• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 10 تموز/يوليو 2013 18:44

عشتاروت ... الانثى المقدسة

لعل من اشهر الملاحم المقدسة تلك التي جسدت اَلهة الخصب والحب والنماء هي ( عشتار ) او عشتاروت السومرية في مدينة الوركاء عاصمة بلاد سومر ، تلك الملحمة التي خلّد فيها كهنة عشتار الكثير من اَياتها على شكل تماثيل مجسمة ، ولوحات فنية ، ونقوش مسمارية محفورة في الصخر ، ومخطوطات حفظت بعناية لدرجة لم تستطع عوامل التعرية ان تمحو معالمها . باعتبارها مركز عبادة عشتار ، وكان شكل معابدها يمثل انوثة الام والذي يرمز للإنجاب والإخصاب والخَلق الاول والإثمار والعطاء ، وفي هذه المدينة السومرية نشأت عبادة كوكب الزهرة ونمت ، حيث اطلق عليها اللسان السومري (إنانا ) الذي يعني سيدة السماء ، ففي اللسان السومري ( إن ) تعني سيدة ، و ( أن ) تعني السماء ، وبدخول الساميين الى بلاد الرافدين وتأسيس الدولة الاكدية تحول اسمها من ( إينانا ) الى ( عشتار ) او ( عشتاروت ) .

دلت الكشوفات الاثرية في حوض الفرات ان الشعوب السومرية التي كانت تقطن تلك المنطقة قد مارست عبادة الانثى منذ ما يزيد عن اربعة الاَف سنة قبل الميلاد ، عندما صوروا قوى السماء العظمى في صورة امرأة ، تجسدت لهم باشكال عدّة ، وهياكل مختلفة .

تلك المراة الكاعب شديدة الجمال ، ذات العقل النير ، ساحرة الحُسن، ممشوقة القوام ، تتدفق الجاذبية من كل جزء من جسدها ، لتُحطم بسحرها قلوب عُشاقها ، وتأسر رائحتها الزكية ، وصوتها العذب أفئدة كل ذكور الارض .

لقد امتلا قلبها بالحب والحنان ، وفاض جوفها بالامومة والعطاء ، فلا تلمس أقدامها الألهيتين أرضاً جرداء ، حتى اخضرت وأنبتت ، وفاضت خيراتها عطاءً وثماراً . ان هياكل عشتار ، من اكثر الهياكل دغدغة لمشاعر الفنانين والادباء ، الهاماً والهاباً لمشاعرهم  وأحاسيسهم على مر الازمنة .

ان عشتار عندما تتحدث عن نفسها  تقول : ( أنا الاول ، وانا الاخر ، انا البغي ، وانا القديسة ، انا الزوجة ، وانا العذراء ، انا الأم ، وانا الأبنة ، انا العاقر ، وكُثّر هم ابنائي ، انا في عرس كبير ولم اتخذ زوجاّ ، انا القابلةُ ولم انجب احداَ ، وانا سلوة أتعاب حَملي ، انا العروس وانا العريس ، وزوجي من انجبني ، انا أُُم أبي ، واخت زوجي ، وهو من نسلي ) .

لقد كانت عشتار اول قوة إلهية توجه اليها الانسان بالعبادة ، وكانت تماثيلها اول صورة مقدسة نحتها ، وقد استمرت عبادة القوة الالهية في شكلها الانثوي خلال العصر النيوليتي ، والتي كانت تمثل الام الكبرى مترافقة مع ظهور المستوطنات الزراعية الاولى ، باعتقادهم ان مسألة الحمل والولادة والاخصاب كانت هي الدافع الاكبر الذي حمل الانسان القديم الى تقديس الانثى ، حيث ترسخت في اذهانهم أن الانسان مخلوق من أمه ، مصنوع منها ، وان المرأة هي التي تُحدد بدرجة كبيرة طبيعة طفلها ، وخصائصه العرقية والجسدية والعقلية والنفسية ، بل الروحانية ايضا ، الا انه خلال الف السابع ق.م بدأت التماثيل الذكرية المقدسة بالظهور على نطاق محدود جدا ، وبشكل متزامن مع تماثيل الامومة ، وهذه الحالة تعتبر البداية التدريجية لظهور الثنائي الإلهي ، الام الكبرى وابنها ، وقد كانت المنحوتات الجدارية على هيئة ثور يولد من رحم الام الكبرى ، ورغم ان ان كل الاَلهه الذكور في الثقافة الذكرية ، قد نشأوا عن الإله الابن ، ثم اتخذوا لأنفسهم شخصيات مستقلة وارتفعوا نحو السماء ناكرين أصلهم الارضي ، إلا ان هذا الأله قد بقى ابناً لعشتار ، محافظاً على وضعه القديم كظل للأم الكبرى ، ومكمل لها ، حامل جزاً من صفاتها وصلاحياتها ، فهو ( دوموزي ) في سومر  و ( تموز ) في بابل و ( أدونيس ) في سورية و ( أوزوريس ) في مصر و ( اّتيس ) في فرجيا وروما ، و ( ديونيسيوس ) عن الاغريق ، وكل هؤلاء يلعبون دورهم المزدوج كأبناء وأزواج . وقد بنيت الهياكل في المعابد على شكل الذكورة تقديسا وايمانا بشراكته في الخصب والنماء .

