• Default
  • Title
  • Date

لا زلت أتذكر جيداً وأنا إبن العشر سنوات ، ليس شاكر نعمة هليل نفسه الذي سقط برصاص الدمويين صبيحة الثامن من شباط الأسود 1963 كأول أبناء العمومة ، بل لا زلت أتذكر المكان بعينه .. جسر الرباط في العشار في الجهة المقابلة لمحلة الحسينية الشعبية ذات الأكواخ الطينية التي كان يقطنها مزيج متآلف من أبناء الوطن الواحد يشكل الصابئة المندائيون الغالبية الكبيرة من سكانها . أتذكر جيداً ذلك الشاب ( المربوع ) إبن الجنوب البار الذي أبى إلا أن يتحدى إرهابيي الثامن من شباط وينتفض لزعيم الكادحين والمحرومين الشهيد عبد الكريم قاسم !
كانت حكاية .. وحدثاً ، مالبث وأن أصبح في أذهاننا نحن الصغار المغرمون بثورة سبارتكوس وبقية الثائرين ، ملحمة شعبية نتذكرها الى يومنا هذا !
لم ننسى شاكر نعمة هليل ونتذكره في سجل المقاومين الخالدين !
لا زلت أتذكر ظهيرة ذلك اليوم اللاهب في الرابع عشر من تموز من عام 1978 ، عندما نهض عصام حسناوي كسّار بعد إغفاءة قصيرة في غرفة دارنا العلوية ، ليذهب مسرعاً لا الى حتفه ، بل لكي يجلب مستلزمات عُرسهِ وفرَحهِ من سوق الداكير في العشار حتى يحتفل وشقيقتي العروس في اليوم التالي الأحد بمراسيم التعميد والمهر في ماء الحياة المقدس ( اليردنـــــه ) !
خرج عصام في ظهيرة ذلك اليوم الخالد مودعاً لنا على أمل أن يعود وهو محملاً بالواهلية و ( شربة ) العرس والمهر وبقطعة قماش بيضاء لعروسه الطاهرة !
لكنه لم يعد !
ومن جديد ومع الفرح المأمول والمنشود وبنفس الحماسة الوطنية أسرع وضاح ( سعدون ) و نوزاد و حسيب لا الى حتفهم ، بل لكي يعانقوا الأهل والأحبة في فرحة عيدٍ مبارك ونشوة يوم موعود بأمل جديد للشعب والوطن ! لكنهم لم يصلوا .. وبقيت عيون الأهل صغاراً وكباراً ملهوفة لعودتهم وعناقهم ! كما بقيت ليومنا هذا عيون عروسُ عصام تنتظر !
سقطوا هناك بنفس الرصاص الذي سقط به شاكر نعمة هليل عند حافة جسر الرباط وهو يقاوم مجرمي شباط الإرهابيون !
غــُدروا هناك بنفس الغدر الخسيس الذي ذهب به عصام وغيره من الأبطال الوطنيين !

هل من نهاية يا وطن الرافدين لكل هذا الدم الطاهر ؟ يا وطن الجسور الباسلة وتاريخها المجيد ؟
نستمحيك عذراً يا وطن الأهل والأحباب .. نستمحيك عذراً إن سبقناك في رسم الجواب الذي خطه كل الشهداء !
نستمحيك عذراً إن مضينا الى ما نريد !
نستمحيك عذراً إن حبسنا الدموع وأنتفضنا لصرخات الثائرين .. ليوم قادم موعود !
ليومٍ ينهضُ فيه شاكرٌ آخرٌ من جديد وحسن سريع ثائرٌ آخر من جديد وسلامٌ ، باسلاً ومتحدياً من جديد وعصامٌ آخرٌ عريساً لك ياوطني الجريح وسعدونٌ آخرٌ من جديد يرسم عيداً لعيون الصغار الحالمين المنتظرين !
نعم سنمضي الى ما نريد .. ونشعل في ذكراكم شموعاً كما لو كنا صغاراً في كل الطرقات وفي كل المعابد والمنازل !
لن ينهار الوطن في هذا الزمن الصعب وإن إنهارت أجسادكم أيها الأحبة الخالدون!

نعرف جيداً لحنكم الخالد لحظة إغفاءة عيونكم وكلمات شاعر ثائر ينطق عن جذوة أرواحكم المتقدة :

(( سأرحلُ .. تاركاً فيكم غنائي
وجُرحاً
لم ينلْ
من كبريائي
ونظرةُ عاشقٍ
وبكاءُ طفـــــلٍ
و زيتوناً
تنفس في دمائي
وأعطيكم من الدنيا
نصيبٌ وأرحـــــل
تاركاً فيكم …. غنـــــائي ))

 

نشرت في شهدائنا

في سبيل حرية الوطن وسعادة كادحيه
كم شهيد لنا فقيـــــد لم نكللـه بالزهور
لم يزل قبره المجيد ضائعا كم لنا قبور
تـتـنـزا دمــا و نور*

عبد الجبار الزهيري اول شهيد صابئي مندائي،شهيد الوطن والحركة الثورية في العراق .
ولد عبد الجبار عسلاوي الزهيري في ناحية المشرح /العمارة ،في اواسط عشرينات القرن الماضي،من عائلة حرفية ترتبط عضويا بالانتاج الزراعي . كان ابوه نجارا يصنع الزوارق " المشاحيف " وادوات الحراثة وجني الحاصل والمجارش الشعبية ...وغيرها من ادوات الانتاج البدائية للعمل الفلاحي ،ويتقاضى اتعابه في الاغلب حصة عينية من الحاصل..
أكمل عبد الجبار دراسته الابتدائية في نفس الناحية ،المشرح ،وكان يحس منذ صغره بالظلم الاقطاعي وجوره على المجتمع الريفي ،اضافة لمعاناته من التفرقة الدينية التي يغذيها ويعيش عليها المتخلفون ممن يدعون انفسهم رجال دين اسلامي . وسط ذلك المجتمع المليء بالتناقضات والاوهام ،كبر عبد الجبار ،ولدى بلوغه سن الرشد تطوع في الجيش بصفة مهني ،وهناك وجـد النور الذي أضاء طريقه " الحزب الشيوعي العراقي " فنال شرف عضويته بجدارة ،منذ أواسط عقد الاربعينات ،لكن امره اكتشف ففصل من الخدمة العسكرية ،ففتح له الحزب مكتبة في مدينة كركوك " مكتبة الغد الجديد " واستمر بعمله الحزبي ...ولدى اضراب عمال النفط في كركوك ،كان عبد الجبار واحدا من خمسة من رفاقه في لجنة الاضراب ،حتى مجزرة كاورباغي المعروفة في عام 1946 ،وإثر ذلك أصدر امر بالقاء القبض عليه من قبل اجهزة الحكم الملكي المباد ،فرجع الى العمارة ،وانتقلت عائلته الى ريف ناحية الكحلاء ،وهناك واصل نشاطه الحزبي مـع رفاقه ومنهم المناضل الفلاحي ملا زغير والمعلم المناضل جاسب كبيص وغيرهم ...وبـعـد وثبة كانون الثاني/1948 / والضربة القاسية التي أحلت بالحزب الشيوعي واعدام قادته ، فهد وحازم وصارم ، واعتقال معظم كوادره ألقي القبض على عبد الجبار الزهيري وأودع سجن الكوت .
وفـي عام/ 1953/ اضرب ومن ثم اعتصم السجناء الشيوعيون في السجن فقطعت ادارة السجن التيار الكهربائي والماء عنهم .حاول السجناء حفر بئر في ساحة السجن للحصول على الماء فقام السجانون برمي قناني النفط والبنزين في البئر.استقدمت ادارة السجن الشرطة السيارة .وباشراف مباشر من وزيرالداخلية ،عبد الجبار ايوب،أعدم في في العهد الجمهوري، حد ثت معركة غير متكافئة بين الشرطة المدججة بالسلاح وبين السجناء العزّل ، سوى من ايمانهم ،وتحت كثافة الرصاص انسحب السجناء الى داخل القاعات ،وكان عبد الجبار الزهيري احد الذين اسكتت قلوبهم الطاهرة ،العامرة بحب الشعب والوطن ، رصاصات الغدر والخيانة فــي مجزرة ســجـن الكـوت ..

لك الخلود والمجد يا رفيقنا الزهيري عبد الجبار، ولرفاقك ، ولكل شهداء حزبنا والحركة الثورية...

مدينة ارهوس/الدنمارك -ايلول / 2005

*ذلك مقطع صادق من احد أناشيد الحزب الشيوعي العراقي ،يكشف عن عدم محدودية الشيوعيين المنسيين، المضحين بارواحهم في سبيل وطنهم وعزة كادحيه .

 

نشرت في شهدائنا

من الصعوبة أن نتحدث عن شهيد وبطل مندائي آخر لا يعرفه إلا القليل من معارفه والمقربين أليه ، ولم يكتب عنه إلا القليل من الكتاب والباحثين رغم إن ما قام به يعتبر من الأعمال البطولية التي نادرا" ما يقوم بها مناضل آخر .

إنه المناضل الشهيد حميد ( شنور ) عودة الوالي .

ولد الشهيد شنور في العمارة في أواسط العشرينات من القرن الماضي من عائلة مندائية مكافحة متواضعة ، وكغيره من الشباب في هذه المدينة التي أكتوت بظلم النظام الأقطاعي تأثر بالأفكارالوطنية والشيوعية التي كانت تلف المنطقة الجنوبية في ذلك الوقت ، فأنتمى للحزب الشيوعي العراقي في عام 1945 وهو في بداية تعينه كمعلم بأحدى نواحي المدينة حيث أخذ ينشر الأفكار الوطنية بين أهالي المدينة وطلبته ، وبسبب نشاطه السياسي صدر قراربفصله من التعليم عام 1946 وبحكم الظروف القاسية التي تمر بها عائلته الفقيرة تقدم للعمل كعامل في محطة النفط k 3 في حديثة كعامل في قسم البرادة .

 

كان الشهيد شنور ، صاحب نكته ، تعلوا الأبتسامة الدائمة على وجهه ، محبوبا" من قبل جميع العمال ، رغم الفترة القصيرة التي عمل بها في قسم البرادة في المحطة ، مثقفا" من نوع خاص ، له أسلوبه الشيق في النقاش والأقناع نادرا" ما تتوفر في عامل آخر ، في ساعات الفراغ تجد العديد من العمال يحيطون به ويسمعون منه أحاديث شيقة لا تخلوا من أحداث الوثبة وتطوراتها وتوجيهات الحزب بذلك ويؤكد على أهمية وقوف العمال الى جانب الشعب في هذه الأنتفاضة .

كان الشهيد يتابع تطورات أنتفاضة كانون الثاني وما بعدها عن طريق ما يصل اللجنة الحزبية في المحطة من بريد حزبي وينقل أبرز أخبار الأنتفاضة الى العمال بشكل دوري ويأخذ رأيهم فيها ومدى أمكانية المساهمة فيها .

   ففي أواسط نيسان 1948 ، وفي فترة مشوبة بروح " الوثبة " وثبة كانون وقبر معاهدة بورتسموث الجائرة وأستقالة وزارة صالح جبر وفي وقت كان فيه " النضال الثوري " من مهمات الأحزاب الوطنية ، عمت الأضرابات العمالية عموم البلاد ، وبناء على توجيهات الحزب الشيوعي جست اللجنة الشيوعية في محطة K3 ومن بينهم الشهيد شنورعودة نبض لجان العمال المختلفة حول إمكانية القيام بإضراب في تلك المحطة الصحراوية . وفي 13 نيسان وصلتها تقارير متفائلة من معظم أقسام المحطة ، لذلك تقرر الانطلاق و بالتحرك من قبل الخلايا الشيوعية لتنفيذ الفكرة .

ـ ولكن يا رفيق شنور كيف تستطيع لجنتنا الشيوعية الصغيرة وذات الأمكانيات المحدودة أن تقنع العمال بالإضراب وعددنا يقارب ما بين 2500 ـ 3000 عامل وموظف في K3 .

ـ هذا صحيح يا رفيق ، أنها مهمة شاقة فعلا" وأمامنا عمل صعب ولكن بإمكاننا أن نشدهم إلى مواقع الحزب كخطوة أولى ، لذلك فعلينا منذ الأن رفع مستوى العمل التحضيري والأستعداد للأضراب .

فبعد لقاءات عديدة وأجتماعات متواصلة تم أتخاذ القرار ، ففي مساء يوم الثاني والعشرين من الشهر، اعتبرت اللجنة أن الوضع قد نضج وحان الوقت الملائم فدعت إلى اجتماع جماهيري في أحد الوديان خارج نطاق المحطة K3 ، وحصلت على الموافقة على خطتها بالفرح والهلاهل والصياح من قبل العمال .

بدأ الإضراب يوم الثالث والعشرين من نيسان . وفي الوقت نفسه ولغرض إنجاح الأضراب أقترحت اللجنة الحزبية الشيوعية تشكيل سلسلة من التنظيمات من بين العمال لهذا الغرض :

ـ لجنة الأضراب السرية التي أختفت تماماً عن الأنظار وهي عقل الإضراب الحي وكان الشهيد شنور عودة أحد أعضائها .

ـ لجنة المفاوضات وهي في الواقع ليس إلا واجهة للجنة الإضراب و محركه الرئيسي .

ـ لجنة لأختيار وانتقاء الخطباء والشعراء وحتى تنسيق الخطابات و الهتافات .

ـ لجنة حرس الأضراب ويتألف من عرفاء للاجتماعات والإضراب يقودهم رئيس حرس . ومهمة هذه اللجنة هو حفط النظام والأنضباط خلال أجتماعات المضربين .

ـ لجنة الحراس الميدانين الذين يراقبون ممتلكات العمال .

أضافة الى عدد من أفراد دوريات المحطة الذين يعززون الإضراب . وكان عدد أفراد دوريات المحطة يبلغ أربعة عشر فرداً ، وكانوا يستبدلون كل أربع . ونظراً لأن المهمة مجهدة ولأن اللجنة الحزبية كانت تريد الوصول إلى أكبر عدد ممكن من العمال ، فقد كان على كل المضربين أن يخدموا كأفراد دوريات وجبة بعد أخرى بموجب برنامج دقيق ومحدد يحافظ عليه كاتب الحرس . وقام أفراد الدوريات بمهامهم على أكمل وجه وإلى درجة أن توقفت محطة k3   كلياً .

يقول أحد قادة الإضراب يقول : بكلمات مختصرة ( لقد أقيمت دكتاتورية البروليتاريا في K3 يوم 23 نيسان ) ، في الوقت نفسه لم تكن لدى أدارة الشركة حتى مساء الثاني والعشرين من نيسان أية فكرة ، ولو غامضة عما كان يجري في المحطة . ولكنها اتخذت فورا" موقفاً يقول بأن الإضراب الذي لم يسبقه أي إنذار يعتبر خرقاً للقانون . وألقت الشركة كذلك ظلالاً من الشك على مدى تمثيل لجنة المفاوضات للعمال في مطاليبهم . ولما كان الحزب واثقاً من قوته فقد دعت اللجنة الحزبية جميع العمال للتصويت لجانب لجنة الأضراب فجاءت نتائج الأستفتاء مخيبة لأمال الشركة وحصلت اللجنة النتائج المتوقعة والتأييد .

وفي وقت لاحق ، ومع عدم ظهور أي مؤشرات على احتمال انتهاء الإضراب ، وافقت الشركة على عدد من الشكاوي والمطالب الصغرى . أما في ما يتعلق بالمطلب الأساسي الخاص بزيادة الأجور بنسب تتراوح بين 25 و40 بالمئة فقد رفضت الشركة تقديم أي تنازل . وبقيت لجنة الإضراب مرفوعة الرأس وسط جموع العمال . خلال هذا كله كانت محطة K3    تغلي بالإثارة والحماسة تتخللها التظاهرات و الاجتماعات المتواصلة وأنغرست الأفكار الشيوعية في الأذهان . وتحولت K3 إلى ميدان  للصراع الطبقي لا لعمال الشركة فحسب بل لسكان المناطق المحيطة بالمحطة مثل حديثة وآلوس ويروانة والحقلانية .

ففي يوم 5 أيار، وهو اليوم الرابع عشر للإضراب تغير الوضع فجأة حيث احتلت قوة كبيرة من الشرطة المعززة بعربات مدرعة المحطة . ونصبت الرشاشات بمواقع استراتيجية وبالقـرب من سكن العمال وحولها ،. ورد الحزب على ما حصل بحذر، وأعطى للمضربين تعليمات مشددة بتجنب الشرطة وتجاهل استفزازاتهم مهما كان الثمن . ولكن الحكومة كانت تخفي أشياء أخرى في أكمامها .

  ففي اليوم السابع من الشهر حرمت العمال من الطعام وقطعت عنهم الإمداد بالماء والكهرباء . ولم يكن باستطاعة الحزب الانتظار أكثر من ذلك . وعلى الرغم من ذلك ساهم أهالي الحقلانية والقرى الأخرى وغالبيتهم من أهالي العمال وعوائلهم إلى اقتسام الماء والغذاء المتوفر لديهم مع العمال المضربين .

وفي ظل هذه الظروف لاحضت اللجنة أن أيقاف الأضراب سيؤدي الى التقليل من سمعة الحزب في أعين العمال . ولم يكن هناك شئ يمكن عمله في K3 . خاصة وكانت التعليمات بعدم المواجهة مع الشرطة . لهذا كله قامت اللجنة الحزبية بالأتصال بقيادة الحزب لآتخاذ التوجيهات

ـ هل هناك يا رفاق أمكانية القيام بمسيرة الى بغداد لعرض مطاليبكم على الحكومة وسوف ندعوا جميع العمال للوقوف بجانب حقوقكم حال وصولكم الى بغداد .

ـ ولكن يا رفيق المسافة تتجاوز 249 كيلومترا" وسط الصحراء ... لا لا نعتقد ذلك رفيق !!!

ـ رفيق أننا نؤكد على مدى وجود الأمكانية لديكم لا نريد أن نحملكم أكثر من طاقتكم .. ناقشوا الأمر مع العمال وأخبرونا برأيكم نتمنى لكم التوفيق .

نوقشت أمكانية القيام بتنظيم مسيرة إلى بغداد التي تبعد 249 كيلومتراً مع لجان الأضراب كافة لغرض عرض مطاليب العمال على الحكومة المركزية في بغداد ولاقى هذا الخبر ترحيب العمال كافة وأبلغ الحزب بذلك .

وهكذا مع فجر الثاني عشر من أيار، انطلقت جماهير العمال في K3   في ما يعـرف بالمسيرة يقودهم الشهيد شنور عودة في المقدمة . وكانت هتافات رجال الحقلانية وزغاريد نسائهم تلاحق المسيرة . ورفعت في مقدمة المسيرة الطويلة لافتة كبيرة كتب عليها : ( نحن عمال النفط جئنا نعلن انتهاك حقوقنا ) .

ومع تقدم النهار وارتفاع شمس الصحراء في كبد السماء أصبحت الحرارة شديدة لا تطاق . وبمرور الوقت وصل العمال إلى وادي هوران على بعد حوالي أربعة وعشرين كيلو متراً إلى الجنوب الشرقي من K3 منهوكي القوى بسبب الحرارة والجوع ، ولم يتمكنوا من السيرلأكمال المسافة الباقية من مسيرتهم الى قرية البغدادي والبالغة ستة كيلومترات إلا بكثير من الصعوبة . حيث انهار كثير منهم وفقدوا الوعي . وهنا أجتمعت لجنة الأضراب :

ـ رفيق شنور أنا لا أعتقد إن العمال سيواصلون المسيرة وهم في حالة من التعب والأنهاك وفقدان الماء والغذاء وبعد المسافة الى بغداد .

