كتـــــــاب يحـــــــيى

المشاهدات: 5310
تقييم المستخدم: / 10
ضعيفممتاز 

قراءة

كُتب بواسطة Super User

موسى الخميسي

لقد أثرت سنوات الماضي، تاثيرا سلبيا واضحا على مسار الثقافة المندائية وشيوعها المطلوب. وتعمق فيها اغتراب المبدع عن الوسط الذي يعيشه، فصار إبداع عدد من مثقفينا( وهم قلة) نسخا تابعا بما يكتبه الآخر عنّا، بواسطة الترجمة عن اللغات الاجنبية. ولم يستطع هذا المثقف، بكل ما قدمه من جهود جبارة ورائعة ورائدة، تأصيل تيار الابداع الذي يمتلكه الفكر المندائي. لقد بقى معظم هؤلاء من مثقفينا الرواد يحاكمون نصوصهم بشروط الابداع الذي يمتلك بعض الغرابة عن روح الاصالة المندائية، ووفق ذائقة الآخر الذي كتب عن المندائية، لا وفق شروط الابداع المندائي من داخل البيت وبذائقة ومعارف مواطنيه.
الآن تغير المشهد، فصرنا امام ظاهرة جديدة، وهي ظهور ابناء جلدتنا من المثقفين، وهم يكلفون انفسهم، بمهمة فك رموز شفرات فلسفة الدين العميقة، والكشف عن مستويات فكرية مكتنزة بعظمتها، ليكشفوا عن وجه المندائية كديانة كونية ممتدة الى عمق تاريخ الوجود الانساني. لقد نصب الماضي امام المثقف المندائي موانع كثيرة من الاقتراب من واقع الدين، وشاعت في وسطه مقولات استقلال الثقافة بنفسها وتعاليمها على واقع الدين. الان الامر تغير، فصار حضور ظاهرة الدين، بكل تفاصيل آفاقها الدقيقة، واستحضارها، ضرورة لابد منها لاستعادة المعرفة الموسوعية للانسان المندائي الحديث. ذلك ان عزل الثقافة الدينية في سماوات بعيدة منغلقة على نفسها، هو المعادل الموضوعي لانعزال الدين وتعاليمه وفكره وفلسفته، لينطوي على آلية الانحسار ضمن حلقات ضيقة تتحد برجال الدين فقط. وقد اسهم هذا الوضع في الحاق العديد من التشويهات، فجاءت العديد من النصوص الدينية المندائية وفي احيان كثيرة، وكأنها بلا هوية، الا ما تحمله من اسم. مقطوعة عن زمانها ومكانها، متعالية على الذاكرة الشعبية، مرصعة بذاكرة اقوام خارجية درست الظاهرة المندائية وكانها تجارب لقوم يحبو في بدائيته، اكثر مما هم قوم متحضر حقيقي يتصل جذره بعمق التاريخ الانساني.
ان تجربة المبدع الدكتور صباح خليل مال الله ، التي تضاف الى تجربات العديد من الاسماء المندائية في يومنا الحاضر ، تشبه الى حد كبير تجربة اي انسان مبدع، وعى كيفية تجاوز ما هو قائم من خلال تحسين الادوات وترشيدها عبر الدراسة الاكاديمية المتخصصة، وممارسة النقد الموضوعي، والانطلاق من التقاليد المتراكمة للصعود منها، عبر فعل ذاتي مبرر اجتماعيا ومرحليا، لكل ما من شأنه ان يقود الى الانفتاح على الواقع. وهو شرط من شروط الابداع المتحرر، والمنفتح، والمؤسس.
هذا الكتاب، يحيل المندائية من ظل باهت لحركة الزمن الذي دارت به عمرا اطول واعمق، لتخرج من النظرة القاصرة، لتمشي مع الابداع الذي ميزّها كحركة فكر فلسفي، وتؤكد على وجود تراث روحي وكنوز فكرية ثقافية تتعالى على الزمان وتقادمه.
انه كتاب جدير بالقراءة والدراسة، يزيد تكامل الحس الجمالي للمندائية، ويخلق تفاعل مع وجدانها العظيم، ويؤكد حضور فكرها. لقد منح الكاتب الذي قام بترجمة النصوص عن الارامية المندائية الشرقية مباشرة، واجهد نفسه من خلال مشروع طموح ليجعل الفلسفة والفكر المندائي، يركن امامنا على تخوم الحاضر، بدل ان يحوم حول الخرافة والسحر والطلاسم، ليعبر عن الوجه الاخر المخفي. جعل بعمله المبدع، انفتاح النص المندائي على نفسه من اجل الاخرين.
كتاب يحيى، قراءة ذكية مكشوفة وواضحة لنصوص تاريخ هذا القوم الذي يعتبر نفسه اول الموحدين، شديد التكثيف، بلغة عربية تقترب من السرد الشفاهي الشعري المبدع، والمبطن بحس نقدي دافق، وحافظ بكل امانة على وجود النص الارامي.


أضف تعليق


كود امني
تحديث

كتب جديدة