ففي النصوص الرافدينية نقرأعلى لسان (إنانا ) عددا من المزامير الموجهه لدموزي الحبيب ، وفي نصوص اخرى يشار الى تموز على انه الزوج ، كما نلاحظ ذلك في نص هبوط عشتار الى العالم الاسفل ، وقد وردت كذلك في ملحمة كلكامش حين يخاطب جلجامش عشتار ( على تموز زوجك الشاب قضيت بالبكاء عاما إثر عام ... ) ، ففي بكائيات عشتار على حبيبها تموز القتيل فيظهر على انه الإله الابن ، حيث تصرخ عشتار ومعها الندابات ( ويلي عليك يا دامو .. ويلي عليك يا بني ...) . في الملحمة السومرية ( هبوط إنانا الى العالم الاسفل ) التي إعاد البابليون صياغتها في ملحمة ( هبوط عشتار الى العالم الاسفل ) ، ومع بدء الاشوريين على صفحة التاريخ ، وتكوين الدولة الاشورية الفتية لم تعد عشتاروت ربة اللذة والحب الشهواني فقط ، وانما اصبحت ايضا ربة السيف والحرب ، لان الشعب الاشوري ، شعب محارب بفطرته ، لقد وجد الاشوريون لطبعهم واعتقادهم الجديد سنداً في طبيعة الزهرة ذاتها ، فهي تظهر في اليوم مرتين ، صباحا مع الشروق ومساءا مع الغروب ، ومن هنا اعتبروها الهة الحب واللذة حين تكون في المساء ، ولكنها الهة الحرب والقتل حين تكون في الصباح ، حتى لقبوها بلقب ( سيدة الحرب ) .

وفي الميثولوجيا الكنعانية ، كانت الإلوهية في الديانة الفينيقية غير محصورة بالالهة الذكور ، انما تعدتها الى الألهة الاناث ، ولعل اول امراة  ، كانت هي الارض زوجة السماء ووالدة الإله ( إيل ) ، لكن المرأة لم تصل الى مرتبة الكهنوت في الديانة الكنعانية – الفينيقية الا بعد ان قدسها الإله الرجل وجعلها في مقامه بحيث اصبحت الألهات ، شقيقات الإله إيل ، زوجات او مؤيدات له . اما الألهة عشتاروت فكانت من نسل العمالقة كجدها عليون ووالدها ايل واخواتها بعل وعنات وداغون حسب المعتقدات الكنعانية ، وعندما جاءت المسيحية قامت بتقديس مريم العذراء بدلا من الألهة عشتاروت ، كان ذلك بداية لانتهاء عبادة العمالقة ، ولقد لقيت قداسة مريم العذراء قبولا من جميع الاديان نظرا لان الطهارة كانت عنوانها وكونها حبلت دون دنس بعكس حواء ام البشر التي تزوجت من نسل العمالقة وجاءت ذريتها لتدمر الارض .

والمقصود بحواء جميع النساء اللواتي عشن في تلك المرحلة ، ومن هنا نفهم لماذا رفض الكنعانيون تزويج بناتهم من الإيليين الذين سبقوهم ، وعندما قال السيد المسيح : الملائكة لا يتزوجون ، كان ذلك نهاية الاعتقاد بإمكان زواج الملائكة ، اي غير الارضيين ، بنساء من الارض ، وبالتالي نهاية الشعور بذنب الخطيئة الاولى التي لا يمكن ان تغتفر الا بالعفاف والصوم .

ان عبادة عشتاروت التي جاءت لتمثل الخصب والنماء والامومة ، قد نشطت بعد حادث الطوفان ، خاصة بعد فراغ الارض من سكانها ، وذلك بهدف اعادة احياء الجنس البشري من جديد ، ان الشعوب القديمة قدست عشتاروت وجعلتها بمصاف الألهة ، وباسماء متعددة وصلت الى ثلاثمائة اسم من ( هيرا ) الى ( ارتميس ) و ( افروديت ) و( الزهرة ) .... الخ ، والسبب ان عشتاروت استطاعت ان تسكن اللاوعي البشري وتترك فيه حافزا يتلهف على النسل والاستمرار ، وبالتالي كانت اعظم امراة في التاريخ القديم .

المصادر :

-سيد محمود القمني – الاسطورة والتراث

- محمد ابراهيم سرتي – الانثى المقدسة وصراع الحضارات – المرأة والتاريخ منذ البدايات .

- فراس السواح – لغز عشتار – الالوهة المؤنثة واصل الدين والاسطورة .

- مجموعة من كبار الباحثين – موسوعة عالم الاديان .

- فراس السواح – مدخل الى نصوص الشرق القديم .

 

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 16 حزيران/يونيو 2013 11:24

المعراج والرمز المندائي - الجزء الاول

ان الصورة الرمزية الجمالية للمعراج تكمن في الصاق القصص الخيالية والخارقة في مضمون تلك الصورة لكي تعطينا اعجازا وتاويلا صوفيا ، ويستخدم الشيخ الاكبر محي الدين بن عربي في كتابه ( فصوص الحكم ) الرمزين غسل القلب وتقريب الاقداح معا ، ولكنه يقتصر على الخمر كرمز لكشف السر واللبن كرمز لميراث النبوة ، ويستثني الماء من ميراث التمكين كل ذلك في باب واحد من معراجه ( هو باب العقل والاهبة الى الاسراء ) وباسلوبه المسجع ، فالتشكيل الفني بالكلمة هو من اهم الظواهر الاسلوبية كما ورد في اسراء ومعراج الرسول في ادب المعراج يهدف منه الفولكلوريون الى دهشه الحسي واثاره العجب فالايمان ، اما الصوفيون فيتجاوزونه الى الكشف والحدس والتاويل والرمز ، وهذا سبيلا لمقولات ورموز التراثيات القديمة حول المعراج ، اعطى هذا المحول الفكري والفني كثيرا من الاقانيم القديمة كسوة للدين الجديد

