ليس كلُ من قرأ كتاب او كتابين أٌُطلق عليه قارئاً ، او كتبَ موضوع او موضوعين أصبح كاتباً ، وكل من كتب قصيدة او اثنتان أوهمَ نفسه أصبح شاعراً ، وليس كل من كتب قصة واحدة او اكثر اصبح قاصاً او أديباً ، او انتقد حالة معينة او اثنتين أصبح ناقداً ، كما في القول الشعبي الماثور ( ليس كل من دق مسمار صار نجار ) .
ان للكتابة شروطها واصولها واعتباراتها ومدلولاتها واسبابها واخلاقها وجمهورها ، والكتابة ليس الغرض منها بالطبع حالة التبجح او الغرور او البحث عن سمة خاصة للشخصية ، بل الاساس هي إبراز المواهب والقدرات الفكرية المكنونة داخل الذات من خلال الاكتساب المعرفي في القراءة والمتابعة ، والهدف السامي النبيل منها الفائدة العامة بجانب التقويم والتعلم والاستفادة من الاخطاء ومعالجتها بالاسلوب الصحيح والمقبول ، ليس كل مثقف قارىء وليس كل قارىء احتسب مثقف ، ان اهم صفة تكون ملازمة للكاتب اللبيب عدم التعالي او الغرور واحترام اراء الاخرين مهما كانت بسيطة لانها تعبر عن وجهة نظر شخصية وبصورة حرة لا غبار عليها .
ان الكتابة في اي موقع من المواقع الاعلامية لم تكن يوما ما حكرا على أحد بل هي مُباحة للجميع ، ان يُبدي رأيه بكل حرية وبكل وضوح في اي موضوع او اي قضية خاصة او عامة يختارها الكاتب ، وفي مختلف المجالات المعروفة ، فيما اذا كان الموضوع المطروح غير كامل او فيه نوع عدم الصحة او المبالغة او فيه معلومات مغلوطة تتطلب التصحيح او اذا كان بحاجة الى اضافة او تعقيب ، وليس كل واحد منا ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، وعدم امتلاكه لخزين وافر من المعارف والمعلومات ، وهذا يعتمد بالاساس على قراءاته ومطالعاته الرتيبة ومدى استيعابه لما يقرأ او يدون ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، انا اعرف شيء غيري لا يعرفه او اخر غير منتبه عليه والعكس صحيح ، وما كانت الدراسات والبحوث او المعالجات المستمرة لمختلف أمور الحياة قد وضعت لغرض خدمة الانسان كل حسب طريقته ومعرفته ما هي الا طريقة نموذجية تنطبق عليها هذه القاعدة ، والبحث الدائم عن الطروحات والمعلومات الجديدة .
ليس كل ما يُكتب هو صحيح ، وليس كل ما ينقل من مصدره هو مضبوط ومعروف ، في كثير من المواضيع تحوي على دلالات رمزية يصعب فهمها إلا بعد التمعن الجيد والقراءة المستفيضة ، اي قراءة الموضوع المطروح اكثر من مرة كما هو في الشعر الحر الحالي كونه يمتاز بالرمزية المفرطة ، وهذا ديدن كثير مما ينشر عن كُتابنا ومثقفينا ، أرجو ان يسع صدرهم وعدم الحكم على الكاتب اللبيب بمجرد هفوة بسيطة او اختلاف في الرأي حول فكرة ما او قضية ما ، وهذا ينطبق عليه حسب المنظور الثقافي بمصطلح ( بؤس الثقافة ) .
لا يتوجب علينا فقط الفرجة والمباهاة بل بذل جهود فعالة ... بتنمية الحس النقدي الفعال القادر على المساءلة الخلاقة في الابداع والتطوير الثقافي القرائي .
وكما قال الماغوط : لنمنح كتابتنا مروقا ً جميلا ، كي يتحرر قلمنا من صمته المعلن ، ولنمارس حقنا في المتعة والغبطة والغواية والشوق في حضن كتابة لا تضيق بجنوننا وبوهيمتنا وانزياحاتنا وانزعاجاتنا المتكررة .