• Default
  • Title
  • Date
  • موسى الخميسي-روما
    المزيد
     مدينة فاريزى الشمالية، وفي صالات قصر" ميرابيلو" التاريخي العريق، يقام
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    انتفض شباط من سبات شتائه و بدأ ينفض عنه غطاء
  • موسى الخميسي
    المزيد
    لم تكن تلك الحقبة الفريدة من تاريخ الحروب الحافلة بالأحداث
  • موسى الخميسي
    المزيد
    حادثة الاصطدام التي تعرضت لها الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، التي
الأربعاء, 16 تموز/يوليو 2014

حــرفــة نالــت اعجــاب العــالم

  نـــزار يـاســـر الحيـــدر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

عرف الصابئة المندائيون بأنهم حرفيون يمتهنون الصناعات التي يحتاجها مجتمعهم الزراعي الذي يعيشون بين ظهرانيه في جنوب العراق , بالرغم من وجود بعض المندائيين الذين يمتلكون بعض الاراضي الزراعية البسيطة والتي يزرعونها بشكل مباشر او غير مباشر من قبل بعض الفلاحين المستاجرين , فقد كان المندائيون حرفيون مهرة ثبتوا وجودهم في المجتمع الزراعي الاقطاعي الذي كان بحاجة ماسة لحرفيتهم لتصبح هذه الصناعات الحلقة الاساسية المكملة لعجلة الانتاج الزراعي والاقتصادي في تلك المجتمعات , فمنهم من هو حداد يحتاجه الفلاح ليصنع له كل ماهو ضروري للزراعة من ادوات , فهو يصنع له على سبيل المثال لا الحصر المنجل الذي يحصد به , والمسحاة التي يشق بها الارض , وبوابات السقي كي يروي الارض ويسيطر على المياه , ويصنع له الفالة ليصيد بها الاسماك التي هي مصدر رئيسي لغذاء الفلاح , وغيرها من الادوات المعدنية التي هي مهمة لادامة عجلة الحياة والزراعة , ومنهم من هو نجار يصنع كل الادوات التي يحتاجها الفلاح المصنوعة من الخشب , واهما صناعة الزوارق على اختلاف انواعها والتي تعتبر الوسيلة الاساسية ان لم تكن الوحيدة للتنقل في مجتمع الاهوار والانهار جنوب العراق , فالنجار المندائي متميز في صناعة الزوارق على اختلاف انواعها واحجامها , وتخصص البعض منهم في صناعة انواع معينه منها لايجيد صنعها الاخرون , كما انهم امتهنوا حرفة نادرة اخرى وهي تصليح وصناعة الاسلحة النارية , فقد برزت اسماء مشهورة برعت في هذه الحرفة , حتى اطلقت اسمائهم على انواع معينة من الاسلحة ينفرد بصناعتها هؤلاء المندائيون لاغيرهم .
اما حرفة الصياغة فانها لوحدها مهنة لاينافس المندائيون عليها احد , فقد ابدعوا فيها وتميزوا خاصة اذا علمنا انهم يستخدمون ادوات يدوية بسيطة جدا لتخرج من بين اناملهم الرشيقة قطع فنية غاية في الابداع تخلب لب الناظر اليها لدقتها وهندستها وجمالها الاخاذ , وفعلا تسحب من يراها الى بطون المتحف العراقي ومايحتويه من كنوز الصياغة والمجوهرات السومرية , اذ انه سيربط حتما بين من صنع تلك المجوهرات والصاغة المندائيون ليستنتج بعدها عن مدى الترابط بين الاثنين ؟!!.