.
وقصص المعراج اشبه ما تكون بملحمة دينية ، وكونها من ادب الرحلات فهي تحت حسب سابقتها كملحمة كلكامش السومرية ، او ملحمة زيوا سدرا البابلية ، فالمشابهات بينهما كثيرة والتفاصيل والمسار العام والجزئيات ، فالمعراج قصة خرجت من دائرة الحديث الذي يضبط الرواية وصارت لونا من الوان الادب الشعبي الديني ، وادخلت في المكتسب من تراث الامم الحضاري

.
ويمثل المعراج في اسلوبه الى الرمز اولا ثم التصوير الفني ثانيا ، والبناء المعماري ثالثا ، فالرمز يعطي خواص ادب الرحلات كالاوديسة واوديب ومثلهما ملحمة كلكامش وملحمة ديموزي وعشتا ر او عشتاروت ، ونرى الاسلوب الرمزي كذلك في قصة الف ليلة وليلة ورحلات السندباد البحري وعلاء الدين والمصباح السحري وقهرمانة والاربعين حرامي وغيرها من قصص الخيال الابداعية ،

ان تراث المعراج كان باكورة الانتاج الادبي في المدن العراقية القديمة كأور وبابل وماري من حضارات الشرق القديم ، التي كشفت عنها الحفريات ، فجاءت طبقات يعود تاريخها الى قرون متعددة تنتمي الى مراحل من المدنية المختلفة ، فمنها ما يرجع الى الطبقة الاولى ومنها ما يرجع الى الطبقة الثانية في المقياس الزمني التاريخي لعلمي الاثار والانسان

.
وهناك نماذج متعددة تخضع لمفهوم النموذج الواحد ، وتعدده من حيث الرواية او الصورة كملحمة كلكامش رغم كونها نموذجا واحدا فقد تعددت رواياتها السومرية والبابلية المدونه على الواح الطين ، كما تعددت نماذج قصص المعراج وقصة عنتره وكذلك قصة الطوفان التي كانت جزأ من ملحمة كلكامش في اقدم صورها ، ثم تتلوها الروايات العبرية في التوراة ، والعربية في الشعر العربي عند شاعر الاحناف في الطائف امية بن ابي الصلت خاصة ، وفي التراث الاسلامي كذلك ، كل هذه الاثار ينظمها مفهوم التعدد والوحدة للاثر الادبي الواحد

لقد استطاع الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش ان يرتقي بسهوله لظاهرة الكشوف الرؤيوية وارتياد الاعماق ، يمكن القول انه قد افلح في الجمع بين منظورين متغايرين مبدئيا استعدادا لا نظير له للتجدد والمغامرة والتجريب دون ان يقطع الخيط الذي يوصله بجمهوره سواء كانوا قراء او مستمعين حتى في اكثر قصائده صعوبة وتقصيًا واكتظاظاً بالمعرفة . ان المتتبع للمسيرة الدرويشية الحافلة بالقفزات أن تعثر على جملة العناصر التي جعلت من محمود درويش واحداً من شعراء العرب الكبار فحسب ، بل احد الشعراء الاكثر نجومية في الوقت ذاته ، لكونه يمتاز شعره بالرومانسية وقوة الروح وصدق التجربة واهتمامه الكبير بالقضايا النضالية والوطنية لبلده فلسطين واتصاله الابداعي بالسياسي . حتى بدت الثنائية المصرية الرمزية لجمال عبد الناصر - عبد الحليم حافظ موازية من بعض وجوهها لثنائية ياسر عرفات - محمود درويش ، ولم ينم عن حريرها ، بل راح يؤسس مجده فوق تربة اخرى مترعة بالقلق ، ولكي تكتمل الممائلة فقد جاء المرض باًلامه ليجعل من حياة الطرفين اختبارا يومياً للالم والمكابدة ، حيث كان على عبد الحليم حافظ ان طول حياته معاناته مع البلهارزيا ، وكان على محمود درويش ان ينوء تحت ضربات الشريان الابهر وخياناته بشكل مماثل .

ان جائزة الشاعر الفلسطيني التي تمنح في يوم ميلاده ترجمة للقيم الانسانية الطليقة التي صاغها شعراً والتي جعلت منه شاعراً كونياً وعربياً وفلسطينياً معاً .

فكان شاعراً للطرقات القديمة ونبع الماء الفلسطيني ، توفي محمود درويش في التاسع من / اب / 2008 م اثر مضاعفات جراحية في القلب اجريت له في ولاية هيوستن بالولايات المتحدة الامريكية ، وقررت الحكومة الفلسطينية اعتبار يوم الثالث عشر من اذار من كل عام الذي يوافق مولد درويش يوماً للثقافة الفلسطينية .

وقد أنشات مؤسسة بأسمه واعلنت المؤسسة في عام 2010 م عن جائزة سنوية باسم جائزة محمود درويش للثقافة والابداع ، منحتها للمرة الاولى العام الماضي لكل من الكاتبة المصرية أهداف سويف والكاتب الجنوب افريقي براتين برايتنباخ ، وقد منحت مؤخراً الى الكاتب الاسباني خوان كويتسيلو ( 80 ) عاماً أحتفاءاً بجهده الكبير الذي امتد في قرابة ( 50 ) مؤلفاً تضمنت الرواية والسيرة والمقالات الصحفية واّداب الرحلات ، وعبر عن مقت لكل أنساق القهر والاضطهاد والتزام بالقضية الفلسطينية وجميع القضايا الانسانية العادلة .

