• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
السبت, 10 أيار 2014

ثورة مدينة لكًش أول ثورة جماهيرية في التاريخ

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(3 عدد الأصوات)

أن التحولات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية الكبيرة التي حدثت للمجتمع العراقي خلال الألف الرابع ق.م أدت بشكل حتمي الى تعدد و تنوع وتباين طبقاته الاجتماعية و كذلك تغير أتجاه تحدياته ، فبعد أن كان صراع المجتمع بكافة مكوناته عند بداية تكوينه مقتصرا ً و متركزا ًمع الظروف البيئية المحيطة به لتكوين كيانه الاجتماعي و الاقتصادي و شكله السياسي العام ، أخذ يظهر فيما بعد صراع جديد ما بين الطبقات المكونة لهذا المجتمع وصل أحياناً لدرجة الصِدام المباشر نتيجة التباين الاقتصادي الكبير بين تلك الطبقات ، بعد أن ظهرت طبقة مُترفة (الفئة الحاكمة والمحيطون بها) تحاول و بشتى الوسائل السيطرة و الاستئثار بمقدرات الحياة لمصلحتها الخاصة ، و طبقة أخرى مسحوقة (عامة الناس) تحاول أسترداد حقوقها و نيل حريتها و حقوقها الانسانية و رفع الحيف و الظلم الذي لحق بها.
نظرة عامة على دويلة لكًش
دويلة لكًش واحدة من أهم و أعرق دويلات عصر فجر السلالات السومرية 2900_2370 ق.م . كانت مركزا ًسياسيا ً و أقتصاديا و دينيا ًو ثقافيا ً مهما ً. بلغ عدد سكانها حوالي 100,000 نسمة يتوزعون على ثلاثة مدن رئيسية هي .. (لكًش / العاصمة) تلول (الهِبة) ، (كًرسو) تلول (تلو) ، (نينا) تلول (سركًل). وتتبع كلاً من هذه المدن عدد كبير من القرى الصغيرة و المتوسطة ليغطي حجم هذه الدويلة مساحة كبيرة من الأرض تقدر بحوالي 3000 كم2 . كانت هذه المدن تمتد بخط واحد بالقرب من نهر (الغراف) على بُعد عشرة أميال من مدينة (الشطرة) في محافظة (ذي قار) . تأسست في هذه الدويلة سلالة حاكمة قوية في عصر فجر السلالات الثاني 2800_2550 ق.م أسسها الأمير (أورنانشة) استمرت بالقوة و التعاظم حتى آخر حاكم قوي فيها هو الامير(أنتيمينا) .... كانت مؤسسة المعبد في هذه الدويلة تمثل سلطة قوية مستقلة تضاهي السلطة السياسية حيث امتلكت لحسابها الكثير من الأراضي الزراعية بلغت أكثر من ربع مساحة الدويلة ، كما وقع تحت أدارتها أكثر من عشرين معبداً لمختلف الآلهة الكبار مثل (آنو) و (أنكي) و (أنانا) و (أوتو) و غيرهم . كانت الزراعة المصدر الرئيسي للأقتصاد أضافة للتجارة مع البلدان البعيدة مثل (دلمون) و (مكًان) و حتى (وادي السند) وبمختلف البضائع .... لعل ما ميز تاريخ هذه الدويلة هو صراعها الطويل مع دويلة (أوما) المجاورة لها ، الذي أستمر لأكثر من مئة عام من أجل السيطرة على الأراضي الزراعية ومصادر المياه ، الذي أنتهى (بشكلٍ مؤقت) بأبرام معاهدة سياسية لتقاسم المصالح الاقتصادية و مصادر الارواء بين الطرفين بوساطة و تحكيم الملك (مَيسلم) ملك دويلة (كيش) ، تعتبر أقدم معاهدة سياسية في التاريخ . لقد حتمّ صراع بهذا الحجم أن يكون للدويلة جيش قوي و منظم تفاخر به أمرائها ، قدر تعداده بحوالي 9000_10,000 محارب بين قائد وجندي . و قد أعتبر قادة هذا الجيش من الطبقات العليا في المجتمع و لهم حقوق و أمتيازات خاصة . اما بقية رتب الجنود فكانوا من البسطاء من عامة الشعب.
