• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 10 أيار 2020

زخارف موسيقية

  ثائر صالح

بحث الفنانون عن كل ما هو غريب ومثير للانتباه ليقدموه في أعمالهم. لذلك يصدف أن نعثر في جولاتنا على أسماء مثيرة أطلقت على الأعمال أو الأشكال الموسيقية. وقد تحدثت عرضاً مرة عن الشكل الموسيقى "قانون" الذي استعمله مؤلفو الباروك المتأخر، وهو اسم اقتبس من اليونانية ومعناه العمود المستقيم وكذلك المقياس، وقد دخل اللغة العربية كذلك بفعل الترجمة من اليونانية (القانون). ونجد في لسان العرب: "وقانون كل شيء: طريقُه ومقياسه. قال ابن سيده: وأُراها دَخِيلَةً". وبمناسبة اللغة اليونانية، هناك أداة موسيقية من الأدوات القصبية اسمها كالاموس استعملت في عصر الباروك، وهي تشبه الأوبو. تعني كلمة كالاموس باليونانية القصب، ومنها اقتبست العرب كلمة القلم، وكان القلم يصنع من القصب يبرى ويغمس في الحبر، وقبلها استعمل للكتابة على الرقم الطينية.

من غرائب الموسيقى الأوربية العنوان المسمى زخارف عربية (ويسمى باللغات الأوربية Arabesque). تعرّف قواميس الموسيقى مصطلح الأرابيسك "عنوان اقتبس من الفنون المرئية يطلق احياناً على مقطوعات قصيرة تتميز بالزخارف" (قاموس بنغوين الموسيقي الجديد). ويقارنه بعض الباحثين بالزخرفة العربية في العمارة التي تعرف عليها الأوروبيون في الأندلس وفي الصناعات والمشغولات العربية مثل الأقمشة المطرزة التي وصلتهم منذ العصور الوسطى. ونشعر في الكثير من الأمثلة محاولات تقليد عالم الأصوات الموسيقية العربية.

نجد أمثلة على هذه التسمية تعود لعصر الباروك (1717) الفها الموسيقي الفرنسي قطعة ارابيسك من الكتاب الرابع لمقطوعات الفيول من تأليف عازف الفيول الشهير ماران ماريه (1656 – 1728) الذي مال الى ابراز الزخارف. بعده كتب روبرت شومان (1810 – 1856) الموسيقي اللامع من العصر الرومانتيكي قطعته أرابيسك عبر فيها عن "الروحية العربية" الملتهبة والمتفجرة. أما الرومانتيكي الاسباني المتأخر أنريكه غرانادوس (1867 – 1916) فكتب أرابيسك ضمن مجموعته 12 رقصة اسبانية عاد بها الى جذور التراث الموسيقي الأندلسي. وتعد مقطوعتا الفرنسي كلود ديبوسي (1862 – 1918) للبيانو الأشهر بين كل هذه الأعمال، لكنهما في نفس الوقت تعطيان تفسيراً جديداً مغايراً للتفسير المعروف الذي يربط الاسم بالعمارة العربية (الزخارف المعمارية). إذ لا نشعر فيها بأية أجواء شرقية، ولا زخرفات موسيقية مسرفة تحاكي الزخرفات العربية. فبماذا كان ديبوسي يفكر؟ مفتاح الحل هو الفنان التشكيلي أدغار دوكا (1834 – 1917) الذي اشتهر برسم راقصات الباليه. كثيراً ما نرى الراقصات في حركة صعبة، حين يقفن على ساق واحدة بحيث يميل الجذع الى الأمام، والساق الثانية ترتفع في الهواء خلف الجسم بينما تمتد اليدان نحو الأعلى الى الأمام والجانب. طور هذه الحركة الأساسية معلم الرقص الإيطالي الشهير كارلو بلاسيس (1797 – 1878) في عشرينات القرن التاسع عشر وتعتمد على التوازن بين الأطراف الممتدة الى الأمام والساق الممتدة في الهواء الى الخلف. هذه الحركة تسمى في فن الباليه "ارابيسك" وهي ما رسمها دوكا وعبر عنها ديبوسي في هاتين القطعتين الرقيقتين.

Claude Debussy

https://www.youtube.com/watch?v=9Fle2CP8gR0

 

قطعة ارابيسك من الكتاب الرابع لمقطوعات الفيول من تأليف عازف الفيول الشهير ماران ماريه

https://www.youtube.com/watch?v=9mHfPPYoQ3U


××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××

في رحاب الموسيقى

Thaier Salih

 

مقالة أسبوعية (كل سبت)
بقلم ثائر صالح

 

شرعت في كانون الأول 2010 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.

ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.

قراءة المزيد