• Default
  • Title
  • Date

في اعقاب سقوط النظام السابق في العراق، لاحظ الجميع من مندائيين وغير مندائيين ظاهرة انتشرت في طريقة لم تكن مألوفة من قبل، وهي: ظاهرة نشاط الاقلام المندائية، وبروز عدد من مثقفينا ومثقفاتنا للانخراط في صفوف هذه الظاهرة واعطائها مقومات التأثير، ووجود قراء ومتابعين في الصحافة العراقية والعربية والمواقع الالكترونية والفضائيات التلفزيونية... الخ. 

ومن ابرز هذه الاصوات التي وجدت لنفسها مساحة مرموقة ومتماسكة في هذه المرحلة الحرجة، هو  االمناضل والحقوقي  والناشط في مجال حقوق الانسان، الاستاذ عربي فرحان الخميسي، الذي شكل بجهده ووعيه وفكره المتنور، منبرا ثقافيا منطلقا من اعتبار الثقافة العراقية تمر الان في ازمة هوية وعلى الجميع القيام بصوغ الهوية الوطنية وتفعيل دور المثقف العراقي بشكل عام والمندائي بشكل خاص في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لان هذا المثقف حسب اعتقاد استاذنا عربي فرحان يمثل ضمير المجتمع، وايضا ضمير المجموعة التي ينتمي اليها اينما كانت. وقد سعى هذا الرجل من خلال مواقفه الملتزمة في تنشيط ودعم اتحاد الجمعيات المندائية منذ بدايات تأسيسه، واصبح عضوا فاعلا في سكرتارية الاتحاد ، ليأخذ مسؤوليته في دعم واسناد الجوانب الحقوقية والقانونية في عمل الاتحاد الذي ينشط ويتسع يوما بعد آخر. وساهم الاستاذ  ابو رغيد وبشكل فعال في تأسيس رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الصابئة المندائيين، بهدف خلق تجمع يهدف الى تكوين وانشاء مركز ثقافي مندائي تنويري ، معبرا عن رغبة المنضوين تحته في اشاعة ثقافة مندائية عراقية حرة بعيدة عن كل التأثيرات السياسية والايديولوجية، من اجل اعادة انتاج واقع ثقافي حضاري  في مرحلة ثقافية حرجة تمر بها الطائفة المندائية. 

دعا هذا العلم العراقي في كل مداخلاته وكتاباته ومواقفة الاصيلة الى تأسيس رؤية مندائية جديدة، تتطلب اعادة صورة علاقتنا كمندائيين بالاخوة الاخرين من العرب والاكراد والتركمان وجميع الاقليات العراقية الدينية والاثنية، من خلال المساهمة الجادة في خلق اجواء الحوار واعادة بناء ثقافة وطنية متعددة ، تعتمد قبول الاختلاف وتشكيل قيم معاصرة اساسها الانفتاح على ثقافات الاقليات والعالم، والابتعاد عن الاساليب القسرية في دمج الاخر وثقافته في ظلمات وطغيان الاخر المتسيد سياسيا. 

وقد ساهمت كتابات ومداخلات عربي فرحان من خلال المواقع العراقية والمندائية الى جر العديد من ممثلي ثقافتنا المندائية الذين ظلوا خارج دائرة الفعل لاسباب متعددة ليس اخرها غياب الامن وتسليط سيف الارهاب، او لرفضهم التأطير الايديولوجي او لغياب او قلة المنابر الثقافية التي تكفل حرية الفكر واستقلالية المثقف، الى تفعيل دور المثقفين في البحث عن الصيغ الجديدة للهوية المندائية باعتبارها تجسيدا لثقافة وحضارة عراقية تراكمية ساهم ببنائها الجميع، وتشكل نتاجا متلاقحا بين شعوب وديانات تعيش على هذه البقعة من الارض اسمها العراق. 

