تحقيق ذلك ؟ أنها أمنية نتمنى ان تتحقق وأملنا كبير بذلك.
المجد كل المجد لشهداء الصابئة المندائيين ، لشهداء الحزب الشيوعي العراقي ، لشهداء الحركة الوطنية، ولكل شهداء الشعب والوطن.

نشرت في تاريخ

كنتُ طالبا في الصف الخامس الإعدادي من ثانوية الناصرية، عندما سمعتُ من جهاز الرايوالبيان الأول المشؤوم، فهرعتُ الى بيت عمي ( ناهي طلاب) القريب من دارنا، حتى نُصغي سوية للحدث الاجرامي الجلل، أخذ الواحدُ منّا ينظر للآخر باندهاش، واستمر الحالُ الى أنْ أخذتْ جموع الناس تزحف الى مركز المدينة ليلا ، وهنا كانت مناوشات لمناضلي الحزب مع اعوان تلك الزمر الشرسة.
كنتُ أحد الموقوفين في سجن شرطة الناصرية الذي يتوسط المدينة، بعد ليلة موحشة ومؤلمة بين لكمات وصفعات فصائل الحرس اللاقومي خصوصا من بعض الطلبة الذين كانوا معي في الثانوية ، تفاجأتُ بعدد الموقوفين المندائيين في السجن الذين بعثوا في نفسي الاطمئنان والهدوء والأصدقاء الآخرين وفي ساعة متاخرة من الليل ، في النوم لتلك الليلة كنتُ معلقا بعض الشيء بين الأجساد المتراصة مع بعضها لاحدى جنبيّ، كلّ هذا كان يبدو تمرينا لقادم الأيام .
خرجتُ من التوقيف بعد مدة الخمسة أشهر بعد تنقلات متعددة في سجون الناصرية والبصرة بفعل أنّ المحاكمة التي أجريت للطالب الذي طعنني بالسكاكين وكنتُ حينها على شفى الموت ، قبل حدوث الانقلاب باسابيع على اثر الإضرابات الطلابية ، جرتْ المحاكمة في محكمة كبرى في البصرة ، وكان المرحوم المندائي (خيري والد الابن الطيب حكمت) المسؤول عن ذلك السجن فوجدتُ راحتي بفعل مساعدته لي ، فضاعتْ عليّ سنة دراسية كاملة من الدراسة .
بعد أشهر من خروجي من التوقيف أعادوني الى مركز الحرس اللاقومي ، وجدتُ أمامي المرحوم شاهين بدن وابنه المرحوم مانع، فصعب عليّ تمييز قسمات وجهيهما واحمرار كل القسمات في كل زاوية منهما، فكان هذا تعريفا لمصيري ليلا أيضا ، وهو الذي حدث .
لكنّ تلك الليالي والساعات الأصعب في حياتي عندما أخذوني ليلا الى مركز الحرس ونقلوني بسيارة مع بعض الموقوفين ليلا الى الضفة الثانية من نهر الفرات وهي المنطقة التي تقابل محلتنا (محلة الصابئة) في وسط أشجار النخيل، كانت هناك مدرسة ابتدائية أفرغتْ من الطلاب ، في صفوفها ترى أنواع الأدوات للتعذيب فشبّ الذعر فينا وشعرنا بدنو اجلنا فحتى الرصاص لا يُسمع له صدى ، استمرّ التحقيق بعد أنْ جيء باعداد أخرى وكانت التهمة توزيع منشورات جديدة ووجوب معرفة منْ قام بالكتابة والتوزيع، كانت الأساليب الأولية في التعذيب يمكن تحملها للأجساد القوية التي وهبها لنا الله (بغير رضانا) شؤم علينا .
بعد ليلتين تفاجأنا باجساد معلقة من الايدي من جهة الظهر والدماء تسيل والجسد بحركات اقرب الى السكون، قال لنا احدهم اليوم ليلا سيكون مصيركم هكذا .
ليلا جاء احدهم وشواربه كثة قصير القامة بدين قليلا ويبدو عليه السكر محاطا بحماية يحملون الرشّاشات ، قال بتهكم واستهزاء ساطلق الرصاص عليكم ببساطة وأخذ بالسب والالفاظ النابية ونحن مصغون لا حراك فينا .
فُتحتْ الباب وجاء أحدهم مخاطبا هذا المجرم : لقد اكشفنا سيدي من قام بالتوزيع وهما اثنان خبازان في احد الافران في الناصرية .
لم نكن ندري، نحن الواقفين امام هذا المجرم، في السماء ام الأرض ، استدار هو وذهب و حراسه الى صف آخر حيث الشهيدين ( دفن هذان الشهيدان وهما لا يزالان على قيد الحياة وتم اخراجهما من مقابرهما بعد الإطاحة بزمرة البعث من قبل عبد السلام عارف وتم تشييعهما ) ، قضينا تلك الليلة وعيوننا مسمرة الى الباب خشية أنْ تنفتح مرة أخرى .
للآن يرن أنين أولئك الذين التقيتهم في تلك الاقبية من الأستاذ مدرسي (فائز / مدرس اللغة الإنكليزية ، والأستاذ العضاض مدرس الاقتصاد (نسيتُ اسمه) وكثيرون غيرهم .
بعد ليلتين تقريبا لا أتذكر بالضبط ارجعونا الى مركز الحرس وبكفالة من الخيرين سمحوا لنا بالرجوع الى بيوتنا .
لكم الخلود أيها الشهداء دماؤكم لا تزال تروي ارض العراق، ولولا تضحياتكم لما كتب لسجل انتسابكم، الشرف الرفيع في التاريخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طيلة تلك السنوات لذكرى مجازر البعث المجرم لم استطع كتابة تلك الذكريات المؤلمة لأرتجاف جسمي في تذكرها، لكن ما كتب الأساتذة والاخوة قبلي هذه السنة من تلك الذكريات ، دفعني للكتابة .

