• Default
  • Title
  • Date
السبت, 18 حزيران/يونيو 2016 10:02

طبيعة المجتمع العراقي القديم

أخذ شكل المجتمع العراقي القديم بالوضوح بعد ثورة استيطان المدني التي حدثت في جنوب وادي الرافدين في أواسط الالف الرابع ق.م، حيث تحولت المستوطنات والتجمعات القروية القديمة التي شيدها الانسان العراقي في ذلك الجزء من وادي الرافدين الى دويلات صغيرة عامرة، أخذت أنظمتها السياسية بالاستقرار والثبات تدريجياً، لكل منها حدودها وإدارتها المستقلة ومعبودها القومي وجيشها الحامي، واقتصادها الخاص المستقر.. ثم انعكست هذه المتغيرات الأساسية بمجملها بالتالي على طبيعة المجتمع العراقي بشكل كبير، فتعقدت وتشابكت علاقات أفراده مع بعضهم، خاصةً بعد أن أصبح مجتمعاً متعدد الطبقات كنتيجة طبيعية لظهور مبدأ التخصص في العمل.

في بداية تكوين المجتمع حددت علاقاته الاجتماعية الاعراف والتقاليد والنظم الموروثة من مرحلته القروية السابقة خلال الالفين الرابع والخامس ق.م، والتي كانت تسّير حركة المجتمع آنذاك، ثم ما لبثت هذا المجتمع كونه على درجة كبيرة من التعقيد والتباين بين شرائحه وطبقاته أن أصبحت تلك الموروثات لا تتلاءم مع التطورات والتغيرات السريعة في بنيته، لذلك ظهرت الحاجة الى وضع نظم وقواعد جديدة من قبل السلطات الحاكمة للسيطرة على المجتمع الجديد وتنظيم علاقات أفراده وتحديد واجباتهم والتزاماتهم إزائه، لذلك ظهرت القوانين تلبية لتلك الحاجة فأصبحت بالنسبة للباحثين نافذة تطل على عموم المجتمع آنذاك..
ويمكن القول أن قسماً كبيراً من معلوماتنا عن طبيعة المجتمع العراقي القديم أنما مستمدة من تلك القوانين... أضافة الى النصوص المسمارية الاخرى كالعقود والوثائق الاقتصادية والنصوص الادبية والدينية، كذلك الشواخص المعمارية واللقى الاثرية المتنوعة، التي واكبت تطور المجتمع منذ بداياته الأولى فرسمت صورة واضحة نوعاً ما عن طبيعته آنذاك.... ومن خلالها يمكن القول أن المجتمع العراقي القديم لا يختلف كثيراً عما هو عليه الان من حيث تناقضات حياته وحدّة مزاجه من جهة، وطيبة قلبه وانسانيته من جهة أخرى، المتأتيان بالأساس من تناقض طبيعته وبيئته، والظروف القاسية التي مر بها على مدى تاريخه الطويل وواكبت مسيرة حياته، ولم يختلف في الزمنين سوى الشخوص وأدوات الحياة.
التكوين الاجتماعي
المجتمع العراقي القديم كأي مجتمع آخر كان يتألف من طبقات وفئات متعددة منها الحاكمة، وهي المتنفذة سياسياً واقتصادياً ودينياً، أو المحكومة والتي على مدى تاريخها الطويل تحاول استرداد حقوقها وأثبات وجودها كعامل أساسي في بناء الحياة....
1_ الطبقة الحاكمة....
على رأسها العائلة الحاكمة، المسيطرة على دفة تسيير مجريات الحياة اليومية للمجتمع والمهيمنة على القسم الاكبر من موارده الاقتصادية، وقد أضفت الفلسفة الدينية الرافدينية هالة من القدسية على شخص الحاكم (أمير أو ملك) وعائلته، معتبرة إياه ممثلاً عن الالهة وينوب عنها في حكم البشر، وهي التي اختارته لهذه المهمة. لذلك كانت هذه الطبقة جلّ اهتمامها هو البقاء في الحكم بأي ثمن، مما دعاها باستمرار لشن الحملات العسكرية للقضاء على الثورات وحركات التمرد داخل البلاد وفي الاقاليم البعيدة المحتلة مستندة الى هذا الادعاء، مما كان يؤدي ذلك الى استنزاف الكثير من موارد الدولة الاقتصادية.
2_ الطبقة المُترفة....
وتسمى بالأكدية (أومانو)، وهي في الغالب أصل كلمة (أمناء) العربية، كما أنها سميّت ايضاً ب(أويلم)، وتضم في مقدمتها الوزير الأكبر الذي يسمى بالأكدية (سكال ماخ) الذي يعتبر اليد اليمنى للملك أو الأمير، ويلقب أحياناً باسم (صرماخ) و يعني الرأس الأكبر، ومن الطريف أن نذكر هذه التسمية لازالت متداولة بين مفرداتنا العامية ، حيث يكنى (كبر الرأس) أو المسؤول والشخص كبير المنزلة باسم (صماخ).... كما وتضم هذه الطبقة أيضاً كبار التجار، المُلاّك، موظفي القصر، الرتب العالية في الجيش، مثل الحاكم العسكري الذي يسمى (شكنا) وقائد الجيش (الترتانو)، وكذلك تضم حكام المقاطعات وكبار الكهنة... وكان لهذه الطبقة حقوق وامتيازات خاصة من الناحيتين الاجتماعية والقانونية، حيث أن لها دوراً كبيراً في أدارة المرافق الحيوية للبلاد من النواحي السياسية والاقتصادية والدينية، وتساعد العائلة الحاكمة في عملها، لذلك فأن مصالحهم ومصائرهم ارتبطت على الدوام بمصير الحكام.
3_ عامة الناس (الطبقة المحكومة).... وتتكون من فئتين :
الاولى / الاحرار أو المواطنين العاديين... ويسمون في اللغة الاكدية (مشكينم) وهي أصل كلمة (مسكين) العربية، كان هؤلاء يمثلون الجزء الاكبر من المجتمع، وهم العاملون في الحقول والمزارع والحوانيت التجارية الصغيرة والكتبة والشغيلة البسطاء والحرفيون وصغار الكهنة والصيادون وعمال تحميل مرافئ السفن، وبقية الشرائح الفقيرة المعدمة الأخرى، والتي تعتمد في عيشها على جهودها اليومية.. وكانت هذه الطبقة كحالها في كل زمان ومكان صامتة ومغلوب على أمرها همّها الاكبر توفير المعيشة لعائلاتها، ويتوضح ذلك جلياً بالمثل السومري البليغ (الفقراء هم وحدهم الصامتين في سومر)... ولعل أشد هذه الفئة بؤساً هم الفلاحون العاملين كأجراء لدى الملاكين الكبار أو لدى مؤسسة المعبد والسلطة الحاكمة، حيث مستواهم الاقتصادي متدني للغاية ولا يحصلون مقابل عملهم الشاق سوى كميات محدودة من الحبوب والخبز، تمنح لهم بشكل جرايات خلال فترات معين من العام، كما أنهم كانوا يعاملون معاملة العبيد بالحط من انسانيتهم وكرامتهم، وبأسلوب لا يختلف عن نظام الاقطاع الذي ساد في جنوب العراق ابان الحقبة الملكية (1921_1958)، حيث وصل الحال الى أنهم كانوا يباعون مع الاراضي التي يعملون فيها، وقد سمي هؤلاء في السومرية (كًوروش)، كما ادت حالة البؤس والفقر بين عموم الفلاحين الى حدوث تباين ثقافي واضح بينهم وبين سكان الحواضر والمدن..... وبالرغم من فقر طبقة العامة أو محدودية مستواهم الاقتصادي الا أنهم كانوا من الاحرار يتمتعون بقدر من الحقوق والامتيازات التي أقرتها القوانين، لكن تبقى حريتهم مقيدة بظروفهم الاقتصادية الصعبة الغير مستقرة.

الثانية / العبيد ... اختلفت تسمية العبد وتعددت حسب مصدر عبوديته، لكن أوضح تسمية رسمية له في الاكدية هي (وردم) والعبدة (ورداتم) وأحياناً سميت (أمتو) التي انتقلت بنفس معناها الى العربية بشكل (أمة).. كما كان العبد يسمى أيضاً (سوبارُم) أو (سبرُم) و اصل الكلمة يعود الى اسم المورد الاول الذي كان يتم جلب العبيد منه وهو بلاد (سوبارتو) التي تقع في احد المناطق الجبلية شمال شرق نهر دجلة، وكان سكانها يسمون بنفس اسم منطقتهم.. وهذا ما يوضحه أيضاً أول رمز في الكتابة الصورية لمعنى كلمة (عبد) والتي ظهرت أواخر الألف الرابع ق.م، فكان يرسم رمز الجنس ذكر أو انثى (عبد أو عبدة) والى جانبه صورة جبال.... ولم تكن هذه الطبقة تؤلف نسبة كبيرة أو ذات تأثير فعال في بناء المجتمع وتطور كيانه الحضاري، أما مصادرهم الاخرى أضافة الى ما سبق فكانت على الاغلب من أسرى الحروب، أو من الاحرار الذين يصبحون عبيداً لاقترافهم جرائم خاصة أو وقوعهم تحت طائلة الدين وعدم تمكنهم من سداده. وكان ينظر الى هؤلاء على أنهم من الاشياء المملوكة ويعاملون معاملة خاصة أمام القانون ويميزون عن بقية أفراد المجتمع (الاحرار) أما بأسلوب قص شعورهم أو بوضع علامات العبودية المميزة على أجسادهم كالوشم أو الكي. وكانت شخصية العبد غير كاملة الأهلية بالنسبة للمجتمع، ومع ذلك أعطت بعض القوانين شيئاً من الحقوق لهم فلم تسمح بتعذيب العبد أو ضربه ضرباً مبرحاً، كما لم تسمح بقتلهم حتى من قبل أسيادهم، وكان يحق لهذه الطبقة تكوين أسرة شرعية، فاذا تزاوج العبيد فيما بينهم كان الاولاد عبيداً مثل أهلهم أما أذا تزوجوا من طبقة الاحرار فأن الاولاد يكونوا أحراراً. وكانت العبدة تحصل على حريتها أذا أعترف مالكها وسيدها بأولادها كأبناء شرعيين له. وفي الالف الاول ق .م أجازت بعض القوانين الاشورية والبابلية المتأخرة للعبد أن يعمل لحسابه الخاص وأن يمتهن حرفة خاصة به بعد موافقة سيده لقاء نسبة معينة يدفعها له، كي يستطيع أن يفتدي نفسه وحريته بالمال. وتذكر بعض النصوص المسمارية المتأخرة أن بعض العبيد تقلدوا مراكز وظيفية لدى البلاط والحكومة والبعض منهم أمتلك أموالاً منقولة وغير منقولة بل وحتى امتلاكه العبيد.

المصادر


1_ طه باقر... مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة/ الجزء الأول
2_ طه باقر... مقدمة في أدب العراق القديم
3_ عبد الرضا الطعان... الفكر السياسي في العراق القديم
4_ فوزي رشيد... الشرائع العرقية القديمة
5_ عامر سليمان... القانون في العراق القديم
6_ G. Contenau ... Everyday Life in Babylon and Assyria
7_ H. Saggs ... The Greatness that was Babylon
8_ S. N. Kramer ... The Sumerians

نشرت في تاريخ
الإثنين, 13 حزيران/يونيو 2016 21:20

السدارة رمز الهوية العراقية

لقد ظل العراق تحت الاحتلال العثماني مدة اربعة قرون وكان يتألف من ثلاث ولايات ، بغداد والموصل والبصرة. وخلال هذه الفترة كان الشعب العراقي
يحاول ان يحافظ على هويته العراقية العربية الاصيلة ، ونلاحظ ذلك من خلال الازياء العراقية المختلفة فمنها الزي العربي العقال والعباءة والزي الكردي واليزيدي والمسيحي وفي الفترة الاخيرة الافندي ،البدلة، ودخول الطربوش العثماني الاحمر او الفينة كما كان يطلق عليه
وكما هو معروف
كانت اغلب شعوب العالم ولغاية النصف الاول من القرن الماضي تحرص على اعتمار غطاء للراس كجزء مكمل للشخصية والمظهر العام, وفي العراق تعددت اغطية الراس بتعدد ثقافاته, فكانت كل منطقة لها زيها والوانها التي تعبر عن ثقافتها الخاصة. وعرف العراقيون الفينة كلباس للراس بعد فرضها بشكل رسمي من قبل الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على العراق لغاية العقد الثاني من القرن الماضي, حيث اصدرالسلطان العثماني محمود الثاني في عام1824م, فرمان سلطاني بجعل الطربوش لباس رسمي لجنود وضباط الجيش العثماني, وبعد اربع سنوات عمم الطربوش على جميع موظفي الدولة بما فيهم الوزراء والقادة,مع اختلاف لون الطربوش حسب درجة الموظف.
ومن الجدير بالذكر ان
العثمانيون قد اخذوا الطربوش من المغرب العربي بعد مشاهدة عدد من الجنود القادمين من تونس بقيادة ضابط فرنسي وهم يرتدوها, فقامت السلطات العثمانية بشراء خمسين الف طربوش احمر اللون من المغرب وعمل مصنع في اسطنبول لصناعتها, اما عن سبب تسمية العراقيين للطربوش الاحمر بالفينة فيعود الى ان معظم الفين كانت تصدر من فينا عاصمة النمسا, فاشتق اسم الفينة من فينا.

ولذلك ,كانت الفينة في العاصمة بغداد هي الغطاء الرسمي والشائع للرأس عند اغلب ابناء الشعب العراقي وخصوصا في المدن، لغاية تاسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع العشرينات من القرن الماضي , ويعتمر الفينة الجميع سواءً كانوا من الافندية او من رجال الدين الذين يلفون حولها قماش ابيض او اخضر لتكوين العمامة ( هذا النوع يعرف بالكشيدة ومازالت مستعملة ليومنا هذاعند بعض رجال الدين في عدد من العتبات المقدسة), وكانت الفينة تعتبر الزي الرسمي لموظفي الدولة العثمانية في ولايات العراق الثلاث (بغـداد, البصرة والموصل).

وعندما اندلعت الحرب العالمية الاولى سنة 1914م فأن اغلب الضباط العراقيين في الجيش العثماني كانوا حريصين على تحرير العراق من السيطرة العثمانية والحصول على الاستقلال ولذلك فان العديد من العسكريين العراقيين ايدوا الثورة العربية سنة 1916 وانضموا
الى الثوار والثورة العربية الكبرى ولعبوا دورا مهماً مع بقيه اخوانه الثوار العرب في تحرير البلاد العربية من السيطرة العثمانية والعمل من اجل الاستقلال . وعندما انتهت الحرب العالمية الاولى سنة 1918م أستطاع الشعب العراقي من الضغط على قوات الاحتلال البريطانية من خلال ثورة العشرين حتى استطاع الاعتراف بالعراق وتاسيس حكومة عربية عراقية ملكية
عندما بايع الشعب العراقي الملك فيصل الأول في عام 1921، كان الملكفيصل يلبس الزي العربي الحجازي الثوب والعباءة والعقال المقصب. في ذلك الوقت كان الشعب يرتدي العديد من الازياء المختلفة، الزي العربي ومن هم بالزي الأفندي يرتدون الطربوش العثماني والزي الكردي والزي المسيحي والزي اليزيدي . ولأن الملك فيصل الأول كان واضعا نصب عينيه بناء دولة عراقية مدنية حديثة تساير التطور وبعيدة عن الطوائفية والعنصرية المنغلقة على شريحة بعينها من دون غيرها .
لذلك أراد الملك أن يكون هناك زي موحد يكون أشبه بميزة عراقية تدل على الهوية الوطنية.. وهنا رسم الملك فيصل الأول تصميم السدارة (القبعة) وأعطاه لصديقه ومستشاره رستم حيدر ليتم تنفيذها، وما أن نفذت، كان هناك اجتماع للوزراء، فحضر الملك فيصل الأول رحمه الله الاجتماع وهو يلبس زي الأفندي (أي البدلة) وعلى رأسه السدارة وكذلك كان رستم حيدر يرتديها،وقام رستم حيدر رحمه الله بتوزيع السدارات على أعضاء الحكومة فارتدوها. ولأن هذه القبعة بتصميمها تختلف عن أي قبعة أخرى، ولأن من صممها وأول من ارتداها هو الملك فيصل الأول لذلك أطلق عليها العراقيون اسم السدارة الفيصلية، وأصبحت من ميزات العراقيين.
ومن الجدير بالذكر هناك
عدة اراء تفسر اصل كلمة السدارة، فهي برأي الباحث عزيز الحجية مؤلف السلسلة التراثية الشهيرة (بغداديات عزيز الحجية), كلمة سامية تعني لباس الراس عند قدماء الفرس, ووردت عند الفيروز ابادي بـ (السيدارة) ويشير بها الى عصبة الراس, ورددت بنفس المعنى في معجم المنجد للغة للأباء الكاثوليك.
كما أن هناك من يقول بأن
كلمة السدارة كلمة فصيحة عربية ليست أجنبية يأتي معناها من كلمة (سدر الشعر) أي سدله ولأن الشعر ينسدل تحتها أو هي تسدر الشعر، فلبس أو إعتمار السدارة كان في بداية القرن العشرين ولكن شهرتها بدأت عندما إعتمرها المرحوم الملك فيصل الأول،
وتتميز الصدارة (كما يلفضها بعض اهل بغداد) بشكلها النصف المقوس, والمدبب تقريبا من الوسط, وتكون مطوية الى طيتين للداخل ويغلب عليها اللون الاسود وهو اللون الرسمي, الى جانب اللوان عديدة.
ومن الطريف ان هناك رآي يقول: لسوء الحظ لم يكن اختيار السدارة موفقا فهي لا تقي من المطر ولا الشمس ولا تعطي تهوية للرأس. فضلا عن ذلك، كان سعرها مكلفا بالنسبة الى سعر العرقجين او اليشماغ. لهذا صعب شراؤها على ضعفاء الحال. وجدها آخرون غريبة عن الأزياء التقليدية للبلاد. وهكذا لم تشع كثيرا وامتنع البعض منها كليا.
كان منهم النائب في مجلس النواب عبد الرزاق منير. وجد المسؤولون في إصراره على لبس الفينة والدخول الى المجلس بهذه الهيئة شيئا جارحا للسلطة والعهد الوطني الجديد وعائقا ضد شيوع السدارة. بذلوا جهودا كبيرة لإقناعه بلبس السدارة ولم يفلحوا. كان منهم ساطع الحصري ورئيس الوزراء ياسين الهاشمي. ولكنه أبى واستكبر وأصر على الاستمرار بلبس الفينة.
استاء من ذلك بصورة خاصة الملك فيصل. كان ممن تبنوا لبس السدارة ومن، أول من بادر الى لبسها حتى شاع اسمها باسم «الفيصلية» لارتباطها به. لم يعرفوا كيف يعالجون الموقف. ففي تلك الايام لم تجرؤ السلطة على فرض ارادتها على المواطنين، او تحاربهم في رزقهم، أو تتهمهم بالفساد والسرقة. لم يعرفوا كيف يثنون هذا القائد الوطني عن دخول البرلمان بالفينة. بيد ان المغفور له فيصل الاول اشتهر بكياسته في التعامل مع المعارضين ومعالجة الازمات بصورة ودية.
كان ابو شوكت، عبد الرزاق منير، جالسا في بيته عندما سمع طرقا على الباب. فتحوا الباب، فوجدوا أمامه سيارة تحمل ملك العراق نفسه. نزل منها ودخل البيت حيث رحب به صاحب البيت وأمر بإحضار القهوة والماء البارد. وكان الملك يحمل كيسا صغيرا من الورق تحت إبطه. فيما كان يتناول قهوته، (ففي ذلك الزمان، لم يكن احد من العراقيين يخشى ان تكون قهوته مسمومة). وهكذا، فيما كان الملك يتناول قهوته، قال لعبد الرزاق منير: جئتك زائرا با أبا شوكت، لأقدم لك هدية ارجو ان تقبلها مني. فأجابه على الفور: يا سيدنا شلون ما اقبلها؟ اقبلها واحطها على راسي.
عندئذ اخرج الملك السدارة من الكيس وحطها على رأس الرجل بالفعل. وهكذا واجه الأمر الواقع. لم يعد في إمكانه ان يتراجع عن وعده للملك وينزع السدارة. فاستمر في لبسها، بل ومعتزا بها كهدية من ملك العراق.

انواع السدارة:
للسدارة عدة انواع، ففي بداية ظهورها كانت تصنع من الجبن (الصوف المضغوط) وتسمى بسدارة الجبن وعرفت بحجمها الكبير ، وتميزت بأرتدائها الشخصيات المهمة في المجتمع من امثال ياسين الهاشمي رئيس الوزراء في العهد الملكي, والشاعر البغدادي الشعبي الملا عبود الكرخي والشاعر جميل صدقي الزهاوي, وكان لها معمل في بغداد اسس بامر من ياسين الهاشمي.
والنوع الثاني هو السكوجية وكانت تصنع من القماش , وتفصل من نفس قماش الملابس , حيث بعد تفصيل البدلة الرجالية (القاط) تاخذ قطعة من ذات القماش لغرض تفصيل سدارة, وكان حجمها اصغر من سدارة الجبن, واغلب من كان يرتدي هذا النوع السدائر هم افراد الشرطة والجيش في العهد الملكي وكذلك في العهد الجمهوري لغاية عقد السبعينات من القرن الماضي. حيث استبدلت بالبيرية لاغلب صنوف الجيش والشرطة, ومن امهر صناع السدارة السكوجية شخص اسمه جاسم محمد وكان محله يقع في سوق السراي عند مدخل خان الصاغة, وفي مدخل سوق السراي من جهة جسر الشهداء, توجد عدد من محلات عمال قالب السداير الذين يقومون بتنظيف السدارة وقلب الوجه الخارجي الى الداخل عندما يتقادم وتذهب لمعته, وكان اغلبهم من اليهود, ولكن السدارة المقلوبة واضحة للعيان حيث الجزء الداخلي للجوخ خشن وغير لماع.
ويذكر الباحث عزيز الحجية في سلسلته بغداديات : ان السداير الاجنبية (الايطالية والانكليزية) بدات تغزو العراق في الثلاثينات وكانت تصنع من مادة الجوخ اللماع وتحمل ماركات مختلفة مثل روبين وهيون وفكتور كما ان السدارة جاءت بالوان مختلفة منها السوداء والقهوائية والزرقاء والرمادية, ومن ابرز مستوريدها (مهدي قنبر و صيون شمعون) ولكن ظلت السدارة الاولى المصنوع من الجبن محل اعتزاز الكثيرين ممن اهل بغداد واطلق عليها السدارة الوطنية, وكان الشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي قد ذكر السدارة الوطنية في شعره, حيث انشد قائلاً:
مع كل هذا ليعــــــــــــــــلم
مني كل اجنبي ويفـهم
بالسدارة (الكرخي) مغـرم
حيث للمواطن شعــاره
**************
شعـــــــــار اوطاني وهيه
الليبسوها الوطــــــــنية
عربيــــــــــــة عـــــراقية
صايرة ابراسي اشــارة
ومن الجدير بالذكر أن هناك محاولة جرت لالغاء السدارة:
بعد انقلاب بكر صدقي في 29 تشرين الثاني 1936, ظهرت محاولات لالغاء السدراة من قبل القائمين على الانقلاب, حيث اصدرت حكومة الانقلاب التي تراسها حكمت سليمان, قانوناً يقضي بابدال السدارة (الوطنية), بالقبعة الاوربية لكون الاخيرة من مظاهر التطور والاتصال بالعالم الخارجي, والصحيح ان القائمين على الانقلاب كانوا على خلاف مع ياسين الهاشمي الذي كان الانقلاب موجه ضده بالاساس ولان الهاشمي من المحافظين على لبس السدارة الوطنية كما ذكرنا من قبل,وكان قد امر بجعل السدارة الباس الرسمي لجميع موظفي الدولة العراقية في منتصف الثلاثينات, حيث اراد الانقلابيون ابدال السدارة بالقبعة الاوربية نكاية بالهاشمي الذي توفي بعد فترة من الانقلاب, واخذ بعض من الشباب المتحمس للانقلاب بلبس هذه القبعة, ولكن سرعان ماعادت السدارة الفيصلية ( الوطنية) كزي رسمي وعام الى المجتمع بمقتل الفريق بكر صدقي في الموصل وسقوط حكومة الانقلاب بعد اقل من عام من اول انقلاب عسكري في التاريخ العراقي الحديث

ومن الملاحظات الجميلة
كانت السدارة تنظف بقطعة قماش ناعمه مبلله بلشاي دون السكر لتبدو جديده
وفي الختام نحب ان نقول امنية ودعوة صادقة
"لقد أراد الملك فيصل الأول رحمه الله من لبس السدارة الفيصلية اشارة نحو الوحدة الوطنية واشارة لبناء الدولة المدنية المتحضرة. للأسف ان بزوغ المدنية ونهضة العراق لقرابة اربعين عاما التي عمل عليها الملك فيصل الأول رحمه الله وأبناء الشعب العراقي، بدأت تختفى بين دولة طائفة أو عشيرة.
تخلوا العراقيين عن سدارة المدنية والقوها بعيدا، وقسمت المناطق طائفيا وعرقيا.. نسوا العراق، فلم يعد فوق رأسهم شيء يهديهم لرؤية الانسان.. نحن مطالبون اليوم بالعودة للسدارة الفيصلية في وقت يرجع العنف مرة أخرى للشارع العراقي والطائفية والدكتاتورية والتفرقة والممارسات المؤسفة، لنرتديها رمزا لوحدتنا وكنوع من المطالبة للسياسيين وغيرهم أننا نريد دولة مدنية متحضرة.. لنرتديها اليوم بدلالاتها الوطنية لأنها هويتنا العراقية.. وكلنا رجاء ان يقف الرجال لحظة ويتفكروا بحال الوطن، الوطن الذي هو الشعب.. نتمنى أن يرتدي رجال السياسة السدارة الفيصلية علهم يعودون لصوابهم.. نتمنى على الرجال العراقيين صغارا وكبارا بكافة فئاتهم من أدباء ومفكرين واطباء واساتذة جامعات وطلاب وفنانين وعمال ومهنيين، أن يرتدوا السدارة الفيصلية مطالبين بالوطن الواحد الموحد أرض وشعب.. في هذا الوقت نحن بحاجة للسدارة الفيصلية لأنها لا تميز من يلبسها بطائفته أو مذهبه أو عرقيته، إنما تميز الكل من الكل أنهم عراقيون".

