• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الأربعاء, 18 حزيران/يونيو 2014

نظرة على الحياة الاجتماعية في العراق القديم الجزء الثاني

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

الطلاق .. التبني .. الارث

كان الطلاق معروفاً في المجتمع العراقي القديم لكنه محدد في حالات معينة ذكرت معظمها في قانون حمورابي .. و يشترط في مشروعية الطلاق و نفاذه أن يكون كحال الزواج مدون بعقد مكتوب مثبت من قبل قضاة و يُشهد عليه من قبل عدة أشخاص .. و كان يحق للرجل تطليق زوجته في ثلاث حالات .. مرضها بداء لا يرجى شفائه .. عدم قدرتها على الانجاب .. عدم التزامها بواجباتها الزوجية .. و في هذه الحالات يشترط على الزوج أن يدفع لها مقداراً من المال يكفي لمعيشتها بكرامة أو التكفل باعالتها ما تبقى من حياتها .. كما اعطي الزوج الحق بطلاق زوجته اذا ثبت عليها الخيانة الزوجية ، و في هذه الحالة لا يدفع لها شيء من مخصصات الاعالة ... ومن جانب آخر كان يحق للزوجة في حالات محددة أيضاً أن تقيم دعوى ضد الزوج تطلب تطليقها منه ، و من هذه الحالات .. ارتكابه الخيانة الزوجية .. غيبة الزوج المتكررة عن البيت لفترات طويلة .. التقصير في أعالة عائلته .. تقليله من أهميتها و عدم التزامه بواجباته الزوجية اتجاهها.
و أيضاً كان التبني من الأمور الشائعة و القانونية في المجتمع العراقي القديم ، ويعتبر احد الحلول الناجعة للمحافظة على العوائل الغير قادرة على الانجاب .. فكان للفرد أن يتبنى عدد غير محدود من البناء الذكور و الاناث ، شريطة أن يقوم بواجباته و التزاماته اتجاههم و التكفل باعالتهم ، و يكون ذلك وفق عقد مكتوب ومشهود عليه تثبت فيه شروط ذلك التبني ... حيث يتعهد المتبني أن يعامل المُتبنى (ولد أم بنت) كأبنائه الطبيعيين و يورثه من بعده و يعلمه الحرفة التي يمتهنها .. و من الجدير ذكره أنه لم يكن يشترط بالشخص المتبني رجلاً كان أم امرأة أن يكون له عائلة أو متزوجاً لأبرام عقد التبني .. بالمقابل كان على الأبن المتبنى أن يطيع من تبناه طاعة عمياء كأبن حقيقي له ، و أذا تطاول عليه أو أنكره و أساء اتجاهه الأدب فمن حق المتبني أن يضربه أو يستعبده و يوشمه بعلامات العبودية التي سبق ذكرها.
من الأمور المهمة التي نظمتها القوانين العراقية القديمة هي عائدية التركات التي يخلفها المتوفون ، و الى من تؤول من بعدهم .. فعند موت الأب كانت أمواله المنقولة و غير المنقولة تقسم وفق حصص محددة بين أولاده الحقيقيين و أولاده بالتبني و أولاده من عبدته أذا أعترف بأبوته لهم ، و تقسم التركة بأن يكون للأبن الأكبر حصتين باعتباره المسؤول عن العائلة و أدارة مصالحها بعد موت الاب ، و باقي الأخوة و الزوجة حصة واحدة ... ونفس المبدأ ينطبق على الأم بعد وفاتها .. أما البنات فكان لهن الحق فقط في أخذ مستحقات هدايا زواجهن الممنوحة من تركة والدهن المتوفي.

 

