• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 05:33

أنا شاهد عَيّان على ثورة 14 تموز

في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم بالعراق ، وأدخلت الفرحه والامل بقلوب ابناء الشعب العراقي ، واذهلت القوى الامبرياليه العالميه واعوانها المحليين وفي المنطقه العربيه وارعبت انظمة الحكم فيها ، واسقطت بايدهيم كل دسائسهم ومؤامراتهم وجعلتهم في حيرة من امرهم .

منظمة ضباط الاحرار

كنت على علم واتصال بمنظمة ضباط الاحرار ، اؤلئك الضباط الابطال الشجعان الذين اعلنوا الثوره ، الثورة التي غيرت مجرى التاريخ المعاصر للعراق ، كما اثرت تأثيرا جذريا بسياسات بلدان المنطقه برمتها ، واطاحوا بعرش الملكيه ، واشعلوا الاضواء لهدى مسيرة الاحرار والتحرر وكان قائدهم الزعيم عبد الكريم قاسم الخالد ...

منظمة ضباط الاحرار كانت تضم عددا غير قليل من خيرة ضباط الجيش العراقي ، ومن مختلف الرتب والمناصب التي كانوا يشغلونها ، والاهم من كل ذلك ان جميعهم عملوا كفريق واحد بامانه واخلاص وبحذر وكتمان شديدين ، لم تتمكن من كشفهم دوائر الامن والاستخبارات العسكريه رغم انشطتها وجواسيسها ...

كان اسلوب العمل التنظيمي متقن ، والاتصال مع بعضهم البعض فرديا ، وبمعنى اخر ان العضو الواحد لا يعرف غير مسؤولهِ ، ولا تُعقد اجتماعات او تجمعات الا للضروره ، ولأعضاء قيادتها فقط

وردا على اؤلئك البعض الذين يصفونها بالعبثيه ويتجنون على القائمين بها من الضباط بتوجيه اتهامات باطله بحقهم ، مثل توخي المصلحه الشخصيه ، وحب التسلط ، والزعامه ، والمنصب ، وممارسة الحركات الانقلابيه العسكريه غير المبرره ، فقط لغاية إستلام الحكم والتحكم وغيرها من الاقاويل ، كل ذلك مردود جملة وتفصيلا والدليل على ذلك ابين الحقائق التاليه : --

كان قد انتسب لمنظمة ضباط الاحرار خيرة ضباط الجيش العراقي ، والأكثرية منهم يحتلون المناصب المرموقه بالجيش ، ومن ذوي الرتب العاليه ، وممن اشتغل او كان لا يزال يشتغل حتى يوم الثوره بمعية الملك والوصي والعائله الملكيه وباقي حكام البلد المهمين الاخرين ..

فالزعيم الركن ناجي طالب كان مرافق للملك ، و المقدم الركن عارف عبد الرزاق كان لا يزال حتى يوم الثورة طيار الملك والوصي الخاص ، والزعيم الركن احمد يحيى محمد علي كان مرافق للملك ،والزعيم الركن ناظم الطبقجلي كان مرافق للملك وامر الحرس الملكي ،والمقدم طه البامرني امر فوج في الحرس الملكي ، والمقدم الركن صبحي عبد الحميد كان احد ضباط الحرس الملكي ، والمقدم الركن عدنان ايوب صبري كان احد ضباط الحرس الملكي ، والمقدم وصفي طاهر كان مرافق رئيس الوزراء نوري السعيد ، والعقيد زاهد محمد صالح رئيس شعبة في مديرية الاستخبارات العسكريه ،

وهناك الكثير غيرهم لم تحضرني اسماؤهم كلهم .

من الكشف البسيط اعلاه ، يتبين على وجه اليقين ، ان معظم هؤلاء الضباط لم يكونوا اصحاب مطاليب ذاتيه للرتبه او المنصب او أية منفعه شخصيه على الاطلاق .

اما انتماءآتهم السياسيه او الأثنيه ، فلم تكن موضع تمحيص او مراجعه ولا ذات اهتمام او اعتبار بالمطلق ، ولم تظهر للسطح الا بعد نجاح الثورة ، وبعد ان اشترك ممثلو الاحزاب السياسيه من وزراء او غيرهم من المسئوليين المدنين بالحكم ، لأدارة شؤون البلد مع ضباط قيادة الثوره ، ومن خلال ممارسة النشاط السياسي برزت التناقضات الحاده لهؤلاء مما اعطى انطباعا مغايرا للتوجه العام للثورة، وطغى هذا التيارعلى طبيعة اعمال السلطه وتوجهاتها السياسيه المختلفه ، وكان من افرازاتها ظهور الخلافات الحاده بين بعض ضباط قيادة الثورة انفسهم ، بعد ان ارتبطوا بانتماءآتهم الجديده بتلك الاحزاب كنتيجة لعوامل هذا الصراع المحدث ، وكان ولاؤهم لهذا الانتماء الفكري والسياسي او ذاك ، وقد وصل بهم الامر توظيف اعمالهم لصالح سياسة احزابهم ، ومما زاد في ذلك كله تدخل قوى خارجيه عربيه بالشأن العراقي ، بحجج وشعارات متطرفه وبمصلحة ضيقة لأذكاء هذه الصراعات بين اخوة الامس ، رغم محاولة قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم السيطرة على الوضع عن طريق المحافظه على التوازنات بين الاطراف ، الا انه لم يتقن اللعبه كرجل سياسي كما اتقن الحرفة العسكرية ، وقد اصبح الامر ابعد من ذلك بكثير ، وبهذا نجحوا بشق الصف الوطني بين العراقيين ، وبالنهاية وصل الامر لأعلان حالة الاقتتال بين قادة منظمة ضباط الاحرار انفسهم ،وكانت النتيجه مؤسفه ومميته اضاعت الثورة وقضت على طموحات واحلام الشعب العراقي كما ضاع قادتها مع الأسف الشديد .

يوم اعلان الثورة

في مثل هذا اليوم اعلن البيان الاول للثورة من دار الاذاعه العراقيه ، وكانت الساعه تشير الى السابعه من صباح يوم الاثنين الرابع عشر من تموز سنة 1958 ، وكان عليّ انا العسكري ، ان التحق باحدى الوحدات العسكريه المرابطه في بغداد او القادمة اليها ، حيث اني وضباط خرجي دورتي الثالثة والعشرون لكلية الاركان لم تصدر بحقنا التعينات الجديده بعد ... وقد تخرجنا منها توا يوم التاسع من شهر تموز نفسه ، وكان من المفترض ان يكون يوم تخرجنا هذا الموافق 9 / تموز / 1958 هو يوم الثورة ، الا انها تأجلت الى وقت اخر بسب عدم حضور الوصي عبد الاله ونوري السعيد الحفل المقام بهذه المناسبة بكليه الاركان الواقعه في منطقة الرستميه على نهر ديالى جنوب معسكر الرشيد وفق الخطة الموضوعه لهذا الغرض ، والتي اعلن عنها الان ولأول مره ، كما سبق وتأجلت قبلها محاولات عديده لأسباب مبررة على ممر السنين وفي مختلف الاماكن والمناسبات ...

ثورة تموز موضوع مقالتي ، كتب عنها كثير من الكتاب والباحثين واصحاب السير ومؤلفي الكتب والدراسات ولا تزال موضع الهام وبحوث وكل منهم نهل من منهلها ما شاء وارتأى ..

فكرة الثورة وتغيير الحكم بالعراق ، لم تكن وليدة رغبة فرديه ،ولا هي مجازفة شخص مغمور ، او ردة فعل عفوية ولا بدوافع انتقاميه او ثأريه ، او تصرف كيفي ، اوممارسه غير محسوبه قامت بها مجموعه معينه ، كما يحلو للبعض ان يصفها لغاية في نفسه للنيل منها والاساءه اليها قصدا ، وربما بسبب جهله المطبق بحيثياتها ووقائعها ، وعلى العموم هي ليست ظاهره شكليه ، بقدر ما هي نقلة نوعيه تجذرت في عمق المجتمع و بكل جوانب الحياة ، اهدافها نبيله وطنيه تحرريه ، من اجل الجماهير المسحوقه والفقراء بشكل خاص ، والطبقة المتوسطه من الناس ، لترتفع بهم من كابوس البؤس والمعاناة الى الحريه و العيش الكريم ، هذه الثوره التي فرضتها واملتها تراكمات وتفاعلات في الزمان والمكان داخل المجتمع ، وكنتيجه لنضوج الظروف الموضوعيه الأجتماعيه والسياسيه والأقتصاديه التي عاشها الشعب العراقي بكل آلامها ومآسيها منذ نشؤ الدوله العراقيه ، ولهذا اشتركت بها منذ اعلان انبثاقها كل اطيافه المختلفه ، بعد ان ذاقت مرارة العيش وشضفه ، وقهر سياسيه الحكم الملكي القائم وكادره المنفذ لسلطانه ، والمتمثل بالوصي عبد الاله ورئيس الوزراء المخضرم نوري السعيد وباقي الشله من الحكام المسؤولين .. فكانت الثورة ثورة حتميه يجب ان تقع بالضروره ، و بمعناها الحداثوي والمتحضر ، والتي ارست عهدا جديدا من منظومة العلاقات الاجتماعيه والاقتصاديه و لتبدأ من القاعدة لتبني واقع جديد هو نواة المجتمع المدني ومؤسساته ومنظماته لأول مرة بالعراق ..

ثورة تموز الخالده انبثقت ولها اسبابها ومسبباتها وبرأيي الجازم ان السبب الرئيسي الذي عجل بانفجارها كان الحصول على الاستقلال الناجز ، والسياده الكامله عن طريق الغاء الارتباط السياسي والاقتصادي والعسكري ببريطانيا ، ورفض تلك الاحلاف المشبوه التي ارتبط بها العراق معها ومع بلدان ودول الخارج ، تلك الاحلاف التي ليس للعراق بها لا ناقة ولا جمل ، منها حلف بغداد والاتحاد الهاشمي وانهاء نشاط التآمرات التي كانت تحاك في داخل العراق ضد الدول العربيه للتدخل في شئونها مثل لبنان وسوريا ومصر العربيه ، كما كان من اهدافها اقرار شكل من اشكال الاتحاد بين العراق ودولة مصر العربيه ، والاخذ بايادي الفقراء ورفع من شأنهم ، والتخلص من نير الحكم الجائر في الداخل وعملاء بريطانيا ، وعلى رأسهم نوري السعيد وزمرته ، وانهاء حالات الظلم والتعسف واستغلال موارد العراق النفطيه من قبل الشركات العالميه ،واطلاق الحريات لتشكيل الاحزاب الوطنيه والعمل علنا ، واصدار قانون الاصلاح الزراعي لأنعتاق الفلاح وتحريره من عبودية وظلم النظام الاقطاعي الجائر ، وكذلك قيام الاتحادات والمنظمات الاجتماعيه والمهنيه ، وتحرير النقد الوطني ، وتامين الحقوق للمرأة ومساواتها مع الرجل وفق قانون موحد هو قانون الاحوال الشرعيه الجديد ، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، والغاء القواعد العسكريه البريطانيه المتواجده على الاراضي العراقيه في الحبانيه والشعيبه ، والاعتراف بالشراكه الاخويه والمصيريه بالوطن بين الكرد والعرب وباقي مكونات الشعب العراقي ، واعادة الاعتبار لكل المناضلين والمبعدين في الخارج واعادتهم للوطن واعادة الجنسيه العراقيه لمن سحبت منه ، وتسليح وتقوية الجيش العراقي بالاسلحه الحديثه المتطوره ، وعقد الاتفاقيات المتكافئه مع الاتحاد السوفيتي سابقا والدول الديموقراطيه ، واتباع سياسة عدم الانحياز ، تأسيس جامعة بغداد والاهتمام بالثقافه بشكل عام .. انجازات كثيرة وعظيمة قدمتها الثورة .. وكان قادة الثورة والزعيم عبد الكريم قاسم بالذات حريص لأعلان انجاز او مكسب واحد على الاقل لصالح الشعب لكل شهر ، هكذا عشت احداثها عن قرب، فكل هذه الاهداف وغيرها كان مخطط لها من قبل قادة منظمة ضباط الاحرار، وكان الهدف الأرئيسي بعد نجاح الثورة انسحاب الوحدات العسكريه الى ثكناتها ، بعد الانتهاء من مهماتها و تشكيل دوله مدنيه وتسليم امور الحكم للسياسين المدنيين ، بموجب دستور جمهوري جديد جرى تشريعه بعد الثورة...

موقفي من الحدث

وبما اني كنت شاهد عيان للثورة منذ ساعاتها الاولى ، وقد التحقت بمقر اللواء العشرين بقيادة العقيد عبد اللطيف الدراجي ، الذي اتخذ من بناية الثكنه الشماليه ( الكرنتينه كما كان يطلق عليها ) مقرا له ، بعد ان تمت له السيطرة على وزارة الدفاع والاهداف الاخرى الموكله له ، ومن هذا الموقع سنحت لي الفرصه للاطلاع ومعرفة سير الاحداث ووقائع الثورة .

ولكي لا اتعب القارئ الكريم بسرد كل التفاصيل لذا ، ارتأيت ان ابين اسباب نجاح الثورة دون ان تحصل اية معوقات او مواقف صعبه اعاقت التنفيذ ، فكانت القطعات تقوم بتنفيذ واجباتها وتحتل اهدافها باحسن حال ، دون اراقة دماء عدا بعض القتول التي لا تتجاوز العشرة اشخاص بضمنهم افراد العائله الملكيه ، وما حصل بقصر الرحاب لم يكن مخطط له من قبل قيادة منظمة ضباط الاحرار بالمطلق ، واني هنا اؤكد ان ما جرى باطلاق النار كان ردة فعل للقوة العسكريه المهاجمة للقصر المذكور ، وكان سببها الرئيسي هو تصرف غير مسؤول لرجل مغورالذي اعرفه جيدا وهو ( الملازم الاول مؤنس ثابت ) ضابط خفر القصر لتلك الليله ، وهو بذات الوقت كان يشغل منصب مرافق الملك ، ولمن يريد المزيد من التفاصيل ادعوه لقراءة مقالتي للسنة السابقه والمنشورتين على موقع الناس وموقع الحوار المتمدن وموقع عراق الغد ومواقع اخرى والتي بعنوان ( وقائع قصر الرحاب يوم ثورة 14 تموز سنة 1958 )

ارى ان اهم اسباب نجاح الثورة هي

مواقف الحذر والحيطه والكتمان التي أتخذت من قبل منظمة ضباط الاحرار ، وعدم الكشف عن اعمالها وتحركات افرادها ، رغم نشاط وفاعلية الجهات الامنية كل من الاستخبارت العسكريه ومديرة الامن العامه خلال سنوات عديده منذ قيامها حتى يوم التنفيذ ، مما ساعد على تحقيق عامل المباغته ، للجهات العراقيه والاجنبيه بتحرك القطعات العسكرية نحو اهدافها باليوم والساعه المخطط لها بدقة واتقان

التأييد المطلق للعمليه من قبل الشعب المتمثل بجبهة الاتحاد الوطني لكل الاحزاب الوطنية والديموقرطيه ، ( الحزب الوطني الديموقراطي وحزب الاستقلال ، والحزب الشيوعي العراقي ، وحزب البعث العربي الاشراكي ، والحزب الوطني الديموقراطي الكرستاني ، وشخصيات وطنيه مستقله ) وانضمام الجماهير الشعبيه الهادره للقطعات العسكرية منذ الساعه الاولى للتنفيذ ، ودعمها الفاعل ومساندتها للثورة واملاء ارادتها على الساحه وردع الاخرين من التعرض للقائمين بها

الالتزام العسكري الصارم بالتنفيذ وفق الخطة ، وتعاون الضباط حتى من خارج المنظمه باتخاذ المواقف الوطنيه والداعمه للثورة ، فكان لموقف المقدم طه البامرني القائم بواجب مقدم الخفر للحرس الملكي لتلك اليله خير برهان على الالتزام وتحمل المسؤولية التاريخيه

موقف الدعم من قبل حكومة مصر العربيه للثورة ساعة اعلان الثورة ، وكذلك موقف الاتحاد السوفيتي السياسي والعسكري الصارم مع الثورة آنذاك ، ومعه باقي الدول الاشتراكيه والديموقراطيه المؤيده بشكل مطلق للثورة

السياسه الصائبه التي اعلنت عنها قيادة الثورة بتطمين كافة الدول باهداف الثورة المشروعه عن طريق اعلان حالة الحياد والتعاون والصداقه بين العراق وبين دول الجوار وكافة دول العالم

الاعتراف السريع بدوله العراق الجمهوري من قبل عديد من دول العالم وعلى راسها دولة مصر العربيه ودول الاشتراكيه في حينها

استمرارية الدعم الشعبي الناشط والمؤيد لحكومة الثورة والألتفاف حولها ومنحها ثقتها المطلقة لأتخاذها خطوات سريعه وفاعله وحقيقية لصالح الجماهير الفقيرة والطبقه المسحوقه

اما اسباب نكستها هي باعتقادي ما يلي

سبق الثورة زمانا لتطلعات الجماهير نسبة الى قيادتها السياسيه التي اصابها حالة من الوهن ومواقف التلكؤ والتردد التي شابت ممارسات هذه القيادة وعدم ادامة الزخم الوطني والجماهيري لتحقيق تلك الطموحات والمطاليب والاهداف المشروعه التي قامت من اجلها الثورة

تفكك الوحده الوطنيه وحل ميثاق جبهة الاتحاد الوطني بين الاحزاب وايقاف نشاطاتها سواء كان بقرار الاحزاب نفسها او بتدخل قيادة الثورة ذاتها ما اضعف الثورة وعزل قيادتها عن الجماهير

تلكأ قيادة الثورة بتسليم الحكم الى رجال الساسه المدنين كما كان مقرر له قبل الثورة ، وقد يعود ذلك الى كثرة المهام للثورة وتكالب اعداءها للأطاحه بها ، ومحاولاتهم المتكرره كلها الهت القياده ، ولم تعطها الفرصه للتفرغ لتنفيذ هذا الامر ، كما اني ارى ان قادة الاحزاب الوطنيه آنذاك يتحملون نصف المسؤولية لمواقف احزابهم السياسيه المتخذه اتجاه الثورة ، وعدم اخذ البادره والضغط لأجل استلام الحكم من العسكرين بدلا من قرار تجميد انشطتها ، كما فعل الحزب الوطني الديموقراطي في حينه

تكالب قوى الشر واعداء الثورة للأطاحه بها وبمنجزاتها ،

وايقاف مدها خوفا من الافكار التقدميه التي اتت بها ، وكانت مؤلفة من قوى خارجيه على راسها الامبرياليه الامريكيه والبريطانيه ، وعملاء شركات النفط والرجعية العربيه والعناصر المتضرره من الثوره والجهات الدينيه ذات النفوذ والقوى القومية المتطرفه والبعث الفاشي

تعنت قيادة الثورة بمواقفها اتجاه بعض القوى الوطنية والديموقراطيه ، ومحاولة تهميشها والتشكك في ولائها ، مما سبب في تصدع وحدة الجماهير المسانده ، واحداث فجوه واسعه من عدم الثقه فيما بين القوى الوطنيه ذاتها احزابا ومنظمات ، والتي هي صاحبة المصلحه بترصين الثورة

خلاصة القول

وحيث ان ثورة تموز المجيده افرزت دروسا وعبرا كثيره ، فكان على القوى السياسيه استحضارها ، والاستفاده منها لبناء العراق الجديد ، وانتشال الشعب العراق من محنته الحاليه التي افرزتها ظروف الاحتلال الامريكي ،

ان ما ينقذ العراق في الوقت الحاضر ، ويأخذ بيد ابنائه هو وحدته الوطنيه عن طريق التوجه الديموقراطي اللبريالي لنظام حكم قائم على مبادئ حق المواطنه وتحقيق العداله الاجتماعيه لجماهير الشعب العراقي في ظل حماية مؤسسات دستورية وقانونيه بعيدا عن المحاصصات العنصريه والطائفيه .

المجد لثورة تموز وقادتها الابرار الخالدين

المجد والعلا للشعب العراقي بكل اطيافه وقومياته المتآخيه

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 06:43

المندائيون وصياغة الفضة في العراق

يزخر المتحف البريطاني في لندن بالآثار التي لا تقدر بثمن والتي تعكس حضارة الشعوب التي جلبت منها هذه الآثار. ومن جملة هذه الآثار مصوغات فضية من مناطق ايران والعراق والشرق الأوسط قسم منها موشح بالمينا السوداء وتعود الى القرنين الحادي عشر والثاني عشر للميلاد. وتعتبر الحلي من اول منتجات الانسان الفنية التي كان لها دور بارز في العصور القديمة في توضيح الاهمية الجمالية والسحرية لمعتقدات والتعريف باذواق وعادات وتقاليد المجتمعات وتميزت بتنوع نماذجها الوظيفية والجمالية التي لا يزال قسما كبيرا منها مستعملا لحد الآن . وقد اشتهرت صناعة الفضة في العراق القديم وكانت الفضة تدعى (( كسبا )) وكلمة كسبا كلمة مندائية آرامية قديمة ارتبطت بالذهب (( دهبا )) فالذهب والفضة (( الدهبا والكسبا )) كانا عماد الأقتصاد العراقي منذ القدم اضافة الى استخدامهما في الحلي والمصوغات فذهبا بذلك مثلا لدى العراقيين الى يومنا هذا (( الذهب والفضة زينة وخزينة)). وقد برع المندائيون بفن صياغة الفضة والنقش عليها بشكل أثار دهشة المهتمين واصبحت مصنوعاتهم قطعا فنية فريدة يقتنيها هواة جمع التحف النادرة في كل انحاء العالم. لقد توارث المندائيون هذا النوع من الفنون منذ اقدم العصور، منذ اول تواجدهم على ارض الرافدين. لقد تمثلت الحلي التي صنعها العراقيون في وصف الشاعر البابلي القديم لبعض منها بقوله:

" أمي هي نور الأفق الشديد الإضاءة
انها وعلة الجبال
نجمة الصباح التي تتألق
انها ينع ثمين ، انها زبرجد ماراهاشي*
انها حلي العقيق التي تحمل البهجة
وخاتم الذهب وسوار الفضـــــــــة
انها تمثال كامل الجمال ، كامل البهاء
انها ملاك رخامي على قاعدة من اللاوزرد "

لقد صنف العراقيون القدامي الصياغة والمهن المرتبطة بها، فملحمة جلجامش تعطينا فكرة واضحة عن هذه الحرفة وأهميتها في العراق القديم منذ اكثر من ستة الاف عام. لقد كان في ذلك الزمن الموغل في القدم انواعا من الصاغة، فهناك صبابو المعادن وشاغلو الأحجار الكريمة وشاغلو المعادن وصاغة الفضة والذهب وصانعو المجوهرات . فبعد موت انكيدو يأمر جلجامش مختلف صناع المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بصنع تمثال لصاحبه كما يتضح في المقطع التالي من الملحمة:

ـ جلجامش يأمر بصنع تمثال لأنكيدو ـ
" عندما سطع فجر اليوم التالي
عمم جلجامش نداء ً في كامل البلاد
صبابو المعادن ـ شاغلو الاحجار الكريمة ـ شاغلو المعادن
الصاغة وصانعو المجوهرات**
اعملوا لصديقي انكيدو تمثالا
يتناسب وقياسه
على ان يكون صدره مرصعا باللازورد
ومن الذهب بقية جسمه"

ان صياغة الفضة تستدعي من الصائغ حذق خاص وحرفية عالية ومعرفة تامة بمزايا وطباع المعدن. فبعد سباكة وصهر الفضة تحول أولا الى صانع مختص يدعى (( الجمـّاع)) وهو المختص بالجمع والتصفيح. والتصفيح هو تحويل سبائك الفضة الى صفائح مسطحة تأخذ السمك المرغوب فيه بغية تقطيعها للحصول على الهيئة المطلوبة. وبهذه التقنية تصنع الدلال والفناجين والطوس والأواني وعدد الحلاقة والصواني وعلب السجاير والسيوف والخناجر وغيرها، ويتم ذلك بطرق صفيحة الفضة يدويا بشكل متناسق على سندان حديدي حتى الوصول الى الشكل المطلوب . وتسخين الفضة يعد امرا ضروريا لتلافي التشقق الذي قد يحصل للصفيحة ، وعلى الصائغ معرفة درجة الحرارة اللازمة للتسخين فلا يتجاوزها كيلا تنصهر الفضة. ان عملية التصفيح (الجمع) عملية مرهقة ومعقدة وتحتاج الى زمن طويل فيختص بها نفر من الصاغة. ويستعين الجمّاع في عمله لتجسيم المصوغة بانواعا متعددة ومختلفة من السنادين والمطارق والقوالب.

وبعد ان ينتهي الجمـّاع من بناء النموذج تأتي عملية (البرد) التي تسبق النقش والحفر، ويقوم النقاش برسم اللوحة ونقشها وحفرها على قطعة الفضة باستخدام (( أقلام)) حديدية مثلثة بعد اسنادها اما على احدى ركبتيه او على مسند خشبي خاص يسمى ((الغزال)) . وبعد الحفر والنقش توشح اللوحة بالمينا السوداء وهي عملية ملء الفراغات الناجمة عن الحفر والحز بمسحوق هو خليط من الفضة والنحاس والرصاص والكبريت بنسب مدروسة ، ومن ثم تعرض القطعة لحرارة معينة تذيب هذا الخليط الذي يصبح فيما بعد وحدة متكاملة ذات جمالية وابداع مميز. ثم تخضع القطعة الفضية الموشحة بالمينا الى عملية برد دقيقة بمبارد خاصة ثم بورق الصنفرة (كاغد سمبادة) الى ان تظهر معالم اللوحة كاملة ، ثم تصقل يدويا بمواد صقل خاصة الى ان تصبح لماعة تأخذ بالأبصار.

استخدم هذا النمط الجمالي الفنانون ومهرة الصناع في العصريين الساساني والبزينطي وامتد الأخذ بتلك التقاليد الصياغية عبر أوربا في العصور الوسطى ، وبالرغم من العزوف عنها في اوربا في عصور لاحقة الا انها ظهرت في مناطق اسيوية امتدت من اسيا الصغرى وتوغلت لتبلغ مناطق في جنوب شرقي آسيا. وبعد اجتياح المغول للعالم الإسلامي هاجر الصناع المهرة من المدن العراقية والايرانية الى بقاع مختلفة أخصها الأناضول والقوقاز وآسيا الوسطى، حيث استمر الأخذ بتلك التقاليد وتوارثها الفنانون جيلا عن آخر بحيث وجدت أشكال متشابهة تبلغ حد التطابق لهذه التقنية في القطع المنفذة في تركيا والقوقاز والعراق وايران. الا ان اشكال النقوش وانماطها تختلف باختلاف تلك المناطق، فالتحف العراقية المندائية المطعمة بالمينا السوداء مثلا تتميز برسم المناظر الطبيعية او اجزاء منها كالنخيل والسفن الشراعية والزوارق والجمال والصحراء أو مآثر من التراث كالجوامع والآثار القديمة كإيوان كسرى وأسد بابل والتي تعكس براعة الصائغ المندائي في ابتكار العلاقة المتبادلة بين اللونين الفضي والاسود بين المساحة المليئة والفارغة.

لقد وصل هذا الفن الجميل في العراق ذروته على ايدي الصاغة المندائيين في الفترة مابين الحربين الأولى والثانية فأبدعوا في تطعيم الفضة بالمينا السوداء واشتهر بينهم الصائغ زهرون ملا خضر ونفر من عائلته مثل الصائغ المشهور حسني زهرون الذي ابدع في رسم صور (( البورتريت )) للأشخاص. كما برع آخرون في هذا المجال منهم عباس عمارة والشيخ عنيسي الفياض(الصائغ الخاص للملك فيصل الأول) وخليل مال الله (أصبح صائغ البلاط في زمن الملك فيصل الثاني وما تلاه من عهود) وياسر صكر الحيدر وجاني سهر وأحمد مجيد وصبري وعزيز عودة وجبار خضر الخميسي وأسمر زهرون وكثيرون غيرهم. لقد كان المندائيون ومازالوا الصاغة الوحيدون القادرون على تنفيذ هدايا الدولة العراقية التي تقدم لملوك ورؤساء الدول الأخرى، كما قاموا ببراعتهم المعهودة بأكساء معظم قباب وأبواب وجدران المراقد المقدسة في العراق بالذهب والفضة.