لقد جاءت قصيدة الشاعرة المندائية المبدعة سوسن سيف بعنوان ( كان ليل مهداة الى طفولة محمود درويش ، وقد كتبت هذه القصيدة من قرية هناك ) ، كانت في زمانها ومكانها وهي صورة تعبيرية رائعة عن حياة هذا الشاعر الكبير الذي عرف بشاعر المقاومة الفلسطينية هو وزملائه الشعراء سميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم من الذين عرفوا منذ ستسنيات القرن الماضي ، كما كتب عنهم باسهاب الكاتب الفلسطيني المعروف غسان كنفاني ( الذي كان نموذجا خاصا للكاتب السياسي والروائي والقاص والناقد فكان مبدعا في كتاباته كما كان مبدعا في حياته ونضاله واستشهاده ) ، ومن نتاجات شاعرنا الكبير محمود درويش الجميلة جاءت قصيدته بعنوان ( عن الشعر ) في ديوانه المعنون ( اوراق الزيتون ) يقول مطلعها : ( قصائدنا ، بلا لون ، بلا طعم ، بلا صوت ، اذا لم تحمل المصباح من بيت الى بيت ، وان لم يفهم ( البسطا ) معانيها ، فأولى ان نذريها ، ونخلد نحن .. للصمت ! ) .

ملاحظة : قسم من المعلومات الواردة في هذا المقال من موسوعة اليوكيبيديا العربية .

نشرت في شعر
الثلاثاء, 02 نيسان/أبريل 2013 04:22

نوروز بين الاسطورة والتاريخ

اصل التسمية :- نوروز قد تعني اليوم الجديد ( نو ويعني جديد ) و ( روز ويعني اليوم ) ، وتعني الكلمة ( اليوم الجديد ) ، وربما اريد به يوم حظ وتنزه ، ويذكر الشاعر والفيلسوف ابي العلاء المعري ( الذي اصله من مدينة معرة النعمان السورية ) اثناء حديثه عن عبث الخليفة الوليد بن يزيد بن معاوية بن ابا سفيان ، بان النيروز كلمة معربة ولم تستعمل الا في دولة بني العباس . ولم نسمع عنها في العصر الاموي ان كان له شان ذو بال .

يقول المؤرخ المسعودي في كتابه ( التنبيه والاشراف ) مايلي : نوروز يعني اليوم الجديد في لغتهم لان الجديد يعني ( نو ) واليوم يعني ( روز ) .

اما الدكتور محمد التونجي استاذ اللغة الفارسية في جامعة حلب يقول ما يلي : النيروز عيد الربيع واول السنة الشمسية لدى الفرس ، يبدا عادة في 21 اذار ونطقه الاصلي بالواو ( نوروز ) ، ولكن العرب عربوا اللفظ ، فقالوا نيروز ، والفعل نورز والجمع نواريز ، ولقد عبر بهذا التجديد والتجدد الشاعر فيرجل ، الذي ولد في العام 70 قبل الميلاد ، وتوفى في العام 19 م في كتابه الشهير ( الانياذة ) ، وفيما يلي نص منه : يتقدم الجميع فيروس بن اخيل واضعا على راسه وضاءة من البرونز ، وهو في ذلك يشبه الافعى التي تنام في الشتاء ، ولكن اذا جاء الربيع خرجت الى الضياء وخلعت عنها لباسها ، ويتجدد شبابها ، فرفعت راسها الى نور الشمس . ويقابل معنى كلمة نوروز كلمة نيسان العربية ، والتي لها مقابل في اللغة الايرانية القديمة ( اللغة البهلوية ) ، احدى اللغات الايرانية القديمة ، في العهد الساساني . حيث تعني ( ني ) او ( نوي ) الجديد و ( اسان ) تعني اليوم ، ويصبح المعنى اليوم الجديد . ولا غرابة في ذلك لان شهر نيسان كان راس السنة لدى الشعوب السامية القديمة ، ويقابله في اللغات الهندو اوربية كما في (Neusyares ) الالمانية والانكليزية ( New ) واللاتينية ، والاغريقية ( News ) و( نو ) بالكردية ، ان اللغة البهلوية تلتقي مع اللغات الهندواوربية .

اما كلمة ( Nesu ) تلتقي مع الكلمات العربية التالية : ( نسغ ) و ( نسع ) و ( نسأ) وتعني هذه الكلمات التجدد في النبات ، اما نيسان تعني بدء السنة الدينية المقدسة الجديدة ، التي فيها تتغلب الطبيعة على الانحلال في فصل الشتاء ، لترد الحياة الى الطبيعة كما هي ، اما اسمها في اللغة السومرية القديمة ( yag - barag – itu ) وتعني شهر المزار المقدس ، وشهر البدء بالسنة الجديدة ، اما الان فتبدا السنة الجديدة في 21 اذار ، اي يوم حدوث الاعتدال الربيعي ( Vernatequinox ) .

اسطورة نوروز :- حاول الانسان منذ فجر التاريخ ان يعطي تفسيرا لخلق النبات ، والحيوان ، والانسان ، وتسمية الاسماء على شكل حكايات خارقة للعادة ، تتناقلها السنة الشعوب على مر العصور . وهذا يتطابق مع احد تعاريف الاسطورة ، بانها نوع من الحكاية التي تتناقل شفاها من جيل الى جيل ، لكنها قابلة للحدوث في الواقع . وتعتبر اسطورة نوروز من القصص القديمة التي تناقلتها الامم كل على شاكلتها ، ومثلما تناقلت الاجيال قصص الامبراطور الفارسي رستم واسفنديار وغيرها من قصص الشعوب القديمة التي كان يرويها النضر بن الحارث وهو من اشهر الحكواتي في بلاد الجزيرة العربية انذاك وهو من عشيرة قريش الساكنة في مكة وكانوا يقولون عنها ، بانها اساطير الاولين . ولقد تعددت وتنوعت الاساطير التي قيلت في نوروز من لدن الشعراء والمؤرخين القدماء وخصوصا في الادب الفارسي ومن هذه حكاية جمشيد وهو احد ملوك الفرس ابن طهمورث ، تنقل بمركبة في اطراف الارض ، ووضع الجن تحت امرته ، وطار الى كل الممالك على سرير مرصع بالجواهر ، حمله الجن في اول يوم من السنة ، وقت حلول الشمس في برج الحمل ، فسر سرورا عظيما وانتشلى باقداح الخمر الصوفي الالهي ليعرف ذلك اليوم بالنوروز ، اي اليوم الجديد ، وليبقى عرفا مقدسا لدى الشعوب الايرانية .