ـ أعتقد كذلك يا رفيق فمن الأفضل أرسال وفد من لجنة الأضراب الى أهالي هيت والقرى المجاورة لأرسال الماء والغذاء ووسائل النقل الى العمال وبسرعة وعندها نتخذ القرار المناسب لصالح العمال .

في هذة الفترة الحرجة من المسيرة البطولية وبعد ساعات من وصول بعض أعضاء لجنة الأضراب الى هيت وصلتهم بعد ساعات عدة شاحنات محملة بالأمدادات الغذائية من الأهالي . حيث وصلت سريعا" أنباء المسيرة المدهشة إلى البلدة فقرر سكانها مد يد المساعدة للعمال . وبدأ نقل العمال إلى هيت فوراً ولم يكتمل إلا في صباح اليوم التالي . ولهذا فقد أمضى بعضهم ليلته الأولى في مساجد هيت أو أزقتها ، ونام آخرون بين رمال الصحراء.

غادر العمال هيت يوم 13 أيار سيرا" على الأقدام . وعملت السلطات المحلية على منع توفير وسائل نقل للعمال وقطعت الطرق عليهم . وكانت كل ساعة سير أخرى تشكل مزيداً من الآلام وساهمت أشعة الشمس وخاصة عندما انتصاف النهار بالوقوف بوجه العمال الذين أصبح غالبيتهم يعاني من آلاماً في الرأس وإنهاكاً في الأطراف . فتوقفوا وقبلوا ضيافة عرب المحمدي الذين أطلقوا عيارات نارية وغنوا " الهوسات " على شرفهم .

كانت بقية الرحلة هي الأكثر إرهاقاً . ولحد الأن تم قطع ما يقارب 118 كم بأتجاه بغداد وقرر العمال متابعة السير ليلاً . ووجدوا أنفسهم حوالي الساعة السابعة في ليل حالك السواد . ولم يتمكنوا من التقدم أكثر مما فعلوا عند منتصف الليل فاستلقوا على الأرض العارية بانتظار ضوء الفجر وقد أصبحوا على بعد كيلو مترا واحد إلى الشمال من الرمادي في موقع يسمى ( الورار ) ، وعلى بعد 126 كيلو متر إلى الغرب من بغـداد . وقبل بزوغ الفجر انتصبوا ثانية وبدأوا بقطع مياه الفرات الفائض بالسباحة أو بوسائل بدائية . وعندما عبر الجميع انتظموا مجددا" ودخلوا الرمادي في موكب منظم ولافتتهم مرفوعة فوق الرؤوس وهتافاتهم تملأ أرجاء المدينة .

ازدحم الجميع في ساعات بعد الظهر في شاحنات قدمها لهم أهل الرمادي وأنطلقوا مجدداً تغمرهم الدهشة لعدم تحرك الحكومة . وبعد ساعات مع غياب ضوء الشمس ولدى اقترابهم من جسر يؤدي إلى الفلوجة وقعوا في فخ نصبته الشرطة لهم بدقة فأعتقل بعضهم وأقتيدوا إلى السجن وكان من بينهم الشهيد شنورعودة وأرسل بعضهم الآخر إلى بيته وأعيد البعض إلى K3

وبهذا انتهت المسيرة بهزيمة . ولم ترفع الأجور ولم تتحسن شروط العمل . وتراجع قسم من العمال عن التزامهم بالحزب . وأكثر من هذا ونتيجة لعمليات طرد العمال بالجملة فقد الحزب كل خلاياه في K3 وكان من نصيب الشهيد شنور الطرد من العمل والأعتقال . ولكن المسيرة تركت أثراً لا يمحىبين العمال وأهالي المنطقة .

تعرض الشهيد شنور الى تعذيب شديد ومن ثم حكم عليه بالسجن لعدة سنوات كان خلالها صلب العود متفائل في المستقبل مؤمن بعدالة قضيته .


بعد خروجه من السجن أتخذ من مهنة الصياغة   وسيلة للعيش ، وفتح محلا" له في بغداد إلا إن الشرطة ظلت تلاحقه في عمله ولفقت عليه تهمة شراء ذهب مسروق أدخل على أثرها التوقيف وبعد إجراء التحقيق لم تثبت التهمة عليه فأطلق سراحه بعد عدة شهور .

في بداية الستينات أنتقل الى مدينة الخالص للعمل في محل للصياغة تساعده شقيقته وواصل هناك نشاطه السياسي . ثم عاد الى بغداد ليرتبط بأحدى أقاربه في أواسط عام 1962 .

بعد الأنقلاب الأسود في عام / 1963 وبسبب الهجمة الشرسة على الحزب الشيوعي العراقي عاد ليختفي في بغداد إلا إنه وقع في قبضة القتلة في الأيام الأولى للأنقلاب ونقل الى الخالص ليصفى هناك بعد تعذيب وحشي تعرض له ودفن في أحد بساتين الخالص بناء على معلومات من أحد أصدقاءه .

في آذار وبعد ما يقارب الشهر على الأنقلاب وتصفية الشهيد شنور جسديا" رزقت زوجته بطفلة جميلة سميت ب ( غادة ) ، تلك الطفلة الجميلة التي لم تتكحل عينيها برؤية والدها البطل ولكنها سمعت عنه الكثير وعن بطولته وهي في ذكراه دائما" ، وعندما تنظر الى صورة أبيها ذات الأطار الأسود المعلقة في غرفتها في أحدى دول اللجوء تقول له متى تعود يا بابا ؟؟ فقد تجاوز عمري الثانية والأربعون وكنت أتمنى أن تحظر حفل زفافي قبل سنوات ، لقد أنتظرتك طويلا" ، ستمر بعد أيام ذكرى مسيرتكم التأريخية ، أولادي يسألوني عنك دائما" ويحملون أفكارك .. أرجو أن لا تطول غيبتك عنا فلقد سقط نظام القتلة ونحن بحاجة إليك الأن أكثر من وقت آخر .

 

تحية لذكراك أيها الشهيد البطل ولرفاقك ولمسيرتكم الخالدة .

 

نشرت في شهدائنا

  الكحلاء تلك الناحية الصغيرة الهادئة الصغيرة والواقعة على نهر الكحلاء ... في هذه الناحية ولد الشهيد صالح هليج شفيف في عام 1941 من عائلة مندائية متواضعة مناضلة أرتبط معظم أفرادها بالحس الوطني منذ الأربعينات بسبب العلاقات الأقطاعية الجائرة آنذاك .

كان الشهيد صالح متواضعا" ، هادئ الطباع محبوبا" لدى جميع من عرفه من الأقارب والمحيطين به . كان ووالديه وأخته أم جاسب التي تكبره بخمسة عشر عاما" هم كل العائلة الصغيرة المتواضعة ، كان والده هليج شفيف كغيره من المندائيين في هذه الناحية الصغيرة قد أمتهن مهنة النجارة والحدادة وصناعة القوارب الخشبية التي Salih-Shfaifتتطلبها المنطقة حيث ورث هذه المهنة عن العائلة وأجادها لسنوات طويلة .

دخل الشهيد المدرسة الأبتدائية في الكحلاء وكلة رغبة وأمل بمواصلة الدراسة للحصول على شهادة تلبي طموحه تمكنه العمل بها وتكفل عيش عائلته البسيطة في المستقبل ولكن الظروف المعاشية الصعبة التي كانت تمر بها العائلة في ذلك الوقت أجبرته على قطع الدراسة بعد أكمال الصف الثالث المتوسط ليتحول الى الجيش وليدرس الكهرباء كجندي مهني متطوع في القاعدة الجوية في كركوك حيث تخرج منها وعمل فيها حتى الأنقلاب العسكري الفاشي في عام / 1963 حيث أعتقل وعذب بتهمة الأنتماء للحزب الشيوعي العراقي ، وفي عام / 1965 وهو في السجن وصلته أخبار وفاة والده ، وبقي الشهيد يصارع آلامه ويتابع ظروف العائلة الصعبة بعد هذه الخسارة حيث بقيت عائلته بلا معيل . وبقي في السجن لغاية عام / 1966 حيث أطلق سراحه وفصل من الخدمة العسكرية وبذلك مرت العائلة من جديد بظروف معاشية قاسية للغاية .

بعد سنة من أطلاق سراحه من السجن وفي عام / 1967 أرتبط الشهيد صالح بأبنة عمه أم بشار التي شاركته حياته الزوجية ووقفت الى جانبه في أيامه الصعبة حيث بدأ عمله كعامل في ورشة للصياغة في بغداد .
في نهاية عام / 1967 أعيد الشهيد الى الخدمة المدنية وعين بوظيفة كهربائي في أحدى دوائر الدولة إلا إنه لم يستمر في عمله غير ثلاثة أشهر فقط حيث فصل من الوظيفة للمرة الثانية بسبب نشاطه السياسي ألا إن هذا الحدث لم يمنعه من ممارسة حياته الزوجية والعملية بالشكل المناسب ، وواصل العمل ككهربائي في أحدى الشركات صباحا" وفي الصياغة مساء"
وعاشت العائلة حياة هادئة لبضع الوقت ورزق الشهيد بأبنته الأولى هدى عام / 1969 وثم ميرفت / 1972 وندى / 1976 وبشار / 1978 .
وعند أشتداد الحملة الشرسةمن قبل النظام الدكتاتوري الفاشي المنهار عام / 1978 لتصفية الحزب الشيوعي العراقي وبسبب الملاحقة ترك الشهيد عائلته ليختفي في أحد أحياء بغداد مواصلا" العمل السري حتى عام / 1981 حيث داهمت شلة من القتلة والمخابرات تجاوز عددهم العشرة الدار معززين بقوة عسكرية كبيرة لتطويق الحي وأحتلال سطوح الدور المحيطة بالمنزل الذي أختفى به الشهيد حيث تم أعتقاله وعصبت عينيه وأخذ الى جهة مجهولة ولم يعثر على إي أثر له منذ ذلك الحين .

ومرة أخرى تمر العائلة بظروف معاشية صعبة للغاية بسبب فقدان المعيل الأول للعائلة تبعها وفاة والدته عام / 1985 فتكفل أعالتهم الخوال والأقارب حتى وصول البنات الى عمر مناسب للبحث عن عمل والأعتماد على النفس في تدبير أمور البيت .
بعد سقوط الصنم قامت زوجته أم بشار بطرق مختلفة بمراجعة منظمات حقوق الأنسان ولجنة الشهداء والمقابر الجماعية ومقر الحزب الشيوعي العراقي للبحث عن الشهيد عسى أن تجد أي دليل يساعدها في الحصول على رفاته على الأقل دون جدوى .

ولظروف العراق الأمنية السيئة غادرت زوجته أم بشار الوطن لتحافظ على أولادها أسوة بالعديد من العوائل المندائية للبحث عن بلد آمن يؤمن لهم الأمن والأستقرار وليعوضهم عن الفاقة والحرمان والعوز فقدمت العائلة طلبا" للحكومة الأسترالية عبر سفارتها في دمشق شارحين فيها ظروفهم إلا أن طلبهم قد رفض مما حدى بالعائلة تقديم طلب الأستئناف آملين أعادة النظر في طلبهم وهم ينظرون الى مستقبل أفضل وهم في أوج الحاجة له وللمساعدة .

لك الخلود والمجد أيها الشهيد صالح ولكل شهداء الحركة الثورية العراقية .

 

 

نشرت في شهدائنا
الجمعة, 24 أيار 2013 00:34

ذكرى الشهيد سميع جاني

عهد وفاء لذكرى احد مناضلي شعبنا التنوّريين

لقد مرت جريمتهم بدون عقاب، حين اعلنوا الخلاص من حضوره الانساني الكبير، ليشيعوا ساحة الجهل ضد المعرفة،وليستمروا في مخطط قوى الظلام ضد طلائع رموز حركة تحررنا الوطني في بلد ظل ولا يزال الى يومنا هذا يقاتل من اجل العيش بسلام. يلتفتوا على الدوام الى القتل ، فهي عادة البرابرة، في كل زمان ومكان، خوفا من النور،وجهّوا منذ زمن بعيد، وحتى يومنا، مسدساتهم نحو رموز الفكر المتحرر لاطفائها، فرموا بقفازهم الاسود، ليغتالوه في عز النهار بعد انقلابهم الاسود الدامي في 8 شباط عام 1963، فقبلنا نحن الابناء والاحفاد، بعده الرهان، وكانت معركتنا معهم ،لم نخسر بها الا قيودنا التي وضعوها بايدينا منذ عشرات السنين.
من اجل ان تكون ضرباتهم موجعة وفاعلة ومؤدية للهدف، فان الفاشيست في كل مكان يوجهون ضرباتهم شطر الفكر التقدمي في دائرته الاوسع تأثيرا والاكثر اصالة، دائرة النبل الانساني الحقيقي، فاختاروا في مسلسل بطشهم البربري ليغتالوا رجلا عنيدا يقف في طليعة المناضلين العراقيين، في الاربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، في بلد اسمه العراق.
اغتالوه وكانوا يريدون حرمان العراقيين من مصادر اشعاعها ،وتجريد الثقافة النضالية العراقية من روافد ابداعها، في ذلك المنعطف التاريخي الذي كان يمر به العراق. لقد كانت خطط الاغتيال علنية كما هي اليوم نحو الرموز الكبيرة التي تحمل عنادها الباسل الاصيل، في حمى الصراع الذي كان يدور ولايزال، بينها وبين قوى الظلام، ولئن كانت العقلانية لهذه النخبة المنوّرة من شعبنا العراقي قد فرضت نفسها على خط التطور وتأصلت في وعي الجماهير وتغلغلت لتصبح نهجا شائعا، حاول الاعداء التصدي لواحد من رموز النضال العنيد ونحره بأي ثمن، الا ان ما قدمته هذه الطليعة المناضلة من عطاء فكري ظل والى يومنا هذا منارا نهتدي به في ظلام لازالت الوحوش تنفذ جرائمها ساحقة قيم السماء والارض، ملطخة ايديها ووجه عقائدها المتخلفة بوحل جرائمها المنكرة.
لقد تتوجت حياة الشهيد المناضل سميع جاني بشهادة تزكية، تدين القتلة الفاشست في اي مكان وزمان. لم يحجب عن صدورنا الغضب لموت هذا المناضل العنيد، ولم تشغلنا متاعب الحياة، وتقدم الاعمار عن ذكراه ومواصلة السير على الدرب النبيل الذي اختاره من اجل سعادة شعبه، بل ان ذكرى موته ستدفعنا واولادنا واحفادنا الى المزيد، من تجسيد الفكر الذي نذر سميع جاني حياته من اجله، الفكر الانساني المنّور الذي سيظل خالدا رغم مسدساتهم واحقادهم وصخبهم.
شوكة في عيونهم، لانه كان كبيرا بوجدانه وانسانيته وجرأته ومواقفة،واكثر اخلاصا لقيم العدالة التي صحينا على ابعادها الانسانية، ولهذا واجهوا كعادتهم الفكر الانساني بالرصاص،واجهوا كل ما هو نيّر ومتفتح بظلامهم، ضمن تصميم وتخطيط واضحين لاطفاء كل اضاءة في الثقافة والفكر والفعل الانساني العراقي.
لقد سقط امس سميع جاني، ولم يجف دمه حتى اليوم، لان القتلة لازالوا يجبون الشوارع والازقة، ويسقط اليوم عشرات مثل سميع من ابناء فكره وعقيدته وملته المندائية الطيبة، بالحقد والانغلاق والغرق في مستنقع الظلامية والتخلف عن رؤية اي شيء آخر سوى الدم والخراب، فهم مازالوا الى يومنا هذا وتحت ستار المقاومة معنيون بتصفية كل ما يتصل بالقيم الانسانية النبيلة والتقدم، ولكل من يسخر نفسه وحياته للوقوف بوجه الجريمة، وادراك حجم الخطر الذي تنطوي عليه.

لمحات في حياة الشهيد سميع جاني الناشي.

ولد الشهيد سنة 1930، في مدينة العمارة، قلعة صالح . أنهى دراسته الإبتدائية في قلعة صالح. إنتقل إلى بغداد مع عائلته لمواصلة دراسته. منذ بداية فترة مراهقته تفتحت عينية على طريق النضال من أجل سعادة الشعب وكان قد بدأ حياته النضالية مع الحزب الشيوعي العراقي. عندما بدأ مرحلة الدراسة الإعدادية أصبح ربيب معتقلات بغداد فلا تمر حادثة ساسية أونضالية في بغداد إلا واعتقل من قبل السلطات وغالبا ما يمضي فترة إعتقاله في مبنى التحقيقات الجنائية الرهيب. فصل من دراستة وهو في الصف الرابع العلمي لنشاطة الوطني والسياسي. في سنة 1946 حكم عليه بالسجن سنتين وسنتين مراقبة. بسبب صغر سنه إضطر الحاكم أن يجعل عمره ثمانية عشر عاما بدلا من ستة عشر عاما كي يضفي الصفة القانونية للحكم الذي أصدره بحق الشهيد. أمضى مدة سجنه بين سجن بغداد المركزي مع الرفيق فهد وقادة الحزب الآخرين وكان محط إهتمام من قبل الرفيق فهد. ثم نقل إلى سجن الكوت مع كل السياسين وبعدها نقل إلى نقرة السلمان. من سجن نقرة سلمان نقل إلى بدرة لقضاء فترة المراقبة. 1950 أطلق سراحة بعد أن أمضى أكثر من عشرة أيام في مبنى التحقيقات الجنائية. خلال الأيام الأولى من الحصول على حريته إلتحق بالحزب الشيوعي العراقي في بغداد. في تلك الفترة كان بهاء الدين نوري قد تبوأ مركز قيادة الحزب الذي كان يهاب من كل الذين عملوا وتربوا على يد الرفيق فهد.بدأ بهاء يتحين الفرصة لإبعاد الشهيد من العمل الحزبي. في نهاية سنة1951 لفق بهاء تهمة للشهيد بأنه عميل التحقيقات الجنائية ونشر ذلك في جريدة الإنجاز.

لم تتخلى السلطة وجلاوزة بهاء من مطاردة الشهيد حيث بالنسبة للسلطة واصلت إعتقاله عند أية حادثة سياسية تحدث في بغداد وفي داخل المعتقلات يواصل المعتقلين أضطهاده حتى إنهم كانوا يستحذون على طعامه الذي يصله من عائلته وفي معتقل أبو غريب بعد فشل إنتفاضة 1952 إستمر عشرة أيام بلا طعام. قدم للمجلس العرفي بتهمة الإنتماء للحزب الشيوعي العراقي مستندا بذلك على ما صدر في جريدة الإنجاز. لم يجد الحاكم ما يحكم به المتهم فاطلق سراحه. وإستمرت الحرب الشعواء ضده من قبل السلطة ورهط بهاء الدين نوري. سنة1954 سجن لمدة ثلاثة أشهر بتهمة إشتراكه في النشاط للجبهة الوطنية وإستمرت السلطة في مطاردته حيث لم يمض إسبوع واحد إلا وكانت الشرطة السرية تداهم مسكنه لعلها تجد ما يؤيد أن الشهيد لم يكن بعيدا عن العمل السياسي مع إعتقاله لأي سبب. هذا الواقع الذي عاشه تحت إرهاب مركب من قبل السلطة والحزب سببت له إحباط نفسي شديد أدت به أن تتملكه حالة شبة مرضية لكنه لم يتخلى عن مهمته في دفع كل من له علاقة به أو من اقربائه للعمل في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وبسب دوره ذلك فقد إنظم للحزب الشيوعي العراقي العشرات من الشباب والشابات قبل ثورة 14 تموز.
بعد ثورة 14 تموز أعيدت له عضويته في الحزب الشيوعي العراقي ونسب للعمل في منظمات نقابات العمال. 1959 ذهب للصين عضوا في وفد نقابات العمال. 1962 نسب للعمل في خط حزبي خاص/ خط مايل وعاش فترة الإختفاء.