لقد اهتمت معظم الدول بالصياغة قديما وحديثا، فعلى سبيل المثال اولت الدولة العثمانية اهتماما كبيرا بهذه الحرفــة النبيلة، حيث قام السطان سليمان القانوني بانشاء دارا كبيرة للصياغة تحوي مشاغل عديدة. وكان للصاغة في عهده عيد موسمي يفتتحه السطان سليمان بحضور علية القوم حيث يتقدم كبار الصاغة في حفل ضخم لتقبيل يد السطان وتقدم له الهدايا من المصوغات الذهبية. كما نجد ان في اكثر الدول الأوربية حاليا معاهد وكليات متخصصة ـ ومنها جامعة كيلدهول في لندن ـ لتعليم مهنة الصياغة بكافة انواعها وفق الأساليب العلمية وتمنح الخريجين شهادات عالية توازي الماجستير والدكتوراه.
ولكن ما يؤسف له ان هذا الفن الجميل في العراق، وهو منشأ هذا الفن منذ القدم، في طريقه للإندثار، ان لم يكن قد اندثر فعلا وذلك لعدم قيام المندائيين بتأسيس مدارس أو مشاغل يتعلم فيها بانائهم هذه المهنة العظيمة ، كما كما ان الدولة العراقيــة لم تولي اهتماما بهذا النوع من الفنون فتدخله في المناهج التدريسية لأكاديمية الفنون الجميلة مثلا باعتباره ركنا اساسيا من اركان التراث العراقي القديم والمعاصر.

* الينع : العقيق الاحمر. الزبرجد: الياقوت الاصفر (Marahashi : منطقة من بلاد عيلام الى الشرق من سوز)
** الصائغ في السومرية : كو ـ ديم ، وفي البابلية ـ الآرامية المندائية قناي كسبا: صائغ الفضة و قناي دهبا : صائغ الذهب ، وفي المندائية تستخدم كلمة خشلاي أو هشلاي من خشل أو هشل بمعنى مصاغ اي مخشلات ، والهاشل: هو الصائغ.

نشرت في تاريخ
الجمعة, 05 نيسان/أبريل 2013 10:21

صابئة حران والمندائيون اليوم

لقد تحدث في هذا الموضوع اغلبية الباحثين والكتاب والمؤرخين، قديما وحديثا، العرب والاجانب، المندائيين وغير المندائيين .. وبقيت الاراء متضاربة مابين مؤيد ورافض لفكرة ان صابئة حران هم امتداد للصابئة الموجودين في بطائح العراق.

اعتقد ان هذا الموضوع يجب ان يولى اهمية كبيرة من قبل الباحثين وخاصة المندائيين منهم لانهم وبكل بساطة معنيين بالموضوع اكثر من غيرهم، فبالاضافة الى حقيقة البحث العلمي مهما تكن، والتي من المفروض ان يلتزم بها الباحث ايا كانت جنسيته او دينه او اتجاهه السياسي او الادبي .. الخ .. فهنالك امر اخر يجب على الباحثين المندائيين ان يعوه وهو مسالة اظهار الحقائق عن دينهم وتراثهم ووجودهم التاريخي، لانه الدفاع عن الهوية والوجود المندائي، واعتقد شخصيا ان هذا الجانب، اقصد صابئة حران والمندائيين، له من الاهمية في اظهار الكثير من الامور الخافية، واثبات لحق مفقود، وتواجد تاريخي على الساحة الانسانية يجب ان لانهملها البتة في التاريخ المندائي.

ونحن نرى بان كلمة حران والقصص المتداولة حولها في المندائية لم تاتي في الكتب المندائية او في التراث المندائي المتداول اعتباطيا, وانما له ربط جدا وثيق ما بين هذه المدينة بكل ما تمثله على مختلف الاصعدة والصابئة المندائيون. ولا يلاقي أي من المهتمين صعوبة في الانتباه لتلك العلاقة عند قراته لكتب التراث العربي والتي زخرت بالكثير من الروايات حول هذا الموضوع .. واني لا ادعي بان تلك العلاقة هي واضحة وضوح الشمس ولا غبار عليها, فعلى العكس تشوبها الكثير من علامات الاستفهام التي تنتظر الباحثين والمهتمين للاجابة عنها. ولكني ادعو لعكس منهج البحث من عدم وجود تلك العلاقة مابين الصابئة الحرانيون والصابئة المندائيون (صابئة الوقت الحاضر) الى وجودية تلك العلاقة ولنجعلها منطلقا لدراساتنا حول ذلك الموضوع, وسوف نرى بان هناك الكثير يستحق اعادة النظر في تلك المسالة الشائكة ربما. بالاضافة الى الانتباه وعدم نسيان للزمن والعصر الذي تعيشه الطائفتين اللتان نقارنهما.

فحران التي نقصدها بحديثنا في هذ ه المقالة ، من المدن الهامة، في التأريخ الانساني، والصابئة المندائيون لهم حصة في هذا التأريخ العريق لا بل من صناعه ومن مبدعيه الأوائل، لانهم من الأقوام التي سكنت هذه المدينة .. التي سمي بها كتابهم التاريخي (حران كويثا).

وفي الحقيقة توجد اكثر من مدينة سميت حران، فحران في تركيا وحران في سوريا وحوران في العراق.

وادي حوران في العراق:

وهذه ملفتة للنظر للغاية وتحتاج إلى دراسة وبحث، بالإضافة إلى تنقيب اكثر جدية في هذه المنطقة التي تقع ما بين محافظتي كركوك والرمادي ،في الهضبة الغربية بالذات، وكانت تعرف (بصرى) وهي عاصمة الأنباط، وتقع على طريق تجاري معبد ومهم في الحضارات السابقة (بين الشام ومصر وبلاد فارس) .. ففي عام 1995 نشرت مجلة (ألف باء) العراقية مقالا مطولا عن رحلة قامت بها مجموعة من الباحثين الجيولوجيين إلى هذه المنطقة لدراسة طبيعة الأرض، وصدفة وجدوا الكثير من النقوش والرسوم القديمة المحفورة على جدران الصخور الكبيرة هناك، ولا أريد هنا ان أتجنى كوني مندائيا ولكن الصور المنشورة وما حوته من رسوم أدهشت كل من رآها وتمعن بها، واعتقد بان للمندائيين شيئا من هذه المنطقة!!.. فكتبت إحدى الزائرات لهذه المنطقة وهي الدكتورة سحر شاكر مقالة في المجلة المذكورة وتدعوا المنقبين والباحثين المختصين للذهاب واستطلاع الامر، باعتبار ان هذا الموضوع هو ليس من اختصاصها الذي هو علم طبقات الأرض، وقد دبجت مقالتها بعناوين((اكبر متحف عراقي في الهواء الطلق، تتمنى متاحف العالم ان تحوز على قطعة واحدة منه .. الإنسان العراقي القديم يترك آثاره قبل 2500 إلى 7000 سنة قبل الميلاد)). وقد حاولت مع بعض الاخوة والأخوات المندائيين المهتمين ان نصل إلى تلك المنطقة بعد اخذ الموافقات الرسمية، وبمصاحبة الدكتورة المذكورة، ولكن اصطدمنا بعائقين أساسيين هما الدعم المادي المكلف، ورفض دائرة السياحة للطلب المقدم لان هناك ثكنة عسكرية للجيش العراقي قرب المنطقة.

معنى كلمة حران:

جاء في كتب المؤرخين العرب عدت معاني نلخصها كالآتي:

• · ابن جبير (إنها بلد اشتق تسميته من هوائه).

• · ياقوت الحموي (سميت بهاران ، أخي إبراهيم الخليل ، لانه أول من بناها فعربت ، فقيل حران).

• · الطبري (أن نوحا خطها ، عند انقضاء الطوفان ، وخط سورها بنفسه وفيها منازل الصابئة).

• · أبا الفرج ابن العبري (ان الذي بناها هو قينان على اسم هاران ابنه).

• · هناك رأي عند بعض العلماء بان معنى حران (الطريق).

• · والبعض الآخر يقول بان حران جاءت من ألاكدية (حرانو HARRAANU ) بمعنى محطة او عاصمة تجارية، وذلك بالنسبة الى موقعها المميز بين اشور وبابل وسوريا.

المندائية من العقائد الباطنية:

من المعروف عند جميع الباحثين ان المندائية في مراحل كثيرة من تاريخها صح تصنيفها من ضمن العقائد الباطنية أو السرية التي لا يفشي معتنقيها أسرار وأمور عبادتهم وفكرهم ، وليس موضوعنا ألان ان نبحث بالأسباب الحقيقية التي جعلت المندائيين يخفون أفكارهم وعقائدهم ويتجنبون البوح بها وان ينظروا إلى سريتها بالمنظار المقدس ..وسوف نقوم به في مناسبة أخرى .. من هذا المنطلق فمن الطبيعي جدا ان لملة كهذه مغلقة على نفسها لا تفشي من أسرار عبادتها شيء .. ان تنعت وتوصف من قبل المؤرخين ، لا بل وحتى في نظر الناس المجاورين لهم ، بنعوت وصفات لا تمت إلى حقيقة عقائدهم بشيء .. فتكثر بذلك الدعايات والتؤيلات والتفاسير العيانية الغريبة لمجمل الفعاليات والمراسيم التي يمارسها معتنقي هذا المذهب .. ولان الديانة المندائية ديانة غير تبشيرية او أغلقت لاسباب كثيرة ومن مدة طويلة .. ولان أصحاب هذا المذهب حافظوا على عدم الكشف عن أسراره منعا للإساءة أليه عند عدم فهمه أو للضغوط والاضطهاد الكبير الذي تعرضوا أليه على فترات مختلفة .. ولان التسامح والسلام صفة أصيلة في أهل هذا المذهب ومن أخلاقيات تعاليمهم الروحية.

فقد وجد البعض في هذه المرتكزات تربة صالحة لبذور افتراءاتهم الباطلة، ورواياتهم الرخيصة البعيدة عن الذوق والمنطق فاصدروا الإشاعات لترويج ما أبدعته نفوسهم المريضة من أباطيل، ودس رخيص واتهامات حاقدة، ومن هذه الأراجيف اتهام أهل التوحيد الأول والقديم بعبادة الكواكب والنجوم.

وحقيقة ان ابن النديم والشهرستاني مثلهم مثل بعض المؤرخين العرب القدماء لا يختلفون عن هؤلاء المؤرخين الذين دبجوا كتبهم بالكثير من الطوائف وتحدثوا عن معتقداتهم وأفكارهم .. وهم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن حقيقة تلك الطوائف .. وهذا لا يخفى عن القارئ المحنك عند قراءته لكتاب الفهرست لابن النديم والملل والنحل للشهرستاني وغيرهم. فجميع الروايات التي نقلها ابن النديم والمسعودي عن عبادة وحياة الصابئة في حران، اعتقد بان مصدرها من الرهبان السريان والمؤرخون المسيحيون في منطقة الرها، الذين اشتهروا بعدائهم وغيرتهم من علماء ومفكري الصابئة الحرانيون الذين اشتهروا في بلاط الدولة الإسلامية، وارتفعت مكانتهم، فكانت سبب في النهضة العلمية والمعرفية آنذاك. على كل أن هذه الروايات ليست سوى دعايات رخيصة هدفها النيل من المكانة المميزة التي حضي بها الصابئة آنذاك.1 ¨

ولقد أعلن الكثير من العلماء المعاصرين مثل سميث وسيغال وحتى الليدي دراور، شكوكهم في ما يخص صحة الروايات التي نقلها الكتبة والمؤرخون العرب عن ديانة الصابئة في حران. فهم يعتقدون بأنه ليس من الحكمة الثقة برواة معادين.

اسم الديانة في حران:

يقول الكاتب محمد عبد الحميد الحمد في كتابه (صابئة حران واخوان الصفا) والباحث س. كوندوز في كتابه (معرفة الحياة) ان الحرانيون ليسوا بالصابئة. ويستخدمون اسم (ديانة حران، الديانة الحرانية) شانهم بذلك شان أغلبية الباحثين والمؤرخين، واعتقد على كثرة ما بحثته من هذه التسمية، أن فيها تشويها كبيرا للحقيقة .. كيف ذلك ؟!! هذا ما سوف اعرضه الان:

لا اعتقد بان هذه هي التسمية الحقيقية لهذا الدين المجهول الاسم عند المؤرخين العرب القدماء، فمن غير المعقول أن يسمى دين على اسم مدينة !!

لقد ذكرنا بان مدينة حران، مدينة متعددة الشرائع والعبادات حالها حال مدينة بغداد مثلا، فمن الخطا ان نطلق تسمية ديانة بغداد او الديانة البغدادية!!.. ونحن بذلك نختزل جميع الديانات والاتجاهات الفكرية في تسمية واحدة ونبخس حق كل دين موجود في المدينة، وبذلك تضيع الاتجاهات الوثنية مع الديانات التوحيدية!!.

ومن جانب آخر ذكر مار يعقوب الرهاوي والمتوفى سنة (708) في كتابه الأيام الستة ((عندما اطلع على كتاب هرمس الحكيم وهو من كتب الحرانية المقدسة قال عنهم: وهؤلاء القوم عند الناس لهم اسماء مختلفة منها الكلدان والحرانيون والحنوفون)) .. نستنتج من كلامه شيئين مهمين، اولهما: ان هؤلاء القوم عند الناس والأقوام المجاورة يعرفون بعدة اسماء منها التسميات التي أوردها!!.. والسؤال هو ماذا كانوا هم يطلقون على أنفسهم؟! هل كانوا يطلقون على دينهم (دين حران) نسبة الى المدينة التي كانوا يقطنوها!! هل من المعقول والجائز ان يطلق اسم مدينة على دين!!.. وإذا أراد أحد المسيحيين في العراق ان يعبر عن جنسيته، ويقول انا عراقي، فهل هذا معناه ان ديانته عراقية او ديانته اسلامية باعتبار ان الدين الرسمي في العراق هو الإسلام!!.. نفس الشيء يحصل للفرد اليهودي او الصابئي الساكن مدينة حران، يقول انا يهودي حراني او يهودي من حران او انا صابئي حراني!!.. مثلما هناك تسميات أوردها بعض المؤرخين مثل صابئة البطائح وصابئة حران، فهذا لايعني بان هنالك فرقتين من الصابئة، وانما المراد بالتسمية التوضيح بان هذا الصابئي من حران وان ذاك من البطائح وهي منطقة في جنوب العراق!!.. وفي وقتنا الراهن سمعت تسمية مشابهة لهذه التسمية ويصح ان نوردها الان، فهناك ما يسمى بصابئة العراق وصابئة إيران، هل المقصود من هذه التسمية فرقتين او طائفتين من الصابئة؟!!.. فهذا اعتقد خلط كبير وواضح للتسمية التي أوردها المؤرخون قديما.

كما ان هنالك الكثير من الاسماء التي وردت في كتب المؤرخين التي تذيل بكلمة (الحراني) وهم ليسوا من الصابئة وانما بعض منهم مسيحيين او يهود او اسلام، وهذا يثبت ما ذهبت اليه.

ولقد ورد شيء جميل وملفت للنظر في كتاب (هدية العارفين) للباباني ص 5، وهو يتحدث عن ابو اسحاق الصابئي الحراني فورد الاتي:

(الحراني: ابو اسحاق ابراهيم بن سنان بن ثابت بن قرة ابن مروان بن ثابت الحراني ثم البغدادي الطبيب من الصابئة توفي سنة 335). اذن فكنيته تشير الى مكان وليست الى دين او معتقد او طريقة فكرية. فهو اشار بانه الحراني أي نسبة الى (حران) لانه جاء او اصله من تلك المدينة، ومن ثم اصبح البغدادي، لانه نشأ وترعرع وعاش فيها.

وان الأسماء التي أوردها مار يعقوب الرهاوي واضحة المعنى أيضا، وأنا أتساءل هل ممكن ان تعني تسميتهم بالكلدان، انهم من الأصل في وادي الرافدين ونزحوا الى تلك المدينة؟! أم ان لديهم ارتباط وثيق وصلة قرابة بالكلدان في وسط وجنوب العراق؟!!.. وماذا تعني يا ترى تسمية الحنوفون التي أطلقت عليهم من قبل الأقوام المجاورة، وهل ممكن ان تعني الحنفيون او الأحناف!!.. وللعلم ان هذه التسميات أيضا قد أطلقت على الصابئة المندائيون. فقد ذكر المسعودي في كتابه (التنبيه والاشراف) ص 86، بان دين الصابئة وهي الحنيفية الاولى.

المندائيون الفلسطينيون:

كان الصابئة يقطنون تلك المدينة المسماة بحران، وعندما هاجر الصابئة المندائيون الفلسطينيون في القرن الأول الميلادي بعد دمار أورشليم حوالي سنة 70 للميلاد على يد القائد الروماني تيطوس،صعدوا الى هذه المدينة، لان لهم اخوة في الدين. فبقي منهم في حران، والبقية الباقية اثرت النزول الى وادي الرافدين عن طريق النهرين، وخاصة عن طريق نهر الفرات حسب اعتقادي، ومروا ايضا ب(بصرى – حوران) عاصمة الانباط، للالتقاء والاستقرار اخيرا مع اخوتهم ايضا الصابئة الموجودين في البطائح .. وكانت هذه الهجرة تحت رعاية الملك اردوان (يعتقد بأنه الملك البارثي ارطبانوس)،هذا ما ذكره الكتاب المندائي التاريخي (حران كويثا).

ومن المهم ذكره هنا، بان هناك عين ماء تسمى (عين الذهبانية او عين العروس) ألان ، وموقعها جنوب تل ابيض مقابل إحدى أبواب مدينة حران التاريخية، والتي كانت تسمى من قبل أهل حران ب(المصبتا) أي بمعنى التعميد او الصباغة وهو الطقس المشهورة به ديانة الصابئة سواء أكانوا في حران او في بطائح العراق!!.. ويقال أيضا ان هذه العين تابعة لإبراهيم الخليل، هذا حسب ما أورده الكتبة والمؤرخون العرب ومنهم ابن جبير. ويروي أحد المشاهدين لهذا المكان بان عينه الجارية قد جفت في بداية التسعينات من هذا القرن. ويذكر أيضا بان هذه العين كانت للمياه الجارية الساخنة!!.. وكان الناس يقصدونها من اجل الشفاء من بعض الأمراض الجلدية خاصة. وهذا يذكرنا بالقصة المندائية المتوارثة حول تواجد أجداد المندائيين في منطقة جبلية، وكانوا يتعمدون في مياه ساخنة شتاءا!!.

ومن باب آخر إذا أسلمنا بقصة ايشع القطيعي النصراني، فلماذا بقت تسمية الصابئة إلى اليوم تطلق على هؤلاء الناس او ذلك الدين المجهول الهوية والاسم؟!!

وقد ورد في كتاب (شذرات من كتب مفقودة في التاريخ) الذي استخرجها وحققها الدكتور إحسان عباس، حديث عن كتاب (الربيع) المفقود لغرس النعمة بن هلال الصابئي، ولا اشد من انبهاري وانا أقرا ان معظم الروايات المنقولة على لسان غرس النعمة عن شخص قريب له يسمى أبو سعد الماندائي، إذ يقول غرس النعمة ((حدثني أبو سعد المندائي قال: ......الخ .. وحدثني المندائي ... الخ))، وهذه أول مرة تأتي هذه التسمية (المندائي) على لسان أحد الأشخاص المنتمين الى الصابئة الحرانية في النسب .. فقد كان والد جده أبو إسحاق الصابئي المترسل المعروف. وان المحقق للكتاب المفقود لم يعلق على هذه الكلمة (المندائي) واعتبرها اسم لعشيرة!!.. وللعلم ورد ذكر أحد العلماء المشهورين أيام العباسيين اسمه أبو الفتح المندائي، وهو صابئي من أهل حران!!. ومن الأهمية أن نذكر أيضا ورود اسم زهرون أو أل زهرون عند ذكر الكثير من أسماء الصابئة الحرانيون والمشهورون في البلاط العباسي. فاسم زهرون هو من الأسماء المقدسة الواردة كثيرا في النصوص الدينية المندائية، وهو اسم أحد الملائكة، وان نفس الاسم تكنى به عشيرة من كبريات العشائر المندائية ولحد ألان، وهي عائلة (أل زهرون).

الصابئة المندائيون في حران:

أن الصابئة المندائيون وحسب كل الدلائل والإشارات التاريخية كانوا يسكنون مدينة حران ومساهمون بتاريخها وحضارتها، ولكن هذا لايعني وجودهم في المنطقة لوحدهم .. وأما حران فهي مدينة كبيرة مختلفة الشرائع والعبادات والمذاهب .. حالها حال مدينة بغداد مثلا ، فيوجد فيها الصابئي والمسيحي واليهودي والمسلم واليزيدي وغيرهم . وكانت حران في مطلع القرن الثامن الميلادي، مجتمعا متعدد الاعراق والديانات. تعيش في ظل ثقافة عربية إسلامية، والظاهر ان أهل الرها الذين يدينون بالمسيحية كانوا على نقيض مع ثقافة حران فلذلك وردت حران في كتابات أهل الرها بأنهم عبدة أوثان ووصفوهم بمختلف الصفات السيئة وهذا يدل على وجود خلاف فكري وعقائدي معهم.

واعتقد أن المؤرخين العرب صار عندهم خلط واضح ما بين الصابئة المندائيين وتسميتها، وبعض الطقوس الوثنية وعبادة الكواكب التي تمارسها بعض المذاهب القديمة .. وهذا يظهر جليا عند وصفهم للصابئة في معرض حديثهم ، فهم في بعض الفقرات يأتون على وصف مذهب الصابئة بصفات تدل على وثنية خالصة ، وفقرات أخرى يأتون بصفات تدل على وحدانية خالصة !!. والحق يقال ان المشاهد العياني لاي من الطقوس المندائية او غيرها وان لم يشاهدها مسبقا، يظن للوهلة الاولى بانها تمت بصلة لطقوس عبادة وثنية واشراك بالله!! ولكن يصل الى هذه النتيجة فقط عندما يستند الى تفسيره الخاص بدون الرجوع الى اصحاب الشان في المراسيم او الطقوس المذكورة وتفسيرهم لها وما يبغونه منها. فمثلا تقبيل تمثال السيد المسيح او مريم العذراء من قبل بعض المؤمنين المسيحين، او تقبيل الحجر الاسود في الكعبة اثناء الحج عند المسلمين .. هل نستطيع ان نقول ان مثل هذه الممارسات تمت بصلة الى الوثنية؟ او هي من بقايا عبادة الاوثان والشرك بالله في الازمان الغابرة؟ وهنالك الكثير من على شاكلة تلك الامثلة نستطيع ان نوردها.

ومثلما أوضحنا سابقا أن المؤرخين العرب اعتمدوا على الرواية الشفهية والتناقل بين شخص وآخر على كتابتهم لتاريخهم وهذا يعطي الدليل المنطقي على خلطهم وتؤيلهم لأمر الصابئة.

مثال واقعي حاصل:

وبودي أن اسرد مثال واحد فقط يكفي لأبين صحة ما ذهبت أليه حول هذا الموضوع .. جميع المندائيين يعرفون الدعايات والتؤيلات المغرضة التي يبثها بعض الناس الجهلة والتي تدور في مخيلتهم على الرغم من كذبها وتلفيقها وعدم عدالتها ، ومثال هذه الدعايات (وهو أن الصابئة يخنقون الميت قبل وفاته .. أو بإسقاط الذبيحة (الخروف) من فوق سطح البيت وبعد ذلك يتم خنقه وأكله!!) وصدقها الكثير من أبناء المجتمع العراقي مع الأسف الشديد بدون تمحيص وتدقيق والبعض منهم من الف الكتب وألقى المحاضرات حولهم بالاعتماد على دعايات وتؤيلات لا أساس لها من الصحة .. ولقد دعيت ذات مرة لحضور محاضرة في إحدى الكنائس المسيحية في بغداد بعنوان (الصابئة المندائيون) لأحد المحاضرين المعروفين على مستوى الكنائس في العراق .. ولقد كان عدد الحضور حوالي 60 شخص من كلا الجنسين .. ولا اشد من اندهاشي وهو يتطرق لمواضيع حول المندائية لا تمت بصلة لها .. وهو حديث بالحقيقة اقرب إلى حديث بعض العامة الذي لايمت إلى حقيقة البحث العلمي وأصوله، فهو يقول من جملة ما يقوله، بان الصابئة المندائيون يعبدون كوكب الجدي!!.. وغيرها كثير اتحف بها محاضرته التي ليست سوى اعطاء رؤية خاطئة جدا ومنافية للحقيقة عن الصابئية المندائية، سواء عن قصد او عن غيره .. وعندما انتهت المحاضرة وبعد تحدثي معه وسألته عن المصادر التي اعتمدها في محاضرته هذه .. فكانت الفاجعة عندما قال لي بأنه اعتمد على مقالة لانستاس ماري الكرملي المنشورة في مجلة المسرة المسيحية الصادرة عام 1969م ، وكتاب الصابئة في حاضرهم وماضيهم لمن يقولون عنه بالمؤرخ عبد الرزاق الحسني، وقصته المعروفة مع سيادة المرحوم الكنزبرا دخيل الكنزبرا عيدان (ولي رجعة حول هذا الكتاب في مناسبة أخرى!) وعلى ما يعرفه من معلومات متفرقة حولهم من المحيط العام (أي الدعايات والتؤيلات التي تحدثنا عنها والتي سمعها من شرذمة المجتمع) .. فأنا حقيقة اعجب لمثل هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين والباحثين وهم ابعد بكثير من أن يكونوا بهذا الشكل .. فكيف على الباحث أن يخوض في مثل هذا الموضوع معتمدا على دعايات وتؤيلات تقال هنا وهناك ولا أساس لها من الصحة ؟!! والظاهر أن أغلبية المؤرخين والكتبة العرب من هذا الصنف .. أبعدنا الله عن هؤلاء الذين يشوهون أخبار الأولين بقصد أو بغيره معتمدين على شائعات ودعايات واهية، وأبعدنا الله أيضا عن الباحثين من أمثال صاحبنا الذي اعتمد في إلقاء محاضرة عن تاريخ وطقوس وأفكار وعبادة المندائيين الوجه الأخير من روحانيات العصر القديم ، على مقالة بسيطة نشرت في إحدى المجلات!!!

فلما حاججت أخينا بكيفية اعتماده على تلك المصادر فقط .. قال وعذره اشد من فعلته .. (لاوجود لمصادر حول المندائية في المكاتب) ، ولحسن حظي كنت جالبا معي ما يقارب السبعة كتب تدور حول المندائية ومن مختلف الجوانب والمتوفرة في المكتبات العامة والخاصة .. فعندما تفحصهن وتأكد من أن الغالبية العظمى من الكتب إصدار دور النشر العراقية ، فظل خجلا لا يعرف بماذا يجيب .. ومن أمثاله كثير!!.. ونحن لا ننكر بقلة الكتب الصحيحة والموثوقة التي تتناول الصابئة المندائيين في المكتبة العربية .. ولكن هذا لايعني أن نتجنى وان ننشر الأفكار غير الصحيحة حول مجموعة من الناس!! وهذا ما فعله بالضبط أخينا بالله.