نشرت في تاريخ
الخميس, 08 شباط/فبراير 2018 20:03

خمسة وخمسون عام على شباط الاسود

خمس وخمسون

وفي العيون

ماجفت دموعي

يا وطني

يا من صمدوا

يا من رحلوا

يا الف "ليلى"

يا الف "دحام" مضى

خمس وخمسون

والنار في داري

لما تزل

والعار في وطني

لما يزل

يا اخوتي

هل " تغسلوا عاري" ؟

هل يعود الخير يا وطني ؟

هل يعود الحب يا وطني ؟

وهل اعود ؟

ملاحظه

" ليلى " اشاره الى ليلى الرومي

" دحام رومي" ابو جمال ،الرجل الطيب الذي عرفته هناك

نشرت في تاريخ
الخميس, 08 شباط/فبراير 2018 19:35

جرحٌ لا ولن يندمل

الثامن من شباط الاسود

 

****************************************************

في ذاكرتي ان بدايات عام 1963 شهدت سجالاً متشنجاً على صفحات صحيفة ( صوت الاحرار) بين البعض من كتابنا وادبائنا التقدميين الناشطين وقتها في المجال الاعلامي والادبي ومنهم الراحل( عدنان البراك) واسماء اخرى وكان محور هذا السجال يدور حول( هل ان عام 1963 سيكون عام نحس وشؤم ام عام سعد وانفراج على مسيرة الوطن الديموقراطية ). ان ذلك في وقته جعل قلوبنا تنقبض وعكر المزاج العام لنا نحن الذين كنا نامل خيرا وولد في قلوبنا شحنة من التشاؤم . ومما زاد الوضع ارباكا ان الاخبار اخذت تأتينا من بغداد نحن سكنة المدن القريبة او البعيدة عن العاصمة ( وكنت وقتها اسكن مدينة الحلة وادرس في ثانوية المحاويل) بأن قوى الردة قد بدأت عمليا واعدت العدة للاجهاز على ثورة الرابع عشر من تموز 1958 فافتعلت حادثة معينة مع نجل رئيس (محكمة الشعب) الطالب في الثانوية الشرقية في بغداد لتتخذ من ذلك الحادث المفبرك وسيلة للقيام باضراب طلابي لطلبة جامعة بغداد وثانوياتها من اجل ارباك الوضع العام وللقيام بتآمرهم والقضاء على السلطة الثورية القائمة . وكنا وقتها منغمرين في استعدادتنا نحن قطاع التعليم في التهيؤ لانتخابات نقابة المعلمين التي ستجري في شباط من ذلك العام فكانت اجتماعتنا تمضي على قدم وساق من اجل جرد القوى المؤيدة ل (قائمتنا المهنية الموحدة) وكذلك التوجه والتحرك نحو الوجوه التقدمية والمقبوله في اوساط المعلمين والمدرسين الذين سيتم ترشيحهم كأعضاء في القائمة المهنية .