نشرت في تاريخ

لم يكن أبتكار السومريون لأقدم أسلوب للتدوين في تاريخ الحضارات القديمة حدثاً عارضاً في التاريخ الأنساني ، بل أعتبر و بحق واحداً من أَعظم الأنجازات الحضارية في تاريخ البشرية وضع حداً فاصلاً بين مرحلتين أساسيتين من مراحل التطور الحضاري . حيث أنتهت مرحلة عصور ما قبل التاريخ لتبدأ بعدها مرحلة العصور التاريخية . و قد حدث هذا الأنجاز الرائع في مدينة (الوركاء) ، وتحديداً الطبقة الرابعة منها في الدور المعروف بأسم (جمدة نصر) الذي يؤرخ بحدود 3200 ق.م ، ليكون مكملاً و متوجاً لثورة الأستيطان المدني التي حدثت في هذه المدينة عند منتصف الألف الرابع ق.م . حيث كان الدافع أليه الحاجة لتوثيق الواردات الأقتصادية للمعابد التي كانت المحُركة و المُسّيرة لدفة المجتمع آنذاك . و قد عرف هذا الأسلوب من التدوين أو الكتابة بأسم (الكتابة المسمارية) نظراً لأشكالها التي تشبه المسامير، علماً أنه لايصح أطلاق هذه التسمية على المراحل البدائية الأولى من هذه الكتابة ، بل في مراحلها اللاحقة فقط بعد أن أصبحت العلامات المكتوبة تأخذ الأشكال أعلاه نتيجة شكل و طريقة الكتابة بالأقلام المعمولة من القصب على ألواح الطين الذي أصبح المادة الأساسية للكتابة ، لتوفره وخفة وزنه و أيضاً لسهولة تشكيله بأشكال و أحجام مختلفة حسب الحاجة . كما أنه تمت الكتابة على الحجر و مواد أخرى أيضاً .
لقد مرت (الكتابة المسمارية) بثلاث مراحل تطورية قبل أن تصل الى مرحلة النضوج التي أمكن للكاتب من خلالها توضيح أفكاره المختلفة . و قد سميّ الطور الأول أو البدائي منها ب(الطور الصوري) و فيه كان يتم كتابة الأشياء برسم صورها فقط ، لذلك كانت الكتابة في هذا الطور محدودة الأستخدام و لم يتم بها تدوين لغة معينة ، و أنما كانت مجرد جداول نقشت فيها أشكالاً لحيوانات ومنتوجات زراعية و أدوات عمل كانت تمثل الواردات الأقتصادية للمعابد (كما أسلف) حيث عثر على تلك الكتابات . ومن المرجح أن الأختام المنبسطة التي أبتكرها أنسان وادي الرافدين في مطلع الألف الخامس ق.م و ما كانت تظهره من أشكال على الطين عند الطباعة هي التي أوحت لأبتكار هذا النوع من الكتابة .
و في فترة عصر فجر السلالات الأول 3000_2800 ق.م دخلت الكتابة طورها الثاني الذي سميّ (الطور الرمزي) ، و فيه لم يعد رسم الصور السابقة يقصد به معناها المجرد و أنما معان أخرى جانبية مشتقة منها .... مثلا ًترسم صورة الشمس للتعبير عن الضوء أو الحرارة أو النهار ، أو يكون رسم صورة القدم للتعبير عن المشي و الحركة ، و صورة النهر للدلالة على السقي و الأرواء . وغيرها من المعاني الكثيرة الأخرى . كل ذلك أدى الى أستخدام عدد هائل من العلامات وصل في هذه الفترة الى ما يقارب 3000 علامة ، و هو عدد لم يكن الألمام به بالأمر اليسير طبعاً . و من الجدير ذكره هنا و لعدم نضوج أسلوب الكتابة في الطورين السابقين فأنه يُفضل تسمية فترتهما 3200_2800 ق.م بالفترة الشبيهة بالكتابية أو الشبيهة بالتاريخية .
دخلت الكتابة طورها الثالث الذي سميّ (الطور الصوتي) في عصر فجر السلالات الثاني 2800_2600 ق.م ، و هنا أستخدمت العلامات ليس من أجل معناها الصوري أو الرمزي و أنما لتمثل مقاطع صوتية لتدوين اللغة المحكية ، فكانت تجمع العلامات التي تمثل تلك المقاطع لتشكيل كلمات منطوقة . ويقصد بالمقطع الصوتي هنا (صوت علة+صوت صحيح وبالعكس)... مثل (كي) أو (لو) أو (شا) وغيرها ، أو أن يكون المقطع الصوتي (صوتين صحيحين بينهما صوت علة و بالعكس)... مثل (ليل) أو (كًال) أو (لام) و غيرها ... وبتجميع تلك المقاطع يتم تكوين الكلمة المدونة .. مثل القول في السومرية ...(لو_كًال) و تعني (مَلك) ، (كا_لام) وتعني (أقليم أو بلد) ، (أين_سي) وتعني (أمير) ، (كا_شي_تين) وتعني (خمر) ، (سان_كًا) و تعني كاهن . و مثل القول في الأكدية ... (شا_ار) وتعني (مَلك) ، (أي_لو) وتعني (إله) ، (ما_ات) وتعني (بلد) ، (ما_ار) وتعني أبن . وغير ذلك من الكلمات . و قد صاحب هذا التغيير في مدلول العلامات تغير في شكلها أيضاً ، حيث أخذت تفقد شكلها الصوري القديم تدرجياً لتأخذ أشكالاً أخرى محورة عنها . و يرجع السبب في ذلك الى كون الطين و هو المادة الأساسية المستخدمة في الكتابة كان غير ملائم لرسم صور الأشياء لكنه ملائم جداً لنقش علامات بشكل خطوط مستقيمة ، وذلك بضغط طرف القلم ذو الرأس المثلث و المعمول من القصب أو الخشب قليلاً على وجه اللوح فتتكون نتيجة لذلك خطوطاً أفقية و عمودية و زوايا مائلة ، و كان الشكل المثلث لطرف القلم قد أعطى تلك الخطوط رؤوساً تشبه المسامير ، ومن هنا أخذت شكلها و ميزتها و تسميتها المعروفة . وقد أختزل عدد كبير من العلامات في هذا الطور ليبقى ما مستخدم منها حوالي 800 علامة ، ثم الى عدد أقل في الفترات اللاحقة . و بهذه الطريقة أصبح بمقدور الكاتب تدوين لغته المحكية و أفكاره و معتقداته و أنجازاته الحضارية . فكتب على ألواح الطين مختلف شؤون الحياة .. ادب ، فلك ، طب ، نصوص قانونية ، نصوص دينية ... وغيرها الكثير . وقد كشفت التنقيبات الأثرية على آلاف الألواح المسمارية في معظم مدن وادي الرافدين مما جعلها الحضارة الأكثر غزارة بنصوصها المكتوبة المكتشفة مقارنة ً بالحضارات القديمة الأخرى . و يعود الفضل في ذلك الى قابلية الطين (المادة الأساسية المستخدمة في الكتابة) على مقاومة عوامل الزمن خصوصاً أذا تعرض للفخر ، لتصل ألينا و تكون مرآة تعكس واقع حياة شعب الرافدين و شعوب منطقة الشرق القديم قبل أكثر من 5000 سنة .
أن مايجدر الأشارة و التنويه أليه هو أن البعض يعتقد خطأ ً أن الكتابة المسمارية هي لغة ، حيث ترد أحياناً للأسف عبارة (اللغة المسمارية) وهذا ليس صحيح على الأطلاق ، و أنما هي وسيلة لتدوين لغة محكية معينة . و على هذا الأساس فقد دوّن بهذا الأسلوب من الكتابة العديد من اللغات القديمة ... حيث أستخدمت لتدوين لغتين أساسيتين في وادي الرافدين هما السومرية و الأكدية خلال فترة الألف الثالث ق.م . أما في فترة الألف الثاني ق.م فقد غلب عليها التدوين باللغة الأكدية بلهجتيها البابلية و الآشورية ، بعد أضمحلال اللغة السومرية نتيجة أنحسار دور السومريين السياسي . كما أنتشرت الكتابة المسمارية الى مناطق واسعة من الشرق القديم و أصبحت بالرغم من صعوبتها وسيلة التدوين الرئيسية هناك . و قد ساعد هذا الأنتشار على أنتقال العديد من الأوجه الحضارية الرافدية الى تلك المناطق و خاصة المعتقدات الدينية و النتاجات الأدبية . ففي بلاد أيران أستخدمت الكتابة المسمارية لتدوين كلا ً من اللغتين العيلامية و الفارسية منذ منتصف الألف الثالث ق.م و حتى الألف الأول ق.م . كما أستخدمها (الحثيون) في أسيا الصغرى لتدوين لغتهم خلال الألف الثاني ق.م . وفي فترة مبكرة نسبياً أنتقلت الى بلاد الشام ، حيث أكـتشفت في مدينة (أبلا) القديمة آلاف الألواح المسمارية التي دونت بها لغة أهل المدينة خلال منتصف الألف الثالث ق.م . كما أستخدم الكتابة المسمارية كلا ً من (الحوريين) و(الميتانيين) اللذين أستوطنوا شمال سورية لتدوين لغتيهما خلال الألف الثاني ق.م . كما وصلت هذه الكتابة الى بلاد (الأورارتو) في أرمينيا لتدوين اللغة (ألأورارتية) في مطلع الألف الأول ق.م . وخلال النصف الثاني من الألف الثاني ق.م أصبحت الكتابة المسمارية الوسيلة الرئيسة لتدوين المراسلات و الوثائق الدبلوماسية المتبادلة بين ملوك و حكام وادي الرفدين و وادي النيل و بلاد الشام و أسيا الصغرى بعد أن اصبحت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية اللغة الدوبلوماسية الأولى في منطقة الشرق الأدنى القديم . وكما تبين ذلك رسائل (تل العمرنة) في وادي النيل، حيث كشف هناك عن مئات الرسائل المدونة عى ألوح الطين بالخط المسماري و باللغة الأكدية البابلية ، و التي أوضحت طبيعة العلاقات السياسية بين تلك البلدان خلال تلك الفترة.
لقد دعت صعوبة الكتابة المسمارية المقطعية و شدة تعقيدها و كثرة علاماتها الى البحث عن طريقة أسهل للتدوين . فبدأ الميل نحو الكتابة الهجائية الحرفية التي كان قد أبتكرها الفينييقيون في منتصف الألف الثاني ق.م ، و طورها بعدهم الآراميون لتصبح الوسيلة البديلة خلال الألف الأول ق.م في منطقة الشرق القديم . وكان ذلك أيذاناً بنهاية الكتابة المسمارية التي أخذت بالأنحسار تدريجياً ، والتي أقتصرت على تدوين بعض النصوص الدينية داخل المعابد لقدسيتها . حتى أنقرضت تماماً في منتصف القرن الأول الميلادي، وهي الفترة التي وصل ألينا منها آخر لوح مسماري.

نشرت في تاريخ
الإثنين, 21 كانون1/ديسمبر 2015 09:10

أضواءٌ على الصابئةِ المَنْدائيين

كلمةٌ لابد منها :
للتاريخ نكهةٌ رائعةٌ ؛ كلمّـا شممناها نزدادُ ثقةٍ بأننا لن نبخسها حقَّها ، بل سيكون من الأفضل أن نديمَها ، وأن ننشرَ أريجَها على جميع الأحبّـــــة ؛ فيشاركوننا تلك البهجة ؛ وبذا نكون قد أدينا ما علينا ، ونترك للآخرين التمتع أو رفض ما قدمنا ، لكني لعلى ثقةٍ تامةٍ بأني لن أخـذل متابعي هذا المقال ~
في هذا المقال الذي شغل مني أكثرَ من ثلاثةِ أشهر قراءةً وتهميشاً وتشكيلاً لأواخر الكلمات ، وهدفي الأول كان تبيان المقال بأفضل صورة ؛ وهو- كما ستلاحظون - ذو قيمةٍ متجددة ؛ وكأنه قد كُتب للتو ؛ لما فيه من معلوماتٍ وافية ، وأفكارٍ تصلحُ لكلِّ وقت ، ولا ريب في أن إلمام الاستاذة ناجية غافل المراني بمعظم ما كُتب عن الديانة المندائيّة - حينَ النشر-، مكّنها من اجتياز عقباتٍ كثيرة، وأهمها تبعثرُ المعلومات في بطونِ كتبٍ ومراجعَ متباعدةٍ متناثرةٍ في مختلفِ مكتباتِ العالم ، لكنها وبجهد الباحث المتأني الباحث عن الحقيقة جمعت شتات ما تبعثر وعقدت مقارنات بحثيّة أظهرت من خلالها مقدرة ننحني قدامها بكلِّ إجلال وإكبار ؛ فلقد لخّصت الباحثة الأفكار التي طرحها الذوات مؤلفو الكتب الأوربيين والتي تُعنى وتهتم بشأن الدِّين المندائي ، إضافة لما تناوله الكُـتّابُ العربُ الأقدمون منهم والمحدثون على حـدٍ سواء ، بالشرح والتعليق ، ودراسةِ كلِّ ما يتعلّقُ بشؤونِ الصابئة المندائيين وتبيان تأثير البيئات والمحيط الذي وجد المندائييون أنفسهم فيه ،من هجرةٍ ونزوحٍ وتوطّن .
ومع هذا الكمِّ الكبيرِ من المعلومات ، لم تنسَ السيدة المراني الدورَ الكبير للمندائيين خلال فترة الخلافة العباسيّة ، وكيف كان التأثير الإيجابي لوجود هؤلاءِ المندائيين في أروقة دواوين الخلافة العباسيّة الغاصّة بالأدب والإنفتاح الثقافي الذي شمل جميع العلوم المعروفة آنذاك ، ولقد أشادتْ بدورِ المندائيين في الطبِّ والفلكِ والترجمة والجبر والهندسة . لكنها - مع الأسف - لم تشأ أن تخوض فيما حاق بالصابئة المندائيين من ظلمٍ وحيف وإضطهاد على يدِ جيرانهم وأقرب الناسِ إليهم ، واظن إن السبب يعود للجوِّ العام السائد آنذاك في العراق ، وما يُمكن أن يجره عليها حديثُها من ويلاتٍ فيما لو أشارت لذاك الموضوع .
والملاحظة التي أثارت إنتباهي تلك الحادثة التي وقعت بعد رحيل أبي أسحق الصابيء ؛ فحينما رثى الشريف الرضي* أبا إسحاق الصابيء * سمِع ممن يحيطون به لغطاً ؛فخاف الشريف أن يبوح بما كمُن في صدره من ألمٍ لفقده صاحبه ومنارة من منائر العلم والخلق الرفيع ؛ لذا لجأ إلى قول ( إنما رثيت فضله) وذلك بعد لامه بعضهم على ذلك الرثاء! - وهو حسب ظني - كأنه أراد أن يُبعدَ تهمةً يُمكن أن تطاله و تشوه تاريخه المجيد ، وهو سليل الدوحة الهاشميّة !
لقد قرأت رأياً للأستاذة ناجية ، جعلني أقف عاجزاً عن تجاوزه ؛ فهو رأي ما زال متداولاً ، وأرجو ألا يبقى طويلاً ؛ كي نبعد هذه الفكرة التي تقول :
{ورجالُ الدِّينِ عندنا لا يعوزهم الإخلاصُ والحِسُّ الديني ، إنّما تنقصهم الثقافةُ الحديثةُ والتخصص في اللاهوت ؛ لكي يستطيعوا تفسير الطقوس والشعائرتفسيراً صحيحاً ،ويبتعدوا قليلاً عن تجميدها وجعلها أشبه ما تكون بمسرحيّة رمزيّة}
بهذه العبارات الموجزة وضعت الأستاذة المراني إصبعها لتجسَّ نبضاً و تُشخّص حالة القائمين على الدين المندائي وعلى- الطبقة - التي يجب أن تقود قطيعها نحو برٍّ فيه من الأمان الشيء الكثير ، وفهمـاً لحاضر يجب أن يُخطط لغده بشكلٍ عقلاني سديد ، كتبت الأستاذة هذا قبل أكثر من أربعة عقود ، وهاهو الحال ومع الأسف بقي على ماهو عليه .
في هذا المقال المنشور عام 1974 و- اعتقد - بأنه كان أحد اللبنات الأُول لإنجاز كتابها القـيّم { مفاهيم صابئيّة مندائيّة }- والذي أتأسّف الآن ؛لأني لم أتشرّف بقراءة ذلك الِسفر الذي خطته الخالدة ناجية غافل والذي ترك أثراً رائعاً على كلِّ من قرأه وتعلّـم منه ، سنجد عرضاً قيّماً ذا فائدة قلّما نجدها في مكانٍ آخر . لقد بذلت الاستاذة ناجيّة جهداً مميزاً في جمع وتبويب مادتها التاريخيّة؛ متوخيةً الدقّة والأمانة والحرص على إعطاء كلِّ ذي حقٍ حقه ؛ فلم تبخس أو تجامل أو تمدح أحداً إلا بمقدار ما قدمه من عطاءٍ في إغناء المعلومة التي يدور البحث عنها .
ليس لي في هذا العمل من فضلٍ سوى إعادة النسخ و تصحيح بعض العبارات والتي - وأظن - أنها حدثت بسبب الأخطاء المطبعيّة ؛ لجهل مصففي الحروف آنذاك ببعض العبارات المندائيّة الآراميّة ، إضافة لما سبق ذكره إني قمت بتشكيل أواخر الكلمات ؛ بغية تسهيل القراءة وبالتالي سيكون من السهل معرفة الغاية مما أوردته السيدة المراني ، كما قمتُ بعض الأوقات باضافة تعريفٍ لبعض الأسماء الواردة في البحث لغرض التعريف ليس إلا ،وبتالي سهولة الرجوع للمصدر الأصلي لغرض الزيادة في الإستيعاب ؛ لأن السيدة لم تورد معظم الحديث في بعض الأحايين ، لكنها اكتفت بالإشارة إليه ؛ تاركةً الباب موارباً لكل من يحبُّ الإستفادة ، وكان دليلي بالتعريف موقع { وكيبيديا }، والذي لو كان موجوداً في عهد الراحلة ؛ لكانت أولَ من ولج في بحره .
لكن ومها يكن ؛ فلقد أنجزتُ ما وددت نشره قبل هذه الفترة ،ولن أغفل الإشارة إلى أمر جعلني أشعر بالزهو ؛استعمال الأستاذة المراني مفردةً أجدها في غاية الجمال والروعة إلا وهي إستخدامها مفردة - بلاد النهرين- عوضاً عن بلاد الرافدين المتعارف عليه ؛ باعتبار إن النهر هو الأصل ، وما الرافد سوى واحد أو أكثر يصب في النهر .
ورأي آخر جديرٌ بالإشارة إليه ؛ فلقد أوردت الأستاذة (ولا يُستبعد أيضاً أن يكون قد بقي بعضُ الموحّدين في أرض حران ، وفي العراق وبمدينة الطيب بالذات مما دعا الآتين من الغرب إلى الإلتحاق بجماعتهم في الشرق ، وفي ذلك يكون ما ذكره مؤرخو العرب عن حران وعن الطيب ، وكذلك عن نسبة أبي إسحاق الصابئ إلى متشولح بن إدريس بن شيت صحيحا.)
ومما لا أستطيع أن اتجاوزه دون ذكره ؛موضوع حلول الروح في جسد آدم وهو النص العاشر من موضوع الخلود ؛ ففي النص سنجد موضوعاً رائعاً متكامل الجوانب يشرح كيفية إحلال الروح في جسد آدم الرجل الأول
كانت بعض أعداد مجلة التراث الشعبي إحدى أهم الكنوز التي جلبتها معي إلى ديار الغربة ، لكنَّ أموراً كثيرة حالت دون أن اقوم بما يجعل هذا الأثر يرى النور من جديد ؛ فلجميع أحبتي سيداتٍ فُضلياتٍ ، وسادةٍ أكارم أُهدي هذا الأثر ، عسى أن يجد الإهتمام اللازم ليأخذ مكانه الطبيعي في كل المواقع المندائيّة ؛ لما للراحلة الأستاذة ناجيّة غافل المرّاني من مكانة رائعة .


9-11-2015

 