المرأة

كان للمرأة دور رمزي كبير في المجتمع العراقي القديم حيث كان ينظر اليها بنوع من القدسية . وهذه النظرة مستمدة بالأساس من بعض المعتقدات الدينية القديمة التي تعود الى فترة العصر الحجري الحديث (الالف السابع ق.م) و المتمثلة بعبادة (الالهة الام) باعتبارها رمزاً للخصب و منبعاً للحياة . وتطورت هذه الفكرة فيما بعد في المعتقدات الدينية العراقية القديمة لتمثل المرأة باثنتين من أهم الهة العراقيين وهما (اينانا أو عشتار) إلاهة الخصب والنماء والجنس و (أريشكيكًال) إلاهة العالم السفلي ، هذا يعني اعتقاد العراقيين القدماء أن المرأة كان بيدها النقيضين الابديين (الحياة و الموت) . بالنسبة للطبقة الحاكمة كانت النساء دوماً داعمات ومساندات لأزواجهن من الامراء و الملوك و كن يظهرن في المنحوتات باستمرار الى جوارهم . وتذكر النصوص السومرية المبكرة في منتصف الالف الثالث ق.م أسماء العديد من الاميرات اللواتي كان لهن دور بارز في حياة مدنهن ، مثل الاميرات (أور نانا) زوجة الأمير (اورنانشة) مؤسس سلالة لكش الاولى ، و (برانامترا) زوجة الامير (لوكَال ندا) حيث كانت تناط بهن مهمة الأشراف على المعابد . ويمكن الاستدلال عن أهمية المرأة عند السلالات الحاكمة في هذه الفترة من خلال طرق الدفن و الآثار النفيسة الموضوعة داخل قبور بعض الاميرات في المقبرة الملكية الشهيرة المكتشفة في (أور) خلال عشرينات القرن المنصرم ، منها قبور الاميرات (بوآبي) و (نن بندا) اللتين دفن الى جانبهم العديد من الخدم و المرافقين ... لتتوج علاقة المرأة مع الحكم خلال فترة العصر الاشوري الحديث عندما تولت العرش الاشوري الملكة الشهيرة (سميراميس) الذي يقرأ أسمها بالآشورية (سمورامات) و معناه (حبيبة الحمام) ، ذلك بعد مقتل زوجها الملك (شمشي أدد الخامس) 828 _ 811 ق.م ، فتولت الحكم لخمس سنوات وصايةً على أبنها القاصر (أدد نراري الثالث) 810_783 ق.م فكانت من أقوى ملوك العراق القديم .... أما عن المرأة العامة فكان دورها كبيرا ً و مهما ً في سير حياة المجتمع ، فبالاضافة الى دورها داخل الاسرة (كما أسلف) فأنها كانت تشارك في الكثير من الاعمال و المهن الحياتية الاساسية الى جانب الرجل ، على سبيل المثال عملت بشكل فاعل في الحقول و المزارع ، و هنا أوضحت العديد من المنحوتات الطينية السومرية من الألف الثالث ق.م مشهد المرأة الفلاحة .. حيث اظهرت احداها فلاحة ً سومرية بملابس لا تختلف كثيراً عن فلاحات جنوب العراق في وقتنا الحاضر بيدها (مرواح) لتذرية الحبوب ، كما صورت في أخرى و هي حاملة معول العمل المخصص لحفر الارض .. أضافة للزراعة فقد امتهنت و برعت في العديد من المهن و الحرف الصناعية مثل مشاغل النسيج وخياطة الملابس و بعض الصناعات الغذائية وأيضاً أدارة المحال التجارية والحانات . كما كان للمرأة أيضاً حق التعلم لتصبح كاتبة ، حيث أوردت النصوص أسماء العديد من النساء الكاتبات ... لقد منحت القوانين العراقية خلال الالف الثاني ق.م المرأة حقوقاً اضافية ًو مركزاً اجتماعياً متميزاً حيث منعت العنف ضدها أو ضربها أو أهانتها من قبل الرجل أيا ً كان ، لتعاقب بعض القوانين الرجل بصرامة عن هذه الممارسات تصل بعضها لدرجة كسر اليد أو فقأ العين . كما منحت لها شخصيتها المالية المستقلة ، أذ كان لها الحق بامتلاك الاموال و العقارات و العبيد ، وأيضا ً كان لها الحق في أمتهان التجارة و اقراض الاموال .. ومن المهم ذكره أن القوانين نصت على أن شهادة المرأة أمام المحاكم كانت توازي شهادة الرجل و معادلة ً لها.

 