وفي يوم الجمعة الاسود وهو يوم الثامن شباط 63 وبعد الساعة التاسعة والدقيقة العشرين من صباح ذلك اليوم المشؤوم انقطع بث اذاعة بغداد وتوقعنا ان ذلك كان بسبب انقطاع الكهرباء ولكن سرعان ماعاد البث الاذاعي ولكن بدأ صوت اجش يلثغ بحرف الراء بقراءة بيان انقلابهم الغادر ولتبدا بعد ذلك حمامات الدم ومجازرهم الوحشية التي عمت الناس المخلصين الشرفاء الذين آمنوا بالمباديء النبيلة التي جاءت بها ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة ودافعوا عنها بكل بسالة ونكران ذات .

وعندما سمح بدوام المدارس يوم الاثنين 11/2 والتحقت بوظيفتي كمدرس في ثانوية المحاويل تم اقتيادي منها في ذلك اليوم بواسطة ثلة جبانة من حرسهم اللاقومي حيث ادخلت معتقل شرطة المحاويل ثم نقلت الى سجن الحلة والذي افرغ منه جناح على شكل رواق ضيق وزج بنا نحن الوجبة الاولى من موقوفي مدينة الحلة والاقضية والنواحي التابعة لها وحشرنا في ذلك الرواق وكان عددنا يزيدعلى 300 شخصا جلهم اطباء ومهندسين ومدرسين ومعلمين وذوي مهن وكفاءات اخرى وفي مقدمتهم رئيس غرفة تجارة الحلة وآخرون من الشخصيات المعروفة في المدينة والمدن الاخرى التابعة ، وامعانا بالاذلال فقد خصص مرفق صحي( تواليت) واحد تابع له ، لهذا العدد الكبير من الموقوفين فقد كان احدنا يحتاج الى نهار كامل حتى يصل دوره الى ذلك المرفق الوحيد ومما اتذكره بهذا الصدد ان معلما من الموقوفين معنا قد كتب قصيدة شاعت بيننا لوصف معاناتنا حيال الدور( السرة ) للوصول الى المرفق الصحي الوحيد الملحق بالرواق وكذلك عدد المرات التي يقوم بها شرطة السجن لتعدادنا وجلوسنا ارضااو ما يسمى ب (المسطر) ويقول مطلعها

روحي تظل متحيرة=== مابين مسطر والسرة

ومما اتذكره ونحن في ذلك الرواق ليلة ان استدعي الرفيق الباسل( شهيد محمد سعيد خوجة نعمة ) من مناضلي مدينة الحلة لاجراء التحقيق معه ( وكان منامه قريبا من منامي) فانتصب واقفا ساعتها مودعاً ليقول وباعلى صوتهّ

رفاق الوداع ...!انا ذاهب للتحقيق ولن ادلي باي اعتراف للقتلة الاوغاد... حتى لو تطلب هذا ان اضحي بحياتي، وفعلا ذهب ولم يعد ....لقد ضحى بحياته تحت تعذيب الجلادين الاوباش، وسجل صموده موقفا بطوليا لن يمحى من ذاكرتنا ابد الدهر .