أضواءٌ على الصابئةِ المَنْدائيين

بـِقلـــم
الأُســــتاذة

نـاجيّة غافِـل المرّاني*

مُــقَـدّمِـــة :
{{ منذُ القديم وحتى يومِنا الحاضر ، والناسُ -عامتُهم ومفكروهم – يستفسرون ويتحدثون عن ماهيّة الصابئة ومعتقداتِهم وأصلهِم ؛ فهناك من صنَّفهم مع المؤمنين الموحّدين ، وهناك من قال إنهم من عبدةِ الكواكبِ المُشركين ، وفئةٌ قالت إن موطنَ الصابئة هو القدس ، وفئةٌ اُخرى ذكرت إنهم سُكّان العراقِ القدماء ، هذا كلُّه والصابئةُ عامتُهم ، ومفكروهم أيضاً ، ومنذُ القديم ، وإلى يومنا هذا ، أقول إن الصابئة لم يزيدوا على ماقاله أبو الطيّب المتنبي* حين قال :
أنامُ مـلءَ جفوني عن شواردِها ويسهرُ الخَلقُ جرّاها ويختصمُ
إن سببَّ هذا السكون كما يبدو لي ، لا يعودُ إلى تحللٍ ديني ؛ إذ لو صحَّ هذا لما بقيَّ الصابئةُ عِبرَ القرون يحتفظون بهويتِهم وطقوسِهم ومفاهيمِهم ، إن السببَّ في سكوتِ الصابئة وامتناعهم عن التحدّث والكتابة في اُمورِ دينِهم يعودُ إلى حرصِهم على قولِ الحقيقة، ونفورِهم من كلِّ ما عداها ، وحقيقةُ دينِ الصابئة غيرُ واضحةٍ لمثقفيهم ، وذلك ليس بسببِ قصورٍ في فَهمهم ،لكن بسبب إنصرافِهم عنها إلى غيرها مما يَرونه أجدى وأجدر باهتمامهم حسب ما تحتمه عليهم البيئة والظروف التي يعيشونها ؛ فمنهم من إنصرف الى العلمِ ومنهم من هوى الأدب .
ويخبرنا مؤرخو الإسلام إن ثابتَ بنَ قرة بنِ زُهرون الحرّاني الصابئ* انتقل من حرّان إلى بغدادَ واشتغل بعلومِ الأوائل ؛ فمهر فيها وبرع في الطبِّ ، وله تآليفٌ كثيرةٌ في فنون العلمِ ،مقدارَ عشرين تأليفاً حتى قال فيه السَّريُّ الرفّاء* الشاعر :
هل للعليلِ سوى إبنِ قـرة شافي بعد الإلهِ ، وهل له من كافي
فكأنه عيسى بنُ مريمَ ناطقاً يَهبُ الحياةَ بأيسرِ الأوصافِ
أمّا إبنه إبراهيم فقد بلغَ رتبةَ أبيه في الفضل وكان من حذّاق الأطباء ومقدمي أهلِ زمانهِ في صناعة الطبَّ حتى قِيل عنـــــه :
برز إبراهيمُ في علمـه فراح يُدعى وارثَ العلمِ
أوضح نهجَ الطِّبِّ في معشرٍ مازال فيهم دارسُ الرسمِ
إن غضبت روحٌ على جسمها أصلحَ بينَ الروحِ والجسمِ
ومنهم إبراهيمُ بنُ سنان بنِ ثابت بن قُرّة الصابئ *، وكان ذكيّاً عاقلاً فهِمـاً عالماً بأنواعِ الحكمة ، والغالب عليه فن الهندسة ِ، وقد كتب مقالةً فيها إحدى وأربعون مسألةً هندسيّة من صِعاب المسائل في الدّوائر والخطوط والمثلثاتِ وغير ذلك ، سلك فيها طريقَ التحليل من غير أن يذكر تركيباً إلا في ثلاثِ مسائل احتاج إلى تركيبها ، وكتب مقالةً ذكر فيها الوجه في استخراج المسائل الهندسيّة بالتحليلِ والتركيب وسائرِ الأعمال الواقعة في المسائل الهندسية، ومما يعرضُ للمهندسين ويقعُ من الغلط نتيجة الطريق الذي يسلكونه في التحليل إذ اختصروه على حساب ما جرت به عادتهم ، وكتب أيضاً مقالةً في رسم القُطوع الثلاثة ،بيّن فيها كيف تُوجِدُ نقط بأي عددٍ شئنا على أي قطع أردنا من قُطوع المخروط .
أمّا أبو إسحق الصابيء ؛فهو أشهرمن الذين استهواهم الأدبُ العربيُّ والثقافةُ الإسلاميّة ، وهو صاحبُ الرسائل المشهورة ، والنَّظم البديع ، كان كاتب َ[ ديوان ] الإنشاء ببغدادَ عن الخليفة وعن عز الدولة بن بختيار بن معز الدولة بنِ بويه الديلمي ، وتقلّد ديوان الرسائل سنة تسعٍ وأربعين وثلاثمائة . كان متشدداً في دينه ، وقد جهد عليه عزُّ الدولة أن يُسلم فلم يفعل ، وكان يصومُ شهر رمضان مع المسلمين ، ويحفظ القرآن الكريم أحسنَ حفظ ، ويستعمله في رسائله .
وقد رثاه الشريفُ الرضيّ في فصيدته [ قصيدته ] التي مطلعُها :
أرأيتَ من حملوا على الأعوادِ أعلمتَ كيف خبا ضياءُ النادي
قيل: وعاتبه البعضُ في ذلك لكونه شريفاً يرثي صابئـاً ، فقال لهم : ((إنما ريثتُ فضـله )).!
هذا ما كان قديماً ، أمّا في زمننا هذا ؛ فلم يختلف الأمرُعمّا كان عليه ؛ إذ إنصرف معظمُ شبابِنا إلى العلمِ واستغرقهم ذلك إستغراقاً ألهاهم عن التفكير بأمورالدين . أمّا الذين إستهواهم الأدب فلم يبتعدوا كثيراً عن الخطِّ الذي سار عليه أبو إسحاق الصابيء ؛ فهم مولعون بقراءة القرآن والتراث العربي المجيد ولا ريب إنَّ إهتماماتهم وميولهم وإتجاهاتهم الفكريّة هي جزءٌ من الإتجاهات السائدة في البيئة التي يعيشون فيها ، لكنهم جميعاً يعانون من عقدة الدين ؛إذ على الرغمِ من التطور الفكري الذي أحرزه الإنسان الحديث إلا أنه لايزال يجعل من الدين عقدةً وسبباً للتفرقة والتمييز . صحيحٌ إن هناك من الكثير ممن يقدرون الإنسان لفضله كما فعل الشريف الرضي قبل قرون ، لكن هناك الكثيرون أيضاً ممن يعاتبون أمثالَ الرضي حينما يفعلون ذلك .
لقد قاسينا ، ولا زلنا نقاسي الكثير ؛ لا لكوننا صابئة فحسب ،وإنّما لكوننا نجهل كلَّ شيء عن ديانتنا ؛ فنحنُ عاجزون عن إجابة أسئلةٍ مازالت تُطرحُ علينا في كلِّ زمانٍ ومكان :
( ما دينكم ؟ من نبيكم ؟ لماذا تتعمدون ؟ ما تعني أعيادكم ؟ ) نحنُ نعرف إننا نعبدُ الله ، لكننا لا نتجرأ أن نتعدى ذلك إلى تفسيرٍ[ آخر] ؛ وإلّا وقعنا في أخطاءٍ جـرّت الشك بنا ، وربما الهُزء منّـا .
إنَّ كتبَنا الدينيّة مخطوطةٌ باللغة المندائيّة وهي لهجةٌ من الآراميّة إحدى اللغات الساميّة ، ومعظم التراتيل والأدعية والصلوات جاءت بلغة أدبيّة ملؤها الرموز وأنواع المَجاز ، وهي بذلك شبيهةٌ بلغة العهد القديم والعهد الجديد ، ورجالُ الدِّينِ عندنا لا يعوزهم الإخلاصُ والحسِّ الديني ، إنّما تنقصهم الثقافة الحديثة والتخصص في اللاهوت ؛ لكي يستطيعوا تفسير الطقوس والشعائرتفسيراً صحيحاً ،ويبتعدوا قليلاً عن تجميدها وجعلها أشبه ما تكون بمسرحيّة رمزيّة تُعرضُ أمامَ جُمهورٍ لم يسمع بالرمزيّة قطُّ ؛ فيأخذ كلَّ حركةٍ بمظهرها ، وتكون حصيلة ذلك فكرةً مشوهة عمّـا يُريدهُ الكاتب .
لقد قـام الكثيرون من المتخصصين باللاهوت والمستشرقين مـُنذُ أوائل هذا القـرن [ القرن العشرين ] بترجمة الكتب المندائية إلى اللغات الأوربيّة وباجراء بحوث وكتابة تآليف حول ماهيّة المندائيين وأصلهم ومعتقداتهم ؛ فقد نُشر في اوربا بين [ الأعوام] 1930 – 1966 مئة وإثنان وأربعون تأليفاً في هذا الموضوع ، ستةٌ وستون منها في ألمانيا ، وأربعة وعشرون تأليفاً في بريطانيا ، وخمسةَ عشرَ في فرنسا ، وتسعة في إيطاليا ، وستة عشر في اسكندنافيا . وهناك مقالات صدرت في امريكا بقلم سيروس كوردن ، أمّـا أشهر المهتمين والمتخصصين في هذا الحقل فهي السيدة ( لزابيث دراوور ) ولها مايربو على العشرة مؤلفات بين تأليفٍ وترجمة . وهناك السيد لدزبارسكي الذي ترجم الكثير من الكتب المندائيّة والّف كُتباً في الموضوع ومن المهتمين بهذه البحوث السيد ماكوش الذي اشترك مع دراوور في تأليف قاموس مندائي – إنجليزي ، ويجد القاريء في نهاية هذا البحث فهرست بأسماء أهم الأعلام في هذا الحقل ، وإني مَدينةٌ لكتّابها من القدامى والمحدثين ، العربُ منهم والأجانب في حصولي على معظم المعلومات الموجودة في هــــذا البحث .
أمّـا في محيط الطائفة نفسها ؛ فقد قام أخيراً السيدان غضبان رومي ونعيم بدوي ببعض المحاولات في هذا الحقل ؛ فترجما كتاب السيد [ ة ] دراوور الأول ( مندائيو العراق وإيران ) ونشرا بعض الأساطير المندائيّة ، كما نشر السيد غضبان رومي كُرّاساً صغيراً يحوي تفسيراً لبعض الطقوس وإجابةً لبعض الأسئلة. إن الأعمال آنفة الذكر تُعتبر خطوة محمودة في هذا المجال ، إلا أن كتابَ دراوور المشار إليه لم يكن علميّاً بالمعنى الصحيح ؛ إذ اعترفت المؤلفة نفسها في كتبها اللاحقة فقالت إن معلوماتها باللغة المندائيّة كانت لا تزال بدائيّة حين كتابيتها الكتاب . وأيّد ذلك ما جاء في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب المذكور ومن اعتماد المؤلفة المعلومات التي استقتها شفهيّـاً من بعض أفراد الصابئة وهم جُهلاء لا تتعدى أقوالُهم الأساطير المفككة التي لا رابط لها ولا معنى .(4)
لقد يسرّت لي معرفتي اللغة الإنجليزية قراءةَ ما كُتب حول الصابئة المندائيين وما تُرجم من مخطوطاتهم ،مع مقارنته بالأصل المندائي الموجود ضمن الكتب المترجمة ؛ فأحسست أني قادرة على أن اعمل شيئاً ذا فائدة .
ملعون هو الإنسان الذي يمتلك القدرة على العمل الإيجابي ولا يعمل ، لقد جاء في في إحدى تراتيلنا الدينيّة حثُّ الإنسان على العمل ، حيثُ تقول الترتيلة : لكلِّ حسب ما قدّمت يداه ، حيثُ أن من تعب وقاسى طويلاً سينال بكلتا يديه ، أمّا ذلك الذي لم يشقَ ولم يعمل يقف خالي اليدين ، ولسوف يطلب ولا يجد ، ويسأل ولا يلقى ؛ فلقد كان قادراً على العطاء وما أعطى ؛ لذلك سوف لايجد إن هو طلب ، أنت المسبّح ايها الربُّ ؛ لأنك لا تترك محبيك .
1 - تسمية الصابئة المندائيين :
إن الذي دعاني إلى إتخاذ { الصابئة المندائيون } موضوعاً لبحثي هذا ؛ هو كون الأسمين أُطلقا ولا زالا يُطلقان على مسمّى واحدٍ ؛ فكلُّ فردٍ من أفراد طائفتنا يُعرف أنه صابئي مندائي . أمّـا كلمة مندائي فمأخوذة من ماندا الآراميّة وتعني المعرفة ، وكل فرد من أفراد الطائفة هو مندائي أي عارف بالدين الحق ، وقد وردت في كتبنا الدينيّة كلمة الناصوري بالإضافة إلى المندائي . والناصوري هو رجل الدين المُحنّك بتعاليمه . وكلمة ( نصروئة ) تعني معرفة الرب والإيمان الصحيح ، وهي كلمة عُرفت بهذا المعنى قبل زمن المسيحية ؛ إذ تخبرنا دائرةُ المعارف البريطانيّة إن الناصوراي كان معروفاً قبل المسيحية كشخصٍ عرف الرب وأخذ على عاتقه واجباً دينياً مقدّسا ، وهو يتميّز بعدمِ حلاقةِ شعرهِ وامتناعه عن شرب الخمر . وتفسير دراوور - ماكوش لكلتا الكلمتين مندائي وناصوري مُطباقاً لِما ذكرنا أعلاه .
ويُعرِّفُ المندائيون أنفسَهم باسم الصابئة ، كما يُعرّفهم العربُ بهذا الإسم أيضاً ؛كفئةٍ دينيّةٍ متميزة . وقد وردت في كتبنا المقدسة كلمةٌ مشابهة لفظاً ومعنى ، صبَّ يصبُّ الماء ، وتلك الكلمة هي ( صبا ) الآراميّة ومعناها غطس أو اصطبغ ، أو تعمّد بالماء ومنها (مصبوته ) وتعني التعميد . إلا أن المعاجم العربيّة عمدت إلى إشتقاق كلمة الصابئة من الفعل المهموز صبأ صبوءاً ؛ إذ أن الجوهري يذكر في تاج اللغة وصحاح العربيّة مايلي : صبـأ صبوءاً أي خرج من دين إلى دينٍ ، وصبأ أيضـاً إذا صار صابئاً ، والصابئون جنسٌ من أهل الكتاب السلام ، ويذكر الفيروز بادي [ أبادي]* في قاموسه المحيط مايلي : صبأ صبوءاً أي خرج من دينٍ إلى دينٍ ، وصبأ أيضاً إذا صار صابئاً ،والصابئون جنس السَّلام ، وقبلهم [ قبلتهم ] من مهبِّ الشمال . ويرى إبنُ منظور في لسان العرب نفس الرأي السابق . امّـا إبنُ خلكان فيقول في ترجمته حياة ابي اسحق الصابئ ، أن الناس إختلفوا في نسبة الصابئ ؛ فقيل إنها إلى صابئ بن متشولح بن ادريس عليه السلام ، وكان على دين الحنفيّة الأولى ، وقيل صابئ بن ماري ، وكان بمصر الخليل عليه السلام ، ويتحدّث الشهرستاني عن وجود صنفين من الموحدين في أيام الخليل ، هما الأحناف والصابئة ، وقد ورد ذكر الصابئة مقروناً بذكرِ مدنٍ معينة كانت مراكز لعبادات صحيحة كحران والطيب ، في منطقة واسط ، وميسان وغيرها ، وسوف نأتي على تفصيل ذلك قريباً .
مما رأينا يتضحُ إن اسم الصابئة كان قد اُطلق على أتباع الدين المندائي من قبل العرب ، وبقي ملازماً لهم نتيجة وجودهم في البلاد العربيّة منذُ نشأتهم الأولى وحتى يومنا هذا ، وأن الصابئة كانوا في مستهل الرسالة النبويّة يُشكلون فئة دينيّة متميّزة واضحة العقيدة الأمر الذي إستدعى تصنيفهم مع المؤمنين وذوي الديانات السماويّة ، وذلك في ثلاثِ سور من القرآن الكريم كما سنرى .

2 - تاريخُ الصابئـة المندائيين :

الأردن ، القُدس ، حـران ، طيب ، ميسان تلك أسماءٌ ترددت على مسمعي مذ كنتُ طفلة اُصغي إلى والدي يشرحُ فقرات من كتاب ديني كان يقوم بنسخه آنذاك ؛ لذلك لم يكن غريباً عليَّ وجود مثل هذه الأسماء خلال بحثي تاريخ الصابئة المندائيين ومعتقدلتهم ، سواء أكان ذلك في كتبهم الخاصة أم في الكتب التي تحدث مؤلفوها عنهم .ومما لاشك فيه إن الصابئة كانوا في أحدِ تلك الأماكن ،أو في الآخر خلال فتية من فترات الزمان . وقد أجمع كتّاب التراث العربي على وجود الصابئة في بلاد مابين النهرين قبل الفتح الإسلامي؛ فقد ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان إن الصابئة كانوا في بلدة الطيب الواقعة بمنطقة واسط إلى أن جاء الإسلام.
يقول ياقوت الحموي :
(طيب بُليدةٌ بينَ واسط وخوزستان، وقد حدّثني داوود بن أحمد سعيد الطيبي التاجر رحمه الله فقال : المتعارف عندنا إن الطيب من عمارة شيت بن آدم عليه السلام ، وما زال أهلُها على ملّـة شيت وهو مذهب الصابئة إلى أن جاء الإسلام فأسلموا )
وذكر زكريّا بنُ محمّدٍ القزويني في كتابه آثار البلاد وأخبار العباد الخبرَ نفسهَ عن بلدةِ الطيب وورد في كتب الصابئة المندائيين ما يؤيد ذلك ؛ إذ إن معظم ناسخي تلك الكتب يذكرون إنها نُقلت عن نسخةٍ مخطوطةٍ ببلدة طيب3 هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى فأن الصابئة المندائيين يقدّسون شيت بن آدم ، ويعتقدون بأنه يُمثّل الكمال في الجنس البشري ؛ لذلك فأن نفوس البشر تُقارن بنفسه يومَ الدينونة ؛ فمن شابهت نفسُه نفسَ شيت عُـدَّ من الصالحين ، وكُتبَ له الخلود معهم . ونجد في تراتيل العماد إن الأب شيت يُعلّم طالبي التعميد من المندائيين ألا يتخذوا من الشمس والقمر والنار شهوداً لتعميدهم ؛ لأنها زائلةٌ باطلة ، وهو ينصحهم بالإيمان الحق فقط . وسوف نكتب الترجمة الكاملة لتلك الترتيلة في فصلٍ قادم 4 . هذا عن بلدة الطيب ، أمّـا عن وجودهم في ميسان وتأييد عبادتهم الله ؛ فقد كتب إبنُ النديم في مَعرِض حديثه عن تأسيس المذهب الماني أو المانوي فقال : إن مؤسس هذا المذهب حين أتاه هاتفٌ يأمره بهجر عبادة الأصنام ، ترك قومه في طيسفون والتحق بالمغتسلة الذين كانوا يُقيمون في ميسان .
يقول إبنُ النديم : ماني بن فتق أو فاتك مؤسس المانويّة ، كان في طيسفون وهناك بيتٌ لعبادة الأصنام ، فأتاه هاتفٌ : لاتأكل لحمـاً ،ولا تشرب خمــرا ، ولا تنكح بشرا ، تكرر عليه ذلك ثلاث مرّات ؛ فترك الاصنام والتحق بقومٍ كانوا بنواحي دست ميسان ،يُعرفون بالمغتسلة ، ولا يزالون إلى يومنا هـــذا )5 .
ويؤيد الباحثون المعاصرون في الغرب هذا الرأي ؛ فيؤكدون إن التراتيل المانيّة [ أو المانويّة] مُستمدة بل مترجمةٌ عن التراتيل المندائيّة التي كُتبت في وقتٍ أسبق منها بكثير 6 . ويتحدّث إبنُ النديم عن المغتسلة ويسميهم صابئة البطائح ؛ فينوه باحتمال انتسابهم إلى صابئة حرّان ولكنه لا يجزم بذلك . أمّـا الصابئة الحرانيون فيتحدّث عنهم حديثاً مُستفيضاً في مستهل بحثه أنواع الملل والمذاهب التي عرفها ويذكر عنهم رواية الفيلسوف المشهور الكندي وتقييمـه معتقداتهم 7 .
ولا شك بأن تردد الكاتبِ العربي بنسبة صابئة البطائح إلى صابئة حران ، ناتجٌ عن الإختلافِ بينهما إختلافاً سببه التباين في المستوى المعيشي والثقافي لكلٍّ منهما ، ومثل هذا الإختلاف لا يزالُ قائمـاً حتى اليوم بين صابئة أهوار الناصريّة وميسان وعربستان وبين الطبقة المثقّفـة من صابئة بغداد ؛ حتى يُخيّل إلى الباحث أو المشاهد إنهما فئتان مختلفتانِ إختلافـاً كُـليّــاً . إن المعلومات الواردة في كتب الصابئة المندائيين تؤيّد كون صابئة حران وصابئة الأماكن الأخرى في بلاد ما بين النهرين هـم فِئة واحدة ؛إذ أن تلك الكُتب تُشير إلى هجرة ستين ألف مندائي ناصوري من القدس إلى حران وتفرّق جماعاتٌ منهم إلى جهاتٍ مختلفةٍ على شواطيء الفرات ودجلة وكارون .وتقول المصادر المندائيّة إن حران إستقبلتهم وكان فيها جماعةٌ منهم ؛ فسكنوها وبنوا فيها معابد لهم وقد أنحدر [ ت] جماعات منهم؛فسكنوا أماكن مختلفة من وادي ما بين النهرين 8 . ولا يزال الصابئة حتى اليوم يذكرونفي صلواتهم على على نفوس [ أرواح ] موتاهم ( ذخرنان )وأثناء تناول الطعام المشترك ، اؤلئك الآباء القدامى كآدم وسام وهابيل وشيت ويوحنا ، ثم الثلاثمائمة وستين أباً الذين قدِموا من مدينة القدس إلى حران 9. أمّا ما أورده المؤرخون عن حران فيؤيد إن تلك المدينة كانت مركزاً لعبادة الرب منذ أقدمِ الأزمنة ؛ فقد ذكر الطَّبري الرواية القائلة إن حران هي المكان الذي ولد فيه ابراهيمُ الخليل وإن هاران أخاه هو الذي بنى المدينة 10. وكتب صاحبُ معجم البلدان عن المدينة : قيل سميّت بهاران أخي إبراهيم الخليل عليه السلام لأنه أول من بناها ؛ فعرّبت فقيل حران ، وذكر قومٌ إنها أول مدينة بُنيت بعد الطّوُفان وكانت منازل الصابئة وهم الحرانيون الذين يذكرهم أصحاب كتب الملل والنحل ، وقال المفسرون في قوله تعالى ( إني مهاجرٌ إلى ربّي )[ سورة العنكبوت] إنه أراد حران ، وقالوا في قوله تعالى ( ونجيّاه ولوطاً الى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) وهي حران ) 11. [ 71 الأنبياء ]
ويذكر الشهرستاني في كتابه الملل والنحل إن صنفين من الموحدين كانا في زمن الخليل في حران وهما الأحناف والصابئة مع فارقٍ واحدٍ بينهما ، كون الصابئة لا يضعون وسيطاً بشراً بينهم وبين الله 12 . وقدذكرنا في قول ابن خلكان في نسبة أبي اسحاق الصابيءإلى صابيء بن متوشلح بن إدريس الذي كان على دين الحنفيّة الأولى ، او إلى صابيء بن ماري وكان في عصر الخليل عليه السلام .13
إن هذه الترجمة البسيطة لتُشير إلى أن الرجل ينتمي إلى فئة مؤمنة موحدة وقد توجه الأفذاذ من أبنائها إلى بغداد ؛فساهموا في النهضة العلميّة والأدبيّة في القرنين الرابع والخامس للهجرة . وتخبرنا دائرة المعارفُ الإسلاميّة إن جـدهم الأعلى هو زهرون وأن أبناءه وأحفاده كانوا أطباء ومهندسين وكيمائين وفلكيين وفلاسفة ومؤرخين .ومن الملاحظ إن ( زهرون ) هو علمٌ [اسم ] خاصٌ بالصابئة وموجود في مخطوطاتهم ومعناه مقارب إلى نوري في اللغة العربيّة وما زال اسم زهرون متداولاً بين الصابئة حتى اليوم .
مما سبق يتضحُ إن الصابئة المندائيين سكنوا حران وأماكن أخرى من بلاد ما بين النهرين قبل الفتح الإسلامي ، ولا يزالون في بعض تلك المناطق من عربستان حتى وقتنا الحاضر .أمّـا كون منشأ ديانتهم الأصلي هو القدس وما جاورها من حوض الأردن فأمرٌ يؤيده معظم الباحثين المعاصرين ومنهم دراوور ، لدزبارسكي ، كيرت رودلوف، رودلوف ماكوش ، وغيرهم ، كما تؤيده المخطوطات المندائيّة التي تُحدثنا عنها قبل قليل ؛ إذ إن المخطوطات تتحدث عن نزوحِ القوم من القدس إلى حران تحت حماية الملك الفرثي أو ( البارثي)أردبان نتيجة إضطهاد اليهود إياهم . وتقول المخطوطات المندائيّة إن الرب عاقب اليهود آنذاك بخرابِ القدس الذي يضعه المؤرخون سنة سبعين للميلاد ، أمّـا التاريخ السياسي للفرثيين فيقول إن خمسة ملوك منهم باسم أردبان حكموا بلاد ما بين النهرين ، وإن الصابئة المندائيين توجهوا إلى تلك البلاد مع الملك أردبان الثالث الذي امتد حكمه من السنة الثانية عشرة قبل الميلاد حتى الثامنة والثلاثين بعد الميلاد . وقد وُجدت في الجنوب الشرقي من العراق قطعُ نقودٍ تحمل كتابة مندائيّة تعود إلى سنة خمسين ومئة بعد الميلاد . كما عُرف عن الفرثيين تسامهحم الديني واطلاقهم حريّة العبادة بل ومنحهم الإستقلال الذاتي لبعض المدن في البلاد التي يحكمونها .
إن هذه التواريخ مع الوقائع التي ذكرها مؤرخوالعرب لتُعطي فكرةً واضحة عن وجود الصابئة المندائيين على ضفاف دجلة والفرات منذُما يقارب العشرين قرناً .
أمّـا الأدلّة التي تؤيد نشوء دينهم في منطقة القدس ؛فكثيرة ، أهمها حديثهم المتكرر عن القدس وسيناء والكرمل وأرز لبنان والأردن ، وغيرها من المواقع خلال صلواتهم وتراتيلهم وكتابة بعض تواريخهم ؛ فمخطوطاتهم مثلاً تتحدّث عن عن ولادة يحيى بن زكريّا( يوحنّـا) فتقول إن ذلك حدث في بمدينة ثمارا وهي مدينة صغيرة كانت تقع الى الجنوب الشرقي من البحر الميّت ؛ حيثُ تكوّنت بذرةزكريا الصالحة في رحم اليصابات ، ومنها جاء إلى الدينا طفلٌ ، نبيٌّ ،يُنبيء بأمر الربِّ المتعالي إلى ابراهيم ابن القدرة الكبير ، واخذوا الطفل وعمّدوه في الأردن ، وحين صار عمرُهُ سبعَ سنواتٍ جاء ملاك الرب وعلّمه الحروف الأبجديّة آ ، با ، كَا ، دا ..... وحين صار عمرهُ عشرين عاماً علّمه الدين الحق ( النصروتا ) حينئذٍ عَمَـدَ يحيى يوحنّـا إلى الأردن وبماءِ الحياة المقدّس بــدأ يُشفي المرضى ويفتح عيون العُمّي المقعدين بقوة ملكِ الأنوارالأعظم تبارك اسمهُ .17 والأردن ( يردنا ) هو الأسم الذي يُطقله الصابئة حتى اليوم على الماء الجاري أثناء مزاولة طقوسهم الدينيّة كالصلاة والتعميد والزواج وغيرها مما يُشير إلى أن أول ماء استعملوه في طقوسهم هو ماء الأردن . وإن تلك الصلوات والتراتيل المرافقة لها قد انشئت [ نشأت] . والصابئة يُطلقون اسم الناصوريين أو ( الناصريين ) على رجالهم المتعمقين في الدين ، وأحياناً على الطائفة نفسها .
ويرى الباحثون المختصون حديثاً إن هذه التسميّة وحدها تُعيّن مكان وزمان نشوء ديانتهم ، وذلك في القدس وقبل المسيحيّة 18 وهناك دليلٌ لايقـلُّ أهميّة عمّـا ذكرنا وذلك هو اللغة التي جاءت بها مخطوطاتهم والتعابير التي احتوتها .فقد كتبت السيدة دراوورتقول إن اللغة المستعملة في الكتب المندائيّة مألوفة لدينا في العهد الجديد والعهد القديم معا ؛ فمثلاً حفنة [ جفنة ] العنب ( كَفنا ) التي استعملت رمزاً لجماعة المندائيين ورمزاً للمؤمن الصحيح مستعملةٌ في الكتابات المسيحيّة وتُعطي المؤلفة مثلاً لذلك قول السيد المسيح { أنا الكرمةُ الصحيحة }19
إنَّ الأسماء والتعبيرات الواردة في التراتيل المندائيّة تُشير بوضوح إلى مكانِ نشوئها كما قُلنا ففي إحداها ما يلي :
صعدتكُ يا جبل الكرمل
ارتقيتكَ يا جبل الكرمـل
إثنتا عشر جفنةٍ كانت بانتظاري
رأتني الكروم
وعندما رأتني الكروم إزدهرت
ونشرت عناقيدها 20
وعنما رأتني الكروم ازدهرت
أمّا أول ترتيلة من تراتيل العماد فتقول :
باسم الحــيِّ
وباسم معرفة الحـي
وباسم الوجود الأزلي الذي سبق الماء
وكان قبل الضوء و السَّنى
ذلك الذي نـطق فكانت كلمات
والكلمات كانت كرومـا
وكانت الحياة الأُولـى21
وهنا ترتيلة حول إلتماس النفس سُلّماً من الأعمال الحسنة كي ترقـى بواسطته إلى مستوى الكمال ؛ حيثُ يُـخـلّد الصالحـون :
هناك جفنةٌ ليشتٍ وأُخرى لأنوش
لشيتٍ كرمةٌ هناك في أرضِ الحقِّ
مثقلةً بالثوابتِ والعطايا
مُثقلة بالإيمان
تحملُ صلواتٍ وتراتيلَ قُدسيّة
وعندما ارتفعتُ من مكاني
إلتسمتُ إلتماساً عظيماً
إلتمستُ سُلّمـا
لكي أسنده بجانبِ الجفنة وأصعد
لأسنده على الجفنة وأرقـى
لأصلَ إلى جفنتي
لعلها تُزهرُ
لعلي آكلَ منها واستظلَّ بظلالها
واتمتعُ بإيراقها
لعل إكيلاً يُحاكُ من براعمِها
فيوضعُ على رأسي 22

وهناك مفرداتٌ وتعبيراتٌ في الكتب المندائيّة مطابقةٌ نصّــاً وروحاً لمفرداتٍ وتعابيرَ واردة في الكتبِ المسيحيّة ، ومنها الطلبُ إلى السامعين إن يستأصلوا الكرومَ السيئة ، ويزرعوا الحسنة ،ومثل قولهم : أبناء النور ، وأبناء الظلام ، الماء الحي ، والحياة الأبديّة ،خبز الحياة ، الراعي والرعيّة ، يوم الدين ، فتش تجد ، واطلب تلقَ ، وتكلّم تسمع ،وغيرها 33
إن القرائن والأدلّة السابقة تُشير إلى أن الصابئة المندائيين سكنوا وادي النهرين منذُ عشرين قرناً حاملين معهم تُراثاً شفهيّاً ومخطوطاً نشأته الأصليّة القدس وما يجاورها ،وإن المدن والأماكن التي اقترن ذكرهم بها عُرفت عبر التاريخ كمَواطِن لعبادات صحيحة .
وسنتكلّم في الفصل التالي عن شيءٍ من معتقدات القوم ؛ وذلك في محاولة للكشف عن حقيقة اُخفيت طويلاً ؛ فتعقّدت كثيراً نتيجة الإخفاء .
3 -هجرة أم عَودة :

ان النتائج التي إستخلصتها حتى الآن أثارت بفكري سؤالاً مُلحّـاً يقـول : أكان توجه الصابئة إلى حران وإلى جنوب العراق أمراً عشوائيّاً ، أم إن هناك علاقةً ما جذبتهم إلى تلك الأماكن بالذات ؟ لقد مرَّ بنا القول إن حران استقبلتهم وكان فيها جماعةٌ منهم ، وقرأنا إن بلدة الطيب كانت من عمارة شيت بن آدم ، وإن سكانها كانوا على ملّـة شيت وهم من الصابئة ، فهل هناك مصدرٌ آخر يؤيدُ مثل هذه الأقوال ؟
أن أقدم تجمّع بشري عَـرف التَّوحيد كان مركزه العراق .يُخبرنا بذلك الكتابُ المقدّس أي العهد القديم والعهد الجديد ، وهو أقدم كتاب تحـدّث عن تاريخ البشر. فقد ورد في الإصحاحِ الرابع من سّفر التكوين إن آدم عرف امرأته ؛ فولدت ابناً أسمته ( شيت ) ، قائلة إن الله قد وضع لي نسلاً آخر عوضـاً عن هابيل ..(( وولد لشيت ولدٌ فدعا اسمه ( أنوش ) حينئذ ابتديء إنه يُدعى باسم الرب )) .
ومن أولاد أنوش يأتي نوح وأولاده سام وحام وياقث [ يافث ] الذين نجوا معه بعد الطوفان .
ويقول الإصحاح الحادي عشر إنهم سكنوا بابل ، ويعدد أولاد سام حتى يصل إلى تارح وأولاده ابراهيم وناحور وهاران ، ((وولد هاران لوطا .مات هاران قبل تارح أبيه في أرض ميلاده في اور الكلدانين ، واتخذ ابراهيم و ناحور لأنفسهما إمرأتين ، اسم إمرِأة ابراهيم سارة ، واسم إمرأة ناحور ملكة بنت هاران . وأخذ تارح إبنه ابراهيم وخرجوا معاً من اور الكلدانيين ؛ ليذهبوا إلى أرضِ كنعان ؛ فأتوا إلى حران وأقاموا هنا ك ، ومات تارح في حران . ثم جاء في الإصحاح الثاني عشر من سِفر التكوين أيضاً إنهم خرجوا من حران بأمر الرب وتوجهوا إلى أرضِ كنعان .