فلا نستغرب إذا عزيزي القارئ الكريم ، من ابن النديم والشهرستاني وغيرهم من المؤرخين العرب الذين يقولون بان الصابئة يحرقون الإنسان ويسلخون جلده ويقطعونه اربا، وبعد ذلك يأكلونه. وهذه العملية هي جزء من طقوسهم وقرابينهم للقمر أو الكواكب الأخرى !!.. وغيرها من الأكاذيب كثير تجده عزيزي القارئ في كتاب الفهرست لابن النديم والملل والنحل للشهرستاني. واعتقد ان القارئ لهذا الكتاب يشعر بأنه يشاهد أحد الأفلام المرعبة عن آكلي لحوم البشر!!.

ومعروف عن المؤرخين العرب القدماء ، انهم يعتمدون في مادتهم العلمية والتاريخية على الرواية الشفهية من شخص لأخر دون تمحيص وتدقيق بالأمور التاريخية المنقولة .. وان الرجل ابن النديم يعترف بان مصدر معلوماته أشخاص آخرين .. لا نعرف نحن ألان مدى صحتهم ومدى حسن نواياهم ومدى معرفتهم بالصابئة آنذاك ، وهل كانوا أصدقاء أم أعداء حاسدين ؟! .. واعتقد أن ابن النديم لا يعرفهم شخصيا ولم يقابل واحد منهم البتة .. أكيد أن معلوماته عن الصابئة جاءت عن طريق السماع .. وأعوذ بالله من هكذا مؤرخين ينقلون أخبار التاريخ عن طريق السماع !! .. ومثلما يقول المثل الدارج ((بين العين والأذن أربعة أصابع)) ، وأنا بدوري أقول ((أن بين الحقيقة والخيال ، والصدق والكذب ، شعرة واحدة)).

صابئة حران والدولة الاسلامية:

وان كان الصابئة في حران وثنيين حسب زعم ابن النديم ،فكيف أذن استطاعوا أن يصوبوا مواضع الرياسة في مجال الثقافة والعلم والأدب في الدولة الإسلامية ؟! .. وكيف قبل سادة الدولة الإسلامية بذلك؟!..ونحن نعرف جيدا ما للدين الإسلامي من حزم على إنكار وهدر وإباحة الكفار الوثنيين !! ..وهذا الأمر يأخذنا إلى نتيجة مفادها أن لصابئة حران حجة قوية وأساس توحيدي قوي استطاعوا من خلاله بسط شخصيتهم واحترامهم آنذاك. ومن الجدير بالذكر انهم حصلوا على رخصة أمير المؤمنين في ممارسة شعائرهم وطقوسهم بشكل علني في أماكن عباداتهم !!.

اما بخصوص اهتمام صابئة حران بالفلك والتنجيم واخذ الطالع وشرح طبيعة الكواكب واسمائها وميزاتها ومتعلقاتها، فهذا يظهر جليا واضحا لمن له معرفة أو قراءة في كتاب مندائي اسمه (أسفر ملواشي)!!.. وللعلم أن جميع الأديان والملل والمذاهب القديمة والحديثة في جميع شعوب العالم، اهتمت بهذه الناحية من الحياة الإنسانية ولديها تراث كبير في هذا النوع من المعرفة، وربما لا بل أكيد انه اكثر من الأدب والتراث المندائي!!. فهذا لايعني ان جميع التراث المكتوب باللغة المندائية مثلا، بالضرورة أن يكون تراث مقدس ويعبر عن عبادة المندائيين!!.

الصابئة وحركة اخوان الصفا:

اضافة الى ان هؤلاء الصابئة الذين عملوا في البلاط العربي الاسلامي كان لهم اثر جدا كبير على الفكر العربي الاسلامي .. وكثير من الحركات الفكرية التي ازدهرت آنذاك .. كان الفكر الصابئي له التاثير الكبير عليها .. وخاصة يكفي هنا ان نضرب مثل واحد في هذا الموضوع وهو بما يسمى باخوان الصفا وهي حركة فكرية ازدهرت في العهد الاسلامي .. فانا اتفق مع الكاتب عبد الحميد من ان فكر هذه الحركة (اخوان الصفا)اغلبيته مستمد من الفكر الصابئي .. وخاصة وان الفكر الصابئي كان متداولا في العهد العباسي والاموي من خلال جهابذة العلم والادب الصابئة من امثال ثابت بن قرة وابو اسحاق الصابئي ... الخ.

وهذا يظهر جليا عند قراءت نا لبعض الرسائل التابعة لهذه الحركة والتي تسمى (رسائل اخوان الصفا) فوجدت فيها فصلا كاملا عن علاقة حسابية فلكية رقمية، نفسها موجود في كتاب مندائي يسمى (أسفر ملواشا - سفر الأبراج) اعتقد بانه ترجمة حرفية عربية لما موجود في هذا الكتاب المندائي !!!

إضافة للتشابه الغريب والعجيب للأفكار الغنوصية الموجودة في هذه الرسائل، مع أجزاء من ديوان مخطوط باللغة المندائية يدعى (ألف ترسر شيالة – ألف واثنى عشر سؤال). سوف اعقد مقارنة ما بين فكر طائفة اخوان الصفا والمندائيون في مناسبة اخرى.

شخصيات من صابئة حران في البلاط الاسلامي:

فابن النديم يذكر في فهرسته اكثر من عشرة أسماء لامعة من صابئة حران كانت لهم مواضع الرياسة في كثير من مجالات العلم والمعرفة وحتى الدولة وعلى مدار سنين طويلة. فقد جاء في كتب المؤرخين وفي كتب الأفذاذ من علماء الصابئة الحرانيين عن ثابت بن قرة الصابئي الحراني المعروف بعلمه الوفير والذي تميز بعقليته الموسوعية في الفلسفة والرياضيات، فقد تخرج ثابت والذي كان قد برز من بين اقرانه، واصبح من أخوان العهد والثبات (ابني قايما)، وصار له الحق في كشف الأسرار، وقد دعي (صديقيا) كما ورد عند ابن النديم، وهي تعني الحكماء الإلهيين، او من كان حكيما كاملا في أجزاء علوم الحكمة. وأنا اعتقد ان هذه الكلمة محرفة أو من كلمة (ناصورائي زديقي ) المندائية، والتي تعني المتبحر بالعلوم الدينية والمعرفية والإلهية او من كلمة (زاديقي) أي الصديق. وبالإضافة إلى ذلك فان الباحثة الإنكليزية الليدي دراور المتخصصة بالدراسات المندائية تؤكد بان المفكرين الحرانيين كثابت ابن قرة ومدرسته كانوا من عباقرة الصابئة الناصورائيين المندائيين الذين يمارسون التعميد وكانوا أوفياء لدينهم الذين عليه ولدوا. ولقد كتب ثابت رسالة في مذهب الصابئين وديانتهم، كما أن ولده سنان بن ثابت قام أيضا بترجمة بعض الصلوات والأدعية الصابئية الى اللغة العربية، فلديه رسالة في شرح مذهب الصابئين ورسالة في النجوم ورسالة في اخبار ابائه واجداده وسلفه، ورسالة في قسمة ايام الجمعة على الكواكب السبعة الفها لابي اسحاق الصابئي ، واحتمال جدا ان تكون بعض ماورد في كتاب (اسفر ملواشي – سفر الابراج) المخطوط باللغة المندائية، من تاليفه او تاليف والده.

ولدي حدس كبير يقول بان بعض الاعلام المندائية التي حافظت على الدين والكتب، والذين ورد ذكرهم في الكتب المندائية، ولانعرف ماهي اسمائهم الحقيقية، لان اسمائهم الواردة في الكتب هي دينية .. اعتقد بان من فيهم ثابت وغيره.

وللعلم ان مؤرخ الفلسفة المعروف ابن حزم يشير في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل) الى ان الحرانيين هم من الصابئة الذين يرد ذكرهم في القران. وقد صنف عبد القادر الجزائري في كتابه (ذكرى العاقل وتنبيه الغافل)، العرب قبل الاسلام، أصنافا: صنف اعترف بالخالق، وانكر البعث. وصنف عبدوا الاصنام. وصنف عبدوا الملائكة. وكان منهم من يميل الى اليهودية ومنهم من يميل الى النصرانية ومنهم من يميل الى الصابئة وكانت بقيت عندهم، بقايا من دين اسماعيل وابراهيم الخليل.

هل المندائيون اهتموا بالتاريخ ؟!!

من الأجدر أن نعترف بان الأمور التاريخية التي وصلتنا عن طريق الكتب والمخطوطات المندائية، هي ضئيلة ولا تشبع فضول الباحث. ولكن في نفس الوقت من المرفوض القول بان المندائيون لا يهتمون بكتابة تاريخهم أو التاريخ بصورة عامة. فان محاولاتهم من خلال ما وصلنا عن طريق الرواية الشفهية وديوان حران كويثا (وخاصة إذا خلصنا الأخير من بعض التزويقات والخيالات والتي تتشابه مع بعض الكتب التاريخية القديمة) وكذلك الازهارات (وهي عبارة عن ذيول تاريخية وردت في آخر الكتب والدواوين المندائية) ما هو إلا إثبات واضح وصريح من تمكن المندائيون من كتابة ونقل التاريخ الآمين .. ولكن اعتقد بان هنالك الكثير من الكتب المندائية، وربما التاريخية قد فقدت أو مخبأة لحد هذه اللحظة !!! أو ربما أتلفت عمدا أو عن غير قصد أو لم تكتشف لحد الان .. لأننا لحد هذه اللحظة لا نمتلك تقرير كامل وموثق لعدد الكتب والمخطوطات المندائية .. ولا ننسى من محاولة البعض التخلص من كل ما يتعلق بالمندائية وبشتى الوسائل. وذلك لأغراض ربما تكون سياسية في عصر معين أو دينية أو اجتماعية في عصر آخر.

فعلى قلة الكتب والمخطوطات المندائية الموجودة في حوزتنا الان، او المخبأة والتي لم ترى النور لحد هذه اللحظة، والتي تتحدث عن التاريخ المندائي، لا يمكن القول بان ليس هناك تاريخ مندائي او ان التاريخ المندائي ليس ذو أهمية في تاريخ المناطق التي سكنها المندائيون قديما !!!.. وبنفس الوقت لا يمكننا القول بان المندائية كانت لها تاريخ معقد وعميق كالحظارة اليونانية او غيرها.

الاتهام الاول يرجع اليوم:

ومثلما اتهمنا اليوم بعبادتنا من أناس سواء ليس لديهم فهم حقيقي وعلمي للديانة الصابئية المندائية او من أناس حاقدين رغم معرفتهم الحقيقة، اتهم ايضا أجدادنا الأوائل بعبادتهم ووصفوا بالوثنية او الشرك بالله من أناس على نفس الشاكلة السابقة .. فعلى الرغم من الاضطهاد الذي حصل لأجدادنا الصابئة المندائيين في مدينة حران، الذي أدى الى إسلام بعضهم وتنصر البعض الأخر خوفا، بقي الكثير منهم على دينهم أمينين، صامدين متحملين الظلم لاجله، واستطاعوا رغم هذا الظلم والاضطهاد ان يتبوؤا مراكز مهمة في الدولة الإسلامية وغيرها بفضل عزيمتهم وعلمهم واخلاقهم، فقد كان ابو اسحاق الصابئي من نساك دينه والمتشددين في ديانته وفي محاماته على مذهبه . وقد جهد فيه عز الدولة ان يسلم فلم يقع له ولما مات رثاه الشريف الرضي ، وقصته وقصائده مع ابي اسحاق معروفة للجميع.

وقال ثابت بن قرة الصابئي الحراني ((عندما اضطر الكثيرون، الى ان ينقادوا الى الضلال، خوفا من العذاب، احتمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى، ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة)).

ومن جملة الظلم والغزو الذي تعرض له الصابئة في التاريخ فهو كثير، فقد ذكر في كتاب (لسان الميزان) لابن حجر العسقلاني، بان الامير محمد بن مروان بن الحكم الاموي قد غزا الصابئة مرارا وسبى بها.

وأريد هنا أن انقل شيئا ملفتا من كتاب (الفهرست) ، لكي أبين مدى الخلط الذي ذهب أليه ابن النديم في كتابته ونقله للتاريخ ، فهو يتحدث عن طائفة اسمها (الكشطيين) وجاء بالنص ما يلي:(يقولون بالذبائح والشهوة والحرص والمفاخرة . ويقولون انه كان قبل كل شيء ، الحي العظيم ، فخلق من نفسه ابناً سماه نجم الضياء : ويسمونه ، الحي الثاني . ويقولون بالقربان والهدايا والأشياء الحسنة ).

فمن هم الكشطيين هؤلاء ؟ (للعلم أن هذه الكلمة مندائية الأصل وجاءت من كلمة كشطا أي الحق أو العدل أو العهد، وهذه الكلمة نفسها تطلق على المندائيين في الكتب الدينية !!) .. يلاحظ القارئ الكريم مدى الخلط الواضح في كلام ابن النديم في تعريف هذه الطائفة .. وهناك الكثير في كتاب الفهرست لابن النديم.

أن ابن النديم ليس سوى ناقل للدعايات والإشاعات بدون تمحيص أو تدقيق ، والعهدة على القائل والناقل كما يقولون !! .. أقول من أين اخذ محاضرنا الذي تحدثنا عنه ، أسلوبه بالبحث ، الظاهر والله اعلم أن الشغلة متوارثة من أجداده الأوائل !!

اما ايشع القطيعي النصراني وقصته حول الصابئة ورحلة المامون فهي قصة واهية ومغرضة دحضها اغلب الباحثين من أمثال الليدي دراور وناجية المراني وعزيز سباهي في كتابه الأخير، وحتى الشاعرة المندائية لميعة عباس عمارة في بحث لها.

وبودي أن انقل بيتين من الشعر في هذه المناسبة للشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي فهو يقول:

وما كتب التاريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لامر الحاضرين فرابنا فكيف بأمر الغابرين نصدق

وهذا فعلا ما حصل عندنا (الصابئة) فنحن موجودين على قيد الحياة وممكن التحقق من امرنا بكل سهولة، ولكن ننعت ونضرب في عبادتنا للخالق ويقولون أننا نخنق الميت!!

فهذا في الحقيقة مأخذ كبير على المؤرخين العرب ومصداقية التاريخ الذي كتبوه .. وأنا لا أقول بان كل التاريخ الذي كتبوه هو غير صحيح وغير موثوق فيه .. ولكن على الباحثين اليوم أن يدققوا ويتفحصوا كل ما ينقله المؤرخين العرب لنا، وهذا ما تنص عليه أصول البحث العلمي الدقيق. وقد أكدت الباحثة الإنكليزية الليدي دراور التي عاشت فترة طويلة في جنوب العراق تدرس التراث المندائي. قالت (في جملة ما أورده المؤلفون العرب من روايات يوجد بها قدر لاباس به من الحقيقة، وهو ان لدى الحرانيين ما يشتركون به مع الصابئة المندائية، الذين يسكنون أهوار جنوب العراق).

وحسب اطلاعي وبحثي في هذه المسالة بالذات، بان الصابئة قديما وحديثا هم المندائيون أنفسهم .. وان صابئة حران ما هم إلا امتداد لصابئة العراق وفلسطين المندائيين .. واحتمال ان يكون قد تشبه بعض الأقوام بالصابئة لفترة معينة قصيرة ولحالة خاصة، ولكن هذا لا يعني بوجود فرقتين من الصابئة المندائيين. وان فطاحل العلماء والمفكرين الصابئة الذين اشتهروا في البلاط الإسلامي ما هم إلا صابئة مندائيين.

واليوم كما في السابق،من منا قام بمدح دين آخر غير دينه أو على حساب دينه فكل المناقشات والجلسات وخاصة الدينية منها ليست سوى إظهار عيوب الأديان الأخرى وبث الدعايات والتؤيلات السيئة عليها .. وهذا الحال لم يظهر ألان أو هو وليد عصر ما يسمى بالديانات السماوية او الكونية مثلما اصطلح على تسميتها احد الكتاب .. بل هو موجود منذ فجر التاريخ وبالضبط عندما بدا الإنسان يعبد قوى الطبيعة .. فهذه الحالة لاتمت بصلة إلى الإيمان الحقيقي والى جوهر عبادة شيء اسمه الله .. وتذكرني هذه الحالة بمقولة لأحدهم بما معناه (أن الوطنية هي حب الوطن والإخلاص له ولايعني كره الأوطان الأخرى) وأنا أقول ألان (إن حب دين معين والأيمان به لايعني بالضرورة كره الأديان الأخرى).

اجدادنا في حران:

على كلا بودي أن أوضح للمندائيين بان ليس كل ما يكتب عليهم قديما وحديثا، هو حقيقة يجب التسليم لها. فلا يجوز أن نبتري اليوم من أجدادنا العظماء الذين جاهدوا في سبيل ان تبقى المندائية وان نخلق نحن اليوم مندائيين. فحق علينا اليوم ان نفتخر بهم وان نعتز بانتمائنا لهم، لا بل و أطالب ايضا بان نحيي رموزنا القدماء وان نحتفل بهم كل عام ومن هؤلاء كثير فعلى سبيل المثال: ثابت بن قرة وأبو إسحاق الصابئي الذين كانوا أعلام عصرهم ولهم الفضل في كثير من العلوم الان، وهم الصابئة المندائيون الاصلاء الذين حافظوا على إيمانهم رغم الظلم والاضطهاد الكبيرين الذي لحق بهما وبأجدادهم ، حيث ورد على لسان ثابت بن قرة ما يلي ( ((عندما اضطر الكثيرون، الى ان ينقادوا الى الضلال، خوفا من العذاب، احتمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى، ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة)).

.. وأطالب أيضا بأهمية وضرورة إعادة وتجميع كتابة تاريخنا المبعثر في ضوء معطياتنا الجديدة، ويجب أن لا ننسى بان تاريخ حران والصابئة هناك ما هو إلا جزء من التاريخ المندائي العريق. كما وأشجع جميع المثقفين والباحثين الصابئة المندائيين للبحث في هذا الموضوع بالذات، لاثبات حقنا في تاريخنا المفقود، ولاثبات حق أجدادنا في نسبنا لهم!!.

ومما تقدم ،ارفض وبحجج اعتقد بانها ليست ضعيفة .. مقولة الكاتب عبد الحميد الحمد بان (لاصلة بين مذهبي الصابئة المندائية والصابئة الحرانية. فالمندائية حصاد بيئة فقيرة في معطياتها الحضارية. لذا لم يكن لهم أي تأثير على الشعوب المجاورة!!). وبودي أن أعيد ما قاله نبينا الحبيب يهيا يهانا (مبارك اسمه) حين سأله بعض المندائيين عن مصيرهم في حقبة معينة، قال لهم (سيأتي اليوم الذي إذا نظروا للرجل الذي يلبس عمامة بيضاء وهميانة ، تعتريهم الدهشة ويأتون ويسألونكم " تعالوا من نبيكم؟ حدثونا عنه؟ وما هو كتابكم؟ ولمن تسجدون وتعبدون؟" وانتم لا تعلمون ولا تعرفون!! .. ملعون ومخزي من لا يعرف ولا يعلم أن ربنا هو ملك النور العظيم، ملك السماوات والأرض الواحد الأحد) دراشا اد يهيا -بوثة رقم 17. وأنا أسأل المندائيين (الصابئة) كم واحد مر في هذا الموقف؟!!!!.

بعض التشابهات المهمة

بين الصابئة في حران والصابئة في البطائح*:

• الصابئة في حران يجيدون اللغة الآرامية، وكانت لهجتهم افصح اللهجات الآرامية .. وهذا ينطبق على اللغة التي يتحدث بها المندائيون الان والتي كتبت بها كتبهم المقدسة وغيرها من ادبياتهم واشعارهم .. وهي (اقصد اللغة المندائية) احدى اللهجات الارامية.

• لديهم من الصلوات ثلاثة، وهي الواجبة يوميا (صبحا، ظهرا، عصرا)، ولا تتم إلا بعد أداء الاغتسال أو الوضوء .. وهذا يشابه ما لدى الصابئة المندائيون الان بما يعرف ب(الرشاما والبراخا) وهي الصلاة الفرضية الواجبة والرسمية في اوقاتها الانفة الذكر.

• يدفنون الميت باتجاه الشمال .. ويحرمون اللطم والبكاء والحزن على الميت، لان هذه الأفعال سوف تعيق الروح في معراجها. ويحرمون الانتحار .. ايضا يقوم المندائيون بدفن موتاهم باتجاه الشمال ويحرمون الحزن واللطم والبكاء وايذاء الجسد على الميت، تحريما قاطعا، لان هذه الافعال تؤدي الى عرقلة مسير النفس (نشمثا) الى عوالم النور من قبل الارواح الشريرة.

• يقدسون المياه الجارية الحية، ويعتقدون بأنها محروسة من قبل الأرواح الخيرة النورانية .. ان المندائية والمياه الجارية الحية والتي تعرف باليردنا، شيئا واحدا لايقبل الفصل .. فكرا وتطبيقا. وان المياه الجارية الحية (اليردنا) مهمة في عملية الخلق والتكوين ومهمة في ولادة الانسان في طقس التعميد (مصبتا) ، ولاننسى بان اليردنا الارضية محروسة من قبل اثنين من الكائنات النورانية الاثيرية وهما (شلمي وندبي).

• الأيمان بخلود الأرواح، وان أرواح الأفراد لها صلة بأرواح أسلافها وتعاني قبل أن تتطهر، إلى أن تتحد بالجسد النوراني في ملكوت الله .. اصلا ان عيشة الانسان المندائي المؤمن (المتهيمن) هي للحياة الاخرى في عوالم النور وليست للحياة الارضية، ويجب ان تعود النفس (نيشمثا) الى علة الوجود (الخالق) بدورة كاملة، لانها نفحة من ذاته العظمى .. ولكن يجب ان يتم لها التطهير الكامل من الشوائب التي علقت بها اثناء حياتها الارضية، لكي ترجع هذه الجوهرة (كيمرا) صافية نقية كما خلقها الحي (هيي)، فلذلك يجب ان تدخل في اماكن العقاب والتطهير المسماة (المطراثي). وبعد ان يتم ذلك، تتحد النفس (نيشمثا) مع جسدها النوراني (دموثا) أي الشبيه النوراني الذي لايتكون من اللحم والدم.

• يخضعون إلى رؤسائهم الدينيين بدلا من السلطة الزمنية في حل قضاياهم الدينية والدنيوية .. ايضا يخضع المندائيون الى رؤسائهم الدينيين لحل مشاكلهم او لاداء المراسيم الدينية.

• قبلتهم واحدة وقد صيروها نحو جهة الشمال، لاعتقادهم بأنها مركز علة الوجود .. ان الاتجاه الرسمي الذي يتجه به الانسان المندائي اثناء اداء طقوسه وواجباته الدينية، هي الى جهة الشمال المسماة (اواثر)، وما النجمة القطبية (نجمة الشمال) التي اتهم بعبادتها الصابئة المندائيون سواء في حران او في بطائح وادي الرافدين، ليست سوى دليل واشارة وطريقة علمية لمعرفة اتجاه الشمال، وبالتالي معرفة اتجاه مكان بوابة اواثر أي بوابة الرحمة لملكوت الحي (بيت هيي).

• لديهم الوضوء في الماء الطاهر المطهر، ويتطهرون من الجنابة وعند الاتصال الجنسي ومن لمس الميت، كما يعتزلون الطامث .. نفس ما تنص عليه العادات والتقاليد المندائية.

• يحرمون أكل إناث البقر والضان والحوامل من الحيوانات .. نفس تحريم المندائية لها.

• لايتم الزواج الا بولي وشهود، ولا يقرون مبدا تعدد الزوجات. ولا يسمحون بالطلاق او هو محرم إلا في حالات خاصة جدا.

• عقد القران (المهر) إذا كان لامراءة (ثيب) ينجس الكاهن الذي يقوم به.

• يحرمون لبس اللون الأزرق والاسود، ولباسهم المفضل الثياب القطنية البيضاء.

• يقدمون الطعام من اجل راحة نفس الميت ولمدة 45 يوما.

• يستعدون لتجنيز الميت قبل خروج الروح من الجسد، لان الروح لا تتطهر إذا لم تخرج من بدن طاهر، لذلك يجب غسل المحتضر، وإلا تعذر تطهيره ولمس الميت.

• يحمل نعش الميت اربعة رجال انحدروا من عائلة أصيلة النسب مؤمنة، منذ ثلاثة أجيال.

• يقدسون الطبيعة بكل اشكالها، وواضحة في مفاهيمهم وطقوسهم التي تدعوا الى الرجوع الى الطبيعة.

• لديهم أعياد تقام في مواعيد معينة، يذهبون بها للاغتسال في المياه الجارية، طلبا للطهارة وغفران الخطايا.

• يقدسون نبات الآس (الياس) المستعمل في طقوسهم وخاصة في أكاليلهم.

• صيامهم في أيام معدودة متفرقة على أيام السنة، ويمتنعون فيها عن أكل اللحوم.

• يسمون الله في لغتهم ب (مارا اد آلما) أي رب الكون.

• لاياكلون أي شيء غير مذبوح بطريقة إيجابية، أي، كل حيوان يموت بسبب مرض او حادث او لم يكن مذبوحا.

• يتجنبون ويحرمون الختان (الطهور) فهم لا يعملوا أي تغيير في عمل الطبيعة.

• المرأة مساوية للرجل في متابعة قوانين الدين وتستلم نصيبا مساويا للذكر في الميراث.

• يعتبرون ان بعض الأمراض التي تصيب الإنسان والتي تعتبر غير نظيفة ، هي نجاسة عظيمة مثل الجذام وهو الأكثر نجاسة، فعلى سبيل المثال ترك إبراهيم مجتمعه بسبب ظهور الجذام على قلفته (وهي نفس الرواية المندائية حول إبراهيم)، فكل من يعاني من هذا المرض يعتبر نجسا. وهذه الأفكار موجودة عند أديان أخرى مثل اليهودية.

• هذا بالإضافة إلى الكثير من التشابه الكبير في الأفكار والفلسفة واللاهوت الديني، وفي النظرة اللاهوتية للرب العظيم ووجوده وكينونته. ربما في مناسبة أخرى سوف اعقد مقارنة أوسع في مجال الفكر واللاهوت الديني.

* راجع كتاب (صابئة حران واخوان الصفا) عبد الحميد الحمد، وكتاب (معرفة الحياة) س. كوندوز ترجمة الدكتور سعدي السعدي، وأيضا كتاب (الملل والنحل) للشهرستاني وكتاب (الفهرست) لابن النديم.

¨ فقد قالت الليدي دراور في كتابها الصابئة المندائيون مايلي (وبالنسبة للمؤرخين العرب فقد كانوا منذ اقدم الازمان يعتمدون على الرواية، ولذا لايمكن قبول بيناتهم او تقاريرهم الا على هذه الصورة؛ كما يمكن ان يقال نفس الشيء حول مالدينا من معلومات عن الصابئين دونها الكاتب السرياني "برخوني" فقد كان يدون معلوماته كمجادل يريد الحط من فئة مارقة ؛ ولكن كتابه على كل حال يعطينا أدلة على نقض كل ما قرره عن الصابئين).

معجم الادباء .. ياقوت الحموي ص 892.

يتيمة الدهر .. الثعالبي ص 529.

صبح الاعشى .. القلقشندي ص 25.

يقصد الملابس الدينية البيضاء المندائية (الرستة).