ويوما بعد يوم يحشر معنا اعداد اضافية من خيرة ابناء شعبنا جيء بهم من المحافظات المجاورة ومدنها ككربلاء والنجف مما اضطرهم الى نقلنا الى جناح

واسع من اجنحة السجن توزعنا على غرفه العديدة والتحقت انا بغرفة ضمت ابناء مدينة ( المدحتية) البواسل تلك المدينة التي احتضننتني في طفولتي وشبابي وارضعتني حليب ا لوطنية والثقافة التقدمية ولقد عشت بينهم معززا مكرما

وسادت بيننا في تلك الغرفة الروح الرفاقية التضامنية .

ومن المشاهد التي لن انساها ماعاناه المربي الفاضل الاستاذ( حسين صالح ) من

تعذيب وحشي والدماء تسيل من منا طق جسمه كافة، بعد كل جلسة تحقيق معه ، وكل جريرته انه استضاف في بيته لعدة مرات ممثل الهيئة التحضيرية لقائمتنا المهنية وممثل قائمتهم المتآمرة من اجل تقريب وجهات النظر بحيث قد يؤدي ذلك الى اتفاق وخوض الانتخابات المقبلة لنقابة المعلمين بقائمة موحدة والتي لم تنته الى تحقيق ذلك الاتفاق نظرا لما عرفوا به من حقد ولؤم وخبث طوية .لقد بنوا حدسهم على ان موقفه هذا يعبر عن مستواه التنظيمي الرفيع في الحزب رغم انه في واقع الحال بعيدا عن تصوراتهم الحاقدة على شخصية تتمتع بسمعة واعتزاز كبيرين بين اوساط الاسرة التعليمية لشخصية المربي الاستاذ الفاضل (حسين صالح) لقد عانى العديد من الذين شملتهم جلسات التحقيق تلك صنوفا من العذاب والهوان تقشعر لها الابدان عند تذكرواسترجاع تلك المشاهد .

ومماا تذكره ايضا عن تلك الايام السود انه عندما ذهبت للتحقيق معي في مقر الحرس القومي عجبت لطلب القائمين بالتحقيق معي ان اقوم لهم بضبط افادة احد الفلاحين الذين كانوا قد اعتقلوه بتهمة الانتماء الى الجمعيات الفلاحية، ولكني رفضت ذلك الطلب الذي ان دل على شيء فانما يدل على غبائهم وجهلهم الفاحش وتخبطهم بامور كهذه .

لقد امضيت قرابة الثلاثة شهور في التوقيف اطلق بعدها سراحي بكفالة شحص ضامن .

وبعد حوالي اسبوع من اطلاق سراحي وعندما كنت في احد اسواق الحلة للتبضع احاطت بي ثلة من حرسهم غير الشريف وطلبوا مني ان ارافقهم الى مديرية الشرطة وبعدما وصلنا المبنى المقصود سلمني واحد من الذبن اعتقلوني الى احد ضباط امن المديرية المذكورة قائلا لهّ (ّان هذا الشخص ويقصدني انه كان مسؤولا المنطقة الجنوبية للحزب الشيوعي فكيف يطلق سراحه) ويبدو ان ضابط الامن هذا ذا كان شريفا فقد طلب منهم الانصراف ليتدبر هو امري وفعلا اتصل بادارة سجن الحلة وهاتفهم هل توجد ادلة جرمية ضدي، فنفوا ذلك عندها طلب ذلك الضابط مني الانصراف والعودة االى البيت. لقداستمروا في جرائمهم بحق الشعب وقواه المناضله حتى اختلفوا فيما بينهم فدبر عبد السلام عارف انقلابه في 18 تشرين الثاني من ذلك العام وقضى على سلطة ذلك الحرس الفاشي .

 

 

نشرت في تاريخ
الإثنين, 22 كانون2/يناير 2018 21:34

العراقيون وقيلولة الظهيرة

 

خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل سنوات طويلة مضت، وضمن مادة الانثروبولوجي (علم الانسان)، القى علينا يوماً مُدرس المادة آنذاك أستاذ الآثار القديمة الراحل الدكتور وليد محمود الجادر (شقيق الفنان الراحل خالد الجادر) محاضرة ً عنوانها (أثر البيئة والطعام على سلوك الانسان). أحتدم خلالها نقاش أكاديمي حاد في منتهى المتعة... على أثرها سرد لنا أستاذنا الراحل الذي عُرف بروحه المرحة وأحاديثه الشيقة، حادثة ً في غاية الطرافة جرت معه لدى إكماله دراسته العليا في جامعة باريس عند ستينيات القرن الماضي... حيث يقول الدكتور الجادر.....