أن الصابئة المندائيين الذين كانوا ولا يزالون يذكرون في صلوتهم كُلّاً من آدم وهابيل وشيت وسام ويوحنا والناصريين الذين أتوا من القدس ، هؤلاءِ الصابئة لا يُستبعد أن يكونوا من أتباع اولئك الذين تركوا العراق في وقتٍ مّا متوجهين إلى حران ومنها إلى القدس ؛ فلما بعُدت الشِقّة وطال الزمن جاءهم يوحنا المعمدان ؛ فآمنوا به وحفظوا أقواله وتعليماته ، ونشأت لديهم ثروة من التراتيل والصلوات هناك حملوها معهم بعد وفاة يوحنا عائدين بنفس الطريق التي سلكها أجدادهم الساميّون القدامى إلى حران وإلى اُور العراق ، ( لا يزال الصابئة يسمون أولادهم باسم ، آدم ، شيت ، سام ، ابراهيم ، يحيى حتى الآن )، ولا يُسبعد أيضاً أن يكون قد بقي بعضُ الموحدين في أرض حران ، وفي العراق وبمدينة الطيب بالذات مما دعا الآتين من الغرب إلى الإلتحاق بجماعتهم في الشرق ، وفي ذلك يكون ما ذكره مؤرخو العرب عن حران وعن الطيب ، وكذلك عن نسبة أبي إسحاق الصابيء إلى متشولح بن إدريس بن شيت صحيحا .

4 - شيءٌ عن معتقداتِ الصابئة المندائيين :
التَّوحيـدُ وخُلودُ الـرُّوح

الصابئة المندائيّون يعتقدون بخالقٍ عظيمٍ أزلي،إنبعث من نفسه ، وانبعثت من لدنه الحياة ، وإليه تعود وبه تتحد بعد أن يكتمل قدرها .
هذا الذي أقوله ليس جديداً ، وذلك ؛ لأن إيمان الصابئة بالله واليوم الآخر منصوصٌ عليه في القرآن الكريم ، ومُؤيَّد من قبلِ أشهرِ مُفكّري وفلاسفةِ الإسلام ، وهو حقيقةٌ موجودةٌ في جميعِ المخطوطاتِ المندائيّة التي يتوارثها الصابئة جيلاً عن جيلٍ ؛ مما دعا المختصّين في هذا الحقل من كُتّاب الغرب إلى الاعتراف بها .
إن القرآن الكريم أورد ذِكر الصابئة مع الذين آمنوا بالله واليوم الآخر ، وذلك في ثلاثِ سورٍ مباركة ، هي سورة البقرة ،وسورة المائدة ،وسورة الحج .
ففي سورة البقرة ورد قوله تعالى : ((إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعَمِل صالحاً فلهم أجرهم عند ربِهم ، ولا خوفَ عليهم ولاهم يحزنون )) .
وفي سورة المائدة جاء قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى مَنْ آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفَ عليهم ولا هم يحزنون ) . وورد ذكر الصابئة في سورة الحج ، إذا تقوم القيامة ؛ فيكون الله هو الفصل بين المؤمنين وبين المُشركين . والآية في هذه السورة الكريمة - كما في سابقتها - تضع الصابئة قبل النصارى ؛ وبذلك يتعيّن كونهم من فئة المؤمنين لا المشركين ؛ حيث يقول الله تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصلُ بينهم يومَ القيامة ، إن الله على كلِّ شيء شهيد ) .
أمّـا كُتّاب العرب وفلاسفتهم ؛ فقد ذكروا الصابئة في كتبهِم ومعاجمهم ، وقد قرأت إبنَ النديم ، وإبنَ خلكان ، والبيروني والشهرستاني والحموي والدمشقي ، ورأيتُ المعاجم التي ذكرتها في الفصل السابق ؛ فوجدتُ إن المدن التي اقترن ذكرها بذكر الصابئة كانت كلها مراكز لعباداتٍ صحيحة عبر الأجيال كما قلنا سابقاً . ووجدتُ إنَّ أصح الروايات بخصوص معتقدات الصابئة هي الرواية التي وردت بخط أحمد بن الطيب والتي حكاها عن الكندي ، وقد أشرنا إليها قبل الآن . إن الكندي* أبا يوسف يعقوب بن إسحاق من عظماء الفلاسفة وأفذاذ المفكّرين ، كان يعرف السريانيّة واليونانيّة والهنديّة والفارسيّة . أمّـا تلميذه الذي روى الحكاية فهو أحمد بن الطيب الفيلسوف ؛ فالكندي وتلميذه كلاهما مصدرُ ثقة .
كتب أبنُ النديم في مستهلِّ حديثهِ عن الصابئة في حران ما يلي :
حكاية من خط أحمد بن النديم الطيب في أمرهِم حكاها عن الكندي ، اجتماع القوم على أن للعالمِ علّةٌ لم يزل واحدٌ يتأثر ولا يلحقه صفة شيء من المعلولات ، كلف أهل التمييزمن خلقه الإقرار بربوبيته ، وأوضح لهم السبيل وبعث رُسلاً ؛ للدلالة وتثبيتاً للحجة ، أمرهم أن يدعوا إلى رضوانه ويحذروا من غضبه ، ووعدوا من أطاعَ نعياً [ نعيماً ] لا يزول ، وأوعدوا من عصى عذاباً واقتصاصاً بقدر استحقاقه .
ويستطرد إبنُ النديم فيذكر قول الكندي إنه نظر في كتابٍ يقرّبه هؤلاءِ القوم وهو مقالات كتبها أحدهم لإبنه في التوحيد ( لا يجدُ الفيلسوف إذا أتعب نفسه مندوحة
عنها ) 1 وقد عدد ابنُ النديم في مقالته تلك مذاهب ومعتقدات ..غير واضحة.. قد تكون [ شتّى ]..* ثم كتب قطعةً قصيرة عنوانها ( المغتسلة ) ذكر فيها إنهم صابئة البطائح ، وقال: ( إنهم عامة الصابئة المعروفين بالحرانين ، وقد قيل إنهم غيرُهم ) 2 وقد وضّحنا في الفصل السابق إن الصابئة والحرانيين فئةٌ واحدة كما ذكرابن النديم أولاً ، وإن تردده الذي تلا كان نتيجة إختلاف الفئتين الثقافي والمعيشي ؛ مما جعل الباحث يشكُّ بنسبة إحدى الفئيتين إلى الأخرى .
إن الآراء التي وردت في المصادر الإسلاميّة حين كان الفكر الإسلامي في أوجه لها ما يا يماثلها و يقابلها في المصادرالأوربية المعاصرة ؛حيثُ الفكر الأوربي في أوجّه . وسأكتفي مما كُتب في هذا الموضوع برأي السيدة دراوور إذ يعتبرها المعنيون بالأمر حجةُ ومرجعاً في ديانة الصابئة المندائيين .
لقد كتبت دراوور في مقدمة كتابها ( آدم الخفي ) أهم ما استخلصته من دراساتها الكتب المندائيّة فقالت : إن اهم ما يُميّز معتقدات الصابئة هو:
( 1) إعتقادهم بربٍ مُعظّم ،آياته خلق الكائنات الروحيّة والأثيريّة والماديّة .
( 2) إعتقادهم بأن الروح في الجسم أشبه ما تكون بالأسير ، وهي لابدَّ عائدة إلى موطنها الأصلي حيثُ تتحدُ بالذات العظمى في عالمِ الأنوار .3
حين نعود إلى كتب الصابئة المندائيين نجد أن الذي تحويه من صلواتٍ وأدعيةٍ وتراتيل وطقوس كلها مبدؤة باسم الحي الأعظم ، ومختومة بحمده وتسبيحه ؛ فكتاب (كلاستا) الذي بين يديّ الآن مثلاً هو خلاصة أو مجموعة الصلوات والتراتيل المستعملة في التعميد والصلاة والزواج والقُدّاس على نفس الميّت ، ويحتوي هذا الكتاب أكثر من أربعمائة قطعة مبدؤة ومختومة باسم الرب أو بتبريكه وتسبيــحه كما يلي :

بريخت ماري - مباركٌ المولى
بشما أدهيي - بسم الحـي
هي زاكن - الحيُّ مُزكّـى ، أو منتصر ومهيمن
مشبين هيّ - الحـي مُسبّح
مشبـا ماري - المولى مُسبّح

وفي هذا الكتابِ وغيرهِ من كتب الصابئة ما يؤكـدُ إن الصابئي المندائي يُعرِض إعراضاً تامّـاً عن عبادةِ أية صورةٍ أو خيالٍ أو صنمٍ من الطين أو نصبٍ من خشب ، ويتوجه خاشعاً ومتواضعاً وطالبـاً الرحمة والعطاء والمغفرة من ربٍّ لايُخيّبُ سائليه ولا يخذلُ مريديه ؛ وهو إذ يطلب الرحمة والمغفرة والعطاء إنما يطلبها لنفسه وأصدقائه وأصدقاءِ أصدقائه ، ولجميع المندائي [ المندائيين ] المتبعين سبيل الحق وذلك ما نلاحظه في الدعاء المترجم أدناه وهو دعاء يُـذكر أثناء التَّعميد وفي مناسباتٍ اُخرى . يقول الصابئي في دعـــائــه :

سعيتُ رافعاً عينيّ وذراعيّ إلى موطنِ الحياةِ والنور والمجد ،
المكان الذي يُهدي قاصديه ويَسمع محدثيه ويُجيب سائليه ،
يومـاً يومـاً وساعةً ساعة ،هذه الساعة أدعوك يا مولاي دعوةً مخلصةً واسعةً من أجل عبادِك الراكعين إلى الأرض والرافعين أيديهم اليك ، الهاجرين النابذين كلَّ خيالٍ أو صورةٍ أو صنمٍ من طينٍ أو نصبٍ من خشبٍ أو شرعبة [ شريعةٍ ] باطلةٍ ، والمتوجهين المتعبدين اسم الحيِّ المتفرّد المقدّس ....كلُّنا أمامك عبيدٌ مُخطئِون ، كلُّ يـدٍ من أيدينا سارقة ، وكلُّ شفةٍ من شفاهنا كاذبة ، وأنت ذو الرحمةِ .
حين تكون معنا ؛فلا سيطرةٌ لأحدٍ علينا ، وحين تبررنا لا يخطئنا أحـدٌ . احكمنا بقضائك لا بقضاء الأرض ، واغفر لنا جهالاتنا ، ولا تحشرنا مع السادرين في غيهم من الناس ، لقد قست علينا الحياة الدنيا و لكننا لم نقع؛ لأننا مزودون بالحقيقة ، حقيقتك أنت ومنها نستمدُ الثقة . أنت الذي أسمعتنا كلمتك وأمرتنا بأمرك (( اطلبوا على الأرض وسأزودكم من ثمرات السماء ، فتشوا تجدوا . فتش وسوف تجد لنفسك لأصحابك لأصحابِ اصحابك ولهؤلاءِ الذين يحبون العائلة الإنسانية جمعاء ))
أنت يا أبا الملائكة ، انت الملجـأ والمنار ، عِرق الحياة وشجر الوجود ، أنت العالِمُ ما في القلوب ، والفاهمُ ما في الأفكار وفي الضمائر ، ولايخفى عنك حتى ما تخفيه أعمق الظلمات . مَنْ ينشدك يجد ، ومَنْ يسألك يلقَ ، انت يا فاتح الأبواب المغلقة ، هناك في دنيا الأنوار ستغفر خطايانا وذنوبنا ، وتُقوّم عثراتنا ، ستقبلنا طاهرين لا مُذنبين ، وفاضلين لا رُذلاء .
ندعوك أن تدع قبساً من نورك يُضيء دربنا ، وشيئاً من جلالك يغمرنا . أنت الشافي فوق كلِّ مَن يُشفي ، والرافع فوق كلِّ من يرفع . أنت يا من فتحت أبوابَ الحقيقة وكشفت الغامض وأوحيت بالحكمة وأريت آياتك العظمى في القدس . عظيمٌ هـو إسمك ومسبّح ، أنت الوجود الأزلي ، وأنت العِـرق وأنت الأب ، وأنت فوق الأرضِ والسماء ، وأنت المُهيمن ) 4

أن الصابئي المندائي الذي ينبذ عبادة الأصنام والأوثان والآلهة الباطلة يُنكر أيضاً وينبذ عبادة الشمسِ والقمر والنار ، ويعتقدُ إنها باطلةٌ زائلة ، وإن عابديها زائلون ، نجد ذلك في تراتيل العماد .
والترتيلة تشكّل محاورة بين الأب شيت وهو المُعمـِّد وبين جماعةٍ من طالبي التعميد ،وفيها يرفضُ الأب المُعمِّد عبادة الشمس والقمر والنار واتخاذها شهوداً للعماد ، ويكتفي بمستلزمات طقس التعميد وهي الانصراف إلى العبادة الحقّـة . واليك ترجمة الترتيلة ل :
باسم الحي نهضت ،
نهضتُ ، ولقيتُ جمْعاً من الناس
يُحيطون بأبينا شيتٍ ويقولون لـه :
(باسم الحي يا أبانا شيت ، تعالَ معنا إلى الأردن ؛ لكي نتعمّد).
(إن ذهبتُ معكم لتعميدكم في الأردن ؛فمن سيكون شاهدُكم )
( الشمسُ المشرقةُ علينا ستكون شاهدنا )
ليستِ الشمسُ مطلبي ، ولا تهواها نفسي ؛
فالشمسُ التي عنها تتحدثون ،
تُشرقُ في الصباح وتغربُ في المساء ،
الشَّمسُ التي عنها تقولون ،
ماهي إلا باطلٌ زائلٌ سيأتي إلى نهايته ِ
الشَّمسُ ستنتهي إلى لا شيء ، وعابدو الشَّمسِ سينتهون إلى لاشيء )
باسم الحي نهضتُ ،
ولقَيتُ جمعاً من الناس ،
يُحيطون بأبينا شيت ويقولون له :
باسم الحيِّ يا أبانا شيت ، تعالَ معنا إلى الأردن لكي نتعمّـد)
( إن ذهبتُ إلى تعميدكم في الأردن فمن سيكون شاهدُكم ؟)
( القمرُ الذي يُشرق علينا سيكون شاهدنا )
(ليس القمرُ مطلبي ، ولا تهواه نفسي ؛
فالقمرُ الذي عنه تتحدثون
يرتفعُ في الليل ويهبطُ في النَّهار ،
القمرُ الذي عنه تقولون
ما هو إلا باطل زائل سيأتي إلى نهايته
القمرُ سينتهي إلى لا شيء ، وعابدو القمر سينهون[ سينتهون] إلى لا شيء )
ويتكرر السؤال والجواب عن النار ؛ إذ يرفضها الأبُ المُعـمِّد شيت ، وأخيراً يكون جواب طالبي التعميد وجواب الأب شيت كما يلي :
الأردن وشاطائاه ستكون شهودنا ،
لقمةُ الغذاء، وجرعةُ الماء ، والإيمانُ الحقُ ستكون شهودنا ،
الأحدُ ، وهذه الصدقات ستكون شهودنا ،
هذا البيتُ الذي يجمعنا للعبادة والصدقات التي نجمعها
ستكون شهودنا
وأبونا ورئيسنا سيكون شاهداً لنا .)
( هذا هو مطلبي ، وهذا ما تصبو إليه نفسي
فحينما تصعدُ أرواحنُا إلى دارِ البقاء ؛ فيسألني الحـيُّ
ستأتي تلك الشهود وستكون شهود حق ) (5)
إن التعميد هو الطقسُ الرئيس لدى الصابئة ، وأهميته تتمثل فيما يرمزُ إليه من خلاص النفس من آثامِ الدُّنيا وشرورِها خلال الفناء ( الغطس تحت الماء ) وقيامه ( الصعود إلى الشاطيء ). وبين ذلك الفناء وتلك القيامة يرددُ المتعمِّد والأبُّ المُـعمِّـد صلواتٍ وتراتيلَ تؤكـدُ توبة المتعمِّد ،وطلبه الرحمة والغفران من الرب الأعظم ؛ فالمندائي بعد التعميد يستقبل حياة جديدة صالحة تجعله يتحدّى المصاعب والعقبات ،وينظر إلى السماء حيثُ يكتفي بذاته الحقيقية ، بضميره ، بجوهره الذي هو نسخة أو كلمة من لَدن الذات العظمى ، هذه المعاني يُمكن أن تُستاشف من الترتيلة الآتية ، وهي من تراتيل التعميد :
باسم الحي
( ما الذي عمله أبوكَ من اجلك أيها الإنسان
في اليوم العظيم الذي بـه وُلدت؟ )
(أخذني إلى الأردن ، وعمّدني ، ثم رفعني ووقف على الشاطيء ، نطـق اسمَ الرَّبِّ، وقسّمَ الرغيف ؛فأعطـاني ،
بارك قـدحَ الماءِ وسقاني
وضعني بين ركبتيه ، ونطيق عليِّ اسم الحي الأعظم
مضى قبلي صاعداً الجبل ، ونادى عاليـاً لكي أسمع :
إن كانت لديك قوةٌ أيها الإنسان ؛فتعالَ)
(إن تسلقتُ الجبل َ ؛فسوف أقعُ في الهاوية
سأموتُ وتتلاشى حياتي على هذه الأرض .)
رفعتُ عيني إلى السماء وتطلّعت نفسي إلى بيتِ الرّب ،
تسلقتُ الجبلَ فما وقعتُ
أتيتُ ؛ فوجدتُ حقيقة ذاتي (6)
ويتكررُ مثلُ هذا النِّداء ، السؤالُ والجواب ، ويستطيع الشخصُ بعد التعميد أن يخترق النارَ والبحر ، كما استطاع أن يرقى الجبل ، ولا يهلك ؛ إذ إنه في كلِّ مرةٍ يتطلّع إلى السماء ، ويستشعر جوهرَ إنسانيتهِ القادرِ على قهر مصاعبِ الدنيا والإنتصارِ على عقباتِ الحياة إن هو خلعَ عن نفسهِ حماقاتِها وصغائرَها وأتي اللهَ بقلبٍ سليم ؛ - فالإنسان - كما يعتقد المندائي -هو نفسٌ أو كلمةٌ من الذاتِ العُليا ، كما قُلنا سابقاً ، وهو نبتةٌ من نبتاتِ الجنانِ حلّت [ في ] جسد آدم ومعها شيءٌ من جلالِ موطنِها الأصلي وجمالهِ ، من سناه ونوره ، من كماله ووحدته وانسجامه وإخلاصه ونظامه ، وسلامه .
جاء شيءٌ من عالمِ الأنوارِمع النفس يرافقها ، يُبهجها ، يُطهرها ، ويُحيطُ بها ؛ ليعينها ضد شرور الأرضِ ومغرياتها . وحلّت مع النفس في جسدِ آدم روحُ الشّرِّ أيضاً ، ومعها كلُّ ما في دنيا الظلام من خبثٍ وكذبٍ وشُرةٍ وفساد . (7)
فتطلّعت النفسُ إلى باريها معترفةً بضعفها عن مواجهة هذه الشُّرور وعجزها عن جني الخيرِ والسَّلام والمحبّة المُودعة فيها . لكنها لم تلبث أن اُلهمت بأنها نفسُ الإنسان ، والإنسان هو المُختار من لدن الرَّبِّ الأعظم ، وقد خلق الرَّبُّ هذه الدُّنيا وهذه الأفلاكَ والشَّمسَ والقمرَ كلَها من أجلِ الإنسانِ ، وعليه أن يثبتَ ويصبر وستجد ( الشجرةُ المثمرةُ من يجني ثمارها ،وسوف يجدُ اليتيمُ من يرعاهُ ويأخذ بيدهِ ) حتى يحين حينه ويكمل قدره ؛ فتعودُ النفسُ إلى عالمها الأصلي ، عالمِ الأنوارِ الخالدِ الذي لا تنطفيء شمسهُ ولا تخبو مصابيحُه ، ذلك ما نجده في صلاةِ الأحد التالية :

( مسكينٌ أنا ، نبتةٌ من نبتاتِ الجنانِ
اُبعدتُ عنها إلى هذه الأرضِ
وقدرٌ عليَّ أن أعيشَ في موطنِ الشَّرِّ المليء بالخطايا
لا أحبُّ هذا المكان ولا أرغبُ البقاء فيه
فبئس المكان هذه الأرض
لقد حللتُ هذه الدنيا بكلِّ ما لديَّ من قدراتٍ وخير
ولكني سأبقى فيها غريباً عنهـــا
فقد وقفتُ فيها كيتيمٍ بلا أبٍ ، وكشجرةٍ مثمرةٍ دون فلاّح
سّمِعَ الحيُّ صرختي ؛فأرسلَ لي منقذا
أرسلَ لي ملاكاً أثيريّاً مُشفقاً وحانياً ، مُخلصاً ومُخلّصا
حدَّثني بصوتهِ الطّاهرِ النقي ، تماماً كما تتحدثُ الملائكةُ في عالمِ الكمال
وقالَ لي لا تخفْ أيها المسكين ولا ترتجف
لا تقل أنـا وحدي ،
من أجلكَ أيها المسكين إرتفعتِ السماواتُ،واستوت الأكوان
وخلقت النجوم
من أجلكَ أيها المسكين أوجدت الأرضُ وتصلّبت واُلقيت في البحار ،
على حسابك أيها المسكين أضاءت الشمسُ وظهر القمر
على حسابك أيها المسكين خُلقت الكواكبُ والأفلاكُ
في يدك اليمنى أيها المسكين حلَّ السناء، وفي اليسرى حلَّ النُّور
قِف صابراً صامداً حتى يحين ميعادُك
فآتي إليكَ ومعي رداءٌ من النورِ تشتهيه الدُّنـا
سأجلبُ رداءً نقيّاً من النُّورِاللامتناهي ،
سأنقذك من الأشرارِ وأخلّصك من المذنبين
واُعيدك إلى المكانِ الأقدس ، المكانِ الذي لا تغربُ شمسُه ولا تخبو
مصابيحُهُ ، سأخلّصك )
( سمعتُ صوتَ الشُّرورتهمسُ وتقول :
( ما أسعد هذا اليتيم الذي وجد له أبـاً ، وتلك الشجرة التي وجدت من يرعاها)
طوبى لذلك الذي يعرفه الرّبُّ
وويلٌ لذاك الذي يُنكره ،
طـوبى لذلك الذي يحفظُ نفسهَ بعيداً عن فسادِ الدُّنيا ،
دُنيا الشَّرِ ، حيثُ يتبوأ الأشرارُ عروشَ الفساد،
ويعملون أعمالهم بطيش
ويُقيمون الحروب من أجلِ الذَّهبِ والفِضّـة
ويملأون الأرضَ خِصاما
سيذهبون إلى النّـارِ وسيبقون فيهــا ) 8

هذا الإنسان الذي من أجله خُلق الكون ، واستوت الأفلاك يتمثّـل لنا مرةُ اُخرى بشخصِ آدم ؛ فنجده يتعالى إذ يجـد نفسهَ ملك الأكون ، ولكن سرعان ما تواتيه معرفة الرّب الأعظم ؛ فينكفيء على وجهه متواضعاً وطالباً الرّحمةَ .
نجد ذلك في كتاب { آلمـا رشيا ربّــا }أي العالم الأول الأكبر :
إستيقظ آدم متأملاً وقال : ( انـا ملكٌ بدونَ نظير ـ أنا سيدُ هذه الدنيا كلِّها)
حينئذٍ إنكفأ عن [ على ] وجهه قائلاً : ( إن لم يكن هناك من هو أعظم منّي وأقوى ؛ فمن أين أتت هذه المياه الحيّـة الجارية دون حدودٍ ولا حساب )
ثم قال : ( أأنـا الذي قلتُ أن ليس هناك من هو أعظم منّـي ؟ لقد عرفتُ الآن إنَّ في الوجودِ واحداً أعظم منّـي وإني ألتمسُ أن أقتديَّ به وأن أتخذه لي رفيقا )9