لقد كان الايرانيون القدماء يعتقدون بان الله خلق النور في هذا اليوم ، لذا سمي نوروز اي اليوم الجديد الذي ظهرت به الشمس وسطعت بانوارها الكون ، ويتفق هذا مع مع معتقدات الهنود الاريين ، ففي معتقدهم ان الكواكب خلقت جميعها في اول برج الحمل ، ثم بدا كل منها في الحركة ، وهذا يتطابق مع حركة الشمس في اول برج الحمل ، في الكردية يقال روج – Roj لليوم او النهار ، اما الشمس فيقال روك – Rok وتعني نوروز الشمس الجديدة ، او الحقيقة الساطعة ، اما الاشعاع الشمسي فيقال تيريج – Tirej حيث تعني (تي ) الحياة في اللغة السومرية القديمة ، وبالحقيقة لولا الشمس لما كانت الحياة على الارض . وهذا ليس شيء غريب حيث ان الحقائق التاريخية تقول بوجود سمات مشتركة في العقائد والاساطير ، بين الشعوب السامية ، وغير السامية ايضا ، وهذا ما نسميه بالخصائص التاريخية المشتركة ، مثلما حملها الاريون الذين كانوا يسكنون القارة الهندية ، الى جوارهم ، والدليل على ذلك هو وجود التشابه بين اجزاء من كتاب الابتساق ويسمى كاتهاتا ويعني اسمه : مقدمات لكتب دينية ذات مضمون لدى البوذيين والبراهمة . فكلمة (برهمن ) تعني اسم ملك براهمنة الهنود ، وهو معبود ، وقد يسمى ايضا ( بروشن ) اي نور الاقليم ، مثلما في كلمة ( برهان ) الحبشية والتي تعني النور ، وفي الكردية تعني برو ناي او رهني – Rehni وبالمصرية القديمة ( رع ) اي النور او الشمس . اما تسمية النوروز فنجدها عند المؤرخ ابن الاثير على الشكل التالي : كان من خبر كابي ( كاوا ) انه من اهل اصفهان ، فثار على من اتبعه من الخلائق الى الضحاك ( وهذا شخصية اسطورية ، وروح شريرة في الاساطير الارية والشهنامة ، اما في الابستاق فهو شيطان يمنع ماء السحاب ان ينزل الى الارض ، ويعتبره الفرس ملكا جبارا ، يرمز الى الشر ، ويزعمون انه عربي من اليمن وابن الملك مرداس العربي ، ملك الارض . وكانت امه جنية فلحق بالجن ، وقد نوه عنه الشاعر ابو نؤاس وكذلك الشاعر ابو تمام ، بابيات من الشعر ) فلما اشرف على الضحاك قذف في قلبه الرعب ، فهرب من منازله ، فاجتمع الاعاجم الى كابي فاعلمهم انه لن يتعرض للملك ، لانه ليس من اهله ، وامره ان يملكوا بعض ولد جم (جمشيد) لانه ابن الملك اوشهنج الاكبر بن افراول .وكان فريدون مستخفا من الضحاك ، فصاركابي والوجوه لافريدون عونا ، واحتوى على منازل الضحاك واسره بدنباوند ، ويزعم بعضهم بان فريدون قتله يوم نوروز ، وعند مقتله قال العجم امروز نوروز اي استقبلنا الدهر بيوم جديد فاتخذوه عيدا .

اما القلقشندي قال في كتابه ( صبح الاعشى في كتابة الانشاء ) جاء فيه ، ان نيروز تعريب ( نوروز ) واول من اتخذه عيدا هو جمشيد الملك ، حيث جدد الدين فيه واظهره فسمي بهذا الاسم ، وكان من خلال ملكه لا يريهم وجهه فلما كان يركب العجلة المدورة ، ابرز عن وجهه وكان بارع الجمال فجعلوا يوم رؤيتهم له عيدا وسموه نوروزا ، ويزعم بعضهم انه اول الزمان الذي ابتدا الفلك فيه بالدوران .

وهناك نوعان من النوروز: نوروز العامة ونوروز الخاصة ، اما الخاصة فهو اليوم السادس من شهر فروردين ( ويعني باللغة البهلوية القديمة شهر اذار ، وكان الشهر الاول من السنة الشمسية لدى الايرانيين القدماء ) وسبب تسميته بذلك ان الملك جمشيد لما جلس على سرير سلطنته ، استدعى اليه جميع اركان دولته وخواصه ، وسن عليهم قواعد وقوانين مستحسنة فاستصوبوا رايه ، وسموا ذلك اليوم بنوروز الخاصة ، اما نوروز العامة فهو اليوم الاول من شهر فروردين (اذار) عند نزول الشمس اول برج الحمل .

اكد الفيلسوف اليوناني افلاطون على هذه الفكرة حين حاول ان يعبر عن اصل النفس الانسانية لم يجد خيرا من تصويرها وهي لاحقة بموكب الالهة نحو مصدر النور .