أوضاع الدويلة قبيل الثورة
في حدود عام 2400 ق.م أي في أواخر عصر فجر السلالات الثالث ، و نتيجة الحروب الطويلة مع دويلة (أوما) و الدويلات الأخرى . ونتيجة سوء الادارة التي تمثلت بخلفاء الأمير (لوكًالندا) الذين انشغلوا بحياة البذخ والاسراف و الاهتمام فقط بالجانب العسكري ، مهملين أسس اقتصاد الدويلة المتمثل بالزراعة و ماتحتاجه من أستصلاح للأراضي و أقامة مشاريع الري ، كذلك أهمال التجارة الخارجية و ما كانت توفره من احتياجات مختلفة لعموم المجتمع .. كل ذلك أصاب الاقتصاد العام بالشلل و الركود . وتذكر بعض النصوص أن السلطة الحاكمة حاولت معالجة هذه الأوضاع السيئة بمساندة من مؤسسة المعبد عن طريق فرض ضرائب كبيرة على الشعب شملت جميع العاملين في مرافق و نشاطات الحياة المهنية كالحرفيين و مربي المواشي والصيادين و الفلاحين . كانت تذهب هذه الضرائب الى الحكام وحاشيتهم و الطبقة المترفة لتأمين أستمرارية ترف حياتهم . كما فرض المعبد هو الآخر ضرائب فاحشة على قضايا الأحوال الشخصية مثل الزواج و الطلاق و الارث و تسجيل الولادات ورسوم الدفن . بل ومن أجل الحصول على المزيد من الموارد المالية أباحت بعض الممارسات الاجتماعية الشاذة مثل زواج المرأة برجلين . في ضوء ذلك أصبح جباة الضرائب المعّينين من قبل السلطة الحاكمة يجوبون كل أنحاء البلاد للأستيلاء على كل مايمكن الحصول عليه . ومن لايتمكن من الدفع كانت تتم مصادرة أملاكه أو أيداعه في السجن لحين السداد . أما طبقة العمال البسطاء فقد فرضت عليهم بدلا ً من ذلك أعمال السخرة القسرية التي شملت حتى فاقدي البصر منهم ، و بلغت القسوة من الحكام أنهم لم يكونوا يجهزونهم بما يحتاجونه من قوت . فأصبحت هذه الطبقة تعاني البؤس و الحرمان و تذكر النصوص (أن العمال و الشغيلة صاروا يستجدون من البيوت ويأكلون فضلات الطعام من أبواب المدينة بينما مخازن الحكام وحاشيتهم مليئة بالحبوب) . كما قامت السلطة الحاكمة بأطلاق سراح المجرمين و اللصوص من السجون لتوفير طعامهم . فأنتشرت الجريمة و السرقات بشكل كبير ... كل هذه التراكمات جعلت البلد في حالة غليان عنيف توّج بشكل ثورة فيما بعد.