بعد إنقلاب 8 شباط عاد إلى عائلته بعد كبس الدار التي كان متخفيا فيها في مدينة الكاظمية. في نهاية شهر شباط من سنة 1963 اعتقل من قبل أفراد الحرس القومي ونقل إلى مدينة الكاظمية للتحقيق معه في مقرات الحرس القومي ثم نقل إلى مقر التحقيق في محكمة الشعب التي كانت تحت إشراف المجرمين ناظم كزار وخالد طبرة وأيوب وهبي صبري. عندما يأس الجلاوزة من الحصول على أي إعتراف منه قرروا قتله بواسطة وضعه في تابوت وتقطيعه بالمنشار ثم ألقوا جثته في نهر دجله حيث جاء ذلك من شهادة المعتقلين الذين كانوا معه في مركز التحقيق البعثي.

سنة 1966 قدمت والدة الشهيد دعوى ضد كل من ناظم كزار وخالد طبرة وايوب وهبي صبيري وعمار علوش بقتل إبنها في أقبية محكمة الشعب. أصدرت المحكمة في الجريدة الرسمية والصحف المحلية إستدعاء لمحاكمة كل من ناظم كزار وخالد طبرة وايوب وعلي صبري وعمار علوش وذلك لمحاكمتهم وفق المادة 214 لقتلهم المجنى عليه سميع جاني الناشي وفي حالة عدم حضورهم اليوم المحدد للمرافعة سيتم محاكتهم غيابيا وحسب قانون العقوبات.كانت المحاكمة دائما تتاجل بسبب هروب المتهمين. ثم توقفت هذه الدعوى بعد عودة حزب البعث للحكم مرة أخرى في سنة 1968 وقد تبوأ ناظم كزار منصب مدير الأمن العامة ورئيس المكتب العسكري لحزب البعث، الذي قام بسحب كافة أوراق الدعوى من كافة الدوائر الرسمية وحرقها.

 

نشرت في شهدائنا

 العمل التنظيمي في الكوت

بعد فترة ارسلني الحزب الى مدينة الكوت لقيادة التنظيم هناك ، وكانت لجنة اللواء مكونة من حسون الحركَاني وجليل ابراهيم عبادة وعبد الرزاق عبد الرضا من مدينة الحي .وصار تقسيم العمل كما يلي :
ــ جبار عبود / مسؤول تنظيم اللواء ،ومنظم لجنة المدينة المؤلفة من الرفاق رشيد طاهر ،معلم ، وعباس محمود وهوكاتب محاسبة في التربية وعباس طباطبائي ،متفرغ للعمل الحزبي وحمودي،عامل،ونافع ،طالب ثانوية .كما كنت اقوم بمهمة الاشراف على جميع تنظيمات الصويرة وتتكون من( لجان؛الزبيدية والصويرة والعزيزية والقرى المرتبطة باللجان التابعة لتنظيم المدن ).
ــ عبد الرزاق عبد الرضا / مسؤول عن لجنة مدينة الحي وريفها والجمعيات الفلاحية هناك .
ــ جليل ابراهيم عبادة / مسؤول عن ناحية النعمانية وريفها والجمعيات الفلاحية هناك .
ــ حسون الحركَاني / مسؤول عن لجنة الفلاحين المحيطة بارياف الكوت والدجيلة وكذلك عن الجمعيات الفلاحية .
استلمت تنظيم الكوت المكون من عدد من الاعضاء والاصدقاء، والمرشحين الذين قُبلوا بصفة اعضاء بقرار من المكتب السياسي ،وعددهم 60 مرشحا ًوكان ماجد عبد الرضا الذي غادر الكوت قبل وصولي اليها ،مرشحا ًكما اخبرني عباس محمود الطباطبائي ...
وبرغم عرقلة حسون الحركاني وجليل ابراهيم للعمل الا ان عملنا سار على ما يرام ،فقد وضعنا خطة للعمل تقضي بتقسيم لواء الكوت الى مناطق وقد ركزنا في عملنا بداية الامر على المعلمين والمثقفين واكثرهم من ابناء الكادحين وهم الوجه الظاهر والمتحرك للبلدة ،وخصصنا انضج الرفاق الى عمال ميكانيك السيارات والمكائن ..وحصيلة عملنا كانت جيدة جدا حيث تجاوز عدد الاعضاء والمرشحين 800 شخصا في داخل مركز مدينة الكوت وحدها ،وقد سُلم التنظيم الى الرفيق حسين سلطان عندما كلف باستلام التنظيم انذاك . ومن الاعمال الاخرى ايضا ،جمع آلاف التواقيع من اجل اجازة جريدة اتحاد الشعب ،وبذلك استلمنا تقييما جيدا من المكتب السياسي لعملنا باعتبار تنظيم الكوت من التنظيمات المتقدمة في عملها ....وللعلم لم تحدث حوادث مؤلمة في لواء الكوت في عام 1959 ما عدا ماحدث في النعمانية والحي من مماحكات ورد على اعمال شغب [ في اول ثورة تموز كان محسن الشيخ حمود ،اخو الشهيد علي الشيخ حمود الذي اعدم مع رفيقه عطا الدباس في عام 1956 في انتفاضة الحي المجيدة ،قد باع نفسه الى الاقطاعي الكبير مهدي البلاسم وتستر محسن بواجهة الحزب الوطني الديمقراطي وفعل فعله التخريبي وبذلك حصلت بعض الحوادث في مدينة الحيٍ] ...طلب مني الحزب ان احضر مع لجنة مدينة الحي اجتماعا في بغداد ،فاجتمع بنا الرفيق سلام عادل وبهاء الدين نوري وهادي هاشم في بيت هادي هاشم في الاعظمية، اكد سلام في الاجتماع على ضرورة القضاء على كل الخلافات الثانوية داخل التنظيم ، وينبغي لفّ اوسع الجماهير وبالاخص الفلاحية منها حول الحزب كما اكد على تحاشي التصادم مع القوى الوطنية. والعمل على ايجاد جو من التعاون والتضامن ضد الاقطاع والعناصر المخربة من امثال محسن الشيخ حمود ..وبعد فترة طلب الحزب حضور لجنة لواء الكوت ولجنة مدينــــــة مركز الكوت .أدار الاجتماع بهاء الدين نوري .وفيه تقرر تشكيل لجنة محلية تتكون من ابراهيم عبد الكريم وجليل ابراهيم عباده وحسون الحركَاني ورشيد طاهر وعباس الطباطبائي ،ويكون مسؤولها جبار عبود (ابو نضال) .وبقي عباس محمود ونافع نادر وحمودي في لجنة المدينة ،على ان يضاف اليهم رفاق نشطين من لجان الاحيــــــــاء..
وبعد اشتداد عرقلة حسون الحركاني وخليل ابراهيم عباده وابراهيم عبد الكريم ( الان هم بعثيون معادون للحزب بشدة )،بعد عرقلة هؤلاء وعدم انسجامهم في العمل الحزبي ،ويعارضون حتى الاشياء الصحيحة والتوجيهات التي تأتي من الحزب ،قرر الحزب ارسال الرفيق حسين سلطان عضو اللجنة المركزية لقيادة المحلية ،وان ياخذ ابراهيم عبد الكريم تنظيم لجنة المدينة في الكوت ،وهناك بدأ نضال ،الافندية؟ ،فلم يتطور التنظيم بل تراجع بشكل كبير ...اما الحركاني حسون فعمل وكأنه اقطاعي بين الفلاحين فكان يقدّر السراكيل ووكلاء الاقطاع المكروهين من قبل الفلاحين ويحترمهم ويزدري المسحوقين والفقراء مما فاقم المشاكل وضاعفها ،وبذلك اضطر الحزب ان يستدعي الحركاني ويضمه الى ريف بغداد ،ويعهد بالتنظيم الذي يقوده اليّ ( ريف الكوت) إضافة الى عملي في قيادة اللواء كله ...اما جليل عباده فكان هو الاخر يهمل تنظيم النعمانية ويكتب تقارير غير واقعية ،وصارت مشاكل وتصادم بين رفاقنا وبين الحزب الوطني الديمقراطي الذي عشعشت فيه الرجعية واخذت تحركه ...ولا يفوتني ان اذكر قبل استدعاء حسون الى بغداد وعزله من الريف في الكوت ،استدعاني الحزب وكلفني بالعمل مكانه ،هناك قابلت الرفيق حسين سلطان وذهبنا سوية الى الرفيق كريم احمد وبعد الحديث معه تقرر ان نذهب نحن الثلاثة الى الرفيق بهاءالدين نوري ، ولما تحدثت عن تصرفات الحركاني غضب بهاء كثيرا وتهجم عليّ من دون مبرر موضوعي وانتهى الاجتماع دون نتيجة تذكر ... وبعد حسين سلطان استلم التنظيم احمد الحلاق وعملت معه دون تردد ،انطلاقا من ان العمل الحزبي ليس بالمراكز بقدر ما هو مهمة نضالية يؤديها العضو الحزبي ...
في 3/ تموز/ 1959 نظمت اجتماعا واسعا حضره اكثر من 200 فلاح وكان مهرجانا ناجحا . في تلك الاجواء الحماسية اتى المبشر بالثورة ،الرفيق حسين سلطان ، ومعه قرار الحزب باعلان الثورة من الكوت وتحديدا في يوم 5/ تموز/59 فكانت فرحتي كبيرة لا توصف فصحت :مرحبا بثورة العمال والفلاحين بقيادة حزب فهد ،مرحبا بالراية الحمراء وعلى الفور اجتمعنا ( حسين سلطان واحمد الحلاق وأنا ) وقررنا ان اذهب الى عموم ريف الكوت واضع الفلاحين على اهبة الاستعداد واعطائهم اشارة بدء التحرك الى مدينة الكوت واحتلالها سوية ً مع جماهير الحزب فيها .وفي المساء أخذت اربعة مسلحين اشداء معروفين لدى الفلاحين وركبنا سيارة جيب وسرنا الى التنظيمات الفلاحية واسغرقت الرحلة من المساء حتى صباح اليوم التالي نتجول فيها بين القرى والجمعيات الفلاحية نخبرهم باعلان الثورة ونعطيهم الاشارة ،مع تبليغ بعض الفلاحين باخذ سلاحهم والتوجه الى الفلاحين في الكوت .وفي اثناء رجوعنا تعرضنا الى كمين كاد ان يبيدنا إلا ان المصادفة خدمتنا وذلك ان افراد الكمين عرفوا احد الرفاق الذين معنا .ولدى وصولنا ،مع طلوع الشمس ذهبت الى المقر وابلغت حسين سلطان بما فعلنا ،وفي اليوم الثاني ،وفي نفس الموعد المقررلاعلان الثورة 5/7/1959 لم نسمع اي شيء من الاذاعة فاجتمعنا ،نحن الثلاثة ،على الفور لنتدارس الموضوع فكان رأي الرفيق حسين سلطان ان نعلن الثورة من مدينة الكوت واريافها ولكن احمد الحلاق عارض ذلك وقال : علينا اخبار الحزب ومن ثم العمل حسب ظروفنا فرد حسين سلطان بإن المسألة مدروسة وجميع اعضاء اللجنة المركزية ومكتبها السياسي موزعون فــــي جميع انحاء العراق استعدادا لهذا العمل .طلبت الاستراحة لانني مرهق جدا ً وفي المساء ذهبت لمعاودة الاجتماع فلم اجد حسين سلطان واخبروني بان الرفيق سلام عادل وبهاء الدين نوري جاؤا واخذوه معهم الى بغداد ..( مؤخرا علمت ان عبد الكريم قاسم اعطى الحزب وزيرين فصرف النظر عن القيام بالثورة وكأن الثورة تساوي وزيرين !؟ ). وأبدل شعار( كفاح ـ تضامن ـ كفاح ) بشعار ( تضامن ـ كفاح ـ تضامن ). ونسينا انه لايمكن تحقيق طموحات الطبقة العاملة الا باخذ السلطة السياسية ،وقد كان بامكان ذلك وباقل تضحيات مما اعطيناه من خلال سياسة التراجع المنظم .وفي سجن نقرة السلمان سمعت الكثير من هذا القبيل من رفاقنا العسكريين وسوف اكتبه في مذكراتي لاحقا .

العمـــل فـــي مدينــــة الحلـــــــــة
وفــي ردة عبد الكريم قاسم السوداء نقلوني اداريا سنة 1960 الى الحلة ،التحقت بالتنطيم هناك وكان مسؤول المحلية آنذاك الرفيق ابو هشام ( محمد حسن مبارك ) وكنت في مكتب المحلية ومسؤول عن التنظيم النسوي وبعد القاء القبض على كاظم الجاسم عهد اليّ تنظيم الريف ..كانت اللجنة المحلية تتالف من ابو هشام سكرتيرا( وهو عضو منطقة الفرات الاوسط)
ومن الرفاق مجيد وهادي صالح من بعقوبة ،كانت نشاطاتنا كثيرة ومنوعة منها القيام بتحشيد مظاهرة كبيرة من الحلة تتوجه الى بغداد تطالب بايقاف مساومات قاسم مع شركات النفط ( منها خضوع قاسم لمطلب شركات النفط بغلق جريدة اتحاد الشعب ) .كانت الهتافات تتعالى :هذي الارض للشعب مو للحرامية، نريد حصة من النفط 70% ،عاش السلام العالمي هوّ وحماماته يسقط الاستعمار هو وعصاباته . في المظاهرة شخصني بعض رجال أمن الكوت ومن عملاء النظام من معلمي الحلة ،وحال رجوعي الى الحلة القي القبض عليّ وارسلوني الى الكوت وبعد فترة احالوني الى المحكمة العرفية في 17/ 12/ 1961 وحكم عليّ وعلى بعض الرفاق من الكوت وعددهم ( 15) لمدة 4 سنوات كما حكم على ابراهيم عبد الكريم الذي احيل معنا الى المجلس العرفي العسكري كذلك ،(11 ) شهرا ًمع ايقاف التنفيذ وارسلونا الى سجن البصرة وهناك التقيت الرفاق حسين من عمال البصرة ومعه في المنظمة الرفيق وعد الله النجار وكان محكوما بالاعدام وخفض من قبل عبد الكريم قاسم وكان ممثل للسجن امام الدائرة ،ولدى التحاقنا بالسجن جاءت رسالة من البصرة تقضي بتسليمي قيادة منظمة السجن ،ولما كان وعد الله على خلاف دائم مع حسين وكانت ارائي تتفق بالاغلب مع اراء حسين عمل وعد الله على نقلي اداريا الى سجن نقرة السلمان وللتغطية نقلور معي ثلاثة رفاق من الذين جاؤا معي من الكوت وهم عباس ، طالب في دار المعلمين وعريبي دشنة وعاصم وهو طالب ثانوية .وللتاريخ اذكر بان الوشاية كانت بصورة غير مباشرة كما اعتقد .حدث ذلك بعد شهر من وصولنا السجن .
فــي9/ 3/ 1962 وصلنا سجن نقرة السلمان بعد ان تأخرنا كثيرا في معتقل السماوة وهناك وجدنا ثمانية رفاق من الموصل قسم منهم مخفضة محكومياتهم من الاعدام وكان مسؤلهم الحزبي الرفيق محمد وهو فلاح من الجمعيات الفلاحية في العزيزية وادعى كونه عضو عضو في لجنة مدينة العزيزية وذلك غير صحيح كما اعرفه انا .بعد فترة ارسل الى السجن رفاق اخرون حتى صار العدد 70 سجينا من الشيوعيين وعدد قليل من البعثيين والقوميين ومنهم أياد سعيد ثابت وخالد صالح الذي قام بتعذيب الرفيق حمزة سلمان حتى الموت .كما كان معنا الرفيق مهدي حميد وجماعة من كركوك ومن دهوك ومن عين تمر ...وغيرهم ذلك بالاضافة الى 250 محجوزا كرديا ومنهم 60 برزانيا ً ولهؤلاء البرزانيين تنظيمهم الخاص .

انقلاب شـباط الاسـود في 8/ شباط / 1963
بعـــد انقلاب شباط الاسود ارسل الى سجن نقرة السلمان الكثير من السجناء سواء كانوا محكومين قبل الانقلاب ام بعده وكان اغلبهم من الذين لم يتمكنوا من الصمود في التعذيب والمسالخ البشرية التي مارسها البعثيون وحلفائهم ضد الشيوعيين في قصر النهاية والنادي الاولمبي وفي السجون والمعتقلات الاخرى ...وبعد انقلاب 18/ تشرين الثاني / 1963 كانت المحاكم ترسل من تصدر عليه الحكم باكثر من خمس سنوات الى سجن نقرة السلمان ،حتى وصل العدد اكثر من 2000 سجين ومحجوز سياسي .واكيدا ً
لم يكن هؤلاء السجناء على مستوى واحد ولا حتى متقارب من الوعي الاجتماعي والتحصيل الدراسي والانحدار الطبقي .فقد ضم السجن من حاملي الشهادات العليا والاختصاصات الاخرى الى الاميين ،عسكريين ومدنيين ،اضافة الى مستوى مواقفهم في التحقيق وتحملهم التعذيب فلا بد ان تحدث في هذه الحالة مماحكات ومواقف وانتقادات ومفارقات ..
كان على راس التنظيم الحزبي في السجن عبد الوهاب طاهر وسامي احمد ومظفر عباس وهم لجنة التنظيم الحزبي في السجن ،اضافة الى مكرم الطالباني واحمد غفور وعادل سليم وعزيز سباهي وانا ...وفي 17/1/1965 اطق سراح المحجوزين وكان عددهم 52 سياسي ومنهم عزيز سباهي ود. احمد ومحمد ملا كريم وغيرهم وكنت معهم فارسلوني الى الحلة وهناك اطلق سراحي .