مراسيم وطقوس نوروز :- بما ان نوروز من الاعياد فلا بد من ان يكون له مراسيم وطقوس واحتفالات مثل كافة الاعياد المعروفة في العالم القديم والحديث ، فكان ملوك الفرس والعجم والساسانيين وملوك الشرق يحتفلون بتلك المراسيم منذ العهد الاسطوري القديم وفي يوم 21 من كل عام ، وفي هذا اليوم يحمل الملك على عربة مزكرشة منذ الساعات الاولى ويتقدم الموكب الف فارس على راس كل فارس خوذة من ذهب وعلى ابدانهم مأزر بيضاء ، وشارات ذهبية ،واحصنة بيضاء يركبها الفرسان ،ومن خلفهم تسير العربة حاملة عرش النار المقدسة ( وهي شعيرة مقدسة في الديانة الزرادشتية ) ، بينما الاتقياء ، والكهنة يلبسون الاردية البيضاء والثياب البيضاء ويرتدي ( 365) فتى الثياب البيضاء بعدد ايام السنة ، وهناك عجلة ارجوانية مكرسة لنار الحياة واخرى للملاك (مهر ) الذي يسوس الفضيلة في العالم ، ثم تتبعها اخرى ذهبية مزينة بالزهور والورود الملونة ذات الشذى ثم يبدا رجال الملك بمحاسبة كل من لا يتفق ، او لا يطيع القوانين الفارسية والدساتير الميدية الصارمة ، مع قدوم اقوام وشعوب مختلفة كل بزيه الخاص الى مكان الاحتفال .

وسبب ارتدائهم لهذا الزي الابيض ، يعود الى الى معتقدات ديانة ايرانية هندية ، وكما ماهو موجود في الديانة المندائية . حيث كانت تعبد العفاريت ( Daeves ) الهة الشر والظلام تلك العفاريت التي لا بد من مجابهتها بنقاء الفكر والبدن والنور لان اللون الابيض يسمح بملامسة النور لاجسامنا بمقادير متساوية ويقضي على الظلام . وكان كذلك من عادات الشعوب الخروج والتنزه في هذا اليوم بسبب طبيعة البلاد الجبلية ، وقد اعتبر مسك النبات من ةوسائل الترك وخاصة في العهد الساساني ، لدرجة انهم سموا حدائقهم بجنة ، مثل كلمة فردوس وبستان والتي انتقلت الى الكتب المقسة لاحقا . وحتى ان الاسرة باكملها كانت تذهب الى الحدائق وتقضي اليوم في المرح ، والغناء ،وترتيل الاناشيد ، ويتبادل افرادها الهدايا والحلوى في عيد النوروز ، كما كان يفعل الملك ( خسرو ابرويز ) ( 590 – 628 م ) حيث كان يخرج الى بستانه ليقضي اسبوعين في اللهو والطرب .ومن عادة الملوك الساسانيين الجلوس مرتين في السنة في يوم نوروز ويوم المهرجان ، حيث يرى فيه مشاكل الناس وحلها .

ومن طقوس نوروز هو رش الناس بعضهم بعضا بالماء ، ويعتبر الماء من المقدسات في الافستا ، وكما عند المندائيين وعند الهندوس ايضا ، ويسمى اليوم التاسع من ( سبيندارمز) بنوروز الانهار والمياه الجارية ، وفية يطرحون الطيب ،والماء ورد في المياه ، بالاضافة الى عملية الرش ، وقد وردت عملية التطهير من خلال الرش بالماء عند الشاعر اللاتيني فيرجل في كتابه الانيادة ، عندما قام رجال طروادة في ملحمته المشهورة ( حصار طروادة ) بدفن ميزانوس ثم طهر القوم من قبل الكاهن برشهم بالماء بواسطة غصن من شجرة الزيتون . وكانت الغاية من الرش او صبه ايضا لغرض جلب المطر بعد القحط والجذب . ويستمر العيد ستة ايام ، حيث يحتفل الملك مع خاصته ، اما اليوم الاول ، او الاخير فيتحول الى مظاهرة شعبية حيث يبكرون ويذهبون الى مجاري المياه للاستحمام ، والرش ،ومن ثم يتبادلون الهدايا والحلوى ،وقبل ان يتطق احدهم بكلمة ياكلون السكر ويلعقون العسل ثلاث مرات ، ويدلكون اجسامهم بالزيت ، ويتبخرون بثلاث قطع من الشمع ليحفظوا انفسهم من الامراض . وكان اشهر تقليد معروف في هذا العيد وهو نصب السماط ، وهو نوع من الاغذية ويجب ان يضم سبعة الوان من الطعام . في ختام هذا الموضوع احب ان اذكر من كثير الكثير من الشعراء قد تغنوا بهذا العيد في قصائدهم منهم من الادب الفارسي ومنهم من العصر الاموي والعباسي وفي الادب العربي الحديث ايضا ، وهذا جزء من قصيدة لشاعر العراق الكبير بدرشاكر السياب ، وعنوانها (وحي النيروز ) ، لتكن مسك الختام .

طيف تحدى به البارود والنار ما حاك طاغ وما استبناه جبار

ذكرى من الثورة الحمراء وشحها بالنور والقاني المسفوك اذار

مرت على القمة البضاء صاهرة عنها الجليد ، فملء السفح انهار

في كل نهر ترى ظل تحف به اشبح (كاوا ) ويزهو حوله الغار

يا شعب (كاوا ) سل الحداد كيف هوى صرح على الساعد المفتول ينهار

وكيف اهوت على الطاغي يد نفضت عنها الغبار وكيف نقض ثوار

والجاعل ( الكير ) يوم الهول مشعلة تنصب منه على الافاق انوار

عندما كتب شاعر المانيا الكبير ( غوته ) المعروف بجيته ، سيرته الذاتية، فاختار لها عنوانأ سماه ( الشعر والحقيقة ) ، وها هو اديبنا وكاتبنا الكبير ، السمفوئية المندائية ، نعيم عبد مهلهل يخبرنا عبر طروحاته الادبية وكتاباته الشعرية الجميلة ، معنى حقيقيأ وواقعيأ للمندائية متخذا اياها هدفا وغاية سامية في اغلب كتاباته عنها ، وهو ويحلم دائمأ بمحاكاة الواقع الذي عاشوه ، فرغم المحن وصولات الحرمان والكبح المرير ، يخرج لنا بحقيقة واضحة عن نقاء المندائية واصولها العميقة عمق التاريخ ، ، لكي نتحرر من الالم والذعر والخوف ، ونتحرر من ويلات الحروب اللعينة ، حيث نجد انه نابغأ حقيقيا مبتكرا ينطق باشياء مذهلة ، ناصفا المندائية عبر اصولها ومدلولاتها النقية ، انه ابن مدينتنا الوديعة الجميلة الغافية على نهر الفرات الخالد – الناصرية ، مدينة الادباء والشعراء والفنانين الكبار .

