• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013 01:59

أحداث ورجال -الجزء الثاني

كان المرحوم الشيخ الجليل الكنزفرا الشيخ عبد الله الشيخ سام قد توفاه الله في شباط عام 1981  فأصبحت بعده مدينة بغداد شبه خالية من رجل دين قادر على تمشية شؤون الطائفة ، حيث التجمع الأهم للمندائيين .  لذا قرر رجالات الطائفة باستقدام الترميذة الشيخ عبد الله الشيخ نجم من البصرة كونه كان رجل متفتح الذهن كما يشاع عنه.

وبعد أن استقر الشيخ عبد الله الشيخ نجم في بغداد وسكن في محلة السيدية مارس نشاطه في قيادة مسيرة الطائفة بهمة الشباب مبتدأ بتسجيل قطعة الأرض الملحقة  بالمندي كسكن لرئيس الطائفة باسمه كونه هو رئيس الطائفة . وكانت ثقة نعيم بدوي المطلقة بالناس وترفعه الفطري عن الماديات هو من الأسباب التي أدت إلى تسجيل تلك الأرض باسم الشيخ الجديد . حدث ذلك في ديوان وزارة الأوقاف وكنت حاضر في تلك المقابلة.

كان قد تم استملاك مندي الدورة وأمهلت السلطة المندائيين فترة زمنية قليلة بغرض هدمه وعوضتهم عنه بمبالغ بسيطة لا تكفي لبناء مندي جديد . فتساعد حينها المندائيون في جمع المبالغ لإنشائه . 

بالنظر للظروف الجديدة والتطور الذي جرى في العراق في نهاية السبعينيات وأواسط الثمانينيات شعر المندائيون أنهم بحاجة إلى تنظيم رسمي ينظم شؤون الطائفة الدينية والدنيوية وإن كان هناك مجلس موجود فعليا قبل ذلك التأريخ  إلا إنه لم يكن مجاز رسميا. 

عندها تشكلت لجنة مصغرة تكفلت بوضع مسودة نظام للمجلس الروحاني الجديد تستحصل على ضوئه الموافقات الرسمية  ويكون مسؤول كذلك عن بناء المندي .

أتذكر من أعضاء تلك اللجنة المصغرة وكنت من ضمنها ، المرحوم غضبان الرومي ونعيم بدوي وعبد الرزاق عبد الواحد والشيخ عبد الله الشيخ نجم. 

هناك التقيت بنعيم بدوي عن قرب . وإن كنت أعرفه سابقا وعلى الأقل عندما كان مديرا لمطبعة "الرابطة " والتي كنت أشتغل فيها عاملا في بداية الخمسينيات .ولكن الجلوس معه حول طاولة عمل شيء آخر ، كان ذلك لأول مرة في بيت الراحل غضبان الرومي.

كانت أغلب جلسات تلك اللجنة تجري  في دار المرحوم غضبان الرومي  ( أبو يحيى ) في  محلة الصليخ  تلك الدار التي لا أعرف أين حل بها  الدهر اليوم ؟. وهل شجرة الحنة والياسمينة الشامخة التي زينت واجهة تلك الدار بزهرها الأبيض والذي جرحته الحمرة هاجرت أيضا مع من هاجر من أهل تلك الدار أم لا تزال تشهد مآسي بغداد اليوم ؟. 

في غرفة أبي يحيى ووسط مكتبته التي ضمت العديد من الكتب المندائية  وبين مسودات الكتب التي كان يقوم بكتابتها  ،في تلك الغرفة بالذات كانت تعقد الاجتماعات وتناقش الآراء ويكتب لأول مرة نظام للطائفة.

كان نعيم بدوي محور العمل في تلك اللجنة . ولكونه حسن النية ويرى الوجه المشرق فقط في كل عمل كما أسلفت خرج النظام الداخلي وهو يعتمد على صدق النوايا. مما اضطر الطائفة لاحقا بتشكيل مجالس تحد من فردية رئيسه وتسد الثغرات في ذلك النظام !. 

كلما أحاول حصر هذه السطور بشخص نعيم بدوي أرى أحداث تلك الفترة تجرني مرغما إليها. ولكن سأضع حدا لذلك وأعود لأبي رياض ولكن بعد برهة .

بعد أن بدأ المقاول بشق أساسات المندي الجديد تركت أنا بغداد في سفرة طويلة. 

وبعد عودتي إليها وجدت أن المقاول قد أجرى تبديلات جوهرية على تصميم القاعة الرئيسية للمندي مما أساء للتصميم بشكل  قاتل .وقد قام بذلك خلافا للمواصفات  بغرض تحقيق منافع ذاتية مستغلا غياب المشرف على العمل . وللأسف كان قد حصل على الموافقة الخطية من اللجنة المسؤولة في المجلس الروحاني ولا أعرف كيف تمكن من إقناعهم بذلك !.

زرع القاعة بأعمدة من الكونكريت بمسافة ثلاثة أمتار بين عمود وآخر وبذلك ألغى الفضاء الحر داخل القاعة وقضى على الواجهة الجميلة المميزة للمندي . مما اضطرنا لإعادة التصميم من جديد وإصلاح ما يمكن إصلاحه وقد قامت ابنتنا المندائية الرائعة ( المهندسة المعمارية ناديه مغامس ) بإعادة التصميم  ووضعت الشكل الجديد للمندي . كما قام المهندس المعماري المبدع  سعد عزيز سباهي بوضع اللمسات الفنية الأخيرة على التصميم . وهكذا أنجز المندي الذي تفتخرون به اليوم في بغداد في محلة القاسية .

كان تصرف المقاول لا يغتفر ولا يمكن إصلاحه لذلك فسخ العقد مع المقاول وترك العمل بعد أن تم تعويضه عن المواد والعمل الذي كان منجزا ولم نستطع عمل شيئا آخر وهكذا دفع المبلغ من تبرعات أبناء الطائفة.

وبسبب قلة المال قرر المجلس الروحاني تشكيل لجنة من بين أعضاءه لتنفيذ العمل أمانة بشكل مباشر ومن دون مقاول. 

تبرع للعمل معي في تلك اللجنة الأخ ناصر مهدي ( أبو حكيم ) ونعيم بدوي ( أبو رياض) وبذلك أصبحنا الثلاثة المكلفين ببناء المندي . 

عملنا لمدة ستة أشهر ولشحة غالبية مواد البناء والتي كانت تباع بالسوق السوداء في تلك الفترة ، كنا نحصل على بعضها بكتب تجهيز من وزارة الأوقاف .

أخذ أبو حكيم على عاتقه تجهيز الاسمنت  والطابوق حسب كتب الوزارة  فكان يتنقل بين الكوفة حيث معمل الأسمنت وبين معامل الطابوق.

تصوروا حتى الرمل والحصى  كان نادر الوجود في تلك الفترة . كنت أذهب إلى بيت أبي رياض القريب من المندي من الصباح الباكر لأجده  ينتظرني عند باب الدار  ولا أثر للنوم على جفونه  فأوصله إلى مفرق الدورة وأعود لساحة العمل لأشرف على العمال  . فينتظر هو هناك لوريات الحصى والرمل ليشتريها ويركب مع سواقها ويعود بها إلى المندي . كانت همته ونشاطه وتواضعه يثير الفخر والعجب وكأنه  شاب في العشرينيات من العمر.

ستجدون في كل مواد البناء التي جبل منها المندي جهودا لذلك الرجل الفذ. 

كانت لنعيم بدوي علاقات واسعة في داخل المجتمع العراقي. فحيثما كنا نذهب في مشاويرنا لشراء ما نحتاجه للبناء يجد له أصدقاء ومعارف. يستضيفونا ويخفضوا أسعار بضائعهم  ثم يجهزوننا  بأجودها.

أذكر هنا  ذهبنا لشركة ( تاجريان ) للبناء الجاهز لتجهزنا بالسقوف الجاهزة فوجدنا أن مدير الشركة صديق قديم لأبي رياض وبعد الترحيب الحار خفض لنا السعر 10%  بينما أسعار الشركة رسمية وتصرف وفق صلاحياته فوفر لنا  حوالي خمسة الآف دولار . 

لم يكن البناء يسير بسهولة، وكانت العقبات كبيرة أمامنا داخلية وخارجية ومثبطة للعزم أحيانا وكنا نصارع الزمن والظروف الصعبة التي سادت البلد في تلك الفترة لننجز المندي بأكمل وجه.

انتهى  بناء الهيكل الرئيسي للمندي بعد ستة أشهر بجهود تلك المجموعة الصغيرة وكان ذلك وقتا قياسيا  ووفرت تلك الطريقة مبالغ كبيرة للطائفة.

بقيت الأعمال  التكميلية ( التشطيب ) وأنجزت من قبل مقاول وتحت إشراف وزارة الأوقاف .  ثم أردنا ترك أثر مندائي في المندي ، فاقترح نعيم بدوي أن يكون رسم مندائي  يزين قاعته ، فطلبت من الصديق الفنان العراقي الموهوب الرسام  ماهود أحمد  أن يرسم لنا صور مندائية يقتبسها من كتبنا الدينية لنجسدها بسجاجيد تعلق  على الجدران ووجدت فرصة تنفيذها في مصلحة السجون في أبي غريب  فقام السجناء بنسجها. أما النقوش على باب المندي فهي من إبداع المهندس المعماري سعد عزيز. 

وهكذا كنت أرى نعيم بدوي يوميا في النهار. وفي الكثير من الأمسيات كان يزورنا في البيت وقد اعتاد هو على وجوده بيننا  أما نحن فكنا نرى وجوده بيننا متعة وحاجة وخاصة الأطفال فكانت بينهم وبين نعيم بدوي لغة مشتركة ، يسحرهم بأحاديثه الشيقة . يكتب لهم في مذكراتهم عبارات تشدهم للشعر ولحب اللغة العربية وكأنها غير تلك التي أحادثهم بها. حتى أنهم يحاولون تقليده .  قبل ثمانية عشر سنة  عندما كان عمر ابنتي الصغرى عشر سنين ، كتب لها أبو رياض في دفتر مذكراتها عدة أسطر ولا تزال ابنتي تحتفظ  بتلك الورقة هنا في الدانمرك إلى هذا اليوم كونها خطت بيد نعيم بدوي . 

نعيم بدوي كان رجل موسوعي ففي الأدب كانت أحاديثه متعة ما بعدها متعة. شامل المعرفة سهل الألفاظ يحفظ الكثير من الشعر النادر والذي لا تجده في دواوين الشعراء.  وهو ذاته كان شاعرا رقيقا لا أعرف لماذا لم ينشر شعره ؟ وهل بقى منه شيئا ؟.أم احترق مع باقي مخطوطاته التي أتت عليها النار عندما احترقت داره صدفة في محلة القادسية في بغداد؟  أو ربما  التهمها  التنور على عادة المندائيات عندما يلقى القبض على الرجال لأسباب سياسية وتداهم الشرطة بيوتهم ولم يسلم أبو رياض من مطاردات الشرطة ومداهماتها في كل العهود. 

كان نعيم بدوي شغوفا بترجمة الكتب الأدبية وخاصة كتب الأطفال فترجم العديد منها من اللغة الانكليزية والتي كان يجديها بتفوق ونشر العديد منها. 

شجعني أبو رياض على ترجمة بعض القصص العالمية للأطفال من اللغة الروسية   وساعدني في طبع ونشر  قصتين .

كاتبه المفضل ( انطوان جيخوف ) كاتب القصة القصيرة الروسي الأشهر. ومن الشعراء كان يحب بجانب المتنبي بشار ابن برد وابن الرومي وأبا نؤاس وكان يحفظ لهم ولغيرهم الكثير من الشعر النادر.

نعيم بدوي كان مهتما جدا  بالمندائية  ولكن ليس على طريقة ( إيمان العجائز) بل كان يبحث عن طرق علمية  تحفظها وتوصلها  للمندائيين القادمين بعدنا. 

قمنا مرة أنا وهو برحلة إلى الحبانية وكان الهدف الأساسي منها  أيضا ترجمة وإعداد كتابا لتعليم اللغة المندائية . ولهذا الكتاب قصة سأرويها  لكم  بعد قليل.

قضينا أيام سعيدة جدا في الحبانية . ففي الصباح كان ينكب على مسوداته يترجم ويكتب ويملي عليّ بعضها وبعد تناول الفطور نعود للكتاب من جديد وعندما كان يشعر بالتعب نجلس في ( الفرانده ) نلعب النرد ( الطاولي ) .

من الطريف أذكر أن أنه عندما كان يرمي الزهر ويأتي ( دو شش)  يصفق بيديه وتنبسط أساريره  فيتوقف عن اللعب ويوقد غليونه وبعد أن يأخذ نفسا عميقا منه يكتشف أن ال(دو شش) لا ينفعه فيزم شفتيه ويقنط  ثم ينشغل بفنجان القهوة . 

أذكر مرة زرت  فيها  أنا و أبو رياض والشيخ عبد الله الشيخ نجم دار الشيخ فوزي الشيخ غريب الطيب الذكر في داره في محلة الصالحية بعد أن علمنا  أن  بعض الكتب التي يمكن أن تخدم المندائية مودعة لديه . 

بالفعل وجدنا هناك كتاب لتعلم اللغة المندائية  مكتوب باللغة الانكليزية مع كتب أخرى أحدها  كان  مسودة  باللغة العربية لكتاب ( النياني ) قام  بترجمته  من  المندائية  للعربية  المرحوم  نجم عبد الله  (أبو سهيل ) " الله أعلم أين تلك المسودة اليوم ؟وهل نشرت ككتاب دون الإشارة إلى جهد ذلك المندائي الجليل " وقاموس مندائي وغيرها . 

أعطانا  الشيخ فوزي كل الكتب ولكن على مضض، ففرح أبو رياض بذلك كثيرا وخاصة بكتاب تعلم اللغة المندائية حيث صمم على ترجمته ووضع كتاب لأهلنا المندائيين يعلمهم لغتهم المندائية والتي كان يرى فيها نعيم بدوي الحافظ الأهم لمندائيتهم .

خرجنا من دار الشيخ فرحين بما وجدنا وبعد أن ركبنا ثلاثتنا سيارتي عائدين إلى المندي.  أصر الشيخ عبد الله على الاحتفاظ  بالكتب . وعجزنا حتى عن استعارتها منه رغم إلحاحنا الشديد . 

حزن أبو رياض لذلك جدا ولكنه لم  ييأس . رحنا نفتش عن نسخة من هذا كتاب اللغة وأخيرا ذهبنا نبحث عنه في مكتبة المتحف العراقي. وهناك يجد  أبو رياض أصدقاء له أيضا وراح يعاتبهم على عدم اهتمامهم بالمندائية كتراث على الأقل ،حتى أنه قال كما أذكر لمدير المتحف بأننا كمندائيين ( آثار تمشي على أقدامها و تعيش بينكم لماذا لا تهتمون بدراستها ؟ ) . المهم هناك عثرنا على الكتاب المنشود وعلى العديد من الكتب المندائية  الأخرى . 

صوروا لنا نسخة من كتاب اللغة وأخرى من كتاب دراشة يهيى على فلم.  ثم طبعنا الكتابين على ورق وهكذا أصبحت عندنا نسخ منها هي ملك لنا ، نستطيع التنقل بها  حيثما نشاء .

بعد دراسة أولية لكتاب تعلم اللغة وجد أبو رياض أن اللغة المندائية تشترك كثيرا مع قواعد اللغة العربية والتي يتقنها نعيم بدوي بتميز فتحمس لإنجاز الكتاب .

كان أبو رياض يشركني بكل تواضع في مشروع  وضع الكتاب المذكور . ربما كان يشجعني  ليشركني معه في حماسه ( على الواهس) ولكن الشيء المتأكد منه أن نعيم بدوي يكتب العربية بخط  رديْ من العسير قراءته وأحيانا يصعب عليه هو ذاته قراءة ما يكتب . 

انكب على العمل في ذلك الكتاب وبكل همة . سافرنا عدة مرات ليتفرغ لتلك المهمة وقد حدثتكم عن بعض تلك السفرات.

استمر العمل في الكتاب وكانت صفحاته تتكاثر وأحيانا لا أجد الوقت الكافي لطباعتها على الآلة الطابعة والتي كنت أحتفظ بها في بيتي في بغداد وهي من مخلفات مكتب المقاولات الذي تركته وعدت إلى مهنة أجدادنا الصياغة.

وصل الكتاب إلى مراحله الأخيرة وأصبح جاهزا لأن ينقح ويطبع .

سكن نعيم بدوي في محلة القادسية قريبا من المندي . وبعد أن تهدم بيتنا  في البيجية بقصف  صاروخي أثناء الحرب ، وجد لنا بيتا قريبا منه قضينا فيه ردحا من الزمن وكانت جيرته سلوى  لي ولزوجتي وأطفالي خفف من أثر الرعب الذي عشناه أثناء القصف فكلنا كان يحب أبا رياض بشكل استثنائي وكانت تربطهم به صداقة فريدة من نوعها وكأنهم أقران.

وقد ترجم نعيم بدوي كتب أخرى منها " آدم كسيه " آدم الخفي وحران كويثا ولا زلت أحتفظ بتلك المسودات .

لم أكن أعرف أن نعيم بدوي على دراية  بالكثير من أصول الطقوس المندائية .

ولكن في إحدى الزيارات أخذني معه إلى بعض المدن التي  يتواجد فيها المندائون مثل العمارة وقلعة صالح والبصرة .

ونحن في مندي العمارة حيث كان يجرى طقس زواج  ونصبت الأندرونة  والمراسيم على أشدها طلب أبو رياض من الشيخ الذي يقوم بتلك الطقوس أن يختلي بنا لبضعة دقائق وعندما  اختلى  بالشيخ وجدته يستفسر منه عن :( كيف يجوز له وهو الترميذا القيام بطقس الزواج في أيام البنجة  ونحن كنا في يومها الثالث على ما أذكر) ؟ تلعثم الشيخ وجاء بأعذار واهية وتركه وسافرنا إلى قلعة صالح.

كان نعيم بدوي يثابر على زيارة  أماكن تواجد مقرات الأديان الأخرى من باب التعرف على حقيقة عباداتهم ومحاولا نشر ثقافة التعايش الإنساني بين مختلف الأديان شارحا لهم في الوقت ذاته المندائية .

أذكر منها سفرة للإخوة اليزيدين  في" تل بنات" وهي قرية صغيرة تبعد بضعة أميال عن مدينة  تلعفر ثم إلى الشيخان ومعبد الشيخ عدي ابن مسافر. 

كانت لنا سفرة أخرى إلى إحدى الكنائس القديمة في مدينة دهوك ، ليلتقي براعيها ويسأله عن العديد من المسائل . أذكر منها   ( عندما عمد السيد المسيح في نهر الأردن ماذا تلا عليه النبي يحيى من صيغة وما هي الكلمات التي نطق بها أثناء تعميده ؟. ثم شرح  كيف أن التعميد عندنا في المندائية هو طقس يجب أن يقام لتتم به مندائية الفرد )؟.

وكل تلك السفرات التي كنت أرافقه فيها كانت بالنسبة لي دروسا  في تعلم قراءة الأدب والتأريخ وتذوق الشعر وحفظه والاطلاع على فلكلورنا العراقي. إنني تعلمت الكثير جدا على يدي  نعيم بدوي وهناك الأكثر الذي لم أستطع تعلمه.  

لم يستطع المندائيون توظيف جهود هذا الرجل الرائع الفذ المواهب بشكل يخدم فكرة المندائية ، فقد كانت القرارات بيد رجال تفصلهم عن فكر أبي رياض مراحل عدة.

كان هو ينظر إلى مستقبل المندائية ويدرس ماضيها أما الآخرون فكانوا يعيشون حاضرها فقط .لقد أراد السفر إلى ألمانيا على حسابه ليترجم " الكنزا ربا " تقدم بطل خطي إلى المجلس الروحاني في حينها ولم لم يرد أحد على طلبنا . 

ويكفى نعيم بدوي أن قدم لهم الترجمة الرائعة لكتاب الليدي دراور ( الصابئة المندائيون ) بالتعاون مع المرحوم غضبان الرومي  وأحتفظ هنا بنسخة موقعة بخطه مهداة لي وكتاب تعلم اللغة ليذكروه دائما ويكرّمونه في كل وقت.

لتبقى ذكراك عطرة أبدا بين المندائيين أيها الصديق الأعز.  

نشرت في وجهة نظر
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013 09:54

أحداث ورجال -الجزء الاول

في تأريخنا المندائي المعاصر، مرتّ أحداث كثيرة غيرت نواحي عديدة من حياتنا . ولكون الوثائق التي تخص هذه الفترة بعيدة عن متناول يدي ، والعديد ممن عايش تلك الفترة توفاه الله سأكتفي بكتابة الأحداث التي عايشتها شخصيا وذكرياتي عن بعض الرجال ممن عملت معهم في تلك الفترة وعن نعيم بدوي بالذات . 

عند الكتابة عن تأريخنا المندائي المعاصر أرى من الأفضل تقسيمه إلى حقب و مراحل . 

الحقبة الأولى :

مرتّ الحقبة عندما كان المندائيون يعيشون في مدن وقرى الجنوب ، مثل الناصرية والعمارة وقلعة صالح والبصرة والقرنة و الحلفاية والمجر وغيرها .

كانت الطائفة في تلك الحقبة تعيش ببساطة وبعيدة عن الأضواء متعايشة مع محيطها. وشهدت تلك الفترة مجموعة كبيرة من الشيوخ منهم :

أولاد الشيخ سام الشيخ شبوط وهم ( الشيخ عبد الله والشيخ رومي والشيخ فرج ) وأولاد الشيخ زهرون الشيخ عبد الله وهم ( الشيخ آدم والشيخ يحيى والشيخ نجم وابنه الشيخ عبد الله ) وأولاد الشيخ داموك وهم (الشيخ محيي والشيخ عيدان والشيخ جودة وأولادهم الشيخ زهرون والشيخ عبد ) والشيخ دخيل الشيخ عيدان والشيخ جثير الشيخ منتوب وابنه الشيخ خلف والشيخ كميت الشيخ منتوب والشيخ غريب الشيخ مصبوب والشيخ ضيدان ابن الشيخ مطلب والشيخ خزعل ابن الشيخ باهر والشيخ سالم و الشيخ نادر ابن الشيخ صحن وغيرهم العديد ممن لا تحضرني أسماءهم وكان هؤلاء الشيوخ يحظون بتقدير واحترام كبير من قبل أبناء الطائفة .