لقد كان المجتمع الفلاحي في بداية القرن العشرين و الذي يعيش به المندائيون مجتمعا فقيرا مسحوقا , لكنه كان متمسكا بتراثه وعاداته والنساء فيه حريصات ان يتزين بمصوغات فضية وذهبية مثل الخواتم والاقراط والحجول والقلائد المختلفة , واغلب هذه المصوغات يحصلن عليها عند زواجهن كجزء من مهورهن التي يقدمها لهن ازواجهن عند الزواج , فنراهن يتباهين فيما بينهن بان هذه القطعة قد صاغها لها الصائغ المندائي فلان كونه امهر من الاخرين , وهكذا, وغالبا ما كان الصاغة المهرة يحتكرون لعوائل الاقطاعيين ورؤساء العشائر الاثرياء, ولايسمح لهم بالعمل لسواد الناس لكثرة مناسباتهم واحتياجهم للمخشلات الذهبية , فنسمع بان الصائغ المندائي فلان كان الصائغ الخاص للشيخ فلان .
لقد كان للاحتلال البريطاني للعراق اوائل القرن العشرين ودخوله عن طريق البصرة وتقدمه الى المدن التي تقع شمالها حتى بغداد , الدور الهام بالتأثير على حركة الهجرة المندائية الاولى في العصر الحديث , خاصة بعد ان قام ببناء قواعد عسكرية له في مدن عديدة و التي دخلتها جيوشه مثل الشعيبة وبغداد والحبانية وغيرها , وما يتطلبه الاحتلال والجيش من امدادات تصل له عن طريق البحر وكان ميناء البصرة مدخلا رئيسيا لحركة ودخول جيشه وامداداته , وكان الجيش البريطاني خليط من مجندين من مختلف مستعمراته فمنهم الانكليز والهنود والبولونيين ومن باقي دول العالم التي تستعمرها بريطانيا, ولهذه الاسباب حصلت هجرة مندائية داخلية ليكونوا قريبين من معسكراتهم واماكن تواجدهم طلبا للرزق .
لقد اشاعت الثقافة الاستعمارية البريطانية انماطا برجوازية جديدة على المجتمع الانكليزي ومستعمراته , وركزت مفاهيم اعتبرت ضرورية لتحاكي بروتوكولات بريطانيا العظمى , والتي تستوجب استخدام الاواني المنزلية المصنوعة من الفضة كتقليد برجوازي , والمصنوعة من الفضة العالية العيار( الاسترلينغ ) أي التي هي بنسبة 5 ,92 % في استخداماتها اليومية , فلم يكن في حينها تتوفر المواد البديلة التي اخترعت نهاية القرن العشرين والتي حلت لاحقا كبديل رخيص لها , ولان افراد الجيش البريطاني ومن معهم والطبقة الجديدة التي ظهرت بعد دخول الاحتلال البريطاني بحاجة لهذه الاواني المنزلية المصنوعة من الفضة, فقد ظهرت الحاجة لفتح حوانيت لصنع هذه الاواني تلبي اذواق الانكليز لتكون بالقرب من تواجد هم .
لقد كان اليهود يهيمنون على حرفة الصياغة في المدن الكبيرة , بما فيها صياغة الاواني الفضية المختلفة فقد كانوا يصنعونها بلمسات خاصة لاتخلوا من جمال ونقوش خاصة بهم تتركز بالغالب على الطبيعة والورود والطيور, لكنهم كانوا لايلتزمون بالنوعية العالية للفضة , فكان يمكنك ان ترى قطع متشابهة من الاواني الفضية لكن بعيارات مختلفة يبيعوها بالوزن وباسعار للمثقال الواحد ( 5غرام ) يبدا من 10 فلوس وحتى قران (20 فلس ) ، لكن الصابئة استطاعوا ان يلجوا هذا السوق وبقوة للطلب المتصاعد الذي نجم عن الظروف الجديدة , خدمهم بذلك انهم اكتشفوا سر جديد يمكن ان يضيف لمسة فنية على مصوغاتهم , وكان الفضل بذلك لعائلة آل زهرون الذين نقلوا مادة المينة السوداء من مدينة ( وان ) التركية الارمنية ,كي تطعم النقوش التي تزدان بها و تميزها عن باقي المصوغات , لقد ابتدع المندائيون نقش الاواني الفضية برسم الاثار والرموز العراقية وتطعيمها بالمينة السوداء التي اصبحت لاحقا علامة يتميز بها الصاغة المندائيون , والشيء المهم ان وجود المينة السوداء على المصوغات الفضية المنقوشة دليل قاطع بان تلك القطعة لايقل عيارها عن عيار الفضة الاسترلينغ , لان المينة السوداء لايمكن تثبيتها على الفضة التي