لقد ساهمت كتابات هذا المندائي النبيل بكشف الاحتقان الطائفي الراهن، بكونه يشكل خطرا لايهدد بتمزيق النسيج الوطني فحسب، بل ينذر بقطع التواصل التاريخي بين جميع مكونات الشعب العراقي. وقد سعى ولايزال في تفعيل دور المثقف المندائي في اشاعة ثقافة الحوار واحتواء المشكلات بين المثقفين من اجل خدمة اهداف الطائفة في الحفاظ على بقائها واستمرارها، بعد ان كشف الجميع ما تتعرض له طائفتنا المسالمة من تهديد بالابادة الجماعية. 

عربي فرحان الذي عرفناه مناضلا قديرا ضد الديكتاتورية في كل عهودها، وعاش فترات من عمره المديد في السجون والمعتقلات، والهرب والتخفي بعيدا ، عرفنا به انسانا يعشق الحرية، وهو واحدا من مثقفينا الذين علمنّا بان الحرية ليست فكرة جاهزة، ولا طبقا جاهزا، ولا حتى حلما جاهزا، او مقدسا جاهزا، عرفنّا ان الحرية تصنع ونراها، نلمسها، نتحسسها، عرفنّا بان الحرية تصنع كالخبز كل يوم يايدينا، وان كنا نحتاجها فعلينا ان نقاتل من اجلها لان ثمنها كبير في حياة كل منا 

تحية لهذا الرجل.... وتحية للحرية التي يريدها لنا جميعا

 ولد الدكتور فرحان سنة 1909 في مدينة قلعة صالح الصغيرة في جنوب العراق. وكباقي اقرانه من نفس الجيل فقد شهد خلال فترة حياته تغيرات كبيرة وكثيرة طرأت على اسلوب حياة الاجداد والآباء في تلك الارض التي تمتد عميقا في تاريخ ارض الرافدين.

ذلك الأسلوب الحياتي المتناغم تمامآ مع الطبيعة والذي منحه الدين المندائي ذاته قوة وصلابة ايمانية لاحد لها، ارتبطت بالماء الجاري رمزأ لكل الطقوس، ابتداءا من نهر الأردن ومن ثم أنهار بابل فيما بعد ودجلة والفرات.لتعكس صورة التعميد الذي سبق التعميد المسيحي.

لقد عاش الدكتور فرحان فترة التتغيير بين هذا وعالمنا الحديث بالشكل الذي نعرفه في يومنا هذا.
فقد عاش فترة طفولة سعيدة خالية من الهموم بين رفاقه المندائيين الذين تعايشوا كعائلة واحدة متماسكة آمنة, تجتمع بيوتهم سوية وهي تمتد واحدآ جنب ألآخرعلى ضفاف نهر دجلة, هذا النهر الذي مثل لهم شريان الحياة الذي يعتمدون عليه في دينهم وكسب رزقهم.
اما حدائقهم وحيواناتهم فكانت خلف بيوتهم تكفي تقريبآ معيشتهم كما كان يفعل أجداهم قبل مئات السنين.

كان الدكتور فرحان اول من التحق بالمدرسة الأبتدائية التي افتتحت حديثأ في قلعة صالح وأكملها بتفوق لينتقل بعدها الى بغداد لينضم الى ثانوية الأعدادية المركزية الشهيرة. وفي امتحانات البكالوريا النهائية, كان من الطلبة الأكثر تفوقآ. التحق بعدها بكلية طب بغداد التي كانت حديثة الأفتتاح بفضل جهود الدكتور ساندرسون, طبيب العائلة الملكية الهاشمية آنذاك. كان ينجح سنويآ بدرجة شرف وينال المنحة السنوية والساعة الذهبية التي كان يمنحها الملك غازي للطلبة المتفوقين.