العمل في الخط العسكري
عنــــد وصولي الى بغداد اتصلت بالحزب عن طريق زوجتي ـ ام نضال ـ وانتظمت في الخط العسكري وكان اتصالي بالرفيق عبد الرحمن السامرائي بشكل فردي ، وقد عرفت لاحقا ان صلته كانت بعباس محمود من اهالي الكوت ، وقد كتبت رسالة عنه وعن تاريخه (عن عباس محمود) وكشفت تسيبه وقلّة التزامه، وعندما التقيت معه قال لي : لماذا تكتب عليّ ( اصعد فوق في التنظيم وشوف الجيفة ) .كان عباس محمود يتصل بصالح دكلة المنهار وخائن الشعب .
بقيت عدة اشهر من دون اجتماعات او احاديث لتطوير العمل السياسي والتنظيمي العسكري من اجل الثورة سيما وان الظروف كانت مؤاتية فكنا فقط نركب سيارة مصلحة نقل الركاب ونتجول على طول خط الباص ونتحدث بالاخبار التي تبثها وكالات الانباء العامة او الحديث بقضايا خاصة ليس لهما اية علاقة بالسياسة ،او الحديث عن السجون واعمالها وعن العسكريين المنهارين وقصصهم المريعة اثناء ردة شباط الاسود وغير ذلك من الاحاديث غير المجدية .ولا يفوتني القول إنني خلال تلك الفترة استلمت الرئيس مصطفى عبد الله وهو من الرفاق الاكراد وقد ساهم مع جنوده في ضرب قصر الرحاب في ثورة 14/تموز /1958 وهو الذي قتل الملك فيصل الثاني والوصي ،كما استلمت جندي من معسكر الوشاش والاخر المقدم علي وهو كردي كذلك وامر القوة البحرية في البصرة وكان قد سلم الى البعث فسالته عن سبب تسليمه تلك القوة الضاربة او لماذا لم يقاوم الانقلاب ؟ قال :كان بامكاني المقاومة وحتى احتلال البصرة كلها ! ولكني لم افعل لانني كنت اضن ان احتلال البصرة غير مجدي لان الانقلابيين سياتون وتصبح مجزرة في البصرة !!؟وانني اتصور ان مثل تلك العقلية لايمكن ان تعمل ثورة ـ كان موقفه في التحقيق مخزي ـ ...كتبت للحزب عن اعمال عبد الرحمن السامرائي وقلت ان مثل هؤلاء لايمكن ان يخدموا الخط العسكري لكن صوتي لم يسمع ! فما كان امامي الاّ ان اطلب نقلي الى الخط المدني .في بداية الامر لم تتم الموافقة ،ثم التقى معي صالح دكلة كمشرف من الحزب ،ناقشته اولا عن اوضاع عباس محمود وعبد الرحمن السامرائي فاخذ يبرر اعمالهم كون الخط سري للغاية فشككت بجدوى مثل ذلك العمل سيما وانني عضو قيادي وبقائي في مثل هذا العمل غير مجدي ، لكنني دهشت في حينها لوجود صالح دكلة في الخط العسكري ،وهو من العناصر التي خانت الحزب واعترف بالكامل وعلى كل شيء في قصر النهاية واكملها في النادي الاولمبي ،وانني اعتقد ان هزيمته ما هي الا مسرحية اراد تمريرها على الحزب وقد برهن الزمن على ذلك .وقد زودت الحزب بمعلومات عنه بعد خروجي من السجن في عام 1965 ، وبعد مجيء صالح دكلة جاء الرفيق آراخاجادور وطرحت عليه ما كان عندي من معلومات وكذلك عن الغبن الذي اشعر فيه وموقف الحزب مني ،وعن عباس محمود وعبد الرحمن السامرائي وتاريخهما وعن صالح دكلة وانهياره في التحقيق ،ثم طرحت الطريقة التي ينبغي ان يقيّم بها الحزب كادره واضعا امامه تضحيات الرفيق وصموده امام العدو وتماسكه في الشدائد ومحنة الحزب وغيرها...فقال :الى الان لا توجد قاعدة في الحزب لتقييم الكادر .فاصررت على نقلي الى الخط المدني لانني لااتمكن من العمل في مثل هذه الاجواء ...
وافق الحزب على نقلي فسلمتهم علي مصطفى وعبد الله وغازي وهم من المتقاعدين ،وبقيت دون اتصال لثلاثة اشهر وبالمصادفة التقيت كاظم علي ( ابو سلام ) وشرحت له موضوع انقطاعي عن الحزب فاكد لي موعدا مع احد الرفاق ،وبالفعل التقى معي بيتر يوسف فطرحت له كل ما اريد وبذلك تم نقلي الى محلية الرصافـــــــة .

العمـــل فــي الخـــط المدنـــــي

بعـــــد اجتماعي في محلية الرصافة ثلاث مرات وفي هذه الاجتماعات كانت تدور حول الثورة وكيف يمكن ان ندخل معسكر الرشيد ونستولي عليه مع الرفاق المتقاعدين! وساهمت في وضع خطة لذلك وبعدها ارسلوني الى محلية الكرخ حيث مسكني في البياع وعملت عمل جيد وبحماس ونكران ذات وساهمت برسم خطة من اجل الثورة واستلمت متفرعة ومعها تابعتين، ولما كنت مفصول عن التدريس ولايوجد عندي مورد اخر اعيش فيه مع عائلتي فعملت مع عمال البناء احمل على ظهري الطابوق وادفع عرباته وغيرها من الاعمال الشاقة بالنسبة الى عمري وكان في حينها منظم المحلية لايتجاوز عمره 24 سنة وهو من رفاقنا الاكراد واخيه ضابط لااتذكر اسمه) ثم اتى من بعده مالك منصور وكان معنا في المحلية نورعلي من اهالي النجف او كربلاء وقد انهار وسلم كل شيء للسافاك عندما القي القبض عليه في ايران وكان يعترض عليه عباس مظفر لانه معنا في المحلية وايضا معنا عبدالعال ( ابو مؤيد ) من اهالي الشطرة ونوري العاني الذي قتله البعث في العزيزية وعبدالعال ونوري هما خط مائل في الحزب لصالح ابراهيم علاوي( نجم ) او ابو ليلى، وهم من جماعة مايسمى الكادر المتقدم المنشقة عن الحزب علما ان ابراهيم علاوي من الجواسيس الدوليين وهناك دلائل كثيرة تشيرالى انه عميل. ولقد لعب نوري وعبد العال دورا كبيرا جدا بدخول ابراهيم علاوي مع عزيز الحاج المنشق كما لعب مالك منصور دورا كبيرا في الانشقاق في محلية الكرخ... وفي احد الاجتماعات جاءنا كمشرف ابو جعفر ( خضير من اهالي زاخو) وكذلك الرفيق الخضري والرفيق باقر ابراهيم وكان موضوع الاشراف قضايا تنظيمية ومسألة نور علي واعتراض عباس مظفر عليه والجدير بالذكر ( ان نور علي هو الذي قال نحن وقعنا في فخ وتصورنا نحن متصلين في حزب تودا وعلى هذا اعترفنا على كل ماطلب منا.) واعتبر عباس مظفر هذا الموقف تحدي للمبادىء الاصيلة في حزبنا كما طلب ان يعاقب بالتخفيض الى لجنة اقل من مستوى المحلية،على اقل تقدير،. ثم نوقشت مسألة الثورة كثيرا واخذنا استعدادات واسعة حتى قسمنا منطقة الكرخ ووزعناها على رفاق المحلية واصبحنا في انذار دائم ثم تأجلت ولم نعرف السبب الابعد فوات الاوان. وعند انقطاع عباس محمود عني كصديق عرفنا فيما بعد اننا كنا مخترقين حيث كان في صفوفنا بعض العرفاء من النظام كخط مائل.

عملي مع الانشقاق سنة 1967

ان الانشقاق مدان ولايبررمطلقا مهما كانت الظروف . فهو تخريب ويخدم العدو بالدرجة الاولى ولحزبنا تجارب في الكتل والانشقاقيه منذ اوائل الاربعينات حتى الان امثال عبدالله مسعود القريني وكتله الى الامام ذنون ايوب وكتلة داود الصائغ وشورش (الحزب الشيوعي الكردي) وازادى والنجمة وغيرها في عقد الاربعينيات .والانشقاق الكبير الذي اضعف الحزب هو راية الشغيلة في الخمسينات و حزب بهاء الدين نوري، كل تلك الانشقاقات مدانة وكنت احاربها محاربة شديدة حيث ضاع من عمري ليس بالقليل مع كتلة داود الصائغ ونتيجة للممارسات والغبن الذي لحقني من لدن قيادة الحزب حيث من ابنائي وطلابي اصبحوا ينظموني قبل الانشقاق وكذلك ابتعاد رفاقي عني واصدقائي في نفس الوقت ولم يأتوا من اجل توضيح الظروف التي يمر بها الحزب والاخطار المحدقة به وهم رفاق على رأس الحزب وايضا في هذه الظروف الغامضة علىّ ومايجرى داخل الحزب وكل هذا وغيره انجررت الى المنشقين من دون ان اعرف بالانشقاق وان الشعارات التي رفعت استهوتني وجذبتني اليهم واكثر من هذا وذاك هو ادعاء الانشقاقيين بأنهم هم الحزب علما ان الحزب بأهدافه ومبادئه وليس باشخاص.
قبل الانشقاق 1967 بأسبوع تكلم معي عبد العال ( أبو مؤيد ) عن اوضاع الحزب واين يسير فقلت: ان هذه الشعارات التي تقولها صحيحة ولكن لايمكن ان نشق الحزب مهما كانت الظروف والشعارات صحيحة لان الانشقاق يخدم الاستعمار بالدرجة الاولى وليس الحزب والشيوعية فقال: نعم انا ايضا ضد الانشقاق وقال نحن الحزب. وبعدها حدث الانشقاق ولم يخرج من المحلية غير نورعلى علما باني لم اشترك بأي عمل اثناء الانشقاق ضد الحزب، لقد عملت وكأنني في الحزب. وبعدما تأكد لي وانا في كردستان اعمال الانشقاقيين سنة 1969 جلست على التل وارسلت رسالة الى الحزب اعترفت بكل ماعملته من تخريب داخل الانشقاق ( من حيث لاادري) وللتاريخ اقول كانت زوجتي ضدي ومع الحزب وكانت تطرد من يأتي الى البيت من الانشقاقيين وتتهجم عليه وتخاصمني وحتى تمزق الادبيات وتتلفها وسوف اكتب في مذكراتي اللاحقة ذلك مرورا بخيانة خضير ( ابو جعفر) الى حافظ رسن ،وكيف اشتراهم البعث ثم اعدموا على ايدي رفاقهم واكتب ايضا عن ابراهيم علاوي الذي لعب دورا كبيرا في قتلهم واتطرق لمعارضتي قتلهم والاسباب التي دفعتني لهذه المعارضة لاعتقادى بان الحزب يستفاد بما يملكون من اسرار اقصد ( حافظ وخضير).
ومن المعروف حدث وان القي القبض على بعض اعضاء منطقة بغداد واذكر منهم مسؤل الطلبة وهو في الكلية الطبية فاعترف عليّ وكنت معلما في مدرسة كشاف في ناحية كوير/ قضاء مخمور/ اربيل، بعدما تم ارجاعنا الى الوظيفة في ايلول 1968 . وعندما كنا في مديرية تربية اربيل بغية استلام الراتب الشهري اشعرني مدير المدرسة بصدور القاء القبض عليّ فهربت بمساعدة احد اعضاء الحزب وهو صاحب دكان واسمه طلعت وبدوره سلمني الى الانشقاقين ومن هناك خرجت الى الجبل بتاريخ 4/2/1969. اطلعت اطلاعا كاملا على الانشقاق فقطعت علاقتي بتاريخ 8/11/1969 وبعد التوسط لدى القيادات الكردية عينت معلما في دربندرايات وهناك التقيت بالكثير من قياديي الحزب امثال الرفيق كريم احمد وجاسم الحلوائي وبهاء الدين نوري ومهدي عبد الكريم وملازم خضر وعمر الياس واحمد الجبوري وابو حكمت وغيرهم فكتبت رساله الى الحزب واعطيتها الى الرفيق عمر الياس عندما ذهب الى بغداد ادنت فيها الانشقاق ولكن لم استلم الجواب. وقبل خروج رفاقنا من كردستان التقيت مع ابو حكمت مصادفة في مدينة جومان فاوقفت سيارته وسألته عن وضعي فقال نرسلك الى امن اربيل وتعترف بكل شيء داخل الانشقاق فرفضت رفضا باتا حفاظا على كرامتي السياسية وشيوعيتي. وقلت في نفسى هذا الراي لايمثل رأي الحزب ومبادئه انه رايه الشخصي مهما كان مركزه ومؤخرا علمت ان الرساله التي ارسلتها الى الرفيق كريم احمد بيد عمر الياس انزلت الى محلية الكرخ ومنها الى تنظيماتهم وكان ابني في احدى الهيئات الحزبية فصاح هذه رسالة والدي.
بقيت معلما في جومان اتحين الفرص للخروج من هناك حتى تمكنت من اقناع الحركة الكردية بمساعدتي بالسفر الى سوريا كون سوريا قريبة من بغداد ويمكنني ان اجلب زوجتي واولادي وهم خمسة، مع المسافرين من بغداد الى سوريا. فاقنعت عضو المكتب السياسي حبيب عبدالكريم بواسطة العقيد نوري معروف وبدأت رحلتي الشاقة المليئة بالمجازفات والخطورة ومعي زوجتي وثلاثة من صغاري، بعد ان تمكنوا من الالتحاق بي وبقي الاثنان الكبار في بغداد، واتخذت طريق بهدينان – تركيا – سوريا – لبنان بمساعدة الحركة الكردية وساعدني في سوريا جماعة محمد نيو وفي لبنان جماعة صلاح بدرالدين.
وفي 25/11/1974 اتصلت بالسفارة اليمنية بمساعدة صلاح بدرالدين بعد ان بقيت في لبنان سنتين وقد ساعدني الحزب الشيوعي اللبناني في الذهاب الى اليمن بعد ان حصلت على تزكية من الرفيق اليمني حسن سلامي استنادا الى رسالة كامل شاهين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني. وفي اليمن تم تعييني بصفة مدرس في دار المعلمين والمعلمات في عدن اعتبارا من 21/10/1976 وبعد ثلاثة اشهر ارسلت رسالة الى الرفيق عزيز محمد ادنت فيها الانشقاق ونفسي وكل الاعمال التخريبية ضد الحزب. ارسلتها بواسطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد ان رفضها الرفيق توفيق رشيدي (قتل من قبل السفارة العراقية في عدن بتاريخ 2/6/1979 ) وبذلك اعاد لي المكتب السياسي لحزبنا عضويتي. وهناك مارست حقي الطبيعي في العمل في صفوف حزبي مجددا ...
يتبع

 

نشرت في شهدائنا

 