عيارها يقل عن هذه النسبة ، لقد ابدع المندائيون وتميزوا بالنقوش والرموز التراثية ووجود المينة السوداء التي تكحل هذه النقوش ومن ثم بدأوا باستخدام المينة الملونة على الحلي الفضية والذهبية ايضا اذ اضافت سحرا اخاذا على تلك القطع خاصة عندما تخرج تلك القطع من حوانيت صاغة فنانين ومشهورين بدقة الصنعة وحرفيتهم بالنقش اضافة لذلك كان لحسن اخلاقهم ودماثة تعاملهم مع الزبائن له الاثرالكبير, فكان المندائيون يتباهون بوضع يافطات على واجهات حوانيتهم في البصرة والعمارة وبغداد وغيرها من الاماكن مكتوبا عليها بالغتين العربية والانكليزية اسم الصائغ وتحتها عبارة كتب عليها ( صائغ فني بالمينة الملونة والسوداء ) ثم يضيف لها ( شغل صبه او شغل العمارة ) ، وكانت هذه الحوانيت بسيطة في كل ماتحتويه حتى تستغرب في الوهلة الاولى كيف يمكن لهكذا حانوت ان يصاغ فيه هكذا تحف جميلة غاية في الروعة والدقة في الصنع تأخذ لناظرها الالباب, فترى الصائغ يعرض مصوغاته داخل معرض خشبي مزجج بسيط كل ماصاغت يداه ليتمكن الزبون من ان يشاهدها وهي داخله , وغالبا مايجلس هذا الصائغ على تخت خشبي بسيط على الارض وامامه هيكل خشبي (غزال ) يستخدمه لاسناد القطع التي يصوغها بعد ان يضع صينية نحاسية تملا حجره كي يجمع بها بقايا برادة مصوغاته الفضية وعدته وغالبا ماتجد على يمينه سندان حديدي و يعتبر من اساسيات عدته وبجنبه مجموعة مختلفة الاشكال والاحجام من المطارق لكل واحد منها واجب محدد , ثم تجد على يساره نصب طيني بسيط يستخدمه كورة لصهر الفضة والذهب يتصل بها منفاخ جلدي يدوي , والملفت للنظر ان ترى حوانيتهم مليئة بالسواد المتراكم نتيجة استخدامهم الفحم والنفط في عملية الصهر واللحام , وترى الصائغ ينفض يده من عمله والعدة عندما ياتي زبون ويقف على حانوته كي يشترى سلعة تعجبه وهنا يبدا الصائغ بالتعامل مع الزبون وبيع ما يرغب بشراءه بعد ان يلفت انتباهه حول دقة الصنع وميزات تلك القطعة وسعرها المناسب وباسلوب ودي .
كانت هذه المعارض البسيطة تعرض سلع جميلة منها ما يستخدم كاواني منزلية ومنها ما يستخدم كي يقدم هدايا تقدم بمناسبات مختلفة ومنها حلي تستخدمها السيدات كي يتزين بها , فتجد الصواني على اشكالها ودلال القهوة واباريق الشاي والحليب واوعية السكر والملاعق والشوك والسكاكين المختلفة وتجد حلقات المناديل ( البشاكير ) وعلب البودرة النسائية وسيت الشراب وسيت الملح والبهارات وعلب السيكائر المنضدية باشكالها و حجومها وعلب الجيب والخناجر العربية وفتاحات المظاريف واغلفة القداحات ومنافض السكائر وصور للاثار العراقية على صحون تعلق على الجدران او مثبته على قواعد خشبية ثم تشاهد انواع الاساور والقلائد والخواتم والاقراط والسلاسل وجميع هذه المصوغات رسم عليها الصور والاثار العراقية المختلفة مزينه بالمينة السوداء فتجد صور النخيل ونهري ( دجلة والفرات ) والجوامع والسفن الشراعية والقفاف وصور طاق كسرى واسد بابل والثور المجنح وملوية سامراء وغيرها من الاثار وتشاهد ايضا صور الجمل ومجاميعها على شكل قافلة يسحبها شخص , وكانوا ايضا يتفننون بنقش الاهداءات والاسماء على هذه القطع كي تبقى للذكرى وبكل اللغات .