هو ابن المندائية وليس بمندائي ، السمفونية المندائية وقيثارتها عبر الزمن ، يعزف دائما باوتارها ويتغنى بها ويدافع عنها ، كمنهج ودين وعقيدة سمحاء وراية بيضاء ، نقية صافية نقاء الروح الخالدة ،

يقول ضمن احدى كتاباته ( في الاصول الارضية والسماوية للديانة المندائية ) : ( تحاول الديانات منذ ازليتها الاولى ان تصنع نمطا معينا لحياة مريديها عن طريق ايجاد أصرة من الحلم بين الخالق والمخلوق من خلال التنكر بالنهايات التي تحسمها الافعال ، التي ينجزها الانسان في حياته ، وان الصلاح في النفس والحياة مرهون بزمن معين يسمى العمر . يقابله صلاح ابدي في زمن مطلق يسمى الفردوس وهو المكان الذي جاء منه ادم الى الارض ليؤسس للانسان كيانا ووجودا بدأ بشخصين وانتهى باكثر من مليار شخص ).

ان المعتقد هو قبل كل شيء احساس بالانتماء الى جبروت قوي ، لان الانسان عندما قارن جسده الصغير بظواهر الكون وبعض المخلوقات وجده لا يشكل شيئا ازاء قوة وحجم هذه المخلوقات لكنه تفوق عليها بهاجس واحد كان فيه هو الارقى انه ملك العقل ، ومن العقل ولدت الفكرة ، وبالفكرة نظم الانسان حياته .

يقول الاستاذ الكبير نعيم عبد مهلهل : ان المندائية من الاحلام القديمة ، التي قيل ان تربطها رؤاها بنبي كان لها تصور في شكل الوجود وهذا التصور كما يقول المندائيون ليس وليد مزاج حكيم من حكمائهم ولا هو معادلة عالم من علمائهم بل ان الامر ارتبط بتنزيل ماني وهو يرتبط بجدلية موروثية ومعرفية فظهرت الالواح المندائية بشكل نهائي .

بعدما ارسى اليقين مع النبي الذي عمد عيسى المسيح وهو النبي يحيى بن زكريا (ع) ، ومنذ ذلك الحين حاول المندائيون في عصور ما ان يظهروا للعالم ازلية الشيء الذي يملكونه لكن العالم الذي عرضوا عليه بضاعتهم كان تتعدد فيه رؤى الالهة وكانت الالوهية للملك وطموحه لاجل الخلود تقف ضد الفكرة المطروحة امامه لذلك ، عومل المندائيون بقساوة في بعض العصور القديمة فكان ان اثروا العزلة خوفا من الابادة وهذا ما كان .

ويقول ايضا لو كشفنا لصحائف التاريخ سنجد ان حران كانت هي المدينة الازلية للمندائيين الاوائل ولكنهم بعد عصور الايمان من ابراهيم صعودا التحقوا بامكنة غير حران ، وكانت البطائح الجنوبية لوادي الرافدين المكان المثالي لمن فكر منهم بعزلته الازلية .

وستظل هذه الطائفة تركن الى هدوء عاطفتها وتغازل وجودها بتسبيحات ارامية قديمة غير عابئة بالمتغير .

كتب في مجال الادب عن محنة المندائيين واوجاعهم وها هي قصيدة سلاما ارض الرافدين التي يقول فيها : (سرك انت مندائي وذهبت تحارب المجهول ، بماذا قال الاس لك ؟ اجبت : هذا قدري ، ولاجله سارتدي رستة النور واواجه ربي وانا مشتاق لفم حبيبتي ، عام مندائي اخر .. ورايات زكريا تضرب في نسيم السماء عطر الطين ، والطين دمى لشهقة حب ارامية بها تشتاق الى ام موسى وهي تستذكرمعنا قصص الاجداد والاجداد من قبورهم يظهرون لياكلوا معنا خبز الرز ، وسمك البز ، وينشدون لليل السهارى انشودة القصب حين تصير حبيبتي بطول قامته ، عندها ملاك النور سيحرس عينيك وانا اتبختر بذكورتي ، وما بين رؤية قلب النور والرمش المسحور ، يكتب المندائيون اغانيهم ، سلاما لارض الفراتين ، وعل الجفن المسرة ) .

ان كلمات الشاعر العراقي نعيم عبد مهلهل ، نبراس لامع في مسار المخاض العنيد والالم الموجع الذي تمر به الامة المندائية اليوم وليفتح عيوننا على لغة لم نالفها من قبل ، تستحضر تاريخنا المندائي ، طقوسا وتاريخا وارث معا وحاضر ، دون كابة ، سخرها هذا الشاعر الجنوبي الذي عاشر المندائيين ، بحرص كبير لتكون شعرا وحكايات نثرية غناء اكثر اكتمالا ، ليصبح طقسنا المندائي توثيقا ادبيا .

