• Default
  • Title
  • Date
  • موسى الخميسي-روما
    المزيد
     مدينة فاريزى الشمالية، وفي صالات قصر" ميرابيلو" التاريخي العريق، يقام
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    انتفض شباط من سبات شتائه و بدأ ينفض عنه غطاء
  • موسى الخميسي
    المزيد
    لم تكن تلك الحقبة الفريدة من تاريخ الحروب الحافلة بالأحداث
  • موسى الخميسي
    المزيد
    حادثة الاصطدام التي تعرضت لها الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، التي
الأربعاء, 17 نيسان/أبريل 2013

تجربة الفنان يحيى الشيخ الحداثية تجسيدات لهموم مكبوته و إستلهام التراث من نبعه الصافي

  د. علي ثويني
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

تجنح الحداثة الفنية اليوم الى النأي عن الكثير من المفاهيم السابقة بما يمكن أن يعتبر حالة تجريب تصاعدية في البحث عن شجون فنية جوهرها اللذة التفريغية كما هو ديدن البشر، لكنها تأخذ منحى يعتمد مهارة الخيال والعقل أكثر من مهارة الأنامل ومطاوعة الخامات. ويمكن أن يكون ذلك مسعى مستقبلي لتكريس الفكر المجرد الذي سوف يجد له مكانا في ثنايا حياتنا المنظورة. وفي خضم البحث عن العقل وتلاقحه مع الخيال يجرب الفنانون اليوم خامات عدة، يخشى من خلال التمادي بها أن تجنح الى إخراج الفن من الروح الى المادة ، وتحاول أن تجد بينهما صلة وصل متكافأة و كفتين كالميزان.

 

والفنان الدكتور يحيى الشيخ قد حمل هواجس الموهبة الروحية والخيال الجامح والحس المرهف المدرك لجمال الأشياء في مكنونها التي سجى عليها، وكذلك ما أكتسب من علم ومنطق وتقانة خامات وعناصر ومعالجات وخلطات وطرق تصنيعية أكتسبها خلال رحلته الطويلة مع السفر الأكاديمي والتجريب النظري، الذي أكسبه رؤية فلسفية لأسباب الأمور قبل نتائجها ومضمونها قبل شكلها وغاياتها بالإستعانة بوسائلها ومارس روية في تفهم الأمور وتجريبها للوصول الى أكفأ النتائج من ناحية المحتوى والتشكيل والتركيب والرمز واللون والملمس ،كل ذلك يشرأب الى ثراء وعمق روحي مصدره ثراء الجذور التي أنبتت بذرته الأولى.

 

لم يبتعد الفنان الشيخ في معرضه الاخير الذي أقامه في جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان بسبب مذهبه الأكاديمي عما يدور اليوم في فنون الدنيا التي جنحت وبتأثير من خطاب فكري شامل وهواجس للإنسان المعاصر أثرت في كل مناكب الإبداع ومنها الأدب والفن. نحن أمام مشرب يرفض الإنتاج الصناعي ويحن الى نتاج ماتخلقه اليدين،و يكره المواد المصنعة ويميل للمواد الطبيعية غير المعالجة، ويسعى الى تكريس البيئوية حتى في عمله الفني فأنحى نحو المواد البيئية وأنساق الى مبدأ دورة الحياة في الطبيعة التي أفسد الإنسان حلقيتها وكمالها حينما تاق الى الحداثة بعيدا عن إملاءاتها وسطوتها. أنه منحى لرأب الصدع مع المحيط البيئي كي يقبل الإنسان من جديد ويضمه لصدره ويهبه الأمان ويودعه الأسرار الجالبة لصفاء الخاطر والتي دونها وجد الإنسان نفسه أمام مجهول أسرارها يكابد في خضمها الغربة والقلق .

 

ومن جانب أخر يمكن أن نسمي هذا التيار الذي تبناه الشيخ عودة الى الفطرية في الخامات والأشكال والمعالجات. وربما يكون هذا وسيلة غايتها تلمس الآليات التي أنتجت فنونه في رحلة التطور،وهو بحد ذاته غاية فلسفية تسعى الى فهم التراث من خلال البحث عن آليات إنتاجه ونشوئه وتطوره، وليس من خلال نتائجه كأشكال ومسميات تنتقل بين الأنامل مثلما الأصوات ببغاويا. أنه صراع الحداثة والتراث وتقمص لإحدى طروحات النقلة بينهما والواسطة في تواصلهما التي أختلف فيها الفرقاء. وبالرغم من الفهم السطحي للتراث هو الغالب اليوم، لكن ثمة شواذ يشكلون القاعدة التي سوف تأخذ مداها من خلال رجاحتها تصاعديا حينما يتكرس العقل ويدحض النقل.