أمّا الصّلوات التي تُقامُ على نفسِ الميّتِ ؛فتؤكدُ إيمانُ الصابئة المندائيين بالخالقِ الأعظم ، وبخلودِ الروح في العالمِ الآخر ، عالمها الذي انطلقت منه ، وإليك مثلاً من تلك الصلوات :
حين وقفت النفسُ بين النورِ الإلهي وبين الملائكةِ
حين وقفت النفسُ ووقف الملائكةُ الأثيريون ؛يستجوبنها ،
قالو لها :
تكلّمي أيتها النفسُ ، انطقي وقولي أيتها النفسُ
من بناكِ وأتمَّ بناءكِ؟
مَنْ
هو المُنشيءُ والباني والمُكوّن ؟
مَنْ أوجدكِ ، مَنْ خلقكِ ؟
قالت النفسُ لِمن إستجوبها !
( أبي ، وهو واحدٌ ، واحدٌ هو الذي خلقني ،
ثمَّ أخذني أحدُ الطّيبين المخلصين ؛
فلفني برداءٍ من نورٍ وأعطاني لآدم
حللتُ [ في] الجسدِ المُعَدِّ للفناء
وبقيتُ أنتظرُ وأنا في ضيافةِ هذا الجسد
حتى أكملتُ قدري )
حين أكملت النفسُ قدرها ،
جاء من يُطلقها ،
أطلقها وحملها بعيداً إلى عالمِ الأنوار،
العالمِ الذي لا تنطفيء شمسهُ، ولا تخبو مصابيحهُ
هناك العالمُ الأبديُّ الخالد،
والرَّبُّ هـو المُهيمن )10
يتضحُ مما سبق إن الصابئي المندائي ،يُنزّه نفسه عن عبادةِ الأوثانِ والأصنامِ والنّـارِ ، وعن السجودِ للشمسِ والقمر والكواكبِ وأمثالهِا، وهو يعتقدُ إنها إنمّـا خُلقت من أجلــه . وهو يعهتقدُ إن في الإنسانِ شيئـاً من الـذّاتِ العُظمـى ؛ ومـا عليه إلا أن يتحرّك وأن يعملَ مـا عليه إلّا أن يطلبَ ؛ فيجد ، وأن يسألَ ؛فيلقى ، وأن يقرعَ ؛ فتتفح أمامه أبوابُ السعادة ، والسّادة المؤقتة على هذه الأرض ، والسّعادةُ الدّائمة في السَّماء؛ فهو يقولُ في بعضِ أدعية التَّعميد :

( في اليّومِ الآخِر ، ستعودُ النُّفوسُ التي انبعثت منـهُ إليه
بعـد أن تفارقَ أجسادها ، ستغتبطُ بـه ، ستعنقه ، وسترتفعُ إلى الأثيرِ الأعلى وإلى دارِ البقاء ) 11}}}}}}}
إلى هنا أنتهى المقال المنشور

المصدر الرئيسي
مجلة التراث الشعبي الصادرة في بغداد المركز الفولكلوري في وزراة الإعلام - العدد التاسع -السنة الخامسة 1974الصفحات من 9-32 دار الحرية للطباعة بغداد

الـــمراجع كما أثبتته الباحثة
Xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx

المقدمة :

1-وفيّات الأعيان لأبنِ خلكان ، تحقيق إحسان عباس ج1 ، 52-54 ، 313-315،وانظر كذلك تاريخ الحكاء للقفطي ، مكتبة المثنى ، بغداد ، 49- 51
2-انظر :
E.M Yamauchi. "The Present Studies of Mandaeans".
(JNES, 1966) Vool.25, 88-96.
3-انظر فهرست المرجع في آخر البحث
4-انظر مقدمة الكتابين أدناه :
E.S Drower, "The Mandaeans of Iraq and Iran." Second Ed.'
Leiden, 1962and the Haran Gawaita, .Citta Del Vaticana1953
5-كلاستا ،مندائي 156، انكليزي 17
Drower .Trans. The Canonical Prayer hood OF The Mandaeans.
Leiden .E.J .Brill.1959

(1)تسمية الصابئة المندائيين :
انظر قاموس داوور - ماكوش
E .Drower and R .Macuch, A .Mandaic Dictionary,
Oxford at the Clarendon Press, 1963.285- [2]86.
2-ابن خلكان المصدر المذكر،52-54
3-كتاب الملل والنحل للشهرستاني ،تحقيق سيد كيلاني ، ج1،230-231
(2)- تاريخ الصابئة المندائين :
1-معجم البلدان لياقوت الحموي ، دار صادر في بيروت ، 1956،مجلّد4 ،53.
2-آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، دار صادر في بيروت ، 1960 ،417.
3-كلاستا ، مندائي 46، انكليزي 16
-4
- Drower. The Secret Adam .Oxford .at the Clarendon Press.1960.34-36
انظر كذلك : كلاستا ، مند\ائي 46،انكليزي 16
5-الفهرست لابن النديم مكتبة خياط في بيروت 357
Yamauchi, Ibid, 92 6-
7-ابن النديم ، المصدر المذكر ،318-320
8-حران كًويثا :
Drower. Trans. The Haran Gawaita 3; and The Secret Adam, xiii-XIV
9- كلاستا ، مندائي 200انجليزي 152
10 - تاريخ الرسل والملوك للطبري ، دار المعارف بمصر ،1960،23
11-ياقوت الحموي ، المصدر المذكور ، مجلّد 2 ، 325
12-الشهرستاني ، المصدر المذكور ،ج1 ، 320-331
13-إبن خلكان ، المصدر المذكر ، ج1 ، 52-54، 313-315
14-انظر :
Drowerو The Secret Adam -XV; 84-87.
K .Rudolph, Problems of a History of Development of the Mandaean Religion, Vol8. No.3,(Feb1962),211-212.
E.Segelberg, Mastbita, Studies in the Ritual of the Mandaean Baptisam,
Upsala, 1958,182.
C.H, Kraeing, (The Origin and Antiquity Of the Mandaean), (JAOE, 1929), 212-217.
W.F. Albright .From the Stone Age to Christianity, Garden City, Anchor Books.1957, 366-367
15 - انظر رقم -8 أعلاه وانظر - حران كَويتا

18-انظر رقم 14 أعلاه
DROWER, THE SCRET ADAM 19-انظر الفصل التاسع من كتاب:
20-كلاستا ، مندائي:167-168، انكليزي 125-126
21- كلاستا ، مندائي 1-انكليزي1
كلاستا -مندائي 229-،انكليزي181
23-انظر رقم 19 أعلاه
(3)شيء من معتقد\ات الصابئة المندائيين
1-الفهرست لإبن النديم 318-320
2-المصدر نفسه 345
-DROWER, The Secret Adam - 3
4-كلاستا ، مندائي 49، انكليزي 34
5-المصدر نفسه مندائي 26-29 انكليزي16-18
6-المصدر نفسه ، مندائي 39-41، انكليزي 24-25
DRROWER ,Trans, The Thousand and Twelve Question, A Mandaean
Text , Akademi -Velag -Berlin 7-ألف وإثنا عشر سؤالا مندائي
8-كلاستا ، مندائي 189-193 ،انكليزي 143-146
9-من كتاب ( آلمارشياربا )، انظر :
Yamauchi, Gnostic and Mandaean Origin, Harvard U.P, 1970, 18
10-كلاستا ،مندائي 80-82، انكليزي54-55
11-المصدر المذكور، مندائي 13،انكليزي9z
فFFFFFFFFFFFFFففففففففففففففففففففففففففففففففففف~~~~~~~
c~hg

نـاجية غافل المراني

كتبت وكأنها تؤبن نفسها مستبشرة بما سيكون :
في غــٍد يا أهلُّ إن حم ّ َ الرحيلُ ......... وانثنى خـلُ لتوديــــــــــع الخليــل
و استقرت خفقة فــــــــي جانحي ......... واهتدت روحي إلى النبع ِ الأصيل
اذكروني وابسموا لا تحجموا ......... إنما الذكرى مـــــــــــن اللقـيا بديل
و احفظوا الـــــود َ الــذي خلفته ُ ......... فــــــي كتاب ٍ عندكم حفظ الجمـيل
كتب عنها
نشأت المندوي
(ناجيه غافل المراني) عراقيه بامتياز ولدت سنه 1918 في مدينه (العمارة )جنوب العراق
مربيه واديبه من طراز ممتاز,متنوره وزاهده منذ صغرها كانت تجمع الحناء من حدائق مدينتها وتنحاز للحق بمطلقه وتتعفر بالوشم والقصائد فاضحت قريبة من وجع الناس و من ضحكاتهم.عزفت الزواج وصار ديدنها ان تفرح لمن يناديها بكلمه( عمة) صغار كانوا ام كبارا...كانت تحتظنهم بعيون متلآءلآ كاولادها فلا غرابه ان دللوها بعد الموت بلقب تيريزا الطائفه فيما كانت روحها تصعد باريها يوم 28-6 -2011

-- See more at: http://elaph.com/Web/opinion/2011/7/667339.html#sthash.fuePmSDk.dpuf

كتب لها يحيى الأميري:

لم يقهرها جور السنين وقسوتها . يُضفي عليها الشيب وقاراً على وقارها ، رغم تقدمها بالعمر ، وما تحمله على كاهلها من إجهاد السنين القاسية لم تزل عالية الهمة متقدة الفكر ، متجددة العزيمة ، وفوق هذا تمتاز بنباهة عالية واضحة ، لم يبهرها نجاحها وحب الناس لها بل زادها تواضعا" وطيبة وتقديم المزيد من الخدمات .
إلى من لها في كل حديث روعة
تدخلين القلب بيســـر وســـرعة
وبهدوء بال تهدر .... كلماتك كالشلالات منفعة
جاعلة ً الحب َ دوما ً ..... متقدا ً ممتعا
ناجية انك ابتسامة بديعة ... يا أرق من زهرة ياسمين يافعة
لقد جئت بتحليلات بارعة
يا رب أحفظ لنا هذه الصانعة
و أنك بمقام أمي ... وليس لكلامي مرغبا ً لصانعة ..... وأنه رأيّ وليس لي به من راجعة ..... وسأجعل أولادي وكل من أعرفهم أن يعرف من هذه المرأة الرائعة .

(الكت
معلومات اضافيّة :
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
*الشريف الرضي أبو الحسن، محمد بن الحسين بن موسى، ويلقب بالشريف الرضي (359 هـ - 406 هـ / 969 - 1015م) هو الرضي العلوي الحسيني الموسوي. شاعر وفقيه ولد في بغداد وتوفي فيها. عمل نقيباً للطالبيين حتى وفاته
* ابو إسحاق الصابيء صاحب الرسائل
توفي 384 هـ هو أبو اسحق إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حبون الحراني الصابىء، صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع.

قال عنه ابن خلكان في "وفيات الأعيان": ((أبو إسحاق إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حبون الحراني الصابىء، صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع؛ كان كاتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه الديلمي ( موقع الحكواتي )
*ابن زَهْرُون (283 - 369 هـ / 896 - 980 م) هو طبيب عراقي.
هو أبو الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني الصابيء. ولد في الرقة، ونشأ وتعلم في بغداد. له «إصلاح مقالات من كتاب يوحنا ابن سرافيون». توفي ببغداد.[1]
*سنان بن ثابت
أبو سعيد سنان بن ثابت بن قرة الحراني (ولد 880م وتوفي 943) طبيب وعالم فيزياء ورياضي وفلكي، وهو أبو إبراهيم بن سنان، انتقل إلى بغداد في القرن الرابع الهجري،
*برع إبراهيم بن سنان في الهندسة المستوية، وله معرفة بالطب، كما أنه ذكيا عاقلا شهد له معاصروه بأنهم لم يروا أذكى منه، فقد بدأ يؤلف وهو في سن السادسة عشرة من عمره كتاباً في الفلك أسماه: "آلات الإظلال" وأطال فيه إطالة كرهها بعد ذلك فخففها، وجعل كتابه على ثلاث مقالات، وصححها وهو في سن الخامسة والعشرين من عمره. وأثناء ذلك كتب كتابه الثاني عن الرخامات المسطحة. ثم ألف بعد ذلك كتاباً نقد فيه بطليموس في بعض المسائل الخاصة باستخراج اختلافات زحل والمريخ والمشتري تلك المسائل التي اعتقد إبراهيم بن سنان أن بطليموس قد عالجها بتسرع، وكان يرى أن بطليموس عليه أن يسلك فيه طريقا غير طريق القياس المنطقي الذي اتبعه. وقد أتم إبراهيم بن سنان كتابه وهو في سن الرابعة والعشرين من عمره. إبراهيم بن سنان، عاش في الفترة(296-335هـ / 908 –946 م)
*أبو الطيب المتنبي (303هـ - 354هـ) (915م - 965م) هو أحمدُ بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد[1]، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لانتمائه لهم. عاش أفضل ايام حياته واكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان أحد أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها،
*السَّريُّ الرفّاءأبو الحسن السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الموصلي شاعر مشهور؛ كان في صباه يرفو ويطرز (يعمل خياطا) في دكان بالموصل ولذا سمي بالرفاء أي الخياط،

مجد الدين الفيروزآبادي*
أبو طاهر مجيد الدين محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي الفيروزآبادي، صاحب اللامع المعلم العجاب، الجامع بين المحكم والعباب، والقاموس المحيط، والقابوس الوسيط، الجامع لما ذهب من كلام العرب شماميط. ولد بكازرون وهي بلدة بفارس سنة 729 هـ ، مات في زبيد ( اليمن ) سنة 817 هـ ـ

*ابن منظور (1232 م - 1311 م) ‏ (630 هـ - 711 هـ هو محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الأفريقى ـ

* أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (185 هـ/805 - 256 هـ/873)
في الرياضيات، لعب الكندي دورًا هامًا في إدخال الأرقام الهندية إلى العالم الإسلامي والمسيحي،[5] كما كان رائدًا في تحليل الشفرات، واستنباط أساليب جديدة لاختراق الشفرات.[6] باستخدام خبرته الرياضية والطبية، وضع مقياسًا يسمح للأطباء بقياس فاعلية الدواء،[7] كما أجرى تجارب حول العلاج بالموسيقى، لا يزال الكندي يعد من أعظم الفلاسفة ذوي الأصل العربي، لما لعبه من دور في زمانه، لهذا يلقب بـ "أبو الفلسفة العربية" أو "فيلسوف العرب".[10]
انتهت المراجعة والتصويب في 8\11\2015
وعسى أن اكون قد وفقت
بيان بر مليحة
مليحة بث أنهر
فاروق عبدالجبار عبدالامام

نشرت في تاريخ
الجمعة, 27 آذار/مارس 2015 13:01

انقلاب 8 شباط الاسود 1963 ساعة الصفر

كان قد تقرر أن تكون ساعة الصفر للأنقلاب البعثي المشبوه يوم 8 شباط، تبدأ. عند اغتيال الزعيم الركن جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية، يسكن كرادة مريم، ولقد أوكل المتآمرون العملاء الى زمرة من المجرمين الصائعين في الشوارع والشقاوات المأجورين و الصبيان المراهقين المنفلتين من حزب البعث العميل، مهمتهم أغتيال نخبة من الساسة الوطنيين المعروفين بتفانيهم غير المشروط وحرصهم على ثورة 14تموز وعلى المكاسب المجزية التي حققتها الثورة للشعب العراقي، ومن اهم مستلزمات نجاح أنقلابهم الاسود هو أغتيال الضباط الشيوعيين والضباط المقربين من الزعيم عبد الكريم قاسم،و قد أعدت قائمة بأسماء الاشخاص المشمولين بالقتل وعلى رأسهم الزعيم الركن جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية يسكن كرادة مريم، و الزعيم طه الشيخ احمد مدير الخطط العسكرية داره في منطقة العلوية، والزعيم فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية يسكن في منطقة الكرادة الشرقية، والزعيم عبدالكريم الجدة آمر الانضباط العسكري يسكن منطقة الاعظمية، والزعيم ماجد محمد امين المدعي العام العسكري في محكمة الشعب يسكن في منطقة راغبة خاتون،والعقيد سعيد مطر يسكن في منطقة المأمون، والزعيم وصفي طاهر المرافق الاقدم للزعيم عبد الكريم قاسم يسكن مدينة الضباط ، وهكذا توزعت مهام عصابة شقاوات البعثيين ، زمرة بقيادة صلاح سالم مهمتها قتل الزعيم عبد الكريم الجدة،وزمرة أخرى توجهت الى دار العقيد سعيد مطر ، و زمرة كان دليلها حينذاك طارق عزيز( المسجون حالياً) يرافق المجموعة التي تضم صلاح مكي وحسن غافل ومهدي نجم وحسن علي، متوجاً بهم الى دار الزعيم فاضل عباس المهداوي، أما زمرة اغتيال زعيم الجو جلال الاوقاتي وهو المطلوب الاول في حساب الانقلابين وبقتله حددت ساعة التحرك و التنفيذ،، حيث انها قد رصدت تحركاته ونظام دوامه الرسمي منذ فترة ليست بالقصرية،و ساعدها في ذلك احد أقطاب الخيانة والتآمر صالح مهدي عماش ورسم لهم خريطة كرادة مريم وأين يقع بيت الشهيد جلال الاوقاتي، وكذلك مهد لهم التنظيم الحزبي المدني في منطقة كرادة مريم عملية الاختيال، ويعتبر الزعيم جلال الاوقاتي من أخلص المقربين للزعيم عبد الكريم قاسم والحكم الجمهوري الوطني في العراق، فقد درس البعثيون وزمرهم و خبراء ألانقلابات العسكرية الامريكان وأوضحوا من ان نجاة الزعيم جلال الاوقاتي من القتل سوف يحبط مؤامرتهم الانقلابية لإمكانياته الفنية الواسعة، وخبرته وذكائه العسكري المفرط في أحباط أي تحرك معادي،ولذلك أعتمد الخبراء الطيران كعنصر اساسي في أنقلابهم المشبوه، ولهذا ليس أعتباطاً أن تكون ساعة الصفر والتنفيذ هي قتل قائد القوة الجوية الزعيم جلال الاوقاتي، وتمت عملية الاغتيال كما يصفها أحد أفراد الزمرة المنفذة المدعو غسان عبد القادر، في مقابلة أجريت معه في 24/1/1985بالشكل التالي-( كلفت مجموعتي باعتقال جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية ومن قيادي الحزب الشيوعي العراقي، وأذا مانع بذلك فيتم قتله، وفي ساعة الصفر قامت المجموعة المكلفة بذلك بعمل دورية حول داره الكائنة في كرادة مريم،و بعد خروجه من داره وفي أحد الشوارع الفرعية القريبة من داره حوصر من قبل المجموعة، مما أدى به الامر الى ترك سيارته والهرب، فقامت المجموعة المنفذة بفتح النار عليه وقتله في الحال، وبهدا استطاع حزب البعث أن يتخلص من أحد أقطاب السلطة الوطنيين المهمين والذي لو قدر له البقاء لكان له تأثير كبير في تغيير موازين القوى لصالح سلطة عبد الكريم قاسم) وكان مرشد المجموعة حسب عائلة المغدور الشهيد جلال الاوقاتي،هو اللاعب في المنتخب العراقي لكرة القدم،محمد ثامر شقيق مدير الامن أنور ثامر،وهناك شاهد عيان آخر وهو الاستاذ( نهاد باشاغا السليم) الذي يسكن في ذات الشارع يقول( كان ذلك في صباح يوم الجمعة المصادف 8 شباط عام 1963، كانت عقارب ساعتي تشيرالى التاسعة إلا سبع دقائق، عندما وقفت سيارة جيب عسكرية قرب الدكان المقابل للمشتمل الذي كنت أسكن فيه في كرادة مريم،، وكان يجلس في السيارة هذه اربعة رجال- السائق وبجانبه شخص وأثنان في الخلف،وقد وضعوا رشاشاتهم على أرجلهم، وفي تلك اللحظة كان رجل طويل ذو أكتاف عريضة يسير وبجانبه طفل وقد وضع يده بيد طفله ،، ترجل الشخص الذي بجانب السائق وأطلق النار على الرجل الطويل وأرداه قتيلاً، ثم تحركت السيارة وتركت الجثة مطروحة على الارض،،وبعد ذلك سألت صاحب الدكان عن الذي ُقتل فأجاب، أنه الزعيم جلال الاوقاتي قائد القوة الجوية،،ويصف الباحث والمؤرخ حنا بطاطو، عملية الاغتيال كما يلي- كان جلال الاوقاتي يقود سيارته يرافقه أبنه الصغير الى محل لبيع الحلويات قرب منزله، وما ان نزل من سيارته حتى توقفت سيارة تحمل أشخاص أخرجوا مسدساتهم وأطلقوا النار عليه، وأصيب جلال الاوقاتي في كتفه وحاول أن يهرب ليختبئ، لكنه أصيب ثانية في الرأس وسقط على الرصيف وأسرع المهاجمون بالهرب وأختفوا،، ويذكر الزعيم اسماعيل العارف في مذكراته الموسومة اسرار ثورة 14تموز ما يلي- عند الساعة الثامنة والنصف من صباح 8شباط عام 1963وقفت سيارة امام دار الزعيم الركن الطيار جلال الاوقاتي آمر القوة الجوية، ونزل منها ثلاثة شبان طرق احدهم باب الدار، وعند فتحها لهم أنهالوا عليه برصاص غدارتهم وتركوه جثة هامدة على عتبة داره، وبعد مقتل جلال الاوقاتي أي عند الساعة التاسعة صباحا شرع بتفيذ الانقلاب الدموي، وقامت طائرتان من قاعدة الحبانية بقصف وزارة الدفاع،فقد كانت عملية قتل الاوقاتي إشارة بالتحرك وساعة الصفر، ومنذ ذلك اليوم الاسود ترادف البعثيون العملاء على الحكم بأنقلابات دموية مخزية مدفوعة الثمن متوجة بأستباحة دم الشعب العراقي الطاهر ودفن العراقيين وهم أحياء في المقابر الجماعية،،،، (بشر القاتل بالقتل،، وبشر الزاني بالزنا).،،،،،، يتبع
......................
المصدر :-
1- دكتورعلي كريم،عراق 8 شباط ،1963،
2- دكتور عقيل الناصري،اليوم الاخير لقاسم،ص 276،

نشرت في تاريخ
السبت, 13 كانون1/ديسمبر 2014 21:14

الصّابِئةُ ومخطوطاتِ البحرِ الميّت

كثيرةٌ هي الكتب التي كتب فيها أصحابُها عن الصابئةِ المندائيين؛ باعتبارهم أصحابِ دينٍ قديمٍ ، وأصحابُ لغــةٍ تختلفُ عن لغة من جاورهم من أقوامٍ من ناحيةِ الألسنِ والمذاهب والعاداتِ والتقاليد، قوم لغتهم اللغة المندائية والتي هي فرعٌ من اللغة الآراميّة الأم ، ودينهم دين المندائيين ونبيهم { يحيى بن زكريّــا } عليهما السلام ، قبل أن تطغى اللغة العربية والين الإسلامي لتكون لغة الخطاب اليومي، ودين الأغلبيّة دين الإسلام ؛ ونظراً لعدم وجود نصوص مترجمة عربيّاً من كتبنا الدينية والحياتية آنذاك ؛ لأسبابٍ عدّة ؛ فلربما لخوف رجال ديننا من إشكاليات كانوا سيقعون فيها لو قام بعض الذين لا يفقهون في الديانة المندائيّة في عمليّة الترجمة وهذه اشكاليات كانوا في غنى عنها، أو لعدم تقبّل الجانب الآخر لفكرةِ دينٍ يختلفُ من حيثُ الشّكل الخارجي عما يعتقدون ، لكن المضمون واحد لا يتغيّر ؛ لذا آثروا السلامة ولم يحاولوا أن يكون لهم هذا الدور في إظهار ما يعتقدون ؛ فـما هم بالكفرة أو الملحدين أو بالزنادقة ؛لذا إعتبره البعضُ دوراً سلبياً مما جعل الآخرين يتقوّلون ويتكهّنون ويصوّرون ما طاب لهم ذلك دون أن ينبري مَن يردُّ عليهم ويحاول توضيح الصورة الحقيقيّة لهذا الدين؛ فآثروا السلامة على أن ينزلقوا في مهاوٍ كانوا في غنى عنها، وقد يكون هنالك سببٌ آخر : وهو أن البعض من رجالِ الدين لم يكن لديهم الإلمام الكافي بأصول ترجمة النصوص الدينيّة التي بواسطتها يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم وعن الدين ؛ وبالتالي عن وجودهم وبذلك كانوا يستطيعون أن يقطعوا الشك باليقين، أو من هناك من إعتقد بقدسيّة الحروف المندائيّة وآثروا عدم الخوض في غمار أمّرٍ قد يعرضهم لسوءِ العاقبة !
لقد تعددتِ الأسبابُ لكنَّ الخاسرَ الوحيد كان ومازال نحن المندائيين الذين نحاول الآن وبكل ما أوتينا من قوة لإثبات وجودنا وترسيخ مبادئ ديننا القديم. لقد كانت هناك هوّة بين رجال ديننا وبين عامة المندائيين ، وحاول البعض رأب الصدع هذا، وحاول البعض الآخر زيادة الفجوة ؛ بما يضمن له أو لهم مكانة الرئاسة والتصرف بمصير الطائفة ، كلٌّ حسبِ أهوائه ونواياه، حتى ظهر مَن طرقَ بابَ التحذير ؛ منبّهاً المندائيين جميعاً من خطرٍ داهـمٍ ،بل دائمٍ بات يُهددُّ وجود هذا الدين وأتباعه الذين وكأنهم يعيشون في وضع واهٍ سينهارُ بناؤه بعد لحظة من زمنٍ قد يطولُ أويقصر، وضعٌ بات يطفو على سحابة صيف سريعاً ما تتلاشى وتتبخر ؛ ليسقط من عليها في هاويةٍ لا يُعرفُ قرارها ، وضــعٌ سيءٌ للغاية ؛لأنه وبكلِّ بساطة إقتلع أتباع هذا الدين من جذورهم في وطنهم الذي عرفوه منذ آلافِ السنين { العراق } وطنهم ،لكنهم أضحوا الآن يعيشون بين فكيّ آفةٍ مهلكةٍ إسمُها {الهجرة } نعم الهجرة التي كُتبت علينا قسّراً ، و أضحت هاجساً يُؤرق الكثيرين ،وبات الكثير من المندائيين يبحث عن السُّبلِ الكفيلة والآمنة التي بواسطتها سينجو هو وأفراد عائلته ومحبيه من مصيرٍ مجهولٍ، لا يعرفُ أحدٌ كيف سيكون بعد لحظة الزمن.