اغلبية هذه التشابهات استخرجتها او وردت في كتاب (صابئة حران واخوان الصفا) للكاتب عبد الحميد الحمد ‍‍؟

نشرت في تاريخ

لموقع مدينة واسط المتميز وسط العراق شأن بارز ودور مهم في تأريخ العراق منذ تأسيسها على يد (الحجاج بن يوسف الثقفي ) عام ( 83هــ) واختيارها مركز للعراق خلال فترة العصر الاموي ، وتقول باحثة الأثار (جنان خضير منصور ) في مقالتها الموسومة ( تاريخ واسط ) المنشورة في مجلة فيزوبوتاميا ( بلاد النهرين ) العدد( 5 و 6) والمنشورة على صفحات الانترنيت تقول : عن بناء المدينة
(امـا عن تاريخ بناء المدينة فقد اختلفت المصادر في تحديده، إلا ان معظمها يجمع علي ان عملية البناء تمت بين الاعوام 83هـ ــ 86هـ/ 702 ــ 705م أي في أواخر حكم الخليفة عبد الملك بن مروان الذي استأذنه الحجاج في انشاء المدينة. واني ارجح بناء مدينة واسط سنة 83هـ/702م معززين الرأي بما وصلنا من مسكوكات فضية (دراهم)، مضروبة بهذه المدينة حيث تعتبر المسكوكات وثائق اساسية ومهمة جداً يعتمد عليها في تتبع مسيرة التأريخ وفك الاشكالات والتداخلات التي يقع فيها كتابه. ويحتفظ المتحف العراقي بدرهم فضي مضروب بواسط سنة 83هـ، كما ويحتفظ بدرهم اخر من ضرب سنة 84هـ. وهذا يقدم لنا دليلا علي ان بناء المدينة كان قبيل عام 83هـ واخذت تستكمل بعد ذلك مرافق المدينة حتي عام 86هـ. لقد وصفت واسط بناء وتخطيطاً بأنها كانت تقع علي الجانب الغربي لنهر دجلة يقابلها علي الجانب الشرقي مدينة قديمة تسمي كسكر. وقد ربط المدينتين جسر من السفن على كل جانب من جانبي النهر جامع، وكان يحيط بالمدينة سور وخندقان، إلا ان( بحشل)1 يذكر انه كان للمدينة سوران وخندق ) .
وكذلك تشير الباحثة جنان خضير منصور الى ان ياقوت الحموي يقول :) واسط اكتسبت اسمهما من موقعها الوسط بين البصرة والكوفة والأحواز ) .


وبعد سقوط الحكم الاموي وانتقال الخلافة للعباسيين وبناء بغداد على يد ( ابو جعفر المنصور) عام 145هـ ، وأختيارها عاصمة للدولة العباسية ، بقيت واسط من الأقاليم المهمة في العراق ، وخلال القرن الرابع الهجري حدثت تقسيمات أدارية مهمة في العراق أصبحت واسط ، أحدى الولايات المهمة والمرموقة حيث ضمت مدنا ًعديدة وقرى وقصبات كثيرة .


ويشير الأستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي في كتابه الموسوم ( واسط في العصر العباسي )2 وكان يسكنها خليط من العرب والفرس والاتراك والديلم والنبط * والزط **، وقد تعايشت فيها طوائف دينية الى جانب المسلمين ، اذ كان هناك نصارى ويهود وصابئة مندائيون .
ويوضح الأستاذ المعاضيدي : لقد كانت مناطق وجودهم ( الصابئة المندائيين) تمتد من واسط الى خوزستان في منطقة (الطيب ماثا ) بعد هجرتهم ونزوحهم من مدينة حران وقبلها من فلسطين ، كما ورد ذلك في أحد كتب المندائيين كتاب (حران كويتا )3 المدون باللغة المندائية .
كما أن هناك العديد من المصادر تشير الى أنهم سكنوها قبل الفتح الاسلامي بزمن طويل ، وعندما جاء الفتح الاسلامي ذهب وفد من الصابئة لمقابلة القائد العربي المسلم وعرضوا عليه أمرهم فأقرهم على دينهم فأكسبهم ذلك قوة ومنعة بأعتبارهم أصحاب كتاب وظلوا بين المسلمين يؤدون الجزية . فقد كتب الأستاذ عزيز سباهي ***في كتابه الموسوم ( جذور الصابئة المندائيين ص193 مانصه ( ونحن تعرف ومن كتاب حران كويتا أن أنش بر دنقا ، وكان يشغل أعلى المراكز الدينية عند المندائيين ، قد ذهب وبصحبته مجموعة من وجهاء المندائيين إلى قائد الجيش الإسلامي وأوضح له طبيعة دينهم وعرض عليهم كتابهم الديني ( الكنزا )4 لكي يضمن لقومه التسامح الذي خص به القرآن أهل الكتاب ، وقد تم له ذلك ).
وفي صفحة 180 من كتاب الاستاذ عزيز سباهي يقول : (ورد في كتابهم ( حرّان كويتا ) أنهم كانوا جماعة كبيرة ، وأن في الأيام الأولى من وجودهم في بلاد ما بين النهرين وليس في ميسان وحدها ، كان هناك أربعمئة مشكينا ( أي مندي ، وهو المعبد المندائي ) .
وعن دور الصابئة في المساههمة في بناء الحضارة في بلاد الرافدين يشير الاستاذ ( عزيز سباهي ) في صفحة 9 من كتابه ( جذور الصابئة المندائيين ) ( لعب الصابئة ، رغم كونهم طائفة دينية صغيرة ، دورا ً ملحوظا ً في تطور الحياة الروحية والفكرية في بلاد مابين النهرين خلال ظهور المسيحية وانتشارها أو بعد ظهور الإسلام ، ولاسيما بعد ازدهار الحضارة العربية ــ الإسلامية أيام العباسيين ، ولمعت من بينهم شخصيات علمية أسهمت بقسط وافر في إعلاء شأن الحضارة العربية ـــ الإسلامية ) .
يشير الاستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي في كتابه ( واسط في العصر العباسي ) لقد سكن الصابئة المندائيون في الجانب الغربي من مدينة واسط وكان لهم درب خاص بهم سمي( درب الصاغة) لانهم كما يشير المؤرخ ( الخطيب البغدادي ) أشتهروا بمزاولة الصياغة كحرفة خاصة بهم .
ويشير الاستاذ عبد القادر المعاضيدي في بحثه لقد ساعد وجود الصابئة في واسط على ظهور علم الفلك فيها لمعرفتهم الواسعة في علم الفلك والرياضيات تلك المعرفة التي نقلوها معهم من مدينة حران المشهورة في علم الفلك. ويشير الى وجود ( البيت المندائي ) الذي يعد من أهم البيوتات التي ساهمت في بناء وتطوير الحياة الفكرية والثقافية في واسط ، فيقول ( أذ اشتهرت في واسط عائلة عريقة في القضاء والعلم والرواية وهي من اصل (مندائي ) ساهمت في تطور الحياة العلمية فيها .
ومن ابناء هذه العائلة المندائية كما ورد في كتاب الاستاذ عبد القادر المعاضيدي :
1 ـــ القاضي ابو العباس أحمد بن بختيار أبن المندائي توفي سنة 552 هـ 1157 م وهو قاض ٍ وكاتب .
2 ـــ أخوه أبو السعادات علي بن بختيار أبن المندائي وكان أديبا ً وشاعرا ً وكاتبا ً وقد تولى القضاء في واسط .
3ـــ أبو الفتح محمد بن بختيار أبن المندائي توفي سنة 605هـ ـــ 1208 م وقد تولى القضاء في واسط .
4 ــ أبو حامد محمد بن محمد أبن المندائي فقيه توفي سنة 602 تولى القضاء في واسط .
5 ــ أبو العباس أحمد بن محمد أبن المندائي وكان من رجال العلم والحديث توفي عام 642 هــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) بحشل : هو ( أسلم بن سهل الواسطي ) توفي في 292 ألف كتاب ( تاريخ واسط ) وقد كان من كبار الحفاظ العلماء من أهل واسط ، وقد حقق الكتاب كوركيس عواد .
( 2 ) كتاب ( واسط في العصر العباسي ) للأستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي ، أستاذ العلوم الأسلامية ، والكتاب دراسة تأريخية قيمة عن أحوال واسط الادارية والأجتماعية والثقافية والإقتصادية و كذلك عن الحياة السياسية وطوائفها الدينية خلال العصر العباسي لفترة من ( 324 هـ لغاية 656هـ ) أو (953 لغاية 1258 م) .
* النبط : هم من الأراميين سكان العراق القدماء وكان هؤلاء يسكنون البطائح ويشتغلون بالزراعة وقد أطلق المسلمون بعد فتح العراق على سكان السواد اسم النبط . المصدر السابق
** الزط : أصلهم من بلاد السند وهم مربوالجاموس وقد تحولوا أخيرا ً الى قطاع طرق حتى قضى عليهم الخليفة المعتصم وكان يقدر عددهم قرابة ( ألـ ) 27 ألف . المصدرالسابق
وكذلك تشير عديد من المصادر ان الزط هي احدى اسماء الغجر . فقد ورد في كتاب ( الغجر الظرفاء المنبوديين ) الطباع والدكتور منذر الحايك : يعدد الكتاب بعض التسميات العربية القديمة للغجر كالزط والسبابجة, وتجمع المصادرالعربية على أن الزط قوم من بلاد الهند وبالتحديد من حوض نهر السند, ويعتقد أن (زط) عرّبت عن أصلها (جت) وهي باللغة الهندية اسم هؤلاء القوم الذين كانوا يعرفون بـ(زنوج الهند) بسبب بشرتهم السمراء .
*** الأستاذ عزيز سباهي : مناضل وسياسي ، وكاتب وباحث له العديد من الاصدارات والدراسات والبحوث ، وكتابه ( (اصول الصابئة المندائيين ) يعد من الدراسات القيمة التي أضيفت للمكتبة العربية فيما يخص الديانة المندائية لما احتواه من مصادر غزيرة متنوعة ، بالاضافة إلى تحليلاته وشروحاته الوافية .
( 3 ) كتاب ( ديوان حران كويتا )أو ( ديوان حران كويته ) وهو محاولة لعرض تأريخ الطائفة المندائية . وقد وضع الكتاب ودن في بداية العهد الإسلامي الأول . وقد ترجمته السيدة دراور ونشرته سوية مع كتاب ( تعميد هيبل زيوا ) في الفتكان عام 1953. المصدر:عزيز سباهي ( اصول الصابئة المندائيين) ص15
( 4 ) كتاب الـ ( كنزا ) هو كتاب ( كنزا ربا ) ، أو الكنز العظيم ،أو السيدرا ، هي جميعها أسماء لكتاب واحد الا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ، وكنزا يكتب بالمندائية بالجيم وليس بالكاف وأثرنا على كتابته على كتابته يهذا الشكل لان المندائيين ينطقون الجيم كاف . المصدر ( أسماء الأعلام المندائية في ( كنزا ربا ) ص2 وهو دراسة ماجستير في اللغات السامية ( اللغة المندائية ) ـــ جامعة بغداد 1997 للأستاذ عبد المجيد سعدون الصباحي

نشرت في تاريخ

يحتفل المندائيون في الثامن عشر من شهر كانون الاول بمناسبه ابو الهريس المصادف الاول من شهر تموز المندائي وهي ذكرى تأبينيه لضحاياهم الذين قتلوا على يد اليهود في فلسطين ? حيث يشهد التاريخ بأن الحركه الثيوقراطيه اليهوديه في اورشليم ازدادت سيطرتها وتعصبها للمذهب الرسمي للديانه اليهوديه مما ادى الى اضطهاد جميع المذاهب اليهوديه المنشقه والاديان الاخرى ، والتمرد على الرومان الذي انتهى باحتلال تيطس لاورشليم المدينة المحصّنة وحرق الهيكل في نهاية سنة 70 ميلادي.
ومن جملة الاديان التي اضطهدت تحت فتره الثيوقراطيه اليهوديه كانت المندائيه حيث تمت ابادت 365 تلميذا للنبي يحيى وهذا مايؤكده التراث المندائي المدون في هران كويثا:
"وبعد مغادرة يهيا يهانا جسده عادوا اليهود الى قواهم السابقه ... واصبحوا متغطرسين.... ثم اطلقوا صيحات باطله ضد اتباع انش اثرا رئيس العصر فأراقوا دمائهم بحيث لم يترك رجل من التابعين و الناصورائيين ... فأرتدت روافد الاردن .... وانطفاء نور رايات اباثر.... وجاء هيبل زيوا فحرق ودمر اورشليم وجعلها ركاما وخرائب"

وبذلك هاجر60 000 ناصورائي من فلسطين برعايه الملك البارثي ارطبانوس الثالث 38-12 ميلادي )المسمى في التراث المندائي اردوان ملكا ( طالبين الامان في بقاع اخرى ? متذكرين ضحاياهم في كل طقوسهم ? مؤبنينهم في اليوم الاول من شهر تموز المندائي ? معدين بذلك لوفاني جماعي يرمز له بالهريسه وتتكون من سبعه حبوب ?لذلك سميت المناسبه ابو الهريس?
كما ان هناك روايات من التراث الشفهي تشير الى هذه المناسبة بانها احياء ذكرى الذين غرقوا في طوفان نوح ?ع? فبعد ان ارست السفينه على البر قام نوح بعمل هريسه من الحبوب المتبقيه السبع للغرقى من الدين المندائي
وهناك روايه اخرى توضح بان هذه المناسبه هي ذكرى غرق جنود فرعون الذين تعقبوا اليهود حيث يُعتقد البعض من الجنود كانوا مندائيين.
فلا يوجد دليلا قاطعا للروايتين في التراث المندائي المدون ولا في طقوسهم ايضا
ولكن سواء ان كانت تحيى هذه المناسبه على اسلافهم تلاميذ يهيا يهانا او بناءً على الروايتين الشفهيتين فهي مناسبه ?حياء ذكرى اسلافهم الذين قتلوا نتيجه اضطهاد المندائيين عبر التاريخ.
حيث يسرد لنا التاريخ المندائي الكثير من حقب الاضطهاد والابادات الجماعيه بحق هذه الطائفه المسالمه ومن اهم هذه الاحداث اسرد اليكم التالي:
فمن جراء الاضطهاد والقتل الجماعي لتلاميذ النبي يحيى هاجر 60 000 ناصورائي ?مندائي? باحثين عن ارض مسالمه تأويهم لكي يمارسوا شعائرهم بسلام فلم يجدوا افضل من وادي الرافدين الذي كان في ذلك الوقت بلد الثقافات والعلوم والحريه وعلى التحديد في المنطقه الجنوبيه التي تميزت بحرية الاديان و وفره المياه ? فاحبوها وقدسوها كاسلافهم فانتشرت الديانه المندائيه في العصر البارثي ممتدين مع امتداد دجله والفرات متمتعين بحريه الاديان ? وسرعان ما حددت حريه الاديان في وادي الرافدين عند مجئ سلاله الفرس الساسانيه ? حيث فرضت الديانه الزرادشتيه كديانه رسميه سنه273 ميلادي ? فاضطهدت المندائيه وقلت دور عبادتهم من400 الى 170 فقط.
وهذا ما يؤكده الاثار المتبقيه للحضاره الساسانيه حيث نقر? في منحوتات نقش رستم الاثري حول الاديان التي اضطهدت في ذلك الوقت:
" طرد اليهود والبوذيون والبراهمانيون والنزاريون والناصورائيون... خارج الامبراطوريه"

اما في 640 ميلادي بعد تغلغل الجيوش الاسلاميه في وادي الرافدين اضُطهد المندائيون واريقت دمائهم بالرغم من ان وفد مندائي برئاسه "الريش امه" انش ابن دنقا قابل رئيس الجيوش الاسلاميه ?يُعتقد سعد ابن ابي وقاص? وحصلوا على الامان كاهل الكتاب . فقد اصدر فقهاء المسلمين في حقب مختلفه فتاوى اباده جماعيه بحقهم ? ابرزها فتوى الاصطخري المعروف بفقيه العراق تحت حكم الخليفه العباسي القاهر بالله عام 932 -934 ميلادي ? حيث افتى الاصطخري وهو شافعي المذهب بقتل الصابئه جماعياً.

وان القينا الضوء حول وضع المندائيين في القرون الوسطى فنلاحظ على سبيل المثال في القرن الرابع عشر تحت حكم السلطان محسن بن مهدي على مدينه ميسان حيث تعرض بعض الرجال لامرأة مندائيه وتصدا لهم المندائيون دفاعا عن شرفهم فاعلنت الحرب عليهم وذبح رجال الدين والنساء والاطفال والرجال في ميسان وضواحيها ? وهذا ما يذيله احد رجال الدين المندائي في احدى الدواوين.
كما تلقوا المندائيين لظغوط واضطهادات متعدده من قبل بعثات المبشرين المسيحيين الاوربيين في القرن السادس عشر معتبرين المندائيه ديانه مسيحيه هرطقيه ? مستخدمين مع المندائيين سياسه التذويب العرقي .

اما تحت حكم السلاله القاجريه في ايران تحديدا عام 1780 لاقى المندائيون الاباده الجماعيه مع شتى انواع التعذيب الا انساني حيث يشهد عليها احد رجال الدين المندائي ويذيلها في احدى كتاباته ? كما يتطرق للحادثه الاثاري الفرنسي المعروف De Morgan في كتابه Mission Scientifique en Perse موصفا الاتي:
"رموا ) الفرس( رجال دين الصابئه في السجون وعذبوهم....فقد قام الفرس بقتل الكثير منهم والبعض خرمت اجسادهم بالمسامير والبعض الاخر شوهت اجسادهم بقطع اجزاء منها فكانوا يقطعون اعضاء الجسم مبتدئين باصابع القدم واصابع اليدين والبعض من رجال الدين سلخ جلده وهو حي واحرقت عيونهم الحديد الساخن الاحمر ثم يقطعون رؤوسهم وبعضهم حرق حيا !
كان سجناء الصابئة يحضرون تعذيب وقتل اصحابهم? ..... قام الفرس بقطع يد اليمنى للكنزابرا ادم الذي كان من بين السجناء الذي فر الى تركيا."

وبعد وباء الكوليرا عام 1831 ميلادي الذي قضى على نحب جميع رجال الدين ? حيث يُسرد لنا في تذيلات الكتب المندائيه المقدسه حول حقب الاضطهاد العصيبه كالتهجير القصري والاختتان الاجباري.
وفي عام 1870 تحت حكم ناصر الدين شاه القاجري الذي لطخ ايديه بدماء المندائيين الابرياء مستعملا ضدهم كل الاساليب البشعة ? حيث تم ابادة اغلب المندائيين في منطقه شوشتر والمناطق المحيطه بها مثل دزفول فأظطر العوائل المتبقيه بالهجره الى الاهواز فرارا من الموت المحتم.
والحديث يطول بسرد الاحداث ولكن نستذكر ايضا من تاريخنا المعاصر ضحايانا السياسيين الذين قتلوا من اجل مبادئهم الساميه لخدمه الوطن وضحايانا الذين سفكت دمائهم الطاهره من اجل خدمه العَلم ? ايضا ضحايا القصف العشوائي واخيرا ضحايانا الذين قتلوا ومازالوا يقتلوا في العراق لكونهم مندائيون.

فيا اخواني واخواتي المندا ئيون وكل محب لهم وصديقهم لنحيي مناسبه ابو الهريس تخليداً لضحايانا وعلى ارواحهم الطاهره الذين سفكت دمائهم الزكيه البريئه عبر الزمن
فلنخلد اسلافنا القدماء الذين قتلوا من اجل دينهم
فلنخلد سياسيونا الذين قتلوا من اجل مبادئهم الساميه
فلنخلد ضحايانا الذين قتلوا في اراضي المعارك من اجل خدمه وطنهم
واخيراً فلنخلد ضحايانا الجدد الذين يُقتلوا من اجل هويتهم
لنطلق على هذه المناسبه "يوم الاضطهاد المندائي"
لكي تبقى ذكراهم خالده عبر الزمن وليبقوا شمعه احترقت لتنير الطريق للاجيال القادمه
ولتتظافر الجهود بين كل الخيرين لنصره المندائيين ودفع الظلم عنهم.

نشرت في تاريخ

الصابئة المندائيون جزء من سكان العراق الاوائل عبر تأريخه الحضاري في بلاد مابين النهرين-سكنوا بطائح جنوب العراق وفي منطقة الطيب في ميسان قريباً من الانهار الجارية التي كانت تشكل اهمية كبيرة

في حياتهم الاجتماعية واقامة الطقوس الدينية وامتدت ديانتهم ايضاً الى فلسطين والشام ومصر زمن الفراعنة. ان تأريخ الصابئة المندائيين يلفه شيء من الغموض، وذلك لانزوائهم وانغلاقهم الديني بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له خلال فترات متعاقبة من تاريخهم. فأثروا هذا الأنزواء كوسيلة للحفاظ على دينهم وتراثهم.
وللصابئة كتيب يسمى (حران كوثيا) يتحدث عن هجرة المندائية التي قاموا بها من اورشليم في فلسطين سنة 70م بعد الاضطهاد الذي حصل لهم على يد السلطات الدينية والحكومية في هذه المدينة الحديثة التي كان يسيطر عليها الحكم الروماني فعادوا الى موطنهم الاصلي وادي الرافدين وكانت هذه الهجرة برعاية الملك أردوان(أرطبيانوس الثالث) ولقد جاء ذكر الصابئة في ثلاث أيات من القران الكريم سورة البقرة،سورة المائدة،سورة الحج.
وفي منتصف القرن السابع الميلادي عرفت هذ الطائفة لأول مرة في اوساط الباحثين الاوربيين ومنهم (ليدز بارسكي) (الليدي دراور) التي استطاعت في كتاباتها عن المندائية ان تزيح الكثير من الغموض عن ديانتهم وتأريخها وتراثها.
ومن اجل هذا عاشت مع الصابئة في جنوب العراق ودرست احوالهم عن قرب. وترجمت العديد من الكتب والمخطوطات المندائية الى اللغة الانكليزية.. واهمها كتاب الصابئة المندائين. الذي ترجمه الى العربية الاستاذان نعيم بدوي وغضبان الرومي.
وفي العقدين الاخيرين من القرن العشرين، تمكن عدد من مثقفي الصابئة بترجمة العديد من الكتب الدينية الى اللغة العربية اضافة الى بعض الكتب التي تخص الميثولوجيا المندائية.. فقد ترجم الكتاب المقدس (كنزاربا) ودراسة بهيا) تعاليم يحيى(ع) والنياني والقلستا.
وكلمة الصابئة مشتقة من الفعل الارامي المندائي -صبا-أي غطس او ارتمى في الجاري أما المندائيون فهي مشتقة من الفصل الأرامي- دا- التي تعني (العالم -العارف- فيكون معنى الصابئة المندائيين هو.
الصابغون العارفون بدين الحق واتفق اغلبية الباحثين والمستشرقين على ان كلمة صابئي جاءت من الجزء الأرامي وليس العربي للكلمة.. وهناك تسميات أخرى لهم.
المغتسلة-(من غسل) اي تطهر ونظف في الماء اي ربى شلماني-من (شلم)، أرامية تعني المسالم.
أبنيء نهورا-أبناء النور
اخشيطي من كشطا-أي اصحاب الحق
لغتهم
اللغة المندائية هي اللغة التي وردت بها المخطوطات الصابئية فكل الكتب الدينية ماتحتويه من تعاليم وصلوات وتراتيل مكتوبة بهذه اللغة. وأول من قرأ الابجدية المندائية هو ادم(ع) وبقية المختارين الاصفياء ومنهم يحيى بن زكريا(ع) وهي مقدمة عند جميع الصابئة واللغة المندائية هي لهجة من الآرامية التي تنتسب الى المجموعة السامية كالبابليين والاشورية والكلدانية.
واقدم ماالف عنها كتاب المستشرق الالماني (نولدكه) سنة 1875 تحت عنوان قواعد اللغة المندائية-ذلك القاموس المندائي انكليزي الذي الفته الليدي دراور.
وقام في السنوات الاخيرة بعض ابناء الصابئة بتأليف بعض الكتب في المندائية فقد أنجز الشيخ خلف عبد ربه مع المهندس خالد كامل القاموس المندائي-العربي) واستطاع الاستاذ امين فيصل تأليف كتاب قواعد اللغة المندائية الذي اعتمد كمصدر في المجمع العلمي العراقي.
وتتكون الابجدية المندائية من أثنين وعشرين حرفاً تكتب من اليمين الى اليسار. وبسبب اقتصارها على المراسيم الدينية فقد بقيت مفرداتها محدودة.
المعتقدات
يقوم جوهر الديانة الصابئية المندائية على أن الله واحد انبعث من ذاته وانبعثت الحياة من لدنه.. ومن اركان الديانة المندائية:
التوحيد: حيث جاء في افتتاحية الكتاب المقدس كنزاربا، الصفحة الاولى- مبارك اسمه..
باسم الحي العظيم (سبحانك ربي العظيم. اسبحك بقلب طاهر ايها الحي العظيم المتميز عن عوالم النور- الغني من كل شيء- الغني فوق كل شيء نسألك الشفاء والظفر وهداية الجنان وهداية السمع واللسان.. ونسألك الرحمة والغفران امين ياربنا - يارب العالمين.
وعلى اساس ماجاء في كتبهم الدينية المقدسة فأن الصابئة المندائيين يعتقدون برب عظيم خالق للكائنات الروحية والمادية.. وكذلك الاعتقاد بان النفس في الجسم يجب ان تعود الى خالقها في عالم الانوار بعد موتها.
وهذه دلالة على وحدانية الدين المندائي
التعميد:
الصباغة-(صبغة الله)
ويعتبر الركن الاساسي وهو فرض واجب على كل صابئي مندائي ويهدف الى فتح باب الخلاص والتوبة وغسل الذنوب والخطايا والتقرب الى الله. ويتم هذا الطقس في الماء الجاري (اليردنا) ويكون يوم الاحد على رأس الايام المقدسة لأن الله بدأ الخلق فيه. والتعمد بدأ في عوالم النور العليا حيث تعمدت الملائكة وأنزل الى الارض عن طريق الملاك جبريل الرسول (هيبل زيوا) حيث قام ليتعمد ادم وحواء ثم اصبح سنة لآدم وذريته من بعده.
ومن مستلزمات التعميد في الديانة الصابئية:
أ- الماء الجاري-ماء الحياة (مياهيا) واكليل الريحان والآس وهما يرمزان الى الحياة وطيبها.
ب- الملابس الدينية الخاصة (رستا) وهي ملابس قطنية او من الكتان الابيض ويرمز اللون الابيض الى الطهارة والنور يرتديها رجل الدين والشخص المتعمد بعد أن ينزع كل قطعة من ملابسه الاعتيادية.
ج- اشياء تمثل حاجات الانسان البدائية وهي طبق من الطين (طريانا) وكوب ماء وأناء لوضع البخور وراية بيضاء حول خشبة مصنوعة على هيئة علامة (+) وترمز الى راية السلام (شيشلام) والمعروفة في اوساط كثيرة (الدرفش).
وخطوات التعميد تبدأ بالنزول الى الماء والغطس فيه والارتسام مع ذكر اسم الله تعالى وشرب شيء منه بعد ذلك يتبادل المعمد نعمة الخبز ومعها شيء من الماء ثم يختتم رجل الدين التعميد بأن اليد اليمنى على رأس المتعمد ويقوم بعدها بالمصافحة لاداء يمين الحق.
ويعطى للمتعمد الاسم الديني (الملواشة) التي ترافقه حتى نهاية الحياة..وبعد مجموعة من التراتيل الدينية الخاصة ومنها اتيت الى الماء بارادة الله وارادتي. الماء الذي يهيئ القوة نزلت الى الماء واصطبغت وتقبلت الرسم الزكي وارتديت ملابس النور واحكمت اكليل الورد الغض برأسي وذكرت اسم الله العظيم علي.