كان الراحل فرحان سيف اول مندائي يتخرج من كلية طب بغداد في فترة اواسط الثلاثينات من القرن الماضي. وبقي اسمه معلقآ مع مجموعة آخرين ضمن لوحة الشرف في مدخل الكلية لعدة سنوات تلت.
اول وظيفة له كانت في مدينة الفاو – ميناء العراق الجنوبي المطل على الخليج. كانت مهمته فحص الوافدين عن طريق السفن القادمة من الشرق الأقصى. وذلك خوفآ من انتقال الأمراض المعدية.
كان زواجه الاول عام 1941 من السيدة اديبة حسن من أوائل المعلمات المندائيات بمدينة قلعة صالح و انجبت له خلود وحسام ونضال .
و في سنة 1942 تم تعيينه طبيبآ في مدينة العمارة واصبح الطبيب المسؤول عن صحة نزلاء سجن العمارة الذي كان فيه يحتجز الكثير من العراقيين الوطنيين المتميزين بنضالهم من اجل حياة افضل لشعبهم. والمه سوء المعاملة التي يتعرض لها السجناء هناك فكتب تقرير الى المسؤولين حول سوء الاوضاع الصحية و عدم وجود اي شكل من اشكال العناية الصحية الاساسية في السجن وكان نتيجة التقرير ان صدر قرار بسجنه مع نفس المسجونين وفي نفس السجن لمدة سنتين.
و

بعد خروجه من السجن, تخلى عن وظيفته في المستشفيات الحكومية ليفتح عيادته الجراحية الخاصة في اقدم منطقة من مدينة البصرة الجنوبية. كانت عيادته ولسنوات عديدة مكتضة بالمرضى من كل فئات وطبقات المجتمع.
في ذلك الوقت لاحظ الكم الكبير من حالات التهاب العين وامراض المنطقة فقرر في سنة 1948 السفر الى انكلترا ليتخصص في ذلك المجال الطبي الا وهو طب العيون.
وبعد اكماله دراساته العليا, عاد الى البصرة وافتتح عيادته في منطقة العشار ليعالج آلاف المرضى. وكان الطبيب الوحيد الأخصائي في طب العيون في جنوب العراق كله. لقد قام بعدد كبير من عمليات العيون في المستشفى في الطابق العلوي من عيادته وكذلك في العديد من كبريات المستشفيات في منطقة الميناء و مستشفى البصرة.
انتقل في عام 1959 الى بغداد واصبح محاضرأ في كلية الطب ولكنه تقاعد بعد سنتين وعاد الى البصرة للعيش والزواج ثانية من السيدة ابتسام عواد سبهان و رزق بخالد( قتل على يد الارهابيين في البصرة عام 2003) وسلوى وكريمة.
في صيف 1980 شد الرحال الى الولايات المتحدة الأمريكية وخضع لعملية فتح قلب. وفي الثاني من ايلول من عام 1986, توقف قلبه فجأة فغادر الحياة وكانت حينها البصرة تتعرض الى قصف شديد اثناء الحرب بين العراق و أيران. وكانت رحى الحرب يومها تدور لأكثر من خمسة اعوام وكانت مدينة البصرة واحدة من اكثر المدن استهدافآ.

وبهذا انطوت صفحة أخرى من حياة علم بارز من اعلام المندائية.

إن من يطلع على الأعمال والأبحاث العلمية التي قام بها د.عبد الجبار عبد الله ، وكذلك على كتبه وترجماته ومقالاته العامة ونتاجه وآرائه وأفكاره في العملية التعليمية والتربوية يدرك القيمة الحقيقية لمكانته كعالم مرموق في مجال الأنواء الجوية، ويعرف أنه ريادي في بعض فروع هذا العلم وأستاذ جامعي ومربي وتربوي قلَّ مثيله. عندئذ يفهم المرء مقدار الخسارة التي مني بها العراق لدى فقدانه عبد الجبار عبد الله. ويشعر المرء بالحزن العميق عندما يعرف ما ألمَّ به إثر الأنقلاب الدموي في شباط 1963 حيث إن ذلك العالم الكبير والأستاذ الجليل والمربي الفاضل والأنسان المتواضع المحب لوطنه وشعبه قد ضُرب وأُهين وأُلقي به في السجن.