كان له زميل دراسة من النمسا شديد الحنق كثير التهكم على العراقيين، متهماً إياهم بالكسل وقلة العمل، معللاً ذلك بأنهم شعب بليد يقضي ساعات طويلة في النوم عند فترة الظهيرة، يدّعون في التاريخ ما ليس لهم وإن كل ما يقولوه وما نسبته اليهم كتب الآثار والحضارة عن أمجاد أسلافهم السومريين والبابليين والاشوريين زوراً وبهتاناً، أذ كيف استطاعوا من تشييد تلك الحضارة (المزعومة) التي يتفاخرون بها، بينما هم يقضون نصف يومهم نياماً، لذلك فحضارة ما بين النهرين لابد أنها قد شيُدت من قبل شعب آخر عمل ليلا ً ونهاراً ليتمكن من بناء حضارة بهذه العظمة.. كان ذلك الحديث يثير سُخط وغضب الطلبة العراقيين بشكل لا يوصف، خاصة أن الزميل النمساوي لم يقتنع بكل المبررات التي قدموها له، بأن مناخ العراق الحار وطول فترة نهاره، أضافة الى طبيعة ونوعية طعامه المُميز، قد حتّمت على أهل الرافدين هذه الممارسة... لذلك قرر الدكتور وليد وبعض زملائه أثبات تلك الحقيقة لزميلهم الحانق حسب قاعدة الاقناع الآثارية (أن ترى الشيء بعينك وتلمسه بيدك).. فدعوه في احد الأيام الى تناول وجبة غداء عراقية خالصة في محل اقامة بعض الطلبة العراقيين.

بالطبع لبى زميلهم الدعوة شاكراً غير داري بـ(المكيدة) التي دُبرت له. كانت تلك الوجبة عبارة عن (مرقة بامية بلحم غنم مع الأرز، أضافة الى رقي ولبن) أعدّها أحد الزملاء المتمرسين في الطبخ.. وعند المائدة أخذ صاحبنا يتناول الطعام بشراهة غير طبيعية كحال جميع الأوربيين حين يكون الطعام مجاناً، حتى أمتلئ تماماً.. ولم ينتظر به (الغادرون) فقدموا له بعدها مباشرة ً صينية مليئة بشرائح الرقي البارد (المجرّش). وما كاد يُنهي ما تيسر له حتى باغته زميل آخر بـ(دولكة لبن أبو الثلجاية)، ليحتسي منها بعد الحاح شديد كأس وأخرى، لتظهر بعد ذلك نتائج المؤامرة بشكل سريع وفعّال، حيث أخذت جفون الزميل النمساوي بالانغلاق تدريجيا ً مثل ستارة المسرح، حتى أسدلت تماماً (حسب وصف الدكتور الجادر)، فلم يعد يشعر بشيء من ما كان يدور حوله من ضحكات وكلمات سُخرية. وبعد دقائق أستعاد الرجل شيئاً من توازنه ليقول فقط كلمتين لا غير (كم الساعة)، ثم ما لبث أن أنطرح على أريكة كانت بجانبه ليغط في نوم ٍ عميق أستمر لأكثر من ساعة، أستيقظ بعدها ليرى الزملاء يُحيطون به ضاحكين مليء أفواههم، ففهم الموضوع برمته، ليشاركهم الضحك هو الآخر معترفا ًبالحقيقة (المُرّة).

وفي اليوم التالي مباشرة ً أنقلب الزميل النمساوي مائة وثمانون درجة، حيث أخذ يقول بصوت عال وبين الجميع وأينما حّل، أن أهل العراق أعظم شعوب الدنيا، فبالرغم من ساعات نومهم الطويلة شيدوا أروع حضارة في التاريخ.