الشباب

حيث المجتمع العراقي القديم مجتمعا ً طبقيا ً كان لابد أن تتأثر فئة الشباب بذلك وتصطبغ بالعائدية الاجتماعية التي ينتمون اليها من حيث المستوى الثقافي و الاقتصادي . فكان الابناء يتبعون عوائلهم من حيث التعلم و الانضباط الحياتي والسلوك الاجتماعي . و العرف المتبع أن يبقى الشاب تحت وصاية أبيه وسلطته حتى زواجه ... في حياته العامة كان الابن يمتهن مهنة أبيه لتكون مهنة متوارثة داخل العائلة . وتذكر بعض النصوص من الالف الثاني ق.م كيف أن بعض الشباب كانوا يتفاخرون باتقانهم لمهنة أبيهم في وقت قصير أو كيف أنهم أصبحوا يكتبون أفضل من آبائهم . و بالمقابل كان هناك أيضا ً الجانب السلبي لهذه الشريحة ، فقد كانت فئة منهم من المتسكعين و العاطلين عن العمل أو من امتهنوا اللصوصية ، حيث ذكرت بعض النصوص من مدينة (لكًش) خلال الالف الثالث ق.م شيئا ً عن هؤلاء و أنه لم يكن لهم عمل سوى الوقوف عند قارعات الطرق و الجلوس في الحانات ، أو عند أبواب المعابد للتحرش بعاملاتها و كاهناتها مما دعا أهل المدينة للشكوى لدى أميرهم (أيأناتم) لمنع هؤلاء . و بالفعل قام هذا الامير بحملة لردعهم بالقوة وذلك بوضع دوريات من الجنود في الشوارع لمنعهم و الحد من تصرفاتهم ... و من الطريف و المهم التطرق اليه هو علاقات الحب الانسانية بين الشباب المحبين ، فذكرت قسما ًمن النصوص الادبية من الالف الثالث ق.م بعض الاشارات عن ذلك ، مثل أوقات و أماكن لقاء العشاق و التي كانت غالباً في المساء وعند ضفاف الانهار أو في الموانئ أو داخل البساتين ، كما ذكرت أيضاً بعضا ًمن كلمات الغزل و الحب التي يطلقها الشاب بحق حبيبته مثل ... (عصفورة دلمون) ، (وردة الصباح) ، (خمَرة الحياة) ، (ضوء القمر).
لقد تنبه المجتمع العراقي القديم منذ فترة مبكرة الى مسألة غاية ً في الاهمية لا تزال تطرح حتى وقتنا الحاضر شاغلة بال و تفكير الكثيرين ، ألا وهي قضية صراع الاجيال ، التي شكلت هاجسا ً لدى طبقة المثقفين منذ ذلك الحين مقارنة بين تناقض تفكير الانسان .. بين القديم الجامد بتقاليده الصلبة الصارمة و الحداثة بما تطمح اليه من نبذ ذلك الجمود والتطلع نحو تجديد الحياة و تطويرها نحو الأفضل و الاجمل . و بالتأكيد فأن هذا يدل على المستوى الفكري الكبير الذي وصل اليه العراقيون القدماء قبل أكثر من خمسة آلاف سنة سابقين بشكل كبير و لافت باقي الشعوب القديمة الاخرى . و هناك نص مدون باللغة السومرية يعود الى فترة سلالة (أور الثالثة)2113_2006ق.م يتطرق بوضوح لهذه المسألة ، محتواه عبارة عن شكوى أبن على أبيه ... حيث يقول..
(لقد أتعبني أبي .. هو لا يدعني أعيش كما أريد .. هو يجبرني على الذهاب الى المعبد .. ويجبرني على أعمل نفس عمله و أرتدي ملابسا ً مثل ملابسه .. هو يمنعني من النظر الى فتيات المعبد .. و يجعلني دائما ًأن أعيش مثل حياته وحياة أبيه .. متى يعرف أبي أن الدنيا قد تغيرت و أن هذا الزمن هو غير زمانه و زمان أبيه .. أذا ظل أبي يعاملني كما يريد سأتركه و أذهب الى مدينة (سبار) لأعيش وحيداً).

 