اتسمت تلك الفترة بالتكتم على أسرار الدين وعدم نشر الفكر المندائي بين أبناء الطائفة واقتصرت على التمسك بحرفية الطقوس وتجنب الظهور في المجتمع وكانت تمثل بدايات ظهور المندائيين في المجتمع العراقي بشكل فاعل ، حيث أصبح العديد من أبناءهم معلمين وأطباء وغيرها من المهن المهمة في المجتمع . وبذلك زادت هجرة العديد من المندائيين إلى بغداد . 

يمكن اعتبار تلك المرحلة انتهت بموت الكنزفره الشيخ عبد الله الشيخ سام . في بغداد في شباط عام 1981 .

الحقبة الثانية من حياة المندائيين كانت أكثر حركة ونشاط وتتمثل في تطلع أبناءها إلى الظهور في المجتمع ولعب دور فيه بعد أن تحسنت ظروف معيشتهم وتبدل الوضع السياسي في البلد .

فأسسوا مجلسا للطائفة ونادي ثقافي ترفيهي ( نادي التعارف ) وبنوا مندي حديث . وقامت محاولات منظمة لنشر الفكر المندائي تجسدت في ترجمة بعض الكتب الدينية وخاصة كتاب ( كنزا ربا ) وترجمة العديد مما كتب عن المندائية في الغرب مثل كتاب( الليدي دراور – الصابئة المندائيون -) ووضع كتاب لتدريس اللغة المندائية وفتح مدارس بسيطة لتعليمها لأبنائهم . وتأسيس مجلس روحاني مجاز من قبل الدولة وغيرها من النشاطات الكثيرة المهمة . 

كما لم تخلو تلك الفترة من أمور أخرى كان لها نتائج سلبية على المندائية منها الظهور الكبير في المجتمع قبل أن نتحصن لذلك فكريا وكذلك التزلف للسلطة أو تقرب بعض رجال الدين وبعض المثقفين والأدباء منها مما ترك انطباع وكأننا طائفة موالية للسلطة .

وقد ساهمت الحرب العراقية الإيرانية كذلك في دفع العديد من الشباب المندائيين للإنخراط في السلك الكهنوتي تخلصا من الالتحاق بجبهات القتال . فقد تم طراسة ما يزيد على 20 رجل دين خلال فترة زمنية قصيرة مما أثر على نوعية رجل الدين المندائي فقلت هيبته .

هناك العديد ممن أسهم في بناء تلك الفترة. وأعتذر من الأخوة الذين سوف لم أذكر أسماءهم وأكتفي هنا في الكتابة عن رجل واحد بسيط متواضع جدا لا يحب الألقاب والفخفخة لكنه كان من أكثر المندائيين علما ومعرفة ولم يكن له صنوا فيها .

عاش حياته ببساطة بعيدا عن الماديات ولم يشغل نفسه بأمور الدنيا التي تهافت عليها الكثيرون . كان يهمه غذاء الروح من الشعر والأدب والفلسفة قبل كل شيء . عانى الكثير من قمع السلطة وقضى سنين عدة في سجون العراق المختلفة بسبب أفكاره النيرة ومواقفه المبدئية .

كان نعيم بدوي من أهم الرجال الذين أثروا على المندائية في تلك المرحلة فأسهم في تأسيس أهم ملامح المندائية الحديثة . سواء في تأسيس نادي التعارف أو في بناء المندي أو في تشكيل المجلس الروحاني ووضع اسسه أو في نشر الفكر المندائي.

سوف أتحدث عنه فقط ضمن الفترة التي كنت على علاقة عمل وثيقة معه وبحكم صداقتي الشخصية به على الرغم من فارق العمر بيننا فهو يكبرني ( 26 سنة). 

هذه ليست المرة الأولى التي أحاول الكتابة فيها عن نعيم بدوي ولكن في كل مرة كنت أجد أن ما أكتبه لا يغطي إلا جزء يسيرا من حجم هذا الرجل فالكتابة عنه ترتقي إلى البحث الأكاديمي .

أجمل أيام العمر هي التي نعيشها بسعادة. 

وأسعد أوقات عمري هي التي قضيتها برفقته. 

قد تستغربون كوني أذكر نعيم بدوي هنا من دون ألقاب. ولا غرابة ، فأني أرى الرجل أكبر من الألقاب. و كل الألقاب الرنانة صغيرة عليه

 

ملئ السنابل تنحني والفارغات رؤوسهن شوامخ

 

ولا أقول المرحوم أيضا. فإنني أشعر به لا يزال معنا ولم يغادرنا بعد .

لا أعرف إن كانت تلك المقدمة تصلح للبدء في سرد ذكرياتي عن( نعيم بدوي ) ؟.

في العادة تسرد القصص من بداية الأحداث حتى تستوفي الفكرة وتصل إلى النهاية . أو يبدأ السرد من النهاية حيث تستذكر أحداث تلك القصة حتى تستوفي أحداثها.

حاولت أن أسرد ذكرياتي مع نعيم بدوي بهذه الطريقة أو تلك ولكن دون جدوى. 

لذا سابدأ هذه المرة من وسط الأحداث.

لمن لم يسمع بمدينة ( شثاثة) الجميلة والمتفردة من بين مدن العراق أقول : تقع عين التمر وهو الاسم الثاني لشثاثة على تخوم الصحراء العراقية السعودية . 

واحة من النخيل النادر تسقيها عيون من الماء الزلال سميت بأسماء مختلفة مثل العين الحمراء والعين البيضاء وغيرها ، وهي تسميات جاءت من أشنات ملونة بألوان تنمو في قاع سواقي تلك العيون لتعطيها لونها الذي سميت به . 

وثمر نخيل شثاثة من أحسن أنواع التمور النادرة جدا ، فهل سمعتم بتمر ( عوينة أيوب ؟ أو أم بلاليز ؟ ) ولكنكم ربما تذوقتم يوما من تمر ( الأزرق) بضع حبات. 

ومهما تحدثت لكم عن تلك التمور ومذاقها فلن تعرفوا طعمها قبل أن تتذوقوها .

وهكذا لن تتصورا كم هي جميلة تلك الأيام القليلة التي عشتها بالقرب من نعيم بدوي في مدينة شثاثة .

وكذلك لن أفي حق تلك السهرات الرائعة التي كان الشعر وأحاديث الأدب والتراث خمرتها وموسيقاها وخاصة في أمسيات صيف (البيجية في وسط بغداد حيث كنت أسكن ) . في حديقة دارنا البعيدة عن آذان السلطة والتي كان يعطرها شذى زهور ملكة الليل ( الشبو الليلي) ، تعكره أحيانا رائحة التبغ المحروق بإلحاح في غليون أبي رياض. 

سهرات كانت كلها متعة للروح وخاصة عندما كان يحضرها شاعرنا المبدع ( تلميذ أبي رياض وصديقه ) عبد الرزاق عبد الواحد (أبو خالد) . فبعد أن تسفح نصف قنينة من الكونياك الفرنسي . يخرج أبو خالد من تحفظه فيتحفنا بقصائده الغزلية ينقلب عندها كابوس الحياة إلى حلم ناعم وتنقضي سهراتنا بين قصائد الغزل والقصائد التي تتغنى بحب الفرات وحب العراق وحب شعبه. (أظن أن تلك القصائد لا تزال حبيسة بين مسودات العديد من روائعه!) وهكذا كنا نحاول أن ننسى هموم السلطة و قمعها وحروبها وكأننا نسرق لحظات من السعادة والمحرمة على العراقيين في تلك الأماسي .

بنت مديرية المصايف والسياحة في شثاثة عدة بيوت سياحية على غرار بيوت الحبانية . كما بنت فندقا سياحيا هناك. وأحاطت تلك البيوت والفندق بمجموعة من الحدائق المعتنى بها ! .

وصلنا إلى المدينة عصر يوم صيفي شديد الحرارة . لم نشعر به إلا بعد أن أركنت السيارة المبردة أمام الفندق السياحي ونزلنا منها .

كانت جميع بيوت هذا المجمع السياحي محجوزة في ذلك اليوم وكذلك غرف الفندق جميعها على غير العادة ! .

كانت تلك خيبة أمل . رحنا نعزي النفس بشرب زجاجتين مبردتين جدا من بيرة فريدة المميزة الطعم ( بالمناسبة اكتشفت مؤخرا إن بيرة فريدة مصنعة برخصة من شركة بيرة كالسبيرغ الدنمركية ) .

بقينا جالسين في مطعم الفندق نحتسي البيرة وننتظر الفرج ونظنه سيأتي مع عودة مجموعة العاملين في تصوير فلم عن الحرب العراقية الإيرانية في هضاب تلك الناحية.وهم الذين حجزوا الفندق والدور السياحية كلها كما قالوا لنا في الاستعلامات.

وقبل أن تغرب الشمس عاد من سكن الفندق منهم ومن غريب الصدف الطيبة كان مخرج الفلم ( هادي.......... قاتل الله السنين نسيت لقبه وأظنه الراوي.) أحد خريجي الاتحاد السوفيتي وكان صديقا لي لم نلتقي منذ أن كنا هناك في الستينيات.

دعوت صديقنا إلى مائدتنا ومعه بعض الفنيين من فريقه . فراحوا يحدثونا عن الفلم الذي يصورونه بحماس.وعن زميلهم الممثل الذي أصابت مؤخرته في ذلك اليوم شظية من قنبلة يدوية صنعت يدويا من الخشب .

رأيت الفرحة في عيون أبي رياض عندما دار الحديث عن الفن والأدب . هذا شيء طبيعي فهذا هو ملعبه. استلم الحديث وراح يتحف الجالسين بأحاديث أدبية وتراثية شيقة عن عراق الماضي البعيد وحتى عراق اليوم . كنت أراقب الجالسين وهم ينصتون لحديثه فاغري الأفواه وهو يستشهد ببيت شعر من هنا ونادرة من هناك وهكذا امتدت بنا الساعات . وفي نهاية الجلسة تخلى لنا مخرج الفلم عن غرفته الخاصة لنقضي فيها أسبوعا رائعا رجعنا بعده إلى بغداد بمسودات كاملة تقريبا لكتاب تعلم اللغة المندائية وفسيلتان من نخل شثاثه .

لم تكن تلك السفرة هي البداية فلقائي بنعيم بدوي كان قبلها بكثير في فترة ميزتها أحداث مهمة في تأريخ المندائية الحديث .

ولكي يكون سردي لتلك الفترة واضحا أجدني مضطرا للحديث عن أيام سبقت ذروة الأحداث :

بعد عودتي من الإتحاد السوفيتي عام 1968 وبعد أن حصلت على شهادة الهندسة المدنية هناك ، لم يكن أمامي في عراق تلك الأيام إلا الانخراط في العمل مع الشركات والمقاولين. فلم تكن الوظيفة سهلة المنال في حينها. وأذكر أن شركة النفط أرادت تعيين خمسة مهندسين فكان ثلاثمائة مهندس مدني يتنافسون على تلك الوظيفة ولم أجد فرصتي هناك طبعا .

كانت أكثر مشاريع البناء في الغالب تقام خارج بغداد. وفي بناء سايلو الرز في الصويرة القريبة من بغداد كانت فرصتي الأولى في العمل كمهندس في شركة بناء يملكها أحد المقاولين . كنت أنا المهندس الوحيد الذي يعمل في تلك الشركة وكان المهندس المشرف على ذلك المشروع من قبل الدولة هو مهندس مندائي أيضا . إنه الصديق الذي أفتقده ولم ألتقي به منذ تلك الأيام ( مأمون عبد الزهرة ناصر !).

أخذتني دوامة العمل من مشروع لآخر حتى كونت شركة مقاولات خاصة بي ورحت أمارس أعمالي من خلالها. وهكذا مرت السنين مكتظة فلم تتوفر لي فرصة التفرغ للقاء أهلنا المندائيين وكم أسفت على ذلك لاحقا .

ذات يوم وأنا جالس في مكتبي في الكرادة الشرقية،زارني اثنان من أهلنا المندائيين وكانا عزيزين على قلبي وهم المرحوم عايش جبر ( أبو غسان) والمرحوم كريم الشيخ يحيى (أبو يحيى) . 

كان لقدومهم إلى مكتبي مفاجأة ففي البداية توجست خيفة ترى هل جرى مكروه لواحد من أهلنا ؟ ولكن لفافة من الخرائط في يد أبو يحيى طمأنتني وفسرت تلك الزيارة النادرة .

قصدني هذان الجليلان بطلب المساعدة في حساب كلفة بناء مندي للطائفة . كانت خرائط المشروع قد رسمت كيفما اتفق من قبل مقاول بناء (خلفة) حاولت الطائفة الاتفاق معه لبناء المندي .

بعد مراسيم الضيافة وعبارات الشوق والسؤال عن البيت والعمل وغيرها، أركنت جانبا وثائق المناقصة التي في يدي ودخلنا في صلب موضوع الزيارة.

لم تكن تصاميم المندي والتي وضعت بخريطة واحدة قد رسمت بشكل فني ، حيث كانت تبدو وكأنها رسومات لحقل دواجن.

ناقشت ذلك معهم وأبديت لهم رأيي بأن المندي الجديد سيتم بناءه في وسط بغداد وفي منطقة راقية وحفاظا عليه مستقبلا من الهدم ، علينا أن نبنيه بشكل معماري مميز كي نضمن المحافظة عليه من الإزالة لجمال منظره على الأقل لا كما حدث مع مندي الدورة ، وليكون ملبيا لطموحات شبابنا الصاعد .

اقترحت عليهم أن يعلنوا مسابقة معمارية لتصميم المندي يشترك فيها المهندسون المندائيون وهم كثر.

تقبلا وجهة نظري وذهبا ليدرسا الفكرة مع الآخرين. وبالفعل قبل اقتراحي من قبل القائمين على ذلك.

كتبوا رسائل للمهندسين المندائيين تدعوهم للمساهمة بالاشتراك في تلك المسابقة وبالفعل ساهم عدد منهم فيها وكانت النتيجة تصميم معماري جميل لم تشهد مثله بغداد قام بوضعه مهندس معماري أوربي الجنسية كان صديق لشيخنا الدكتور عصام الزهيري.

بعد أن أقرت اللجنة التي شكلت لهذا الغرض "من بين ذوي الشأن"، الصورة الجديدة للمندي. وضعت أنا لها خرائط تفصيلية ومواصفات وجداول للكميات وشروطا للعمل وتمت إحالة مناقصة إنشاء المندي على مقاول وفق الشروط التي كانت مرفقة بالعقد وباشر المقاول الجديد بالعمل .وكلفت من قبل لجنة المندي بالأشراف على البناء فنيا .

كان المندائيون قد حصلوا على قطعة أرض في أيام حكم عارف وكانت أكبر من تلك المقام عليها مندي الطائفة اليوم في محلة القادسية في بغداد بعشر مرات وفي المنطقة ذاتها (الخرّ) ولكن سلطة البعث أخذتها منهم وأعطتهم 800 متر مربع بدلا عنها وبشكل(مكرمة !). وكانت بجانب المندي أرض مساحتها 200 مربع مخصصة من قبل وزارة الأوقاف لتكون سكنا ملحقا بالمندي لرئيس الطائفة المندائية !.

لقد طالت تلك المقدمة ( التي لابد منها) وتشعب الحديث ولكنني مجبر على تلك الإطالة ولم أبدأ بعد بقصة لقائي بنعيم بدوي أول مرة. فالحديث عنه دون الخوض في أحداث الطائفة لا يتم وفي تلك الفترة بالذات اشتركت في أحداثها وكان اللقاء .

كان أبو رياض من الكبار الذين أثرّوا في حياة المندائيين كما قلت في البداية . ولابد من سرد مفصل ليتم تتابع الأحداث :

يتبع الجزء الثاني

نشرت في وجهة نظر
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013 05:45

{{ الــصابــئة مــن هــــم }}

ليس من المستغرب أن يدافع المرءُ عن معتقده الذي يمثل وجوده في معظم الاحايين ؛لأن المعتقد أ دينياً كان أم سياسياً يمثل في معظم الأحيان ركناً أساسياً لمعتنقيه ومريديه ، ومن هنا بدأ البعض يوجه الآخرين الوجهة التي تخدم تلك القضية التي يدافع عنها ومن هنا أيضاً بدأ التعصب والتحزب والذي وفي أحيان كثيرة يؤدي الى التصادم مع متعصبين آخرين لكنهم في الجناح المعارض لذا لن يجد المتعصب ألا مناص من استعمال شتى الطرق لاثبات صحة عقيدته وفكره و لذلك كثيراً ما رأينا مشجعي كرة القدم وهم يتناوشون بعضهم البعض في معركة لا يعرف بعضهم كيف بدأت ولماذا بدأت وقد انتهت بخسارة فريق واحراز الفريق الآخر الفوز !! وقد يكتفي البعض الآخر بالرد السلبي أو الايجابي حينما يعرف أصول اللعبة السياسية وكيف يكون الحوار البنـّّاء الموصِل الى النتيجة المقنعة لكلا الطرفين فهم يستعملون الحنكة السياسية تجنباً لأي مواجهة محتملة مع الآخرين المناصرين لفئة آخرى . ومن هؤلاءِ الذين استخدموا الحل السلمي ما انا بصدده في مقال اليوم وهو المؤلف {{ محمد عبدالحميد حمـد }} والذي سيظهر من خلال كتاباته أنه من أتباع ** الدروز** والذي يعيد اصول هؤلاءِ الدروز الى صابئة حران فهو ومن خلال مؤلفـه الموسوم ( صابئة حران والتوحيد الدرزي)*1 يحاول أن يلقي الضوء على الاصول الاثنوية [ السلالية ] للشعب السوري القديم فيتحدث عن الصابئة الحرانية، وهو يعتقد أن النفس الانسانية الصادرة عن الله ستظل تسعى للعودة اليه ثانية وهو يحاول ان يربط الدروز بديانة الصابئة ليقال انهم موحدون مؤمنون بالله الواحد ؛ لذا يفرد المؤلف قسماً من كتابه آنف الذكر للتحدث عن الصابئة المندائيين في العراق ، وهو لا يعطي رأياً جازماً ويترك الباب موارباً ليدخل منه من يشاء دون أن يكون منحازاً لجهة دون اخرى ويستهل هذا الفصل بالقول :

( أصل التسمية جاء من قولهم [ صبأت ] اذا خرجت من شيء الى شيء آخر ،)* أما في اللغة الآرامية فكلمة ( صبأ ) أو صبغ فتعني الاغتسال بالماء الجاري ،وكان صابئة العراق يعرفون بالمغتسلة . قال ابن النديم : وكان بنواحي دست ميسان قوم يعرفون بالمغتسلة وبتلك البطائح بقاياهم الى وقتنا هذا [ أي عام 380 هـ 991م ] وهم يطلقون على أنفسهم اسم [[ المندائيـة ]] لأن كلمة ** منداي ** الآراميةتعني العارف المشتق من الفعل [ مدّعـا ] أي عرف وعلم )*2 ويمضي المؤلف كاتباً ( وقد ورد اسمهم في القرآن الكريم بين طوائف المؤمنين ، قال تعالى { بسم الله الرحمن الرحيم : {{{ ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }}} صدق الله العظيم*3 وفي سورة أخرى ( بسم الله الرحمن الرحيم {{{ أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }}} ) صدق الله العظيم *4 وكذلك ورد اسمهم في سورة الحج الآية 17 _ بسم الله الرحمن الرحيم {{ ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد }} صدق الله العظيم *5 

الا أن الملاحظ هنا أن مؤلفه يخلو تماماً من أي ذكر للنبي {{ يحيـى عليه السلام }} وكأنه لا يعرف أن نبي الله يحيى بن زكريا عليه السلام هو آخر أنبيـاء الصابئة المندائيين .

بعدها يورد المؤلف ما نصه (( وقد فـرّق المسعودي بين الصابئة الحرّانية والكيمارية الذين ديارهم بلاد واسط والبصرة من أرض العراق نحو البطائح )*6 ويستمر بقوله هذا فيورد ( وأكّـد كذلك الرحالة المغربي ابن سعيد المغربي في كتابه [ الجغرافيـا] حيث كتب : وأهل البطائح معظمهم من الكلدانيين ويسمونهم الصابئة ) .*7 ولست أدري كيف اقحم المغربي الكلدانيين في هذا الموضوع وهل هنالك من علاقة بين هؤلاءِ والصابئة ! قد نجد في قابل الايام من يعلمنا ! ويمضي الكاتب في تتبع الصابئة وما قال فيهم الباحثون ( وهؤلاءِ الصابئة لا زالوا يعيشون جنوب العراق في منطقة العمارة وفي منطقة الاهواز ويذكرون ان المدعو [ أنّوش بن دنقـا ] قابل سعد ابن أبي وقّاص عام 18 / هـ / 640 م وشرح له خلاصة مذهبهم وحصل منه على (( عـهد الأمان )) له ولاتباعه وأدوا الجزية )*8 .

ثم ينتقـل الكاتب الـى مـوضوع آخـر محاولاً الـربط بين صابئـة البـطـائـح وصابئـة حــرّان ، فكتب تحت عنوان (( ما علاقة صابئـة البطائـح بصـابئة حـرّان ))*9 : أجاب الباحثون عن هذا التساؤل إجابات مختلفة ومتناقضة ، قال المستشرق الاوراكييني خولسون الذي تخصص بدراسة صابئة حران (( أن الحرانيين لم تكن لهم وحدة علاقة مع المندائيين ؛ لأن االحرانيين عبدة كـواكب ، بينما يبغض المندائيـون عبـدة الكواكب )) *10 وقد وافقه على رأيـه _ أوليري _ الذي اعتبر ان الصابئة الحقيقين كانوا في جنوب العراق ولا علاقة لهم بحـّران . بعدهـا يعـرّج الكاتب على رأي الباحثة الانجليزية [ الليدي دراور ] فكتب : ( ولكن الليدي دراور الباحثة التي درست عقيدة الصابئة المندائبة وعاشت معهم وأتقنت لهجتهم الآرامية ورطانتهم العربية ، قالت : ففي جملة ما ورده المؤلفون العرب من روايات يوجد فيها قـدر لا بأس فيه من الحقيقة ، تشير الى أن لدى الحرانيين مـا يشتركون به مع الصابئة المندائية الذين يسكنون أهـوار جنوب العراق )*11 وتارة اخرى يعود المؤلف ويذكر الكلدانيين لكنه هذه المرة يعني بهم [ صابئة حـّران ] على الأرجح فيكتب : ( قال مار يعقوب الرهاوي – توفي 708 م – وقد ورد في كتب الكلدانيين قولهم ان السماء والارض والشمس والقمر وسائر الكواكب هي ازلية غير مخلوقـة وهم آلهة وأرباب ... ) 12* وهذا الكلام برأي يخص صابئة حـرّان فقط لانه لم يرد في أي كتاب من كتب المندائيين ما يربط العلاقة بين خلق الكواكب وبين الخالق الازلي لأن المندائيين يعتقدون انما الكواكب قد خلقت بأمر الواحد الأحد فقط لاغير . 