لقد قادني إلى البحث هــــذا، ما جــاء في كتابٍ جمع فيه مؤلفه { محمد عمر حمادة } ما قاله الأقدمون والمُحدثون عن الصابئة وعن دينهم ؛فذهبوا مذاهب شتى تختلفُ من زمنٍ لآخر ، ومن فكر إلى فكر آخر لا يمتّ إلى ما سبقه بأي فكرة واضحة المعالم ؛ فالكل يدلو بدلوهِ ببئر لايعرفُ عنها شيئاً إلا بمقدار ما سمِعه عن آخرين لايعرفون عمّ يتحدثون ؛ فالكلُّ يفسّرُ ما يراه وما سمِعه عن الآخرين دون أن يكلّف نفسه عناء البحث والتقصي والإستقراء ، الكلُّ يعتقدُ أنه العارف ببواطن الأمور وإليه انتهى العلم وما سيقوله سيكون هو الأصح وهو على يقين بأن ليس هناك مَن ينبري له للردّ عليه أو لتعزيز رأيه أو لتوضيح ما التبس إليه، وليعيد كتابة المفاهيم الخاطئة بما يتناسب والحقيقة التي نريد لها أن تظهر للعيان ودون أن نخشى في قولة الحق لومةِ لائم، وقد أكون مخطئاً متجنياً فيما ذهبتُ إليه لذا أستغفر الحي الأزلي إذا ما شططت في قولي هذا فقد يكون هناك مَن كتب ومَن أفتى ومَن دافع وكافح ونافح ، لكن لم يكن هناك من وسائل النشر والإيصال إلى الآخرين ما صار متيسراً في هذا الوقت، أو قد يكون هناك مَن بيده السلطة وله أن يمنع أو يسمح في النشر لهم . ومن ناحية أخرى فإن الكتب التي طبعت أو نُشرت خلال الخمسين سنة المنصرمة من القرن العشرين لهي دليل قوي على ما أستطاع المندائيون من انجازه ؛ ليوفروا لنا المناخ المناسب الذي بواسطته استطعنا أن نصل إلى ما نحن فيه الآن، واستطاعوا من إنارة الظُلمة التي إكتنفت الأفكار المتوارثة والتي كان يطيب للبعض تكرارها واجترارها بمناسبة أو بدونها لغرض في نفوسهم المريضة أو سمّه داء العظمة وإستصغار الآخرين الذين لم يحاولوا أن يصدوا من كتب قبلهم !
يقول الكاتب والباحث محمد عمر:{ حين التحدث عن الصابئة يحلو للكثيرين محاولة الظهور بالعالم العارف ببواطن الأمور وظواهرها، وكأنهم أوضعوا تلك العقيدة ومؤسسوها، فيبدأون بالحديث عن عبادة النجوم والكواكب، وما إليها من مكانة إلهيّة عند الصابئة. فهل لهذا الحديث من أصل في الحقيقة أو الموضوعية .
حين تجولت بين الصابئة في أماكن تجمّعهم في عدة مناطق كالناصرية والعمارة والبصرة وسوق الصاغة في بغداد وغيرها، تبيّن لي أن الصابئة يؤمنون بإله واحد قادر، لا أولَ له ولا آخر، ولا بداية له ولا نهاية، وهو الخالق والصانع، والحي والباقي الذي لا يموت وهو نور السموات والأرض، ونوره يعمّ الكون، وجميع المخلوقات في الدنيا والآخرة، ولولا نوره الذي يبدد الظلام لما كان هناك وجود كوني ولا وجود إنساني، ولهذا يصبوا الصابئة ويتعبدون ليلاً ونهاراً، ويتقربون إلى الله بالعمل الصالح، وبملائكته وبالأنبياء وبمبدعاته المدهشة في السماء، حتى ينالوا الوصول إلى الجنة (عالم النور) المُنَور بنور الله تعالى، وليس هذا التقرب بعيداً عن العقل والمنطق، فكل أصحابِ الدياناتِ السّماويّة وغيرِ السَّماويّة يقتربون إلى الله بالذي يعتقدون بأنه يقربهم من الله، ولينظر كل منا في عقيدته ليتأكد من ذلك، فهناك مَن يتقرّب بالرسل والملائكة والكتب المقدسة، وهناك مَن يتقرب بالتعاويذ، وأصحاب الطرق الصوفية أو العارفين أو الواصلين، أو المتحديين بالذات الإلهية، ومنهم مَن يتقرب إلى الله بالأنصاب والأزلام والأحجار والأخشاب، فأصبحت هذه من القدسيّة والإجلال ما يساوي القدسية الإلهية، بل أصبح المساس بها كفراً وخروجاً عن العقيدة، لا يساويه المساس بالذات الإلهية، إذاً هي اجتهادات في التقرب إلى الله والكل على حق وصواب إلا الصابئة فإذا تقربوا إلى الله بشمسه ونجومه وملائكته، أصبحوا عبدة النجوم والكواكب والملائكة ...}
هذه شهادةٌ من رجلٍ باحثٍ آثر أن يرى بنفسه ويسمعَ من آخرين هم أصحاب القضيّة وهم في الأول والآخر من يتأثر بما يقولون وبما يؤمنون .
في موضوع مخطوطات البحر الميت والتي وجدت في وادي { قَمَران } في الأردن نجد الباحث الكاتب يقول: { ليس من المستغرب أن نجد أفكار الصابئة في مخطوطات البحر الميت، التي اُكتشفت في عام 1947 بالقرب من البحر الميت، فاللفائف المخطوطة التي وجدت، تتحدث عن عقيدة الطوائف التي عاشت في كهوفٍ بعيداً عن اليهود واضطهادهم لأصحاب العقائد. فتعاليم يوحنا المعمدان نجدها واضحة في هذه اللفائف، ففكرة المعمودية وطقس الماء والإستحمام والتنبيه إلى أن التطهير والإستحمام لا يُزيل الذنوب ما لم يسبقه تطهير روحي، بل وهناك تشابه بين إنتظار يوحنا المعمدان للمسيح وتعميده، وما جاء في مخطوطات البحر الميت، فقد تنبأ يوحنا بأن الذي سيأتي بعده سيحكم بعقوبة النار، وهذه الفكرة واضحة بصراحة وقوة في أحد مزامير الشكر، إذ تقول: [ إن أعاصير الشيطان الرجيم سوف تلتهم بالنار حتى أسس الجبال . . ].
وجاء في المخطوطات أن حركة يوحنا بزغت بين الكهنة والرهبان، لكنها تحركت منهم فيما بعد، مثلما وقع لطائفة قَمران على الأرجح، وكان يوحنا يوجه كلامه إلى الشعب بأجمعه بعكس القمرانيين والاسنينين }.

بعدها يمضي الباحث إلى أن يجعل ليس مجرد تشابه هو المُعوّل عليه وحسب لكنه أمرٌ مفروغ منه بأن المخطوطات تعود إلى الصابئة حيث كتب : { عقائدُ الجماعات التي عاشت في الكهوف، هي أفكار وعقائد قريبة من عقائد الصابئة منها: لا تدع رجلاً يغتسل بالماء القذر، أو بما لا يكفي لتغطيته، كما لايجوز أن تطهر بالماء المستعمل أي وعاء، كل نقرة في الصخر يجب أن يغطى ماؤها ، فإذا لمسها رجل قذر زالت طهارته } ، وتنطبق هذه مع عقائد الصابئة حيث يؤمنون بان المتطهّر يجب أن يُغطي الماءُالإنسانَ بكامله. (كل آلة كالمسمار أو الوتد في الحائط لامست الأموات تُصبح نجسة ) [ ياله من حكمٍ مشدد صارم ]
والإنسانُ عند الصابئة حين يقتربُ من الموت يُغسل قبل موته ؛ لأنه بعد الموت سيُصبحُ جسداً غير طاهرٍ بمجرد خروج الروح منه.
ويستمر الكاتب محمد عمر بإيراد النصوص القديمة التي ظهرت في مخطوطات قمران ومدى التشابه بينها وبين عقيدة الصابئة المندائيين فيقول: { ومفهوم الروح في المخطوطات يتطابق تماماً مع مفهومه في العقيدة الصابئية} {الروح عبارة عن شرارة من النور الإلهي اجتمعت في عالم المادة المظلم} فتؤكد المخطوطات على تسمية الصالحين بأبناء النور والأشرار أبناء الظلام فهم الكفرة غير المؤمنين وهي تسمية ما زالت مستعملة حتى الآن. ويطلق الصابئة على النبي يحي (عليه السلام) لفظ معلم الحق، ذلك أنهم لا يعتقدون أن الله يرسل نبياً من عنده ويعطيه اللفظ الذي سيتحدث، بل إن الله يهمه قول الحق. مثل ذلك جاء في المخطوطات: ( إن المستقيمين هم الذين استمعوا إلى معلم الحق وأما الأشرار فقد رفضوا الإستماع إليه والشيء الضروري للخلاص مجرد الإيمان برسالة معلم الحق والوفاء لتعاليمه)

والروحُ عند الصابئة محبوسةٌ في جسدها، وحينما تنطلقُ من الجسم فإنها تتخلص من السجن ومثل هذا جاء في المخطوطات: { إن الأجسام تفنى وإن المادة التي عُملت منها ليست خالدة لكن النفوس هي الخالدة والتي تعيش إلى الأبد، وعندما تتحرر من ربقتها ؛ فإنها تنطلق ، كأنها مربوطة بأجسادها أو وكأنها في سجن بقوة سحرية، عندئذ تذهب الأجساد إلى الفناء وتذهب الأرواح إلى الخلود. }
ويخلُص الباحث محمد عمر إلى استنتاج مفاده إلى إن ألواح قَمَران ما هي إلا ألواح مندائيّة فيكتب: { مما مرّ بنا من الفقرات الواردة في مخطوطات البحر الميت يتبين لنا إن هذه الفقرات تحملُ أفكارَ الصابئة أتباع العقيدة التي جاء بها النبي يحيى [ بن زكريّـا ]على الرغم من إن هذه المخطوطات لم تُشر بوضوح إلى أنها تُمثّل عقيدة يحيى، إلا أنها تُشير بوضوح كامل إلى أنها آراء طائفة تعرضت للإضطهاد من قبل اليهود، وتؤكد إن هذه الجماعة هاجرت باتجاه الشمال، وهذا يتوافق مع الأحداث التي مرت بها طائفة الصابئة.
الرأي الثابت لدينا إن الصابئة المندائيين الموجودين في العراق وجنوب إيران أصحاب عقيدة كتابية توحيدية } .
بهذا القدر غير القليل أكتفي من اقتباس ما أورد الباحث محمد عمر حمادة والذي أشار فيه بما لا يقبل الجدل على مبدأ التوحيد الذي إعتنقه المندائيون منذ أن فتح الإنسان الأول عينيه ليرى نور الحق لأول مرة.
و يتوضّح لدينا من هذا البحث إنَّ ما ذهب إليه الباحث محمد عمر حمادة لهو أمرٍ مميزٍ أجاد فيه وأنصف ، ولم ينحاز ، بل حكّم العقلَ والمنطق ؛ ليخرج بتلك الإستنتاجات المنطقيّة التي تؤكدُ كلـُّها : إنَّ المندائيين لم يكونوا يوماً ما عبدةً للنجوم والكواكب بل هم عُبّادٌ للواحد الأحد والذي منه وبقوته وببركته أُوجدت العوالم كلّها العُليا والسفلى
من أنهارٍ وبِحارٍ ومحيطات ، وبفضله ،سبحانه وتعالى خُلقنا من طينِ الأرض ، وله أرواحنا تعود ؛ لتتحد مع شبيهها في العوالم العُليا ، أما أجسادُنا ؛ فطينٌ يعود إلى الطين ~
أخيراً أقول : أرجو أن أكون قد وفقت في إيجاز ما طرحه الباحث محمد عمر حمادة في بحثه الموسوم ( الصابئة ومخطوطات البحر الميّت )***
فاروق عبدالجبار عبدالإمام
19\ 9\ 2009

*** محمّــــد عمر حمـــادة – تاريخ الصابئة المندائيين - دار قتيبـة – الطبعة الاولى 1992 \ ص 65-70

نشرت في تاريخ
الثلاثاء, 04 حزيران/يونيو 2013 10:56

الانقلابات - الجزء الاول

بشر القاتل بالقتل 


كنت قد وعدت القارئ الكريم في الاجزاء السابقة على ان أنشر اسماء مصائر المجموعات التي ساهمت بالتآمر على ثورة 14تموز الوطنية عام 1963 وقتل زعيمها الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم وقتل آلالاف من الضباط الوطنيين ومن القوى الوطنية المؤيدة للزعيم عبد الكريم قاسم وخاصة الشيوعيين وأبادتهم ودفنهم وهم احياء في مقابر جماعية ، يعج الجسم العراقي الجريح بالآلام والمآسي والعذاب نتيجة طغيان الحكام الذين اغرقوا العراق بالدم والدموع بأستهتارهم المشين، واستباحة حياة الناس الابرياء بدون واعز من ضمير اومبدأ او دين واخلاق، فقد أعماهم المنصب والمال والعمالة للاجنبي، فلا يرون غير الصورة التي رسمها لهم فكرهم البعثي الفاشي للنزوع الى الجريمة وأراقة الدماء، (والسحق حتى العظام – نظرية عفلق) ولكثرة الاعداد التي قتلت على ايدي رفاقهم من البعثيين والقوميين العرب والاسلاميين، أنشر لكم أسماء القسم الاول من الذين قتلوا،، والبقية سوف تنشر في الاعداد القادمة تباعا ،،
1-اللواء الركن ابراهيم فيصل الانصاري،قائد فرقة ومعاون رئيس اركان الجيش ومساهم في انقلاب 8شباط الاسود عام 1963نفي خارج العراق ثم عاد مستغلاً عفوا خاصا بحقه، قتله نظام (صدام والبكر) بعد ان نسب الجريمة الى اسباب جنسية، ويذكران الانصاري هو خال رئيس الاركان السابق، نزارالخزرجي الموجود حاليا لاجئ في الدنمارك، وقريب من عبد الكريم مصطفى نصرت،
2-احمد العزاوي ، قتل في عام 1975بعد عدة محاولات فاشلة لاغتياله من قبل اجهزة الامن العراقيةأ اهمها كانت عام 1974عندما فجرت سيارته، كان عضوا في قيادة فرع بغداد والقيادة في العامة للحرس القومي ثم عضو القيادتين القومية والقطرية ومسؤولا للمكتب العسكر لحزب البعث، لعب دورا في التحضير وتنفيذ انقلاب 8 شباط الاسود،
3-احمد حسن البكر، رئيس وزراء، ورئيس جمهورية وعضو القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث، قتله صدام بعد ان عزله من مناصبه بسقيه السم تدريجيا مع الشاي والقهوة،(راجع اعترافات حسين كامل) في الاردن،
4- باسل الكبيسي- ساهم في انقلاب 8 شباط الاسود، وكان نشطا ضد حكم الزعيم عبد الكريم قاسم ، واحد قادة حركة القوميين العرب، اضطر لمغادرة العراق بسبب الملاحقة، فاغتاله الموساد الصهيوني في اوربا، ولا يشك احد لو بقى داخل العراق لقتلته زمرة امن، احمد حسن البكر و صدام حسن،
5- بدن فاضل، ،شارك في انقلاب 8شباط الاسود، رئيس اتحاد نقابات العمال في العراق قتل رميا بالرصاص مع جماعة عدنان حسين،
6- بهجت شاكر التكريتي، كلف موقتا بإعادة تنظيم حزب البعث في العراق بعد محاولة اغتيال الزعيم قاسم في رأس القرية، عين مديرا لوكالة الانباء العراقية اعتقل وفصل من الحزب والانباء ثم طرد ركلاً بالاحذية، وقضى بقية عمره خائفا ومتخفيا يبحث عن مكان آمن يحميه من القتل وانتهت حياته بالدهس المدبر،
7- اللواء بشير الطالب، قتله صدام حسين مع ابنه، وكان اللواء بشير آمرا للحرس الجمهوري في عهد عبد الرحمن عارف، ومن المؤيدين لإنقلاب 8 شباط الاسود،
8- تركي سعيد عبد الباقي الحديثي، قيادي في حزب البعث، قتل في سجن ابوغريب عام 1982وهو اخ مرتضى الحديثي وزيرخارجية في حكومة صدام حسين،
8- جاسم هجول،،عضو نشط في حزب البعث، قتل بحادث سيارة مدبر عام 1970،
9- جاسم مخلص التكريتي،، ساهم في انقلاب 8 شباط الاسود بعد اعلانها وهو شخصية اقطاعية مهمة في تكريت، قتل في عام 1990 بعد اتهامه بتدبير مؤامرة ضد صدام حسين وقد كان أخوه مولود مخلص وراء تهيئة الفرص المؤاتية لشباب تكريت من اجل التوظيف و دخول الكلية العسكرية حتى بدون شهادات الثانوية،
10- جعفرمحمد رضا الذهب،، كان مديرا لبنك الرافدين ثم عين محافظ، اعدم مع جماعة عدنان حسين،
11- جعفر العبد،، عضو قيادة قطرية احتياط، وسفير في موريتانيا قتل مسموما بالثاليوم مباشرة بعد اعلان الحرب العراقية- الايرانية، اشتهر بثقافته العالية ودماثة اخلاقه وحبه للسلام والاستقرار،
12- المجرمون الاشقياء جبار وستار اولاد الكردية، وعدد من زمرهم، قتلهم احمد حسن البكر وصدام حسين، بعد الاستفادة منهم و تكليفهم بمهمات عدة خطيرة بقتل عدد كبير من مناضلي الحركة الوطنية (الشيوعيين) ومن التجار و الضباط المناوئين لحكمهم الفاشي، وكان جبار صديقا شخصيا حميماً مقربا من الرئيس صدام حسين، ويغدق عليه اموالا كثيرة ويزوده وعصابته المجرمة بالسلاح والسيارات والحماية القانونية ،
13- العميد جابر حسن حداد، ساهم في انقلاب 8 شباط الاسود ضد عبد الكريم قاسم عين محافظا لكربلاء، قتل عام 1970 بتهمة الاشتراك بمؤامرة رجعية ونفذ فيه الاعدام مع 40 شخصية سياسية وعسكرية واعدمت السلطات معه الشيخ راهي آل سكر زعيم عشائر آل فتلة، وجاء قتله تذكيرا للعراقيين بأن ما لم يستطعه الانكليز ضد ابناء الفرات الاوسط حققه صدام حسين وانتقم لهم من الحاج عبد الواحد بإبنه، كما انتقم للانكليز من شعلان ابو الجون بقتل ابنه،
14- المقدم داود الجنابي، احد المتآمرين الاساسيين لإنقلاب 8شباط الاسود اصبح آمرا للكلية العسكرية ثم قائدا للفرقة العاشرة المدرعة وقائدا لقوات بغداد طرد من الجيش بعد ان وجهت له تهمة اخلاقية (جنسية) اثر خلاف نسب بينه وبين حسين كامل ولا احد يعرف نهايته الغامضة،
15- حامد الدليمي، ضابط سجنته حكومة البكر وصدام في سجن ابو غريب واشعل المحققون النار تحته وبعد ان اصبح الجزء الاسفل من جسده مشويا قطعت عنه الماء وترك ليموت، كان عضوا في المكتب العسكري بعد انقلاب 1963ثم اصبح سفيرا في نيجريا، استدعي واعتقل في المطار بعد ان اعتدى عليه بالركل امام المسافرين، ويذكر انه اصبح لفترة قصيرة معاون مدير الاستخبارات وشارك في مهرجانات القتل والتعذيب اثناء التحقيق مع المواطنين ،
16- اللواء الركن حامد الورد، اعدم في نيسان عام 1989،
17- حبيب جاسم ، عضوقيادة فرع بابل، قتل في السبعينات بتهمة التآمر،
18- حسن محمد رضا الذهب، عضو قيادة قطرية وقومية، قضى سنوات في سجن صدام ثم مات نفيا ومتاثرا بأمراض سببها التعذيب الذي لاقاه خلال فترة الاعتقال،
19- الفريق الركن حردان عبد الغفار التكريتي، عضو مجلس ثورة وقائد القوة الجوية ومساهم في انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963قتل اغتيالا في الكويت وبعد ابعاده بأيام سفر صدام زوجته مع اولادها فماتت في الطائرة بصورة غامضة وكانت حاملاً،
20- حسين سيد جبر،أول رئيس للجمعيات الفلاحية في حكومة البعث مات قتلاً،
21- الفريق الركن حماد شهاب التكريتي، رئيس اركان الجيش ووزير الدفاع وعضو مجلس ثورة قتل في مؤامرة بوليسيه مدبرة،
22- العميد حميد التكريتي، عمل سكرتيرا لأحمد حسن البكر قتل عام 1979قبل أبعاد البكر وتمهيدا لسيطرة صدام على السلطة، عثرت عليه زوجته متكئاً على طاولة الطعام وقد اخترقت جسمه ثلاثة طلقات جاءت من النافذة المفتوحة،
23- الدكتور حقي اسماعيل الراوي،ضابط طبيب قتل عام 1995بتهمة المساهمة بمؤآمرة امريكية،
24- الاستاذ حمدان الراوي،، وأخته فوزيه الراوي، قتلا بطريقة بشعه،
25- خالد عبدالله سرية، ،ساهم في انشاء جهاز(حنين) الاجرامي عام 1968مع صدام حسين وناظم گزار، قتلوا الالأف من المواطنين خلال اكثر من ربع قرن، قبع خالد عبدالله في السجن ومن ثم وضعه صدام حسين مقتولا في تابوت ممتاز مكافئة لاعماله المشرفة،
26- فليح حسن جاسم الشمري، عضو قيادة قطرية و وزير الصناعة، طرد من منصبه بسبب عدم موافقته على عضوية المحكمة الخاصة للمصادقة على مقتل ثوار انتفاضة صفر التي قام بها زوار العتبات المقدسة خلال مسيرتهم السنوية من مدينة النجف الى كربلاء واخيرا قتل،
27- فؤاد الركابي ، أول أمين قطري لحزب البعث في العراق، وأول وزير بغثي في العراق، ثم اصبح أمين عام حركة الوحدويين الاشتراكيين، وهو الذي خطط وأمر بتنفيذ خطة اغتيال الزعيم قاسم برأس القرية شارع الرشيد، وشكلت تلك المحاولة أول خطوة لصدام حسين للوصول الى قمة السلطة، اعتقل فؤاد الركابي بتهمة التجسس ثم قتل بطعنة سكين غادرة من احد عناصر المخابرات المندسين بين السجناء مدعيا ان القاتل فعل ذلك لأسباب اخلاقية(جنسية) ولم يتقدم احد لإسعافه فمات بتأثير الطعنة القاتلة والنزيف، أدعت السلطة أنها اعدمت المجرم القاتل ، لكنه شوهد يعمل موظفا محليا في السفارة العراقية بصوفيا،
28- العقيد الركن فاضل مصطفى، قومي ساهم في انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963 واصبح ملحقا عسكريا وعضوا في القيادة العسكرية الاردنية السورية العراقية في قضاء السويداء، وقبلها كان ضابطا لركن الحرس الجمهوري قتل في عام 1970 بتهمة الاشتراك في مؤامرة وهمية،،،،، يتبع

المصدر :-
الدكتور علي كريم سعيد، من المفاهيم الى الدم، 394
طالب شبيب، حوار الدم ، ص 398
3- احمد فوزي ، نهاية الزعيم ، ص 129