رحم الله أستاذنا الراحل الدكتور وليد محمود الجادر، فقد كان أستاذاً رائعاً وعالماً فذاً، ومُربياً فاضلاً، وموسوعةً لا تُمل للأحاديث الطريفة.

نشرت في تاريخ
الإثنين, 30 تشرين1/أكتوير 2017 19:52

لُغة الفايكنج* (الرونيّة)


(اللُّغَةُ هي نسقٌ من الإشاراتِ والرموزِ، تشكّل أداةً من أدواتِ المعرفةِ، تعتبر اللُغَة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجمتع في جميع ميادين الحياة، وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي). هكذا جاء تعريف اللغة في موسعة المعرفة (ويكيبيديا )العربية.
لم أكنْ على معرفةٍ بموعدٍ مسبقٍ للأُمسيةِ الثقافيةِ، الساعةُ الرابعة والنصف مساءً دَلفتُ لمكتبةِ( روزنكورد) قبلَ موعد إغلاقها بنصفِ ساعةٍ، لغرضِ أغادةِ استعارة (رواية) كنتُ قد استعرتها من المكتبةِ قبل عامٍ تقريباً، وارغبُ بإعادةِ مراجعتها لما تحويه الرواية من أحداثٍ وأسماءٍ وأماكنٍ ومعلومات مهمة عن الوضع السياسي العراقي لفترة مفصلية بتاريخِ اليسار العراقي، الرواية طويلة جداً أسمها (ليلة الهدهد) للكاتبِ العراقي المقيمُ بالسويد (إبراهيم أحمد)، صدرت عام 2013.
عند دخولي مدخل المكتبة شاهدتُ إعلاناً بارزاً باللغةِ السويديةِ وضعَ في منتصفِ صالةِ المدخل، يعلنُ عن أمسية ثقافية هذا المساء. دنوتُ من الإعلانِ وبدأتُ بقراءةِ محتواه (هذا اليوم، مؤلفٌ في زيارةٍ لمكتبةِ روزنكورد ، خريف 2017 وصورة متميزة للكاتب ( قريب الشبه إلى صورة ِطرزان)رجل يناهز الستين من العمرِ، بشعرٍ طويلٍ مسترسلٍ ترك على طبيعتهِ، وذقن غير حليق؛ مدون اسمه الكامل:
Lars Magnar Enoksen
ومن ثم يوم الأمسية الثلاثاء 24-10-2017 الساعة 1700
وشرحٌ مختصرٌ عن الكتاب ِومؤلفاتهِ التي تشير إلى (26) كتاباً عن اللغةِ الرونيّة والحياة الأجتماعيّة التي زامنتها....
فتحتُ جهاز (الموبايل) ودونتُ اسم الكاتب في المنقذِ ( كوكل) أنه كاتبٌ سويدي من مواليد السويد/ مالمو(1960) يُقيمُ في مدينةِ (مالمو) مهتم باللغة (الرونيّة )، وبتفاصيل الحياة الاجتماعيّة والطبيعة في تلك الفترة التي انتشرتْ فيها هذه اللغة؛ قلتُ لنفسي أنها فرصة طيبة أن أدخل هذا العالم ، دخلتُ المكتبة كانت للتوِ قد اكتملتْ الاستعدادات من قبلِ موظفي المكتبة لتهيئة مكان المحاضرة (رُصفت مجموعة من الكراسي في وسط الصالة الرئيسة للمكتبة بحدود (20 ) كرسياً وأمامها وعلى بعدِ حوالي مترين في الجانبِ الأيمنِ وضعَ لوح للكتابة لغرضِ التوضيح ِوالشرح ِوالى جانبها الاخر وضعتْ منضدة رصفت عليها مجموعة من مؤلفاتِ الكاتبِ.
المقاعد معظمها غير مشغولة، الجمهور بدأ للتو بالتوافدِ اخترتُ احد المقاعد في الصف الثاني، أحد موظفي المكتبه يحاول مساعدة المؤلف الضيف (لارس) في تثبيت لاقطة الصوت على رأسه، أخرجتُ هاتفي النقال و التقطتُ لهُ صورة وهو يحاولُ وضعَ اللاقطة ؛ دونتُ أسم أول كتاب أمامي على المنضدة وأسم المؤلف:
Runor/ Lars Magnar Enoksen
وبدأتُ أقرأ شيئاً عن المؤلفِ وحول اللُغَةِ (الرونيّة)، وأتابع الصور على اغلفةِ الكتبِ التي اصدرها وكذلك اللوحات والشواخص والأحرف المكتوبة فيها....
في الساعةِ الخامسةِ وقفَ إلى جانبهِ موظف المكتبة وقدمهُ بتعريفٍ مختصرٍ للحضورِ، موضحاً إنَ هذا النشاط من ضمنِ نشاطات فصل خريف 2017 في مكتبةِ روزنكورد/ مالمو، متمنياً للحضورِ أوقات طيبة.
عدد الحضور لا يتجاوز (15) فرداً من كلا الجنسين،الجميع سويديون.
بابتسامةِ غير متكلفة رحبَ ( لارس) بالحضور وبدأ يتحدث عما سوف يقدمه هذا المساء، ثم بدأ يسأل الحضور الواحد تلو الأخر عن مدى معرفتهم بالموضوع ، وعندما وجه سؤاله ليَّ:
ــ أجبتهُ أني لا أعرف أي شيء عن موضوعِ المحاضرةِ، قرأتُ الإعلان الآن وأنا أدخل المكتبة ورحبت بالفكرة ان اسمع وأشاهد.
فيما كان معظم الحضور من المهتمين في الموضوع هذا ما لاحظته إذ كثير منهم كان مهتمين بتدوين ما كان يشرحه في حديثه في دفاتر ملاحظاتهم.
اللُغَةُ (الرونيّة)هي احدى أسماء الأبجديات للغة الجرمانيّة القديمة والتي تعود الى العائلة اللغوية الهندية الأوربية وتكتب كمصطلح (اللغات الهندو أوربية).وتعتبر الابجديّة (الرونيّة) من اقدمِ الحروفِ الأبجديّةِ التي استعملتها القبائل الجرمانيّة القديمة وخاصة الدول الاسكندينافية، وأقدم المدونات لها تعود بعد ميلاد المسيح بـ ( 100) عام.
تحتوي اللُّغة الرونيّة الجرمانية القديمة على (24) حرفاً
وفي احدى الفترات اختصرها الفايكنج إلى(16) حرفاً وأطلقَ عليها اسم( فوثارك) بعد أن جمعوا الأحرف (الرونيّة) السبعة الأولى كما مبين في اناه الأحرف (الرونيّة ) وما يقابلها بالأحرف الانكليزية
http://www.ungafakta.se/vikingar/grafik/vardag/futhark.jpg
Futhark
وأعطوا لكلِ حرفٍ من الحروفِ اسم لأحدِ أيام الأسبوع ، وكانوا يحسبونَ السنة على عدد الأسابيع( 52) أسبوعاً، يبدأ الأسبوع من يومِ الاثنينِ وينتهي في يومِ الأحد ثم يعاد حساب الأسبوع الذي يليه...
وعندما تناول فنون عَصْر الفايكنج كانتْ الفقرة المفاجئة التي فيها الغناء، عندما قررَ أنْ ينشدُ لنا مقاطعاً من الغناءِ في اللُغةِ الرونيّة ، عدّلَ من وقفتهِ ، وقفَ بشكلٍ مستقيمٍ ، مبرزا ً قليلاً إلى الأمامِ صدره للأعلى، وعلى مهلٍ أخذَ نفساً عميقاً وهو في حالةِ استرخاءٍ تام، وبدأ غناؤه بصوتٍ جهوريٍّ، أنهُ غناء أشبه بالصراخِ بلحنٍ متميزٍ، كانَ يُغني من أعماقٍ بعيدةٍ ، يسحبُ انفاساً متتالية عميقة خلال الغناء، كان الصوت الجهوري العالي، لا ينقطع لكن اللحن يتغير بشكلٍ واضحٍ من وقفةٍ إلى أخرى، كانت طبقات صوته من الطبقات العالية في أصوات الغناء الرجالي(التينور والباريتون).