ثمّ يعرّج الكاتب الى موضوع آخر كتبه تحت عنوان [ كيف نظر الصابئـة الى أنفسـهم ] حيث يقول : ( جاء في كتاب للصابئة المندائية عنوانه – حـرّان كـويثـة – أي حـرّان السفلى إانهم جـاؤوا الى بطائح البصرة من مدينة حـرّان وما حولها من جبال مـاداي ، حيث الينابيع الساخنة في الشتاء والباردة في الصيف ) *13 وهذا الوصف 

ينطبق على منابع نهر البليخ التي يسميها العرب بعين الذهبانية والتي ندعوها اليوم عين عروس حيث يوجد مقام ابراهيم الخليل ومياه هذه العين الصافية باردة والى شرقها قليلاً نبع مياه كبريتي يسبح فيه الناس للإستشفاء وهو حار في الشتاء وقد جفت العين منذ عـام 1991 و لا أثر للمياه فيها الآن ) * 14 

وينقل لنا المؤلف في مكان آخر قول [ ثابت بن قرة ] في كتابه عن - مشاهير اسرته وسلسلة آبائـه – (( لقد اضطر الكثيـرون منهم أن ينقادوا للضلال خوفاً من العذاب ، أما آباؤهم فقد احتملوا ما احتملوا بعونه تعالى ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حـرّان هذه المدينة المباركة بضلال الناصرة قطعاً فنحن الوارثون والمورِّثون للصابئة المنتشرة في الدنيا فالذي يحتمل برجاء وثيق أثقال الصابئة يعد ذا حظ سعيد ، ليت شعري من عمّـر المسكونة وابتني المدن ، أليس خيرة الصابئة وملوكهم ؟ من أسس المرافئ والانهار والقنوات ، ومن شرح العلوم الغامضة الا مشاهير الصابئة ؟ فهم الذين أوضحوا ذلك كله وكتبوا عن طب النفوس وخلاصها ولقنوا كذلك طب الأجساد وملؤوا الدنيا أعمالاً صالحـة وحكيمة ، هي دعامة الفضيلة ؛ فلولا علوم الصابئـة لأمست الدنيا قفـراء فارغة متقلبة في العوز )) 15* ويعلّـق المؤلف على قول ثابت بن قرة هـذا بقوله (( يشير هذا النص التاريخي الى عدة حقائق [-أ] اعتزاز الصابئي بماضيه وافتخاره بانتمائه الديني وباصوله السلالية في زمن بدأ يتداعى فيه ذلك الصرح من المجـد بعد أن حافظوا على طهارة حـرّان من الدنس وضلال الناصرة مدة من الزمن 

[ ب ] تأكيد ثابت بن قرة على وحدة ديانة الصابئة ( الحرانية والمندائية بقوله ( نحن الوارثون والمرِّثون للصابئة المنتشرة في الدنيا ) [ ج ] يظل النص يحمل الخوف من المستقبل ويتوجس اندثار هذه الطائفة الذين احتملوا ما احتملوا بعونه تعالى ونجوا ببسالة وأنه لسعيد الحظ من يحتمل برجاء وثيق أثقالهم الراهنـة ) *16 . أود أن أشير هنا الى ما أورده المؤلف على لسان الباحث العراقي [ عبدالرزاق الحسني ] بحق الصابئة فكتب : (( أما الباحث العراقي عبدالرزاق الحسيني فقد قال عنهم قولين متناقضين _ قال عنهم في المرة الاولى /انهم عبدة كواكب ، ثم عدل عن رأيه هذا بعد أن اطلع على حقيقة دينهم قال : يؤمنون بالخالق جلُّ شأنه أنه أزلي أبدي لا أول لوجوده ولا نهاية له ، منزّه عن المادة والطبيعة ، ولا تناله الحواس ولا يفضي اليه مخـلوق ، وأنه لم يـلد ولم يـولد ، وهـو عـلـة الأشياء ، ومكونها ولا يختلف اعتقادهم في الخالق عن المؤمنين )) 17* 

وأود أن اشير هنا الى حقيقة تاريخية معروفة لدينا ألا وهي [ بعد قيام الباحث العراقي عبدالرزاق الحسني بنشر كتابه الموسوم (( الصابئة حاضرهم وماضيهم )) وما ورد فيه من أغلاط ومغالطات انبرى له المندائيون وعلى رأسهم المغفور له ولذريته الشيخ دخيـّل حيث اقاموا دعوى ضد المؤلف الحسني وجلبوه الى المحكمة والتي فيها وخلال المداولات أخذ الشيخ الجليل يقرأ [ بوث ] * آيات * مباشرة من كتابنا المقدس ** كنزا ربـــا ** وفيه ظهر خطل رأي الباحث الذي استند على قول القدماء الذين يجهلون حقيقة الدين المندائي والذي يجهل هو الآخر حقيقة المندائيين فيما أورده من افتراءآت كاذبة بحق هذا الدين القديم قدم الزمان ؛ وعلى أثرها أصدر الباحث الحسني تصحيحاً أثبت فيه أنه مخطئ بحق هؤلاءِ المندائيين وعليه وجب الاعتذار . ومن هنا وقع مؤلف كتاب [ صابئة حـرّأن والتوحيد الدرزي ] في هذه الحيرة التي مردها - تناقض كلام الحسني في الطبعة الاولى عن الطبعة الثانية –. فالظاهر انهلم يطلع على النسخة الاولى من كتاب (( الصابئة حاضرهم وماضيهم )) 

وانهي مقالي هذا برأي الكندي والذي قال فيه (( دعوة هؤلاءِ القوم [ يقصد الصابئة المندائيين ] واحـدة وسنتهم وشرائعهم غير مختلفة ، جعلوا قبلتهم واحدة بأن صيروها نحو القطب الشمالـي في سفرة العقلاء ، وقصدوا بذلك البحث عن الحكمة ولزموا فضائل النفس الأربع )) *18 .

مما تقدم يتضح لنا أن المؤلف التزم جادة الحياد ولم يعطِ رأياً نستشف منه رأيه الشخصي في موضوع الصابئة المندائيين ، بل كان معتمداً كلياً على رأي الآخرين ، لكنه ذكر الصابئة المندائيين ليقول لنا أن الدروز ما هم الا شعبة انشعبت من الصابئة المندائيين إتخذوا لهم مسلكـاً أخر لاحقـاً مغايـراً لما سلكه الصابئة المندائييون في توحيد الذا ت الربانية الأزلية .

عسى أن أكون قد وفقت في عرض فكرة هذا الكتاب الموسوم بــ {{{ صابئة حــرّان والتوحـيد الـدرزي }}} لمؤلفه مـحـمّـد عبدالحميد الحمــد .

 

المراجع كما دونها المؤلف :

*1 صابئة حـرّان والتوحيد الدرزي / محمد عبدالحميد الحمـد / دار الطليعة الجديدة /ط2 2001 ص 22__25

*2 تاريخ الادب السرياني ص49، كامل مراد /دار المقتطف / القاهرة / 1949

*3 سورة البقرة – الآية 62

*4 سورة المائدة -الآية 69

*5 سورة الحج – الآيه 17

*6 مروج الذهب للمسعودي ج1 ص169 تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد – كتاب التحرير – القاهرة 1966

*7 كتاب الجغرافيا –ص159، ابن سعيد المغربي / تحقيق اسماعيل العربي /بيروت / 1970 

*8 الصابئة المندائية ج 1 ص 13 / الليدي دراور ترجمة نعيم بدوي وغضان الرومي –بغداد -1987

*9 صابئة حران والتوحيد الدرزي ص22

*10 الليدي دراور ص27

*11 الليدي دراور ص 189

*12 الايام الستة / ص51 /ما يعقوب الرهوي ترجمة /صليبا شمعون – دار الرها – حلب 1990

*13 الليدي دراور ص 15

*14 صابئة حران والتوحيد الدرزي ص23

*15 تاريخ الزمان – ص48/49 ابن العبري ترجمة اسحق رملة – دار المشرق 1986

*17 الموسوعة الاسلامية ،مادة الصابئة ج1-ص89

*18 الفهرست لابن النديم -ص386- تحقيق رضا تجدد – طهران 1971

نشرت في وجهة نظر

قوم عريق ممتد في جذور التاريخ القديم حتى العهد السومري، والمندائية كدين من أقدم الديانات الموحد ة. كانت كبيرة الانتشار بين الحجاز و بلاد الرافدين و فلسطين ما قبل المسيحية، وفي العهود الحديثة كان لهم حضور في العراق و والأحواز في ايران والمندائية مشتقة من الجذر (مندا) و الذي يعني المعرفة أو العلم أما الصابئة فهي مشتقة من الجذر (صبا) وتعني بالآرامية اصطبغ, تعمد, غط أو غطس في الماء و هي من أهم شعائرهم الدينية و بذلك يكون معنى الصابئة المندائيين المتعمدين العارفين لدين الحق وبوجود الخالق الأوحد. ويدعو الدين المندائي الى الإيمان بالله ووحدانيته و يصفونه بالحي العظيم أو الحي الأزلي اذ جاء في كتاب المندائيين المقدس (كنزا ربا) أن الحي العظيم أنبعث من ذاته و بأمره و كلمته خلقت جميع المخلوقات و تمجده الملائكة وتسبح له في عالمها النوراني، كذلك بأمره خلق آدم وحواء وقد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشرو من بعده. المندائيون يرتبطون بالنبي ابراهيم الخليل الذي عاش في اور السومرية (مدينة آلهة القمر نانا) في منتصف الالف الثالث قبل الميلاد، وكان ابراهيم أول من نبذ الاصنام ودعا لرب واحد عظيم القدرة اطلق عليه السومريون اسم (لو?ـال ـ ديمير ـ آن ـ كي ـ آ) ملك آلهة ما هو فوق وما هو تحت (رب السماوات والارض). آمن الصابئة المندائيون بتعاليم ابراهيم واحتفظوا بصحفه ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها 

إلى يومنا هذا. وقد هاجر قسم منهم مع النبي ابراهيم إلى حران والقسم الآخر بقي في العراق وكان بروزهم في العراق منذ قرون كبيرة والذي حفظهم اهوار مابين النهرين، وقد عرفـوا ايضا بـ (ناصورايي اد كوشطا) اي حراس العهد الذين أسسوا بيوت النور والحكمة (أي ـ كاشونمال) بيت مندا او (بيت المعرفة) ويؤمنون مار اد ربوثا ( الله ـ رب العظمة)، واتخذوا من الشمال (اباثر) الذي دعاه السومريون (نيبورو) قبلة لهم لوجود عالم النور (الجنة). اهم صفة يحتفظ بها المندائيون طقوس التعميد بالماء فاعتبروا نهريها اد?ـلات و?ـورانون (دجلة والفرات) انهارا مقدسة تطهر الارواح والاجساد فاصطبغوا في مياهها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر آلما د نهورا (عالم النور) الذي اليه يعودون. ورد مفهوم الاغتسال و التعميد في العديد من النصوص المسمـارية حيث كتب الشاعر السومري في مرثية مدينة اور (شعب الرؤوس السوداء ما عادوا يغتسلون من أجل اعيادك، اناشيدك تحولت إلى أنين، مدينة اور مثل طفل في طريق مهدم، يفتش 

لنفسه عن مكان امامك). في زمن الدولة الفارسية تمتع المندائيون تحت حكم الملك ادشير الأخير بحماية الدولة بيد ان الأمر تغير حين جاء إلى 

السلطة الملك الساساني بهرام الأول سنة 273 ، اذ قام باعدام ( ماني ) في بداية حكمه بتأثير من الكاهن الزرادشتي الأعظم (كاردير) . وامتد الاضطهاد الساساني الديني ليشمل اتباع الديانات الاخرى غير الزرادشتية مثل المندائية والمانوية واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية وهو الذي الى اسقط دولة المناذرة في الحيرة. المندائييون حافظوا على تراثهم خاصة التراث الديني بجهود قام بها الناسخ (زازاي). حملة الاضطهاد الشعواء التي قادها (كاردير) لم تقضي على المندائية، غير ان التدوين توقف لعدة قرون. كانت المدائن (طيسفون) عاصمة الفرس الساسانيين الشتوية تتألف من السريان والمندائيين. وكان المندائيون آنذاك يتواجدون على شرق دجلة وضفاف الكرخة والكارون فاستوطنوا ديزفول (عاصمة بلاد عيلام) والاحواز والخفاجية والبسيتين والمحمرة وكان اغلب سكان شوشتر من المندائيين الصابئة، كما اصبحت الطيب (طيب ماثا) اهم حاضرة لهم. تفوق المندائيون في صناعة الذهب والفضة والاحجار الكريمة التي كانت تجلب من مملكة آراتا في المرتفعات 

الايرانية. اما القسم الاكبر منهم فقد امتهن الفلاحة وزراعة الارض واستوطنوا الاهوار وضفاف الانهار وقاموا بتنظيم قنوات الري في ارض السواد، وأسسوا لهم حواضر مهمة مثل كـوثـا و سـورا، وقد اطلق عليهم العرب تسمية انباط او (نبت) لانهم ينبتون الآرض. &nbs p; المندائييون شعب آرامي لغتهم الآرامية الشرقية متأثرة بالاكدية. في العهد البابلي الأخير اصبحت شعوب المنطقة تتحدث الآرامية 

وكانت اللغة المهيمنة في القسم الجنوبي من بلاد ما بين النهرين حتى عربستان في إيران وهي نفس اللغة التي يستخدمها الصابئة المندائيون اليوم في كتبهم ونصوصهم الدينية. في تاريخ المندائيين ظهرت امرأة رائدة (شلاما بنت قدرا) 200 بعد الميلاد وكانت تكنى باسم امها او معلمتها في الكهانة، وهي اقدم امرأة (مندائية ) ورد اسمها وكانت ناسخة (الكنزا) شمالا كتاب المندائيين المقدس ويظم نصوصا شعرية حول صعود النفس إلى عالم النور اما (الكنزا ربا) فهو اقدم نص مندائي. (شلاما بنت قدرا) سبقت الناسخ المندائي الشهير زازاي بر ?ـويزطه سنة 270 بعد الميلاد. يقول البعض أن كلمة صابئة جاءت من جذر الكلمة الارامي المندائي (صبا) أي بمعنى (تعمد اصطبغ غط غطس) وهي اهم شعيرة دينية لديهم وهو طقس (المصبتا – الصباغة – التعميد) فلذلك نرى ان كلمة صابئي تعني (المصطبغ او المتعمد). كلمة مندائي انما اتية من جذر الكلمة الارامي المندائي (مندا) بمعنى المعرفة او العلم، وبالتالي تعني المندائي (العارف او العالم بوجود الخالق الاوحد). في حين يرجع اللغويون العرب كلمة الصابئة إلى الفعل العربي (صبأ)، وتعني خرج وغير حالته، ان الاصل الارامي (صبأ) هو الاصل ولايمكن الجدل فيه، ويعني الذي خرج من الضلالة واتحد بدين الحق، و(صبا) تمثل مرحلة في التاريخ عندما كان الناس يتركون (يصبأوون) عن ديانتهم الوثنية، ويدخلون الدين المندائي الموحد، وبعضهم اسموهم بالاحناف، أضف إلى ذلك ان هذه التسمية قديمة ولها أصول في اللغة العربية. اتفق المستشرقيون وهم الاكثر موضوعيا في دراساتهم على ان كلمة صابي او صابئي جاءت من ا الارامية وليس العربية للكلمة الصابغة او المتعمدين اوالسابحين. اشار المستشرق نولدكه إلى ان كلمة صابئة مشتقة من صب الماء. التعميد أو الصباغة (مصبتا) تعتبر من أهم أركان الدين المندائي وهو فرض واجب لكل مندائي والهدف الخلاص والتوبة وغسل الذنوب والخطايا والتقرب من الله. التعميد ينبغي أن يتم في المياه الجارية لأنها رمز الحياة والنور الرباني. وللإنسان حرية تكرار التعميد متى شاء ويمارس التعميد في أيام الآحاد و المناسبات الدينية وعند الولادة والزواج أو عند رسم رجل دين جديد. وقد حافظ طقس التعميد على أصوله القديمة، والمعروف ان (يوحنا المعمدان) اجرى عملية التعميد لـ (المسيح) في نهر الاردن والمسيحيون يعتبروهنا بركة. الكتاب المقدس (كنزا ربـا) يعني الكنز العظيم وهو يجمع صحف آدم وشيت وسام ويقع في 600 صفحة ويتضمن سفر التكوين وربما ان سفر التكوين في كتاب العهد القديم الذي يقرأه المسيحيون هو ذاته الذي في كتاب (كنزا ربـا). من محرمات المندائيين الكفر، عدم أداء الفروض الدينية، القتل، الزنا من الكبائر المؤدية إلى النار، السرقة، لكذب، شهادة الزور، خيانة الأمانة والعهد، الحسد، النميمة، الغيبة، التصرف بغير حق بالصدقات المُعطاة، القسم الباطل، عبادة الشهوات، الشعوذة والسحر، الربا، البكاء على الميت ولبس السواد، تلويث الطبيعة والأنهار، أكل الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس، الطلاق، الانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض، تعذيب النفس وإيذاء الجسد. المندائيون يؤمنون بالتوحيد (سهدوثا اد هيي) و (هيي ربي) خالق الكون. ويذكر عندهم في الكتاب المقدس كنزا ربا (لا أب لك و لا مولود كائن قبلك و لا أخ يقاسمك الملكوت و لا توأم 

يشاركك الملكوت و لا تمتزج و لا تتجزأ و لا انفصام في موطنك جميل و قوي العالم الذي تسكنه). الصلاة عندهم (براخا) وفي المسيحية (البراخ) يعني طقس الزواج. المؤرخين 

القدماء يرجعون الصابئة إلى اصل قديم جدا فمنهم من يرجعهم إلى ادم او إلى ابنه شيث او شيتل كما يقول المندائيون. الباحثون قسموا المندائيين إلى اصل شرقي للمندائيين (بلاد وادي الرافدين) اوصل غربي فلسطين زمن المسيح الا ان الاصل الشرقي للمندائية بقي ويعاني الاندثار. اهتم المستشرقون بالتراث المندائي فقد قام باحث بترجمة الكتاب المقدس للمندائيين الى الالمانية. اما المستشرقة الانكليزية الليدي دراور (E.S DROWER) فقد عرفت العام على معتقداتهم وتاريخهم وتراثهم الديني. المعروف ان هذه الباحثة عاشت في جنوب العراق متنقلة ما بين المندائيين لدراسة 

ديانتهم وتراثهم حوالي الربع قرن. اهم ما يتميز به الصابئة في العراق هي براعتهم في الصياغة خاصة الفضة وتخصصهم في والنقش على عليها بـ (المينة) ينقوشون عليها أسد بابل او صور عراقية عريقة، والنقش على المينة لا يقوم به صاغة آخرون غير الصابئة وهو من إبتكارهم. ومن اشهرهم آل زهرون بن ملا خضر وحسني زهرون وعنيسي الفياض وناصر وحاتم ومنصور حاتم وعبد سكوت وبدن خضر وكريم النشمي وياسر صكر وزامل وضامن حويزاوي وسعد رهيف والمهندس حامد عبد الرزاق رويد واخوته ونصير لفتة شميل. وعندما كنت ناشئا كنت امر في البصرة على معرض آل زهرون وكان معلق على الحائط شهادة مززجة تشير الى مشاركتهم في معرض نيويورك الدولة المقام في عام 1933 كما اظن. ساهم الصابئة المندائيون في التاريخ العلمي في العصر العباسي، منهم أبو إسحاق الصابي وزير الطائع والمطيع، وثابت بن قرة وولديه سنان وإبراهيم اللذان برعا في الطب والرياضة والفلك والترجمة، وأيضا إبراهيم بن هلال الأديب الذي تولى ديوان الرسائل والمظالم سنة 960م. حاولت الحصول على الاعلام الصابئة في التاريخ فلم افلح. وفي عصرنا يعتبر الدكتور عبد الجبار عبد الله من المع في العراق، وهو عالم جليل تولى رئاسة جامعة بغدد عن جدارة الا ان الظروف السياسية التي مرت اثر سقوط عبد الكريم قاسم خذلت الجليل عبد الجبار عبد 

الله وهو من القلائل الذي ساهم في شرح نظرية انشتاين النسبية، وفي امريكا نال حقة اذ اختر رئي للمجمع العلمي لعلوم الأنواء الجوية في أمريكا وقد ساهم ايضا في تأسيس جامعة البصرة. وتعده بعض الدوائر العلمية المع عالم في مجاله في القرن العشرين. من المندائيين البارزين البروفيسور صبيح السهيلي والشاعرة المعروفة لميعة عباس عمارة والدكتور عبد العظيم السبتي (الذي كرمه اتحاد الفلكيين العالمي مؤخرا، وذلك بإطلاق اسمه على أحد الكواكب المكتشفة سنة 1981 وهو بذلك يعد أول عراقي ينال مثل هذا التكريم) وغضبان الرومي ونعيم بدوي و عبد الفتاح الزهيري والرسامة والشاعرة سوسن سلمان سيف إلى وكثيرون. 

 

المندائيين ملأوأ الشرق الاوسط في الماضي حضارة وعلما ومعرفة وهم الآن يعانون الاندثار ولم يبق منهم غير التاريخ المسطور عنهم وهم في اندثار في العراق كما اندثرت من قبل حضارات الاكديين والبابليين وغيرهم امام سيوف فرسان التاريخ. 