فــي ناحيـــة الزبيديـــــــــــــــة

الزبيدية ناحية صغيرة معزولة ومهملة تابعة الى قضاء الصويرة وفيها ملكيات صغيرة للفلاحين .بقيت في الزبيدية اريع سنوات وقد بدأت عملي في التركيز على كسب إمام الجامع "الحاج عكَار"وهو من اهالي الناحية فصار صديق للحزب ومن ثم انضم الى منظمة انصار السلام .ومن اهالي الناحية ايضا معلم اسمه جاسم بالك،كان سابقا صديقا
للحزب فصار خير معين لي في عملي ،رغم انه كثير التشكك. تمكنا من تشكيل هيئةاسميناها مجازا[لجنة المدينة]، اخذت على عاتقها العمل الحزبي، فوضعت برنامجا طموحا للعمل بين الفلاحين القريبين وبين ابناء المدينة كذلك.كانت الهيئة تجتمع مرة في الاسبوع، تنشر سياسة الحزب وتقوم بالتثقيف بشعاراته،وكانت الادبيات ترسل لنا من بغداد والمراسلة هي زوجتي ام نضال والى جانبها فاطمة زوجة عبيد محسن واخته زيدة [وقد ارغمنا زيدة على الزواج من عامل السكك عبد الله رغم عدم اقتناعها] ومن زيدة وفاطمة وام نضال شكلنا لجنة لرابطة الدفاع عن حقوق المراة. ومن الطرائف التي تذكر، كانت تاتي الينا بين الحين والاخر سينما بريطانية متحركة، تستخدم للدعاية الى بريطانية، فهاجمتها المنظمة النسائية وخربت شاشة السينما!! وتسهيلا لعملي اشتريت دراجة نارية استخدمتها في الذهاب الى الكوت والنعمانية والصويرة، وعندما توسع العمل تمّ ضم خليل حمه الى لجنة مدينة الصويرة، وعند غيابي كان يدير العمل رسول عبد الرضا[وهوبقال].
وبالرغم من اهمية اجتماعاتنا وانتظامها وبرامجها ومراجعة تلك البرامج ونقدها بشكل
مستمر لم نكن نكتب محاضرا لتلك الاجتماعات، علما ان الحزب كان يعرف عن نشاطنا بشكل جيد... وفي عام1951 صار اتصالنا بالكوت وكان مسؤول الكوت انذاك الرفيق جليل ابراهيم الاطرش [كان ناصر عبود عضو ل.م قد تزوج اخت الرفيق جليل واسمها عطية، تعمل مراسلة للحزب كوت ـ بغداد.] ولكن الرفيق ناصر طلقها بعد فترة مما اثرعلى جليل فارتد وانتقل الى بغداد واشتغل في معمل للمياه الغازية...في ذلك الوقت تكونت لي علاقات جيدة مع اشخاص معينين في مدينة الحي كان ابرزهم الرفيق هاشم جلاب مسؤول المدينة ...
كان نشاطنا مميزا ًانذاك اعتبارا من توزيع البيانات والكتابة على الجدران والسماع الى اذاعة موسكو في المقاهي وتحدي وكلاء الملاكين،ومن ثم مقاطعة الانتخابات الصورية، وفتح صفوف لمحو الاميّة في القرى القريبة جدا من المدينة ،قيادة اضراب الفلاحين ضد اعمال السخرة ،وبهذا كتبت جريدة القاعدة مقالا ضافيا ًعنه.اقترح جاسم بالك ان نعمل باسم الحزب الوطني الديمقراطي وقد ارسلنا المقترح للحزب ،بناء ًعلى طلبه ،وقد رفض المقترح وشرحت اسباب الرفض فانزلنا الرسالة الى كل قواعدنا .
فـــــي عام 1953 انكشف امرنا فتم استدعاء عبيد محسن وجاسم بالك الى مركز الشرطة للتحقيق معهما ،لكن مواقفهم كانت صلبة ومتماسكة ملم يُنل منهما شيء. طلبتُ من الحزب الموافقة على ذهابي الى بغداد لقضاء العطلة الصيفية،لكن الرفيق عدنان عضو لجنة لواء الكوت رفض ذلك وطلب مني الذهاب الى النعمانية حيث كانت قوى راية الشغيلة وعدد اعضائها اكثر من قوانا .كان منظم النعمانية انذاك رفيق خياط ـ لا اتذكر اسمه ـ وفي حينها كان يوزع كراس او نشرة انجاز رقم 13 الصادرة من الحزب.
ذهبت الى النعمانية ،وبعد شهر قمنا بنشاطات تذكر من ضمنها توزيع نشرات فـــــــي اربعينية ستالين ( وهي بخط اليد )،وزعت تلك النشرات بشكل مكثف أمام بيتي مما اثار انتباه الشرطة،فقامت بتحري البيت وللمصادفة كان معي في البيت الرفيق عدنان فعثرت الشرطة على بعض الادبيات والكتب ومنها تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي ،وتعتبر تلك مستمسكات جرمية ،اما نحن فقد تمكنا من الهرب وافلتنا من الطوق الذي ضربوه حول المدينة .لقد ساعدني على الهرب بعض رفاقنا ومنهم الشهيد تركي الحاج صلاّل الموح وهو من اعلام ثورة العشرين الوطنية في الديوانية وبعد جهد كبير وصلت الى قرية( البو خايس ) وهي قريتهم فمكثت فيها خمسة ايام ثم ذهبت الى الديوانية بمساعدة المحامي زيد وهو الاخ الاكبر لتركي ،ومن الديوانية الى بغداد فاتصلت بالحزب واسكنني في بيت حزبي وكان معي في نفس البيت الرفيق مهدي عبد الكريم (نعمان) .كان البيت مركزا للاجتماعات الحزبية ،ويتردد علية الرفاق [ نزيهه الدليمي ، دليّ مريوش ،خضير عباس،.وغيرهم ] .وبعد مدة ارسلني الحزب مع زاير عبد(ابو كاظم)وهو رجل مسن عمره 60 سنة ويعمل حائكا ً ومن اهالي احدى قرى الناصرية ..
زاير عبـد مناضل قديم ،متدين أمي ،كان مع الرفيق فهد في حزب جعفر ابو التمن، يحب الشيوعية ويحترمها كثيرا ،كما كان مراسلا بين الرفيق فهد وثورة ريسان الكَاصد في سوق الشيوخ ...
فتحتُ دكانا ًصغيرا باديء الامر وعندما بدا هذا الدكان يعرقل حركتي ولايساعد على سرية عملي بشكل جيد ،طلبت من عامر ان يعلمني الحياكة وبالفعل علمني المهنة فاشتريت عدّة للحياكة وعملت (جومة)في البيت واخذت انتج العباءة الصوفية كأي حائك. بعد ذلك رحّل الينا الرفيق مهدي غويلي من اهالي الكوت ومعه الرفيق ورد عنبر من اهالي سوق الشيوخ فشكلنا لجنة اللواء وقسمنا العمل كما يلي :
ـ ورد عنبر/ مسؤول عن سوق الشيوخ والقرى التابعة له .
ـ مهدي غويلي/ مسؤول عن قضاء الشطرة وتوابعها والرفاعي وقلعة سكر .
ـ جبار عبود / مسؤول عن مدينة الناصرية وناحية الزديناوية وناحية البوصالح والفهود
وبعد فترة قصيرة من العمل اعترض الرفيقان ورد ومهدي على عملهما ،فطرحت فكرة ان آخذ ريف سوق الشيوخ بالاضافة الى عملي ،ومهدي على اعتباره متفرغ للعمل الحزبي يبقى في عمله ،لكنه رفض تلك الفكرة ايضا ،فاقترحت عليه ان يبقى مشرفا ًالى حين ايجاد منظم للعمل يحل محله فرفض ايضا ؛فزودته برسالة وذهب الى بغداد ،وقد جاء رد الحزب يصف فيه ذلك العمل بانه بيروقراطي فظ ،وجلب الرسالة الينا الرفيق سلام عادل ومعه والدي ومهدي ،وعقدنا جلسة فور وصوله (وصول سلام)الينا .
لم اكن ابالي بمظهري حتى صرت وكأنني من الدراويش القدماء ؛ملابس رثة ولحية طويلة (مبهذل)،انتقدني سلام على هيئتي تلك ،ورغم اعترافي بخطأي،انتقدني بشّدة. كان سلام آنذاك مسؤولا ً عن المنطقة الجنوبية ... لقد اوضحت لسلام في الاجتماع دوافع عملي وهي احياء التنظيم سيما وان اللواء كبير وتنظيماتنا واسعة وركائزنا منتشرة في المدينة وفي الاقضية والنواحي والقرى والاهوار واذا لم نكن بمستوى المسؤولية فالافضل لنا ان نترك العمل ونجلس على التل ،اننا لانريد حزب أفندية كما قال فهـــد،بل علينا ان نعمل بنكران ذات وهمة شيوعيــة ...
شرح سلام كيفية العمل هنا وبهذا الظرف بالذات حيث الحزب مضروب من قبل العدو وعلينا ان نعمل خطوة خطوة وبهدوء تام ويجب الاّ نفرط بقوانا . ثم قام سلام بالاشراف على تنظيمات اللواء(الناصرية)،ومن ثم استصحب مهدي غويلي معه وذهب ... وبعد ذهابهما رسمنا خطة عمل للواء تتلخص بايجاد مكتبة لكل تنظيم ،ولكل تنظيم ان يرسم خطة عمل تفصيلية له وفقا لظروفه ،كما ركزنا على جانبين هامين هما :التغلغل بين الجماهير ،وتحسين العمل الفكري .وبذلك قمنا بحملة واسعة للاشراف على التنظيمات المذكورة والاتصال بالعناصر التي تركت العمل ،كما نشطّنا عملنا بين صفوف الطلبة والمثقفين وكان اتصالهم معي مباشرة ً...
اما الرفيق ورد عنبر فاخذ مسؤولية سوق الشيوخ فقط .
وفي الزيارة الثانية لسلام عادل الينا وكان معه عباس علوان من اهالي ابو الخصيب قام بالاشراف على مدينة سوق الشيوخ وعلى لجنة الفلاحين مؤكدا على كيفية العمل بين الجماهيرالفلاحية وتقوية التنظيمات والركائز،عندها طرح ورد عنبر وضعه الشخصي،وبعد رجوعنا الى الناصرية عقدنا اجتماعا قسمنا فيه العمل كما يلي :
ــ ورد عنبر/ مسؤول مدينة سوق الشيوخ فقط .
ــ جبار عبود /مسؤول لجنة لواء الناصرية ومشرف على لجنة الفلاحين في سوق الشيوخ ،واحياء الركائز في خط الاهوار ،اضافة الى ناحية الفهود وكَرمة بني حسن والنواحي القريبة من مدينة الناصرية مثل البوصالح والزيديناوية والشطرة .وبمسؤلية الشطرة الاشراف على الركائز الموجودة في السويجات .وبمسؤوليتي ايضا الاشراف على قلعة سكر مع فلاحيها والرفاعي .تلك كانت خطة العمل التنظيمي وتوزيعه الجديد وقد حضيت تلك الخطة بموافقة سلام عادل . وبعد ثلاثة ايام من مغادرة سلام الى البصرة ارسلنا ام نضال لجلب البريد الحزبي وكانت في ايامها الاخيرة في الحمل فجلبت البريد ووزعناه على مسؤولي الخطوط . ومن جانبي ذهبت الى ناحية الفهود ومررت بكَرمة حسن وآل شدود وآل جويبر .وهناك اتصلت باحد مناضلي 1946ـ 1947 وكان ذلك المناضل صاحب نكشة(قطعة ارض صغيرة لاتزيدعن ربع دونم)كما اتصلت باحد مختاري آل جويبر وفراش مدرسة كَرمة بني حسن وهم ركائز لنا ،ثم اشرفت بشكل مباشر على لجنة الفهود ومنظمها صبيح دابس وهو معلم ومناضل قديم ونشط واستغرقت السفرة عشرة ايام .ولدى رجوعي وقعت في كمين امام البيت ولم استطع التخلص منه ،بل تمكنت من اتلاف ما لدي من اسماء ؛كانت عندي بعض العباءات الصوفية فادعيت بانني حائك واسمي حسون منصور من اهالي النجف وابيع العباءات في قرى الناصرية ،مما اثار احتجاج كبار التجار والشخصيات في المدينة ضد التعذيب البشع الذي يلاقيه المناضلون كالسحل بالسيارة والنفخ من الشرج وغيــرها .
وقبل القبض عليّ كانوا قد القوا القبض على زوجتي ام نضال وعلى والدتي العجوز ومن جراء التعذيب ولدت زوجتي وهي في المعتقل ولدت طارق .في حينها دافعت عنها وعن المعتقلات السياسيات الاخريات ،رابطة الدفاع عن حقوق المراة ،حيث كانت معتقلة اخرى من مدينة حلبجة ايضا .فقدمت الرابطة عريضة احتجاج بـ 400 توقيع (وتلك مسجلة في مجلة الرابطة لسنة 1954 )حدثت تلك الاعتقالات نتيجة تلفون من حسين قاسم العزيز مدير ثانوية الناصرية انذاك .حيث اتصل بمديرية الامن واخبرهم بان الشيوعيين يوزعون مناشير معادية للحكومة .ونتيجة ًلتلك المكالمة القي القبض على الطالب حسين علوان ، وهو طالب في نفس الثانوية وصادف ذلك موعدا كان بين حسين علوان وبين عباس علوان عضو لجنة لواء الناصرية ،فحدثت اعترافات نالت بعض الطلبة وزاير عبد وورد عنبر.ولم يعترف الاخير على لجنة المدينة ،لانه لم يكن قد استلمها بعد ،وعندما راى عباس علوان التعذيب بعينه ،تأثر كثيرا وندم على ما فعل .
وفي المعتقل تكلمت معه وطلبت منه ان يتوقف عند هذا الحد، عندها توقف عن المزيد من الاعترافات ولم يذهب الى البصرة .
وبالنسبة لوالدتي فقد استغلوا بساطتها ففي اليوم التاسع من توقيفها عرفوا ان اهلها في مدينة الصويرة فجلبوا اخيها وعندما سمعت بهذا الخبر قررتُ الاضراب عن الطعام من اجل الافراج عن والدتي من التوقيف وايداعها لدى المختار خوفا من تأثير اخيها والتمادي في اعطاء معلومات اكثر،وبعد ايام من الاضراب تحقق المطلب الرئيسي فارسلوا والدتي الى المختار وهو احد اقاربها .بقينا في المعتقل 6 شهور أضربنا فيها عن الطعام مرتين .
قدمونا الى المحكمة فحكمت عليّ بالسجن سبعة شهور وحكمت على عباس علوان وحسين علوان بالسجن ثمانية شهور،وعلى والدتي احدى عشر شهرا مع ايقاف التنفيذ لان المحكمة اعتبرتها مراسلة للحزب ،واعتبرت ام نضال زوجة مرافقة لزوجها .ولا يجب ان يفوتني القول انني قدمت شكوى على المحقق الذي حقق معنا في المحكمة الكبرى في البصرة وتلك الشكوى احدثت ضجة كبرى بين النجفيين فقدموا مذكرة احتجاج وقعها خمسون من كبار التجار احتجاجا على التعذيب الذي لقيناه في المعتقل .
امضيت محكوميتي (سبعة شهور)في سجن بعقوبة .بعدهـا ارسلوني الى المحكمة وفقا للدعوى المقامة ضدي في النعمانية ،كان ذلك في الاول من آب /1954 فحكمت عليّ المحكمة بالسجن لمدة سنة ونصف السنة مع الابعاد عن المنطقة لمدة سنة ،وكان محامي الدفاع كاظم جعفر وكان يومها من انصار السلام (وبعد ثورة 14/تموز/1958 قيل عنه انه كان يعمل لصالح الامن ،ولم يكن له أي نشاط بعد الثورة ).ارسلوني الى سجن الكوت لقضاء محكوميتي فيه فوضعوني في زنزانة اعدام داخل السور وكان معي الرفيق عبد الله كَوران الشاعر الكردي المعروف وكذلك شهاب التميمي .فاضربنا عن الطعام وبعد خمسة ايام نقلوا عبد الله الى سجن بعقوبة وفي يوم 17 نقلوا شهاب الى بدرة اما نحن الباقين فقد استمررنا في الاضراب لمدة 30 يوما ،واضرب معنا ثمانية من السجناء العاديين ومن ثم اعلن السجناء العاديون العصيان وكان منظم العصيان عبد الرحمن زنكَنة وهو من اصدقاء الحزب ،وبذلك نفذت كل مطالبنا ونقلونا الى سجن الموقف في بغـداد. وفي ذلك السجن اضربنا لمدة 12 يوما وفشل الاضراب ولم يحقق لنا شيئا وبعد شهر واحد نقلونا ،وكنا ثمانية رفاق ،الى سجن بعقوبة فوضعوني في زنزانة انفرادية وبقيت مدة ثلاثة اشهر ومارسوا معي تعذيبا شديدا وكان مدير السجن (زين العابدين) سيء الصيت ومامور السجن فليّح ،وبعد تلك المدة نقلوني الى السجن الكبير الذي كان فيه الرفيق كريم احمد وبقيت حتى شهر كانون الثاني سنة 1956 ثم ارسلوني الى بغداد ،ولما لم ينالوا مني شيئا ( اعطاء البراءه )ارسلوني الى الكوت ومن هناك الى بدرة حيث امضيت مدة الابعاد ،وهناك جلبت عائلتي فبقيت معي لمدة ستة اشهر ثم طلبها الحزب فأسكنوها في بيت مطبعة الجبهة والذي فيه كل من محسن العاني ووسيلة ونورية شقيقة حسين الوردي .وفي اول شهرمن سنة 1957 حيث لااتذكر في ايّ شهر انتهى الابعاد ،فارسلوني الى الصويرة عن طريق الكوت ومن الصويرة اطلق سراحنا بكفالة قدرها مئة دينار .
وبودي ان اضيف (( في اول سجني سنة 1954 عاشت زوجتي في البيوت الحزبية المتقدمة مثل بيت حميد عثمان وهادي هاشم وسلام عادل وصبيح سباهي وآخر بيت هو بيت محسن العاني ))...

عودة الى العمل في مدينة الناصريـــــــة

عندما وصلت الناصرية، وبعد فترة وجيزة ،اخذت ابحث عن تراث الرفيق فهـــد والحركات الثورية لجماهير المنتفك .بالاضافة الى ثورات سوق الشيوخ وعصيان آل جويبر في الهور على الحكومة ورفض اعطاء ابنائهم للتجنيد ،وعشائر اخرى عاصية على الحكومة ايضا ..حصلت على معلومات عن مدينة الناصرية فكان الرفيق زايرعبد يسرد لنا اعماله البطولية ومراسلة الرفيق فهـــد شخصيا ً، مع ريسان الكَاصد،في ايام ثورة سوق الشيوخ عام1935 وتكلم عن المظاهرة الفلاحية في نفس السنة في داخل مدينة الناصرية وكذلك عن اضراب طلابي سنة 1919 وكذلك في العشرينات حيث كانت تعقد الجلسات في دواوين بيوت الرجال الذين حاربوا الانكليز وابرز ديوان هو ديوان عبد الجبار حسون جار الله والذي زاره الانكليزي المعروف باسم ( لورنس العرب ) وكان زاير يحضر تلك الجلسات وهو متخفيا ً ويستمع لمناقشاته .وعند افتتاح الحزب الوطني العراقي حزب جعفرابو التمن في بغداد،ذهب عبد الجبار حسون الى جعفر ابو التمن وطلب منه فتح فرع في الناصرية فلُبي طلبه واول رعيل هم عبد الجبار حسون جار الله وفليـح الخياط وعبد الكريم حسّون جار الله وعبد الجبار غفوري وحميد كسار واخرين .. ثم تكلم عن اعتقال الرفيق فهــد سنة1931 على أثر اصدار المنشورالاول في الناصرية والذي وزع هناك وارسل منه نسخا الى النجف وكربلاء وهذا المنشور مذيل باسم ـ الحزب الشيوعي العراقي ـ واعترف الرفيق فهد بكونه شيوعي ودافع عن المنشور وعن الشيوعية ،وشرح لنا زاير عبد ،كذلك عن مجيء عائلة الرفيق فهد في عام1927 ، من قريتهم في شمال العراق ،وكيف تعلم الماركسية على يد احد الخياطين الارمن ،وكيف كوّن فهــد الحلقات الماركسية وكانت الواحدة لاتعرف الاخرى ،في داخل الحزب الوطني العراقي وابرزهم الاسماء المذكورة اعلاه ،ماعدا ًعبد الجبار حسون جار الله وتكلم عن الشهيدين اللذين سقطا في المظاهرة ـ ضد الضرائب ـ في سنة 1932 وكان اسم احد الشهيدين محمد السايس .وكذلك حصلتُ على كتابات بخط الرفيق فهـد ....

العمــل فـي بغداد

بعد اطلاق سراحي ووصولي الى بغداد ،جاءني شريف الشيخ ومعه صبيح سباهي ؛
تكلم شريف عن محتوى رسائلي من بدرة الى الحزب والتي كانت تخص القسوة التي كان يستخدمها صبيح سباهي مع زوجتي ،عندما كانت معه وبالطبع نفى التهم ! وبعد فترة قصيرة ارسلنا الحزب الى بيت حزبي آخر فسكنا مع بيتر يوسف ويقع ذلك البيت
قرب سدة ناظم باشا في العلوية .وهناك زارنا سلام عادل وصالح دكَلة ،تكلمت مع سلام عادل عن التحاقي بالتنظيم وثانيا حول الغبن الذي لحقني وكان يومها صالح دكَلة مسؤول بغداد وعضو لجنة مركزية ،على ما اعتقد، وبعد تلك الزيارة التحقت في لجنة عمالية كان منظمها حكمت كوتاني ومعنا كاظم علي ،ابو سلام،واجتمعنا اجتماعا واحداً فقط وكان في جدول الاعمال فقرة واحدة هي انتقاد نوري سعيد للحزب ،بخصوص المظاهرات التي خرجت في سنة 1956 كونها مظاهرات طلابية وليس عماليةوالحزب الشيوعي حزب عمالي ،وفي تلك السنة خرجت مئة مظاهرة بمناسبة العدوان الثلاثي على مصر .وقد حلت تلك اللجنة وبعدها صار اتصالي بصالح دكَله بشكل فردي وبعد فترة قصيرة خرجت من البيت الحزبي لاسباب عرفتها فيما بعد حيث القي القبض على بيت المطبعة الذي كان فيها صبيح سباهي وحزام عيّال ووسيلة وفي تلك الكبسة انهار حزام وزوجته وسيلة ،وفي الطريق ولدى انتقالنا الى الوشاش تحرت شرطة الامن السيارة التي نقلنا بها الاثاث ولما لم يعثروا على شيء تركونا فواصلنا المسيرة الى الغرفة التي استأجرناها في الوشاش القديم وكان من المفروض ان يخبروني في موضوع النقل واسبابه حتى آخذ الاحتياط الللازم .وبعد الاستقرار في الوشاش اخذت افتش عن عمل فذهبت الى رفيق لي وصديق لجاسم بالك الذي كان يشتغل وكيل لاحد المقاولين الكبار واسمه عمران ،اشتغلت عندهم بصباغة الجدران فعملت في معسكر المنصورية قرب المقدادية وكان يومها آمر المعسكر عبد الكريم قاسم ورأيت اجتماعات عبد الكريم قاسم مع بعض الضباط والنقاش الذي كان يدور بينهم كما سمعتهم عندما كنت اصبغ مقر عبد الكريم قاسم فاخبرت الحزب بذلك فردّ الحزب ان اترك ذلك الموضوع وفي يومها كان اسمي عوّاد ...
وبعد انتهاء العمل من ذلك المعسكر ذهبت الى محل جاسم محمد بالك من اجل التفتيش عن عمل اخرفي شارع الشيخ عمر ،وعند وصولي الى هناك وبعد خمسة دقائق مرّت سيارة أمن فلاحظتنا (جاسم وانا ) لان جاسم كان مكشوفا لهم فأ لقوا القبض علينا وقادونا الى الامن العامة وبعد الاستجواب عرفوني وطلبوا منا اعطاء البراءة مـــــن
الحزب لكنهم لم يفلحوا .وبعد ثلاثة ايام ارسلوني الى الصويرة وبقيت هناك 25 يوما رهن الاعتقال ،بعدها خرجت بعد ان اعطيت رشوّة الى معاون الشرطة ...