الثورة
كانت بدايات الثورة عبارة عن بضع حالات عفوية من التمرد بعدم دفع المستحقات الضريبية و رفض الكثير من البسطاء الذهاب الى أعمال السخرة القسرية و اعلان حالة العصيان . ثم تطور الأمر بعد ذلك ليتم تشكيل مجموعات من الشباب الجوعى أخذت تهاجم مخازن و قصور الاثرياء للحصول على الطعام . وتذكر بعض النصوص (أن الثوار كانوا يهاجمون الأثرياء و أتباع الطبقة الحاكمة ويستولون على ممتلكاتهم و ما بحوزتهم من مؤونة) ، أخذت الهجمات بالازدياد يوما ً بعد يوم ، تحولت فيما بعد الى هياج شعبي كبير ثم فوضى عارمة في عموم الدويلة بالأخص العاصمة (لكًش) ، حتى تفجرت الاوضاع بشكل ثورة جماهيرية كبيرة أطاحت بالسلطة الحاكمة لتأتي بسلطة جديدة من الشعب . و بالرغم من كثرة النصوص التي أوضحت الحال قبل و بعد الثورة إلا أنها لم تتناول كيفية تنفيذها إلا من بعض أشارات مثل (ضُربت السلطة من قبل الجنود) و (سيطرة الجنود على القصور و المعابد) . و ما يمكن استنتاجه من سير الأحداث ، هو أن الطبقات الصغيرة من الجنود الذين كانوا يعانون بما يعاني شعبهم قد استعانوا بالجماهير الغاضبة للهجوم على قصور الأمراء و المعابد و الاستحواذ على مخازن الطعام لتوزيعها على الناس ... بعدها ظهر أسم (أوروأنمكًينا) الذي يقرأ في بعض المصادر بشكل مخطوء (أوركاجينا) ، كقائد للثورة و أميراً جديداً لدويلة (لكًش) .. أشارت بعض النصوص أنه كان من صنف الكهنة الكتاّب الذين كانت تناط بهم مهمة التدوين داخل المعابد ، و تعتبر هذه الشريحة من الطبقة الوسطى في المجتمع . لذلك فأن (أوروأنمكًينا) جمع بين خلفيته الثقافية العالية و أنتمائه الطبقي لعامة الناس الذي جعله يحس بما يعانيه أبناء شعبه . لكن لم تذكر أو تشير النصوص فيما أذا كان الأمير الجديد متواطئ مع قوة الجنود التي أطاحت بالحكم السابق أو أنه تم أختياره لتولي الحكم من قبل الجماهير و الجيش بعد نجاح الثورة ... و من المرجح أن يكون الاحتمال الأول .... بعد توليه الحكم ضمن مباشرة ً تأييد الطبقات المُتعبة وعموم الجماهير التي كانت تنتظر رفع الظلم و الاضطهاد عنها .
الانجازات
بدأت انجازات (أوروأنمكًينا) مباشرة ً بعد الثورة تصب في مجملها لخدمة الطبقات الفقيرة و المُعدمة من الشعب ... توزعت بين أعمال آنية عاجلة تمثلت .... بأطلاق سراح المسجونين بسبب الديون أو الضرائب ، الغاء أعمال السخرة القسرية ، محاربة الجريمة و معاقبة المجرمين بعقوبات قاسية تصل الى حد الرجم ، وقف عمليات الاستيلاء على أراضي الناس و ممتلكاتهم و مواشي الرعاة و مراكب الصيادين ، فتح كافة المشاغل و الحوانيت دونما قيود . كما قام لتحسين الأوضاع الاقتصادية بحملة كبيرة لأصلاح الاراضي الزراعية و تحسين وتطوير مشاريع الري و تشغيل الكثير من الفقراء للعمل فيها لقاء أجور مستحقة . وكذلك حاول تنشيط التجارة الخارجية بأرسال مبعوثين له للدويلات الاخرى القريبة و البعيدة لفتح أبواب جديدة للتجارة . و من جانب آخر قام هذا المصلح العظيم و لظمان عدم أستغلال الشعب مجدداً بوضع أصلاحات قانونية و أجتماعية تنظم حياة المجتمع آنذاك ، تعتبر أولى محاولات تشريع القوانين في التاريخ . دونت على مسلة كبيرة وضعت في وسط مدينة (لكًش) ، للأسف