نشرت في تاريخ
الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013 09:18

ألامة المندائية

هذه هي قصة أمتنا . كان الصابئة ، وهم الأبناء الحقيقيون لأدم *1 بغرا *2 وحواء كاسيا ، يعيشون في سيرانديب (سيلان) قبل 250 ألف عام . وقضى الوباء عليهم جميعاً عدا زوجين هما رام ورود . وأصبح لهما أبناء وبنات تكاثروا بدورهم حتى كثروا أخيراً وكونوا العنصر البشري. ولكن بعد 150 ألف عام، وبأمر من*3 (هيبل) زيوا، اندلعت ألسنة اللهب في الأرض كلها ونجا اثنان فقط وهما شوربي وشرهبيل . وكان لهما أبناء وبنات ، وتكاثروا فأصبحوا شعباً مرة أخرى .هذا كله حدث في سيرانديب . وبعد 100 ألف عام جاء أمر من بيت الحي إلى نوح ، وذلك قبل ثلاثمائة عام من الفيضان ، قائلاً "ابن فلكا (كيوالا) ، لأن العالم سوف تدمره المياه" ، فجيء بخشب الصندل من جبل حرّان ، وبُني الفلك بطول ثلاثين جاما ، وعرض ثلاثين جاما ، وارتفاع ثلاثين جاما، والجاما هو قياس بطول الذراع . وسأل نوح عن آية فقيل له عند ظهور الأنجارا في التنور (والأنجارا هي براعم خضراء من القصب الغض) فستكون تلك هي الآية . وبعد مضي ثلاثمائة عام ، كانت زوجة سام, وكنة نوح, تخرج القصب الملتهب من التنور ، وكانت على وشك وضع خبزها فيه حين رأت في وسط النار, أنجارا خضراء نابتة ، فقطعتها وأعطتها لنوح ، وعندما نظر إليها بدأت روحه تتوثب في داخله .
جاء نوح بزوج من كل الحيوانات ، حتى البرية منها, كالأسود والأرانب ، ودفعهم داخل الفلك ودخل هو وكنته في الفلك . أما سام فكان في البرية يرعى غنمه . فادلهمت السماء بالغيوم وظلت تمطر لاثني وأربعين يوماً وليلة ، وهطل المطر من السماء وارتفع منسوب مياه الأرض . وساق سام أغنامه إلى الجبال لكنها غرقت مع كل الأشياء الحية الأخرى . استطاع سام أن يصل إلى الفلك ، ولأنه كان مغلقاً صعد على سطحه ، وهناك كان هيول زيوا يمنحه الأكل في أوقات الوجبات . وكان الفلك يترنح فوق الماء هنا وهناك لأحد عشر شهراً . ولم يكن هناك شيء سوى الماء ، والشيء الوحيد المنظور فوق المياه كان الفلك . وكانت الجبال ، والأوطان ، والمدن كلها مغطية . وأخيراً جاءت الرياح بالفلك بالقرب من مصر ، وتوقف هناك . وعندما أدرك نوح بأن منسوب المياه قد انخفض أرسل الغراب قائلاً له "اذهب ، وتجول طائراً ، وائتني بأنباء الدنيا " ، فطار الغراب ، ولكن عندما رأى جثة تطوف فوق الماء نسي كلمات نوح وبدأ يأكل منها . وانتظر نوح وأخيراً عندما لم يعد الغراب أطلق حمامة. وطارت فرأت الغراب يأكل من الجثة ، وكذلك رأت شجرة زيتون خضراء تنمو فوق الماء ، فأخذت غصناً منها في منقارها، وعادت إلى نوح ومنحته إياه . فقبّلها وفتح الباب وخرج من الفلك بصحبة كنته ، ورأيا ساما جالساً على سطح الفلك . فنادى نوح ابنه قائلاً "اهبط ! أنا أبوك وهذه هي زوجتك" فهبط سام وعانق زوجته ووالده ، وشكر بيت الحي لسلامتهم وصحتهم . ثم خرج وبنى بيتاً من الطين ليعيشوا فيه ، بينما ذهب نوح يتجول في الأرض ليستمتع بمشاهدها، يتمشى فيها ويستعيد صحته . وجاءت روهه فرأت نوحاً وادعت ظهور زوجته .
ألقت عليه التحية وقالت "أنا زوجتك أنهورايتا!" فأخذها وحبلت منه وأنجبت ثلاثة أبناء هم ، حام ، ويام ، ويافث . وهؤلاء هم أسلاف العناصر البشرية ، فأصبح حام أباً للجنس الأسود ويام أباً للأمم البيضاء وإبراهيم واليهود ، ويافث أباً للغجر. أما سام وزوجته أنهار فهم أسلاف المندائيين . وبعد مضي ستة آلاف عام فقد بنى البيت المقدس (أورشليم) القدس . وفي القدس أشركت *4 روهة في ملكها موسى من بني إسرائيل . وكان موسى ضد المندائيين وظل يخاصمهم في مصر . وكانت لأردوان (أردبان) الملك المندائي رؤية ، وسمع صوتاً قادماً من بيت الحي قائلاً: "قم واخرج من هذا المكان من أجل صحتك وراحتك" فقام وأخذ المندائيين معه وخرجوا من مصر ، وجاءوا إلى البحر الذي أنفلق تاركا طريقاً تحفه جبالاً من المياه على الجانبين ، وهكذا خرجوا من مصر . وبقي فروخ ملكا، شقيق أردوان ملكا، في مصر يحارب اليهود هناك حتى حاصروه وهزموه فهرب. وعندما رأى بأن طريق البحر ما زال مفتوحاً ، ذهب هو وشعبه خلاله، ولكن عندما بلغوا منتصف البحر أطبقت عليهم جبال المياه فغرقوا جميعاً.


أما أردوان ملكا ومعه ستين ألفاً من المندائيين ظلوا يسافرون ويسافرون حتى وصلوا أخيراً إلى طور ماداي ، وانفتح أمامهم الجبل ، لأنه كان عالياً وكبيراً وصعب الاجتياز ، فدخلوا عليه وذهبوا خلفه . فانغلق مرة أخرى فقال هيبل زيوا إلى أردبان ملكا "ابق هنا مع المندائيين، ولن تدور عليك الاثنتا عشر (علامات البروج) والسبعة (كواكب)" . وطاردهم موسى ، وعندما وصل طور ماداي لم يستطع الاستمرار فعاد وذهب إلى أورشليم .


وعاش اليهود هناك حتى أنجبت إينشوي يحيى (يوحنا المعمدان). وكان زكريا *5 وإينشبي كلاهما قد تقدم بهما العمر الآن ، وحدث هكذا : فبعد أن شربت إينشوي الماء حبلت منه . ورأى أحد اليهود في منامه بأن زكريا سوف يصبح أباً ، وأن ابنه سوف يصبح نبياً ، وانتظروا ليقتلوا يحيى . وبعد تسعة أشهر ، وتسعة أسابيع ، وتسع ساعات ، وتسع دقائق ، أنجبت إينوشوي ابنها ، فجاء*6 أنوش ـ أثرا وأخذ الطفل *7 وحمله إلى فرات ـ زيوا (وهو نهر في السماء توأم نهر الفرات في الأرض) ووضعه تحت شجرة كانت تحمل فاكهة تشبه حلمة الثدي . وكان يحيى يرضع من حليبها لثلاثين يوماً ، وأرسل أنوش ـ أثرا امرأة اسمها *8 صوفان لوليثا لترعاه . وفي يومه الحادي والثلاثين جاء أثرا ليعمده في نهر الأردن . وعلمه ا ، ب ، كـَ ، وأتاه بكتاب الأرواح (سيدرة أدنشماثا) ووضعه بين يديه ، وعلمه أن يقرأه ويتلوه . وعلمه كل سبل بيت الحي . وعندما بلغ سن الواحد والعشرين جاء أثرا إلى يحيى ليجعله ترميدا . فعلموه جميع الطقوس الإيمانية وأمروه ليرافق أنوش ـ أثرا إلى أورشليم ، ليصبح يحيى نبياً هناك . فجاءوا بسفينة (بيلوم) وسافر كلاهما، وذهبا فجاءا عبر نهر الأردن إلى أورشليم .
وعند وصولهما هتف أنوش أثرا بصوت عال قائلاً : " إن كان في هذا المكان أحد قد أضاع طفلاً ، دعه يأتي ويطالب بحقه!" . وسمعت خادمة إينشوي ذلك ، ولاحظت الأوصاف فعادت إلى سيدتها حاملة الخبر ، وقالت "إن عينيه تشبه عيني إينشوي، ووجهه يشبه وجه زكريا" . وكانت إينشوي قد بلغت الثمانين من العمر ولم تعد تحيض إلاَّ أنها كانت نظيفة وطاهرة . وكان زكريا أيضاً قد طعن في السن . وعندما قالت الخادمة "رأيت فتى يشبهكما يجلس على سفينة في النهر ، قامت إينشوي ، وفي أوج فرحتها سارت باتجاه النهر .
فجاءت إينشبي إلى يحيى في النهر ، وأسرعت بالدخول في الماء حتى بلغ صدرها ثم إلى حلقها ، فضمها يحيى إليه وقبَّلها . فوبخه أنوش أثرا قائلاً : "لماذا قبلت هذه المرأة ؟ هذا سلوك مرفوض ، فلماذا فعلته؟" أجاب يحيى "عفوك سيدي ، إنها والدتي ، الحي ، وضعني لتسعة أشهر في رحم هذه المرأة. وكنت أنام بخفة في رحمها ، لأنني أحببتها . إنها أمي ، ويتوق قلب كل ابن إلى والدته!" . فقال أنوش أثرا "نعم ، هذا صحيح ، فالرجل يجب أن يُكرِّم والديه!" .
وعندها دخل يحيى أورشليم . وكان يبرئ الأعمى والمريض ، وجعل الكسيح يسير . فغضب الرهبان وجاءوا إلى يحيى وأمروه بأن يترك المدينة فوراً . رفض يحيى أن يذهب وتحداهم قائلاً : " ائتوا بالسيوف وقطِّعوني إرباً ، تعالوا بالنار وأحرقوني ، أو الماء فأغرقوني!" فرد عليه الرهبان "نحن نعلم أن السيوف لا تقطِّعك، ولا النار تحرقك, ولا الماء يغرقك" وعندما بدأ يحيى بقراءة كتابه كنـزا رباَّ ، نطقت عصافير الهواء تُمجِّد الحي، وفتحت الأسماك أفواهها تُعظِّم مندادهيي .
راوي القصة رجل دين مندائي من إيران قام بروايتها امام الباحثة الانكليزية الليدي دراور التي اهتمت بالديانة المندائية اهتماما كبيرا منذ العشرينيات من القرن الماضي والتي جعلت من بحوثها عن هذه الديانة نبراسا انار طريق الباحثين من بعدها وقمت انا بدوري بعد الاطلاع على هذه الشذرات من كتبنا الدينية والتي صيغت بصيغة ادبية بديعة قمت بترجمتها الى اللغة العربية لان بها ترابط زمني متسلسل يفيد المندائي ،مع التنويه الى ان اغلب ما جاء في القصة اعلاه هو من صلب الكتب الدينية المندائية مثل "دراشا اد يهيا وكَنزا ربا وهران كَويثا .

ملاحضات المترجم الى العربية:
1• آدم بغرا : هو أبونا آدم الجسد ، ونقول بغرا وذلك لتميزه عن آدم كسيا أي آدم الروح وهو موجود في عالم مشوني كُشطا .
2• هوة كسيا : هي حواء الروح وهي زوجة ادم كسيا وليس ابينا ادم الجسد (ادم بغرا).
3• هيبل زيوا : هو ملاك الرب جبريل "مبارك اسمه " .
4. روهة : هي روح الشر.
5. إينشبي : هي ام النبي يهيا يهانا مبارك اسمه وزوجة زكريا ويقابله بالعربية (اليصابات) .
6. انوش ـ اثرا وهو آحد ملائكة الرب وهو احد ابناء ادم كسيا الذين اوكلهم الرب لرعاية العالم وهو الذي علم ابونا ادم وامنا حواء في بداية الخلق.
7. في هذا المقطع يوجد قليل من الاختلاف وهو وكما جاء في دراشا اد يهيا وهران كَويثا ان الملاك انوش اثرا اوكل احد الارواح وهي صوفاني بأخذ المولود الجديد الى جبل بروان وهو الحبل الابيض حيث هُيأة له احد الاشجار المقدسة والتي اسمها (إلانا اد ماربي يانفي) الشجرة المرضعة للاطفال.
8. صوفان لوليثا : هي احد الارواح الخيرة التي اوكلت اليها مهمة رعاية النبي يهيا يهانا مبارك اسمه.

نشرت في تاريخ
الأحد, 03 آذار/مارس 2013 13:07

من تاريخ التآخي العراقي

الشريف الرضي وأ بو اسحق الصابي،
صداقة خـلـّدهـا التاريخ

الصداقة والمصادقة لغة تعني المخالة، والخليل صديق. والصداقة تدخل في باب الصدق وترتبط به بل ومنه تشتق. ولا شك أن الصدق ضد الكذب فيكون منشأ الصداقة تأسيسها على الصدق والتصديق قولاً وفعلاً، سراً وجهراً، حقاً وإحقاقاً. ومن الصداقة التصدق والصداق وكل ما يحمل إيجاب المعاني من صفات حسنة يرجى منها وبها إقامة العلائق على المودّة والرعاية والإيثار وحمل الأوزار والتلذذ بالمشاركة في الطيبات، والمواساة في تحمّل النازلات، ومبعثاً للسلوى وعوناً على البلوى.. فعـّدت هذه الصفة من أفضل الصفات الحميدة المرغوبة والمطلوبة، بل ومعياراً من معايير الحكم على الأفراد والشعوب والأمم. ُكتبت حولها القصص ونظمت فيها الأشعار وضربت لها وبهاألأمثال. ومع أن مآثر الصداقات موجودة عبر الزمن، فإن الصداقات التي وثقها التأريخ بكثرة أحداثها وعِبر مآثرها معدودة. ومن الصداقات التي ُتذكر في التراث العربي تلك التي قامت بين الإمام أبو الحسن الموسوي الشريف الرضي وأبو إسحق أبراهيم بن هلال الصابي. لقد إستوقفتنا هذه الصداقة في معانيها وقيمها ومآثرها ؛ ذلك أن وقائعها قد وّثقت في الكثير من جوانبها شعراً ونثراً لأديبين متقدمين ومبرزين في صناعتهما وعلو شأنهما. كما أنها إستوقفت الكثيرين إعتباراً وعبراً، ذوقاً وتذوقاً، شهادةً وإستشهاداً. غَمط حقها البعض مدخلا ً للنيل من قيمة الصديقين، وأعلى شأنها بل وإقتدى بها من َسمت نفسه الى القيم ألفضلى.
بُنيت صداقة الشريف الرضي وأبو إسحق الصابي على روح المحبة والإيثار والسماحة والفضل الذي ناسب بين الصديقين والذي كتب لصداقتهما أن تعيش بعمرهما ويبقى ذكرها مقرونا بإسميهما، فإستحقت الوقوف عندها إستجلاء لما كان أثناءها وبعدها فيما تميزت به من خصال وما جعلها تذكرعند المثال. ومن ذاك:
1- أنها لم تقم على تقارب في السن بين الشريف الرضي وأبو إسحق، فالأول شاب في مقتبل العمروالثاني كبير السن. فما جمع إذن هو هذا التقدير المتبادل لما يملكه الإثنان من طباع مشتركة ولغة متناسبة وعلو شأن وأهليّة لم يساعد الزمان على أن تأخذ موقعها. ولذا يخاطب الشريف الرضي صديقه بقوله: "... أني ومثلك معوز الميلاد". ولقد تفوقت علاقة الصداقة بين الإثنين على موجبات فارق السن فترى أبا إسحق، وهو في شيخوخته، يعتذر للشريف الرضي حين لا يستطيع زيارته المعتادة والمتبادلة فيقول:
أقعدتــــنا زمانـــةٌ وزمـــــــــــــانُ جــائرٌ عــن قضاء حــق الشريفِ
والفتى ذو الشباب يبسط في التقـ صير عُذر الشيخ العليل الضعيف
ويأتي رد الشريف الرضي مبرزاً قيمة صداقتهما وعمقها، بل وطيب أصل ومنبع الرضي وتربيته التي إنسحبت للصابي والتي يرى في ملزماتها ما يراه الفتى الصالح لأبيه، فيقول مجيباً الصابي مرةً:
ولو أنّ لي يومــاً على الدهر إمرةً وكان ليّ العدوى على الحدثــــان
خلعتُ على عطفيك بُرد شبيبتـــي جَواداً بعمري وإقتبال زمـــــــاني
وحَمّلتُ ثقل الشيب عنك مفــارقي وإن فَلّ من غربي وغضّ عنـاني
ونابَ طويلاً عنك في كُل عـارضٍ بخطٍ وخطوٍ أخمصي وبنـــــانـي

أيُ محبةٍ إذن وأي فادٍ وأي صداقة تفتدى. إنها ـ لا شك ـ توامق ألروحين.

2- إختلاف ديانة الصديقين. فالشريف الرضي هو أبو الحسن محمد بن الحسين النقيب الموسوي الممتد نسبه الى الرسول محمد(ص). وأبو إسحق هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حيون من الصابئين الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في سورة البقرة والحج والمائدة بإعتبارهم من الموحدين وذوي الكتاب. ومقابل نسب الشريف الرضي كان إلتزام الصابي بديانته حسبما يُذكر، فقد عرض عليه عز الدولة بختيار البويهي الوزارة إن أسلم، لكنه بقي على ديانته. لم تجمع بين الصديقين إذاً عُصبة الدين، وبالمقابل فإنهما قـّدما الدرس الطيب في الإحترام المتبادل كلٌ لعقيدة الآخر طالما أن الجامع هو الإيمان بالله وتوحيده. وكان وعي الصديقين لهذا الأمر عالياً وتحملا كل ما يمكن أن يكون سهما ً للنيل من هذه الصداقة من هذا المدخل. بل أن هذا الأمر كان درساً في التسامح والتواد والدليل على أن السمات المشتركة التي يبنى عليها التقارب والتواد يمكن أن تتخطى عصبة الدين على أن لا تخالفه. وتقدير الصديقين لهذا الأمر كان بارزاً. تأمل ما يقوله الصابي عارفاً ومقيًماً نسب الشريف الرضي، بل وأحقيته في الخلافة :

ألا أبلغا فرعــاً نمَتهُ عُروقـــهُ الى كل ســام ٍ للمفاخــر بــانِ
محمّداً المحمــود من آل أحمـد أبا كل بكـر في العُلى وعوان

وقوله:
أبا حسن لي في الرجالِ فراسةٌ تعودتُ منها أن تقولَ فتصدقـا
وقد خبرتني عنك أنّك مـــــاجدٌ سترقى من العليا أبعـد مرتقى
فوفيتك التعظيم قبل أوانـــــــــه وقلت أطال الله للسيـد البقـــــا

ويرى الشريف الرضي في الفضل الذي ناسب بين الصديقين أساس الأسس وهو بذلك يرد على من قلل من قيمة أساس تلك الصداقة، فيقول في مرثيته العصماء للصابي:

الفضـــل ناسب بينــنا إن لم يكـن شرفي مــناسبه ولا ميـــلادي
إِلا تــكن من أُســرتي وعشـائري فلأنت أعلـقهم يــداً بــــودادي
أو لا تكن عالي الأصول فقد وفى عِظــمُ الجدود بسؤدد الأجــداد

وقوله:

مَن مبلغ لي أبـــا إسحاق مألــكةً عن حنو قلبً سليم الســرِ والعلـــــن ِ
جرى الوداد له مني وإن بعُــدت منّا العلآئقُ مجرى الماء في الغُصن
لقد توامــــقَ قلبانــــا كأنهمــــــا تراضعا بــــدم الأحشــاء لا اللبــــن

3- كانت صداقة بين رأسين في صنعة واحدة، تلك هي صناعة الأدب شعراً ونثراً. وغالبا ما يجُر التقدم في الصنعة صاحبها الى التنافس مع من هو رأس فيها. والأمثلة في هذا المجال كثيرة أوضحها ما كان بين الشاعرين جرير والفرزدق. الا ّ أننا نجد أن ما جمع بين الشريف الرضي وأبي إسحق كان كبيرا في جملة أمور، بل إن علو شأنهما في الأدب كان يصب في بحر صداقتهما ليزيدها عمقاً وإتساعاً وديمومة. وكان من قيمة الصداقة أن يسعى كل منهما لدى الآخر في صنعته كي يقتني قينةً منه. فهذا الشريف الرضي ينفذ ُ رُقعاً لأبي إسحق يسأله فيها إنشاء عهد له يقدمه للخليفة العباسي الطائع لله في أمر نقابة الطالبيين يوضح أغراض العهد بكلام بهي. ويتعهد الصابي أن يُنشأ عن الشريف الرضي وبلسانه. وإذ يُنفّذ الصابي ما يطلبه الرضي يقدمه متواضعا وهو يقول له في أمر ما طلب: ". . والله يا سيدي لو كتبت أنت ما إستكتبتنيه، وكفيت نفسك ما إستكفيتنيه، لكنت أجرأ مني يداً ولساناً، وأطول شأواً وميدانا وأكثر إصابة وإحساناً..". ويكتب الصابي مرة أخرى مجيباً الرضي بعد أن إستجاب لطلب آخر في إنشاء رقعة أخرى للخليفة الطائع لله ".. ولولا تخوفي من مخالفة مراسمه وتحرجي من الوقوف عن أوامره لما أجبت الى هذه الحال علماً مني بأنه، أدام الله تأييده، إذا تولاها بنفسه ورماها بالعفو من هاجسه كان أفرس مني على حصانها، وأحذق بتصريف عنانها.."
لقد قدم لنا الشريف الرضي الدرس في تذوق صنعته بيد غيره والإنشاء عنه بلسان غير لسانه وهو المتصرف باللغة ومعانيها وبلاغتها، بل إنه غدا يتفاءل بكتابة الصابي في ما كان يطلب أن يصيب عند الخليفة وفي ذلك يقول للصابي: ".. وقد كان، أدام الله تأييده، تفضل بإنشاء العهد الذي سألته إنشاءه بتقليد النقابة وتجديد الولاية، وكان عهداً ميمون النقيبة مبارك الشيمة، لأن الأمر الذي أ ُلتمس له إنتجز سريعاً، وإنقاد مطيعاً..". وبالمقابل فإن أبا إسحق حين يكتب مقطوعات من الشعر في السر وحفظه، فإنه يرسل ما كتب الى الشريف الرضي يسأله أن يحكم فيها. . وحين يأتيه جواب الرضي يفرح به كثيراً فيكتب له ".. فلو استطعت أن أٍسعى الى أنامله (أي أنامل الشريف الرضي) التي سطّرت تلك البدائع، ورصفت تلك الجواهر لفعلت مسارعا حتى أودعهن عن كل حرف قبلة.. إذ كنّ للفضائل معادن وللمحاسن مكامن".
4- إنها صداقة غير مبنية على مصالح ذاتية. فالشريف الرضي سيد قومه، نقيب الطالبيين والناظر في مصالح المساجد والتسيير بالحجيج في أيام المواسم. وأبو إسحق الصابي صاحب ديوان الإنشاء وصانع الكلام الذي ذاع صيته وأصبح نادرة زمانه في البلاغة وعلو مكانته الى الحد الذي طُلب الى الوزارة لولا تمنعه. وهو القائل:

ولي فِقرٌ تضحى الملوك فقيـــرة اليها لدى إحداثها حين تطـرقُ
أردُّ بها رأس الجمــــوح فينثنـي وأجعلها سوط الحـرون فيُعتق

ويؤيده الشريف الرضي بذلك تماما حين يرثيه بإعتماد معنى هذين البيتين حين يقول:
فِقرٌ بها تُمسي الملوك فقيــــــرةً أبداً الى مبــداً لهـــــا ومعــــادِ
وتكون سوطــا للحرون إذا ونى وعنانَ عُنق الجامح المتمادي

إذن، ما جمع بين الصديقين كان أسمى من أية مصلحة سائلة، وأرقى من ذاتيات زائلة قد تهدد كيان هذه الصداقة في حال قلتها أو عدم تحققها، بل يمكن أن تكون مدخلاً للنيل منها بالرغبة أو الغلبة.. وكان ذاك وراء أن تدوم هذه الصداقة رغم تقلب الأحوال وبخاصة بعد النكبة التي تعرض لها الصابي في عهد عضد الدولة، وما ذاك الاّ لأن بناءها كان على أُسس روحية متينة وغير طمعية المقصد. تأمل مخاطبة الشريف الرضي للصابي لتقف على ما ذهبنا اليه في أخائهما:

أخاء تساوى فيه أنساً وإلفــــــــةً رضيعُ صفاء أو رضيع لِبـــــــــان
تمازج قلبـــانا مــــــزاج أخــــوة وكلُ طلـــوبي غايــــةً أخـــــــوان
وغيــرك ينبـو عنه طرفي مجانبا وأن كــان منــي الأقربَ المتــداني
وربَّ قريبً بالعـــداوة شاحـــــط وربَّ بعيــــدً بالمــــــــــــودة داني

بل أنظر كيف يرى الشريف بصديقه السلو عن آخرين لما وجده من إجحاف أو مصلحيّة، فيقول:

فلولا أبو أسحــاق قــل تشبثــي بخــلٍ وضربي عنـــده بجــــران
هو اللافتي عن ذا الزمان وأهله بشيمـــــة لا وان ِ ولا متـــــواني

وهو الذي يجيب الصابي رداً على تهنئة الأخير له بعيد الفطر".. وتهنأت به دون التهاني كلها ووعدته أمام المسار بأجمعها، علماً أنّ دعاءهُ، أدام عزه، لي وتهنئته إياي يصدران عن قلب غير متقلب وود غير متشعب.. وإلى الله أرغب في إيناسي ببقائه، وصلة جناحي أبداً بأخائه. . والشوق يجذبني اليه كما يجذبه اليّ، والنزاع يهفو بي نحوه كما يهفو به نحوي.. ولم لا وقد وضعنا قدمينا في قبال واحد، وإستهمنا في طارف من الأدب تالد، ووالله إنني لأتمنى أن ينفرج له صدري إنفراجةً فيرى فيه مكانه المكين ووده المصون، اللذين لا يشاركه فيهما مشارك ولا يملك موضعه منهما مالك."