نشرت في وجهة نظر

 يا أيها المختارون تدرعوا بأسلحة غير مصنوعة من حديد أو فولاذ، لتكن أسلحتكم الناصورائية المعرفة ووصايا 

مقام النور الطاهرة " ( الكنزا ربا ،الكتاب المقدس للصابئة المندائيين) *

 كنا نسكن في مدينة العزيزية/ لواء الكوت 1 ، والدي يمتلك محلاً للصياغة في المدينة يزاول فيه إحدى مهن الصابئة الشهيرة والضاربة في القدم والتي عرفوا واشتهروا بها ( الصياغة ) يبيع ويشتري في محله المصوغات الذهبية والفضية بالإضافة لتصنيعها وتصليحها، بين فترة وأخرى، تعّود يذهب والدي إلى العاصمة ( بغداد ) فهي مركز العراق التجاري، للتبضع من إحدى الأسواق التجارية لسوق الجملة للصاغة ، هناك يشتري ما يحتاجه ويعوض أو يوصي على عمل ما نفذ من بضاعته أو ما أوصاه به زبائنه ويتزود بمتطلبات السوق من البضاعة الجديدة أو التي لم يتمكن من صياغتها في محله، ويبيع ما فاض عن حاجته من الذهب أو الفضة، في يوم من إحدى مساءات عام 1970 ،عاد أبى بعد رحلة تبضع فيها من سوق الصاغة ( خان الشابندر ) المجاور لسوق السراي، أحد أهم أسواق الصاغة الرئيسية في بغداد، والذي يعد من أكثر الأسواق التي يتردد عليها الصاغة من مختلف أنحاء العراق لعراقة السوق ولكونه يحتوي مختلف البضائع (الموديلات أو التصاميم ) التي تلائم طبيعة احتياجات مدنهم التي يعملون فيها، وخصوصا ً الموديلات التي تلائم المناطق الريفية العراقية فهو متخصص ويزخر بها ، ففيه أنواع متعددة من المصوغات الذهبية والفضية كالمحابس والقلائد والأساور والتراجي .... الخ .

 

عاد والدي من سفرته التبضعية تلك، وعند دخوله البيت كانت ابتسامة كبيرة مرتسمة على وجهه، تعبر عن فرح واضح، بعد التحية، وقف وسط الهول ـ عبارة عن فسحة واسعة كما صالة الاستقبال ـ و اخبرنا أنه يحمل معه هذه المرة هدية ثمينة سوف يفرح الجميع فيها ؛ أشار بيده إلى الكيس الذي يحمله، كان يتأبط تحت عباءته الرجالية كيس ورقي يغلف بداخله شيء ما، استلقى بهدوء على الأريكة، فيما هو يتناول قدح ماء قدم إليه، بسرعة ألتف من كان بالبيت حوله، مطالبينه بالإفصاح سريعا عما بداخل الكيس ولكثرة إلحاحنا أخرج سريعا ما ضمه الكيس، كان كتابا ً سميكا ً كبيرا ً بعض الشيء بلون اخضر فاتح( فستقي )،عرض الكتاب بين يديه بان أسم الكتاب الآن واضحا ً(الصابئة المندائيون )2 !

امتدت الأيادي لأخذ الكتاب وتصفحه، سحب والدي الكتاب وضمه لصدره، وبدأ يحدثنا عنه ((قبل فترة زمنية صدر هذا الكتاب للسوق ،العديد من الصاغة" الصابئة " تطوع لتوزيع "بيع " الكتاب في محلاتهم،بيعه على المندائيين طبعا ً، هذا أول كتاب يتحدث عن الصابئة باللغة العربية كتبته الإنكليزية (الليدي دراوور ) وشارك بإصداره اثنان من رجال الصابئة. ))

وبدأ والدي يحكي لنا عن طيّبي الذكر ( نعيم بدوي وغضبان رومي ) مترجمي الكتاب وكاتبي مقدمته، لمعرفته 

الشخصية بهم ، فوالدي رحمه الله في عمر مقارب لهم فهو من مواليد العمارة/ الكحلاء ( 1907 ـ ت 1987م) ـ تاريخ ميلاده كما مدون في شهادة الميلاد أو هوية الأحوال المدنية ـ جميعهم ولادة وأبناء منطقة واحدة ( لواء العمارة ) ونزحوا إلى بغداد 3 من وقت مبكر.

 

نعيم بدوي وغضبان رومي رحمهم الله

 

وتحدث لنا عن مؤلفة الكتاب المستشرقة الإنكليزية الباحثة الفذة ( الليدي دراوور) والتي ذاع صيتها فأصبحت من الشخصيات المشهورة والمعروفة في الوسط المندائي، يعرفها القاصي والداني من الصابئة، والتي تركت ذكريات كثيرة في نفوس المندائيين خلال فترة تقصيها وبحثها ودراستها لأحوال وعادات وطقوس وشعائر المندائيين.

 

لم نمهله طويلا ً أن يحتفظ بالكتاب، تناولت الأيادي الكتاب لتصفحه، فصول كثيرة في الكتاب لم يتم فتحها،كانت الأوراق متلاصقة بسبب عدم فتحها بشكل صحيح من المطبعة ، جلبنا عدة أدوات كالمسطرة والسكين تعيننا على فتح صفحات الكتاب دون ان تسبب لصفحات الكتاب الضرر أو التلف، قلبنا مجتمعين أهم عناوين وفصول الكتاب، بعد ساعات من التصفح والقراءة، تصفحنا خلالها مجتمعين أهم عناوين وفصول الكتاب، كل منا تحفز وتحدث عن الفصل الأهم من وجهة نظره، فقد كانت فعلا ً فرحة كبيرة وغامرة قد سادت جو البيت، قد يستغرب الآن من يقرأ ما دونته بقصتي هذه، عن فرحة غامرة وهدية ثمينة وو ... ، لنرى معا ًحتى نهاية الحكاية هل يستحق هذا الكتاب هذه الأهمية والفرحة ؟

 

في تلك الفترة كانت المكتبة العراقية (العربية ) تفتقر بشكل كبير إلى الكتب العربية الحديثة المهتمة" المتخصصة " بدراسة الديانة المندائية، كان عندنا في البيت كتاب واحد فقط مختص بالديانة المندائية باللغة العربية، وكتيب أو نشرة مندائية ،وبعض مقالات نشرت في مجلات عراقية وعربية تتحدث عن الصابئة المندائيين، الكتاب كان من تأليف المرحوم المؤرخ العراقي ( عبد الرزاق الحسني )4 صدر الكتاب عام 1931 الموسوم (الصابئون في حاضرهم وماضيهم ) وكان يعد الكتاب في ذلك الوقت من اشهر الكتب الحديثة الموجودة والمتوفرة في السوق والمكتبات الرسمية والحكومية في العراق والعديد من الدول العربية التي تبحث في الديانة المندائية. 

 

لكن العديد من أبناء الصابئة المندائيين لا يرغبون في اقتناء الكتاب أو مطالعته ! فلديهم على الكتاب وكاتبه ملاحظات عديدة إذ سبب وأثار مشاكل و إشكالات كثيرة للصابئة منذ إصدار طبعته الأولى.

 

لكن كنا مضطرين لشراء هذا الكتاب فلم يكن في السوق كتاب غيره عن الصابئة المندائيين باللغة العربية بهذه المحتويات والتفاصيل،كذلك كان معظم الصابئة المندائيين لا يعرفون قراءة كتبهم المدونة باللغة المندائية وهي اللغة التي كتبت وحفظت بها كتبهم المقدسة، وكذلك لم تترجم هذه الكتب ( المندائية ) للغة العربية لأسباب عديدة، لست بصددها شرحها الآن. 

 

لم تبرح الذاكرة المندائية قصة الطبعة الأولى لكتاب(الصابئون في حاضرهم وماضيهم ) وموقف الصابئة المندائيين من الكاتب وكتابه وكيف اشتكته الطائفة المندائية إلى وزارة العدل / محكمة الجزاء بواسطة رئيسها الروحاني المرحوم الكنزفرا الشيخ (دخيل الشيخ عيدان ) (1881 ـ ت1964 ) وكسبت حكما ً بإدانته لما ورد في الكتاب من افتراءات ودس ومغالطات وكذلك ألزمته المحكمة بسحب الكتاب وتقديم اعتذار.

 

المرحوم المؤرخ عبد الرزاق الحسني المرحوم الشيخ دخيل الشيخ عيدان

 

لقد سمعت من والدي رحمه الله مرات عديدة وهو يصف تلك ( المحكمة ) وكيف أحتشد رجال الصابئة المندائيون داخل قاعة المحكمة وأمام بابها في يوم مرافعتها، فيما كانت تعتلي وجوههم سمات الغضب والحنق على ما سببه لهم الكتاب من تجريح وافتراء وإهانة، مساندين شيخهم الجليل ورئيسهم الروحاني بدعواه بكل قواهم وإمكانياتهم، يقول والدي:

 

(كانت هنالك حشود كبيرة من المندائيين تقف أمام باب المحكمة منذ الصباح الباكر بعد أن غصت القاعة بهم )

 

ويقول (كان زينا في تلك الفترة الزي العربي العقال واليشماغ الأحمر والعباءة الرجالة وما يميزنا عن الآخرين لحانا الطويلة المنسرحه على صدورنا)

يصف حشودهم والدي بعبارة يكررها دائما عند ذكر الحدث ذاكرا ًالمثل العراقي( تذب الدخن يوكع على رؤوس الزلم) أي عندما ترمي الدخن ـ نوع من البذور النباتية الصغيرة ـ يتساقط على رؤوس الناس المحتشدة لكثرة عددها ووقوفها كتلة واحدة . 

أعيد طبع الكتاب بعد المحكمة بسنوات طبعة الثانية وتبعتها طبعات لاحقة عديدة جديدة كل مرة بتنقيحات وإضافات جديدة، لكن بقي الكتاب يحمل في طياته كثيرا ًمن النواقص والمغالطات، حتى أنني اقتنيت في عام 2000 الطبعة التاسعة منه بالإضافة إلى طبعة أخرى قديمة ــ لم تسعفني الذاكرة بتذكر رقم طبعتها ــ كنت أحتفظ بها، قبل مغادرتي العراق.

 

لم تزل هذه القصة( مقاضاة المرحوم عبد الرزاق الحسني ) يتناقلها الصابئة المندائيون في كل مناسبة إلى يومنا هذا! وكذلك تتناولها أقلام الباحثين5 والدارسين للتاريخ المندائي الحديث، ومن الطريف أن المؤرخ العراقي المرحوم ( عبد الرزاق الحسني ) بعد المحاكمة تلك ارتبط بعلاقة بالشيخ الجليل المرحوم الكنزفرا (دخيل الشيخ عيدان ) فيها نوع من الودية وذلك من خلال الرسائل المتبادلة والتي استشار فيها الشيخ الجليل المرحوم ( دخيل الشيخ عيدان ) عن العديد من الأمور المتعلقة بالمندائية.

 

 

نعود الآن إلى كتابنا الجديد ( الصابئة المندائيون ) تأليف (الليدي دراوور) يعد هذا الكتاب الذي جلبه والدي لنا كهدية كبيرة، وهو تغمره الفرحة بصيده الثمين الجديد في ذلك المساء، فهو أول كتاب يصدر عن المندائية، باللغة العربية بأيادي مندائية، وتتصدر الكتاب مقدمة طويلة توضيحية قيمة كتبت بقلم الأستاذين المرحومين ( نعيم بدوي وغضبان رومي ) وهم من الشخصيات التي كان ولم يزل لها تقديرها واحترامها ومكانتها بين الصابئة المندائيين، ويحتوي فصول عن الطقوس والشعائر الدينية المندائية التي نحتاجها بشكل ضروري جدا ً في الحياة اليومية والمناسبات، ففيها فصل عن اللغة المندائية ومدون فيه ( البراخة والرشامة) أي (الوضوء والصلاة ) و(النخاسة ) أي النحر أو الذباحة باللغة المندائية وترجمتها إلى اللغة العربية وكذلك يحتوي على شروحات وتوضيحات وافية عن طقوس وشعائر الزواج والتعميد والأعياد والطراسة وطعام الغفران( اللوفاني ) ومراسيم تكفين ودفن الموتى،والملابس الدينية المندائية (الرستة ) **، ومواضيع مهمة عن تأريخهم وابرز معاناتهم، وأهم الكتب والكتاب الذين تناولوهم بالإضافة إلى العديد من الصور والرسومات التوضيحية أنه بحق كان هدية كبيرة وثمينة وضرورية للجميع!

 

لقد عوضنا الكتاب عن أشياء عديدة كنا نجهلها بشكلها الدقيق عن ديننا وطقوسه وشعائره إذ كانت قد خالطتها بعض التشويهات سواء من النواقص أو الإضافات التي جاءت نتيجة النقل الشفاهي للتعليمات والمعلومات والموروثات الدينية، أي إنها في معظم الأوقات كانت تأتينا عن طريق السماع المتكرر إذ كانت تحكى وتشرح في مختلف المناسبات و اللقاءات المندائية ، لقد شذب وصحح لنا الكتاب التفسيرات الخاطئة التي نحملها وزودنا بما احتواه بمعلومات جديدة ومفيدة كنا نجهل العديد منها ونحتاجها في حياتنا العامة وخصوصا عندما نسأل عن ديننا وتفسير طقوسه وشعائره من عموم الناس في الشارع أو المدرسة أو العمل وهم يغمروننا بوابل أسئلتهم واستفساراتهم أينما نلتقي بهم بمجرد أنهم يعرفوا أننا تنتمي لديانة الصابئة المندائيين. بالرغم من أن والدي رحمه الله كان يحفظ معظم الشعائر والطقوس والفروض المندائية عن ظهر قلب وكان يؤديها بشكل يومي أو عندما تتطلب وتحين مناسباتها، وكذلك يحفظ على ظهر قلب مئات من الحكايات العامة والقصص والحكايات المندائية،والتي كان يحكيها بأسلوب شيق جميل في طريقة سردها،يشد المستمع إليه، فهو يتمتع بقابلية جميلة بطريقة التحدث، لم يبخل أو يتوانى رحمه الله لحظة واحدة من تعليمنا أيها وشرحها في كل مناسبة دينية التي تتعلق بكل حكاية أو عندما نطلب استفسار أو توضح منه. فوالدي ينحدر من أسرة مندائية جميع أفرادها ( حلالية )6 ملتزمة بشكل دقيق في أداء طقوسها وفروض دينها،

 

 

الصورة عام 1984في بغداد تضم والدي وأخويه ، من اليمين ( عودة ، خلف ، غازي رمضان الأميري ) رحمهم الله

بالمناسبة لقد عملت ( شكندة )7 أي شاهد لوالدي لفترة تزيد على ثمانية سنوات منذ كان عمري ثمانية سنوات تقريبا ً،وذلك عند أجراءه عملية ( النخاسة ) أي عند أجراء عملية الذباحة( النحر ) للدواجن والأغنام ـ الذكور منها فقط ـ حسب الطريقة المندائية.

 

لقد كانت سعادة والدي كبيرة جدا ً لكون رجال الصابئة المندائيين وطليعتها المثقفة بدأت تهتم بدراسة دينها وإصدار كتب عنها، كان يؤكد لنا أن هذه المبادرة سوف تشجع العديد من المندائيين لإصدارات لاحقة، لقد كانت أسباب كثيرة وعديدة أبعدت مثقفي الصابئة المندائيين في تلك الفترة والزمنية عن التوجه للبحث والدراسة والترجمة لكتبهم الدينية والطقسية لست بصدد إيرادها وشرحها الآن.

بعد فترة من اطلاعنا على الكتاب وما دون فيه كان أبي رحمه الله يقول لنا :( الآن يمكنكم أن ترشدوا من يسألكم عن الديانة المندائية أن يقرأ هذا الكتاب)

لقد كانت سعادة والدي اكثر منا وهو يرد على بعض ملاحظاتنا وابتسامة الظفر قد ارتسمت على وجهه وهو يقول أن ما في الكتاب سوف يساعدكم ويعينكم، بعد قراءتكم له، بفهم ديننا، والإجابة بشكل دقيق لمن يستفسر منكم عن ديننا.

 

أفادنا الكتاب بمعلوماته كثيرا ً إذ كان لنا معين ومرجع ممتاز نتناول العديد من فصوله وخصوصا في المناسبات التي تصادفنا والمدونة فيه بشروحاتها وتوضيحاتها، وكان خير معين لنا توضيحات وشروحات والدي لها بشكل عملي أحيانا ً لمحتويات العديد من فصول الكتاب، وخصوصا ً التي تتناول الجوانب الطقسية والشعائر الدينية، فتزيد من سرعة تقريب ما غمض علينا.

 

 

( أن أهمية كتاب الليدي دراوور تكمن في كونها اتصلت شخصيا وبصورة مباشرة بالصابئين في العراق وفي إيران،وقد استمرت هذه الصلة حوالي اربعة عشر عاما قضتها دراسة ومشاهدة بل وحتى ممارسة في بعض الأحيان لبعض المراسيم لإتقانها وتسجيلها تسجيلا دقيقا )8 ورغم ما صدر من كتب عديدة بعد ذلك الكتاب لكن كتاب (الصابئة المندائيون) يبقى من الكتب المهمة والقيمة والضرورية للدارسين والباحثين والراغبين بالاطلاع عن الديانة المندائية. ففيه شروحات دقيقة جدا ً للعديد من الطقوس والشعائر الدينية المندائية، سجلت بعناية فائقة وعين ثاقبة من الباحثة الرائعة ( الليدي دراوور) رحمها الله ،وترجم وعلق عليه بدقة ودراية من قبل المترجمين( مقابلين بين ما ورد فيه وبين ما هو موجود فعلا لديهم موضحين ومصححين ومعلقين حسب ما تقره الحقيقة.) 9وقد جلبت معي من بغداد إلى مملكة السويد (بشق الأنفس ) أي بصعوبة بالغة مجموعة من الكتب المهتمة بالديانة المندائية وبضمنها، الطبعة الثانية من الكتاب انف الذكر والصادرة من مطبعة الديواني ببغداد عام 1987 والذي يقع بـ 397 صفحة من القطع الكبير . وقد صدرت حديثا ًطبعة جديدة ثالثة للكتاب من مؤسسة دار المدى.

 

وبعد سنوات من صدور الكتاب ( الصابئة المندائيون )صدرت في اللغة العربية عشرات الكتب والدراسات والبحوث حول الديانة المندائية،كان لأبناء الصابئة المندائيين حصة كبيرة فيها رغم اعتمادهم على إمكانيتهم الذاتية دون دعم من أية جهة حكومية أو ثقافية عراقية أو عالمية ، وكذلك ترجمت العديد من الكتب المندائية للغة العربية بأيادي مندائية ، هكذا برزت كوكبة تلو كوكبة من أبناء الصابئة المندائيين بين أقلام تكتب ورجال تهتم بتنظيم الأمور الإدارية لهذه الشريحة الأصيلة في عراقيتها الرافدينية الضاربة بالقدم معتمدة على إمكانيتها الذاتية متسلحة بأيمانها بعقيدتها التوحيدية الإنسانية المسالمة السمحاء، فقد أقيمت وألقيت العديد من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والمهرجانات والتجمعات المهتمة بالمندائية كدين وطقوس وشعائر وكذلك لغرض تنظيم أمورها وتكيفها مع التطورات السريعة التي تمر بها، وقد أثمرت تلك الجهود عن تشكيل مؤسسات دينية وإدارية مندائية في العراق وفي مختلف بقاء العالم ، واضعة نصب أعينها دفاعها عن هويتها الدينية المندائية وتراثها الثري الكبير من الاندثار والتلاشي، مؤمنة بالسلام والتعايش السلمي غير متعصبة في نهجها وتوجهاتها منفتحة محبة مضحية لشعبها بكل أطيافه ولبلدها العراق رغم ما لحق ويلحق بها لغاية كتابة هذه المقالة من ظلم وضيم وتمييز وغبن وتهميش. 

لم تزل نسخة الكتاب تلك محفوظة بعناية في بيت والدي في مدينة العزيزية، رحم الله والدي وكل الناس الطيبين.

 

وللحديث صلة 

 

هوامش وتعاريف ضرورية مكملة لمقالنا

 

(1)مدينة العزيزية : قضاء العزيزية التابع إلى محافظة واسط جنوب العاصمة بغداد بحوالي 88 كم ،تقع على نهر دجلة، كانت محافظة واسط تسمى لواء الكوت وسميت بعدها بمحافظة واسط بعد أن أبدلت تسمية الوحدات الإدارية من تسمية لواء إلى محافظة. كانت مدينة العزيزية بتلك الفترة الزمنية ناحية و أصبحت عام 2000 قضاء، تتبع له الآن إداريا ً ناحية الحفرية وناحية الدبوني ( الخلفاء ). أقام ولم يزل يقيم في مدينة العزيزية العديد من العوائل المندائية ، لما تمتاز به المدينة من سمة الآلفة والمودة الاجتماعية، بالإضافة إلى ميزاتها الأخرى الكثيرة . وأول عائلة من الصابئة المندائيين سكنتها منذ وقت مبكر من النصف الأول من القرن الماضي كانت عائلة المغفور له طيب الذكر( جبار شغى الناشيء) (أبو عايد) وكان يمتلك في المدينة محل للصياغة أيضا ً، والتي تربطنا مع عائلتهم علاقة صداقة حميمة لغاية اليوم .

 

 

(2)كتاب( الصابئة المندائيون) القسم الأول ، من تأليف المستشرقة الباحثة الإنكليزية (الليدي دراوور ) ( 1879 ـ ت 1972 ) ترجمه وكتب مقدمة طويلة قيمة له الأستاذان المرحومان نعيم بدوي(1911ـ ت 2002) وغضبان رومي(1905 ـ ت1989 ) صدرت الطبعة الأولى منه في بغداد عام 1969، علما ً أن أسم الكتاب الأصلي للباحثة " الليدي داوور " كما ورد في صفحة (6) من مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب أنف الذكر ما نصه (الكتاب المترجم وعنوانه "المندائيون في العراق وإيران " في قسمين قمنا بترجمة القسم الأول منه وهو يعالج تاريخ الصابئين وتسميتهم وعاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم الدينية ولغتهم بالتفصيل . أما القسم الثاني منه وهو خاص ببعض الأساطير والقصص الدينية.) وللعلم ان كتاب المستشرقة الليدي دراورر "المندائيون في العراق وإيران " كان قد طبع عام 1937.