ومع الأسف فإن ذلك الحزن ما يزال مخيماً على العراقيين إذ يفقد العراق المئات من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمبدعين في مختلف المجالات يفقدهم بين قتيل أو مهاجر. وفقدانهم يعتبر خسارة لايمكن تعويضها فهم الخبراء والمهرة وأصحاب التجارب الكبيرة في أعمالهم واختصاصاتهم. وما أشد الحاجة إليهم اليوم حيث يريد بلدنا أن ينهض من جديد!

لقد حُرم العراق من الكفاءات والخبرات المتميزة لرائد علم الأنواء الجوية في العراق الحديث عبد الجبار عبد الله عندما اضطر للهجرة إلى امريكا. وهناك نشر معظم أبحاثه العلمية سواء إثناء دراسته لنيل الدكتوراه أو بعد عودته إليها ثانية. وتدل مقالاته العلمية على انه كان في قلب الجبهة الأمامية لعلم الأنواء الجوية في ذلك الوقت. إن أبحاثه تشير إلى خيال خصب وأفق واسع وإطلاع وفير لهذا العالم الجليل في مجال تخصصه. كان في بداية كل بحث من بحوثه معتاداً أن يوجز أهم ما توصل إليه الباحثون الآخرون، ومن ثم يبيّن أهمية الموضوع ألذي يتناوله هو أو النموذج الجديد الذي يضعه، يدخل بعد ذلك في صلب البحث نفسه، ليصل أخيراً إلى ألنتائج النهائية مقارناً إياها بالنتائج العملية المتوفرة.

معظم أبحاثه كانت حول الأعاصير والرياح القوية والزوابع. درس أسباب وطرق تولّدها والعوامل التي تساعد على نموها وأخذها أشكالها النهائية. كان يصف ذلك بشكل مذهل حتى يخيل إليك أنه راكب مع تلك الموجات التي كان يبحث فيها، مندفع مع التيارات المتلاطمة والدوارة، سائر في طرقها الملتوية، الصاعدة منها والهابطة والحلزونية وغيرها. كان يبيّن بإمعان ووضوح طبقات الهواء المتباينة، الباردة، الأقلّ برودة، الدافئة والأكثر دفئاً، وكذلك علاقات تلك الطبقات مع بعضها البعض. كما بيّن درجات حرارتها، أسباب اختلافها عن بعضها و فرق الضغط بينها، إضافة إلى دراسته العوامل والمؤثرات التي كانت تلعب دوراً مهماً في حدوث ونمو وتكامل الزوابع والأعاصير. ولقد خصص قسماً من أبحاثه لدراسة قلب الأعصار الذي يدعى (عين الأعصار) [1].

الشيء المهم الذي تميزت به أعماله هو وصفه لما كان يحدث بمعادلات رياضية، يستطيع الباحث بواسطتها التنبؤ بحالات هبوب الأعصار. وعلى هذا الأساس يتم التهيؤ والأستعداد لمواجهة ذلك، حيث يتم إنقاذ السفن والبواخر التي تمخر عباب البحار والمحيطات، وأخذ الأحتياطات اللازمة في المدن.

باكورة أعماله العلمية كانت إطروحة الدكتوراه حيث (عالجت نظرية الأمواج الجوية وتزايد طاقة مثل هذه الأمواج بواسطة سرعة مجموعتها) [2].

من بين أعماله، على سبيل المثال، بحث لدراسة التأثير الميكانيكي لموجة الهواء البارد على حدوث الأعاصير الحلزونية المدارية [3]. وهو بحث نظري تناول التأثيرات والأضطرابات والتخلخلات الضغطية، والأختلافات في درجات الحرارة التي تحدث حينما تتحرك طبقات الهواء البارد إلى الأعلى، مخترقة جبهة الموجة التي تفصلها عن طبقات الهواء التي تقع فوقها والتي هي ادفأ منها. وهذا بدوره، دون الخوض في تفاصيل عديدة، يشكل الجانب الميكانيكي ألذي يؤدي إلى حدوث الزوابع. وأشاراثنان من العلماء الأمريكيين البارزين في علوم الأنواء الجوية هما هورتز و اوبراني [2] الى اهمية هذا العمل(لأنه يدل على التطبيق الأصيل لأسلوب الأعداد البيانية في اللوغاريتمات على قضايا الأنواء الجوية. وفي بضع سنوات فقط حذت أبحاث عديدة حذو ما توصل إليه د. عبد الجبار. وأُستخدمت هذه الأداة الجبارة في حل معادلات تفاضلية جزئياً غير خطية زائدية المقطع في معالجة القضايا الجوية).