5- إنها صداقة دامت ردحها على مدى حياة الصديقين دون أن تشوبها شائبة أو تعيبها عائبة، وهي قد إمتدت طويلاً حتى وافى الصابي الأجل قبل صديقه. ولم يفسح رجحان عقلي الصديقين المجال أمام أية محاولة للنيل من هذه الصداقة أو تعطيلها، فقد إمتدت متبادلة بروح سماحة وتبادل مجالسة ومخاطبة. فمع إنشغال الشريف الرضي تجده يتوق لمجالسة صديقه. وإن تأخر فما أجمل إعتذاره حين يقول: " إذا كانت القلوب، أطال الله بقاء سيدي الشيخ وأدام عزه وتأييده وسعادته ونعمته، تتناجى بالمِقة، والعيون تتلاحظ عن محض المودة والثقة، والباطن في الصفاء يُصّدق العالن، والخافي في الوفاء يحقق الظاهر، أُلغيت المعاذير بالعوائق التي تعوق عن المزاورة، والحواجز التي تحجز عن المواصلة، وأُعتمد على صفاء النيّات، وصحيح أديم الطويات. وكان الواحد منا في الزورة التي ينتهز فرصتها ويهتبل غرتها غير مشكور ولا محمود.. وهذه جملةٌ تنوب عن التفصيل، وقليل يكفي مؤونة التكثير، في العذر لتأخري عن حضرته، وقضاء ما يجب عليّ من حقه..".
وتتناغم إجابة الصابي لرسالة صديقه بمشاعر يفيض ماء رونقها وتتعطر الأجواء بعبيق رحيقها، وتحفظ لهما البلاغة حسن الصنعة بما يحق علينا أن نشيد في كل ما نقول ونعيد. يكتب الصابي:" وصلت رقعة سيدنا الشريف النقيب، بادئة بالفضل والتفضل، وسابقة الى الكرم والتطول، ولولا العلة التي قد أخذت بمخنقي وجثمت على مدارج نفسي، لما أخللت بقصد حضرته والمواظبة على خدمته، فالله سبحانه يعلم أن عيني ما تكتحل بغرة هي أعز عليّ من غرته، ولقد أهدى اليّ يوم تجشمه العناء الى داره التي أنا ساكنه فيها بمشاهدة ضياء وجهه ومناسمة شريف خلقه، تحفةً لا يكاد الزمان يسمح لي بمثلها، ولا يمكنني من إهتبال غرتها..".
6- عمق هذه الصداقة وتعدد أبعادها وشموليتها إدراكا بأنها مؤسسة على قيم الأصالة وشيم الصدق والعدالة وكانت دعائمها عديدة حتى في هموم الدنيا وجور الزمان فلا يتحرج الصابي من شكواه لصديقه ما فعل الزمان به حين يقول:
قد كنت أخطو فصرت أمطــــــو وزاد ضعفي فصرت أُعطـــــو
خانت عهودي يـدي ورجلـــــي فليس خطـــوٌ وليس خـــــــــطُ
هاتيك حالي فهــــــل لعـــــذري إذا تأخــرت عنـــــك بســـــــط

ويظل الصابي يتوق لرؤية صديقه حتى أيامه الأخيرة، إذ يذكر الثعالبي في يتيمة الدهر أن قصيدة أبا إسحق للشريف الرضي التي مطلعها " أبا كل شيء قيل في وصفه حسن.." بينها وبين وفاة الصابي إثنا عشر يوماً، ولعلها آخر أشعاره. وبهذا فإنه يختم بلاغته بمناجاة صديقه وفيها يقول:
أقيك الردئ ليس القِلى عنك مُقعــدي ولـــــكن دهانـــي بالزمـانـــة ذا الــزمن
فإن تنأ عنك الدار فالذكر مــا نــــاى وإن بان مني الشخــص فالشوق لم يبن
وإن طال عهـد الإلتقــــاء فــدونـــــه عهــود عليهـــا من رعــايتنـــا جُنــــــن
وبحقوق تلك الصداقة وإخائها، فإن أبا اسحق لا يتوانى، بعد أن أدرك قرب منيته، في أن يوصي الشريف الرضي بأهله وبنيه، وما ذاك الاّ إدراكا لإيفاء الرضي وصيانته لحقوق الصداقة وطيب العلاقة وأن يجد الصابي في صديقه أفضل الذخر الذي يذخره لخلفه فيوصيـــه:
هو الأجل المحـــتوم لي جَــد جِـدهُ وكــــان يــــــــُريني غفلــة المتـــواني
هنالك فاحفظ في بنــــيّ أذمتــــــي وذد عنهُـــم روعــات كـــــل زمـــــان
فإني أعتـــدّ المــودّة منــك لـــــــي حُسامــا بــه يقضون فــي الحــدثــــان
ذخرت لهــم منــك السجــايا وإنهـا لأَنفـــــــع مــــــــمّا يــذخر الأ بــــوان

وتجد الوصية كل القبول والإمتثال من قبل الشريف الرضي فيتعهد لصديقه الصابي ويقول:

وإنك ما إسترعيت مني سوى فتـىً ضمومٍ على رعي الأمــانة حـــان
حفيظٍ إذا ما ضيّــع المــرء قومـــه وفي ٍ إذا مــا خـــــُوّن العضــــدان

7- إنها صداقة وإن إنقطعت بين الإثنين بوفاة الصابي، فإن وصلها قد دام على حياة الشريف الرضي في عهده وتعهده لها. وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه من إنها قائمة على خلوص السريرة وسمو الروح بالطباع الأميرة والحاجة للصديق الصدوق بديلاً عن عشيرة. ولا يبالي الشريف الرضي حين يرثي صديقه نثراً و يقول: ".. والى الله أشكو دهراً حال دونه وقطّع ما بيني وبينه، وأفردني عنه إفراد الأُم عن جنينها والشمال عن يمينها.. إن فقده أعرى ظهري على كثرة حُماتي وأنصاري، وأوحدني على أقاربي وعشائري..". وإذ نجد أن لا حاجة للشريف الرضي بأبي إسحق في صنعته أو بمركزه أو بنسبه أو بكثرة أتباعه؛ الاّ أن حاجة النفس الى الصفاء والنقاء وإقرار القدرات والإمكانات وتذوق الأصالة والإبتكار بل وإدراك أن الإثنين خانتهما الدنيا في أن يحتلا موقعهما المطلوب كل في سمو مكانته، كان كل ذلك وراء تقارب مبني على أسس مشتركة غير مادية. وخير ما يصف ذلك قول الشريف الرضي :" وبعد، فبيننا- يقصد هو والصابي- من مناسبة الخلائق ومشاكلة الطبائع، ثم من المودّة التي ألّفت بين شخصينا وضربت برواقها علينا، وما كنا نتهاداه من ألطاف الفضائل ونتشاراه من أعلاق المناقب ما يعذرني أن أفرط جزعي لفقده وإنكشف بالي من بعده..".
وحمداً لله إن وفاة الصابي كانت قبل وفاة صديقه ليُرزق الأدب بمرثية للشريف الرضي في صديقه يصفها الثعالبي بأنها " قصيدة فريدة أفصح بها بُعد شأوه في الشعر وعلو محله في كرم العهد، وقد تميزت بحسن ديباجتها وكثرة رونقها وجودة ألفاظها ومعانيها". وقد تـّوج الشريف الرضي بهذه القصيدة الصداقة التي ربطته بأبي إسحق فكانت بحق مأثرة تَغنّى بقيمها ومعانيها وألفاظها الكثيرون، ولا شك أن الجميع يذكر إستهلالها:

أعلمتَ مَن حمـــلوا على الأعــــــواد؟ أرأيت كـــيف خبــا ضياء النـادي؟
جبلٌ هـوى لو خــرَّ في البــر إغتـدى مـــــــن وقعــه متتــابع الأزبــــاد
هـــذا أبو إسحـــــــق يغلق رهنـــــــه هـــل ذائـــد أو مــانع أو فـــــــادي
إن الدمــوع عليــك غيـــر بخيلـــــــةٍ والقلب بالسلــــوان غيـــرُ جــــواد
ياليــت أني ما إقتنيــتك صـــاحبــــــاً كــم قنيــــةٍ جلبت أسـىً لفــــؤادي

بل ويؤكد الشريف الرضي لمن عتب عليه بمبالغة الرثاء بأن أبا إسحق" الأحق من كل أحد بقولي فيه في المرثية التي رثيته بها وهي من المراثي الأعيان والأشعارالأعلام":
ولقد كبــا طيفُ الرقــاد بناظــــــري أسفــاً علـــيك فـــلا لـَعــا لرُقــــادي
ثكلتك أرضٌ لــم تــلد لك ثانيـــــــــاً إنــــي ومثلــك معـــوز الميـــــــلاد
ضاقت عليّ الأرضُ بعـــدك كلـــها وتركتَ أضيقهـــا علـــيّ بـــــلادي

ولم تكن صداقة الشريف الرضي وأبو إسحق لتقف عند حد مرثية الأول الفاخرة، بل إن قيم الصداقة والعلاقة القائمة في القلب ظلت تحرك المشاعر فتفيض إرتجالاً. فها هو الشريف ينشد حين مر وإجتاز بقبر الصابي بمنطقة الجنينة من أرض كرخايا:
أيعـــــلم قــــبٌر بالجنينــة أنــنـــا أقمنا به ننعـى النَــدى والمعـــاليا
عطِفنا فحيينــا مساعيــه إنهـــــا عِظام المساعي لا العظام البوالـيا
نزلنا إليه عن ظهـور جيــادنــــا نكفكف بالأيدي الدمـوع الجواريا
أقول لركب رائحيـــن تعـرجـوا أُريكــم فيه فرعاً من المجد ذاويـا
ألا أيها القبــرُ الذي ضم لـــحده قضيباً على هام النوائب ماضيــا
هل إبن هلالٍ منذ أودى كعهدنـا هلالاً على ضوء المطـالع باقيــا؟

ويبقى الشريف الرضي يذكر صديقه بأحق الذكر، ويدلل على عمق الرابطة بالمشاعر النابضة. وحين يمر بعد عشر سنوات على قبر صديقه، ولا شك أنه دارس، فتثير فيه عهود الصداقة العواطف التي تفيض بداهة، وما أحلى ما ينشد:

لولا يذم الركبُ عندك موقفــــي حييتُ قــــبرك يا أبـــا أسحــــــق
كيف إشتياقك مُذ نأيت الــى أخ ٍ قلــق الضمـــير إلــيك بالأشــواق
أمضي وتعطفنـي اليـك نــوازع بتـــنفس ٍ كتـــــــنفس العشــــــاق
إن تمضِ فالمجد المُرجب خـالدٌ أو تـَفنَ فالكلــلمُ العِظــام بواقـــــي

لله درهما، فحلان من فحول الأدب، تلاقحت أصلاب قلميهما بالمودّة والصفاء، فضربا لنا أطيب المثل في معنى الصداقة والوفاء. تعلمنا منها دروس السماحة وكرم الود وذكر الفضل بما أوجب علينا- أحفاداً- أن نذكرالعهد بكل ما يُعتبر من حقوق تلك الصداقة بين الشريف الصديق والصديق الشريف، بمنحها ما تستحق من الإشادة قدر ما تمنحنا من أحاسيس الحب والفخر والسعادة.

المراجع
ـ الثعالبي، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر.
ـ ديوان الشريف الرضي.
ـ نسخ رسائل النظم والنثر بين الشريف الرضي وأبو إسحق الصابي.

نشرت في تاريخ
الخميس, 21 شباط/فبراير 2013 10:19

تاريخ المندائية بين المد والجزر

مدخل
تتعرض المندائية الان ...الى مايشبه الضبابية في كل شيء ، سواء من الداخل او من الخارج ، وهذا الضغط المتواتر من كلا الطرفين ادى الى تحويلها الى سديم هلامي ينبعج تاره ويتسطح تاره اخرى . ويتراءى الى الناظرآلاف الجسيمات التي لها قابلية الانفجار او الانشطار، منذرة بزوالها او تحويلها الى تكوين متكيف .

التراكمات الكمية
لدراسة متأنية في المسألة المندائية، نزولا الى جذورها يصبح الدارس في دوامات تأريخية ،اشبه ماتكون بضغوط هوائية على جسد التكوين، فالجسد المندائي ومنذ عصور سحيقة ،يتعرض الى طعون واصابات خارجية منها وداخلية ،وفقد الكثير من توازناته وحيثياته مما افقدنا الاتصال الصحيح بالمردودات التأريخية لنشأة المندائية وتطورها. وهذا ناتج من كثرة الاحداث والمآسي التأريخية التي اثرت بشكل مباشر على المندائية ،وجعلها اشبه بالارهاصات الفكرية ذات الطابع الحيداني .

مايشبه التأريخ
من دراستنا المستفيضة للتأريخ المندائي ودراسة النصوص المندائية باللغة الام .نلاحظ دلالات حيثية الى كثير من البقع التأريخية الموغلة بالقدم ،والتي تعاقبت عليها اجيال واجيال ،ولا يستطيع القارىء العادي او الغير متفهم للمندائية ان يفك رموزها. ان من الدلالات التي لاتقبل النقض ان المندائية قد نشأت في العالم القديم بمحيط واسع، نواته ارض مابين النهرين(بيت نهرين)، وامتدت اشعاعاتها الى الشمال والشرق والغرب. لقد عاش المندائيون زمنا طويلا قبل توالد السومرية وتواترها. ويمكن اعتبار السومرية هي الرد الرجعي الذي اصاب المندائية، او الهزال الذي اضعف الجسد المندائي آنذاك. فالسومرية هي بطبيعتها وثنية والمندائية موحدة- مستلهمة- للفكر وفكرة الاله الواحد .

ادت السومرية الى انحسار المندائية وانكماشها في جنوب بيت نهرين وشماله وعلى اطراف الفرات في حران (هران) وكذلك في شرق الاردن وفلسطين ومصر .
ان النتف التأريخية الواصلة الينا قد طمستها اقوام واقوام وكم هائل من الحروب والصراعات ، فمصر(مسرا) هي حدود الدولة المندائية واور، هي التواجد الطبيعي للمندائية امام هجرة ابراهيم الخليل 2700 سنة قبل الميلاد، وكذلك فلسطين اذ يذكر في التوراة –العهد القديم –الاصحاح الاول عن وجود ملك عادل- موحد- قد حكم في اورشليم واسمه بروخ ربا او المبارك العظيم وهذا مايوازي تواجد المندائية في ارض الرافدين اي 3500 قبل الميلاد . ولوا لملمنا كل الخيوط الواهنة التي نحصل عليها من هذه الشبكة المعقدة من التأريخ لرسمنا خارطة صحيحة عن التواجد الكثيف للمندائية في اور العراقية وحران شمالا مارين ببغداد (باك-دادا) التي كان يتواجد فيها اعداد غفيرة من المنادي (جمع مندي) بلغ حوالي 360 مندي (انظر حران كويثا –النسخة المندائية ) وغربا ارض فلسطين وحتى نجع حمادي في مصر. ولرب سائل يسأل –كيف كتبت المندائية بهذه العهود ولم تنضج الآرامية بعد . ان المندائيون من الذكاء والفطنة بحيث انهم قد اجازوا نصوصهم المقدسة تباعا من اللغات القديمة، التي كانت سائدة انذاك الى الارامية، التي هي اكثر سلاسة وتطورا، فخرجت نصوصهم تتلائم مع الطبيعة الفلسفية البحته للفكر المندائي. ان النصوص التي نزلت على سيدنا ادم (ابونا ادم) وعلى انبياء المندائيين تباعا تراكمت كما متفعلا بالآرامية وحتى مجيء سيدنا يهيا يهانا مبارك اسمه حيث شذب المندائية وطورها وجعل لها دستورها الواضح مع بقاء الاصل كما هو . وهذا هو من الوحي الالهي . انه لمن دواعي الدهشة ان يتوارث المندائيون مقولة ان يهيا يهانا هو من اصل يهودي _اب يهودي وام يهودية – وهذا كلام مشكوك فيه لان المندائيون كانوا اقدم من اليهود في فلسطين وحوض الاردن وان المندائيون كانوا يتواجدون جنبا الى جنب مع اليهود. لذا فان يهيا يهانا مبارك اسمه هو مندائي فكيف يقبل المندائيون بمعلم عظيم كيهيا يهانا من اصل يهودي! وكأن الارض اقفرت بالمندائيات حتى يأتي الوحي (انش اثرا) ويزرع البذرة المقدسة في رحم انشبي اليهودية – وان كانت يهودية؟ فان الاب زكريا هو مندائي بدرجة ناصورائي وزوجته كذلك . وعندما يخاطب كان يقال له ابا صابا او الاب الجليل الشيخ او ياكبير المصبتيينا . ان كثيرا من النصوص المندائية الحالية والتي توارثناها، قد مر عليها ازمان وازمان وتعرضت وتعرض المندائيون الى الاف السنين من القتل والتدمير والتهجير ، الذين لم يكن لهم حول او قوة سوى دينهم العظيم. فان الاحداث الجسام منذ مجيء الاكديين والبابليين ومن ثم الاشوريين .وتعرض المندائيون الى الاضطهاد على ايديهم ومن ثم بروز اليهود كقوة ، ادى الى تشريد المندائيون غربا وشرقا ،حاملين معهم نصوصهم المقدسة خافينها عن اعين المتربصين . وبمرور الزمن وبعد مجيء المسيحية ثم الاسلام ضعفت المندائية كثيرا ،وقتل من قتل وشرد من شرد . ناهيك من الكوارث الطبيعية والامراض التي فتكت بهم . ثم تاتي العصور المظلمة التي مرت على المنطقة ،من غزو الساسانين والمغول والتتر ، فانقرض معضم المندائيين ورجالاتها العظام واصبح العبء الاكبر في كيفية توارث ونقل النصوص المقدسة جيلا بعد جيل . صاحب ذلك كثرة الاخطاء الأملائية من النساخ ، او الخوف من الجيران المتربصين فكتب تاريخها بلغة رمزية صرفة ناهيك عن انها اصلا عقيدة فلسفية بحتة . ادى ذلك الى دخول نصوص غريبة وتذييلات (ازهارات) ليس لها اساس من صلب العقيدة المندائية (فيوهطايي تعني الخطائين ) تتحول الى يهوطايي ثم الى اليهود . وكذلك مشيها هم الاقوام الماسحة بالزيت ايام البابليين وتتحول الى مشيهة او المسيح او المسيحي – وبقى هذا الموروث الضخم يتداول من جيل الى جيل من الحلقة الاقوى الى الحلقة الاضعف ، من الناصورائيين العظام الى الحلقات الاكثر فقرا وجهلا من سكنة الاهوار والمناطق الجنوبية في العراق . ناهيك عن الفرقة والاضطهاد الذي لحق ويلحق بهم يوميا من سكان تلك المناطق .

الاخطاء الفادحة
لانريد ان نقول ان سبب تدهور المندائية هو عواملها الداخلية ،ولكن كان العامل الخارجي يشكل نسبة النصف في ذلك ، وحتى القرن التاسع عشر او القرن العشرين حتى كان اعداد المندائيين قليل جدا ورجال دينهم اميون يؤدون طقوسهم فقط ليس الا ،اذن اين العلة ياترى؟

القيادة المندائية
من خلال دراستنا للتأريخ والنصوص المندائية فان القيادات المندائية سواء كانت دينية او علمانية لاترتقي الى المستوى التي من شأنه ان تلم شتات هذه الامة وتطور مفهومها . وهذا هو اصل البلاء والمرض . فقد توارثنا ونحن في هذا الوقت نفس المشكلة الازلية، الا وهي ضعف القيادة المندائية ، تلك القيادة والتي يفترض ان تضع في اولوياتها لملمة البيت المندائي وصيانة العائلة المندائية، من المفاهيم العائمة وضبابية الطرح المعادي للمندائية .
لم يكلف المندائيون انفسهم الجهد والمال في سبيل دراسة نصوصهم المقدسة وتشذيبها ،او دراسة ماهو مندائي او غير مندائي منها، بعكس الملل الاخرى كاليهودية والمسيحية والاسلام، الذين تفانوا في خدمة مقدساتهم وموروثهم ،فاصبحوا هم الديانات المنزلة، والمندائية والتي هي الاصل غير منزلة !،وكانها قادمة من تحت الارض! . لذلك فنحن قد استلمنا هذا الموروث الضخم والذى يقدر عمرة على الاقل ب 6000 ستة الف سنة دون تشذيب او تمحيص. ان هكذا موروث كتب منذ العصور الاولى لفجر الحضارات قد كتب بلغة رمزية بحتة و بلغة تلائم الانسان المندائى قبل 2000سنة ولكن اكون جازما لو قلت ان المندائية لغة متطورة وفكر يصلح لكل زمان و مكان لو تعاملنا معها برقة وشفافية فاكين رموزها والتى هى من عظمة الحى مارى مشبا اشمى (مسبح اسمة) الذى اعطى للمندائيين هذا الكنز العظيم لقرائتة، ومنهم الرمز الالهى فى سطوره .
نحن نقرا المندائية بالعبرية
انه لمن دواعى سخرية القدر ان يدرس المستشرقون الاجانب وهم من خارج البيت المندائى المندائية وما زالو، وهذا دليل على ان المندائية قضية حية لا زال الجدل دائر عليها ولم يتوصلو الى واحد من الالف من مكنوناتها ونقلوا النصوص المندائية من الارامية التي يجهلها ابنائها ورجال دينها الى لغتهم – وقرأوها بلغتهم العبرية، حيث ان اغلب الذين درسوا المندائية هم من اليهود او تابعين لمؤسسات يهودية ،كما هو الحال الان في مؤسسة ارام ومؤتمراتها السنوية ،ودرسوا اللوحة السريالية المندائية خطوطا وتقاطعات دون الغور في الفلسفة المندائية ودون اعتبار للعمر الزمني لتلك النصوص فخرجت تراجمهم وكتاباتهم مسطحة لاتغني ولا تشبع ، وشوهوا العقل الباطن لتلك النصوص القيّمة والثرّية . وهم غير ملامين على ذلك صحيح انهم اساتذة في اللغة وما نقلوه هو جهد عظيم من الناحية اللغوية ولكن ضيعوا علينا وعليهم فرصة الفهم العميق لتلك النصوص، من خلال التشويه المتعمد تارة والغير متعمد تارة اخرى، في تفعيل تلك النصوص . واتينا نحن بكل تراكماتنا وتناقضاتنا لنجد تلك النصوص المجذوبة ونترجمها الى اللغة العربية ،دون الرجوع الى النص الاصلي .. وهكذا نحن نقرأ كتبنا بلغتهم ، بلغة التلمود العبرية ، فزادت الامور سؤا واختلط الاصل بالتقليد، فضاع المندائيون هم وابنائهم في هذا الخضم المتلاطم من التراجم، وضاعت معها الحقيقة فاصبح الحي – هو الحياة- واصبح الحي المتفرد- هو الحياة الغريبة- ونحن نعبد الحياة الغريبة وهلم جرا... ومن خلال هذه التراجم الضعيفة التي صورت الدين المندائي كخرافات او قصص شعبية ...فهذا يسل سيفه وذاك يتصارع مع الروهة.. وهذا يكبل ابنها.... ناسخين الرمز داخل الموضوع .مما شجع الاخرين امثال خزعل الماجدي للتطاول على المندائية وصورها على انها مثيولوجيا وهذا ما سنأتي الى ذكره لاحقا. وبقصور من المندائيين صدقوا ماكتب عنهم الاخرون ،واصبح المندائيون خجولين من كتبهم وتاريخهم وقرأوا عقيدتهم العظيمة بلغة يهودية ، ووضعوا ايديهم على اعينهم، خجلين من تاريخهم وعقيدتهم ،وقالوا نحن بريئين من كل هذا جهلا .. وبغياب الوعي الديني ساعد هؤلاء الاجانب على القذف العلني اوالمبطن للعقيدة .
المندائية علم الذرات
نعم ..المندائية هي الفيزياء ...بكل تعقيداتها . هي الطب وحيثياته هي الادب ورقته وفنونه. هي الاصل ومن الاصل تنبع الاشياء .ان فلسفة التكوين وتكوين الكون (عوالم الضلام ) والشرح الوافي لعوالم النور وبوث التكوين هي اصدق مثال على فيزيائية المندائية ونضرية الانفجار العظيم وما تلاها .وقوانين انشتاين في النسبية – مستوطنة في داخل الكلمات المقدسة المندائية وحتى الارقام والسنين التي نراها هنا وهناك في البَوث (جمع بوثة) تراها مطابقة لما يعطيه العلم من ارقام تقريبية عن العمر الكوني او المسافات . فمصطلحات مثل (مانا) -الوعاء –العقل- (التنا) –البؤرة الفائرة او الملتهبة –(الهلبونا) –المقام الخفي –( النطفة الاولى) – او اير ربا- تعطي ايحاءات علمية عظيمة. وحتى اسماء عوالم الضلام – شدوم –كرون –كركوم-زهرئيل-روهة –اور –الخ تعطي دلالات الى عوالم او مجرات وليس كأشخاص او مثيولوجيا –كما يراها الماجدي- . والى ذلك من المسطلحات التي تعطي ايماءات عن علمية وعظمة المندائية ، لو اتيحت الفرصة للباحثين المندائيين ان يقرؤوها بلغتهم المندائية ويفسروها بلغتهم المندائية. ان مسطلحات مثل مانا بجوة مانا اي الوعاء المحتوى او الشفرة الالهية – وكذلك (بيرا بكوة بيرا) الثمرة داخل الثمرة –و(الاير بكوا اير) الاثير بداخل الاثير والنطفة الاولى او القطرة الالهية الاولى وكذلك المدلولات الكونية والفيزيائية للاينا والسندركا او الرحم العظيم كلها دلالات فلسفية علمية بحتة، فاين هو خزعل الماجدي من هذه الدلالات ..واين هي مثيولوجيته التي حملها ويحاضر بها في كنف المندائيون !

الزميل خزعل الماجدي
في العام 1973 كان الدكتور خزعل معي في نفس الكلية، وكان رفيق في صفوف البعث ورئيس الاتحاد الوطني لكلية الطب البيطري ، ولم اعهده باحثا حتى واذا به فجأة ينبري ويبدي ادعات باطلة على المندائية بعد ان درس في السومريات واخذ شهادة عليا . اقول ان الماجدي اعتدى على المندائية في بغداد عام 1997 ومع تصفيق وتهليل المندائيون انفسهم مسخ الماجدي المندائية، وجعلها كقشور البصل! –قشرة بعد قشرة – اي انها لملوم من مختلف مخلفات العهود القديمة من السومرية والاكدية والبابلية ثم الزرادشتية واليهودية والمسيحية والاسلام ... وفاته ان يدرك بان المندائية هي الام لكل هؤلاء ...فقرأ اللوحة بالمقلوب . ؟
ان تهاون رجال الدين ونفر من المطبلين معه ،والذين لايهمهم سوى البروز او الدعاية قد شجعه على التمادي في غيه، وانبرى مندائيون شرفاء لايقبلوا على ضيم او قهر اتجاه دينهم في لجنة البحث العلمي المندائية آنذاك وكنّا معهم وعلى راسهم الأستاذ المؤمن احمد راشد صالح في الرد عليه (راجع رد لجنة البحث العلمي والارشاد المندائية المنشور في اتحاد الجمعيات المندائية). ووقف الكثير من الخيرين معهم وقفة ابطال يدافعون عن دينهم وعقيدتهم .كما ولاننسى الوقفة الشجاعة للاب الريشمة عبدالله نجم، لموقفه الشجاع ضد كتابات الماجدي، ومعاونة الاخوة في لجنة البحث العلمي هذه . ولكن كانت اصوات التخريب اقوى من اصواتنا وصودرت كلمتنا ونشر كراس خزعل الماجدي على نفقة الميسورين، من ابناء الطائفة، ايغالا بالامر. ودفنت الحقيقة من خلال التحجيم تارة والترهيب تارة اخرى ؟. وبقى المصدر المسموم متداولا في اروقة الجامعات وفي الاسواق ليختفى رد الاستاذ احمد راشد من ايدي المندائيين ؟.
ومن مخلفات الماجدي وكتابه المسموم ينبري الباحث سالم تولا في كتابة اكثر من 14 حلقة ،عن علاقة المندائية بالسومرية، ناسخا كتاب الدكتور خزعل في الصحف الاسترالية عام 2007 ، يقذف بنا شتما، فيما رجال ديننا ساكتون وكأن الامر لايعنيهم! حتى اصبحنا مهزلة من قبل الملل الاخرى وحتى من معهم شهادات عليا في المندائية من رجال ديننا لم يحركوا ساكنا! وكأن الاخ تولا يتحدث عن قوم في المريخ ؟. وكالعادة شمرنا انا والأستاذ احمد راشد صالح عن انفسنا وكتب الأستاذ احمد مقالة مطولة حول الموضوع، ورد بها الباحث ثم تلاها باخرى . فسكت .. واخرس ثم تطاول .. ثم سكت نهائيا لانه عرف ان في المندائية رجال يردون بمنطق علمي.
ثم يطلع عليناالدكتور خزعل مرة اخرى وبمحاضرة اخرى عن مثيولوجيا الخلق عند المندائيين! وقد استقى مصادره ايضا من احد المراكز المندائية هنا في استراليا ، وبمباركة الاخوة في هولندا . لتقام شعائر نحر المندائية عيني عينك ؟ فهذا صديق المندائيين والشاعر المرهف يسفهنا في عقر دارنا – ويكّفر ديننا ومقدساتنا وبمباركة الاخوة المندائيون وربما تنشر غدا على نفقتهم كما حدث في بغداد !ويصبح المصدر المسموم مصدر مهم للباحثين .