 

(3)نزحوا إلى بغداد : لقد نزحت بوقت مبكر عشرات من العوائل المندائية من لواء العمارة إلى بغداد والى غيرها من مدن العراق الرئيسية في النصف الأول من القرن الماضي، بحثا ً عن فرص للعمل وحياة معيشية أفضل. لقد عمل والدي منذ صغره بالصياغة ، فمنذ بداية القرن الماضي وبسبب الظروف المعيشية القاسية التي كانوا يعيشونها أخذ قسم من الصاغة يتنقلون في أماكن عملهم ،يجوبون المدن الكبيرة والأرياف لغرض العمل ( عزاب بدون عوائلهم )، يقضون فترة في هذه المدينة أو تلك، ثم يرحلون عنها إلى مدينة ثانية، يحملون عدة عملهم اليدوية( العدد والمعدات اليدوية الخاصة بالصياغة ) حتى أن العديد منهم وصلوا في ترحالهم وعملهم إلى العديد من مدن الجارة إيران، ، يقضون موسم كامل أو اكثر في ترحالهم ثم يعودون إلى أهلهم ومدينتهم العمارة، وكانت دائما ًعودتهم تكون قبل حلول الأعياد الدينية المندائية وخصوصا ًعيد دهوا ربا( الكرصة ) أي عيد رأس السنة المندائية و كذلك عيد البرونايا (البنجة ) لتبدأ بعدها بأيام رحلتهم من جديد، قسم منهم استقر في بغداد من عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

 

حتى ان بعض من الصاغة ليس من لواء العمارة فقط ، امتدت رحلاتهم إلى بعض البلدان العربية والأوربية وأمريكا بعد أن برعوا في فن الصياغة ، وردت في مقالة جميلة بالموقع الشخصي الأستاذ ثائر صالح عايش على شبكة الإنترنت بعنوان( الصائغ صالح عايش 1880-1952) يتحدث المقال عن حياة هذا الصائغ الفنان المبدع ، ويتناول في مقاله من سافروا منهم للبلدان الأوربية من الذين أجادوا و أبدعوا في فن الصياغة ومنم ( صالح عايش وعباس عمارة و أسمر هرمز ملا خضر ويعرف باسم ( زهرون )و جاني سهر ونوري خنجر وسبع فياض وشوكت غالب ) لهم الرحمة والذكر الطيب جميعا ً.

 

وقد اطلعت في بغداد عام 1997على كتاب ضخم ،الموسوم (دليل العراق الرسمي لعام 1936 ) ووجدت فيه العديد من أسماء أصحاب محلات الصياغة في بغداد من الأقارب والأعمام والمعارف من العمارة وقد علق بعض من تلك الأسماء بذاكرتي ــ أتمنى أن لا تخونني الذاكرة الآن وأنا أدون أسمائهم ــ ومنهم أعمامي ( عودة أرميض الأميري1900ـ ت 2001) و (ناهي جبر الأميري 1900ــ ت 1972) وجاسم الشاوي ( أبو نصرت ) والصائغ الشهير الشيخ عنيسي الفياض وغيرهم، ومعذرة من عدم ذكر أسماء العديد من الصاغة الآخرين ( لهم جميعا ًالدعاء بالرحمة والذكر الطيب ).

وتشير الباحثة الإنكليزية ( الليدي دراوور ) إلى وجود الصابئة في بغداد وبقية المدن العراقية وهم يمارسون مهنة الصياغة في كتابها الموسوم ( في بلاد الرافدين ) والذي دونت أحداثه منذ سنة1919 والصادر عام 1923 وترجمه للعربية المرحوم الأستاذ ( فؤاد جميل )عام 1961 ففي صفحة 227 تقول ( وعلى جانب الدكان ( لافتة ) سوداء كتب عليها ما ترجمته للعربية ( من أتباع يوحنا المعمدان ) صائغ الفضة العماري ، وعلى مقربة منه دكاكين أخرى، عليهم سيماء الجد ومظاهر الوسامة، وهناك طائفة من هذه الدكاكين في كل مدينة من مدن العراق تقريبا ً، والقليل من يرحل من البلاد و لا يصطحب معه نماذج من مصاغات الفضة والتي صنعها أبناء هذه الطائفة الغريبة ) . 

(4) المؤرخ عبد الرزاق الحسني : (1903ــ1997) مؤرخ عراقي مشهور له العديد من المؤلفات وأشهرها كتاب تأريخ الوزارات العراقية ،لكونه يعد من أهم المصادر لتأريخ العراق الحديث ،وله مؤلفات عديدة ومنها : الأسرار الخفية في حركة سنة 1941 التحررية ، كتاب بغداد ، رحلة في العراق ، العراق قديما ً وحديثا ً، أحداث عاصرتها ، تاريخ العراق السياسي الحديث ،البابيون والبهائيون في حاضرهم وماضيهم، اليزيديون في حاضرهم وماضيهم، الصابئون في حاضرهم وماضيهم وغيرها العديد من المؤلفات.

وبالإضافة لما نشره من دس وافتراءات على الديانة المندائية في كتابه (الصابئون في حاضرهم وماضيهم ) فقد أطلعني في عام 1996 صديقي العزيز (حسني مبارك مال الله) ـ كان محله مجاور لمحلي في سوق الصاغة في خان الشابندر ببغداد ـ على مقالة طويلة كتبها المؤرخ المرحوم عبد الرزاق الحسني عام 1932في مجلة ( الهلال ) المصرية وقد عجبت اشد العجب، عند قراءتي لها لما تحتويه تلك المقالة من تلفيقات مدسوسة وغير صحيحة، وكلما أقرأ كتابا ً من كتبه الأخرى يتملكني العجب والحيرة .. فالرجل رحمه الله يكتب على ضوء الوثائق والوقائع فلماذا كتب عن الصابئة كل هذه الافتراءات (بدون وثائق ووقائع ) من بداية عنوان المقالة تشويه وافتراء على الديانة المندائية ومعتنقيها عنوانها (عبدة الكواكب والنجوم لازالوا يعيشون في العراق ) ؟

 

(5) وعن تلك المحكمة وكتابات المؤرخ المرحوم عبد الرزاق الحسني حول الصابئة سوف أستشهد بمقطع مما كتبه الباحث الدكتور (رشيد الخيُّون ) في مقالته الموسومة( المندائيون في الذاكرة الإسلامية ) والمنشورة في موقع اتحاد الجمعيات في المهجر ، وأدناه نص المقطع :

( خرق الشيخ دخّيل صمت المندائيين عن تجاوزات الآخرين فيما يخص الشأن الديني، يوم تقدم لمقاضاة المؤرخ عبد الرزاق الحسني بسبب ما جاء في كتابه "الصابئون في ماضيهم وحاضرهم". ففي (11 كانون الثاني من عام 1931م)، فتح الشيخ كتاب "الكنزا ربا" وقرأ أمام هيئة المحكمة ببغداد، باللسان المندائي (الآرامي الشرقي) وكان الأب انستاس الكرملي يترجم إلى العربية، وقد اقتنعت المحكمة أن المندائيين ليسوا عبدة كواكب ونجوم بل يعبدون الحي الأزلي، قرأ الشيخ بوثات (آيات) من الكتاب الأول، تسبيح التوحيد. تحقق ذلك بتعاطف من قبل متصرف بغداد آنذاك الأستاذ أمين الخالص والحاكم الأول لمحكمة الجزاء شهاب الدين الكيلاني مع قضية المندائيين. 

وحصل أن اعتذر الحسني من الشيخ ووعده أن لا يعيد نشر الكتاب إلا بعد أخذ ملاحظات وتوصيات الشيخ، لكنه طبعه عدة طبعات، وحتى السبعينيات كتب في مجلة "التراث الشعبي" مقالاً بعنوان "إذا مات الصَّبي "( [4])، واضعاً فيه ما يدور بين العامة حول المندائيين، من أنهم يخنقون المحتضر، بينما الصحيح هم يلبسونه الثياب الدينية وهي الرسته، ويطهرون بدنه قبل الوفاة، والعامة التي لم تكشف لها طقوس الدين المندائي لم تحسب حساب خطورة اعتقادها بمواطنيها المندائيين، فما اشاعته عنهم هو القتل بعينه، والسؤال إذا كان المندائيون يقتلون أو يخنقون المحتضر فكيف لا يتعرضون للعقوبة الجنائية، وكيف جرى المؤرخ الحسني خلف هذا الادعاء الباطل؟ ومعلوم أن قتل الرحمة لم يجز إلا في بعض الدول الأوروبية وبعد نقاشات وصراعات حامية في البرلمانات، وهذا لا يجاز إلا بطلب المريض الشخصي، وفي حالة معاناته من قسوة الألم مع اليأس التام من شفائه، فأين ومتى مارسه المندائيون، وهم كما أسلفنا يعتذرون عن ذبح الحيوان والطير!)

 

وقد قرأت بتاريخ 11 /11 /2007 بموقع الياهو كروب المندائي مقالة، بقلم المهندس ( رياض الشيخ دخيل ) أحد أبناء الشيخ دخيل عيدان تحوي المقالة على معلومات قيمة عن تلك القضية ( مقاضاة عبد الرزاق الحسني ) على ضوء ما دونه المرحوم والده في مذكراته وأوراقه.

 

6) الحلالية : (مفردها " الحلالي " وهو شخص من عامة الصابئين طاهر طقسيا ًومؤهل لحمل جثمان الميت وإجراء مراسيم الذبح والقيام بوظيفة المساعد ( شكنده ) ويمكن أن يحل محل " رجل الدين " الأصغر الترميذه في عقد الزواج إذا لم يتيسر وجود العدد الكافي من رجال الدين .) المصدر كتاب الصابئة المندائيون ط2 هامش الصفحة 78. علما ً لقد كتبت في التعريف أعلاه كلمة "رجال الدين" بدل من كاهن كما وردت في الكتاب أصلا ً لكونها أكثر دقة حسب اعتقادنا.

 

(7) الشكندة : وهو الشخص الحلالي الشاهد على صحة أجراء مراسيم الذباحة، بشكل سليم وفق الشريعة المندائية وطقوسها إذ لا يمكن إجراء عملية الذبح بدونه، ويتوجب على الحلالي أو رجل الدين الذي يقوم بعملية الذبح أن يرتدي الملابس الدينية المندائية (الرستة )،ويقوم بعملية الرشامة ( الوضوء ) التطهر بالماء الجاري قبل الذبح ،ويطهر معها السكين وقطعة من الخشب تمسك مع مقبض السكين أثناء عملية الذبح، ويجب أن ينظف الطير أو الحيوان جيدا ً ثم يطمش ، ويجب أن يكون سليما ًصحيا ًوغير ناقص أو مشوه، وبعدها يتم الذبح وترافق العملية قراءة بوثة خاصة بالذبح على كل طير أو حيوان تجرى له عملية النحر ، ويكون الشخص الذي يقوم بعملية الذبح باتجاه القبلة المندائية والتي هي صوب الشمال، ويكون رأس الطير أو الحيوان عند النحر متجها ًنحو جهة الشرق .

 

ويجب ان تكون السكين حادة جدا ً،فيما يقف الشكندة خلف ظهر الحلالي الذي يقوم بعملية الذبح ملامسا ًبكف يده اليمنى كتف الحلالي ويردد كلمة مندائية ( أنا سهدخ ) بمعنى أنا شاهد على أجراء عملية الذبح ، بعدها يقوم الشخص الذي أتم عملية الذبح بالذهاب إلى النهر أو أي ماء جاري (الحنفية ) إجراء عملية التهليل من خطيئة الذبح، بقراءة دعاء استغفار، طالبا ً فيه من الحي العظيم رب العزة والجلال أن يغفر له هذه الخطيئة ، وأنه ذبح الطير أو الحيوان هذا لحاجته للغذاء ، وترجمة دعاء استغفار التهليل من الخطيئة للغة العربية كما وردت في كتاب الصابئة المندائيون ط2 ص354 ما نصه ( بسم الحي العظيم وأسم مندا ادهي منطوقان عليّ،ذبحت بالحديد وغسلت بالماء الجاري أنا الخاطيء، والهي الغافر، اغفر لي خطاياي وحوباتي واغلاطي وذنوبي، ومساوئي، أنا ( الاسم الديني ) أسم الحي وأسم مندا ادهي منطوقان عليّ .)

  

(8) المصدر كتاب الصابئة المندائيون، ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي ط2 ص 7

(9) المصدر السابق ط 2 ص 6

* البوثة( الآية ) 1/1/الفقرة 177 في كتاب الكنزا ربا ،الترجمة العربية للأستاذ كارلوس كلبرت ؛ كما وردت في كتاب (الدين الأول )أو مدخل للدين المندائي للدكتور الترميذا عصام خلف الزهيري ص9 . 

و الكنزا ربا ، هو كتاب ( الكنزا )، أو الكنز العظيم ،أو السيدرا ، هي جميعها أسماء لكتاب واحد ألا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ، وكنزا يكتب بالمندائية بالجيم وليس بالكاف وأثرنا على كتابته بهذا الشكل لان المندائيين ينطقون الجيم كاف . المصدر ( أسماء الأعلام المندائية في كنزا ربا ) ص2 وهو دراسة ماجستير في اللغات السامية ( اللغة المندائية ) ـــ جامعة بغداد 1997 للأستاذ عبد المجيد سعدون الصباحي

** الرستة : ملابس دينية بيضاء يجب ان يرتديها الصابئي المندائي قبل قيامه بأجراء أي عمل أو طقس ديني. وورد تعريفها في كتاب من تأليف الترميذا الدكتور عصام خلف الزهيري ،الموسوم ( الدين الأول )أو مدخل إلى الدين المندائي، والصادر في سنة 2007 في الجزء الأول الصفحة 52 ما نصه : (( الرستة :والكلمة تعني "رداء الحق ".هو الرداء الديني الذي يستعمله المندائيين في جميع الفعاليات الدينية . إن كلمة الرستة تعني الرداء النوراني الذي بدونه لا يجوز للمندائي الدخول لعالم النور بعد الوفاة. يكون قماش الرستة من القطن 89 النقي (الخالص ) الأبيض وهناك نصوص 90 عديدة حول هذا الموضوع .

كان هذا الرداء هو الرسمي في الماضي،بمعنى إن المندائي كان يلبسه في جميع الأوقات. إن الرستة (وطريقة خياطتها وطريقة لبسها )مهمة للغاية طبقا ً للمفاهيم المندائية 

نشرت في وجهة نظر

وموقف القوانين من حقوقها المغيبه اقدمها للاخوات والاخوه المندائيين

الذين ابدوا وجهات نظرهم بخصوص ضرب الزوج لزوجته واخص الدكتوره

الاستاذه سلمى السداوي والشيخ الجليل الترميذا علاء النشمي واخرين

كرام

المرأة المندائيه حررها الدين المندائي وظلمها  المجتمع

وموقف  الدساتير  والقوانين العراقيه  المتعاقبه  منها

 

قبل اشهر  قليلة مر علينا  عيد  المرأة  العالمي وقد ارتأيت ان  اساهم

مساهمه  متواضعه بهذا  العيد المجيد رغم  فواته  ، لأكشف  للعالم   ما

افسده الدهر وغيبته التقاليد والعادات وقوانين  الدوله  الوضعيه  بحياة

المرأة  المندائيه  وحقوقها  طالما  هضمت  تلك  الحقوق  التي  منحها  لها

الدين  المندائي  ونص  عليها  منذ  القدم ،  ثم ما  طرأ  عليها  وجرى

من  حجبها  وتشويهها  دون  ارادتها  وارادة  المندائيين  انفسهم  وخلافا

لأحكام  دينهم ،  ولا  انسى  ابدا  ان  المرأة  المندائيه  تعرضت  وتتعرض

للقهر  والظلم  والانكسار  وقساوة  الرجل  فكان  نصيبها  كنصيب اختها

المرأة  العراقيه من  الديانات  الاخرى ب وربما  اتعس  منها ،  وما  باتت

تعانيه  من  هذا  الضيم  والهضم  والجفاء والاهمال  جراء  غياب  صوتها

بين  صدى  اصوات  الرجال ، بحكم  التقاليد  والعادات  الاجتماعيه

المتخلفه  وبتفاسير دينيه  واحكام   قانونيه هي  من  صنع  الرجل

ومباركته .

 

تذكر  النصوص  الدينيه  المندائيه  مثيلوجيا   الخلق  وهي قد  تختلف بعض

الشيئ  من  حيث الرؤى  مع  معظم  عما  ورد  في  الديانات  السماويه

الاخرى .  فالمندائيه   تقول ( ان الله  خلق  أدم  ابا  البشر من  طين

وخُلِقت  حواء  من  الطينه  ذاتها ،  ثم  علمهما  العلم  والمعرفه )

وعليه  فهما  أي ،   المرأة  والرجل  متساويين   بالخلق ماديا وشكليا

وعضويا  وتكافلا  وظيفيا  ونفسيا  وفسيولوجيا  .

وقراءة  متأنية  للمدونات  والكتب المقدسه المندائيه  المتعدده ،  يتضح

ان  العقيده  المندائيه  كانت  قد اعطت  للمرأة  القسط  الوافر  من

الحقوق  والامتيازات ، ربما  هي  الاكثر  مما  خصت  به  ذات  الرجل ،

ففي  الناحية  الدينيه  الكهنوتيه  لها  الحق بتبؤ  الدرجات  الدينيه

باعلى  مراتبها ،  فهي  ممكن  ان  تكون  بدرجة ( ريشمه )  التي  تعني

رئيس  الامه  باللغه  المندائيه ،  وهذا  دليل الاعتراف بقدراتها

وحكمتها ومركزها  ليس  الديني  فقط  ،  بل  الاجتماعي  ايضا !  لأن

المرتبه  الدينيه  المندائيه كانت ذات بُعد  اجتماعي  فاعل  ،  وتذكر

الادبيات  المندائيه أن  (  هيونه ) اسم لأمرأة مندائيه كانت بدرجة  (

ريشمه ) ،  ويعود  الفضل  لها  بأستنساخ  الكتب  المندائيه  في  القرون

الاولى  للميلاد ،  وكذلك ذكرت المرأة  المندائيه المدعوه ( كمريتا  بث

سيمت ) بدرجة (الكنزبراتا ) ، والثالثه  واسمها  (بيبي بث  مدلل  ) في

بداية  القرن  التاسع  عشر وغيرهن من  نسوة  كهنة  مندائيات .

وان المولود  بالضروره ينعت باسم امه وليس باسم ابيه  ،  اكراما  لدورها

الروحي الفاعل  في الاسره ،  فيقال  مثلا (  سام  بر ياسمن  )  للذكر او

( مليحه  بث  ياسمن  )  للانثى ،  ولهذه  المعلومه   تفسير  فلسفي  أخر

وفق  اللاهوت  المندائي الذي  لا  يتعلق  بصلب  موضوعنا  هذا .

وفي  الجانب الديني للمراة  الكهنوتيه ايضا ، الحق  بالقيام  بكافة

الطقوس والممارسات الدينيه مثل رجل الدين تماما ، منها  على  سبيل

المثال  ممارسة  طقس  التعميد الذي تقوم  به  لتعميد  الاخرين  اسوة

برجال  الدين  وهو  الطقس  المركزي  والاساسي  والمميز  بالنسبة

للمندائين .

كما  تنظر  المندائيه  للزوجين  نظره  مثاليه ،  حيث  تعتبرهما جسدين من

نتاج  ماده  واحده  بروح  واحده  متلازمين  متكافلين الى حد الصهر

والاندماج موضوعيا  ووعيا  ومعرفة واحساسا وادراكا رغم  تفاوت القدره

البدنية الميكانيكيه بينهما ،  وان  الزوجه  هي  كاتمة  اسرار  الزوج

وموضع  إإتمانه  ،  وتترتب  على ذلك كثير  من الامور ،  فرجل الدين

المندائي مثلا  لا  يتناول  زادا  أعٍِِِِِِِِد َ من  قبل   أحد ما  غير

زوجته ،  ويأتمنها  باموره  الدينيه الخاصه عند  عقد  الزواج  الشرعي

المندائي للعروس العذراء ،  ولا يحق له  ممارسة  الطقوس  الدينيه عندما

تكون  زوجته  في حالة  مخاض  اونفاس ، حتى ان تمضي المده اللازمه لتتلقى

هي التعميد  بالماء  الجاري (  الصباغه ) على  يد  رجل  دين مندائي  أخر

، ولأن زوجته بمثابة  ذاته لا يجوز  له  تعميدها بنفسه ،  وانهما الاثنان

سوف يلتقيان ما  بعد رحيل نفسيهما  من  هذه  الدنيا  وفق  التفسير

الديني ، الذي  يقول  ان  الزوجه المتوفاة  سوف  تلتحق نفسها  التي  خرجت

من  بدنها  بنفس زوجها  بدنيا الآخره  المسماة عالم  الانوار (

المادنهورا )، ولهذا  يمكن  الاستنتاج  ان الزواج  قائم  على  التأبيد ،

وان  الرجل  لا  يحق له  تعدد الزوجات ،  كما  لا  يحق  له  الطلاق

بتاتا ، وهذا  هو اصل النص  الشرعي المندائي  وفق  مفهوم صيغة  العهد (

الكشطا ) الذي  سيرد  شرحه ادناه  . بإستثناء  حالتين وهما حالة  ثبوت

الزنا التي هي واقعة  يصعب اثباتها  ، وحالة  الخروج  من  الدين المندائي

،  حيث تحل  الفرقه  او  التفريق  الجسدي بينهما لمدة  خمسة  عشر  سنة ،

يجوز  الرجوع لعش الزوجيه  ان  إرتأيا  ذلك ، وان  حالة  الزنا  تشمل

الرجل ايضا مثلما  تشمل المرأة  ، لأن النص الحكمي بالدين جاء  مطلقا

والاطلاق يبقى  على  اطلاقه ، كما  تنص  القاعده الفقهيه وعليه  يفترض

ان  يكون الحكم  واحد  لكليهما ، علما  ان  الفرد المندائي  المخطأ

دينيا لا  يُنبذ  الا  في  حالة  الاصرار  على  الخطأ ،  بعد نفاذ

محاولة  هدايته  ومنحه  ثلاثة  فرص لأصلاح  حاله ، وعلى  هذا  السياق فان

حرمان الزواج  باكثر  من زوجه  واحده وارد  منطقيا ولو ان  الكتب

المندائيه  المقدسة  لم  يرد  فيها يجيز او  ما  يجيز صراحة تعدد الزوجات

، وتبعا لهذه  الحاله فهي لا  تتفق بالمطلق  واندماج  الزوجين  روحيا ،

حيث  لا  مجال  للأخر  الجديد ان  يحل او  يناصف  الاول بكافة  ما  اوصت

به  المندائيه  للرجل  الزوج ( راجع  كتاب  الكنزاربا  المقدس ) . وان

مسالة  العدل  والمساواة والحب  الملزمه   دينيا  لا  يمكن  للزوج   بل

يستحيل  له  ان يمنحها لأكثر  من  زوجه واحده  في  آن  واحد مهما  ادعى

الانصاف !!

 

تعطي  المندائية  اهمية  اسمى  لمسألة  الزواج ، وممارسة  الطقوس  الخاصه

به  بسبب  اعتباره  الخطوة  الاولى  لأنشاء  كيان  الاسره  وهو  غاية

الحياة  وديمومتها ،  وكون  الامر  يتعلق  بكثير  من  حقوق  المرأه

وواجباتها ،  وما  ينتج  عن  هذا  الزواج  وما  يتعلق  به  وبسببه  من

تلك  الحقوق  الشخصيه  منها  والمدنيه ،  لذا  سأبين  للقارئ  الكريم

ماهية  هذا  الطقس  الديني  المندائي  باختصار  شديد .