وفي مقالة أخرى [4] درس د. عبد الجبار حدوث ونمو وتكامل عين الأعصار. والأعصار يبدأ كدوامة صغيرة، ثم تكبر وتنمو عين الأعصار، فتكون ضيقة، دافئة، واضحة و تحدّها ريح قوية وفرق بالضغط شديد الكثافة. وهذه الحالة غير مستقرة، مما يؤدي إلى تغيير شكل العين، فتأخذ بالتوسع، وقد تكون غير دافئة، غير واضحة وتقل كثافة فرق الضغط. وبإستخدام موديلات(نماذج) رياضية مبسطة عن طريق إهمال بعض العوامل مثل تأثيرات الأحتكاك ودوران الأرض على التحركات الجوية، استطاع د. عبد الجبار توضيح بعض الخصائص المهمة لهذا الأعصار وامكانية التنبؤ بحدوثه. وله دراسات اخرى حول عين الأعصار (انظر، على سبيل المثال، المراجع 11 و 12 في [2]).          

وقد خصص بعض بحوثه[5-7]إلى دراسة خصائص خطوط العاصفة. كان يلاحظ أن تلك الخطوط، التي تشكل مقدمة الجبهة الباردة للعاصفة والتي تندفع بتعجيل معين،يجري نموّها طوليا. قام د. عبد الجبار بوضع محاولة [6] لتوضيح صفات خطوط العاصفة والتي تُدعى أيضاً خطوط قفز الضغط وكذلك لأستنتاج معادلة رياضية يُستطاع من خلالها التنبؤ بذلك النمو. لقد اعتمد في موديله(نموذجه) على عدة فرضيات منها: إن مستوى هبوب العاصفة افقيا وخاليا من أية ارتفاعات، وإن تعجيل الجبهة الباردة ثابتاً كما إن تلك الجبهة الباردة لا تحتوي على اية سرع جانبية إثناء جريانها. إعتماداً على هذه الفرضيات استطاع من اشتقاق معادلة رياضية يمكن بواسطتها دراسة كيفية تشكل ونمو خطوط العاصفة او الزوبعة وكذلك التكهن بوقوعها.

درس د.عبد الجبار في أعمال اخرى له الموجات الجوية المنفردة [8-9]. كان يُعرف بوجود موجة منفردة في المياه الضحلة، وهي عبارة عن ارتفاع منفرد على سطح الماء، يسير، دون أن يغير شكله، إلى مسافات بعيدة. بحث د. عبد الجبار في احتمالات وجود مثل هذه الموجات في الهواء الجوي. وأثبت وجود ذلك فعلاً، أي وجود ارتفاع منفرد في السطح العلوي لطبقة من الهواء، ينتقل لمسافة كبيرة على ذلك السطح. ويكون ذلك على شكل ارتفاع صغير يسير منتقلاً بالنسبة لمشاهد على الأرض. كما بين إمكانية حدوث مثل هذه الموجات في الهواء الجوي، وكيف إنها قد تؤدي إلى خلق نشاط انتقالي يسبب بدوره نشؤ إعصار قُمعي(على شكل قُمع). باتت دراسته بهذا الشأن(طليعة الحقل الخاص من العلوم الذي أصبح والذي إزدهر، وغدا فرعاً مهماً من علم الأنواء الجوية) [2].”Mesometeorology” يُعرف ب