ان كتاباته ضرب على نمط غير تقليدي ، يحاول الكاتب استقراء موضوعات وحكاياتنا وطقوسنا ومحاباتنا في زوايا رحبة من عالمه الشعري ، لغة انيقة ومترفة ، تتسع العبارة بها ، وتندهش بتعاطفها مع تفصيلات داخل البيئة المندائية التي اتسمت على الدوام بسمة التسامح ، اتاح لها ان تحمل شحنة المفردة العربية بكل نقاءها وتاثيرها ، لتصل الى الجميع في الوطن العراقي الذي يريدون اغتياله .

ان خيال هذا الشاعر هو خيال جامح ، وذا ثقافة واسعة ، وريادة مهنية ، وانفتاح لا حدود له على الاخر ، مهما كانت النتائج المتوخاة من ذلك ، باضاءة كل زوايا قلوبنا ، حيث يساهم بنبل كبير في كتاباته باعادة الاعتبار للحلم المندائي وللفكر المندائي الاكثر جذرية في عراقيته ليملأ الثقة بصلات ابناء هذه الطائفة مع كل اطياف الشعب العراقي ، كمن يريد ان يفتش عن سر امتدادنا ووجودنا في هذه الارض المقدسة .

للموضوع صلة .

المانيا

نشرت في شعر
الخميس, 31 كانون2/يناير 2013 02:48

الثقافة المندائية الغائبة

اننا لا نتجنى على مجتمعنا المندائي ، ولا على انفسنا حينما ننعتها بالمغيبة ثقافيا ، بل ان القاعدة الثقافية المتينة المكونة لحالة المجتمعات المتطورة تكاد تكون غائبة ، وان من اهم عوائق التغيب واعمقها اثرا عدم وجود قوانين او قواعد تعمق العمل الثقافي وترشده نحو الافضل وفق خطوط وضوابط جادة ، تلك التي تحمل قدسية التقاليد المتاصلة في نهج التقيد المطلق بما هي عليه ، وعدم الاتصال على فضاءات التجديد والتغيير ، واغفالها احتياجها الى تاسيس نهج ترعوي ، يخرج الثقافة المندائية من الغيبية والاستهلاكية الى العلمية المنهجية ، على اسس واستراتيجيات ورؤى خاصة ، تتفاعل مع المحيط ، بل وتؤثر فيه وتنفتح على ثقافة الاخر ، وتدخل تحت سقف انفتاحها على المتغيرات ، ضمن حملة التطوير لواقع يتهافت على نفسه ، ويغفو على (تابوهات ) تمدها بروح المنهيات ، والمسكوت عنها ، وتدفع الاشياء دفعا باتجاه انقضائها فقط ، دون تحريك العقل باتجاه متنور لا يملك روح الانتاج , ولا الابداع ، ولا التشارك في صناعة الحضارة الانسانية ، بل نلجا احيانا الى الالتجاء الى نماذج ثقافية جاهزة ليس لمجتمعنا المندائي اي دور في انتاجها وابداعها ، وخصوصا اننا ننتمي الى تاريخ وحضارة عريقة كانت تملك ابداعا يمد البشرية بمفردات تكوينها ، وصعودها الحضاري لتفاعلها المستمر معه ، ويحتجب عن اهلها الغائبين عنها . لابد من دور هام في رعاية وحماية المجتمع المندائي ، لان المثقفين الواعين لخطورة المرحلة الحالية ، هم الدعامة الاساسية وهم الصمام الامان لحماية المجتمع من الانحراف والسقوط الى الهاوية والاضمحلال ، هذا الدور الهام الذي يقوم به المثقفون يحتاج الى تشريعات وقوانين ، يشرعها اهل الفكر النير واهل الدراية والمعرفة من ذوي الحكمة والخبرة ، والا فلن يجدي الحديث عن الثقافة والمثقفين في بيئة ، لا تحمي الفكر ومنتجيه ، وتدع الاستهزاء والتشبث بامور شكليه وفارغة لايخدم بقدر ما يخدم اصحابها ويظل فكرا سطحيا هشا لا معنى له ، وبما ان المثقف وخصوصا المثقف المندائي هو الذي ينتج الثقافة الرائدة ، فحماية المثقف ورعاية افكاره ، اهم بكثير من حماية الثقافة نفسها ، كما ان التركيز يجب ان يكون على انتاج المثقف وليس على غيره ، واعتماد صناعة المثقف واحتضانه ، وفتح سوق الامكانات والاهتمامات ، وتقديم الممكن الغائب في صناعته داخل اجواء تسيطر عليها ثقافة المصادرة والمنع والتغيب او الاهمال واللامبالاة ، ثم ما المانع من تثمين اعمال اي مبدع او منتج او مثقف بل وتكريمه ، لماذا ننظر الى المثقف المندائي كانه شحاذ يتسول ببضاعه كاسدة ، التي لا مشتري لها سوى اصحاب الاقلام الفارغة التي لا تعرف الرحمة ، همها الوحيد هي ايقاف ابداعه بشتى الوسائل وبشتى الصور ، ولغاية غير مفهومة ، ومهما كانت النتيجة بل الواجب جعله اسمى من ذلك ، بل وتجاوز ذلك الى صناعة فضاء لا يفكر فيه المبدع الا بابداعه الثقافي والفكري وكيفية انضاجه وتطويره ، وليس بمصادرة فكره ، وجره باتجاه فضاءات يجب ان يكون ابعد ما يكون عنها

ان كل ما نصبو اليه في المستقبل ونطمح له ان تكون هناك نظرة جيدة لخطة تجربة رائدة وشاملة للثقافة المندائية ووضع الخطوط العريضة في هذا المجال ، لكي نعي نجاحاتنا واخفاقاتنا ما يكفي لبناء وتغيير ثقافي حقيقي .

نشرت في وجهة نظر
الصفحة 4 من 4

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014