الثقافة الحرة ورسالة الكاتب
هناك فرق بين الكتابة وفق منهج سردي مجرد وبين منهج تحليلي مدروس لبنية الذات والارادة الحرة التي تمّيز الكاتب الناجح عن غيره ، وعليه ان يدقق في التفاصيل ويضع النقاط على الحروف كي يصل الى مدارك حقيقية وفق مسار واضح من خلال متابعاته الفكرية ، على مبدأ انا اقول وانت تقول وللناس عقول ، لان حرية الفكر وابداعه تكمن اولا ًفي العقول وليس على لفائف الورق .
ان رسالة الكاتب تعتمد بالدرجة الاساس على كيفية ايصال تكلك الرؤى والافكارالى المتلقي وفق الاسلوب المتحذلق الذي يتبعه ويستمده من خلال معتركه الثقافي ، الداعي الى وحدة الكلمة والصف والانصاف واحترام الذات وقول الصدق ، وهادئاً في حلبات الجدل ، وشاطرا بالخلاف وليس شاطرا بالاختلاف ، مع تبني ثقافة الاختلاف والحوار لانهما طريق وهدف سامٍ للبناء والتفاعل ، كما يقول الاديب جورجي زيدان ، ( ان سموا اهدافنا ونبل غاياتنا الاخلاقية والروحية التي هي تأكيد لقيم التسامح وتقبل الاخر ، واحترام حق الاختلاف ، ورفض مبدأ العنف .. والمغالطة ) ، لان في الكلمة الحرة قوة ، من حقنا ان نسأل ؟ هل تنتصر ثقافتنا الحرة ام تخفت ؟ قد يكون علينا عدم التسرع في اقرار الاحكام ، لان كل صيد لا يضاهي صيد الانسان الخاسر او مَن يستسلم للقدر، ولا تقام حرية القلم الى الحقيقة الا باحترام الارادة ، كما قال وليم شكسبير ، ( الحقيقة تبقى هي الحقيقة حتى نهاية الزمن ) ، كانوا يقولون قديماً ان المجالس مدارس ، لكن نقول ان تجارب الحياة هي المدارس سواء كانت في الماضي او الحاضر، فألالوان الطيف الادبي بمنزلة الدم الذي يتدفق في الجسم عبر الشرايين لتستمر الحياة .
يتوجب التحرر من كل الدّرن العالقة كي يتحرر قلمنا من صمته ، ولنمنح كتاباتنا مزوقاَ جديدا نستلذ به ونستلهم منه العبرة والحكمة ، ولنمارس الكتابة تمردنا الهادىء والمهادن ، تمرد ضد صمت الواقع وبشاعته وزيفه وابتذاله ، ليس عيبا ولا نقيصة فينا ان نتكلم ، لكن العيب كل العيب ان نستمرأ على حالة الصمت ، ونتعاطف مع السلوك الخاطىء او نتجاهله.
ان الكاتب يمتلك قدرة سحرية اكتسبها بالمران والمتابعة والتأمل ، بحيث يلتقط ماهو مستحيل خارج القدرات الطبيعية ، والكتابة بمجمل حالاتها تنفيس عما يزدحم فينا من خلجات تثقل كواهلنا وذواتنا ، ورغبة في تفريغ ما تكدس فينا من أوجاع الحياة ، وهي انطباع يمر كومضة حلم فلابد من تسجيلها وحفظها في الذاكرة ، بعد ان كانت كماً متراكماً من الاحداث وحيواتهُا وصورها وازمنتها وامكنتها المتعددة ، والكتابة حاجة قصوى مثل الطعام والشراب والنوم تباغث وتلازم الكاتب كونه نبضاً حساساً ً شفيفاً كينونة مشاعر في اقصى درجات التوتر ، تنتقل من البرودة الى السخونة ، من الظلمة الى النور ، وبالتالي هو إنسان بكل المعايير والمقاييس متوازن عقلاني ، من تلك المعالم اللامرئية يلتقط تعابيره التي تضعه في خانة التفرد والابداع .
علينا ان لا نتجن على احد من كتّابنا ومبدعينا ، ولا نتصرف برفاهية العاطفة ، حتى لا تهتز النفسية ويضمحل النتاج الادبي والذهني ، وبالتالي يضعف الايمان بالقضية ، ونصاب بالاحباط والتعب والملل ، بالمقابل تكون الصفة الملازمة صفة التواضع والابتعاد عن اّفة الغرور والكبرياء ، والامتياز بدماثة الخلق ، والتواضع الجمّ ، وبخفة الدم ، فبالرغم من الشهرة فان فن الكتابة والتعبير يتعاظم يوما بعد يوم .
اننا نحتاج الى مراحعة حقيقية لوضعنا الحالي ، نحتاج الى وقفة واحدة ، وليس مواقف متعددة ، نتيجة وحصيلة هناك اختلاف في الرؤى ، ان الثقافة الحوارية تعزز كرامة الانسان ، ان تكون متواجدة بدرجة متكافئة ومتساوية ، وتسير في الطريق السليم ، اهم شيء في سياقات العمل ، برنامج عمل مشترك وتفاهم ، قد تحدث تحولات في لغة الصراع ، فالكاتب صاحب رسالة ، رسالة انسانية نبيلة ، وعليه يقع هذا العبأ ضمن مساحة الثقافة والفنون ، يتوجب ان يكرس لها كافة الجهود ، باعتبارها بناء للشخصية وليست للتحطيم او لصالح اجندات ومشاريع مريبة ، ان الايمان بالنقد بدل التسقيط والافتراء باعتباره قوة ، وعدم خلوه من الامانة ، ومواجهة الخصم بطريقة مهذبة ، وعدم فرض الروئ المخالفة الا بالاقناع ، مع التقدير .
عزيز عربي ساجت
هيئة التحرير