يلجأ العلماء والباحثون في أحيان كثيرة إلى تبسيط المسألة التي يبحثون فيها وذلك بإهمال أو إغفال بعض العوامل التي تؤثر في المسألة موضوع البحث. فعند إدخال جميع العوامل قد يحصلون على معادلات غير قابلة للحل، أو تكاملات غير قياسية أو أشكال رياضية معقدة اخرى. وغالباً ما يتوقفون عن البحث الفيزيائي الذي بين أيديهم ليغرقوا في عمل رياضي قد يطول. لذلك يقوم الباحثون بترك بعض العوامل جانبا ليحصلوا على نتائج لأعمالهم في شكل تعبير رياضي مناسب يمكن الأستفادة منه في التطبيقات العملية. أما العوامل الأخرى فيجري تركها للمستقبل. فهي إما تؤخذ في أبحاث قادمة أو حين توفر إمكانيات جديدة في الرياضيات تسمح بحل ما يصادفهم من صعوبات.

وينبغي الأشارة هنا إلى أن التقريبات(أي اهمال او اغفال بعض العوامل)التي يقوم بها الباحثون تشمل عواملاً ثانوية وليست رئيسية أو بمعنى آخر تشمل عواملاً أقلّ تأثيراً من العامل أو العوامل الرئيسية التي يجري إدخالها في صلب البحث. ولذلك فإن التقريبات التي يلجأ اليها العلماء لا تؤثر على الشكل العام والمهم للنتائج، ويبقى دورها محصوراً في زيادة الدقة لنتائج البحوث.

كان د.عبد الجبار يعمل بتلك الطريقة أيضاً. وكان يورد بكل وضوح العوامل التي يتركها جانبا في البحث الذي بين يديه. ففي أحد أعماله [10] درس شكل الحزم الحلزونية للأعصار وكيفية تكونها. ومن التقريبات التي فرضها لتبسيط المسألة هي أن الأعصار يتكون من منطقتين متميزتين بشكل واضح وهما عين الأعصار وهي دائرية الشكل، والمنطقة الخارجية التي تكون متماثلة حول العين. كما أن الهواء داخل منطقة العين يدور حول محوره الهندسي كجسم صلد. أما سرعة الرياح في المنطقة الخارجية فهي تتناقص مع المسافة حسب قانون التناسب العكسي، إضافة الى ذلك فإن سرعة الرياح لا تعتمد على الأرتفاع. إستناداً إلى كل ما تقدم إستطاع د.عبد الجبار توضيح شكل وسلوك الحزم الحلزونية في الأعصار سواء الحزم المنفردة منها أو المجتمعة. وبين أيضاً أن توضيح طبيعة الحزم الحلزونية يساعد على إعطاء معلومات مهمة عن طاقة الأعصار.

هنالك أعمال أخرى لعبد الجبار عبد الله، يمكن الأطلاع على قسم منها في [2]. إضافة الى ذلك ألف وترجم عدة كتب مهمة منها، على سبيل المثال، كتاب (الصوت) لطلبة الفيزياء في الجامعة، فكان خير مرجع لهم ولأساتذتهم. كما ترجم، مع زميل له، ترجمة رائعة كتاب (مقدمة في الفيزياء النووية والذرية) لمؤلفه هنري سيمات. أفادت تلك الترجمة أجيالاً من الفيزيائيين، طلبة وأساتذة. إضافة إلى أبحاثه العلمية قام بعمل تدريسي وتربوي كبير. فقد درّس في جامعة بغداد وفي كليات ومعاهد ومدارس اخرى. كما درّس في جامعات ومعاهد أمريكية مرموقة ، منها جامعة نيويورك وجامعة بوسطن ومعهد أبحاث الفضاء في ألبني (نيويورك) وفي كولورادو (بودلر).

عبّر عبد الجبار عبد الله في أكثر من مناسبة عن آراء وأفكار قيمة عن كيفية النهوض بالبحث العلمي وبمجمل العملية التعليمية والتربوية في العراق. آمل في امكانية التطرق إلى ذلك في وقت آخر.