نشرت في تاريخ
الخميس, 23 أيار 2013 10:30

الجدلية المندائية

مذكرة للسيدة دراور منشورة في جامعة لندن عام 1962
ترجمة آسام داود الخميسي
2009
ص1


المندائيون أو الدين الناصورائي هو نظام بفلسفة دينية غير محدودة. ويظهر أنه كان من البداية نظام دقيق لمراسيم رمزية حفظت وأديت بعناية فائقة من قبل رجال السلك الديني الذين ورثوها. ومن اللفائف المحفوظة لدى رجال الدين فقط يمكن القول بأنهم قد أخفوا المبادىء المعرفية خلف أساطير رمزية و مبادئ تحويل الصفات الى شخصيات بحيث تتغطى الأسرار بالكامل وفقط رجال دين قلائق يعتبرون مؤهلين لفهم بعض النصوص الدينية التي تخص الحقائق العليا وماوراء العالم المادي.
مثل هذه الحقائق كانت بعيدة جدا عن متناول أيدي الموالين( الناس العامة). لهؤلاء المؤمنين البسطاء الجسديين، جميع المعلومات يجب أن تعطى بطريقة رمزية وأسطورية. حيث لأجل خلاص أنفسهم يكفيهم أن يطيعوا و يسندوا رجال دينهم، الذين يقدمون لهم التوجيهات الأخلاقية و يقيمون لهم المراسيم ويخلصونهم من الخطيئة بأفضليتهم الروحية.
بالنسبة الى المندائي الموالي لا يوجد مؤسس للدين ليرجع اليه ولا وجود لرسول عظيم يشار له كقائد وحيد ولا قديس بشري يتمسك به. هذا من الناحية السياسية يعتبر مضرة. الناصيروثا ( بشكلها لدى الناس البسطاء هي المندائية-ماندايوتا-) لم تصبح أبدا بحالة الدين. حيث حسب التقاليد كانت قد أعترف بها وحميت من قبل الفرثيين. وتحت الحكم الساساني حمايتها لم تكن قوية وعندما جائت جيوش الاسلام الى الشرق الاوسط طلب المندائيون الحماية والاعتراف بهم كأهل كتاب حسب ما جاء في القرآن ولكن كان عليهم أثبات ذلك. ويبدو أن حتى الجيران الوثنيين في حران قد أدعوا المندائية لأجل ان يحموا أنفسهم تحت عباءة أسرار المخطوطات المندائية.
هذه الفئة قد تعرضت للأضطهاد منذ بدايتها حيث التقاليد المنقولة شفاهة وبعض الملاحظات المكتوبة في أدبهم وحتى بعض الأعياد السنوية تشير الى ذلك. كذلك في المخطوطة المندائية الفريدة التي نجت من الحرائق وغزوات العرب و فيضانات الاهوار والتي هي عبارة عن لفيفة بردي يدعي المندائيون الحديثون بأنها مخطوطة تاريخية برغم كونها منسوخة حديثا ومكتوبة بطريقة أسطورية. أنها تتحدث عن الاضطهاد الذي تعرض له الناصورائيين في القرن الاول الميلادي في أورشليم على أيدي اليهود وتصف هروب مجموعة من الناصورائيين الى حران وإيجاد مجموعة معرفية مثلهم بين الفرثيين1.
في صلاة التذكير الطويلة توجد صلاة لأرواح المتوفين ( 360 ترميذي)2 الذين غادروا مدينة أورشليم.
مثل هذا الاضطهاد يفسر الكره العنيف لليهود المتشددين الذي يسري مثل مجرى تحت الارض في الأدب الناصورائي المندائي. هذا الكره المتناقل منذ فترة مبكرة يبدو أنه أثر حتى على اللغة حيث أن بعض الكلمات وبعض جذور الكلمات منعت بشكل متقصد لأنها متعلقة باليهود المتشددين أو اليهودية. دليل على ذلك موجود
بالجذر (قدش) حيث في المندائية لا يعطي معنى (مقدس) أو (سري) ولكنه يستخدم للتعبير عن الطعن و القذف.
الجذر "قدش" أو أية كلمة مستخرجة منه لا تستخدم أبدا في وصف المخلوقات المندائية والصفات المتشخصة والمراسيم أو حتى الاشياء. ماعدا حالة واحدة عندما يدعى فيها المخلوق أبثاهيل "قاديشا" عندما يظهر كسيد على "المطراثا" وهي أماكن المطهرات، وفي الكنزا ربا الصفحة 163 ملاحظة 3 لدربارزكي يوجه الاهتمام الاستخدام المثير للجدل لهذه الكلمة.
الشمس " شامش" يدعى قادوش : " المستحق شامش الذي أسمه أدوناي، الذي أسمه قادوش، الذي أسمه أيل-أيل" ( الكنزا ربا اليمين 25:8 ، المخطوطة 43:2).
الاستخدام الجدلي للفعل قدش يظهر كاشارة الى المسيحيين. القديسون المسيح والرهبان والراهبات يدعون قاديشي ( القديسين رجال ونساء). والملائكة* لا يعتبرون أرواح ذات احترام خاص في المندائية ويمكن ان يعرفوا باستخدام صفات مستخرجة من الجذر قدش. أم الملائكة و أم التنين الارضي أور تدعى " روها-اد-قودشا" ( الروح المقدسة) وهذا أسم جدلي تعرف به الروها " الروح". وهذه هي الجزء الدنيوي من شخصية الانسان والتي تتأثر بالرغبات والشهوات ولكنها قادرة على الصعود من خلال تاثير الجزء العلوي والذي هو النيشماثا (النفس).
السمعة السئية الملحقة ب "قدش" أبرزت عندما تظهر كشكل "قتش" بمعى ليقاتل ومثال ذلك " مقادشا"
"المحارب"و" المجادل" والسلوك المخزي النهائي موجود في كلمة الدعارة أو الداعرات (مقاداشتا) هذه المرة تحلل بالمعنى العبري للكلمة الذي هو "داعرات المعبد" أو العبيد.
والمندائيون يتحاشون جذرآ آخرآ وهو "مشاه" عندما يعطي معنى "يمسح بالزيت" لأن كلمة المسيح (مشيها) تأتي منه وهذا أكثر غرابة. في العبرية الحديثة مشاه تعني " ممسوح بالزيت أو ليمسح أو يضرب" بأستخدام اليد والجذور التي تبدأ ب "مش" تعطي المعنى
...........................................................................................................................................................................................................................................
1:في حران كويثا و آدم الخفي صفحة112.
2: كتاب الصلوات المندائي ( النياني) صفحة 152. رجل الدين في الزمن الحديث يدعى ترميذا.
3: المندائيون قد اضطرو الى ايجاد صفات تعطي معنى "مقدس" مستخلصة من جذور حميدة مثل : محترم وموقر وغالي وغيرها. من الجذر ياقر تأتي كلمة ياقرا وطقس الزواج يسمى كوشطا ياقرا ( العهد الموقر) و كوشطا رهيما ( العهد المحبب). كوشطا-ياقرا تم تشخيصها وتعريفها. "كوشطا-ياقرا، الحياة العظمى التي قبلها لم يخللق اي مخلوق" ( ترسر و الف شيالة ،رقم 100). ومرة أخرى هو دعي " الشعاع العظيم المتألق الذي يفوق أضاءة جميع العوالم" (نفس الكتاب، رقم 99). يتحدث عنه احيانا كالمانا. مثل هذا المخلوق التشخيص المثالي للحق والعهد والاخلاص، ياقرا تستبدل قودشا أو قاديش غيرالمحببة.
*: السيدة دراور هنا أفترضت بأن الروها هي احد الملائكة ولكن من الواضح في الأدب المندائي وجود عدة تدرجات من المخلوقات النورانية وكذلك مخلوقات تعتبر من عالم الظلام التي تسمى لغويا "ملاخي" وليس "ملكي" مثل مخلوقات عالم الانوار، مخلوقات عالم الظلام او التي احد ابويها من عالم الظلام أو التي لديها ارتباط بطريقة ما بعالم الظلام فقط يمكن ان يكون أسمها حاوي على المقطع أيل او تلقب بقودشا (مداخلة للمترجمة).

ص2
مد اليد والذراع1.
عندما "يمسح" رجل الدين المندائي بالماء الشخص الذي يقوم بتعميده عندما يكونان في الماء فهو يقوم بغطس يده في الماء ومسح جبين الشخص المتعمد من اليمين الى اليسار بالماء وعندما يخرج الشخص المتعمد من النهر ويجلس على الضفة لإكمال مراسيم التعميد، هذه المرة يمسح رجل الدين جبين المتعمد بزيت السمسم (ميشا بر شوشما). وفي طقس المسقثا عندما تصنع أقراص العجين التي تمثل نفس المتوفي الذي تعمل لأجله يقوم رجل الدين بإدخال أصابع يده في زيت السمسم2 ويمسح الاقراص بنفس الطريقة من اليمين الى اليسارومن ضمنها القرص الذي يمثل نفس المتوفي المذكور.
في أدب التعميد الفعل المستخدم لوصف هذا الطقس يسمى "مشا" وليس "مشاه". حيث مشا يعطي معنى "ليطهر بالغسل" في المندائية وهذا الفعل يستخدم خصوصا في طقس التعميد. إن الأفعال المستخدمة للتعبير عن "الممسوح" في الأماكن الأخرى هي "ليعلم" و "ليختم" و "ليعبر" ومثال ذلك رشم وهتم وأدا.
قدر ما تسعفني الذاكرة فقد وجدت أستخدام التصريف الماضي للفعل مرتين فقط في الأدب المندائي:
أ: كلمة مشيها تستخدم لأكليل العرس عندما يلطخ بالزيت ويعطى للعريس.
ب: أستخدمت بشكل خاص في حران كويثا (مشيها وميهدايا " ممسوح ومرشد").
لذلك فان أستخدام هذا الجذر معروف لدى الكتاب المندائيين ولكن تم تحاشيه لإستخدامه من قبل الأديان اليهودية والمسيحية.
وعند الاشارة الى التعميد المسيحي فإن المندائيين يستخدمون الجذر "آمد" و ليس "صبا" . حيث ان الجملة " بميا بسيقي ماميديلهوم" تعني تعمدهم بماء مقطوع أي ماء غير جاري. و في الكنزا ربا اليمين الكتاب التاسع يحوي نصا طويلا منتقصا من الأديان والملل. أحدها يتعامل مع "بوابة فينوس" والذي من الواضح ان المقصود به المسيحية:
" لقد حفروا حوضا في الارض، أخذوا ماءآ من النهر، غلوه بالنار، وصبوه في الحوض. خلعوا ملابسهم نساء ورجال ودخلوا فيه، عمدهم (ماميديلهون) و أعطاهم بعضا من ماءه ليشربوا. نطقوا عليهم أسم الموت، أسم " الاب، الابن، والروح القدس"، معمدا لهم وناطقا عليهم أسم الممسوح (مشيها)" اليمين 226
هذه الامثله عن اللغة الجدلية موجهة خصيصآ الى اليهود وكما وضعتها بين قوسين أعلاه، كلمات مرتبطة خصيصا مع الدين اليهودي مثل أدوناي (ربي) وصبابوث وغيرها، أصبحت ساخرة وأستخدمت فقط في السحر وعادة السحر الاسود. أيل أيضا كلمة أتسخت لأرتباطها باليهودية مع أننا نجد أيل هنا وهناك كوصف للآلهة المرتفعين1. الكلمة ياهوا أيضا أعتبرت محرمة ولكنها أستخدمت بحرية وبأستمرار ككلمة قوة خلال عمليات أستخراج الارواح والسحر.
جنبا الى جنب مع كل هذا التشهير بالكلمات اليهودية الممنوعة، نجد اشارات وأستخدامات لبعض أسماء الاماكن اليهودية مثل جبل الكرمل (كاريملا، طورا كاريملا) و ليبانون (لبنان). بالطبع نهر الاردن أكثر من ذاكرة2 وأنه نهر التعميد فوق جميع الانهر، إنه الماء الجاري الذي أقيم فيه التعميد وبشكل تلقائي سمي
ياردنا. كما أشرت في كتاب آدم الخفي، هذا النهر الطيني الصغير يجري في وادي بضعة أقدام تحت مستوى البحر وفي جميع المواسم مياهه بدرجة حرارة مناسبة للذين يغطسون فيه وأنه بهذه الحقيقة فقط أصبح المنافس المفضل على أنهار فلسطين وسوريا، حيث تلك الانهار سريعة وباردة عندما يذوب فيها الجليد من التلال في بعض المواسم3.
ص3
وأذا كانت الدعوى المذكورة في كتاب حران كويثا بأن الناصورائيين قد هربوا من الاضطهاد في الصحراء اليهودية ووجدوا حماية في حوران وحران، فأن الاشارات الى " حوراران النقية"4 و " حوراران التي فيها الانفس تصبح كاملة"5 وغيرها تصبح ذات معنى. سطرا في تراتيل التعميد (النياني ص37، النص، الايسر) " بهاوران اونشتلان بهاوراران كسويان" بمعنى (في حوران ردائنا في حوراران غطائنا) لربما أشارة الى أسماء أماكن جغرافية ومقاطعات حصلوا فيها على الحماية والاقامة كلاجئين لأسباب دينية. حيث هنالك أشارة الى أسماء أماكن جغرافية واقعية مذكورة في باراخاتا (النياني صفحة 298) " لتكن مباركة بالتبريكات المنطوقة على اليردنا وعلى أرض حوراران".
بثليهام مذكورة ( الكنزا ربا اليمين 329:22، 338:23) كالمكان الذي نزلت فيه الكواكب السبعة الى الارض و أمهم الروها جعلتهم يبنون " أورشليم جديدة ". وطردت بصوت "انوش-أثرا". هذه القصة الجدلية التشبيهية لربما تشير الى قصة ولادة المسيح المكروهة لدى المندائيين.
في الكتب المندائية القديمة والتوجيهات الخاصة برجال الدين يوجد القليل من الجدل ولا يوجد شيء ضد المسيحية والكره كله موجه لليهود. وفي الكتاب ما قبل المرحلة الاسلامية المسمى " دراشا اد يهيا" (ترجمة لدربارزكي) يوجد خلاف بين يوحنا " يهيا- يوهانا" والمسيح. إن يوحنا المعمدان بالمناسبة لا يُذكر في اللفائف الخاصة برجال الدين وحتى في الفلسفة الدينية المندائية الحديثة وأن يوحنا ليس أكثر من رجل دين ناصورائي معاصر للمسيح. المسيح دائما "المسيح المزيف" والتلميذ الوحيد المذكور هو "باوليس6 الذي أسمه يذكر في الحوار المذكور أعلاه في كتاب لدربارزكي النص 103، المترجم). المسيح "يوشو- مشيها" يقول: " يايهيا، عمدني بعمادك وأنطق علي الاسم الذي تنطقه، أذا أنا أصبحت تلميذك سوف أذكرك في كتابي7 ولكن اذا لم أصبح تلميذا لك، أحذف أسمي من لفيفتك".
يوحنا (ياهيا) يجيب " المسيح في أورشليم" ، " انت قد كذبت على اليهود وخدعت الرجال ورجال الدين" و يتهم المسيح بالزهد والرهبنة والعزوبية وعدم أحترام يوم السبت. المسيح ينفي بشدة تلك الاتهامات ويبقى
.......................................................................................................................................................................................................................................
1: انظر آدم الخفي صفحة 93، ملاحظة1. الحرف الاول من الابجدية في بعض الاحيان يستبدل حرف العين.
2: انظر انظر مقال الدكتور ماكوج المثير. (التير اند هيمات ديس ماندايزم ناش نيورسشلوسين قيليين) المنشور عام 1957.
3: سف. قصة نعمان، الملكين.
4: الكنزا ربا اليسار، 304:11
5: الكنزا ربا اليسار 135:18.
6: هذه لا يمكن ان تكون قراءة للأنجيل بالسريانية، حيث لا بيتر ولا ثوماس (التلاميذ في الشرق الاوسط) تم ذكرهم. لربما انها أدخالات من بعض الشخصيات النصطورية (الناصورائية).
7: برودقا، كتابات تعطى لاعتماد المسافر (المبعوث).

ص4
يطالب بالتعميد. يوحنا يعرض سلسلة من الالغاز والتناقضات الظاهرية التي أجابها المسيح بأسلوب معقول و مقبول. " رسالة " من " بيت أباثر " تنزل الى يوحنا وتطلب منه تعميد المسيح " عمد الكذاب في اليردنا، خذه الى الضفة ودعه يقف هناك".
" ثم روها-أد-قودشا1(الروح المقدسة) إتخذت شكل حمامة، صنعت صليبا في اليردنا وخلطت الماء بألوان متعددة وقالت (له) " ياردنا، لقد جعلتني وأبنائي السبعة مقدسين" (مقاداشتلي).
اليردنا الذي فيه المسيح-باوليس تعمد أنا جعلته قناة ضيقة، البهثا (الخبز المقدس) الذي المسح-باوليس اكل أنا جعلته قوربانا2. البريزينقا (العمامة الطقسية) التي لبسها المسيح-باوليس جعلتها كاهنوتا ( قبعة الكهنة). المركنا التي المسيح-باوليس أمسك جعلتها قذارة".
هذا النص من الواضح انه أتهام للكنيسة النسطورية التي سرقت وسخرت من الاردية الدينية والمقدسات المندائية.
في نفس الكتاب نجد حوارا بين "أنوش-أثرا" و "المسيح" حيث فيها المسيح يطلب من "أنوش-أثرا" علامات3. أسم الاخير هو بمعنى "بشر أو الجنس البشري" وهو أحد ثلاث أسماء رمزية تسمي أبناء أدكاس-زيوا (آدم المضيئ) مثل : آدم-كاسيا (آدم الخفي او المقدس). في نفس الكتاب أنوش –أثرا يصف بانه صانع معجزات وشافي في أورشليم. البروفيسور ف.س.بوركيت يرى في هذه الشخصية محاولة من المندائيين للأستيلاء على معجزات المسيح ويستنتج بأن المندائيين هم فئة أنفصلت عن المعرفية المسيحية مستخرجة أيمانها من النصطورية المسيحية4. مع أن أطلاعه على الادب المندائي كان مقتصرآ على تراجم لدربارزكي وقد فشل في تبيين ان الاتهامات الرئيسية ضد المسيح المذكورة في الكتب الاولى وكذب دعواه بانه المسيح وكذلك أن الجدل المندائي المتأخر يتحدث ضد الرهبنة المسيحية ورأيها بخصوص الجنس. هانس لدربارزكي أتخذ نظرة مماثلة لنظرة بوركيت ولكن تلك النظرة أستبعدت تماما من قبل باحثي الأديان الحديثين.
في الجزء الأيسر من الكنزا ربا الذي أعتقد بأنه الأقدم والمتكون بشكل أساسي من تراتيل للنفس المغادرة، مجمل عددها أثنان وستون. خلال تلك التراتيل تدعى النفس مانا واللعنات الوحيدة والملامة والاهانات موجه للكواكب. النجوم والابراج هم أعداء النفس. قد ننظر الى ذلك على أنه تفنيد لفكرة ان الإنسان ضحية بلا حول ولا قوة امام هيمارمين، تلاعبات الكواكب التي ولدنا تحت تاثيرها. الناصيروثا في انكار متكبر للقدر، انها دعوة لنفس الانسان للأصغاء الى مانتها التي هي صورة و جزء من المانا العظيمة. أذا استمع الانسان الى تلك الدعوى الذاتية فسيكون محصنا ضد القدر والكواكب.
........................................................................................................................................................................................................................................
1: أستخدام "قدش" هنا مع "روها-اد-قدشا" جدلي. هي روح شريرة، أم السبعة (الكواكب).
2:هذه تسمية الخبز المقدس . انا افترض بان كهنوتا التي تتبع هي أستعاضة عن البريزينقا (العمامة) وكانت بالاصل كراكتا (العمامة لدى الناصطوريين (الناصورائيين)).
3: في الحوار أنوش-أثرا ينوه الى فترات مختلفة التي فيها سكان الارض بالكامل قضي بكوارث عالمية عدا زوجا واحدا (نوح وزوجته و آخرين يسمون في الكنزا ربا) الذين يتكاثرون لتكوين سكان الارض.
4: : كره المندائيين لأيشو- مشيها هو كره للكنيسة المتطورة ماقبل النيقية. ( بوركيت، الكنيسة و المعرفية، كامبرج، 1932).

ص5
ومع ذلك، فالجزء الايسر من الكنزا ربا يحوي قصيدة من الشعر النثري متكونة من أربعة قصاصات تحوي أجندة مضادة للرهبنة والمسيحية. ان المطراثا، هي عوالم تحجز فيها الانفس وتتعذب للذنوب والتلوثات التي قامت بها، حيث يمكن أعتبارها مطهرات. النفس تحت أرشاد ابناء الضياء تعبر عوالم العذاب تلك. واحد من تلك العوالم " للساحر المسيح، أبن الروح الكذب، الذي أدعى انه اله الناصورائيين" (الكنزا ربا اليسار، 33:18) وفي نفس المطهرات توجد" قاديشي وقاديشياتا( الرجال والنساء المقدسين) النساء والرجال الغير متزوجين (بتولا وبتولياتا) و أزبا وأزبياتا ( الراهبات والرهبان) ، الرجال الذين لا يرغبون النساء والنساء اللواتي لا يرغبن الرجال ولا ينجبون الاطفال، والذين يقتلون أطفالهم في أرحامهم و يمنعون البذور الحية التي تأتي اليهم من بيت الحياة ".
وفي نفس القصاصة، شاهدت النفس مطهرات " روح الظلم" التي فيها تحجز وتعذب بالحرمان أرواح الذين يمارسون الصيام والتلاعب بالجسد، حيث أن تعذيب النفس ينظر اليه على أنه خطيئة عند المندائيين.
عند دراسة كتاب الأدعية والصلوات المندائي نجد القليل عن المنافسة بين الأديان عدا ملاحظات ازدرائية هنا وهناك وهذه عادة موجة لليهود. وفي أدعية مرياي الموجودة في كتاب النياني تتحدث عن تحول مرياي اليهودية الى المندائية. أنا لا أرى أي سبب يدعوا للظن بوجود أية قاعدة لتعريف هذه الشخصية كمريم أم المسيح1. هنالك ترتيلتان وكلتاهما طويلتان، الترتيلة الثانية تحوي اثباتات عن عدم أيمان مرياي باليهودية، اليهود الذين سألوها: " كيف هو شكله، المخلوق الذي خطف بصرك؟" فتجيبهم
" لا يوجد مثيل له في هذا العالم....... على طريقته وفي خطاه العالم الارضي بوغت.
الاموات سمعوه فعاشوا،
المرضى سمعوه فشفوا،
العرجان سمعوه فطابوا،
جميعهم قاموا، وقفوا وشفوا،
بشفاء معرفة الحياة (مندا-اد-هيي)،

.....................................................................................................................................................................................................................................
1:التي تسمى من قبلهم مريم. مرياي ذكرت في كتاب دراشا اد يهيا ( تنحب مع أم يهيا يهانه، صفحة 85) ومرة اخرى ذكرت مع يهود آخرين (ياقف وبنيامين) وجزئين من كتاب دراشا اد يهيا خصصت لمرياي،
أ) تتحدث عن تصريحاتها في أورشليم المدمرة حيث تحولت الى مندا-اد-هيي (الحياة العارفة) ولعنت اليهود المتشددين و (ب) تتعلق بمرياي المتوجة عند الفرات، حيث وضع لها عرشآ. هنا من المحتمل إننا نتعامل مع أسطورة أمرأة قد تكون شخصية تاريخية.

ص6
كذلك مرياي ذكرت في كتاب دراشا اد يهيا1، الكتاب الذي كما ذكرت سابقا في أغلب اجزاءه كتب في الفترة ما قبل الاسلام. تحول يهودية ذات مقام الى المندائية هو أساس الاسطورة، حيث ان مرياي وصف بكونها أميرة. في العهد الاسلامي كان لدى المندائيون جيران من المجوس، ولذلك نتوقع الهجوم على النار ومذابح النار. لكن ما عدا شعر موجود في ترتيلة التعميد (النياني،ص21)
" لو! هنا تحترق النار
سوف تشهد لنا."
" هذه ليست ما أريد
وليست ما يطلبه قلبي.
النار التي تطلبونها
تحتاج في كل يوم ان تشعل من جديد.
النار التي تطلبونها، نار
في النهاية تنطفئ
وعبادها يختفون
فهي باطلة " "
لا يوجد شيء. يجب ان نتذكر بأن النار الصغيرة التي يطبخ عليها الخبز المقدس ويوضع عليها البخور بشكل مستمر، تعتبر أساسية ولا غنى عنها في جميع المراسيم المندائية. فبدونها لا مراسيم (عدا تلك الخاصة بالرسالة في ظروف قاسية) قد تقام. أنها تشعل من قبل رجل الدين، تغذى بوقود تم تطهيره وتغطيسه في الماء طقسيا، ويتم مراعاتها من قبل الشكاندا و بدون هذه النار لا يكون التعميد كاملآ. وليس فقط يخبز عليها البهثا لجميع الطقوس المقدسة، ولكن تثبت بجانبها الراية (الدرفش) منتصبة على ضفة اليردنا (او حوض التعميد او النهر). نجد جميع هذه الثلاثة، الملك (رجل الدين)، منصة النار، و الراية ممثلة على العملات المعدنية للفترة ما قبل المسيحية للعائلة الحاكمة الفارسية. الملك يأخذ دور كاهن معبد النار، وهو مماثل للملك المندائي ( رجل الدين المندائي هو "ملكا" ملك). توجد مجموعة من التراتيل للراية، ولكن لا توجد ولا ترتيلة للنار. انا اجد السكوت بخصوصها بليغآ.
القمر والشمس أستبعدوا من الشهادة على التعميد في التراتيل كما مذكور أعلاه، ولكن لا يوجد اي ذكر للمسيح أو التعميد المسيحي. في الترتيل رقم23 من النياني الذي فيه يذكر الزيت يوجد تعبير يذكر أن هذا المسح بالزيت " ليس بأسم المسيح" او " معبد عشتار"، ولكن لا يوجد ربط هنا مع المسيح المسيحي. أنا يجب ان اضع أدعية التعميد مع أقدم الأدعية المحفوضة2، ومن المفترض ان بعضها بقدم الناصيروثا (المندائية) نفسها.
طقس المسخثا و الرسالة خالية من الجدل، التي بشكل غريب أختفت من كتاب الادعية ماعدا :
......................................................................................................................................................................................................................................
1: كتاب دراشا-اد-يهيا صفحة 85:13. هنالك اشارة اخرى لها في نفس الكتاب في صفحة87،123، و192:11(مرة اخرى مع ياقف وبن يامين).
2: ولكن بعد الابعاد الى بابل زيت السمسم اصبح يدعى (ابن ضفة الفرات).