كانَ صوتهُ رخيماً قوياً عميقاً ممتداً يشقُ عنان السماء، صوت الصراخ الفطري البدائي، كشخص يريد الاستغاثة أو النجدة أو التوسل بمسك ِشيء بعيد قصيّ لايريد أن يرحل عنه، أو أنهُ يريد اثارة الرعب في صفوفِ من يناديهم كنتُ اتصور إنهُ يريد بصوتهِ هذا أن يعبرَ المحيطات والبحار والجبال عبر الغابات الممتدة على مد البصرِ؟ أو أنه يحاكي السماء يتوسلها وينذرها ..
كيف لا وهو الإنسان البدائي الطليق الذي يعيشُ في الشمالِ الاسكندنافي، الذي تحيطه البحار وتتقاسم تضاريسه الغابات والوديان الجبال ...
انشدَ لصوته الحضور و صفقوا لهُ بحرارةٍ بعد الانتهاء من مقاطعِ الغناءِ.
عندما سألتٌ عن أسم الأغنية التي غناها كان عنوان ترجمتها الى اللغة السويدية :
Ett minne för livet
أنه فعلاً كانَ يناجي ذكرى من الحياةِ لا يريد أنْ ينساها
خلالَ المحاضرة تحدثَ المحاضر بشكلٍ عامٍ حول اللُغَة( الرونيّة) والتغيرات التي رافقتها بينَ مدينةٍ أو مقاطعةٍ ومدينةٍ أخرى، وكذلك تحدثَ المحاضر عن المرحلِ الثلاثة التي مرت بها الأبجديّة (الرونيّة) ،حيث أختلفتْ فيها أعداد الحروف المستعملة، وكذلك اختلفت اللهجات معها، وأوضحَ أن معظم مدونات اللغة (لرونيّة) وكذلك النقوشات التي عثر عليها كانت مدونة على الصخورِ والأشجارِ وشواهد القبورِ الحجريّةِ، خصوصاً في فترةِ عَصْرِ الفايكنج.
خلال فترة ساعة وربع كان قد نقلنا الى عالمٍ سحريِّ أخر، كانتْ محاضرة غنيّة بالمعلومات الجديدة المفيدة.
في ختامِ الأُمسيةِ قدمتْ للمحاضر هَديّة (كتابين) باسم موظفي مكتبة (روزنكورد في مالمو).
التقطتُ بعضَ الصور للمحاضرِ(لارس) وهو يدون على كتبهِ ـ المعروضة للبيع ـ التي اقتنى منها بعض الحضور، توقيعه واسمه واسم المقتني باللغَةِ (الرونيّة)، وكذلك طلبتُ من أحدِ موظفي المكتبة أنْ يلتقطَ ليَّ مع الضيفِ المحاضرِ صورة، ووعدته أنْ أكتبَ مقالة باللغةِ العربيةِ عن هذهِ الأمسيةِ الممتعة.
أبرز المواضيع التي كتبَ فيها المؤرخ والباحث(لارس) كتبه الـ (26) والتي اصدرها :
اللغَة الرونيّة
عَصْر الفايكنج والأساطير القديمة
الدليل في قراءة وكتابة وتفسير الرونيّة
الحيوانات والطبيعة في الاساطير القديمة

مالمو في 28-10-2017
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عَصْرُ الفايكنج: وهيَ الفترة الزمنيّة التي تمتدُ من أواخرِ القرنِ الثامنِ حتى منتصفِ القرنِ الحاديِ عشر،ويُعتبر عَصر الفايكنج كفترة غير حضاريّة من تاريخِ بلدان ِالشمالِ والتاريخ الاسكندنافي، فقد سادت فيها الوحشيّة و كثرت فيها الغزوات والحروب وأريقت فيها أنهار من الدماء،ويعد شعب(الفايكنج) من الشعوبِ العنيفةِ،وقد عرفوا وذاع صيتهم بركوب البحر والقرصنة.

نشرت في تاريخ
الصفحة 1 من 6

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014