اين هم رجال الدين من محننا

ان ما يؤسف له هو الصراع الازلي بين رجالات الدين ،وكان الاجدر بهم ان يبقوا على كلمة واحدة ويوحدوا صفوفهم، ويدرسوا المندائية بجد ويشذبوها ويضعوا ايديهم بأيدي ابنائهم من المثقفين دينيا ، خدمة الى ابناء وبنات هذا الجيل المحكوم عليه سلفا بالاعدام من المندائية . الا ان مازاد الامر تعقيدا كثرة المشاكل والمساومات بين رجال الدين ،بعد النزوح الكبير من الوطن الام وتضاد الآراء حول فقهية ومنهجية المحللات والمحرمات وكذلك دخول المنافع الشخصية والمادية في تلك المساومات . رغم ان قسم من رجالات ديننا يحمل شهادات عليا في العلوم او البحوث المندائية ولكن لم يقدم شيئا الى ابناء امته سوى تلك الشهادات المعلقة على جدران بيته . ولم نفهم من تلك الشهادة سوى الاسم والتبجيل . ان رجال الدين مطالبون اليوم اكثر من اي وقت مضى بالوقوف ضد هكذا تخرصات وتشويهات وعدم التهاون او الصمت حيال هكذا افكار من شأنها ان تهدم البيت علينا في غفلة من الزمن . والا فان هذه الحالة المهزلة التي نمر بها الان من تنافر وتقاتل ولامبالاة، من الممكن ان تؤثر سلبا على كل الامة المندائية،ان لم تكن قد اثرت اساسا .

نرجع الى الوضع المأساوي وتهاون رجال الدين في عدم الرد على تخرصات من يريد النيل من حرمة دينهم وهنا من الداخل .ففي استراليا وبعد ان اتحفنا خالد عبد الرزاق (كارلوس جلبرت)بترجمة مليئة بالاخطاء لكتاب الكنزا ربا وقراءتها بالعبرية عن ليدز بارسكي وبعد سلسلة من الكتيبات التي تصب في خانة النيل من المندائية طلع علينا من جديد وهو المندائي بكتاب فريد وعتيد وبمباركة الجمعيات المندائية وبعض رجال الدين بعنوان (المندائيون واليهود 2000سنة من الكره المندائي لليهود) !!!وكأننا ناقصون الى مصيبة اخرى ، ان اصدار هذا الكتاب الخطر وهو باللغة الانكليزية وبطبعة ممتازة وب 400 صفحة وبهذا الكم الهائل من الاكاذيب وتشويه الحقائق جعل المندائية ذيل من اليهودية بل لملوم يهودي وان كل مقدساتنا من مندا ادهيي ..هيبل زيوا ..وباقي ملائكتنا العظام هم اسماء يهودية وحوادث وتواريخ واحداث كلها بالمقلوب ولم يفعلها حتى اليهود حينما كتبوا عن المندائية ليكون يهوديا اكثر من اليهود !! ... لماذا ياخالد عبد الرزاق هذا التجني على عقيدتك ؟ وان تقرأ هكذا كتاب تشعر بالاشمأزاز للكم الهائل من الاكاذيب المدفوعة الثمن –انه الكتاب الاخطر- فقد احتوته كل المكتبات بما فيها مكتبات اسرائيل ! الكتاب لم يرد عليه اي مندائي رغم ان الجميع جاملوه واشتروا نسخا منه في حفل فخم دعي اليه كل رجالات الدين اليهودي في استراليا مع صمت رجال ديننا (وعلى عينك ياتاجر) يسبون ويدمرون ديننا والاخوة نيام . ان هذا الكتاب هو اجرام بحق المندائية –انه نتاج تهاون رجال ديننا كما حدث في ترجمة كنزا ربا هنا في استراليا. وتهاون رجل الدين مع المترجم. انا انصح كل مندائي غيور ان يرد على هذا الكتاب المهزلة قبل ان يصدر المؤلف كتاب آخر (المندائية والمسيحية) والثاني الله يسترنا منه!
ومن ثمرة تهاون رجال الدين –هو الكتاب الذي صدر قبل حوالي سنتين للكاتب الدكتور جورج حربي (حربي زبون ) وهو عن المندائية وباللغة الانكليزية وبمساعدة الكنيسة وذلك لان هذا الدكتور هو مندائي متنصر ، اصدر كتابه هذا بطبعة انيقة وجميلة ووزع على العوائل المندائية وبأسعار رمزية وهو كتاب ضخم بحوالي 550 صفحة –وحدث ولاحرج- عن الكم الهائل من الاكاذيب وتشويه الحقائق التي يحويها هذا الكتاب، الامر الذي جعلنا عبارة عن قوم من العصور الهمجية وعقيدتنا لاترقى الى مستوى عقيدة عبادة الاوثان، ونحن جزء لايتجزأ من المسيحية ...وكل يجر الى ناحيته –ذاك الى ناحية اليهود وهذا ناحية المسيحية واخذ شهادة الدكتوراه مع مرتبة الشرف وكما كرم خالد عبد الرزاق كرم حربي زبون ..على سبنا وقذفنا بالعن النعوت .والمأساة في اننا عندما طلبنا من رجال ديننا التحرك لادانة هكذا كتابات، فانهم يردون وببرود لانظير له ((انه حرية الراي)) . في الوقت الذي يحجمون من يحمل ثقافة عالية في الدين وحجب اي مصدر من الممكن ان يستفاد منه في ترميم البيت المندائي ؟هنيئا لكم يارجالات ديننا –ايها الصفوة المدافعة عن الدين. وللحديث بقية.

هيي زكن
وزكن كلهن ابادي

نشرت في تاريخ
الخميس, 21 شباط/فبراير 2013 14:54

في تاريخ الصّابئة الأسطوري

تقديم العمل وكاتبه: يعتبر كتاب «دراسات حول ديانة الصبّة: عقائدهم وعاداتهم» لنقولا السّيوفي المنشور باللّغة الفرنسيّة سنة 1880 في باريس، بغضّ النّظر عن قيمته التّاريخيّة، من أوّل الكتب التي تناولت بالوصف ديانة الصّابئة في العصر الحديث (أو «الصبّة» في اللّهجة العاميّة العراقيّة)، ويتميّز بالخصوص بتقديم نظرة جديدة وغريبة عن المسيحيّة ويسوع المسيح، إذ «تكمّل شخصيّة يوحنّا المعمدان (يحيى) شخصيّة يسوع مثلما تكمّل اليد اليمنى اليد اليسرى في خدمة الإنسان» كما يقول السّيوفي، إذ يرى أنّ الصّابئة «يعتقدون في عودة يسوع المسيح إلى الأرض قبل نهاية الزّمان لتوحيد جميع العقائد في عقيدة واحدة». كما رأى في بعض الممارسات الصّابئيّة شبها غريبا بالممارسات المسيحيّة جعله قريب الاعتقاد بأنّ الصّابئة قد تكون هي «الكنيسة الشّرقيّة المنسيّة»؛ فهي تمارس التّعميد بالماء، والتكفير عن الذّنب، والقربان المقدّس، وتسعى إلى الفضيلة وعمل الصالحات والنّكران التامّ للذات، وتراعي في الجملة أوامر الوصايا العشر. إلاّ أنّها «من ناحية أخرى، تعظّم الكواكب والأجرام السّماويّة وتعتبرها أرواحا مساعدة للإله الخالق». ويذكر السّيوفي أنّ يوم الأحد هو اليوم المقدّس عند الصّابئة، فهو اليوم المخصّص للصّلاة، والزّواج، وخاصّة للتّعميد الذي كان يتمّ في مياه الأنهار (الفرات ودجلة والأردن)، وهو ما لم يتغيّر منذ آلاف السّنين على غرار تعميد «يسوع» على يد «يوحنّا المعمدان» (يحيى).

ومن هنا، كان كتاب السّيوفي غريبا في بابه وفي منحاه ممّا يجعله جديرا بالاهتمام، فقد مكّننا من اكتشاف أقليّة لا نعرف عنها الكثير، ومهدّدة اليوم بالانقراض نتيجة ما يلقاه أتباعها من صعوبات كبيرة ومخاطر على حياتهم، فعددهم يتناقص باطرّاد منذ الغزو الأمريكيّ للعراق في مارس 2003، وهجرتهم تتزايد بشكل مفزع قد يؤول إلى اندثار واحدة من أقدم الدّيانات في العالم، ومن آخر «الطّوائف» العرفانيّة فيه. وقد تعايش الصابئة مع جميع مكوّنات المجتمع العراقي عبر تاريخه الطّويل الحافل، إذ لم يجاوز تعداد أتباعها - زمن السّيوفي - أربعة آلاف نسمة حسب ما يورده هو نفسه. ونحن إذ نقدّم الفصل الرّابع من الكتاب المذكور، إنّما نقدّم شهادة على أحوال العالم الإسلامي في أواخر القرن 19 وخاصة أحوال أقليّاته، وهو ما قد يخبرنا عن أحوال الأغلبية.

أمّا الكاتب فهو نقولا بن يوسف السّيوفي (1829 - 1901 م)، ولد في 12 أفريل/أبريل 1829 في دمشق من عائلة ترتقي بنسبها إلى العرب الغساسنة الذين حكموا جنوب الشّام قبل الفتح الإسلامي. ويذكر المؤرّخ والنسّابة الشّامي عيسى اسكندر المعلوف (1869-1956 م) في بحث له بأحد أعداد مجلّة المشرق البيروتيّة لسنة 1933، أنّ عائلة السّيوفي استقرّت في دمشق خلال القرن الثامن الميلادي وأنّ منها من اعتنق الإسلام، وأنّها تخصّصت في الحدادة وعرفت بصناعتها الجيّدة للسّيوف الدّمشقية، ومن هنا اشتهارها بلقب «السّيوفي». ويبدو من خلال ما يذكره ابن العماد الدّمشقي [شذرات الذّهب في أخبار من ذهب، دار الكتب العلمية، بيروت، ج 8، ص 3] أنّ الفرع المسلم للعائلة قد نبغ فيه عدّة أعلام أشهرهم: العلاّمة الشّافعي عماد الدّين إسماعيل بن محمّد السّيوفي الشّهير بخطيب جامع السّقيفة في باب توما في دمشق (833-897 هـ)، وابنه العلاّمة شمس الدّين السّيوفي الشّهير بابن خطيب السّقيفة. كما توجد في سفح جبل قاسيون بدمشق زاوية يطلق عليها اسم «زاوية السّيوفي» قد تكون نسبة إلى أحد رجالات هذا الفرع.

وقد عرّف يوسف إليان سركيس [معجم المطبوعات العربيّة والمعرّبة، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، 1410 هـ، ج 1، ص 1087) بنقولا السّيوفي كما يلي: «نقولا السّيوفي: ولد بدمشق ودرس اللغتين العربيّة والفرنسيّة بمدرسة الآباء اللعازريّين، وفاق أقرانه بالعلم والذّكاء فاستخارته قنصليّة فرنسا أن يكون ترجمانا لها، وقد استخصّه الأمير الخطير عبد القادر الجزائري لأن يكون في معيّته في إحدى رحلاته إلى باريس والقسطنطينيّة. وكان في خزانتي نسخة خطّية من كتاب الأمير المذكور (ذكرى العاقل) الذي ألفه في باريس وأهدى منه نسخة للمترجم له كتب عليها بخطّ يده: (هذه الرّسالة العجالة ألفها كاتب هذه الأحرف بالتماس بعض أحبّته بباريس، وأهديت منها هذه النّسخة لعوض ولدي العزيز التّرجمان نقولا السّيوفي نفعه الله بالعلم وفتح له أقفال الفهم، لما له علينا من حقوق الخدمة وحسن الصّحبة. في 27 صفر سنة 1279 هـ). واستوطن مدينة بيروت إثر نكبة الشّام سنة 1860 م، ومكث بخدمة القنصليّة الفرنسيّة ثمّ سمّي قنصلا للدّولة المذكورة في حلب والموصل ثمّ في بغداد، وعند إحالته على المعاش عاد إلى الشّام وابتنى له مسكنا في بعبدا (لبنان) وقضى بها باقي أيّامه إلى أن وافاه الأجل المحتوم. وكان صاحب التّرجمة متضلّعا في العلوم التّاريخيّة لاسيّما في المسكوكات القديمة، وله مقالات باللّغة الفرنسيّة نشرت في المجلّة الآسيويّة بباريس، وله باللغة العربيّة لائحة تتضمّن ما ارتكبه البروسيّون في فرنسا من المظالم والسّرقات والقساوات أثناء حرب 1870 طبع في بيروت سنة 1871 م».

ويعتبر نقولا السّيوفي من أبرز مفكريّ الشّام وعلمائها الذين اتّصلوا عن قرب بالحضارة الأوروبيّة خلال النّصف الثّاني من القرن التاسع عشر. ولعلّ من ميزاته قدرته الفذّة على اكتساب المعارف الأوروبيّة وتوظيفها في سبيل فهم أفضل لجذور الحضارة العربيّة. وقد أدّى هذا الانفتاح إلى نشوء نمط جديد من التّفكير وطراز مبتدع من الكتابة العربية يمكن عدّه تأسيسا للغة العربية الحديثة. وقد شارك السّيوفي بالخصوص معاصريْه نعمان قسطلي وأبو خليل قبّاني التمرّد على نمط الكتابة التّقليدي ولوك العبارات المكرورة، والثّورة على نمط الموسيقى الشّائعة في دمشق مع بداية انهيار السّلطنة العثمانية. ومن أهمّ أعمال السّيوفي باللّغة الفرنسيّة: • « Liste des monnaies musulmanes », 2 ouvrages, en 1880 à Mossoul. • « Supplément n° 1 au catalogue de monnaies arabes », publié entre 1879 et 1891, à Mossoul. • « Tableau de monnaies musulmanes (suite)», Mossoul, 1880. • « Etudes sur la religion des Soubbas leurs dogmes et leurs mœurs », Paris, 1880 .

ولم يصلنا من كتب نقولا السّيوفي المؤلّفة بالعربيّة سوى كتابه «مجموعة الكتابات المحرّرة على أبنية الموصل وقلعتها»، وهو كتاب شديد الأهميّة ويعدّ مرجعا في علم الآثار الخاصّة بمنطقة الموصل، وقد حقّقه المؤرّخ العراقي سعيد الديوة جي، وطبع سنة 1956 بمطبعة شفيق ببغداد.

ويبدو نقولا السّيوفي من خلال كتابه حول «الصبّة» الذي نترجم فصله الرّابع، مسيحيّا ملتزما، وهو ما لا يقدح فيه بقدر ما يلزمنا بالحذر في ما ينقله ملوّنا بمنظاره الدّينيّ التّبشيريّ وقصده البيّن الذي عبّر عنه في كتابه في «إثبات مسيحيّة الصّابئة»، وهو ما يدخل عمله في باب «الاستشراق» وإن كان كاتبه عربيّا صرفا. ونحن نرى أنّ التزام السّيوفي الدّيني ذاك ربّما كان وراء تجنّسه بالجنسيّة الفرنسيّة وخدمته موظّفا ساميا لدى فرنسا التي لم تكن تخفي آنذاك أطماعها في الشّرق العربي، وهو ما يعضده تولّيه إثر تقاعده من الوظيفة منصب القاصد الرّسولي للفاتيكان في بيروت ابتداء من سنة 1894 وإلى حين وفاته.

وتندرج ترجمة هذا الفصل ضمن اهتمامنا بترجمة النصّوص التي تطرح مسائل المقدّس والدّيني، وهي مساهمة لها حدودها ولكنّنا نؤمن بضرورة المساهمة بمثل هذه التّرجمات في إثراء معرفتنا بأنفسنا، إذ الصّابئة منّا وإلينا بل ربّما هي أصلٌ مؤسّس لكياننا الحضاري رغم اختلاف الأديان والعقائد. ومن هنا يضعنا هذا العمل أمام منهج نقارن فيه بين النّصوص الدّينيّة وذلك في إطار مشروع بين مترجمي هذا النصّ للسّيوفي يهدف إلى تعريب بعض النّصوص المفاتيح وطرحها موضوع بحث على القارئ والباحث العربي.

أمّا اختيارنا لهذا الفصل بالذّات من كتاب السّيوفي فيعود أساسا إلى طرحه ثلاث إشكاليّات تاريخيّة نظنّ أنّها لم تأخذ حظّها بعد من الدّرس: * إشكالية هيكل الصّابئة في مدينة القدس وحقوق هذه الدّيانة مثل غيرها في المطالبة بإرث تاريخي فيها. * قضيّة ملاحقة اليهود للصّابئة وتقتيل كهنتهم ممّا منعهم من التّزاوج والتّكاثر وهدّدهم بالانقراض. * ملاحقة المسلمين لهم في بعض الفترات ممّا يطرح قضيّة حدود التّسامح في التّاريخ الإسلاميّ وضرورة القيام بنقد ذاتي حيال ما يمكن أن يعتبر مركزيّة حضاريّة. ودون الدّخول في تفاصيل هذه الإشكاليّات، فإنّ ما نؤكّد عليه بالخصوص أنّنا لم نسع من خلال هذا العمل إلى استفزاز شعور أيّ كان، كما نؤكّد احترامنا لخصوصيّات جميع الثقافات. ملاحظة بخصوص الهوامش: وضعنا هوامش النصّ الأصلي بين نجمتين** وهوامش المترجمين بين قوسين(...).

***

الفصل الرّابع: أحداث عرفها «الصبّة»(1) بعد موت «يحيى» - أميرة يهودية تتحوّل إلى دين الصبّة - غضب والد هذه الأميرة – مناظرات بين علماء اليهود وعلماء الصّبة – إفحام العلماء اليهود – تقتيل الصّبة – إغراق جمع غفير من اليهود – تدمير القدس – انتقال الصبّة إلى موطن جديد – تكريس كائن سماويّ لاثنين من الملوك – ظهور موسى نبيّ العبريّين – إعلان ملوك الصبّة الحرب على موسى – هروب موسى وأصحابه – انشقاق البحر لهم كي يمرّوا – جيش الصبّة يلاحقهم ويغرق في لجّة الأمواج – نجاة قلّة منهم من الغرق -الصبّة دون كهنوت – ظهور آدم أبو الفرج، الملك الحبر – رعيه الغنم - مفارقته الصبّة ليعيش في مندلي – اضطهاد المسلمين للصبّة – تعصّب رئيس المسلمين وممارسته السّحر – اكتشاف الصبّة انسحاب حبرهم – إرسال سفيرين لطلب مساعدته – حضور الحبر إليهم بصفة خارقة – إبطاله سحر رئيس المسلمين- معجزاته – تخليصه الصبّة – مفارقته الصبّة من جديد - تجدّد الاضطهاد – نزاع حادّ بين صابئ ومسلم – التّبعات السيّئة لهذا النّزاع – بقاء الصّابئة طويلا دون كهنوت ودون زواج – إقامة كهنوت – جوائح – إبادة الكهنوت مرّة أخرى وتنصيب كهنوت جديد – طرق هذا التّنصيب السّارية إلى أيّامنا.

***

حين فارق «يحيى» هذا العالم، ترك في الصّابئة ثلاثمائة وستّة وستّين مريدا جميعهم «كنزفرة» أو «ترميذة»، أساقفة وكهنة. وقد تابع الصّابئة عيشهم في مدينة القدس في وئام تامّ مع «أليعازر» وأتباعه [اليهود] الّذين كانوا يفوقونهم عددا. وقد كان معبد(2) الصّابئة حذو بيعة اليهود، وكان الجميع يتكلّم لغة واحدة. وقد كانت لأليعازر بنت اسمها «مريم» (3)، وكانت أميرة تَقِيَّة تتردّد يوميّا على البيعة وتحظى بمحبّة الجميع. وذات يوم سهت الأميرة وبدل أن تدخل البيعة دخلت معبد الصّابئة، فوجدتهم يُؤدّون صلاتهم، ولم تتفطّن إلى خطئها إلاّ بعد أن وجدت نفسها داخل المعبد. ومع ذلك، بقيت داخله ولم تغادره إلاّ بعد انتهاء الصّلاة. وقد رافقها الأساقفة والكهنة إلى الباب حيث شكروها وسألوها عن سبب تشريفهم بالزّيارة، فأجابت بقولها: «لم أكن أقصد ذلك ولم أرده، لكنّه نتيجة سهو، فعوض أن ألج باب الكنيس جئت إليكم، ولم أتفطّن إلى الأمر إلاّ بعد دخولي المعبد، ولكنّني لست نادمة على خطئي، لأنّ صلواتكم وأناشيدكم أثّرت فيّ». ومنذ ذلك اليوم، مالت «مريم» إلى دين الصّابئة وأضحت تختلط سرًّا بزوجات «الكنزفرات» و«التّراميذ» كي تأخذ عنهنّ دينهنّ. وبعد التمكّن من لسان الصّابئة (4) والاطّلاع على الشّرائع والأحكام الموجودة في كتبهم، تخلّت الأميرة عن ملابسها ومجوهراتها وتزيّت بلباس أبيض كما ينبغي لصابئة صالحة. وبما أنّها كانت تذهب كلّ يوم أحد إلى المعبد، فقد سألتها أمّها باستغراب عن تصرّفها، فما كان منها إلاّ أن أجابت بقولها: «لقد تخليّت عن دينكم واعتنقت دين الصّابئة».

وحين أخبرت الأمّ زوجها «أليعازر» بمقال ابنتها، سارع باستدعائها وسؤالها. إلاّ أنّ الأميرة لم تنكر الأمر، بل ثبتت على موقفها رغم تهديد والدها ووعيده، وحسمت الجدل بأن طلبت من والدها إحضار جمع من كهنة وعلماء الإسرائيليّين لتناظرهم، على أن يعتنق المُفْحَم دين الآخر.

وحين المناظرة، لم تصمد المعارف العبريّة الواسعة أمام ما قدّمته المؤمنة الجديدة من براهين ساطعة، وقد أنهت كلامها بأن توجّهت إلى والدها بهذه الكلمات: «إنّ قوّتك وثرواتك لا تستهويني. سأتخلّى لك عن جميع هداياك من الحليّ، فما هي سوى أشياء عابرة لا قيمة لها، من أجل أن تكون الحياة الآخرة كلّ همّي». وعند سماعه هذه العبارت، انقضّ «أليعازر» على ابنته كي يقتلها، لولا أن خلّصتها أمّها العطوف من بطشه. وهكذا ثبتت الفتاة على دين الصّابئة، ودرست تعاليمه بعمق حتّى غدت معارفها تضاهي معارف أيّ «كنزفرة». وأمام العجز عن كبح جماح غضبه من جهة، والخشية من أن يحمل مثال ابنته بعضا من طائفته على اعتناق الصَّابئيّة ، جمع «أليعازر» في أحد الأيّام أعيان اليهود وأطلعهم على مخاوفه وأنّ الوسيلة الوحيدة لتجنّب هذه الطّامة الكبرى هي قتل الصّابئة. وقد رحّب من في المجلس بهذا الرّأي وأجمعوا على وجوب تذبيح الصّابئة، وقاموا إثر ذلك باستنفار اليهود الّذين انقضّوا على الصّابئة وقتّلوهم جميعا باستثناء «مريم» الّتي وضعتها أمّها تحت حمايتها وعدد قليل ممّن تمكّنوا من مخاتلة خناجر القتلة. وفي تلك اللّحظة ظهر «أنّش أثرا»، في صورة نسر، وضرب بجناحيه ملقيا اليهود في النّهر، ثمّ حرّك مياه النّهر بجناحيه، فعظمت أمواجُهُ وأغرقتهم جميعا. وعلى الإثر، لحق «أنّش أثرا» بفلول الهاربين من الصّابئة الذين انضمّوا بتشجيع منه إلى «مريم» ويمّموا شطر مدينة القدس لهدمها بأكملها. ثمّ ساقهم بعد ذلك نحو موضع آخر استقرّوا به وأقام لهم عددا من «الكنزفرات» و«التراميذ». وحين أراد أن يفارقهم، طلبت منه «مريم» مصاحبته إلى « آلمي د نهورا » (عالم النّور) معبّرة عن عدم رغبتها في البقاء في هذا العالم. وأجابها «أنّش أثرا» بقوله: «إنّ الوقت لم يحن بعدُ كي تفارقي هذه الحياة، لكن تأكّدي أنّك ستفارقينها يوما، وسيكون مقامك بمكان هو من الرّفعة إلى حدّ يجعلني أحسدك عليك». فسألت «مريم»: «وما هو ذاك المكان؟» فأجابها الملاك «حالما تحًلّين في «آلمي دنهورا»، ستنعمين بصُحبة «سيموث حيّ» *5* إلى أبد الآبدين، وهي تجلس بجانب «مريم إيداربوثو»، وإنّي لأرجو أن تذكريني حينها». ورغم إلحاح «مريم» في الذّهاب معه، إلاّ أنّ توسّلاتها ذهبت أدراج الرّياح. وقد اختار «أنّش أثرا» قبل أن يترك الصّابئة ويعود إلى «آلمي د نهورا» (عالم النّور) أخوين من بينهم ونصّبهما ملكين يدفعان عن الملّة صولة الأعداء، وكان اسم الأكبر «فرّوخ ملكا» والأصغر «أردبان ملكا».

وقد حدث بعد عودة «أنّش أثرا» إلى الجنّة، أن تكاثر اليهود والصّابئة وازدادت أعدادهم، حتّى أنّ الصّابئة أصبحوا أكثر عددا ممّا كانوا عليه زمن «يحيى». وفي هذا الوقت، ظهر «موسى» نبيّ العبريّين *6* الّذي قرّر أن يثأر لليهود الّذين أبادهم «أنّش أًثرا»، وهو ما صادف من جهة أخرى رغبة «فرُّوخ مَلْكا» في الثّأر للصّابئة الّذين قتَّلهم «أليعاز» لولا أن أرسل إليه «أباثر» رسالة تمنعه من محاربة «موسى» وتأمره بمغادرة البلاد مع جماعته في الحين والاستقرار في مكان آخر. إلاّ أنّ ملك الصّابئة لم يعر هذا الأمر السماويّ اهتماما، وأعلن الحرب على اليهود. وحين التقى الجيشان، تواجه القائدان (فرّوخ ملكا وموسى) في براز طويل انتهى بهروب «موسى» ومن معه، إلاّ أنّه لم يكن بوسعهم الهروب بعيدًا لأنّ البحر كان يعترضهم، فما كان من موسى إلاّ أن دخل عباب البحر الذي انشقّ إلى نصفين كاشفا عن طريق في الوسط. وقد وقف موسى وسط البحر الّذي بقي منشقّا *7* إلى حين عبور جميع عسكره، وكان هو آخر من عبر. وكان أن تبعهم «فرّوخ ملكو» مع جيشه الّذي كان يقوده بمعيّة أخيه، وفي الوقت الّذي عبر فيه موسى البحر إلى اليابسة *8*، اجتمع طودا الأمواج من جديد، فغرقت جيوش «فرّوخ ملكا» عن بكرة أبيها ولم ينج سواه إذ تمكّن من بلوغ اليابسة صحبة أخيه وثلاثين من الصّابئة (من الرّجال والنّساء)، تقريبا في نفس الوقت الّذي بلغ فيه موسى اليابسة.

وحين لاحظ موسى أنّ جيوش العدوّ ابتلعها الطّوفان (9)، طفق يلاحق العدد القليل ممّن نجا من الصّابئة. إلاّ أنّهم أفلتوا منه، ولم يتوقّفوا إلاّ في «شُوشتر» (في فارس). وهناك، ترك الأخوان [فرّوخ – ملكا وأخوه] رفاقهما التّعساء، وتابعا المسير نحو «مْشُوني كُشْطا». وبعد وصوله بفترة قصيرة، مات «فرّوخ ملكا». وحين صعدت روحه إلى «أباثر»، لامه لوما لاذعا على عدم تنفيذ أوامره وتسبّبه في هلاك الصّابئة بإشهاره الحرب على موسى، ثمّ أرسل تلك الرّوح إلى «الْمَطَراثا» كي تتطَهّر من خطيئتها.