العمــــــــــــل فــــي ثــورة 14 / تمـــوز / 1958

بعد خروجي من التوقيف ذهبت الى بغداد في 11/تموز/1958 وبعد ثلاثة ايام كانت الثورة المذكورة ولدى سماعي نبأ الثورة خرجت من البيت على الفور متوجها الى شارع الرشيد ومعي اخوتي ندعوا الجماهير الخروج الى الشوارع وفي فترة قليلة جـــدا نزلت الجماهير الى شوارع بغداد فالتقيت برفاق عديدين امثال كاظم علي وادمون واخته وحسين الرشيد وجاسم بالك وخالص وغيرهم من الرفاق . وبعد الظهر اخذنا جانب الكرادة الشرقية خارج فكبسنا النادي الماسوني وكان فيه الكثير من اسماء ممن يدعون الوطنية مع صورهم وسلمنا السجل والتصاوير الى الحزب ،وبعد ثلاثة ايام اجتمع بنا الرفيق سلام عادل ومعه صالح دكَلة في بيت ادمون وكان عدد نا ثمانية رفاق اذكر منهم ادمون وجاسم بالك وخالص وعلي حسين الرشيد وكان الموضوع الرئيسي المطروح هو فتح ابواب الحزب الى الجماهير الكادحة ( لان اسم الحزب اكبر بكثير من حجمه ) ،كما طرحها الرفيق سلام عادل وفي هذا الموضوع كان النقاش حادّ جــدا ً . في بداية اللامر طرحت على الاجتماع تحفضي من اغراق الحزب بالعناصر البرجوازية الصغيرة وانجراره الى مواقف غير ثورية وغير صحيحة ولما اسهب الرفيق سلام عادل في الموضوع اجمع الكل على ارائه . والموضوع الاخر هو ضرورة المحافظة على الجمهورية الفتية وحثنا على العمل المتواصل .وبعد هذا الاجتماع توجهنا بكل نشاط نحو النقابات للعمل فيها وكان معي علي حسين الرشيد حيث ازحنا الهئات الادارية الصفراء وشكلنا هيئات تحضيرية وقد استلمت هذه الهيئات مقرات النقابات .وابرز النقابات التي عملت فيها هي نقابة عمال الاحذية والمياه الغازية والبناء وغيرها .. تواصل عملنا من ساعة مبكرة في الصباح حتى منع التجول ليلا .وعملت مع لجنة المفصولين من اجل افشال طلب التعهد سيء الصيت الذي تبناه عبد السلام عارف وزير الداخلية انذاك،فذهبنا الى شخصيات وطنية مثل كامل الجادرجي وصديق شنشل .
(
ولي موقف من هذا الوزير وهو من حزب الاستقلال فوقفت في وجهه بشدة حتى حاد عن تأييد ذلك التعهد ) وكذلك اشتغلت في الهيئة التحضيرية لنقابة المعلمين وكنت مندوباً عن نقابة المعلمين في المؤتمر الاول ،وفي اللجنة المشرفة على الانتخابات .
يتبع

 

نشرت في شهدائنا

 

 

ما يبعث الفرح والتفاؤل، بمستقبل العراق، النشاط المتواصل والمتزايد لمبدعينا ومثقفينا ومناضلينا الذين ما ضنوا لحظة واحدة في عطائهم ملتصقين بالشعب وقضيته يعانون معه ويشاركونه معاركه النضالية ضد الحرب والفاشية والتسلط وقهر الانسان.
ويحتل مناضلونا المندائيون مكانة بارزة بمساهماتهم مع رفاقهم في كل المناسبات ، وفي اعمالهم ومواقفهم وحياتهم وعلاقاتهم. ان ما يقدمه المبدعون المندائيون سواء في الداخل او الخارج، في الماضي حيث كانوا يعيشون ظروف النضال السري الصعبة، او في الحاضر وهم يتساقطون بسكاكين الطغاة الجدد من قوى الظلام، يشكل صرخة قوية بوجه كل الطغاة وثقافتهم المعبرة عن الحقد والتخلف والغاء الاخر.
وتأتي ثقافتنا العراقية التقدمية جزء من هذه الحقيقة التي تبزغ اكثر سطوعا، كل يوم، مبشرة بالغد السعيد، هذه الثقافة الجامحة للافلات من الديماغوجيات والطائفيات والافكار والممارسات الفاشية التي تورثناها من العهد البائد الفاشي، والتي تعمل بتسليط الضوء على محتواها الرجعي، وتعبر بالوقت نفسه على المواصلة وباشكال مختلفة عن جوهرها التقدمي والمحتوى الديمقراطي للثقافة العراقية الاصيلة بشكل اوسع، ويشكل ما قدمه كبارنا من المندائيين في حياتهم النضالية عنصرا حيويا لاينفصم عن نضال اخوتنا في الداخل والخارج.
ان العمل الخلاق يقلق قوى الظلام في اي مكان وزمان كانت، وان عودتنا بين الحين والاخر لذكر شهدائنا ومناضلينا الابرار، يعطينا قوة وثبات تعزز صلتنا يوما بعد اخر بحياة شعبنا، والمناضل المقاتل والانسان الراحل جبار عبود لفتة الذي عاش قريب من الجماهير، هو علم من اعلامنا المندائية الفذة، ساهم بكل مكابرة وعزة نفس واباء في تحطيم ابواب العتمة الي كانت تحجب نور المعرفة والوعي والمصير عن ابناء شعبنا.
هو من الرعيل المناضل للشيوعيين العراقيين، ساهم في الاربعينات والخمسينات في الحركة الوطنية الديمقراطية، وهو فتى يافع، واشترك في عشرات التظاهرات الشعبية. حياة تكرست منذ الفتوة للنضال من اجل تحرر الوطن وسعادة الشعب، وظل حتى اواخر ايامه، يخوض الكفاح السياسي والفكري، بهمة تعز على شباب كثيرين.
عمل في صفوف الحركة الثورية العراقية طيلة سنوات، وامضى في السجن سنوات طويلة، عانى فيها ورفاقه السجناء الشيوعيون والديمقراطيون عذابات السجون واضراباتهم البطولية عن الطعام، وعانى مجازر السلطات البشعة التي نظمها حكام العهد الملكي والحكم العارفي وبعدها سلطات البعث الفاشية.
جبار عبود( ابو نضال) بالنسبة للعديد منا نحن المندائيون، بمثابة بطل حقيقي ذي البعد الاممي، فما قدمه في حياته ونضاله من اجل الانسان العراقي يجسمان هذا الانسان الذي اصبح رمزا خالدا في حياتنا وحياة الاجيال القادمة
ولد المناضل جبار عبود سنة 1924 من عائلة كادحة في مدينة الصويرة، حيث كان ابوه صائغ متجول اصيب بمرض فقد فيه بصره، فاضطر اولاده الثمانية من ضمنهم جبار الى العمل والدراسة لاعالة العائلة الكبيرة، فتخرج من دار المعلمين تالريفية سنة 1943، حيث عملا معلما في مدينة الكوت، ثم انتقل الى قرية الحفرية قرب ناحية العزيزية في السنة ذاتها.
مزج الراحل بين التعليم والنضال بين الجماهير الكادحة، فامتلك عدة ادوار بين جماهير الفلاحين، حيث كان معلما ونجارا وحدادا لوسائل انتاج الفلاحين ومضمدا لمرضاهم وحلاقا لابنائهم.
قاد نضال الجماهير الكادحة والتنظيمات الحزبية في مدينة العزيزية والصويرة وقرية الزبيدية حتى سنة 1953
وبعد نشاط سياسي ملحوظ ادى الى اكتشاف امره مما اضطره الى الهرب والاختفاء في مدينة النعمانية، ومن ثم الى بغداد حيث عاش متخفيا في بيوت الاقرباء. سخر كل افراد اسرته للعمل من اجل خدمة اهداف حزبه السياسي. وفي احدى المرات تم القاء القبض على زوجته المناضلة " ام نضال" وهي تحمل بريدا حزبيا، وكانت حاملا في طفلها الثاني ( طارق) الذي ولد في سجون العهد الملكي البائد، ونالت هذه المرأة الشجاعة ظروف قاسية من سلطات القمع داخل سجن النساء، فاضطرت بتسمية ابنها الوليد " انسان" احتجلجا على فضاعة الانتهاكات التي تعرضت لها نساء العراق المناضلات في اقبية السجون والمعتقلات.
ارسل الحزب الشيوعي العراقي المناضل جبار عبود لقيادة تنظيم لواء المنتفك حيث ارسى وبشكل جديد اعادة تنظيمات الحزب في كل من مدن الناصرية وسوق الشيوخ والرفاعي والشطرة وقلعة سكر والفهود وكرمة بني حسن .
القي القبض عليه عام 1954 واودع السجن في مدينة الناصرية، واضرب عن الطعام ثلاث مرات احتجاجا على المعاملة اللا انسانية ، بعدها اضطرت السلطات الى تقديمه للمحكمة في مدينة النعمانية، حيث اصدر عليه حكم بالسجن لمدة سنة ونصف.
كتبت عنه السيدة ناجية يوسف في كتابها" سلام عادل":
"
اما لجنة محلية الناصرية فقد قادها الرفيق ابو نضال( جبار عبود) وهو من اتلرفاق الصابئة، وقد عمل في اليمن الشعبية خلال الثمانينات، توفي في سوريا ودفن في مقبرة الشهداء فيها" وتضيف" كان عملنا في مدينة الناصرية صعب، فقد كان لمنظمة راية الشغيلة المشقة النفوذ الاقوى فيها، وعندما بدأ الشكيل الجديد للجنة المحلية فيها نهاية 1953، اصبح الرفيق ابو نضال مسؤولا عنها فتوسع نشاطنا هناك ، ولكن في فترة اضراب عمال نفط البصرة، وجه العدو ضربة كبيرة للمدينة عندما اعتقل اعضاء اللجنة ومسؤولها. اما عن ذكرياتي عن ام نضال ومجيئها الى البصرة لاستلام واخذ البريد الحزبي، فانها اعتقلت مع زوجها حيث وضعت للولادة في موقف سجن المدينة في ظروف قاسية جدا، ولما سمع ابو نضال بذلك طلب تسمية ابنه( انسان) احتجاجا علاى المعاملة اللاانسانية التي قوبل بها لدى اطلالته على هذا العالم. والتقيت كثير بام نضال طوال حياتي في البيوت الحزبية، وكانت العزيزة وهي تتابع سيرها النضالي في درب النضال، تحمل عبء العائلة الثقيل، فقد كان الرفيق ابو نضال لايخرج من السجن الا ليدخله مرة اخرى"
ارسلو المناضل جبار عبود الى سجن الكوت فاضرب عن الطعام هناك لمدة 30 يوما ثم نقل الى سجن بعقوبة في الحبس الانفرادي.
بعد انتهاء مدة الحكم تم نفيه الى قضاء بدره لغاية 1956 . وبعد انتهاء مدة النفي ارسلوه الى بغداد حيث اطلق سراحه ولكن لم تمر فترة وجيزة حيث تم القاء القبض عليه وارسل الى الصويرة خرج منها بعد ان دفع رشوة.
بعد ثورة 14 تموز اعيد الى التعليم في مدينة الكوت وانتخب في عام 1959 رئيسا لنقابة المعلمين وتقلد منصب مدير المعارف في نفس المدينة.
سنة 1960 انتقل اداريا الى مدينة الحلة فعمل بمكتب لجنتها المحلية.
اعتقل في عام 1962 اثر اشتراكه بتظاهرة عمال النفط المشهورة التي شاركت فيها جميع تنظيمات واصدقاء الحزب في كل مكان
حكم عليه بالسجن لمدة اربع سنوات ارسل الى سجن البصرة ثم ارسل الى سجن نقرة السلمان وبقي معتقلا هناك حتى سنة 1965
بعد اطلاق سراحه عاد مباشرة لمزاولة عمله في صفوق الحزب كقائد محنك وثوري صلب وفيا لحزبه وشعبه فعمل في اشكل نضالية متنوعة حيث عمل في محلية الرصافة ثم محلية الكرخ
اعيد الى سلك التعليم بعد قرار اعادة المفصولين السياسيين سنة 1968
اشتغل في الخط العسكري ثم انتقل الى محلية ىالرصافة وهرب الى كردستان بعد ان اشتدت الحملة ضد الشيوعيين وبعد انهيارات في منظمة بغداد حيث كان عضو منطقة بغداد عام 1969
عينته الثورة الكردية معلما للغة العربية في مدن كردستان في المناطق الخارجة عن سلطة الحكومة المركزية. احترمته قيادة ىالثورة الكردية فاستقر هناك لغاية سنة 1974 حيث بدأت الحخرب فاضطران يهرب مع الاف اللاجئين الى ايران، لكنه كان يعرف بداخله ان ذلك ليس نهاية مشواره، فرجع الى العراق بطريق خطر جدا تحت قصف قوات الحكومة. فتوجه هو وزوجته وثلاثة من اولاده الى مدينة دربندرابات ثم بعد ذلك توجهوا الى مدينة كلاله بطريق صعب ومعقد، وكانت مقفرة خالية من الناس سوى بعض الحخرس من هناك رافقتهم قوة من قوات البشمركه متوجهين لطلب الموافقة من مكتب حزب البارتي( الديمقراطي الكردستاني) وكان الطريق شاقا ومفعم بالاخطار، حيث طلب البيشمركه ان تطفىء اضوية السيارة خلال السياقة، وهذا يعني خطورة بالغة، فقد كانت قوات الحكومة تصب حمم قنابلها على نفس الطريق عن رؤية اي شيء. واثناء السير توجهت السيارة التي تحملهم بسرعة فائقة لتلافي القذائف، وبسبب مهارة السائق نجوا من الموت المحتم، ثم واصلوا سيرهم مارين بمدينة سري حسن بيك ثم قرية الشيخ خالد، ثم قرية لقمان، ثم قرية بله، ثم العمادية، واخيرا مدينة سرسنك، حيث بقوا فيها بعد حصول جملة صعوبات لم تكن متوقعة، تمثلت برفض المسؤولين في تلك المدينة ابداء المساعدة لهم بالوصول الى مدينة زاخو، وعدم السماح لهم للمرور بقرية خيزاوة، وهي قرية مهمة للوصول الى زاخو. ولحسن الحظ عرفة بعض رجال قوات البشمركه كانوا معه سابقا، فتقدموا بطلب من المسؤولين لابداء المساعدة له ولعائلته للوصول الى زاخو، ففتحت لهذا المناضل الابواب للتوجه الى زاخو مستخدمين السيارات والبغال والمشي على الاقدام، وكانت رحلة اسغرقت نحو ثلاثة ايام وصلوا خلالها الى منطقة شرانيش وهي تقع على الحدود الشرقية الشمالية من حدود تركيا. وقد كتب المناضل القدير جبار عبود مذكراته عن سلسلة الاحداث االرهيبة والخطيرة التي واجهها وعائلته، حيث شرح الاهوال الخطرة في هذه المسيرة الصعبة بعد خروجه من مناطق الحرب في كردستان .
بعد وصوله وعائلته للقرية التركية ومن ثم العبور الى سوريا في مدين القامشلي بتاريخ 16/ 11/ 1974، فقد كانت الاوضاع السورية وخاصة على شيوعيها الاكراد قاسية للغاية، الا انهم استقبلوه بحفاوة واحتضنوه، ومهدوا كل السبل له للسفر الى بيروت، بعد ان ساعدوه بتزويده بهوية مزورة لتسهيل التنقل والوصول الى بيروت سالما. وخلال وجوده في مدينة بيروت عمل حمالا في المرفأ، ونجارا في احدى الورش، ومن ثم عاملا في احد المصانع ليوفر لقمة العيش لعائلته في لبنان، وبوجود علاقات حميمة مع افراد من الحزب البارتي اليساري الذين يحملون الافكار الماركسية اللينينية، حصل على عمل كمحاضر في مقر الحزب للكوادر الحزبية كي يرفع من مستوياتهم النظرية والخبرة العملية النضالية.
الشيوعيون اللبنانيون كانوا يكنون له تقديرا كبيرا، وقد منحوه عضوية الحزب الشيوعي اللبناني بموافقة الحزب الشيوعي العراقي تقديرا لمواقفه النضالية
في 13 نيسان بدأت بوادر الحرب الاهلية اللبنانية، وبدأت اثار الحرب تسحب رياحها المريرة لكل المناضلين واحدهم جبار عبود، مما اضطره للسفر الى اليمن ليستقر فيها بعد ان حصل على جواز سفر مزور، فهي الدولة العربية الوحيدة التي كانت تحتضن الشيوعين العراقيين.
فسافر من بيروت الى صيدا ليركب الباخرة متوجها الى عن طريق البحر ليصل الى دولة اليمن الشعبية وليعمل مدرسا في دار المعلمين والمعلمات، فنال رضى الجميع لما كان يتمتع به من خصال فكرية رفيعة، منتظرا الفرصة السانحة للعودة الى الوطن لاتمام دوره النضالي. وجاءت الفرصة باصدار العفو الرسمي من العراق عنه ونشر في جريدة الوثائق الرسمية لكنه لم يرجع الى العراق لانه لايحمل اية ثقة بالفاشيست البعثيين
ترك اليمن سنة 1987 متوجها الى سوريا ليكون قريبا للعراق، لكنه اصيب بمرض السرطان هناك الذي لم يمهله طويلا فتوفي ليدفن بمقبرة الشهداء.

يسر موقع اتحاد الجمعيات المندائية نشر مذكرات المناضل جبار عبود التي حررها الزميل نعيم الزهيري على شكل حلقات تحت اسم( مناضل من بلادي) حيث تزامن نشرها مع اعدادنا لمادة اخرى مشابهة تحوي صفحات من مذكرات الراحل، الا اننا سنتابع نشر ماحققه زميلنا الفاضل نعيم الزهيري مشكورا لجهوده القيمة:

مناضل مــن بلادي ...مع مذكرات المناضل جبار عبود لفتة ـ ابو نضال ـ الحلقة ( 1 )
اعداد نعيم الزهيري

لم ينس الشعب ابناءه مهما تراكم غبار النسيان ،ولم ينس الوطن ولا الحركة الثورية أولئك البناة الاوائل الذين سطروا اللبنات الاؤلى للبناء الشامخ الذي لم تتمكن معاول الشر من تهديمه ولا الايادي الخبيثة والمدعية من حجبه بستار أو تشويهه ...
لا نكشف سرا ً ؛ فهو ليس سر،بل نريد ان نرفع علما ً من أعلام حزبنا ،وما أكثرها،عَلماً ما لفه النسيان ،بل بقي شامخا بوجه الاعاصير ،ذلك هـو المرحوم جبار عبود لفته،ابو نضال ...
فـي اواخر عام 1964 ،في سجن نقرة السلمان ،في القاعة رقم 7 ،عندما كنت في زيارة لصديقي وزميلي في اتحاد الطلبة في اواخر الخمسينات،المرحوم خلف جودة الذي توفي في الغربة ودفن في مقبرة شهداء الشعوب في برلين ،جلب انتباهي ذلك الرجل الاشقر البدين القصير القامة ذوالعينين الزرقاوين المدورتين والنظرات الحادة جدا، بضحكته المجلجلة في القاووش وصوته العالي في الحديث. لم أسأل عن تفاصيله إذ كلما اعرف عنه انه رجل مسن وشيوعي قديم. لم تتوطد بيننا علاقة آنذاك ،وافترقنا، وفي 2/ 4/ 1979، وفي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التقينا ثانية وكانت معه عائلته، وصارت لنا علاقة حميمة وأسماهـا العلاقة الرفاقية. وقد تزودتُ بالكثير من تجاربه وخبرته النضالية، ومن خبرة زوجته الكريمة (وعد) ام نضال التي استلمت بطاقة عضوية الحزب من الرفيق سلام عادل مباشرة عندما كانت في بيت حزبي .ومن الملفت للانتباه انه كان يعقد اجتماعا لعائلته في كل يوم جمعة ولمدة ساعتين وفق برنامج مرسوم يناقشون فيه: وضع العائلة والوضع السياسي ودراسة كراس ماركسي والنظام الداخلي للحزب، وما يصدر من ادبيات ... سيق ولده الاكبر نضال الى الخدمة العسكرية وهو معاون طبيب،ووقع في الاسر في ايران واطلق سراحه بعد عشر سنوات .اما ابنه الاصغرعائد فلبّى نداء الحزب والتحق بقوات انصار الحزب الشيوعي العراقي في كردستان .وفي احداث جمهورية اليمن اليمقراطية الشعبية المؤلمة والدامية غادر مع عائلته الى سوريا،وفيها توفي ودفن في مقبرة الغرباء مشيّعا من قبل العراقيين وحركات التحرر هناك ...ان ما دفعني لاعداد مذكراته هو انني قراتها عندما كنت في اليمن الديمقراطية ،وبعد ان دار علينا الزمن واخرجنا السلاح الكيمياوي من كردستان ،حيث كنت ضمن قوات انصار حزبنا الشيوعي، وعبر ايران وصلت سورية وعثرت على تلك المذكرات بمساعدة احد اقاربي . فاتصلت باخيه في السويد سامي ،ورد اسمه في المذكرات، وطلبت منه اعدادها ونشرها لاهميتها .وقد مضى على طلبي ثلاث سنوات ولم يتحرك ساكنٌ ؛ووفاء ً لذلك المناضل المقدام واسهاما مني في تغطية شيء من التاريخ السياسي لحزبنا والحركة الثورة في عراقنا الحبيب ،بذلت هذا الجهد المتواضع في اعداد هذه المذكرات ،عسى اكون قد وفيّتُ بعض الشيء.علما بانني لم اضف شيئا او اتلاعب بجوهر الاحداث صيانة للامانة واحتراما للكلمة التي دونها فقيدنا بقلمه،ولا زلت احتفظ بنسخة من المذكرات ....