اتطرق الان الى عقد  القران (  المهر ) والأجراءأت  الموضوعيه التي من

شانها  تٌؤسَس او تُبنى عليها حقوق المرأة  ابتداء.

 

انا  لست  بصدد  عرض  الطقوس  وشكلية الممارسات ،  ولكني  اخص  منها  فقط

معلومة  القسم  او  الحلف  وفق  صيغته  الثابتة ،  وهو ما  يسمى ب(

الكشطا ) اي العهد الذي  يؤديه  العروسان ، وهذا  العهد او  الميثاق او

الامانه او الصدق والاخلاص كما يفسر بالعربيه ، إذا  ما  دُرِس  بشكل

دقيق  فانه  يشير  الى  امور  كثيره  ومعانٍ  عميقه  تجسد  العلاقة

المستقبليه  بين  الزوجين  وما  يترتب  عليها  من حقوق  وواجبات ، ويمكن

ان  تبنى  عليها  الاحكام  القانونيه الشخصيه  والمدنية ، ولهذا  لا  بد

للقارئ  الكريم  ان  يطلع  على  مضمون حلف  اليمين  او  القسم  الديني ،

اوما يطلق  عليه بالعهد  وما  يحتويه عقد  الزواج  من  مفاهيم تعتبر

جوهرية واساسيه في حياة  الزوجين  والاسره  عامة .

صيغة  العهد   (  الكشطا )

تقول  الباحثه المندائية القديره الاستاذه ناجيه المراني  ما  يلي :--

يؤدي  قسم الاخلاص الامانه  (كشط  ياقرا) من  قبل  كل  من  العروسين

لصاحبه ، ويعلن هذا  القسم  امام  الله  تعالى  وملائكته  وكل  الحاضرين

من  رجال  الدين  والاصدقاء .  والقسم  الذي  يؤديه  الرجل  يقول  فيه :

 

((هذا  عهد  قطعته  على  نفسي  امام  الشهود  باني  سأخذ  فلانه  بنت

فلانه  زوجة  شرعية  لي ، يشهد  الله  الحي  العليم  ويشهد  رسله

وملائكته الاثيريون  ويشهد  هؤلاء  الكهنة  والمندائيون ، كلهم  شهودي

باني  لن  احيد  عن  عهدي  وميثاقي  ولن  اخون  زوجتي  او  اغشها  وسوف

اوليها  رعايتي  وأسالمها  بالحق  وأفي  بعهودي  التي  ربطتني  بها  امام

الله  تعالى  .))

 

((اما  القسم  الذي  تؤديه  الفتاة  فيكون  بعد  ان  يناولها  الكاهن

قطعة  الرغيف  الذي  اكل  منه  الزوج  ويطلب  منها  ان  تقسم  انها  سوف

لا  تأكل  إلا  منه  فتفعل  وتكون  بذلك  قد  أعطت  وعدا  بانها  ستشاركه

الحياة  هو  وحده  ))

ويلاحظ  ان  العهد  جاء  بكثير  من  الدلالات  والمفاهيم ،  فقد  ركزّ

على الاخلاص  والمحبه  والمشاركه التامه بينهما بالخير والشر والغنى

والفقر، والتعامل مع  بعضهما  البعض بالحسنى  والعدل  والمساواة  وغيرها

من  مبادئ  الاخلاق والاحكام الدينيه  والانسانية  والاجتماعية ،  وكذلك

يوصي بحسن  المعاشرة  والتفاهم  المتبادل  بين  الطرفين ، واعتبار كل

ذلك  اساس بناء  جسور  الثقه بينهما والتعامل باحترام وصدق خلال مسيرة

العشرة الزوجيه ، لانهاء  مشوار العمر  سوية مع  بعض  بسلام  وسعاده

واطمئنان.

توصي  الديانه  المندائيه  بالزواج  وتنهي  جميع  المندائيين  بما  في

ذلك  رجال  الدين  تنهاهم  عن  العزوبه ،  ويعني  ضمنا  حب  الحياة

والتعلق  بها  كضروره لأدامة الخلق  وكحاله  ابديه لا  تنقطع ، فقد  جاء

في  تعاليمها ما  يلي :

· وإمروا  ان  تتخذوا  لأنفسكم  ازواجا  تعمر  وتكبر  الدنيا  بكم

· ايها الرجل اتخذ  لنفسك  زوجه  ويحب  ويرحم  احدكما  الاخر

· وإمروا  ان  تتزوجوا  لكي  تعمر  الدنيا  بكم  وتزدهر

· امسكوا   اجسادكم  عن  معاشرة  ازواج  الأخرين

· وتراحموا  وبروا  ببعضكم  البعض  الى  اليوم  الاخر  العظيم  اذ  تبطل

اخوة  الجسد  وتقوم  اخوتكم  ومحبتكم  بالحق  فترفعكم  اعلى  عليين

· يا ايها الرجال  ان  اتخذتم لأنفسكم  ازواجا  فاحبوهن  وليحفظ  كل  منكما

الاخر

· وفي  كتاب ( دراشا  اد  يهيا ) المقدس اي  وصايا  النبي  يحيى  عليه

السلام ( لو  لم  تكن  المرأة  في  هذا  العالم  لما  خُلقت السماء

والارض ،  وما  اشرقت  الشمس  وأنار  القمر .  فالزوجه  مثل  الماء ..

· وهناك  كثير  من النصوص المندائيه  التي تمجد المرأة  وتدخل  ضمن  هذه

المفاهيم  التي  تخص  المرأة  بالذات  .

 

كان  ذلك  في  الجانب  الديني  اما  في  الجانب  الاجتماعي والتربوي  فقد

اؤكل  للمرأة  مثل  الرجل  تماما مسؤولية  ادارة  بيت  الاسره  وتربية

الاولاد  تربيه  صالحه  دينيه ودنيويه ، اضافة  الى ذلك  واجبات  اساسيه

انيطت بها ،   فعليها ان تعلم  الاولاد  العلم  والثقافه الدينيه المبنيه

على  روح  التسامح والسلم  والصدق والنضافه  الجسديه  والروحيه ومساعدة

الغير  واعطاء  الصدقه  وهي امور معرفيه حياتيه يوميه ، تقع  ضمن مفهوم

الاخلاق  الحميده والتوجيه  الصالح  داخل  وخارج  الجمع المندائي ،  يضاف

لها  مساعدة  الرجل  زوجها  في  اعماله  وكدحه  اليومي  من  اجل  ضمان

الحياة الحره  الكريمه  للاسره .اذ  من  المعلوم  ان  المندائيين كانوا

بالماضي   قوما  حرفيين ،  يمتهنون الحداده  والنجاره  والصياغة وبناء

القوارب وطليها  بمادة  القار  والزراعه  في  بعض  الحالات ،  ويعيشون في

الارياف  بعيدا  عن  مراكز  السلطه  والتسلط ،  فكانت  المرأة تساعد

زوجها بهذه  الاعمال       والاشتراك  معه بشكل  مباشر  ، اضافة  الى

العنايه  بتربية  المواشي  (  البقر )  بصوره  خاصه،  حيث تقوم  المراة

بعملية حلب هذه  الحيوانات  وتهيئة  الالبان  التي  كانت  تعتبر مصدرأ

اساسيا  من  مصادر  العيش للمندائيين ، وهي  مهمه صعبه  تؤديها  هذه

الانسانه ، كما  عليها صيد  الاسماك باستخدام  القوارب (  المشاحيف )

بالتعاون  مع  الرجل ،  وتأمين علف الحيونات  وجمع  الحطب والقصب

والبردي والتهبيش ( سحق  البذور بما يسمى الجاون ) وطحنها  بالمجرشه  قبل

طبخها  وهناك  امور  كثيره  يصعب  حصرها .  هكذا  كانت  المرأة

المندائيه تؤدي  واجباتها بطيب  خاطر ايام  زمان وفي  الاعصره  الغابره

قبل  النزوح  للمدن كمثيلاتها من نسوة  الاقوام  المحيطه  بهم  كما

سياتي  ذكره ..

 

لقد جاء  بكتاب  مفاهيم  صابئية  مندائيه   للباحثه  المندائيه

المذكوراسمها اعلاه الاستاذه  ناجيه  المراني  قولها ،  في  مسالة

الزواج  الذي  هو  فرض  والزام  بالديانه  المندائيه  وموقف هذه  الديانه

من  المرأة (  وإمروا  ان  تجدوا لأنفسكم ازواجا  لكي تعمر  وتكبر

الدنيا  بكم )  لاحظ  ان  هذا  النص العربي المترجم  عن  اللغه

المندائيه ،  جاء مشروطا ومبني  للمجهول وبصيغة  الجمع  نساء  ورجالا ،

وهو  واضح  وصريح  به  يعطي الجنسين  الذكر  والانثى  الحق  بالتفتيش  عن

الزوج  المناسب  لكل  منهما ،  وكذلك  هي الدعوة الى  العمل والجد

والمثابره  المشتركه   من  اجل  الاعمار  وتقدم  الدنيا وسعادة  الانسان

ومعلوم  ان التقدم  والبناء  والازدهار  لا  يتم  الا باشتراك اكثر من

يد عامله واحده ،  ويعني هذا  بالضرورة انجاب  الذريه والتعاون مع

الاخرين ، وبالمعرفه العلميه والعمل الجمعي المشترك المثمر الجاد من قبل

الزوجين وذريتهما التي  هي النتيجه  الحتميه  للزواج ،  وعليه لا  فرق

بين المراة  والرجل  بهذا  الشأن ولأن  مسؤليتهما  واحده لا  تتجزأ .

 

يحق  للفتاة  المندائيه  اختيار  شريك  حياتها  بملئ  ارادتها  دون

اكراه  او  تدخل  الاهل  والاقارب ، حيث  اتاحت العادات والتقاليد  اضافة

الى  التجمعات  واللقاءآت  في  اوقات الممارسات الدينيه للفتاة

المندائيه ، حرية  الاختلاط  بين  الذكر  والانثى والتزاور  بين  العوائل

المندائيه  ايام  الاعياد ،  وفي  اي  وقت من  الاوقات وفق الحاله

العرفيه التي  كانت  سائده  سابقا  ،  والتي  ترجمت  حاليا بمقوله (

المندائيون  عائلة  واحده ) ،  وكذلك  امكانية المعرفة الكامله لشجرة

السلالات والعوائل المندائيه ، وتلاحم  بعضها مع بعض مما  سهل  للفتاة

التعرف  عن  قرب لفتى  احلامها وعن  اصله  وفصله  بكل  سهوله  ويسر ، ان

كانت  قد  بلغت  سن  الرشد  الذي  هو  ثمانية  عشرة  سنة ، كما يحق  لها

الزواج  بموافقة  الاب  ان  كانت  قد  بلغت  الخامسة  عشرة  من  العمر ،

وهو سن  الادراك  والتمييز وفي  كلتي الحالتين ،  يجب  اخذ  موافقتها

الشخصيه  بالذات ، ولا  يجوز  عقد  الزواج  الا  بحضورها ، ولا  تقبل

الوكاله  او  النيابه  عنها ، ولأن  الزواج  لدى  المندائيين  اشهار

واعلام ، ولذا على  العروس  ان  تجاهر  بالموافقه بصوت  عال ، ردا  منها

على  سؤال رجل الدين العاقد قبيل  عقد  الزواج ، و ليسمعها  كافة الحضور

من  رجال  الدين  والشهود  كما  ورد  في  صيغة  العهد  اعلاه .

وابتداء كما  قلنا اعطى الدين المندائي الطرفين  حرية  الاختيار ،

يعقبها  فترة  خطوبه  لمدة  مناسبه  ومنع  تدخل  الاهل  والاقرباء وباية

صفة  كانت ، الا  للفتاة التي  لم تصل بعد  سن  الرشد  ، والتي  يلزم

اخذ موافقة  الابوين حفاظا على حقوقها باعتبار تنقصها الدرايه والقدره

الكافيه على  ادراك الامور  والتمييز  بين ما  هو  صالح  وما  هو  طالح

.

هناك   حالة  اود  ان استنتجها  مما  اوردته  اعلاه  حيث  ان  الفتاة

المندائيه  التي  تبلغ  سن  الرشد ،  يفترض  ان تكون  قادرة  لمعرفة ما

يخدم  مصالحها او يضرها،  وهي  حرة  بحياتها وتصرفاتها ، ومن  هذا

المنطلق  ارى  انها قادرة  على  تزويج  نفسها بنفسها ، حتى  بدون  وجود

الاب  او  المحرم ، ما  دام  وجود من يحل  محله دينيا وعرفيا ،  ذلك

الاب  الروحي في  عقد  المهر  المندائي ،  (  الاشكندا )  المساعد  لرجل

الدين العاقد ، وهو الوكيل  الشرعي  للعروسه  يقوم  مقام  الاب ، ويفترض

سماع رأي  العروسه  كما  اسلفنا اعلاه وعليه ان  يبلغ  موقفها  بالقبول

اوالايجاب علنا  .

 

لم  تتيسر لدينا  المعلومات  الاكيده  التي  يمكن  الركون  اليها  حول

معرفة المركز القانوني والوظيفي  للمرأة المندائية  في  مجتعات وتجمعات

المندائيين أبان  العهود  القديمه ، كما  لم  يثبت على  وجه  اليقين  من

انهم  قاموا بتاسيس نظام دوله  او كيان سياسي  يخصهم ، وعلى  الاكثر انها

ظلت  تتولى ذات  المسؤوليات  في ادارة  الاسرة ومساعدة  الزوج  باعماله

لتوفير اسباب  العيش.

 

مرت  عهود  على  المندائيين  وهم  بين  رحيل  وترحال  جراء  تعرضهم

للعنف  والاضطهاد حتى  استقر  بهم  الحال  في  جنوب  وادي  الرافدين ،

وتحديدا  في منطقه البطائح  المحصوره  بين  ايران  والعراق ، وهي  منطقة

اهوار  ومياه  وكانت  هي  السبيل  الوحيد  لتامين  الحماية  لهم

والمحافظه على  ديمومة  بقاءهم ،  وكان  لا بد  وبشكل  من الاشكال

التعايش  مع  الاقوام  والتجمعات  البشرية  التي  تحيط بهم وتتعامل  معهم

،  وبالتأكيد  هنا حصل  تداخل  وتلاقح  واقتباس وترابط  العادات

والتقاليد  والممارسات  الحياتيه اليوميه  بشكلها الواسع ،  شملت الحقوق

والالتزامات والممارسات والواجبات والتحالفات  بما يطلق عليه  بمصطلح (

ذب  الجرش ) ، التي  قبلها  الجمع المندائي  مكرها ،  لقاء التزامات

الطرف الاخر بالحمايه  ضمن  القبيله ، وبالتأكيد ايضا ان  هذه  المتغيرات

مست حقوق  المرأة  المندائيه بل طالت كل  مكتسباتها  التي  ورثتها  وعاشت

عليها ، خاصة بعد ان شاعت  بينهم تلك  الاحكام والفرائض الدينيه التي اتى

بها الشرع الاسلامي ، ومارستها الاقوام المجاوره  لهم  والمختلطه  معهم

، منها  امور  شكليه  ومنها  امور  موضوعيه وقانونيه ، مثل  مسالة الحجاب

وارتداء العباءه والنظره العشائريه للمرأة ،  باعتبارها انسانه دون

مستوى الرجل علما والتزاما ( وهي ناقصة  العقل  والدين ) ،  وهي عٌوره

وعار ، فهي حرمه ، وفصليه ، ورهينة ابن العم ما  يطلق عليه ب( النهوه ) ،

والمختطفه ، والمنهوبه ، والمسبيه عنوة ، والمستهدفه  بالغزوات

والتناحرات بين  القبائل ،  والرجال  قوامون  على  النساء ، ومصطلح

المٌحرم  والولي  والسطوه  الابويه ، وممارسة جريمة  القتل ضدها  بدعوى

صيانة  شرف  الرجل وما  يسمى  ب(  غسل  العار ) ، حتى  شملت الضرب المبرح

من  باب  التأديب والتأنيب ، وسجينة البيت ، وهكذا اصبحت المرأة

المندائيه رهينة  التقاليد  الجديده ، وقد تضررت  مصالحها  ضررا بليغا لم

تألفها  من  قبل ، بحيث  تحولت  من مركز  القياده  للاسره والعائله ،

الى سلعه ووسيله ملازمة في بيت الزوجيه ، وفرضت  عليها  مبادئ  واحكام

قانونيه  هي غريبه عن مبادئها ، فشهادة المرأة نصف  شهادة  الرجل ،

وسهامها  بالميراث النصف ايضا ، وغيرها من الاعتبارات والاحكام  التعسفيه

، جراء وطأة العرف والتقاليد  العشائريه اعلاه التي  لم  تكن يوما من

الايام من  احكام  الدين  المندائي ، مما جعلت من  المرأة المندائيه

مسلوبة  الاراده  مهضومة  الحقوق تحت رحمة الرجل وعنفوانه ، فكل هذه

وغيرها من  الاسباب  كانت عاملا رئيسيا  من عوامل  تخلف  المرأة

المندائيه ، وكانت  هي  ضحيه المجتمع  وتحت السطوة الذكوريه وتفرد  الرجل

، مدعوما ومستندا الى عادات ومفاهيم  متخلقة وغريبه ليست  من  صلب احكام

الدين المندائي ولا بارادة  المندائيين انفسهم ، الذين  غدوا بحكم

الاقتباس يتصرفون باسم العشيره  والقبيله والاسره الكبيره  ولا تزال

بقاياها  وترسباتها موجودتان  حتى هذا اليوم ،  وكانت المرأة  المندائيه

هي  الضحيه الاولى  في  المجتمع  المندائي   .

الحقيقه  ان  ما  طرحته  اعلاه يعود  الى  فتره سابقه  جدا تسبق  الحكم

العثماني وخلاله  حتى  الحكم  الوطني  وتاسيس  الدوله  العراقيه  الحديثه

سنة  1921  ميلادي .

المركز  القانوني  للمرأة  المندائيه  منذ ولادة الحكم  الوطني بالعراق

 

في  سنة  1917 اصدرت  سلطة  الاحتلال  البريطاني  للعراق بيان  المحاكم

الذي  بموجبه جرى  تنظيم  امور  الاحوال الشخصية  للمسلمين  والمواد

الشخصيه لغير  المسلمين ، والذي  لا  يزال  ساري  المفعول  حتى  هذا

اليوم  بالنسبة  للطوائف  غير  المسلمه ، وما  يهمنا من  هذه  المعلومه

عرض الحاله  بالتفاصيل  منذ  نشؤ  الدوله  العراقيه  الحديثه حتى  وقتنا

الحالي  وذلك  لما  لها  من  تاثير  مباشر على حقوق  المراة  المندائيه

صاحبة  المصلحة دون  الرجل

الاخبارالمرويه عن المندائيين للفتره التي سبقت الحرب العالميه كانت

الخلافات والخصومات تحل وفق النصوص  الوارده  في كتبهم الدينيه والعرف

والتقاليد ، وأن رجال الدين منهم كانوا يتولون هذا الامر ، وعلى سياق

العرف العشائري السائد آنذاك . وفي اوآخر الحكم العثماني في العراق ،

كانت تطبق بحقهم قوانين الدوله العثمانيه فيما يخص القضايا المدنيه فقط .

وكما  مر فمنذ سنة 1917 بعد الاحتلال البريطاني للعراق ، أخذت تطبق بحقهم

القوانين المدنيه في الامور المدنيه التي قامت بوضعها الحكومه العراقيه

بعد اعلان الحكم الوطني ، وصدور القانون الاساسي لعام آذار /  1925 ، وأن

تلك الاحكام كانت تسمى ب( احكام المجله ) أما ما يتعلق بشئون الاحوال

الشخصيه ( الشرعيه ) فكانت تطبق بحقهم الاحكام الشرعيه الاسلاميه السنيه

وفق المذهب الحنفي ، مما أضر ذلك كثيرا بحقوق الطائفه المندائيه وعلى

الاخص  المرأة  . إذ اجاز للرجل  المندائي  ايقاع  الطلاق  من  زوجته

وفق  هذا  المذهب وجراء  ذلك  حدثت  كثير  من  حالات التعسف  قام  بها

الزوج  بايقاع  الطلاق  حتى  داخل  ساحة  المحكمه ، في حين أن باقي

الاديان و الطوائف ( المسيحيه بمختلق فصائلها واليهوديه ) كانت من اختصاص

المحاكم المدنيه الوظيفي ( محاكم المواد الشخصيه ) وحسب معتقداتها

الدينيه ، استنادا الى الاحكام الوارده في بيان المحاكم رقم 21 لسنة 1917

الذي كانت قد اصدرته السلطات البريطانيه بعيد الاحتلال كما  اشرت اليه

اعلاه ، والذي لا يزال ساري المفعول حتى الان . استمرت الحاله بالنسبه

للمندائيين حتى سنة 1979 حيث أصبحت الاحوال الشخصيه من اختصاص محكمة

المواد الشخصيه ( محكمة البداءه ) كما هو مفروض ، بعد أن أصدرت محكمة

تمييز العراق قرارا بهذا الشأن يعود الى إحدى الدعاوى المميزه لديها .

ومع ذلك لم تلتزم به المحاكم الاخرى ، بحجة عدم التبليغ به ، وعدم تعميمه

من قبل وزارة العدل للعمل بموجبه كقاعده قانونيه . مما أصبحت الحاله

سائبه ، وأدى ذلك الى أن كل قاضي سواء كان قاضي مدنيه أو أحوال يقوم بنظر

الدعوى وحسمها حسب اجتهاده الشخصي ، دون ملاحظة عدم إختصاص المحكمه

الوظيفي أوالرجوع الى أحكام الشريعه المندائيه . وفي هذه الحاله بقت

الولايه لمحكمة الموضوع . والحق أن قاضي الموضوع معذور من هذه الناحيه

ولديه أسبابه القانونيه ، أولها فقدان النص القانوني لهذه الطائفه ،

وثانيها ليس لديه ما يحكم بمقتضاه تنفيذا للقاعدة القانونيه ( لا حكم

بدون نص قانوني ) وكان لا بد للقاضي في مثل هذه الحالة أن يتبع القياس

والسوابق القضائيه التي أصدرتها المحاكم من قبله وجرى الحكم بموجبها .