بيد أنّ الصابئة الّذين استقرّوا في «شُوشْتر» كانوا يفتقرون إلى كهنوت، ولم يكن يمكنهم بالتّالي الزّواج. ولتفادي هذا الخلل، قاموا باختيار بعض فضلائهم للتكفّل بمهامّ الكهنة (تَرْمِيدُهْ)، دون أن يتوصّلوا إلى ملء رتب الكهنوت الشرعيّة والدّائمة التي كانوا في حاجة إليها. ورغم ازدياد عدد الصّابئة مع مرور الزّمن، إلاّ أنّ وضعهم كان غير طبيعيّ، إذ وقعوا في جهل ديني كبير نتيجة غياب رجال الدّين. وفي تلك الحقبة، أرسل إليهم شخص فاضل اسمه «آدم أبو الفرج». وكان «آدم أبو الفرج» بعد خروجه وزوجته من بلده «مْشُوني كُشْطُُُُهْ» قد توقّف لبعض الوقت في مدينة «مَنْدَلِي» *10*، قبل أن يذهب إلى«شُوشْتر». وهناك حرص على ألاّ يعرفه أحد من الصّابئة حتّى أنّه أجابهم حين سألوه عن مهنته: «أنا راع»*11*، ومن هنا ذهب في روع الصابئة أنّه راعي مواش، فأقاموه راعيا للأبقار*12*. وَقد ارتضى القيام بهذا العمل الوضيع دون أن ينبس ببنت شفة، وتابع مع زوجته حياة شديدة الغموض لكنّها شريفة، وكانا في جميع تصرّفاتهما وهيئتهما مثالا لما ينبغي أن يكون عليه الصّابئة الصّالحون.

وفي أحد الأيّام، تعرّضت زوجة «آدم أبو الفرج» إلى سخريّة بعض صديقاتها، وعيّرنها بلبس زوجها الدّائم للبياض*13*، إذ هو أبسط الألوان وأكثرها تداولا، وبأنّه يمنعها من لبس الحليّ. وحين عاد آدم إلى بيته مساء، وجد زوجته حزينة *14* على غير عادتها، فسألها عن سبب حزنها. وحين أعلمته السّبب، رجاها أن تعدّ له عجينتين، واحدة من دقيق القمح وأخرى من دقيق الشّعير. وحين أعدّت ذلك، صنع «آدم أبو الفرج» من العجينة الأولى سوارين كبيرين تحوّلا في طرفة عين إلى ذهب خالص، كما صنع سوارين من عجينة الشّعير انقلبا هما أيضا إلى فضّة خالصة. وأعطى «آدم أبو الفرج» زوجته الأسورة، فتزيّنت بها في الحين قبل أن يطلب منها أن تأتيه بكتاب اسمه «كنْزا رَبّا» *15*، ويأمرها بقراءة الفقرة الّتي تتعلّق بما يحلّ بالمتزيّنين بالحليّ من عقوبات. وما أن قرأت تلك السّطور حتّى سارعت بنزع أسورتها وإلقائها بعيدا قبل أن تطلب عفو «أَلَهَا»،عمّا ارتكبت من ذنب.

وبعد مدّة من ذلك، التقى «آدم أبو الفرج» امرأة مُسِنّة وهي تبكي بكاء مرّا، فسألها: «لم تبكين؟»، فأجابته: «لقد توجَّهت أكثر من مرّة إلى الكهنة أرجوهم نسخ(16) أحد كتبنا، وكانوا يرفضون ذلك على الدّوام ممّا يمنعني من إنجاز أمر عظيم الثّواب». فقال لها: «كفّي عن البكاء، فأنا مستعدّ لتلبية رغبتك، عودي إليَّ بعد ثمانية أيّام وستجدين كتابك»، فقالت له: «كيف يمكنك أن تنسخ في ثمانية أيّام كتابا يتطلّب نسخه شهرين على أقلّ تقدير؟»، فأجابها: « هذا الأمر لا يعنيك، عودي بعد ثمانية أيّام، وسيكون الكتاب جاهزا». وسألته المرأة: «وكم ستأخذ منّي مقابل هذه الخِدمة؟» فأجابها: «اعْطِنِي ما تريدين». وجاءت المرأة بعد ثمانية أيّام إلى آدم أبي الفَرَج، فَسَلَّمَها الكتاب الّذي نَسَخَهُ، وكان خطّه بديعا. وقد كتب في آخره بعد ذكر تاريخ النّسخ *17* بضعة أسطر افتتحها بعبارة «أي شيشتريو باغيونو»، وهي : «أيّها الشُوشْتَرِِِِيُّون الظّلمة، لقد جئت كي أرعاكم لا لرعي المواشي، لكنّكم لم تعرفوني، ولهذا أترككم لأذهب إلى مندلي. وإذا ما تعسّرت أحوالكم، فما عليكم إلاّ أن تجيؤوني»*18*.

وتسلّمت المرأة المخطوطة والفرح يغمرها، وأعطت آدم مالا مقابل خدمته، ومن ثمّّ غادر مباشرة نحو «مَنْدَلي». غير أنّه كان لمسلمي «شُوشْتر» رئيس شديد التعصّب والخبث يدعى «محمّد غولخوار» (أو آكل الورد) تمكّن بخزعبلاته من استمالة قلوب الأتباع. وقد أمر في أحد الأيّام بإحضار الصّابئة، وحاول إجبارهم على اعتناق الإسلام. وأمام رفض الصابئة قال لهم: «سآتي أمامكم بعض الخوارق، إذا أتيتم بمثلها لكم أن تحتفظوا بدينكم وإلاّ طالبتكم بالدّخول في ديني». وقد أقرّ الصّابئة بعجزهم عن مجاراته، ورجوه الكفّ عنهم، إلاّ أن السّيف سبق العذل وكان عليهم الرّضا بما قسم لهم. وبدأ «محمّد في إظهار معجزاته، فأخذ حبلا صيّره حيّة وأمسك بذيلها وأمرها بلدغ أحد كهنة الصابئة، فأصابته بلدغة سامّة. ثمّ وقف فوق ركام من الصّخور فاستحال أسدا مرعبا. ثمّ أطلق الأسد واتّجه نحو النّهر، وهناك ألقى على الماء الجاري سجّادة صلّى فوقها دون أن تغوص به في الماء. وبعد هذه المعجزات الثّلاث، طلب محمّد من الصّابئة الإتيان بمثلها، فبُهتوا ولم يحيروا جوابا وسألوه مهلة للتّفكير. وقد منحهم رئيس المسلمين مهلة أربعين يوما، فعادوا أدراجهم والغمّ يملأ قلوبهم. وقد كان في هذا الأمر فرصة للعجوز الّتي تقدّم الحديث عنها للسّخرية من بعض كهنة الصّابئة إذ قالت لهم: «لقد قدرتم على أن تقسوا على امرأة مسكينة مثلي حين رفضتم نسخ الكتاب الّذي طلبته منكم، إلاّ أنّكم انهزمتم أمام ساحر، آه لو كان ناسخ كتابي هنا، لأبان من الشّجاعة فوق ما أظهرتم في هذا الموقف المخذل!»، فسألها الكهنة «ومن نسخ لك هذا الكتاب؟». فأجابت المرأة: «إنّه الرّاعي الّذي غادرنا منذ زمن قريب». ولم يصدّق الكهنة أن يكون راع عارفا بالكتابة، وطلبوا منها أن تريهم المخطوط. ولمّا تسلّموه من المرأة، وجده الكهنة جيّد الخطّ، وتصفّحوه إلى أن بلغوا خاتمته، فوجدوا العبارة الأخيرة الّتي وضعها «آدم أبو الفرج» لأجل الصّابئة. وحينها، تفتّحت أعينهم وأيقنوا أنّ راعي المواشي لم يكن كأحد من النّاس، وأنّه وحده القادر على تخليصهم من مضطهدهم، وعلى الفور أنابوا إلى «أَلَهَا» طلبا للتّوبة عمّا اقترفوه بلا قصد في حقّ الرّجل الصالح الّذي لم يشأ إعلان نفسه، وأرسلوا اثنين من فتيانهم الأشدّاء الخفاف كلّفوهما بالذهاب إلى «مندلي» يترجّيان «آدم أبي الفرج» أن يسارع في نجدتهم. وقد دخل الشّابان منزل «آدم أبي الفرج» وعرضا عليه ما يحدق بالصّابئة من أخطار وطلبا منه نسيان الماضي والعمل على خلاصهم، فقال لهما: «اطمئنّا، سنخرج معا اللّيلة، كي نخلّصهم»، فأجاباهُ: «لا يمكننا أن نصل في الوقت المحدّد، فقد قضينا ثلاثين يوما في الوصول إلى هنا، ولم يبق سوى يومين فحسب قبل حلول الأجل الّذي سيتمّ فيه غََََصْب الصّابئة على الدّخول في الإسلام». فقال لهم الرّاعي السّابق: «لا خوف عليكم».

وحين جنّ اللّيل، صلّى «آدم أبو الفرج» مع الشّابين المُرسلين صلاة قصيرة إلى «آلَهَا» كي يعينهم، قبل أن ينطلق ثلاثتهم في المسير كامل اللّيل. وكم كانت دهشة الشّابين كبيرة حين وجدا نفسيهما عند الفجر قرب نهر يشبه نهر بلدهما «شوشتر». فصاحا قائلين: «أليس هذا نهرنا ؟». وفي تلك اللحظة لمحا مدينتهما، فسألا: «هل بلغنا شوشتر في مسيرة ليلة واحدة ؟» فأجاب «آدم أبو الفرج»: «نعم، لقد بلغناها بِعََوْنِ آَلَهَا». وحينها، سارع الشّابان بحمل البِشارة إلى الصّابئة الذين خرجوا جميعا رجالا ونساءً للقاء مُخَلِّصِهِمْ. وعندما وصلوا إليه ارتموا عند قدميه طالبين الصّفح عمّا اقترفوه في حقّه حين جاءهم في المرّة الأولى، واحتفوا به أشدّ الاحتفاء وأكرموه غاية الإكرام عند دُخوله المدينة. وفي الغد، وقد كان آخر أيّام الأجل المُحدّد، أرسل رئيس المسلمين في طلب الصّابئة، فجاؤوه مع «آدم أبي الفرج». وحين عاود محمّد مرّة أخرى تخييرهم بين الاتيان بمعجزة أو الدّخول في الإسلام، تدخّل «آدم أبو الفرج» وقال له: «أنا رئيس الصّابئة، وقد وصلت البارحة إلى هذه المدينة. وبما أنّني لم أشهد معجزاتكم، فإنّي أرجو أن تكرّروها أمامي، وسأُريكم بعد ذلك معجزاتي».

وافق محمّد على طلبه، وكرّر القيام بما سبق أن قام به في المرّة السابقة. وحين وجّه الأفعى الّتي كانت قبل برهة حبلا نحو آدم، أمسكها هذا بيده ووبّخها بقوله: «ها أنت تخضعين إذن أيّتها اللّعينة لأوامر ساحر!». وعند سماعها هذه الكلمات، عادت الأفعى حبلا كما كانت من قبل. أمّا حين وجد أبو الفرج نفسه في مواجهة الأسد الّذي يمتطيه المُسلم، فقد وجّه صفعة للوحش ولامه أيضا، وعندها عاد إلى صورته الأولى، كومة من الحجارة.

ودون أن يفقد الأمل، اتّجه رئيس المسلمين ناحية النّهر تتبعه جَمهرة من المسلمين والصّابئة، وألقى سجّادته على الماء وقام يصلّي فوقها، فصاح آدم مهدّدًا النّهر: «حتّى أنت أيضا تنساق لأوامر ساحر!» وعند هذه الكلمات، غطس محمّد وسجّادته في القاع ولم يفلت من الغرق إلاّ بصعوبة، وخرج من النّهر في حالة من الإزراء والارتباك الشّديدين. وعند هذا الحدّ، قال «آدم أبو الفرج» لمحمّد: «والآن حان دوري حتّى أُريك معجزاتي»، وطلب نواة تَمْرَةٍ، غسلها سبع مرّات في الماء ثمّ وضعها في الأرض على حافّة النّهر، وقام يصلّي إلى «أَلَهَا»، وإذ بالنّواة تنبت برعما أخضر أمره آدم أَنْ يَنْمُو، وفي طرفة عين غدا نخلة تربو على قامة رجل. ثمّ أمر آدم النّخلة أن تمْتَلئ ثمرًا، فَزَرَّرَتْ في الحين زهورا كثيرة لقحت في التوّ دون أيّ تأبير من لقاحٍ ذكوريّ وتحوّلت إلى عراجين تَتَدَلَّى ذات اليمين وذات الشِّمَال تحت وطأة الغلال النّاضجة. وحينها، طلب رئيس الصّابئة من محمّد ارتقاء النّخلة وأن يقطف من ثمرها ويرمي منه إلى الحَشْدِ. ولمّا صار محمّد على رأس النّخلة، أمرها آدم بالتّطاول وصَاحَ بها: « سَاْندَارْكَا سُوقْ» (يا نخلة ارتفعي!)، فارتفعت نحو السّماء إلى علوّ عَجيب، وحينها أَمَرَ آدم الفُروع الّتي تُغطّي رأس النَّخلة بالالتفاف حول المسلم المتعجرف وإحكام الضّغط عليه، ونادى رَيَحا الشّمال والجنوب كي تعصفا بالتّوالي وبشدّة إلى أن تحني النّخلة حتّى تلامس الأرض مع كلّ هبّة. ولمّا اشتدّ الأمر على رئيس المسلمين التَّعِس وصار جميع جسمه مرتعدا، صاح بكلّ قوّته وتوسَّل إلى آدم أن يضع حدّا لعَذاباته واعدًا بألاّ يتعرّض للصّابئة أبدا. وهنا أمر «آدم أبو الفرج» الرِّيَاحَ بالتوقّف، ففعلت وَسَكَنَتِ النَّخلَةُ، وحينها قال آدم لمحمّد: «إذا أردت النُّزول سالماً، فاجمع أعيانَ طَائِفَتِكَ وعُلََمَاءَها هنا، ولتكتب معهم عهدا بعدم التعرّض للصّابئة». وأرسل محمّد في طلب العلماء، فقدموا وأمضوا مع رئيسهم كتاب العهد على ورقة بردي وضعت بين يَدَيْ آدم الذي سلّمها بدوره إلى كهنة الصّابئة قبل أن يستدير ناحية النّخلة ويصيح فيها: «سَاْندَارْكَا، نْْْْهُوتْ!» (يا نخلة اهْبِطي!). وابتدأت النّخلة بالتّقاصر إلى أن نزل رئيس المسلمين أرضا، وواصل آدم ترديد كلمة «نهوت» (اهبطي) والنّخلة تتقاصر وتتقاصر إلى أن دخلت الأرض وغدت نواة كما كانت قبل أن تُزْرَعَ. وعندها أخرجها «آدم أبو الفرج» ووضعها في يد محمّد، فارتمى هذا عند قدميه مجدّدا ووعده بعدم التعرّض للصّابئة. ولمّا انتهى الأمر، عاد كلّ إلى بيته.

وإكراما لآدم أبي الفرج، نحر الصّابئة واحدا من أجمل ثيرانهم وليمة طعام. وحين سألهم لم ذبحوا الثّور، أجابوه: «هذا لعشائك». وعندها أمرهم يإلقاء ذلك اللّحم في النّهر ونَبَّهَهُم إلى أنّ لحم الثّور محرّم عليهم أكله. وفي الغد، وكان يوم أحد، عمّدهم جميعا كبارًا وصغارًا، وأحضر كتابا تلا منه عليهم الآية التي تحرّم على الصّابئة أكل لحوم الأبقار. وبعد أن أقام بينهم مدّة يفقّههم في دينهم، اقترح عليهم مغادرة بلدهم ليعيشوا في مكان آخر، وهو الاقتراح الذي ما كان ليقدّمه لولا خوفه من تعرّضهم لأذى المسلمين مجدّدا. لكنّ الصّابئة أخبروه بما ينجرّ من خسارة لو فرّطوا في ممتلكاتهم وتجاراتهم، فاستقرّ الرّأي على المكوث حيث هم. وكَرَّسَ آدم «كنزفرات» وأقام «تراميذ» عند الصّابئة، وبذلك نشأ عندهم كهنوت شرعيّ؛ ثمّ ودّعهم ليعود إلى «مشوني كُشْطُهْ». وقد فرح المسلمون بمغادرته، ولم يطل الأمد حتّى عادوا إلى التعرّض إلى الصّابئة واضطهادهم وسومهم سوء العذاب، فقرّر الصّابئة مغادرة البلد حيث ذهبت قلّة منهم إلى «دزفول» ليستقرّوا بها دون أن يصحبهم أي «ترميذه» (طالب علم) أو كاهن، بينما توجّهت الأغلبيّة مع كهنوتهم إلى نهر «كارون» قرب مدينة «المحمّرة»، وهناك عاشوا طويلا في انسجام مع مسلمي ذلك البلد(19).

وفي أحد الأيّام (منذ مائتي سنة خلت)، حدث أن دخل صابئيّ في خصومة حادّة مع مسلم، وشتم المسلم «يَحْيى»، فردّ الصّابئي بشتم النبيّ محمّد*20*. وعلى الإثر استنفر المسلم بني ملّته فقدموا من كلّ حدب وصوب للردّ على هذه الإهانة، ولحق الصّابئة بدورهم بابن ملّتهم وقامت معركة ضارية بين الجانبين. ومع أنّ عدد المسلمين كان يفوق بكثير عدد الصّابئة، إلاّ أنّ كلّ صابئيّ كان يقتل ثلاثة أو أربعة مسلمين قبل أن يموت، بحيث مات من المسلمين عدد أكبر ممّا خسر الصّابئة. إلاّ أنّ كثرة عدد المسلمين رجّحت كفّتهم، فقتلوا معظم الصّابئة باسثناء عدد قليل منهم التحق بأهل طائفتهم بمدينة «دزفول»، لكنّهم ظلّوا معهم خمسين سنة دون زواج بسبب افتقادهم الكهنة المخوّلين وحدهم عقد القرانات. وانتهى الأمر بأن اجتمع الأعيان في أحد الأيّام ليقرّروا بعد النّظر في كتبهم اختيار بعض الأشخاص الأفاضل ليقوموا بمهامّ «الكنزفرة» و«الترميذة». وما إن باشر هؤلاء مهامّهم الجديدة، حتّى احتكروا صفة الكهنوت لأنفسهم على عكس ما كان يقتضيه العدل، ومنحوا أنفسهم حقّ التمتّع بتلك المراتب وتوريثها لأولادهم، وهو ما جعل غيرهم لا يجاوز مرتبة «اشْكَنْدُهْ»*21*.

وتواصل الأمر على ذلك الحال إلى أن حَاق الطاعون الأَكْبَر سنة 1831 بفارس وبلاد الرّافدين وَعَاثَ في البلاد فسَادًا، وهلك فيه جميع المنتمين إلى الكهنوت. وهنا اضطرّ الصّابئة من جديد إلى البقاء دون زواج طيلة عشر سنوات في ظلّ غياب كهنة يَعْقِدُونَهُ، وهو ما دفع بهم خلال هذه المدّة إلى الهجرة من «دزفول» إلى «شوشتر». بَيْدَ أنّ عددا من الصّابئة سبق لهم أن سكنوا منذ فترة طويلة في بلدة تسمّى «سوق الشّيوخ»*22*، لكنّهم كانوا بدورهم دون كهنة فأرسلوا جمعا من أعيانهم إلى «شوشتر» رجعوا ومعهم كاهنان برتبة «اشكنده» هما: «الشّيخ عبد الله» و«الشّيخ بولاد» (جدّ معلّمي)، وقد كان الأوّل أعزب، أمّا الثّاني فقد جاء مع زوجته وأبنائه.

ولمّا تمّ ذلك، سعى أولئك الوجهاء إلى لقاء شيخ قبيلة «المنتفق» البدوية حاكم تلك المنطقة حاملين معهم هدايا، وطلبوا منه السّماح لهم ببناء «مندي» وتكريس كهنة فيه. وبعد الحصول على الإذن، كرّس «الشكندان» المذكوران ثلاثة «شكندات» آخرين لقّناهم واجبات الكهنوتيّة، ومن ثمّ اجتمع «الشكندات» الخمسة وتشاوروا فيما بينهم واختاروا «الشّيخ عبد الله» وكرّسوه «تَرْمِيذه»*23* ليكرّس بدوره ثلاثة منهم «ترميذه» وهو ما رفع عدد «التراميذ» إلى أربعة. ولم يبق بذلك على الصابئة إلاّ أن يُكرّسوا «كنزفرة» (أسقف)*24*. وقد تمّ الاختيار أوّلا على «الشّيخ عبد الله»، لكنّه اعتذر، فوقع الاختيار بعد مداولات على «ترميذه» آخر اسمه «عزيز» تمّ تكريسه «كنزفْره» ليقوم فور تسلّمه مَهامَّهُ بعقْد زيجات عديدة في صفوف الصّابئة. وبعد وقت قصير توفّي «الكنزفره» الجديد، وتعاقب «الكنزفرات» إلى اليوم*25*.

الهوامش

(1 ) الصّباة أو الصُّبّة أو الصّابئة أو الصّابية: تسميات شائعة للطّائفة المندائيّة في العراق.

(2) يستخدم السّيوفي هنا لفظ "كنيسة" وكأنّه يريد الانتصار للأطروحة القائلة إنّ الصّابئة مجرّد طائفة مسيحيّة مهرطقة وهو رأي روبار ستال (Stahl) وألفريد لوازي (Loisy)، مقابل الأطروحة الزّاعمة أنّهم طائفة منشقّة عن اليهوديّة وهو رأي باكلي (Buckley). وهيكل الصّابئة يدعى "المَنْدى"، ولا ندري إن كان وصفه بالكنيسة ينمّ عن نَفَس استشراقي عند السّيوفي أو إنّه أسقط ثقافته المسيحيّة على هيكلهم وأسماه كنيسة. وقد فضّلنا عبارة "معبد" لأنّها أكثر حياديّة وأقلّ إحالة على المسيحيّة.

(3) هي "موريو" في النّطق المندائي، وهي أيضا "مرياي" حسب ما جاء في كتاب "مواعظ و تعاليم يحيى"، ط 1، بغداد، 2001 ، ترجمة أمين فعيل حطاب، وهو عمل مصادق عليه من مجلس عموم الطائفة المندائيّة: "ويل لليهود الذين يضطهدون مرياي. ويل لأليزار كاهن المعبد الذي ثبّت بيت المقدس. ويل لزاتان الكاهن الذي شهد زورا ضدّ مرياي" (ص 102). وقد اخترنا إيراد الإسم "مريم" كما رسخ في النّطق العربي.

(4) ألم يكن الصّابئة واليهود يتكلّمون نفس اللّغة كما ورد في أوّل النصّ: «وكان الجميع يتكلّم لغة واحدة» ؟ وكيف تحدّثت مريم مع أحبار اليهود إذن ؟ نظنّ أنّ في هذه الأسطورة إشارة إلى الأصل الواحد للّغة المندائيّة واللّغة التي كتب بها اليهود أوّل نسخ توراتهم وهي الآراميّة.

*5* «سيموث حيّ» هي سيّدة نساء الجنّة (والمقصود هنا هو جنّة الصّابئة المندائيّة - المترجمان).

*6* يعتقد الصابئة أنّ مشرّع اليهود (موسى) لم يظهر إلاّ بعد «يَحْيى»، وقد نبهت مُعَلّمِي إلى هذا الخطأ التّاريخي فقال: «هذا ما جاء في أسفارنا».

*7* كانت المعجزة خاصّة بموسى دون قومه، ولو سبق جيشه وخرج من البحر قبله لغرق الجيش.

*8*هذا خطأ يصعب فهمه، فقد خَلُصَ الصّابئة إلى أنّ ملكهم هو «فرعون» التّوراة، ولاحظت ذلك لمعلّمي فقال: «لم أقرأ التّوراة، لكنّي أقصّ عليك ما جاء في أسفارنا».

(9) يطلق المندائيّون على هذه المناسبة اسم "عاشوريّة" وهو يوم حزن يقرؤون فيه الفاتحة (لوفاني) على أرواح المصريّين الذين غرقوا في البحر الأحمر عند مطاردتهم موسى وأتباعه. ومعلوم أنّ المندائيّين الحاليّين يعتقدون أنّ المصريّين القدامى كانوا على ملّتهم، وهذا نفس ما درجت على ذكره المصادر الإسلاميّة أيضا.

*10* مَنْدَلِي، مدينة صغيرة على بعد 15 أو 18 ساعة من بغداد.

*11* يقصد آدم أبو الفرج بكلمة رَاعٍ (pasteur)، رعاية النفوس لكن الصابئة أخذوا الكلمة في معناها الحرفي وجعلوا منه راعي غنم.

*12* يُحرّم على الصابئة أكل زبدة غير تلك الّتي يعدّونها بأنفسهم وبما أنهم يكثرون من استعمال هذه المادّة، فإنّهم يسعون إلى يومنا هذا إلى تربية الجواميس والبقر (رغم أنّهم لا يأكلون لحومها لأنّها محرّمة عليهم) بسبب كميّة اللّبن الهامّة الّتي توفّرها لهم.

*13*الأبيض هو اللّون المفضّل عند الصّابئة. ويجب على الصّابئي التقيّ الامتناع عن الملاببس غير البيضاء والتزيّن بالحليّ.

*14* الحزن محرّم على الصّابئة، وهو من علامات عدم التّقوى.

*15* أي "الكنز العظيم" وفيه ذكر لواجبات الصّابئة والعقوبات الّتي تُسَلّط على من لا يعمل بها.

*16* يفضّل الصّابئة أن يبدؤوا نسخ كتبهم إمّا يوم الأحد أو يوم الخميس، فهما اليومان المقدّسان عندهم.

*17* معظم المخطوطات المكتوبة بالعربيّة أو التّركيّة سواء تلك التي أمتلكها أو التي عاينتها، تحمل اسم النّاسخ، وسنة الانتهاء من النّسخ، وأحيانا الشّهر.

*18* حفظ العرب المسلمون الّذين يسكنون بلاد الصّابئة الكلمات الّتي ذكرت بلغة الصابئة. ويستغلّونها في بعض المناسبات للسخرية من جيرانهم أو مداعبتهم فيقولون لهم: «أي شِشْتُرويو بَغْيونو» فقد «كان أبو الفرج نفسه بينكم لكنّكم عوض أن تستقبلوه الاستقبال الّذي يستحق كلّفتموه برعاية الأنعام كما لو كان مجرّد راعٍ».

(19) صابئة الأهواز يعيشون إلى اليوم حول نهر كارون في سلام مع عرب إيران من الشيعة أساسا.

*20* يعتبر المسلمون شتم النبيّ محمّد جريمة لا تغتفر ولا يمحوها إلاّ القتل.

*21* قال لي معلّمي أن جَدَّه لأبيه واسمه «الشّيخ بُولاَدْ» كان يُعَدّ من الشَّكِنْدُهْ.

*22* كانت تسمّى سابقا "سوق النّواشي" وهي الآن مدينة تعدّ ثلاثة أو أربعة آلاف نسمة وتقع على الفرات على مسافة ست ساعات بالمركب من النقطة الّتي يلتقي فيها هذا النّهر بدجلة مكوّنا شطّ العرب.

*23* لتكريس ترميذه يتوجب اجتماع أربعة اشكندات، ولتكريس اشكنده يكفي ترميذه واحد.

*24* لتكريس كزنفره يتوجب اجتماع أربعة تراميذ.

*25* قال لي معلّمي إنّ الصابئة حسب ما جاء في كتبهم سيضطرّون في المستقبل إلى تحمّل مآسي كبرى، وسيأتي يوم يُحرمون فيه من رجال دين، وعددهم اليوم [عند وضع كتاب سيوفي] لا يتجاوز ألفا وخمسمائة نسمة (رجال وأولاد دون احتساب النّساء والبنات) وأنه سيكون هناك نقص كبير حتّى أنّه لن يبقى منهم إلاّ عدد ضئيل إلى حين مجيء "ياور زيوا".

نشرت في تاريخ

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014