تقول هويته الشخصية :
ـ الاسم الكامل جبار عبود لفته ـ ابو نضال ـ
ـ تاريخ الولادة 1921 / العمارة
ـ المنشأ مدينة الصويرة
ـ الانحدار الطبقي حرفي ( والده صائغ )
ـ المهنة معلم، خريج دار المعلمين الريفية
ـ تاريخ عضوية الحزب 1947 / بغداد
ويكتب ابو نضال عن حياته السياسية والمهنية ويقـول :
منــذ حركة رشيد عالي الكيلاني دخلنا معترك الحياة السياسية والعمل الوطني ،حيث المظاهرات العفوية في قضاء الصويرة ضد الانكليز .وجراء مشاركتي فيها اُلقي القبض عليّ وتم حجزي لمدة اربع ساعات ...دخلت دار المعلمين الريفية في الرستمية في بغداد في 1941 ،وانتقل اهلي الى بغداد ..وفي عام 1944 كانت تجتمع في بيتنا خلية من عسكريي القوة الجوية مكونة من اربعة عناصر بضمنهم اخي الاكبر خضير عبود وشخص اخر اسمه كاظم حمدان ، وقد شرح لي كاظم اهدافهم وعملهم وعن الاتحاد السوفييتي وعظمته وعن اهداف الحركة الشيوعية .فاقتنعت بما قاله لي ،وقدموا لي قصة الام لمكسيم غوركي .ومنذ ذلك التاريخ انغمرت معهم في العمل بنشاط وهمّــــــة،
بعدها قابلت داود الصائغ وصار اتصالي معه هو واكرم حسين وسلمانــــــي المطبعة
فوضعتها في بيتي وهو كوخ في العواضية في بغداد، ومن تلك المطبعة خرج اول عدد من جريدة العمل... وفي مجرى العمل تعرفت على عبد الامير عباس، وكاظم حمدون، وخلف، وسليم الفخري، وحسين الدوري، وغضبان السعد، وحسين الوردي، وفاروق برتو وجليل صخيل، وعبد الحسين[عامل سكك] وصادق الفلاحي والكثير غيرهم... وخاصة عندما فتحت مكتبة الرابطة في شارع غازي [ شارع الكفاح حاليا ]
ولم ينفك عملي عن جماعة المطبعة التي كانت باشراف اكرم حسين ، هذا بالاضافة الى نشاطي الحزبي في دار المعلمين الريفية. حيث كسبت العديد من الطلبة والمدرسين،كما كان بيتي ماوى لطلبة كلية بغداد في اضرابهم، ونشطت في جمع التبرعات لهم .وكنت ايضا من النشطين في مقارعة بيروقراطية ادارة دار المعلمين انذاك.وعندما توضح لي باننا نعمل في كتلة منشقة عن الحزب ،رحت ابحث عن الحقيقة اذ كان داوود الصائغ يتكلم دائما ًعن الرفيق فهد واصفا اياه بالبيروقراطي والمستبد ...كان استمراري في البحث عن الحقيقة لا يخلو من البساطة والسذاجة احيانا، واخيرا استدعيت الاخ عزيز سباهي وهو احد اقاربي واوضحت له ما يمليه عليّ داود الصائغ ،وكان النقاش بيننا يدور حول :هل يوجد حزب شيوعي في العراق ام لا ؟ ولم نتفق بادء الامر ولكن ،ومع استمراري بالعمل اكتشفت ان داود الصائغ كان يضم كل فرد يطرد من الحزب ،ومثال ذلك هو فاضل فعل الذي طرده الرفيق فهد بعد اتهامه بالتجسس لصالح الامن ،ففي احد الايام كنت جالسا امام مكتبة الرابطة واذا بجليل صخيل يستصحب معه فاضل فعل ويقدمه لداود الصائغ ،وما كان من داود الاّ قبول فاضل عضوا في الرابطة وادخاله لجنة العمال !؟ وبهذا اخذ فاضل يتحرك مع العناصر التي تعمل في مطبعة الرابطة ،وفي تلك الفترة انكشف البيت الذي يحوي المطبعة في الكرادة الشرقية واحترازا تقرر نقلها الى مكان آخر ولما لم يكن قد تهيأ بيت لها كلف داود الصائغ اكرم حسين لنقل حروف المطبعة الى بيت عبد الامير عباس لحين توفير بيت اخر ،وكان هذا التوجيه امام فاضل فعل ..نقل اكرم حسين حروف المطبعة الى بيت عبد الامير عباس . وبنفس الليلة ألقي القبض على اكرم حسين وعذب وكسر سنّه فلم يصمد فاعترف على انه نقل حروف المطبعة الى بيت عبد الامير عباس .وبعدها القي القبض على داود الصائغ وغضبان السعد وخضير عبود لفته( اخي) وآخرين .وبنفس الوقت وفي ليلة واحدة ألقي القبض على الرفيق فهد ورفاقه {{ حدثت تلك الاعترافات والاعتقالات في أيام اصدار مكتبة الرابطة كتاب الدولة والثورة للينين ترجمة سليم الفخري ،وبنفس الوقت أُصدر كتاب حياة ديمتروف من مكتبة دار الحكمة العائدة للحزب الشيوعي}}
كانت الحملة شديدة جدا ًسواءً بالاعتقالات او بمصادرة الكتب من المطابع.. وبعد صدور الاحكام على الرفيق فهد ورفاقه ،تم الاتفاق على حلّ الرابطة والانضمام الى صفوف الحزب .ذهبت الى الرفيق عزيز سباهي فاعطاني اشارة اتصال واتصلت باحد الرفاق وكان حلاقا في شارع الشيخ معروف ،واستمر الاتصال لغاية تخرجي من دار المعلمين وتعييني معلما في قرية الحفرية .

فــي قريــــة الحفريـــــة

استمر اتصالي بالرفيق الحلاق وبعدها بالرفيق صبري سباهي ،حتى سنة 1950 حيث كنت استلم الادبيات والمنشورات عن طريقه لان عملي كان ضيّق جدا لان المدرسة التي اسكنها بعيدة عن القرى الاخرى وقريبة جدا عن بيت الشيخ حامد السيد وخدمه ووكلائه ، وان سيطرته على الفلاحين كانت شديدة جدا ،تصل حد كتم الانفاس، ..... درست مع نفسي ظروف المنطقة وامكانية العمل بين صفوف الفلاحين ،منطلقا من الاحتكاك المباشر بهم وتلبية بعض احتياجاتهم اليومية ،فكنت احلق شعر تلاميذ المدرسة كما وفرت عدّة لتصليح الفؤوس والمناجل ،وكنت احصل على الادوية والضمادات من مستوصف الصويرة ،وظفتها لخدمة الفلاحين .ثم اشتريت راديو اسمع به مع الفلاحين الاخبار والتعليقات وبالاخص برامج اذاعة موسكو كما عملت حفلتين ومهرجانا رياضيا للفلاحين ثم مزرعة لتوفير الخضار ووظفت وارداتها لمساعدة التلاميذ الفقراء .وبهذا دخلت قلوب الفلاحين ،وأدى عملي الى كسب ثلاثة من الفلاحين وكونت منهم خلية حزبية ويرتبط بتلك عدد من الاصدقاء ...

فـــي قريـــة الحريــــــــــة

في مطلع العام الدراسي الجديد نقلت اداريا الى قرية الحفرية وهي قرية تابعة الى قضاء الصويرة وتبعد عنها 21 كيلو متر ،صاحب تلك القرية عبد الله المجيد وهوشخص متعلم يدعي الديمقراطيةالبرجوازية ،ويشاع انه من جماعة النقطة الرابعة .وفي العهد الجمهوري شارك في المؤامرات ضد النظام الجمهوري ...في هذه القرية كنت مستمرا على نفس النهج ،نهج الاختلاط بالفلاحين وكان اغلبهم من الفلاحين المتوسطين الذين يملكون قطع ارض صغيرة على امتداد نهر الكَص .أنشات مزرعة قطن تصرف وارداتها للتلاميذ الفقراء ، وشراء عربة تجرها الخيول لجلب التلاميذ من الاماكن البعيدة ، ثم فتحت صفا لمحو الامية مجانا ً،ضم فلاحين فقراء وسراق .وعندما شعر الملاك عبد الله المجيد بالتفاف الفلاحين حولي ،راى في ذلك خطورة على مكانته بينهم فاتصل بمديرية المعارف بغية نقلي من المدرسة ،وبالفعل تم ذلك فنقلوني الى قرية بدعــة، بعد اربعة اشهر ...

فـــي مدرســــــة قريـــــــــة بدعـــــــة

بدعة قرية تبعد عن الصويرة 10 كيلومتر،شيوخها ثانويون ،يسمون شيوخ الفحل وكلهم من عشيرة زبيــــد .تمكنت في تلك القرية من كسب بعض الشباب المتنورين وبشكل خاص من اولاد الشيوخ فصاروا اصدقاء للحزب ...كان مركز عملي في قضاء الصويرة التي ترعرعت فيها واكملت دراستي الابتدائية . عملت لجذب شباب المدينة من مختلف الفئات الكادحة ومن المثقفين والطلبة والمعلمين بحيث صارت لي قاعدة جماهيرية وبذلك كونت منظمة واسعة تضم لجنة المدينة وترتبط بها عدة خلايا من الكسبة والكادحين وحلقة للاصدقاء بالاضافة الى الاصدقاء الفرديين ،وكذلك كان لنا عمل مع النساء لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة ... كانت لجنة المدينة تتكون مني ومن رسول واسماعيل حمه الخياط واخيه خليل حمه الخياط ،وكانت سمعة الحزب كبيرة جدا ولها وزنها في المدينة .لقد ساعد على ذلك التحرك الظروف السياسية المؤاتية انذاك ،حيث كان جو الانتخابات حماسيا وبالاخص المنافسة بين الشيخ حامد العجيل مرشح الحزب الوطني الديمقراطي وبين مزهر السمرمد المرشح عن حزب الدستور ( حزب نوري سعيد ) .وفي ذلك الجو المشحون بالحماس والتسابق ،قتل الشيخ حامد من قبل جماعة نوري السعيد .وقد لعبت منظمتنا دورا ً بارزا ًفي فضح مزهر وحكومة نوري السعيد وبالرغم من اعلان الاحكام العرفية ،والهجمة على الحزب وايقاع ضربة به في بغداد ،توسعت منظمتنا اكثر فاكثر ،وفي تلك الاثناء اصدر امر اداري بنقلي الى الزبيدية ....

يتبع

 

نشرت في شهدائنا

 




قرأت كثيراً من الاسماء التي أضاءت صفحات الحركة الوطنية العراقية,
والتي أصبحت قناديلاً مضيئة في سماء النضال العراقي, لكنني لم أصادف اسم الشاب المناضل العراقي المندائي البطل الذي أراق دمه النظام الصدامي المقبور أثناء الحملة التي قضى فيها النظام الفاشي السابق على أزكى الارواح النبيلة.
جبار حلاوي راضي الزهيري هو أحد أبطال الحزب الشيوعي العراقي, وواحد من المناضلين الذين ظلمهم حتى التاريخ, فلم تدرج أسماءهم ضمن قوائم الشهداء الأبرار.
جبار حلاوي راضي الزهيري شاب مندائي جميل من مواليد عام 1950, ولد في ناحية المشرّح في محافظة العمارة_ميسان_ وقضى طفولته هناك حيث أتمم دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها.
ثم قرر أن يكمل دراسته في بغداد, ومن ثم دخل معهد المعلمين العالي ببغداد وتخرج منه ليتعين معلماً في احدى مدارس مدينة تازانيا بقضاء مندلي التابع لمحافظة ديالى.
إنضم الشهيد جبار حلاوي الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي في مدينة بعقوبة عام 1971 (مكان سكن أخته الكبرى), وكان يمتاز بنشاطه المتفرد والذي يشهده له جميع رفاقه , فكان دؤوباً وفاعلاً وآخذاً أغلب النشاطات الجماهيرية على عاتقه كتنظيم السفرات الشبابية وتوزيع أدبيات الحزب على كافة الضواحي المحيطة بمدينة بعقوبة, وتنظيم حملات التبرع المستمرة للفقراء والمرضى والمحتاجين جنبا الى جنب مع مسؤولياته عن التنظيمات الطلابية هناك.
إنتقل الى مدينة بغداد عام 1978هرباً من الملاحقات المستمرة في مدينة بعقوبة وقضاء مندلي, وهناك عانى الأمرين, حيث حورب وطورد من قبل البعثيين وأزلام النظام البائد.
إضطر للتخفي فلاذ في بيت أحد أقاربه والذي يدعى بيت أبي خطاب, في مدينة الثورة ببغداد.
إحتضنته تلك العائلة وكان بمثابة أحد أبنائها, فكانت له أم خطاب, ألأم الحنون, والأخت الصديقة, والرفيقة الوفية, وكانت أم خطاب سيدة عراقية أصيلة تحمل روحاً وطنية متميزة.
بعد أن قضى في ذلك البيت عاماً ونصف العام, توفيت أم خطاب, ولم يبق له إلا أن يغادر بيتها ليبقى ضيفاً متنقلاً بين بيوت الأقارب والمعارف والأصدقاء, وحين شعر بثقل وجوده في تلك البيوت, وأنه يشكل خطراً على تلك العوائل, باعتباره مطلوب لدى سلطات النظام, هرب حيث لا أحد يدري الى أين.
في الشهر التاسع من عام 1981 وخلال الحرب العراقية الايرانية, وفي معركة قصر شيرين, تسربت أخبار عن إعتقاله من قبل البعثيين , ولم يعلم أحد أين كان معتقلاً وفي أي سجن من سجون النظام آنذاك.
حاول أهله البحث عنه في سجون مدينة بغداد دون جدوى, فلم يجدوا له أي أثر.
ومرت السنوات طويلة وثقيلة على أهله وذويه, توفي أبوه ثم توفيت والدته, ولم يبق له من عائلته غير أخواته الأربعة, والأخ الوحيد(شنيشل).
لقد اختار شهيدنا الحرية كأعلى قيمة مبادلاً إياها بحياته الفتية كأنه يقول لنا : لابد من ذلك, ليكون هنالك درب للحرية... تعرفه الناس.
ولقد وصل الى قناعة مبادلة الحياة بالموت فالاستشهاد من أجل الوطن هو البحث عن فضاء اخر يطلق منه صرخته الاخيره؟ فكان الاختيار الاخير للدخول الى باحة الوطن ليتأصل بها بشهادته.
بعد سقوط النظام الصدامي البائد , فتش عنه الأقرباء قبل الأهل في كل القبور الجماعية وفي قوائم المعدومين ولم يجدوا مايرشدهم الى مكانه أو مثواه.
وحين كسر سجن أبي غريب هرع زوج أحدى أخواته الى ذلك السجن ليفتش عن اسمه بين قوائم المعدومين هناك وليجده ضمن قوائم المعدومين في ذلك السجن مع ذوي الأحكام الثقيلة.
ألهوية الشخصية
الاسم جبار حلاوي راضي الزهيري
المواليد 1_7_1950
مكان الولادة ناحية المشرح_ميسان
الوظيفة معلم
ألديانة مندائي
الجنسية عراقي
الحالة الاجتماعية أعزب........أعدم في سجون صدام حسين_الأحكام الثقيلة
ألتهمة سياسي


 

نشرت في شهدائنا

سلاما" إليك أيها الأخ والصديق الحبيب .....سلام

سلاما" إليك وأنت تجوب الأحياء الفقيرة في محلة الدوريين ، الكريمات ، الشواكة , والثورة والصالحية والسنك .
سلاما" أيها المناضل الذي عاش أحلام المناضلين الشرفاء .
سلاما" أيها النصير الشجاع في جبال كردستان ووديانها وقراها المعزولة
سلاما" وأنت تجوب الجبال والقرى الكردية الفقيرة صيفا" وشتاءا" وتقدم خدماتك الطبية الأنسانية لأهلها الفقراء .
تمر في 22 / كانون الثاني من هذا العام / 2007 الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الفقيد النصير سلام عبد الرزاق الحيدر / د. أبو تانيـا ، ذلك المناضل الذي نشأ وترعرع مع أخوانه في أحضان عائلة مندائية مناضلة قدمت للحزب والوطن العديد من الشهداء .
ولد سلام / أبو تانيـا في 28 / 6 / 1952 وهو الأخ الأصغر لأخوته في مدينة الفلوجة ، هذه المدينة الصغيرة التي سكنتها العديد من العوائل المندائية المهاجرة من جنوب الوطن طلبا" للرزق والأستقرار بسبب الظروف القاسية التي تعرضوا لها هناك ، كان بطبيعته هادئ الطباع ، مؤدب ، لا يعرف الأساءة أبدا" ، ذا طفوله نشطة تتميز عن أخوته الأخرين ، أتذكر طفولته وهو صغير لم يتجاوز الثالثة من العمر محاولته للتسلق على أحدى نوافذ البيت فأضطر الى أستخدام صفيحة دهن فارغة لتحقيق هدفه ولكن مع الأسف فقد توازنه وسقط أرضا" مما تسبب له جرحا" على جانب فمه الأيمن . كان الوالد في بغداد آنذاك ركضت مسرعا" الى العم حيدر ( ابو حميد ) في المحل لأبلغه بالخبر ونم نقله الى مستشفى الفلوجة لخياطة الجرح وبقيت آثاره واضحة على وجهه لغاية وفاته .