بعد ثورة 14 تموز عُيّن د. عبد الجبار عبد الله رئيساً لجامعة بغداد. ومن موقعه هذا قدّم إلى بلده خدمات جلّى. لقد اهتم بالمناهج التعليمية والتربوية وبالكادر ألتدريسي، كما بذل جهوداً كبيرة للأهتمام بإرساء أسس البحث العلمي. ولعب دوراً مهماً في تأسيس العديد من ألكليات والمعاهد في بغداد وغيرها من المدن العراقية الرئيسية. أسس جمعية العلوم الرياضية والفيزيائية. وأصدر، سوية مع زملائه الأساتذة الآخرين، أول مجلة علمية كان هو رئيساً لتحريرها. (وقد حدد الدكتور عبد الجبار أسس النشر في المجلة واشترط أن ما يُنشر فيها يجب أن يكون على المستوى العلمي العالمي، وأكد أن يحصل المقال على تأييد إثنين من ثلاثة خبراء من خارج العراق قبل نشره [11]). كما عمل جاهداً على عقد ألمؤتمر العلمي الأول لجامعة بغداد حيث كان بحق أول تضاهرة علمية كبيرة ومهمة في بلادنا.

لقد فقد العراق الدكتور عبد الجبار عبد الله، عالم الأنواء الجوية، الأستاذ الفاضل والمربي الكبير، وهو لما يزل في ذروة نشاطه العلمي والتعليمي والتربوي، وفي أوج حماسه لتحقيق اهدافه في خدمة العلم في بلادنا، وفي قمة تألقه الفكري ولمعان أفكاره الجديدة في مجال تخصصه. كان يمكن لتلك الأفكار أن تفيد العلم والناس وأجيالنا القادمة التي ستذكره وتقدره أجمل تقدير، وتعظمه بما يستحق.

ستستفيد أجيالنا حتماً من قصة حياة وكفاح وتألق عبد الجبار عبد الله، ذلك الأنسان الكبير في علمه، المخلص والمتفاني في عمله، المتواضع في حياته وسلوكه..... ذلك الأنسان الذي انتقل بكل إصرار وتصميم وجد ومثابرة من مدارس محافظة العمارة في جنوب العراق إلى ذرى العلم السامقة.


* في التاسع من تموز تمر الذكرى الأربعين على رحيل عبد الجبار عبد الله.

المراجع باللغة العربية

[1] د. ابراهيم الخميسي ، عين الأعصار،مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام 1995، صفحة 130.

[2] برنارد هوروتز و جيمس ابراني، مساهمات د. عبد الله العلمية، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام 
1995، صفحة 118.

[11] د. عبد الكريم الخضيري، عبقري الجيل، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 261 لعام 1995، صفحة 
124.

المراجع باللغة الأنجليزية

[3] Abdul J. Abdullah, Cyclogenesis by a purely mechanical process, 
J. Meteorology 1949, V.6, P.86.

[4] Abdul J. Abdullah, A proposed mechanism for the development of the eye of 
a hurricane, J. Meteorology 1954, V.11, P.189.

[5] Abdul J. Abdullah, Proposed mechanism of squall lines, the pressure jump 
lines, J. Meteorology 1953, V.10, P.298.

[6] Abdul J. Abdullah, The meridional growth of squall lines, J. Meteorology 
1954, V.11, P.301.

[7] Abdul J. Abdullah, Head- on collection between two pressure jumps, J. Geo-
phys.Res., 1966, 71, P.1953.

[8] Abdul J. Abdullah, The Atmospheric solitary wave, Bulletin of the American
Meteorological Society, 1955, V.36, P.511.

[9] Abdul J. Abdullah, A note on the atmospheric solitary wave, J. Meteorology
1956, V.13, P.381.

[10] Abdul J. Abdullah, The spiral bands of a hurricane: A possible dynamic 
explanation, 1966,V.23, P.367

الصفحة 6 من 6

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014