بعد ان عمل الصابئة قرب القواعد العسكرية للجيش البريطاني وموانيء البصرة تركز وجودهم بعد رحيل القوات البريطانية اواسط القرن العشرين في بغداد فكانوا يتواجدون بكثافة في شارع النهر ( المستنصر ) وبالقرب من مدخله عند جسر الاحرار , كان يتواجد العشرات من المندائيين في حوانيت متجاورة وعلى جهتي الشارع يتجاورون مع فنادق عديدة يرتادها الانكليز والشخصيات العراقية المتميزة , وقد تميزت هذه الحوانيت ببساطتها المعروفة والاشخاص الذين يديروها بمندائيتهم ومايميزهم من لحى طويلة وعادات واخلاق مندائية متميزة ومصوغات غاية في الروعة والجمال , فكنت تسمع وعن بعد اصوات المطارق التي تصنع هذه التحف الجميلة وكنت ترى شخصيات مندائية تحمل كل الارث المندائي الجميل فترى ضامن حويزاوي وشدود نعاس وجاني سهر وغريب جبر ورحيم صادق وصالح حاجم وسالم شهيب وغدير باحور واسعد ونصرت باحور ورحيم برغوث وياسر صكر وناجي ياسر وناصر صكر والشيخ عنيسي الفياض وخضر كيطان واولاده وصبري وعزيز عودة وسبتي زهرون وغيرهم
لقد استمرت هذه الحرفة في التالق والازدهار خاصة بعد ان تم اعتمادها لصنع الكؤوس الفضية للسباقات الرياضية التي كانت تقام في حينه , ثم تم اعتمادالمصوغات الفضية تدريجيا لتقدم هدايا للوفود والشخصيات الرسمية التي تزور العراق وكانت الوفود الرسمية تاخذ معها مجاميع من هذه التحف العراقية المميزة لتقدمها هدايا الى الدول التي تزورها تلك الوفود , حتى وصل الطلب ان تصنع قطع مماثلة للمصوغات الفضية من الذهب الخالص تقدم للوفود المتميزة داخل وخارج العراق , فكانت تصنع الصواني والدلال والفناجين والسيوف والخناجر والنخيل المجسم من الفضة والذهب كي تقدم هدايا رسمية لوفود العراق ، لكن بعد تطورات الاوضاع السياسية العامة التي رافقت احداث الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الماضي وماصاحبها من دمار وخلل باقتصاد العراق اجمالا , قامت الحكومة عقب تلك الحرب باصدار قرارات تقشفية صارمة تمنع فيها خروج معدني الذهب والفضة الى خارج العراق ولايسمح بتقديم الهدايا المصنوعة من هذين المعدنين وخروجها من العراق و بسبب الظروف العامة التي دخل فيها العراق بعد حرب الكويت والازمات الاقتصادية المتلاحقة في التسعينات من القرن الماضي , أفل نجم هذه الحرفة وبقيت تراوح مكانها وبدات بالضمور بعد ان انتقل الى الحي الازلي اعمدة هذا الفن والحرفة وضعف الطلب على تلك المصوغات الفنية الجميلة , لارتفاع اسعارها بسبب ارتفاع اسعار الفضة , وانقطاع العراقيين من التواصل مع اهاليهم واضدقاءهم خارج العراق , بسبب منع وصعوبة السفر , واستحالة التمتع بالسياحة والتنقل لاسباب مختلفة , ثم تبعتها الهجرة العشوائية للصابئة المندائيين والتي للاسف اطلقت طلقة الرحمة على هذه الحرفة الجميلة .
لقد ضاعت حرفة وفن جميل تميز به الصابئة المندائيون ولم يبقى منه الا الذكريات والصور النادرة وكان هذا الضياع نذير شؤم على المندائيين وبداية لان يبحثون عن موطن جديد لهم لعلهم يجمعوا شتاتهم ويستذكروا هذه الحرفة ( صياغة الفضة المطعمة بالمينة السوداء شغل صبة او شغل العمارة ) ولو من خلال متحف يخلد هذه الحرفة المندائية .
دمشق آذار 2010

الدخول للتعليق

التجمع المندائي الثامن عشر


 
لاتفوتكم فرصة المشاركة في التجمع المندائي الثامن عشر هذا العام

مفاجئات وفعاليات الخاصة