أكمل سلام دراسته الأبتدائية في مدرسة العرفان في جانب الكرخ قرب مستشفى الكرامة ، والمتوسطة في محلة الدوريين / جانب الكرخ أما الثانوية فقد اكملها في ثانوية النضال في بغداد ، كان الفقيد سلام شاب وديع ، أنيق ، متواضع ، متفوق دائما" في دراسته ، يتميز بالبساطة والتسامح وطيبة القلب ، نموذجا" للعطاء ونكران الذات . بدأ نشاطه الوطني في ريعان شبابه حيث كان صلة الوصل بين كثير من التنظيمات المقطوعة في بغداد من خلال حمله للرسائل الحزبية التي يكلفه الحزب بها وكان يأخذ على عاتقه تقديم الشاي والمعجنات الى قيادة الحزب أثناء عقد أجتماعاتهم في دارنا المتواضع مما زاد ذلك من تعلقه بالحزب . برز نشاطه في ثانوية النضال في بغداد ونشط في المجال الطلابي والشبابي فيها حيث كان عضوا" نشطا" في اتحاد الطلبة العام , وكان يتصدى مع زملاءه لزمر الأتحاد الوطني بكل ثقة وأندفاع وتعرض لأعتداءات عديدة من قبلهم .

وعندما تعرض الحزب عام / 1970 الى الحملة الشرسة لتصفيته من قبل النظام الفاشي كان يجوب المناطق الفقيرة في بغداد حاملا" لهم بأبتسامة بيانات الحزب وهو يقول لهم أطمئنوا الحزب باق رغم الأرهاب .
رشح لعضوية الحزب وهو لم يزل في السادسة عشر من عمره ، وبدأ نشاطه الحزبي في المجال الطلابي في محلة الكريمات الشعبية ، الشواكة والصالحية في جانب الكرخ ... اعتقل في نهاية عام / 1970 من قبل رجال الأمن بعد توزيعه ورفاقه بيانات الحزب في محلة الكريمات وأرسل الى مديرية امن بغداد للتحقيق معه لعدة ايام ألا أن المحققون لم يصدقوا رواية رجال الأمن لصغر سنه ولنحافة جسمه حيث انكر تهمة توزيع بيانات الحزب , لذلك أطلق سراحه إلا انه كان يعاني من الأثار النفسية للتعذيب الذي مورس ضده ولعدة أشهر لاحقة .
ونظرا" لنشاطه هذا حصل على زمالة من الحزب لدراسة الطب في جامعة موسكو في الأتحاد السوفياتي عام 1971 حيث أنكب هناك على دراسة الأفكار الماركسية بعمق أضافة لدراسة الطب فكان مثالا" للمناضل المثقف المتسلح بالفكر والثقافة ، والخلق الرفيع ، التضحية ونكران الذات ، والحرص الشديد على حزبه ومبادئه وعدم المساومة .... مما سبب له متاعب حياتية كثيرة مع المنتفعين والأنتهازيين والمحسوبين على الحزب أجبرته على مغادرة موسكو وهو على أبواب التخرج متوجها" الى الجزائر ومن ثم لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للعمل هناك كمدرس مع العديد من رفاقه في ثانوية المحافظة الرابعة عتق / شبوة / الصحراوية وبعدها في المحافظة الثالثة / أبيـن / قضاء بيحان لعدة سنوات ونال حب طلبته وتقدير ادارة التربية في المحافظتين أضافة لرفاقه .

عندما رفع الحزب شعار الكفاح المسلح عام / 1980 بوجه السلطة الدكتاتورية ودعوة أعضاءه للألتحاق بفصائل الأنصار كان سلام من أوائل اللذين ألتحقوا بالدورة العسكرية في جمهورية اليمن الديمقراطية تمهيدا" للذهاب الى كردستان , وفي عام 1980 كانت بداية عمله الأنصاري في قاعدة بشت آشان التي وصلها ورفاقه في المفرزة بعد مسيرة شاقة ووصفها بنفسه ( بتلك الرحلة الشاقة التي لا أتخيل أن ينساها أي رفيق جديد ، لقساوة أيامها ، وهي تجربة ومقياس لقوة التحمل والصبر لأي رفيق ونصير جديد ) .

تعرضت هذه القاعدة في آيار / 1983 الى هجوم من قبل حلفاء الأمس من مسلحي الأتحاد الوطني الكردستاني ونجا في هذه المعركة من موت محقق وبأعجوبة كما دونها بمذكراته الشخصية ولكن اٍستشهد العشرات من رفاقه الأنصار ومن بينهم الشهيدة النصيرة المندائية عميدة عذبي حالوب صديقة الطفولة والجيران لسنوات عديدة . لقد كان ســلام نصيرا" ومقاتلا" وطبيبا" لرفاقه ولأبناء القرى الكردية في مختلف المواقع الأنصارية التي نسب إليها حيث كان محبوبا" من قبل رفاقه ومعارفه من خلال طيبته وأخلاقه العالية وحماسه لقضية حزبه وشعبه ، وتحمل عدة مسؤوليات أنصارية في كل المواقع الأنصارية التي عمل بها والتي زادت عن ثمان سنوات ، كانت بدايتها في قاطع بشت أشان وآخرها أداريا" في الأعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي حيث كان محط ثقة قيادة الحزب والأنصار في العديد من المهمات التي كلف بها . كان يعشق أغاني المطربة نجاة الصغيرة التي يحس بالود والحنان للأهل عند سماع أغانيها وكانت افضل هدية قدمت له هو شريط كاسيت بعث به المناضل الفقيد ثابت حبيب العاني / ابو حسان من المستشفى الذي كان يرقد فيه في براغ مع رسالة قصيرة كلها محبة وتقدير .
بعد حملة الأنفال ضد الشعب الكردي في كردستان من قبل السلطة الدكناتورية وأستعمالها الأسلحة الكيميائية لضرب مقرات الحزب الشيوعي والأنصار وأنحسار الحركة الأنصارية عموما" غادر كردستان الى الأتحاد السوفيتي بناء على توجيه الحزب وتوجه مع بعض رفاقه عبر جمهورية ايران الأسلامية ومن مدينة مشهد الأيرانية المقدسة في مسيرة بطولية وخطرة سيرا" على الأقدام أستغرقت عدة أيام حتى دخولهم الأراضي السوفياتية وأعتقالهم من قبل حرس الحدود السوفيتية المزودين بالكلاب البوليسية وتم التحقيق معهم حتى تبينت هويتهم بناء على كلمة السر المتفق عليها بين الحزب والحكومة السوفيتية آنذاك وما تم الأتفاق به مع الحزب حول استقبال الأنصار القادمين من كردستان ، عندها نم نقلهم جوا" الى موسكو ليعود الى مقاعد الدراسة من جديد بعد ان تركها ما يقارب العشر سنوات وكان يشعر بالتعب ويمر بظروف نفسية كبيرة لكونه اكبر الطلبة سنا" مما زاد من خجله وتعبه .
وهناك في موسكو تحمل من جديد مسؤوليات حزبية عدة ولغاية أنهيار الأتحاد السوفياتي حيث ترك الدراسة رغبة منه في الأستقرار بعد طوال المعاناة ولغرض الألتحاق ببعض افراد العائلة في السويد الا أن الحظ لم يحالفه رغم الجهود التي بذلت في ذلك فأضظر الى الأستقرار في مدينة هلمشتات الألمانية .

عندما تقدم بطلب اللجوء في مدينة هلمشتات الألمانية لم ينكر عضويته في الحزب الشيوعي العراقي رغم معارضة محاميه ورفض طلبه مرتين متوالية . وفي اثناء النظر في طلب الأستئناف للمرة الثالثة وجه له القاضي جملة من الأسئلة لمعرفة صحة أدعاءه لعضوية الحزب الشيوعي العراقي وبحضور ممثل عن المخابرات الألمانية ، ومن هذه الأسئلة... هل أنت شيوعي... ؟ متى تأسس الحزب الشيوعي العراقي.... ؟ ومن هو مؤسس الحزب ؟ ما موقف الحزب من أمريكا ؟ ما هو موقف حزبكم من نظام صدام حسين ؟ وغيرها من الأسئلة ، وهنا وجد الفقيد أن الفرصة ملائمة للتعريف بسياسة الحزب والأجابة على أسئلة القاضي وحوّل قضية لجوءه الى منبر لبيان يوم وظروف ميلاد الحزب وتأريخه النضالي ، وكذلك الدفاع عن الحزب وسياسته ، وأبلغ القاضي بأنه يفتخر بعضويته للحزب وبكونه نصيرا" مقاتلا" في كردستان مساهما" في النضال المسلح ضد نظام صدام حسين الدكتاتوري .
ـ ثم قاطعه القاضي بسؤاله هل أنت كردي .... ؟
ـ لا سيدي القاضي !!!! أنا صابئي مندائي ولكني لم أفكر أبدا" بالدين أو القومية عندما ساهمت مع رفاقي في النظال المسلح في كردستان فكان يهمنى وطني العراق وكردستان جزء من العراق .
ـ أذن لماذا تقاتلون النظام في كردستان وهي منطقة كردية ...... ؟
ـ سيدي .... أود أن أوضح لكم بأنه ليس الشعب الكردي فقط من رفع السلاح في العراق وقاتل ضد النظام فقد ساهم معظم أبناء الشعب بالنضال عرب وكرد ومن كل الأديان والقوميات وفي كل مناطق العراق ولكن لكردستان طبيعة خاصة أكثر ملائمة لحرب الأنصار وأنا رفعت السلاح أسوة ببقية أبناء شعبنا .... وكوني كطبيب على وشك التخرج قدمت ما استطيع من مساعدات طبية أنسانية وهذه مهمتي كنصير شيوعي لرفاقي ولأبناء القرى الكردية وأطفالهم الفقراء المحتاجين لخدماتي حيث الناس البسطاء والمرض والموت في كل زاوية من كردستان .
ـ وهنا تحدث ممثل المخابرات محاولا" تشويه سياسة الحزب والتشويش في قاعة المحكمة بقوله أن الحزب الشيوعي العراقي عميل الى الأتحاد السوفيتي ومعاديا" للعالم الحر والنظام الديمقراطي .
ـ ثم سأل القاضي.. ولكننا نعرف عن سياسة حزبكم غير التي ذكرتها من معلومات ..... ؟
ـ لوسمحت سيدي ...... ما هي مصادر معلوماتكم ... ؟
ـ من مخابراتنا المختصة بشؤون الشرق الأوسط وهنا يوجد من يمثلهم وسمعت ما قال .

ـ أنا أستغرب سيادة القاضي كيف تصدر حكمك بدون أن تعرف الحقائق مني وأنا شيوعي لم أنكر عضويتي في هذا الحزب والمبين في طلب لجوئي المعروض أمامكم , وأنتم تمثلون العدالة والقانون وتدعون الديمقراطية والتمسك بحقوق الأنسان في العالم وتنكرون عليّ حقي في أعتناق المبدأ الذي آمنت به .... لقد بينت لكم الحقائق كما هي ويمكنكم الأطلاع عليها في وثائق الحزب وهي جزء من تاريخ الحركة السياسية في العراق ، كما يؤسفنا سيدي القاضي موقف حكومتكم المؤيد لنظام صدام حسين الدكتاتوري الذي أدخل البلد في حروب عدة فقتل وشرد الملايين من أبناء الشعب وأنا واحد منهم لم أرى عائلتي منذ ما يقارب الثلاثين عاما" , ولا يسمح لي بزيارة وطني وهي من أولى حقوقي الأنسانية أهذه هي العدالة , هذا هو النظام الذي تدعمه حكومتكم !! أني لم أطلب من المحكمة غير الأقامة المؤقتة في بلدكم ولغاية تحسن الاوضاع في العراق ....
ـ وهنا همس المحامي غاضبا" في إذن الفقيد ... كيف تتجرأ على مخاطبة القاضي بهذا الأسلوب ! وسبق لي أن حذرتك بعدم البوح أمام المحكمة بكونك شيوعيا" ، وعليك التركيز على مسألة لجوئك فقط أنا أعتقد إن القاضي سيرفض طلبك هذا أذا لم يطلب بطردك الى خارج البلد خلال أيام معدودة وأنت المسؤول عن ذلك .
ـ أبتسم الفقيد موجها" كلامه لمحاميه , أنا أدرك سبب غضبك ولكن لا تنسى سبق وقلت لك عند توكيلك نيابة عني أنا شيوعي وسأموت كذلك وما أسمعه اليوم يعتبر لا شئ مما رأيناه في حياتنا .
دامت المحاكمة أكثر من ثلاث ساعات , وبعد أستراحة قصيرة دامت حوالي نصف ساعة دخل القاضي قاعة المحكمة وهو يأخذ مكانه وسط مساعديه وينظر الى الفقيد بعمق من أسفل نظارته التي تدلت الى أسفل أنفه ولمدة تجاوزت عدة دقائق كأنه يقول لنفسه لم يمر عليَ شخصا" جريئا" مثل هذا الشيوعي طيلة عملي كقاضي في المحكمة ..... هل كل الشيوعيين كذلك ؟؟ ......عندها نطق القاضي بالحكم.

ـ لقولك الحقيقة يا سيد سلام حول خلفية ماضيك السياسي ولنشاطك الأنساني ولنظافة تأريخك ولعدم وجود اي’ ملاحظات عليك خلال تواجدك في ألمانيا ولجرأتك في مخاطبة المحكمة بشكل مؤدب ومقنع وأحتراما" لحقوقك الأنسانية قررت المحكمة قبول طلبك لاجئا" لأسباب أنسانية نتمنى لك التوفيق في حياتك في الأراضي Salam-Al-Hyder-2-الألمانية .... وأثار هذا القرار أستغراب الحضور وخاصة محامي الفقيد الذي أكد أنه لم تمر عليه قضية طيلة عمله كمحامي بهذا الشكل والنهاية .
بعد قرار الحكم بدأت متاعب البحث عن عمل مناسب مع ظروفه الصحية التي رافقته من كردستان والتي أخذت تسوء حصل على عمل في مخيم منظمة الصليب الأحمر في مدينته حيث يتواجد المئات من اللاجئين العراقين والعرب والأكراد والصابئة المندائيين والمسيحيين وغيرهم حيث قدم لهم الكثير من الخدمات الطبية والثقافية , وحول مكان سكنه الى مكان لقاء اللاجئين العراقيين والعرب يساعدهم في أمور لجوئهم المختلفة وكان أخرها محاولة تأسيس جمعية عراقية تجمع العراقيين في مدينته . لكن مع الأسف أخذت صحته بالتدهور خاصة بعد أن قرأ أسم أخيه الشهيد نافع عبد الرزاق الحيدر الذي أعتقل وغيب في مايس / 1980 ضمن قوائم المعدومين والتي نشرت على صحافة الحزب بعد سقوط النظام حيث كان شديد التعلق به أضافة لأمنيته في زيارة الوطن بعد غربة تجاوزت ثلاثة وثلاثين عاما" ليساهم في أعادة بناءه من جديد .

قبل أشهر قليلة من وفاته بدأ بكتابة مذكراته الأنصارية التي لم يستطع تكملتها ونشرت سبعة عشر حلقة منها على موقع الطريق العائد للحزب / باب الحركة الأنصارية ليدون فيها بطولات الأنصار الشيوعيين ضد النظام الفاشي كمساهمة بسيطة في كتابة تأريخ الحركة الأنصارية والغريب إن مذكراته تلك كان يتحدث بها عن رفاقه أكثر مما يتحدث عن نفسه وهذا ما كتبه وتحدث به رفيقه وصديقه الكاتب يوسف ابو الفوز في المؤتمر الرابع للأتحاد الجمعيات المندائية الذي عقد في مالمو / السويد تحت عنوان ( شموس مندائية ) .
في شهر كانون الأول / 2003 ساءت حالته الصحية وأدخل المستشفى وظل يصارع المرض بمعنويات عالية لأخر ساعة رافضا" طلب أصدقاءة بضرورة الأتصال بأهله ليعلمهم بوضعه الصحي حتى لا يسبب لهم المتاعب .
وصل الخبر الى عائلته متأخرا" وأستعجل الجميع للوصول اليه لكن كان ذلك في وقت متأخر وهو على حافة الموت ، كنت أول الواصلين اليه من كندا ، لم استطع تحمل ما رأيت وأخذنا نعد الأيام ومن ثم الساعات ورغم وضعه السئ كان يجيب على التلفونات وبمعنويه عالية ويقول للجميع انه بخير وسيتعافى خلال ايام خمسة أيام قضيتها بجانبة ليل نهار كانت أطول خمسة أيام في التأريخ لشدة المعاناة التي مررت بها حتى غادرنا سلام في الساعة الواحدة وخمس دقائق من ظهر يوم 22 / 1 / 2004 في مدينة هلمشتات وبحضور بعض أفراد عائلته لا يتجاوز عددهم اصابع اليد ، عم الحزن جميع من عرفة في المدينة عرب وأتراك وألمان وقامت أدارة الصليب الأحمر في المدينة بواجبها الأنساني في مثل هذه الحالات ، طلبنا من الأهل والمعارف في السويد الأتصال بالحكومة السويدية عسى ان نحصل على موافقتها لنقله الى السويد ليوارى جثمانه في المقبرة المندائية في مدينة لوند وفعلا" أستجابة الحكومة السويدية وبلدية لوند مشكورة لهذا الألتماس الأنساني ونقل جثمانه ليدفن هناك .
لقد كان يوم رحيله صدمة كبيرة لأهله ومحبيه ورفاقه فقد غيب القدر عنا شخصية مناضلة ونموذجا" للعطاء ونكران الذات ونحن بأمس الحاجة إليها في هذا الوقت بالذات .

نم قرير العين يا عزيزنا سلام جنب أخيك الشهيد نافع عبد الرزاق الحيدر وأولاد عمك الشهداء ستار خضير الحيدر وهيثم ناصر الحيدر (عائد) وإبن خالتك سمير جبار حامي وجميع رفاقك الخالدين ، ونود ان نرفع لك ولكل شهدائنا الخالدين بشرى تنفيذ حكم الأعدام بالطاغية ليكون عبرة لكل الطغاة والقتلة .
سلام ... أننا نبكيك بدموع وحزن عميق كل يوم أيها الأخ والصديق والرفيق والنصير الشجاع .... إن أخلاقك ومآثرك يا سلام ستبقى قدوة للجميع ما دمنا أحياء وسنحافظ على ذكراك العطرة ... لقد تركت فراغا" لا يعوض ، رحلت عنا يا سلام في عجالة وأستغراب ، رحلت عنا ولكنك باق في ومضات العيون ، رحلت ولكنك لم تغب عن فكرنا وقلوبنا وما زلت معنا في كل جلسة ونزهة وتناول وجبة طعام ونقاش في الليل والنهار وما زال أسمك شاغل رفاقك وأصدقاءك وسيبقى خالدا" ونعاهدك بأننا سنسير على نفس الطريق الذي سرت عليه وستكون حاضرا" معنا في كل خطوة نخطوها .
الخلود لك يا أبا تانيـا .... وفي ذكرى يوم رحيلك الثالثة في 22/ 1/ 2007 لا ننسى شهدائنا المندائيين وجميع شهداء حركتنا الوطنية الذين جادوا بأرواحهم من أجل رفعة وعز الوطن وقدموا أنفسهم قرابين من أجل الوطن السعيد ، فلكل هؤلاء الذين رحلوا عنا ورودا" حمراء وطيب ذكراهم وعظمة الأجلال لتضحياتهم
وأكيد سنلتقي يوما" .

ملاحظة : يمكن مطالعة مذكرات الفقيد على موقع الطريق / الصفحة الرئيسية / الحركة الأنصارية .


 

 

نشرت في شهدائنا

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014