لم تصلنا ، لكن ما وصل منها عبارة عن بعض الالواح المسمارية المقتبسة لبعض من نصوصها .. يذكر (أوروأنمكًينا) في مقدمة تشريعاته .. ((أنه منذ اليوم سيكون سلطان الاله (ننكًرسو) اله (لكًش) فوق سلطان الحكام)) ... و (سيضع العدل و المساواة بين أفراد الشعب) كما عاهد شعبه ( أنه لن يسلم الارملة و اليتيم و الضعيف الى القوي و الفقير الى الغني) و (سيكون بيت الفقير بجانب بيت الغني) .. كما ذكر هذا المصلح لأول مرة في التاريخ كلمة (الحرية) التي تقرأ باللغة السومرية (أماركًي) حيث ورد (أن الحرية ستكون لكل فرد في لكًش) ... لقد تناولت تشريعات (أوروأنمكًينا) مختلف جوانب الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ... حيث قام بالغاء العديد من الضرائب المفروضة على حالات الزواج و الطلاق و ضرائب العمل و المشاغل وغيرها من الاعمال البسيطة الاخرى ، كما خفض بعضها الى حد معقول . و أيضاً منع و حرم زواج المرأة برجلين وعاقب متعاطيه بعقوبات قاسية . كذلك حارب الجريمة و عالج أسبابها مع تنظيم عقوبات خاصة لكل منها ، و لم يغفل أيضا ً الجانب السياسي فقام بتقييد سلطات طبقة الأمراء و تحديد تدرجهم بما فيها هو نفسه ... حيث بقى بمنصبه (أينسي) أي أمير لعدة سنوات ، ثم بعد أن حصل على تأييد بقية المدن مُنح لقب (لوكًال) أي ملك .
النهاية
أستمرت فترة حكم (أوروأنمكًينا) ثماني سنوات ، و بالرغم من التأييد الشعبي الكبير التي حظيت به سلطة (الثورة) و أصلاحاتها من قبل عموم الشعب لكنها بنفس الوقت جابهت مقاومة عنيفة من قبل الطبقات المترفة والثرية التي ضُربت مصالحها و فقدت أمتيازاتها نتيجة هذا التحول الكبير . لذلك أخذت تخلق البلبلة والفوضى بغية زرع حالة عدم الاستقرار في عموم الدويلة و أحداث المؤامرات بين الحين و الآخر ، ساعدها في ذلك الامكانيات المالية الكبيرة التي تمتلكها التي وفرتها لرشوة المرتزقة و المجرمين الذين سبق و أطلقتهم من السجون للقيام بهذه الأعمال . وقد لاقت هذه الهجمة أيضا ً دعما ًمن بقية الدويلات الأخرى التي أرادت خنق هذه الثورة في مهدها بأي شكل من الأشكال بعد أن أحست بالخوف من انتقال تلك التجربة اليها ، خاصة ً عدو (لكًش) القديم المتمثل بدويلة (أوما) . لقد زادت هذه المؤامرات من تردي الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية في الدويلة المتعبة أصلا ً منذ الفترة السابقة ، لاسيما أن أصلاحات (أوروأنمكًينا) لم يمنح لها الوقت الكافي لتأتي ثمارها في أستقرار الأوضاع العامة .
فأستغلت دويلة (أوما) التي كانت قوتها العسكرية في تعاظم مستمر تحت حكم ملكها (لوكًال زاكًيزي) الحالم ببسط نفوذه على باقي الدويلات السومرية ، منتهزة فرصة سوء تلك الاوضاع المضطربة لتشن هجوما ً كبيرا ً مباغتا ًبمعاونة المناوئين للثورة من الطبقات الثرية ليقوم بتدمير و حرق مدينة (لكًش) بالكامل و قتل ملكها المصلح الحكيم (أوروأنمكًينا) .... و قد رثى الادباء السومريون تلك الفاجعة التي أصابت (لكًش) بمرثية رائعة ، تعتبر واحدة من أروع نصوص الادب السومري ..... لتنتهي هذه الثورة العظيمة تلك النهاية المفجعة و تطوى معها أحدى الصفحات المشرقة من تاريخ الشعب العراقي العظيم.

الدخول للتعليق