ص7
" رسمي ليس برسم النار
ولا بالمسح ولا برسم ذلك الممسوح (مشيها) " (النياني،صفحة90)
ولكن أيضا لامسيح ذكر بالاسم. ولكن نجد في أدعية الرهمي ( الصلوات اليومية التي تقرأء ثلاث مرات في اليوم ولكل يوم من الأسبوع) هجومآ مباشرآ على يسوع، إن هذه القراءات كما أعتقد مدخلة على النص، حيث تاتي بعد تحذير المؤمنين من النوم و النسيان.
" أحذروا، يا اصدقائي، من يسوع المسيح المزيف
ومن أولائك الذين يخدعون بالمظاهر
ويغيرون الكلمات الخارجة من فمي" (النياني، صفحة125).
أنه مرة أخرى عارف-الحياة (ماندا-أد-هيي) الذي يكلم المؤمنين. في دعوات العطاء المبارك( النياني المترجم صفحة240-52، 368-80) هنالك لعنات على الذين يأكلون البهثا (الخبز المقدس) بطريقة خاطئة.
" اليهود، أمة شريرة، ملعونين وكفرة
أكلوها (البهثا)
كيوانايا1 أكلوها مع لهيب النار،
المجنون يازوقايا2 أكلها مع تبجيل للنار،
مخلوقات مجنونة تلك التي تبجل النار،
تخدم شيئآ بلا قوة،
الادمايين3 أكلوها، الذين دمروا فظيلتهم،
مبعدة، مدمرة رجولتهم
وأجلسوا جثثا4 يعبدونها.
الزناديق5 الذين أستندوا على الحيلة
أكلوها...
العرب أكلوها، الكذبة الشريرين، العرق الخبيث
الذين يشربون الدماء" ( النياني، صفحة357)
........................................................................................................................................................................................................................................
1:في النهاية لربما هذه هرطقية أيرانية؟ زورفان كان الزمن الانهائي (انظر ر.س.زاهنير، زورفان، زورفانيان ديلايما، أكسفورد،1955) كيوان في المندائية هو الشيطان، كوكب العمر الطويل، الزمن.
2: مجموعة زرادشتية أخرى؟ كان يوجد أصلآ مجموعات كثيرة كما أشار زاهنير في كتابة (ذا ديوان اند تويلايت اوف زوراستيسزم، لندن 1961،صفحة185).
3: الادومايين- هو فئة سكنت منطقة أيدوم، ماوراء الأردن، ولربما مارسوا عملية خصي الرجال (أو المقصود بذلك التكزير-مداخلة للمترجم)
4: أو الموت.
5:زنديقا، انظر زاهنير(ذا ديوان اند تويلايت اوف زوراستيسزم، صفحة 184، عن الزرادشتية تحت حكم شاهبور الأول). قائمة الفئات الذين تم اضطهادهم بعد موت شاهبور تبين الملوك الساسانيون في العهود

ص8
هنا نحن في غابة من الأعداء، مواجهين قائمة مرعبة من الهرطقيات! الناصورائيين فقط أكلوا الخبز المقدس وقدموا العطاء الحقيقي بالتفسير الصحيح لرموز الأكل والشرب.
أخيرآ، في البراختا، جزء طويل يتلوه رجال الدين عند المشكانا (المكان المقدس المندائي) لا يوجد فيه أي لفظ جدلي ولذلك السبب وضعت "التبريكات" ضمن المكونات ذات العمر الأقدم مقارنة.
الآن نأتي الى الجدل حول الأسلام و نبيهم. مثال واحد نستطيع إيجاده في تعبير يستخدمه النساخ المندائيون في حواشي الكتب الدينية عندما يذكرون تاريخ نسخهم اليوم والشهر والسنة وهذا التعبير دائما: " بعد الهجرة حسب حساب العرب- ليكن رب العالم فوقهم ويجعهل غضبهم على تجمع الانفس عقيما-".
الكتاب الوحيد الذي يخلو من التاريخ ومن هذه الجملة ومن ذكر الاسلام هو "كتاب الأنفس" وهي مخطوطة مخصصة لرجال الدين فقط لذلك الجدل ليس مهما بالطبع. ولا يوجد شيء من هذا القبيل أيضا في المخطوطة الطويلة المكونة من سبعة أجزاء والمعنونة " الف و أثنا عشر سؤال" ولا في "شاره" ( الشرع)، حيث ان محتوى هذه المخطوطات مخصص لأرشاد رجال الدين بأمور الكتب السرية والطرق الصحيحة لأداء الطقوس.
في الكنزا-ربا وهي عبارة عن مجموعة من الكتب والقصاصات بمختلف التواريخ وضعت سوية، نجد إشارات الى الأديان الأخرى وهذا يساعد على تأريخ ذلك الكتاب وأرجاعه الى فترة ما قبل الاسلام او لربما ماقبل المسيحية أيضا. طريقة لتعريف الاديان الاخرى أيضا جملة "البوابات الاثني عشر".
لا نكاد نجد شيئا في الكنزا ربا ضد محمد وأتباعه. في الكتاب الأول من المجموعة نسمع ب"أحمت أبن الساحرة بزبات" "الذي يجلب الكثير من الشر للعالم" ولاحقا في الكنزا ربا (وكذلك في دراشا اد يهيا) "بزبات الشيطان" و المقصود محمد. في الكتاب الخامس "الجزء الايمن" من الكنزا ربا نجد " عهد محمد" متنبئ له ان يكون العهد الاخير من العالم، وهو صفة متداخلة في الكتاب الثامن عشر الذي يذكر بأن " الملوك العرب" سوف يستمرون بالحكم لمدة واحد وسبعين سنة، وذلك يعطي تاريخآ لكتابة مثل تلك النبوءة. أما الجزء الأيسر من الكتاب كما متوقع فهو صامت بخصوص الاسلام.
الاسلام متهمون بالتسبب باختفاء الأمانة و السلام وأقامة الغش والشر، يلعنون الدعارة والربا ولكن بنفس الوقت هم فاسقون ويعملون بالربا. أستبدلوا المشخنا (المندي) بالجوامع.
في أحد المقاطع يهيا (يوحنا) يلعن تقاليدهم وملابسهم وأفعالهم. أذا مسلم شاهد مندائي لابسا هميانا1 ، (مرضا) غضبا عضيما يأخذه
.......................................................................................................................................................................................................................................
القديمة كانوا يسعون الى توحيد أمبراطورياتهم حيث لا نجد فقط ذكرا لليهود والمسيح و المانويين و المندائيين (ناصورايا) فقط بل ايضا البوذيين والابراهيميين. زاهنير يقول " الزناديق" لربما هم الزورفانيين المؤمنين بالمادة (و ب 186). نحن لا نستبعد ذلك حيث في الفترة التي جمعت فيه النياني حوالي القرن الثالث الميلادي ، لربما خلال حكم الملك أرتبانوس الخامس، في مثل هذا التاريخ كان يوجد جالية لا بأس بها من الناصورائيين في مدينة الطيب و في خوزستان.
1: المندائيون يلبسون حزاما مقدسا محاكا من صوف خروف ذكر أبيض ويسمى الهميانة.

ص9
يحتل جسده كله. ويقف يسألهم، ويقول لهم " من هو نبيكم؟ قولو لنا من هو نبيكم الذين تعبدون"
ولكن هؤلاء السائلين المكروهين لا يعرفون ولا يفهمون بأن ربنا هو ملك الضياء الأعلى! واحد هو!
و الحياة مزكاة"
مثل هذا المقطع بالتاكيد كتب بعد تحول بلاد مابين النهرين وفارس الى الإسلام. حسب ما يذكر لنا الكاتب العربي المسيحي أبو يوسف بأن بعد أحتلال جيوش الأسلام مباشرة في السنة 830 بعد الميلاد ، الخليفة المأمون أمر بأن يتحول مجموعة من الحرانيين الى الإسلام أو يقدمون كتابا مقدسا يضمن لهم حماية القرآن. وقد حصلوا على الحماية عندما أعلنوا بأنهم صابئة. هذا لابد أن يكون في نفس الفترة المذكورة في حران كويثا التي فيها يأتي أنوش-دنقا لينقذ الناصورائيين من أبن السفاح، العرب.
الحماية قدمت "بهذا الكتاب" وفي نفس الوقت تقريبا، حسب حواشي الكتب، تمت عملية جمع وأعادة نسخ الكتب الدينية وبعض القصاصات جمعت في لفائف منفردة سميت دواوين. وهذا كان قد تم من قبل رجل دين يدعى رامويا من مدينة الطيب، الذي كان قد حصل على المساعدة من بعض الكتاب المندائيين.
في الكتاب الذي مع الأسف لا يمكن الاعتماد عليه (حران كويثا) يذكر هرطقية تظهر بين الناصورائيين حوالي ستين سنة قبل حكم أبن السفاح، العرب، وتصف أختفائها الاحق مع حرق كتابات كانت قد أنتشرت. أذا كانت هنالك حبة صدق في هذه القصة، كيف لم تنجُ ولا واحدة من تلك الكتابات الهرطقية، حيث في مثل هذا الكتاب يمكننا أن نستخرج بعض المعلومات التاريخية القيمة! حران كويثا مليء بالجدليات ضد اليهود وتم التحدث عن الفرثيين كأنهم حماة، حيث في هذا الكتاب يذكر: يسوع أبن مريم سمي المسيح المزيف الذي عقله مليء بالسحر و الحيلة. مع أنه عندما تنتهي1 ال 4،000 سنة المعطاة لأبن السفاح، العرب، يأتي دور المسيح المزيف أبن مريم و يعقبه، وانه سوف يأتي ويظهر عجائب حتى أن الطيور و الأسماك في البحار والأنهار تفتح فمها وتسبح و تشهد له، حتى أن الطين والطابوق يشهد له وحتى الحيوانات ذات الأربعة أرجل تشهد له"2.
"هيبل-زيوا يحذر الناصورائيين بأن لا يخدعوا بهذا الانتصار المؤقت للمسيح المزيف". الجزء الاخير من اللفيفة يتحدث عن تنبؤات بطريقة غير منتظمة حيث بعد حكم المسيح المزيف لمدة6000 سنة، سوف تظهر الناصيروثا ويعم السلام والعدل لمدة 50،000 سنة حتى نهاية العالم3.
أنا بمحاولتي هذه بالكاد تصفحت السطح لهذا الموضوع و آمل بهذا الملخص القصير أكون قد نجحت في تغطية حقائق مؤكدة عن هذه الفئة.

نشرت في تاريخ

{ملعونٌ وموصومٌ بالعار كلُّ من لا يعرف ، وكلُّ من لا يعترف ، وكلّ من لا يعلم إنّ ربنا هو ملك النور العظيم ، ملك السموات والأرض الواحــــد الأحــد .} النص التاسع عشــر

{ في أماسيه ، في الليالي يعظ يحيى وينادي : ماذا ستفعلون في هذا العالم المحيِّر المليء بالفحش والزنى والآمال الكاذبـــة ..} النص الثاني والعشــرون
يتهمُنا بعضُ الذين فقدوا الحس الإنساني بل - أن الكثير من مقومات هذا الحس قـد ذهبت أدراج الرياح في ظـل الظروف الصعبــة التي يمـر بهـا العالم اليوم - ؛ يتهمنا هـؤلاء بأن الصابئـة يمارسـون
السـحر والخـداع والشـعـوذة للإيقاع بالسُّـذج من الناس ، وخـاصـة النساء ؛ إبتـغاء اُمـورِ كثيــرة منهـا الربـح المادي ومنهـا الربح الجسـدي ، وكلا الأمرين يـحـتاجان إلى أن نبرئ أنفسنا منهـا وننبري للدفاع عن الحقيقــة التي يحاول البعض طمسها ونـدرأ السـبُّـة والشُّبــهة التي يحاول البعضُ من ذوي النفوس المريضـة ، الضعيــفة أن يـُلصقهـا بنـا لغرض ٍ خبيثٍ مـا ؛ى علمــاً إن الربح المادي ، يُمكن الحصول عليـه ليس بممارسة السحر والشعوذة ، بل بالعمل الجاد ، والمثابرة على تحصيل الرزق بالطرق الشريـفة – ولا أعتقـد جازماً -
إن أي صابئي بحاجـة إلى الغش أوالخِـداع للحصول على المـال بالطرق الملتـوية ؛ فمعظـم الصابئة -إن لم أقـل كلهَّم - ذوي عـقولٍ نـيّـرةٍ متـفـتحـة ، ولهـم باعٌ طويلٌ فـي مختلـف مناحـي الحـياة والعـلم والمعـرفـة ، فمنـهم الأطبـاءُ والعلمـاءُ والمهندسون والأساتذة الجامعيـون ذوو الإختصا ص
وكـذلك الحرفيون المهـرة ، والتشكيليون والشعراء والأدباء والقائمـة تطول لـو أردت التـعداد لا الحصـر ، ولاأقـول هـذا تبـجحـاً أو غروراً ولا اُضيفُ شيــئاً جـديداً فـي هــذا الصــدد . السيد أمّــا الربح الآخـر ؛ فليـس هنـاك مـا هـو أبغـضُ من ذكـره ، علاوة على أن ّ كتبنا الدينيــة كفيلـةُ بالرد على مثـــل هـذة التـُّراهات ؛ فـهي تنهـى عـن الموبقـات ، وعن هـذا العـمل المُنكـر ،وكـذلـك تفعل كـلُّ الكتبِ السماويـة تـُذكّــر وتـُحـذر من القـيـام بالفاحشـة ؛ بدايةً من صـحـف آدم والكنزا ربّـا وانتـهاءً بالـقـرآنِ الكـريـم مـروراً بالتوراة والإنجـيل .


فــيما يـخص السـِّحرُ والشعـوذة وضرورة الإبتـعاد عـن السـحـر والسحرة ، فكتبُنا الدينيــة مليئةٌ ،زاخــرة بالمواعظ مليئةٌ بالحِكــم الداعيةِ إلى نـبذ هـذا العمـل وعـدم اللجــوء إليه لأنـه بغـيض ولأنـه الـكفـر بعـيـنه ، وديننــا ،ديـن الفطـرة ينهى عـن الكـفـر والتجديف بالذات الربانيّــة .
وكيلا أطيل فإنــي سـأبدأ هـنــا يإيراد النصوص المذكورة فـي كتاب { مواعـظ وتعاليـم يحيى بن زكـريّـا } عـليهما السلام فـقــط ولـن اعلّـق عليهـا فـهي لا تحـتاج الى تعليق أو شــرح .
النـص الخامس والعشـرون{ كلّ من يجري خلف السحرة والمنجمين الدّجالين يُعذّبُ في مستودع ا البرد و الزمهرير . }
النص الرابع والاربعون { أبنائي ، إحذروا مزاولةَ السِّحر ولا تختمـوا الأجساد لأن الدّجالين والسحرة يُـلقى بهم في مراجلٍ تغلي ؛ ذلك هـو جزاؤهم فلا تتخطـوا الحدود .} فـتعاليمنا الدينيــة ومنهــا تعالـيـم نبيـنـا يحيى بن زكريا { عليهما السلام } تـحـذّروتَعِـد
النص الرابع والستّون { من إتبع السحرة والمنجمّيـن الدجالين وآمن بهم ،يُـعذّب في أحواض ٍمن الزمهرير .}
الذين يمارسونه بـأفـظع عـذاب وأشـد عـقـوبة ٍ ليـكون ذلك رادعــاً لكلِّ مـن تسـوّل لـه نفسـهُ الأمّــارة بالسوء القـيام به؛ لتحـفظ تلكم التعاليم الاُسرة مترابطةً ،متراصــةً، خاليـة ً من المشاكـل العائـليــة المتفاقـمـة

في ذلك الزمان ، والمـتفـشيـة في هــذا الزمان ،الذي إزدادت فـيـه الأمـراض الناتجــة عـن الجـنس ومنـها الإيــدز ؛ وقـانا الحـي الأزلـي وإياكـم منــه، وما تبع ذلـك من مشاكـلَ كثيـــرةٍ في معـظـم أصقاع المعـمـورة .
كل الأديـان تعـتبر المــرأة هي { اُس } الخطـيئــة ؛ لمــا تزيّنــه للرجـل وتغويه ؛ فينقــاد إليـهـا دون أن يعـلم إنـه سائر بقدميه الى حـتـفـه وإلى التَّهلـكة وكأنــه مسلـوب الإرادة ، أو أنــه بلا إرادة أصـــلاً ، لكن الديانة المندائية لا تعتبرها كذلك بل تعتبرها الشريك المساوي ؛ بل لها القدر المُعلّـــى ؛ لذا فلقد تمَّ تكريمها بجعل الإسم الديني للمواليد المندائيين بأسماء اُمهاتهم [ الملواشة ] هي الإسم الديني للمولود الجديد والذي يبقى ملازماً للصابئي المندائي في حياته ومماته وبعد مماته ؛ به يتزوج دينيـــــاً ، وبه تُقام على روحه أو روحها الواجبات الطقسية ووجبات [ اللوفاني ]* . لكن هذه النصوص المنتقاة من كتاب { دراشة يهيا } - تعاليم يحيى ، تُشير لهؤلاءِ النسوة اللاتي نسين منهن وتبعن طريق الغواية لأنه أسهل الطرق للحصول على المال وبهرجة الحياة الدنيا .
النص الحادي عـشـر{لا تزنِ فيثبت عليك العقاب .} و {إلى النار يذهب الزاناة .}
النص السابع عـشـر {كلّ من زنى يذهب الى بيت العار . }
النص العــشــرون {احـذروا الكمائن التي تضعـها النساء فإنها باقــية .}
النص الحادي والعشرون {إخواني ، أبعدوا أنفسكم عن شـرك النساء ومكائدهن ؛ فجميع الحفر زائلــة إلاّ الحفر التي تحتـفــرها النساء فإنها تظلّ فـاغـرة كمـا كانت منذ آلاف السنين .}
النص الخامس والعشرون {بماذا يقضي القاضي على كلِّ من زنى بامرأةٍ .}
{من يزنِ بامرأةٍ يعـذب بالنار حتى تزهق روحــه .}
{المرأة التي تفسق تـُلقى في فرنٍ مستعـرٍ و لا تمتلئ عيناها بنور . }
النص الرابع والستون {من يـزنِ يكـن جـزاؤه النار .}
أفـبعـد هـذا العرض – وهـو غـيض من فـيض – نُتــهـم بأننا نمارس السحر ، وهؤلاءِ هم أنفسهم من يروجون لمثل هذه الأعمال المُشينة ويُظهرون الجنَّ والشياطين ويُطهرون الأجساد مما يركبها من العفاريت - أستعيذ بالحي الأزلي أن يُبعدنا وإياكم عن هذا الرجس ؟
إن ضـعاف النفوس والضمائر يستغـلـون طيبــة الصابـئة أو أن المندائيين قـليل عـدديـهـم , إضافة لاخـتلاط النـساء بـهـم – خاصة -
الصاغــة منــهـم -؛ ليروجّــوا مـا طــاب لـهـم من الأقــاويل ، وتبـتدع عـقـلـوهـم المريـضـة البـدع ا لـتي حـرمّـهـا الله سبـحانه وتـعالى لأن البـدع ضلالــة وكـلّ ضلالــة فـي النــار .
وقـبل أن أخـتتـم اورد النص التــالــي :
{لكم نوجّــه كلامنا ، كونوا كـالمختارين الصالحين الذين يشهدون للحياة ، فلا تعمـلوا منـكرا ، ولا تنحـدروا حيثُ الظلام ، رددوا معـي : ياإلهي لا تحـرمنا مـن رحمتـك . } من النص الخامس والعشرين
حـقـاً لنردد جميعــاً : إلهي لا تحرمنا من رحمتك لأنك أنت الرحمن الـرحيم وإليك نُنيب ضعف نفوسنا ؛ لأنك أنت الغـفـّار ، وبك نستـعيـن يا أرحـم الراحمـــــين .

 

الملواشة : الاسم الديني للفرد الصابئي المندائي
اللوفاني : وجبة طقسية تُقام لأجل الراحلين والراحلات وبها سيكون اتصال روحي لا ينقطع بين الآباء والأمهات وذريتهما

نشرت في تاريخ

((لقد حان أجلي وألتمس الذهاب، ويخيفني الّرحيل، ولا أعلم كيف سيكون طريقي؛ فليس هناك أحدٌ تقياً كان أم مسيئاً - غادر ثم عاد كي أسأله عن الطريق، وكيف يكون....))
سام بن نوح - كتاب تعاليم ومواعظ النبي يحيى عليه السلام

في مقالة للباحث السوري الدكتور احمد عسيلي والموسومة (عندما يتحول الدين إلى قصيدة حب) التي يشير فيها إلى أهمية ما كتبته في كتابي عن تاريخ وغنوص الديانة المندائية الصادر عن دار نينوى في دمشق 2007 والموسوم (الديانة المندائية من آدم عليه السلام حتى قراءة الخامنئي) والذي نفدت طبعته الأولى من الأسواق السورية، وكذلك نفدت كل النسخ التي شاركت فيها الدار في معرض الشارقة الدولي للكتاب، كان تأكيد الباحث على أن الديانة المندائية ديانة سورية وهي من اقدم ديانات المنطقة على أساس أن المندائيين الأوائل هم من سكن حران الواقعة في أعالي الفرات حيث سوريا اليوم، وطالب الباحث من الدولة السورية بالاعتناء بتراث هذه الديانة والالتفات إليها وتأسيس مركز خاص بدراساتها وفق ما تقوم فيه الدولة من خلال الاهتمام بحضارات المنطقة الشامية، وأنا أظن أن المندائية هي المجاور الحضاري لأقوام تلك المناطق من كنعانيين وآراميين، وما تركوه من ارث لغوي باللغة الآرامية والسريانية والمندائية القديمة يؤكد على هذا بل يؤكد تطور الفكر الروحي والفلسفي والديني لديهم، لأن قراءة نصوص كتبهم المقدسة ومنها الكنز ربا (الكنز العظيم) يؤكد قوة بلاغة الجملة والفكرة والقيمة الدينية والروحانية والسماوية لهذا الكتاب بالرغم من اختلاف النصوص وأفكارها عن بقية الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من الصحاح التي توارت وراء الأزمنة السحيقة ولم يبق منها إلا إشارات قليلة وشيء نادر من نصوصها وأغلبها على شكل حكايات مؤسطرة في الذاكرة المكانية لتراث المنطقة. غير أن صابئة الشام هم صابئة حران والمعروف عنهم أنهم من عبدة النجوم كما أشيع في الدراسات التاريخية وكانت حياتهم تمتلك المشابهات الطقوسية لمعتقدات حضارات تلك المناطق ومنها الحضارة السومرية والفينيقية والكنعانية، وقد حاول مندائيو العراق ممن هم منحدرون من أصول عراقية نزحت في الأصل البعيد من المناطق المحاذية لبلاد فارس وبالضبط من مناطق دهلران وهي منطقة جبلية تقع تماما أمام منطقة الشهابي الملاصق لقضاء بدرة في محافظة واسط (الكوت) من جهة ومن الجهة الثانية لناحية الطيب في محافظة ميسان (العمارة)، ويمكن رؤية جبل دهلران من منطقة شيخ سعد على الطريق الواصل بين مدينتي الكوت والعمارة. حاولوا النأي عن معتقد صابئة حران الذين يُظن أنهم لم يقروا بالوحدانية بشكلها الواضح وآثروا الشرك، ولم يكونوا من مؤمني ومريدي يحيى المعمدان الذي عمد السيد المسيح عليه السلام في نهر الأردن وهو من الأنبياء الشهداء وله قبر يزار من قبل رعايا كل الديانات في وسط مصلى الجامع الأموي في دمشق. ويطلق عليه قبر النبي يحيى عليه السلام. ولصابئة العراق كتب مقدسة مسماة ب (تعاليم ومواعظ النبي يحيى) وفيه وصايا النبي لقومه وتحمل دلالات روحية وتربوية ودينية تخص سلوك الطائفة في شتى مفاصل الحياة.
يدعي بعض المندائيين إن صابئة حران الحقيقيين هم موحدون وعاشوا في هذا المكان القائم في أعالي الفرات، بالرغم من أن مناطق أخرى في المنطقة تسمى بذات التسمية ومنها ما هو في مناطق شرق العراق كما في المنطقة المسماة وادي حران في قضاء مندلي والتي كانت في الحرب العراقية - الإيرانية مسرحاً ملتهبا لمعارك ضارية بين البلدين، وكنت قد عشت ردحاً من الزمن في ذلك الوادي الذي يفصل الحدود العراقية - الإيرانية مقابل إقليم إيلام ووجدت أن سكان المنطقة اغلبهم من الرعاة أو خدم بعض مقامات قبور الأولياء من العلويين الذين كانوا يدفنون في تلك المناطق بعد أن يصيبهم الإنهاك والجوع والعطش من طول المسافة والطريق التي يقطعونها هربا إلى بلاد فارس من ظلم وجور ولاة بني العباس حيث تجد المسميات أغلبها تنتمي إلى أولاد الأمام موسى الكاظم عليه السلام، وهؤلاء الرعاة والمزارعون من سكان تلك المناطق يملكون رؤية عن مرجعية المكان، وعندما سالت أحد الشيوخ إن كان وادي حران في الزمان القديم موطنا لجماعات دينية غير المسلمين ومنهم الصابئة؟
قال: إن المكان كان موطناً للكثير من الديانات القديمة وعاشت هنا أقوام عديدة وجرت في المكان حوادث تاريخية كثيرة ولديهم في حكاياتهم وأساطيرهم ما يدل على أن المكان كان يكتظ بالمعابد والكهنة والأقوام القديمة وربما من بينهم هؤلاء الصابئة الذين يسمع عنهم ولم يرَهم في حياته.
وهكذا تتشابه الأمكنة وتتشابه في تاريخها كونها كانت تمثل منذ القدم امتدادا حضاريا واحدا وكانت بلاد الشام والعراق تدعى (بلاد الهلال الخصيب)، حيث تتوالد الحضارات والديانات وتتصاهر فيما بينها وتكاد أن تعيد جذورها الواحدة إلى أبناء نوح سام وحام. لهذا ظل المندائيون يؤكدون على أن المندائيين ذوو معتقد واحد أينما حلت أمكنتهم حتى فيما بينهم صابئة حران وهذا أجادت فيه رؤية العالم العربي الكندي عنهم قوله كما ذكره أبن النديم في الفهرست:
(بان دعوة هؤلاء القوم كلهم واحدة وسنتهم وشرائعهم غير مختلفة وان قبلتهم واحدة فقد صيروها لقطب الشمال وقصدوا بذلك البحث عن الحكمة وان المفترض عليهم من الصلاة في كل يوم ثلاث ولا صلاة عندهم الا على طهور والمفترض من الصيام ثلاثون يوما وعليهم الغسل من الجنابة وتغيير الثياب ومن مس الطامث ويتركون الاختتان ولا يحدثون على فعل الطبيعة حدثا ويتزوجون بشهود وفريضة الذكر والأنثى سواء ولا طلاق إلا بحجة بينة عن فاحشة ظاهرة).
ولكن بعض العلماء المهتمين بالديانات الشرقية القديمة ومنها المندائية يؤكدون أن الترابط العضوي والاجتماعي والديني قائم بين صابئة حران وصابئة البطائح وهذا ما لا ينكره المندائيون اليوم. ويؤكده الدارسون كما يذكره العالم الألماني البروفيسور رودولف كورت في حوار معه ظهر في صحيفة الحياة بتاريخ 8 / 12 / 2004 قوله: ((هناك نصوص تشير إلى أن المندائيين الأوائل تعرضوا لاضطهاد اليهود، فتركوا سورية وفلسطين لاحقاً وتوجهوا عبر تلال الجزء الشمالي من وادي الرافدين إلى الجزء الجنوبي منه، ربما في رحلة استغرقت نحو 100 سنة وبدأت في القرن الأول الميلادي قبل أن يصلوا إلى جنوبي وادي الرافدين في القرن الثاني. بالتأكيد قد يكون هناك أفراد من بابل أو جنوب وادي الرافدين ممن اعتنقوا المندائية، لكن لا بد أنه كان هناك أشخاص آخرون على معرفة بالطقوس والتعميد قدموا من الغرب. وأظن أننا لا نستطيع تفسير كل ما يتعلق بالمندائيين من ميثولوجيا وثيولوجيا وأيديولوجيا وغيرها استنادا إلى أواني الأدعية وحدها. لكنها نظرية أو فرضية.))
هذا هو التصور العلمي والديني والتاريخي عن صابئة حران وهو مشابه لما كان العرب في اغلب عصورهم يتعاملون معهم دون أن يشيروا إلى مندائيي الجنوب العراقي إذ كانت حران تمثل في المدونات الشرقية منذ النهضة التدوينية في العصر العباسي المكان التاريخي والروحي لهذه الطائفة، وبالرغم من هذا ونتاج اقتراب حران من منابع حضارية ودينية أخرى كما أسلفنا لحق بصابئتها بعض سوء الظن والتفسير بالرغم من أن النصوص القرآنية في أكثر من سورة وآية بجعلهم من أهل الجزية كانت قاطعة وواضحة واتخذها بعض علماء الفقه والشريعة والتفسير نصوصا لا حياد عنها وغير قابلة للتأويل وإظهار القصد المختلف.

نشرت في تاريخ

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014