وللارتباك والتردد والاختلاف الحاصل في تطبيق القانون وتعيين المحكمه

المختصه وعدم توحيد الاحكام التي كانت تصدر من قبل محاكم العراق المدنيه

مره والشرعيه مرة اخرى ، قامت الحكومه الساقطه بايجاد حلا إداريا عندما

أوجدت بعض الهياكل التنظيميه للطائفه ، ومحكمة سَميت المحكمة الشرعية

المندائية ، مع بعض النصوص التي وضعها بعض أبناء الطائفه . اما الغاية

التي من أجلها استحدثت هذه النصوص هي لأسباب ليست خافية على أحد إذ كان

الغرض منها الكسب الدعائي للحكم بحجة ما يسمى ( بالحمله الايمانيه ) التي

أبدعها الفكر الشمولي الحاكم كذبا وبهتانا ، إضافة الى توخي إحتواء

الطائفة ككل وإسكات الاصوات  المندائيه  القليله والمطالبلة في إيجاد

الحلول لمشاكلها المستعصيه بشكل عام و الاحوال الشخصية بشكل خاص

ومع كل  السلبيات  والمعوقات  التي واجهت  المرأة  المندائيه، فقد  شاركت

الرجل  المندائي في التوجه  صوب  العلم والمعرفه بعد نزوح  المندائيين

من  الريف ،  وابان  الحكم  الوطني  للعراق  في  بداية  القرن العشرين ،

وتمكنت  من  دخول  ميدان  الثقافه  بشغف  وتصميم اثبتت  جدارتها  في

كافة  فروع  المعرفه ،  ومما  يلفت  النظر  انها  ولا  تزال تنهل  من

هذه  العلوم  الشيئ  الكثير ، وبرزت في  الحياة  العامه  بشكل فاعل وجدير

بالاحترام ، يدعو  المندائيين  الى  الفخر والاعتزاز بها ، الا  انها

لا  زالت  تعاني  من  قوانين تحد  من حقوقها  السياسيه  والاجتماعيه

والقانونيه ،  ولا  سيما  في  جانب الحقوق  الشخصيه المستوحاة  من  نصوص

قانوينه  جائره جامده  تستوجب التعديل .  ورغم ما أستحدث لهذا الغرض ، من

كيانات وتنظيمات ومؤسسات اداريه للمندائيين مؤخرا وإصدار بحقهم ما سمي

ب(التعليمات الداخليه ) من قبل وزارة الاوقاف والشوؤن الدينيه ، والتي

بموجبها أوجدت ما يسمى ب( المحكمة الشرعية المندائية ) كما اسلفنا ، إلا

أنها غير شرعية ، ولا سند لها من القانون الدستوري المؤقت ، ولا حتى

القانون الوضعي للعراق إسوة بالطوائف الاخرى. حيث أن الدوله العراقيه

بالاساس ، لم تعترف رسميا بالصابئه المندائيين حتى الان ، اسوة

بالاديان السماويه الاخرى ، وان تلك التعليمات من السهل جدا الغائها  ممن

اصدرها ، وهي تقع ضمن صلاحياته اي صلاحيات وزير الاوقاف نفسه

المندائيون في دساتير الدوله العراقيه المتعاقبه وموقع  المرأة منها :

الحقيقه الثابته أن دساتير الدوله العراقيه المتعاقبه تنص كلها و بشكل

عام - أن العراقيين سواسيه أمام القانون - هذا من حيث ظاهر الحال إلا

انها خلاف ذلك عند التطبيق .فمثلا ان الماده السادسه من القانون الاساسي

الملكي الصادر سنة 1925 تنص كما يلي : ( لا فرق بين العراقيين امام

القانون , وإن اختلفوا في القوميه , والدين , واللغه. )

والماده 16 من نفس القانون تنص ( للطوائف المختلفه حق تأسيس المدارس

لتعليم افرادها بلغاتها الخاصه والاحتفظ بها على ان يكون ذلك موافقا

للمناهج العامه التي تعين قانونا )

وتعليقي على ذلك هو ان الماده ( 13 ) منه تتعارض وفحوى هذه الماده والتي

قبلها , فهي تنص ما يلي ( الاسلام دين الدوله الرسمي... الخ.) ويعني ذلك

الغاء كل حق للطوائف الاخرى ، بل يفسخ جميع المواد ذات العلاقه بشئونهم

الدينيه ما لم يصدر قانون وضعي خاص بهم ينظم احوالهم

أما المواد 75 و 76 و 78 و79 منه والمتعلقه بالسلطه القضائيه فقد نصت على

تشكيل المحاكم الدينيه لغير المسلمين ( المسيحيين والموسويين ) فقط وحجبت

تماما عن الصايئه المندائيين و كما يلي نصوص المواد :

الماده 75 – تقسم المحاكم الدينيه الى : 1- المحاكم الشرعيه 2- المجالس

الروحانيه الطائفيه

الماده 78 – تشمل المجالس الروحانيه الطائفيه , المجالس الروحانيه

الموسويه , والمجالس الروحانيه المسيحيه , وتؤسس تلك المجالس , وتخول

القضاء بقانون خاص .

الماده 79 – في المواد المتعلقه بالنكاح , والصداق , والتفريق , والنفقه

الزوجيه , وتصديق الوصايا ,ما لم تكن مصدقة من كاتب العدل , خلا الامور

الداخله ضمن اختصاصات المحاكم المدنيه في ما يخص افراد الطائفه عدا

الاجانب منهم .

يلاحظ القارئ الكريم ان ليس للصابئه المندائيين أي ذكر بهذا الشأن. وقد

تجاهلهم المشرع تماما وعن قصد وتصميم كليا . هذه الحاله بالنسبه للقانون

الاساسي الملكي ( الدستور ) .

وللاسف أن الدستور العراقي المؤقت الصادر بعد  ثورة  تموز سنة 1958 فهو

الاخر تناسى الصابئه أيضا , وجاء بنفس الماده التي تقول ( الاسلام دين

الدوله ) وهي الماده رقم 4 من الباب الاول .

والماده 9 منه – المواطنون سواسيه أمام القانون في الحقوق والواجبات

العامه و لا يجوز التمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الاصل أو اللغه أو

الدين أو العقيده .

الماده 12 – حرية الاديان مضمونه , وينضم القانون أداء وظيفتها على أن لا

تكون مخله بالنظام العام و لا منافيه مع الاداب العامه .

والملاحظ أن المشرع لم يتطرق الى القوانين الخاصه بالطوائف الاخرى بل

تركها كما هي , وأعني بذلك أن لا جديد بالنسبه للصابئه ، ولم تنظم بحقهم

القوانيين الخاصه بهم ، كما نصت الماده المشار اليها ، أما الطوائف (

المسيحيه واليهوديه فهي بالاصل لديها قوانينها المشرعة باقيه ولا حاجه

لها بتشريع غيرها .

أما الدستور المؤقت لعام 1964 : هو الاخر كرر النص نفسه , ففي الباب

الاول الماده 3 تنص : الاسلام دين الدوله والقاعده الاساسيه لدستورها

واللغه العربيه لغتها الرسميه .

الماده 28 – حرية الاديان مضمونه وتحمي الدوله حرية القيام بشعائرها على

أن لا يخل ذلك في النظام العام , أو ينافي الاداب .

دستور 21 ايلول 1968 المؤقت - جاء هو أيضا بنفس الصيغه والمفهوم بل اكثر

تزمتا ورجعية بالنسبه للاديان غير المسلمه والصابئة على وجه التعيين .

وللتاريخ اؤكد ثانية أن جميع الدساتير المتعاقبة كما أسلفت خالية تماما

عن أية إشارة أو إقرار بالطائفة الصابئية المندائية ، وبالتالي فانها أي

الطائفة لا سند لها من القانون ، ووفق هذا المفهوم لا تسمع لها شكواها أو

مقاضاة الغير بالامور الدينية ، ولا يتمتع أفرادها بالحقوق كاملة إسوة

بالاخرين من ابناء الشعب هذا من الناحية الدينية مما جعل  المرأة

المندائيه بلا حقوق  كانت  قد  وفرتها  لها  النصوص  الدينيه  المندائيه

واصبح  حالها  حال  الاخريات  من النسوة الاسلاميات  عنوة  وفرضا

قانونيا . فمثلا ان  الماده  41  من  قانون  الاحوال  الشخصيه رقم  111

لسنة  1968  المعدل  اعطت  للزوج الحق  بضرب زوجته  من  باب  ما  يسمى

التاديب  على  شرط ان  الضرب  يجب  ان  لا  يكون  مبرحا  ولا  يزال  هذا

النص  معمول  به حتى الان وهي بحق  اهانة  بكرامة  المرأة  واذلال  لها .

وتأسيسا لهذا الرأي فان باقي حقوق المندائيين السياسية والمدنية

والانسانية هي الاخرى غير معترف بها ضمنا . وهي مطبقة عمليا أمام القضاء

عند حصول الخصومات ما بين الصابئي والمسلم ، ولدينا وقائع وأحداث حية

بهذا الشأن . منها على سبيل المثال :

· في حالة قيام الفرد الصابئي المندائي الزوج كان أو الزوجة باشهار

إسلامه عن طريق الترغيب أو والترهيب  فان الاولاد القاصرين ، أي دون

الثامنة عشر من أعمارهم يصبحون تلقائيا اسلاما ، استنادا الى حكم الشرع

الاسلامي . ووفق هذه الحالة يكون من حق الاب المسلم أخذ الاطفال من الطرف

الثاني ، التي هي الام الصابئية الزاما وبحكم قضائي ، على أساس أن من

مصلحة القاصرين تولي الاب المسلم حضانة و رعاية وتربية هؤلاء ، وفقا

لتفسير الشريعة الاسلامية باعتبارها الافضل دينا لصالح الطفل . وهذه

الحالة تشكل خرقا فاضحا للقانون العراقي نفسه الذي ينص أن الحضانة للام

لا ينازعها على هذا الحق الاب او غيره من الاقرباء . وكذلك يشكل خرقا

لحقوق الاطفال القاصرين . وعدم مراعاة حقوق الاسرة والامومة . مما يؤثر

سلبا على حالة الام  المندائيه والاطفال النفسية وخرقا للحقوق الانسانية

بابعادهم عن امهاتهم عنوة ، وإن هذه الحقوق التي نصت عليها القوانيين

الدولية وحقوق الانسان ، تكون قد إعتدي عليها عمدا من قبل الدولة أولا ،

ومن قبل الجهة القضائية ثانيا ، وإكمالا للحديث فقد أوجد المشرع حلا غير

مجديا لهذه الحالة

والمؤلم في هذا كله أن الدولة تكون هي الخصم في الدعوى ، وهي بذلك تنازع

الفرد في

حقوقه الذاتية المحضة وقناعته وشعوره وأحاسيسه النفسية ، لأن مسألة الدين

كما هو معلوم متعلقة أصلا بضمير وقناعة الفرد وإختياره ، وليس عن طريق

الاكراه والفرض ، كما أنها لا تأخذ بنظر الاعتبار حقوقه ، التي ضمنها له

قانون الدولي العام والخاص قبل قوانين دولته العراقية . وأن هذا الاجراء

يعتبرمعيبا في القضاء العراقي ولا مثيل له في بلدان العالم المتحضر . ومن

المؤسف حقا ان محكمة الموضوع تعود الى نصوص قانون قديم جدا في تكييُفها

للدعوى ، وهو ما يسمى ببيان المحاكم1917 كما بينته اعلاه .

الان وبعد زوال الحكم التعسفي الجائر ، والعراق في مرحلة بناء وتشريع

قوانين  وضعيه  ، والتي  يفترض بها  ان تستند على المبادئ الديموقراطية ،

وتعترف بالتعديدة الدينية والطائفية ، وان  تضمن حقوق كافة أطياف الشعب ،

وتؤمن للجميع الحرية ، والمساواة ، وحرية الرأي ، والمعتقد ، أصبح أمر

إعطاء الطوائف الدينية المختلفة والصابئة احداها حقوقها المشروعة ، من

المهام الملحة الملقاة على عاتق البرلمان  العراقي ولجنة تعديل الدستور

وذوي الشأن ، وأن يلتفتوا الى مطاليب هذه الطائفة التي تنسجم مع الاعراف

والاخلاق وحقوق المواطنة و لا تتعارض وقوانين الدولة الوضعية

وتبقى  المرأة  المندائيه  هي  الخاسر  والمهضوم  قانونيا  وانسانيا

واجتماعيا  تحت  ظل  الدستور  القائم والقوانين  الوضعيه  السائده وتبقى

النصوص  الدينيه المندائيه  رغم  قدمها  هي الاصلح  والاوفر  وطئة  مما

سببته لها القوانين  الوضعيه اعلاه

 

المصادر

1- كتاب  الكنزا ريا  المقدس ترجمة  استراليا

2- كتاب  نصوص  صابئيه  مندائيه  للاستاذه  ناجيه  المراني

3- دساتير  وقوانين  العراقيه  القديمه  والحديثه

4- ممارسات  شخصيه  من  واقع  المحاكم وتطبيقات قانونيه امام  القضاء

العراقي

نشرت في وجهة نظر

عربي فرحان جوال الخميسي، سجل حافل من النضالات والنشاطات السياسية. وذاكرة حيوية من المعلومات، والاسماء. الحديث معه يقود عبر مسارات عديدة، كان من خلالها معاصرا لعدد من الاسماء، وشاهدا على احداث وصفحات بارزة في تاريخ شعبنا العراقي. ولد عام 1927، في ارياف قضاء قلعة صالح، محافظة العمارة لعائلة فقيرة، وكان ابوه يمتهن حرفة الحدادة والنجارة. درس في الكلية العسكرية العراقية أعوام 1946 - 1949، ثم انهى مدرسة المشاة البريطانية سنة 1954، وكلية الاركان العراقية سنة 1959، والجامعة المستنصرية - كلية القانون والسياسة سنة 1976. بعد تخرجه من الكلية العسكرية العراقية، برتبة ملازم عمل في وحدات الجيش المختلفة في صنف المشاة، خاصة في المنطقة الجنوبية من العراق (الفرقة الاولى) تحت امرة عدد من قادة الجيش العراقي انذاك منهم، العقيد الركن وفيق عارف والمقدم الركن عبد الوهاب الشواف والمقدم ابراهيم حسين الجبوري وغيرهم. وعمل معلما (امر فصيل) في مدرسة الصنائع العسكرية في بغداد سنة 1952 حتى منتصف سنة 1954. ثم معلما اقدم لدورات الضباط بمدرسة الاسلحة الخفيفة في معسكر الوشاش بغداد سنة 1955، وصار مفتش تدريب الجيش في مديرية التدريب العسكري بوزارة الدفاع. وبعد تخرجه من كلية الاركان عمل ضابط ركن الحركات الثالث لمقر لواء المشاة الخامس عشر والاستخبارات لموقع البصرة العسكري سنة 1958 – 1959.

 لنبدأ مع قراء "طريق الشعب " من ملابسات اعتقالك عدة مرات وفي عهود مختلفة؟

 ـ في 4/7/1959 احلت على التقاعد لأسباب سياسية، وفي 31/12/1959 القي علي القبض وفي اليوم التالي صدر الحكم بالحبس لمدة سنة ونصف من قبل المجلس العرفي العسكري الاول والارسال الى سجن العماره ومن ثم سجن نقرة السلمان، اطلق سراحي من سجن نقرة السلمان بعد قضاء مدة الحكم كاملة. بعد ذلك عملت مديرا لادارة شركة المقاولات والحفريات (قطاع خاص) في الفترة 1961-1963 في ناحية التحرير (آل بدير) قضاء عفك – الديوانيه. بعد انقلاب 8 شباط الاسود 1963 وفشل المقاومة في محلة الشواكه - الكرخ- بغداد لجأت الى ايران وتم اعتقالي هناك في سجن (باغ مهران). وفي 1/1/1964 تم تسليمي الى السلطات العراقية، وجرى ارسالي الى سجن رقم واحد بلا تحقيق او تهمة وبلا مذكرة توقيف، ثم ارسالي معتقلا الى سجن نقرة السلمان حتى حزيران سنة 1967. حيث في 5/6/1967 جرت محاكمتي امام المحكمة العسكرية بموقع البصرة وصدر الحكم علي بالحبس لمدة سنتين لأسباب سياسية، واطلق سراحي شكليا لاحتساب مدة التوقيف، وارسلت مخفورا الى بغداد حيث اودعت الموقف ثانية بصفة "مُحتجز". وفي 21/6/1967 اطلق سراحي من الاحتجاز، واشتغلت في اعمال حرة وفي مجالات شتى منها مهنة الصياغه.

وهل يمكن ان نتحدث باختصار عن نشاطك السياسي الذي كان سببا في كل هذه الاعتقالات؟

ـ منذ سنة 1942 كنت اطلع عن قرب على الافكار التقدمية من خلال مصاحبتي العناصر السياسية المثقفة من أبناء جيلي واقاربي، ومنهم المناضلون الراحلون سميع جاني وجبار عبود لفته وعبد الله علق وخضير عبود لفته وحميد شلتاغ وزياد يحيى، وكنت حينذاك بمقتبل العمر وشاركت بمظاهرات وانتفاضة الوثبة سنة 1948 ومظاهرات سنة 1952 ومظاهرات سنة 1956، وخلال خدمتي العسكرية وتحديدا من سنة 1949 لغاية 1951، كنت ضمن جماعة العقيد ابراهيم حسين الجبوري (الخال كما كان يكنى) وأتذكر من المجموعة الملازم الاول سعيد كاظم مطر والملازم الاول عباس الدجيلي والرئيس احمد يحيى، وحتى اندلاع ثورة 14 تموز حيث نشطت كثيرا في حماية الثورة ومساندة الكادر الحزبي العامل بالبصرة انذاك اذكر منهم سلطان ملا علي وحميد بخش وحميد الحكيم وجاسم مطير وغيرهم، وقد تحملت مسؤوليات جساماً منها اطلاق سراح سكرتير الحزب الشيوعي الاردني فؤاد نصار مع اربعة من رفاقه الذين كانوا قد لجؤوا الى العراق بعد الثورة والقي القبض عليهم، وكذلك القيت القبض شخصيا على العقيد الركن عبد الغني الراوي وأرسلته مخفورا الى بغداد بأمر القيادة العامة حينذاك (الزعيم عبد الكريم قاسم) وهناك الكثير الكثير من الاعمال والنشاطات التي قمت بها لصالح الحزب الشيوعي العراقي المجيد.

باعتبارك من ضباط الجيش العراقي الذي كان له الدور الأساس في قيام ونجاح ثورة 14 تموز 1958، كيف تنظرون الى ذلك الدور من موقعكم أنذاك؟

ـ لا شك ان الجيش العراقي، وهو المنفذ الفعلي لثورة 14 تموز 1958 كونه القوة المسلحة النظامية التي تمتلك وسيلة الفرض التي نجحت في تغيير نظام الحكم من نظام ملكي وحكم عميل الى نظام جمهوري متحرر، الا اني اعتقد ان من اسباب نجاح الثورة هي وجود عدد من القادة الضباط الاكفاء الوطنيين على رأس وحداتهم العسكرية ممن يتمتعون بقدر مناسب من الاحساس السياسي الوطني والتقدمي منضوين تحت منظمة وطنية سرية هي منظمة الضباط الاحرار، ومؤمنين بعدالة قضيتهم التي هي قضية الشعب العراقي كله، وطالما خاضت جماهير هذا الشعب انتفاضات متعددة ومواجهات دامية مع قوات الشرطه المواليه للسلطة على مرآى ومسمع من هؤلاء الضباط الوطنيين من اجل اهداف مشروعة في الحياة الحرة وضمان كرامة الانسان. ومما أود ذكره ان جماهير الشعب العراقي وبكل انتماءاته وعلى مدى سنوات طويلة قامت بسلسلة من الانتفاضات واعطت التضحيات الغالية وقد تمكنت من خلالها فرض سيطرتها على الشارع العراقي وشلت معظم مرافق الدولة، الا انها عجزت عن تسلم مقاليد الحكم وخلع الحكام مما اعطت الفرصة للحكام العودة ثانية لمراكزهم والتنكيل بقادة الانتفاضات وبشدة، وكان على الطلائع السياسية ان تسلك سلوكا مغايرا بالاستفادة من تلك التجارب والعبر وهذا ما حدث يوم الرابع عشر من تموز، حينما تولى الجيش تنفيذ المهمة واستلام الحكم قهرا وباقل الخسائر.

وما هي باعتقادكم الاسباب الميدانية لنجاح ثورة الرابع عشر من تموز؟

ـ في البدء لابد من التنويه بان ثورة 14 تموز لم تكن بنت يومها ولم تكن حدثا آنيا طارئاً بل هي نتيجة كم هائل من التراكمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الموضوعية، ومن عوامل الفقر والحاجة والعوز والمعاناة لفئات كبيرة من الطبقتين الوسطى والفقيرة، وتراكم الفساد الاداري والمالي المستشريين بدوائر ومؤسسات الدولة، هذه كانت جميعها سببا مباشرا لتحولات نوعية ضمن ظروف الثورة ومسارها التاريخي حيث حدثت وكان لابد ان تحدث. وباعتقادي ان نجاح ثورة 14 تموز ميدانيا يعود الى خطة العمل للسيطرة على بغداد العاصمة وعصب الحياة للدولة انذاك، واهم ما احتوته واتصفت به الخطة كان:

 

ـ دقتها وبساطتها من حيث الأهداف والواجبات وتخصيص القطعات لكل هدف والدلالة اليها.

 

ـ اعطاء قيادة الوحدات للضباط من ذوي الكفاءات والمنتمين للتنظيم وابعاد المشكوك في ولائهم باية وسيلة ممكنة.

 

ـ اشراك الجماهير الشعبية لإسناد الثورة عن طريق اطلاع احزاب الاتحاد الوطني عليها وقبل مدة من موعد التنفيذ.

 

ـ تعاون بعض الضباط في موقع الوحدات العسكرية خارج بغداد للسيطرة على القطعات والامرين المعادين ومنع تحركاتهم.

ـ تعاون معاون امر فوج الحرس الملكي المقدم طه البامرني مع الثوار ليلة التنفيذ عندما رفض تحريك القطعات.

ـ بُعد نظر قيادة الثورة والطلب مسبقا من بعض الجهات الدولية والحكومات للاعتراف بالجمهورية ومساندتها حال انبثاقها.

عند اندلاع ثورة 14 تموز، ما هو دور الضابط العراقي عربي فرحان؟

ـ صبيحة يوم الثورة كنت أتمتع بإجازة التخرج من كلية الأركان، وكانت اجازتي بدأت قبل خمسة ايام من الثورة، وحال إعلان الثورة، التحقت بمقر لواء المشاة العشرين لآمره العقيد عبد اللطيف الدراجي الذي اتخذ من مبنى الثكنة الشمالية مقرا له. وفي يوم 17/7/1958 صدر أمر تعييني بمقر موقع البصرة العسكري وقد باشرت بوظيفتي في 18 تموز 1958.