 

أستخدم الفنان الشيخ في معرضه اللباد أو الصوف المكدس كخامة في أحدث تجربة فنية له هنا، ويمكن أن يكون مبرره هو تلك النزعة الى تلمس المواد البيئية والنأي عن الصناعيات من المواد،ومنها الألوان الصناعية بأنواعها، ناهيك عن كون تلك الخامة لديها تداخل مع الموروث الإنساني عامة والمحلي بالخصوص، فقد كان النسيج الصوفي من أكثر العناصر التي سخرها الإنسان في مقتضيات حياته.

 

ويمكن أن تكون هذه التجربة نتاجا لرحلة الفنان الطويلة مع اللوحة بحواملها وخامات إنتاجها المتعددة التي لم ترسخ في موروثنا الشعبي، فاللوحة والحامل (support) هي نتاج عصر النهضة الأوربية الذي عم الدنيا وأصبح سمة لعصر غطى ثقافات العالم ، ولكن مازالت العقلية الشعبية لدينا متعلقة بموروث البساط والسجادة والمدة التي تزين الحائط أو تفرش على الأرض أو تنتقل بين شوطيهما وضيفيا وحسيا، مما غرس في العقلية المحلية فحواها التكويني وجدواها الجمالي المتداخل مع مداها الوظيفي.

 

وهكذا أراد الفنان الشيخ أن يجد للحداثة الجانحة نحو البيئوية طريقا الى فنوننا مستندا على موروث أنقطعت الصلات به لجيل أو جيلين على الأقل، كان يوما متجانسا ومسترسلا مع السجايا النفسية الموروثة والتي لم تختف بالرغم من حلول عنصر اللوحة شكليا في حياتنا. أما أشكاله وألوانه التي نرصدها على لوحاته فهي مختلفة كل الإختلاف عن الأشكال المتراكبة والمتناظرة المتجانسة أو المزدحمة أحيانا أو حتى البهرج اللوني الأتي من سجايا التراث وذوقه واعرافه، الى خطوط وكتل لونية مجردة لا تحمل إلا حسا وثراء من الخيال الجامح الحداثي النائي عن التجسيد والأشكال التراثية.

 

لقد جسد تراكباته اللونية وخطوطه فوق صفحة اللباد المعلق على بعدين وحاول أن يجد له حلولا لتشكيلات ثلاثية الأبعاد من خلال لصق عناصر حجمية وجيوب نائة يمكن أن تجسد تلك المحاولة. كل ذلك لايخلو من حس عميق ينم عن تجربة طويلة مع اللون والخطوط التي مارسها الفنان الشيخ خلال رحلته الطويلة مع الإنتاج الفني.

 

واللباد المستخدم في هذه التجربة التي تحاكي صناعة الطرابيش التراثية، هو خامة الصوف المنفوش و المصنع عن طريق دعكه وتسخيره من خلال معالجته بالماء والصابون ثم ضغطه في حصيرة من القصب أو الخوص،بما يجعله يأخذ هيئة مسطحة ومتماسكة قابلة للفرش . ويمكن اعتبار ذلك الفراش أو النسيج "حاملا" يكتنف تباعا تدخلات الفنان التشكيلية من خلال اللصق أو الفرش بالضغط أو الخياطة أو التعليق.

 

وفي زاوية أخرى من معرض الفنان الشيخ نجد تجربتين سابقتين له أولهما وأقدمهما تعامله مع الزنك بأشكاله التفصيلية وشخوصه المجردة المنمنمة، بينما نلمس في مرحلة لاحقة وفي تجربة" لصقية" أو ماندعوه (الكولاج) تبدوا أحدث عهدا بما أتسمت به من تجريد بعيد عن التفاصيل التي لمسناها في (الكرافك) السابق. حيث وهب نوع من الورق الرقيق الفنان الحرية في تقطيعه ولصقه وتركيب أجزائه وتشكيل شخوصه المجردة بما يوحي بهواجس من التجريد الروحي الذي اراد أن يختزل حالة تيه لشخوص مقطعة الأوصال،منخورة ، ومنهكة القوى،و تائهة الإتجاهات ،وفي حالة من حركة لاتريد الثبات .

 

وهكذا نلمس في هذا المعرض ثلاث مراحل تطورية في العمق الفني العاكس للسجايا، تشرح للرائي التطور الفكري والحسي والذوقي والتجريبي للفنان، بما يوحي بقراءة لهواجس إنسان يبحث عن سكون ويمتعض من غربة الروح التي هدها الترحال الطويل والقلق. 

الدخول للتعليق

التجمع المندائي الثامن عشر


 
لاتفوتكم فرصة المشاركة في التجمع المندائي الثامن عشر هذا العام

مفاجئات وفعاليات الخاصة