وكيف انتهى بك المطاف مقيما في نيوزيلانده؟

ـ في سنة 1971 صدر امر تعييني بمنصب مدير اعاشة وفنادق مديرية سكك الحديد الجمهورية العراقية العامة ضمن اعادة المفصولين السياسيين، ومن ثم جرى ابعادي الى محطة الصينية- الصحراوية في الشمال الشرقي من تكريت. وفي سنة 1976 صدر امر احالتي على التقاعد. بعد ذلك زاولت مهنة المحاماة ومارستها امام مختلف المحاكم وبكافة درجاتها من سنة 1976 حتى سنة 1996. في نهاية سنة 1996 هاجرت الى نيوزيلانده بطريقة ما حيث كنت في حينها ممنوعا من السفر.

ما هي بتقديرك أهم العبر التي تراها من العلامات الفارقة لثورة الرابع عشر من تموز في ذكراها الخمسينية؟

ـ اعتقد ان اهم ما خرجت به هذه الثورة هو تلاحم الجيش والشعب في تفجيرها ونجاحها واستمرارها حتى يوم انقلاب 8 شباط الاسود، وارى من وجهة نظري الشخصية ان الثورة ما كان يقدر لها النجاح الا بمؤازرة الجماهير الشعبية لها عن وعي وإدراك عن طريق الوحدة السياسية لمجموع ابناء الشعب العراقي المتمثل بجبهة الاتحاد الوطني للاحزاب السياسية، والثورة لم تكن لتسقط الا بعد ان تخلت تلك القوى عن المشاركة الفعلية فيها وهذا ما خططت له الامبريالية العالمية وحلفاؤها في المنطقة.

نشرت في وجهة نظر
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013 09:03

.. قصتنا .. والديمقراطيه

مرت على طائفتنا المندائيه في العراق ايام عصيبه ولا تزال ، فقد تعرضت انا شخصيا وتعرض الكثير من اخوتي المندائبين من امثالي خلال السنين الماضيه وخاصة الشباب منهم ، وكان قدرهم الموت الزؤام جراء الحروب المدمره التي راح ضحيتها نسبة كبيره منهم مع الاسف الشديد ، حروب ليس للطائفه فيها لا ناقه ولا جمل ، اما الاخرين فقد ضاعوا في غياهب السجون والمعتقلات ، وتعرضوا لممارسات القهر و التعذيب والمنافي ثمنا لأخلاصهم وحبهم لوطنهم وافكارهم الديمقراطيه ونزعتهم الانسانية ، وقد قتل من قتل بعد ان اعطت الطائفة ضحايا كبيره و نزفت دماء مندائية طاهره عزيزه وغاليه وفقدت خيرة ابنائها البرره ، واما من نجا منهم كما هي حالتي انا واولادي !! كان علينا ان نترك بيوتنا واموالنا وان نركب مخاطر البحار ونتشظى على حدود بلدان الانتظار تمهيدا للرحيل الى المجهول طلبا للنجاة ، وقد لحقنا الجوع والعطش وذقنا مرارة العوز والتعب والارهاق وذرفنا الدمع ولوعة التأسي والالم يحز في قلوبنا دون ذنب ارتكبته وابناء طائفتي الابيه ...!! كل ذلك بغية الحفاظ على حياتنا وحياة ابنائنا واحفادنا وبالتالي على ديمومة الطائفة وشعبنا المندائي الصابر والبقاء على هويتنا ومندائيتنا التي ننتمي اليها .

 كنا نحلم ونتمنى ان نعيش حياتنا كحق مشروع ، ان نجد لنا مستقرا ثابتا ، او بلدا آمنا يقبل لجؤنا ، يأوينا ، يجمعنا ، يلمنا ، نلوذ تحت سقفه ، يحمينا ، ياخذ بايدينا وبايدي ابنائنا ، يعوضنا عما فاتنا من رعايه وإطمئنان والشعور بالسلام والاحترام كمواطنين مكرمين لنا كما لغيرنا من حقوق وما علينا واجبات يحددها القانون .

 وفي نهاية المطاف وبعد عناء طويل ومعاناة وصلنا ارض استراليا هذا البلد الجميل المضياف ، وقد وجدنا ابواب الحرية مشرعة مفتوحه ، والديمقراطيه التي كنا نسمع عنها حقيقة واقعة ومصانه قانونا ، فالكل افراد كانوا ام تجمعات محترمين مكرمين يتمتعون بكامل حرياتهم ومتساوين بالحقوق والواجبات لا فرق بين انسان وانسان ، والعدل هو الشعار الفيصل بين ما هو خير وما هو شر ، والقانون فوق الجميع . إلا اننا مع الاسف الشديد يظهر قد اضعنا الصواب او أخطانا التفسير كيف نعيش او نتعايش ونتعامل وفق معطيات الحياة الجديده ..! والسؤال المطروح هل العيب فينا نحن ؟ وهل تعوزنا البصيره ؟ لآدراك ما نحن عليه الان وما مطلوب منا ؟؟ وكيف لنا ان نهتدي الى المسار الآمن الذي يصلنا الى محراب الديمقراطيه الصحيحه لننعم ونستنشق نسيم الحرية ونمارس حقوقنا الانسانية كاملة ؟ وهي الكفيله لآن نضمد بها جراحاتنا ونلملم شملنا المتشظي والمشتت شرقا وغربا لكي ننطلق من جديد لنعيد البناء المندائي وفق ظروف المرحله مع الاخذ المستجدات وطبيعة المجتمع والقوانين بنظر الاعتبار ؟

 صحيح ان المندائيين اصابهم اليأس والقنوط جراء ما تعرضوا له من خسارات جسيمه وعذابات مريرة من قتول واغتصابات وقهر وظلم واهانات للكرامه الانسانيه وغيرها من امور سلبية ، اثرت بشكل عميق بحالاتهم النفسية ، ولكن بعد الاستقرار بهذا البلد الرائع يفترض ان تهدأ الانفس وان تسود بينهم روح المحبه والتضامن ، وتعود الامور الى نصابها الصحيح للتعويض عما فاتهم ، الا انه مع الاسف الشديد يظهر ان الحاله بدت متازمه بينهم ، والوضع لا يحسد عليه من جراء الانقسامات غير المبرره ، والتشنجات المفتعله ، والاحتقانات الشخصيه البحته التي جميعها تضر ضررا جسيما بمصلحة المندائيين كافة . وكما هو معروف ان الفرقه ضعف ، والجمع قوه وبناء واعتبار ونجاحات واثبات وجود على النطاقين الرسمي والشعبي . واذا كان لدى رجال الدين الافاضل والمخلصين من المندائيين نوايا طيبه وطموحات حقيقيه لخدمة الطائفة ومستقبلها واخص المثقفين منهم على وجه التحديد ، ان يكون رائدهم جميعا لم الشمل ، واعادة وشائج الاخوه ، والتلاحم ، والتراحم ، وصلات القربى والدم المندائي النقي الطاهر ، والتكاتف والتآزر ، ونبذ الخلافات الشخصيه ، والابتعاد عن روح التسلط ، وحب القياده والتحكم ، حيث من الخطأ الفادح الاعتقاد بان فرد ما هو وحده من يمتلك الحقيقه ..! او هو الاعظم والافهم ..!! انه هو الغرور بعينه ، وحالة من حالات التكابر وحب الذات ، وهي ليست من صفات المندائي الحق ؟ . وباعتقادي المتواضع ان الاحسن فينا هو من مد يد العون لأهله من المندائيين المعوزين دون منًة او تفاخر ، وكذلك من اعطى بيد بيضاء بلا متاجرة باسمهم ، وجعل من معاناتهم قضيه لحساب مصلحته الذاتيه .... وخير الناس من نفع الناس ..

 وعليه فأن حكابتنا والديمقراطيه بشكلها المبسط ، ولكي نوظفها لصالح طائفتنا علينا ، ان نقبل الحوار ونستمع للرأي والرأي المقابل واحترامه ، والانصياع لأراء الاكثريه ، وتوجيه الانتقادات البناءه التي هي حالة صحيه للوصول الى الاحسن ، حيث ان الانتقاد موجه للافكار وليس ابدا للاشخاص وذواتهم المحترمه .. وحرية الكلام ، والتعبير ، وحق الاختيار ، فالديمقراطيه مفهوم حضاري مطلوب تطبيقها ، الا ان حسن استعمالها مطلوب ايضا ، فمثلا طرح وجهات النظر بشفافيه قد تعمق الفهم وتغنيه ، كما ان معالجات السلبيات بروح عاليه من المسئوليه ، ووضع لها الحلول والبدائل ستؤدي حتما الى نتائج رائعه ومثمره . ولنعلم كلنا ان الفرقه والتجزئه والتنابز ، لا تحقق الوحده المندائيه في العمل والاراده المطلوبتين لحالة الطائفه في الوقت الحاضر ...! وقبل ان اختتم كلماتي هذه ارجو من القارئ الكريم قبول اعتذاري لهذا الاطناب ولكني من منطلق الاخلاص والشعور بالمسؤوليه الادبيه كفرد مندائي اود التوكيد على ما يلي :-- * ارى ان الكل مسوؤل عما وصلت اليه حال الطائفه سواء هنا في استراليا ام في بلدان الانتظار وبالعراق ايضا ، والكل عيونهم متجهة صوبكم هنا في استراليا ، لما تحتويه الطائفة من نوع وكم من خيرة ابنائها المثقفين ، وبانتظار جهودكم الخيره لأنقاذ ما يمكن انقاذه ، وعليه نحن بحاجه الى التلاحم المصيري لبقائنا كشعب ذي خصائص مميزة ، وعدم التفريط بقدراتنا الذاتيه المتاحه وهدر الوقت بدلا من استغلاله لصالح الطائفه . * ضرورة استثمار روح الجماعه واخلاصهم للعمل ، وتوظيف الحس الروحي لأبناء الطائفه الجليله الذي يتحلى به كل فرد مندائي رجلا او امرأة ، وهو الموروث الاخلاقي الرائع ، والقيم الفاضله والممارسات الخلاقه ، للأنطلاق نحو البناء الجديد لطائفتنا وهي مهيئة للأخذ بيدها باتجاه الافضل . * لنجعل من حالة الانفتاح والديمقراطيه انطلاقه تحرريه ، لمعرفة قدراتنا الذاتيه وتوحيد طاقاتنا لتجاوز التحديات الكبيره التي تواجه الطائفه وديموميتها ، بعيدا عن المهاترات والتشهير ، وبث الدعايات المفبركه ، والتشكيك ، والتسقيط ، والتحامل بسبب او بدون سبب ، ادراكا منا ومنكم وعن وعي تام للاخطار الجسيمه التي تحيط بالطائفه ، وبكل ما يحدث لأبناء الطائفه عمليا ومن خلال مجرى الحياة اليوميه . * التنظيم والنظام وحرية الفرد بالانتماء ، حق ديمقراطي مشروع قانونا في هذه البلاد ، وهي حاله حضاريه لا غبار عليها ، الا ان وحدة الاهداف المتمثله باهداف الطائفة العليا ، وان التنسيق بالعمل والممارسات وتوحيد الغايات بين اطراف التنظيمات امر مطلوب وضروري ، لأنه يعكس روح الطائفة ووحدتها ، وقوة تماسكها ، من شأنه اعطاء الانطباع لمسئولي الدوله الرسمين ، والكيانات والطوائف الاخرى ثقل الطائفه ، وبالتالي ويفرض احترام الغير لها ولأفرادها عموما . وختاما اقدم لكم جميعا تحياتي القلبيه مع فائق التقدير الاحترام والحي مزكى

نشرت في وجهة نظر

برع صابئة العراق في صناعة مصوغات المعادن الثمينة كالذهب والفضة وتوارثوها أبا عن جد، فكانت أعمالهم كلوحات مشاهير الفنانين يقتفى أثرها، لكن الغزو الأميركي للعراق وتردي الوضع الأمني دفع معظمهم للانتقال والرحيل خوفا على حياتهم. 

يقول صائغ الذهب غضبان مناتي السهيري إن أسماء الصاغة الصابئة الذين أجادوا التعامل بمهارة مع الذهب والفضة أمثال زهرون وفرحان الخميسي وحرج مدلول وخالد مال الله تجعلنا نحن الصاغة نقف احتراما للمهارة والخبرة والفن الذي لا يضاهى أبدا في الصياغة واختيار أساليبها ونقشاتها المزركشة. 

ويضيف السهيري الذي ما زال يتعامل مع هذا المعدن الثمين في محله في شارع النهر التجاري أنه لم يسبق أن تعامل صائغ مع الفضة خاصة مثلما تعامل معها المرحوم زهرون الذي أقام ومات وبرع في فنه الذي لا يضاهيه أحد فيه في مدينة العمارة بجنوب العراق، فهو الوحيد الذي كان يجيد نقش المينا في الفضة, مشبها أعماله بلوحات كبار الفنانين.

ويعتقد الصائغ الشاب حسان الذي مازال في طريقه لتعلم المهنة عن جده أن الصابئة شعب صغير وصبور وتعلم من تقلب الأحوال ومن الاضطهاد أن ينزوي على نفسه فاختار التعامل مع أكثر المعادن ندرة عند البشر. 

الصبر والتأمل -يضيف حسان- هما فقط من قاد الصابئة إلى هذه المهنة التي تحولت في ظل الظروف الحالية في العراق إلى مصدر خطر كبير على حياة من تبقى منهم في بغداد حتى الآن.

جذور تاريخية

الدكتور رعد الناشئ صابئي يعمل مدرسا للفنون التشكيلية في معهد الفنون الجميلة ببغداد يستعرض الجذور التاريخية لهذا الشعب الصغير الذي تقدر عدده بـ65 ألف نسمة حسب إحصاء عام 1975 ولم يتبق منهم سوى 12 ألفا في جميع أنحاء العراق حاليا حيث هاجر معظمهم إلى أوروبا. 

يقول الناشئ إن الصابئة شعب هاجر من أورشليم سنة 70 ميلادية بعد أن تعرض للاضطهاد هناك، فعاد إلى موطنه الأصلي الذي كان غادره قبل ذلك وهو وادي الرافدين. 

ويوضح الناشئ الذي يملك دائرة معارف متكاملة عن أبناء شعبه الصغير وهو يتحدث عن العلاقة بين الذهب والصابئة وعن تسمية الصابئة في الأصول التاريخية إن هذه التسمية جاءت من الفعل الآرامي القديم سبا أو صبا ويعني الغاطس في الماء أو الذي يرتمي في الماء, وهي تسمية تفسر العلاقة بين الصابئة والماء. 

ويلفت إلى أن الصابئة لا تعرف مهنة أكثر قدما من التعامل مع الذهب, حتى إن تسمية المندائية المرتبطة بالصابئة المندائيين تدل هي الأخرى على النقاء والصفاء الذي هو من الصفات التي يتصف بها الذهب، فالمندائية تعني فيما تعنيه أيضا العالم والعارف بدين الحق. 

نزوح مزدوج

وتتسم حياة الصابئة بالترحال فنحو 44 عائلة كانت تسكن مدينة السليمانية وكذلك العوائل الـ12 التي هاجرت إلى أربيل هربا من المعاناة والقتل والسلب بسبب تعاملها مع الذهب, اختارت مهنة الأجداد فبرعت في أسواق منطقة كردستان العراق. 

وعن رغبة النزوح الدائم يقول مازن عبد الله إن الصابئة بحكم تخصصهم بصناعة الذهب وحملهم خزينتهم أينما ذهبوا، فهم هدف دائم للصوص وقطاع الطرق الذين نشطوا مع الانفلات الأمني في العراق وفي بغداد بشكل خاص، فكان أن قتل واختطف واختفى وسرق العديد من الصاغة الصابئة ما اضطرهم إلى الهرب إلى الدول المجاورة كسوريا والأردن أو إلى أوروبا, فيما اختار آخرون شمال العراق مكانا لإقامتهم الجديدة وربما الدائمة.

غير أن الشيخ طاعن مداح (72 عاما) اعتبر أن لا وطن للصابئة سوى العراق، فهو البلد الوحيد الذي يشقه نهران عظيمان هما دجلة والفرات وتتوزع فوق أرضه الأهوار، مشيرا إلى ارتباط الصابئي بالماء في حالات التعميد الثلاث، وهي تعميد الطفل بعد الولادة وطلب المغفرة من الله وطقوس العبادة. 

 

نشرت في وجهة نظر
الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2013 00:36

مابين الأجداد والأحفاد

 عندما استكملت بريطانيا احتلال العراق بين عامي 1914_1918 أعلنت على لسان الجنرال مود أنها جاءت محررة لا فاتحة, وكان العراق في تلك الفترة يعاني من مظاهر التخلف في مختلف مناحي الحياة, حتى أن الانكليز أنفسهم قد فوجئوا أن بغداد التي هي عاصمة الخلافة الاسلامية وصاحبة التاريخ العريق بمثابة قرية كبيرة (كما وصفوها)هم أنفسهم, والسبب كما هو معروف أن الاحتلال العثماني لم يقدم شيئا للشعب العراقي, بل كان همه جمع الضرائب وتجنيد العراقيين للخدمة في الجيش العثماني, وأدى ذلك الى حدوث شرخ كبير في العلاقة مابين الشعب والسلطات الحاكمة آنذاك, وعلى هذا الاساس استبشر العراقيون بما هو جديد !!!!

ولم يواجه الانكليز مقاومة عند دخولهم العراق إلا من الجيش العثماني, وبعد انكسار الجيش العثماني في معركة سلمان باك, انفتحت الأبواب أمام الانكليزلدخول بغداد في 11_3_1917, ولم يكن في بغداد شوارعاً غير شارع الرشيد والذي كان يسمى ( جادة خليل باشا)نسبة الى اسم الوالي آنذاك, فاستعرض الانكليز جيشهم في الشارع المذكور.

وبعد مرور ثلاث سنوات على الوجود البريطاني, لم يلاحظ العراقيون أي تغيير على أوضاعهم, فبدأت بذور التذمر والتمرد ضد الانكليز, وكانت الثورة تنتظر الشرارة الاولى ضد الاحتلال, وكان اعتقال الشيخ شعلان أبو الجون في الرميثة بمثابة هذه الشرارة, فقد قام عدد من أبناء عشيرته بالدخول الى مخفر الرميثة وقتلوا عدداً من الحرس وأطلقوا سراح الشيخ شعلان, وعمت الثورة منطقة الفرات الأوسط بعد حزيران 1920.

وفي خان ضاري كان المشهد الاخر من الثورة, حيث حدثت مشادة بين المرحوم الشيخ ضاري والضابط الانكليزي (لجمن) حيث قام الشيخ ضاري بقتل الضابط الانكليزي المذكور, وامتدت الثورة الى غرب وشمال العراق.

في تلك الفترة انتشرت المقاومة المسلحة كالنار في الهشيم الى كل أرجاء العراق, وحملت الهوية العراقية بكل معنى الكلمة, إذ لم تجير تلك الثورة الى طائفة أو فئة سياسية, بل كانت ثورة وطنية طالبت بالحرية للعراق ولبناء دولة عراقية مستقلة.

ولو درسنا ظروف العراق في تلك الفترة لوجدنا أن التخلف والفقر قد كان في أعلى درجاته, ومع ذلك كان الوعي الوطني هو القاسم المشترك الأعظم بين كل العراقيين, وكانت المقاومة من البصرة والرارنجية والرميثة والنجف الأشرف الى الفلوجة والرمادي والموصل وتلعفر, ومع أن تلك الثورة كانت قد أخمدت, إلا أن نتائجها كانت واضحة, حيث تم اختيار الملك فيصل الأول ملكاً للعراق في آب 1921, وبدأ العراقيون يقطفون ثمار ثورتهم, وخلال سنوات قليلة أصبح العراق دولة مستقلة وعضو في عصبة الأمم (عام 1932).

هذا ماقدمه الأجداد لأحفادهم, ولم يرفعوا اي شعار طائفي, ولم نسمع أن العراقيون قتلوا بعضهم بعضاً, ولم نسمع أن رؤوساً قطعت, أو أن جثثاً عراقية طفت في نهر دجلة أو الفرات.

أما اليوم وبلادنا تمر في أسوأ حال في عصرها الحديث, نقول للأحفاد:أين دوركم التاريخي؟؟

ان الأحداث التي تجري الان في العراق ليست تاريخاً إنما حاضراً....وهل يعقل أن تكون مستقبلاً؟

ان عراقنا الذي بناه الأجداد لايحق للأحفاد تفكيكه, لأن التاريخ سيسجل على هذا الجيل مايفعله, اذ أن مكونات الشعب العراقي لم تتغير, ولكن الذي تغير هو الأجندات الاجنبية التي دست أنفها في الشأن العراقي, ومزقت وحدته الوطنية.

انها دعوة مخلصة للنخب السياسية لوضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح للحفاظ على وحدة شعبنا لنكون خير خلف لخير سلف.

ولو رجعنا لتاريخ العراق السياسي منذ تأسيس الدولة العراقية, لوجدنا أن كل التنظيمات السياسية والأحزاب والجمعيات قد تأسست على أساس سياسي وطني, حيث لايسمع بالنشاط السياسي للأحزاب والجمعيات الطائفية.

ليس هذا دفاعاً عن العهد الملكي, ولكن الحقائق يجب أن تقال, ومع ذلك, نجد أن التجربة قد نجحت, وإن شابها الكثير من الخروقات التي قامت بها بعض الحكومات آنذاك, مثل حكومة نوري السعيد التي خرقت الدستور في فترات عديدة وعرضت الكثير من الحركات السياسية الوطنية الى المطاردة والاعتقال, وكانت هذه الخروقات أحد أسباب سقوط النظام الملكي في 14 تموز 1958.

ان سياسة التهميش والاستئثار بالسلطة لم تحقق للعراق شيئاً,بل ان المطلوب أن يكون لكل مواطن صوت مهما اختلف مع الاخرين بشرط واحد هو نبذ العنف, وهو الطريق السليم لبناء دولة عراقية حديثة تستفيد, وتفيد كل ابنائها بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو الانتماء القومي, ولكل مواطن حقوقه على أن لايتجاوز حقوق الاخرين.

وأخيراً فان على الأحفاد أن يفكروا بشكل سليم بمصلحة ومستقبل العراق, اذ ليس من المعقول أن أجدادنا اتفقوا على بناء دولة العراق في أوائل القرن العشرين, ويقوم الأحفاد في القرن الواحد والعشرين بتهديمها.

نشرت في وجهة نظر

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014