المدرسة وحياة الدراسة

كانت الكتابة المسمارية عند ابتكارها في منتصف الالف الرابع ق.م ثم في مراحلها التطورية المتقدمة صعبة و معقدة جداً ، مما جعل من العسير تعلمها بشكل ٍ عفوي و دون تخطيط منهجي منظم متسلسل تديره مؤسسة قوية متمرسة ، لذلك نشأت في العراق القديم أولى المؤسسات التعليمية في تاريخ الحضارات القديمة ألا وهي المدارس ، ذلك في مطلع الالف الثالث ق.م ... سميت المدرسة في السومرية (أي دوبّا) وتعني (بيت الألواح) ، كما سمي تلميذها (دومو أي دوبّا) أي (أبن بيت الألواح) . كان التعليم في بدايته يتم بشكل حلقات صغيرة أشبه بالكتاتيب ، ثم تطور فيما بعد ليتم في غرف خاصة داخل المعابد لتعليم العامة ، أو في أجنحة خاصة في القصور الملكية لتعليم أبناء العائلة الحاكمة . في بدايته كان التعليم مقتصرا ً على تعلم الكتابة فقط ثم تطور في المراحل اللاحقة بعد أدراك المجتمع لأهمية التعلم و ضرورة نشره بين عموم أبنائه ليشمل مختلف المعارف الأخرى ، و هذا ما يُستشف من الحكمة السومرية الرائعة (من يعرف علماً عليه ان لا يبقيه مخفياً عن الناس) ، و وفقاً لذلك فقد شمل التعليم مختلف العلوم مثل الحساب ، الهندسة ، الفلك ، أضافة ً لتعلم المعتقدات الدينية و طقوسها . و بالرغم من أن التنقيبات الأثرية قد كشفت عن العديد من الأبنية المختلفة في العراق القديم إلا أنه لم يكشف لحد الآن عن بناء مستقل يمكن تميزه كمدرسة ، وكل ما أستدل عليه هو غرف الدراسة داخل المعابد والقصور ، و ذلك من خلال مخلفاتها الأثرية التي كانت عبارة عن الواح طينية تمثل نصوص مدرسية أعدّها الطلبة ، تتميز بشكلها الدائري مكتوب عليها كتابات ركيكة المستوى تحوي أخطاء املائية و نحوية واضحة تظهر بوضوح أن كاتبها لازال في طور التعلم ، كما و يعتقد ان التلاميذ في تلك الغرف كانوا يتلقون تعليمهم جالسين على أرضياتها المفروشة بالحصائر ، باستثناء امثلة قليلة أهمها ما كشفت عنه أعمال التنقيب في كلاً من قصر الملك (زمريلم) ملك مدينة (ماري/تل الحريري)الذي يعود للنصف الاول من الالف الثاني ق.م ، و كذلك في معبد الآلهة (سبيتي) أي (الآلهة السبعة) في العاصمة الرابعة للآشوريين (دور شروكين/خرسباد) أواخر القرن الثامن ق.م ، عن قاعات طويلة احتوت صفوف من مصاطب متوازية معمولة من الطين (المثل الأول) و من الحجر (المثل الثاني) يُعتقد أنها كانت مخصصة لجلوس التلاميذ عليها ... بالرغم من أنتشار التعليم غير أنه ظل مقتصرا ً على طبقة محدودة من أفراد المجتمع من المتمكنين أقتصادياً و القادرين على تغطية النفقات المادية الباهظة للدراسة التي كانت تستغرق سنوات طويلة ، لكن مع ذلك فقد تمكنت بعض العوائل الحرفية البسيطة من تعليم أبنائها لتظهر نتيجة لذلك بواكير الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي القديم ..... و قد سمي المتعلم بعد أنهائه لدراسته بالسومرية (دُب سار) يعني (كاتب اللوح) ، الذي كان و امثاله يحتلون مراكز اجتماعية مهمة ويتقلدون وظائف ادارية عالية ، أضافة الى أن المجتمع قد نظر اليهم نظرة أكثر احتراماً و تقديراً.
لقد كانت حياة التلاميذ داخل مدارسهم شاقة ، مبتدئة بطول يومهم الدراسي ، مرورا ً بصعوبة الدراسة نفسها ، و انتهاء بشدة و قسوة المعلمين عليهم ... فقد كان وقت المدرسة طويل نسبياً ، حيث تذكر النصوص أن وقت المدرسة يبدأ (مع صياح الديك) و ينتهي (عند عودة الفلاحين من حقولهم) . كما تذكر شكاوى التلاميذ من معلميهم ، وكيف أنهم كانوا يعاقبونهم بالضرب بالعصي أو حرمانهم من الطعام أو حبسهم في السراديب ، أما لغيابهم أو لاهمالهم في متابعة دروسهم أو لتأخر بعضهم في التعلم عن مستوى أقرانهم .... ومن النصوص الطريفة جدا ً حول ذلك ، نص من فترة سلالة (أور الثالثة) ملخصهُ ... ((أن أحد التلاميذ كان مستواه ضعيفا ً ، لذلك كان دائم العقوبة من قبل معلمه و بمختلف الوسائل بما فيها التهديد بالطرد من الدراسة .. فقام هذا التلميذ بالتنسيق مع أبيه بدعوة المعلم لوليمة غداء دسمة في بيته محاولا ً استمالته و جعله يخفف من ضغطه عليه ، و بعد الوليمة حاول الأب رشوته بأن قدم له هدية عبارة عن عدد من الدجاجات (تقديرا ًلجهوده) ، وعندها فهم المعلم المغزى من هذه الدعوة ، فقدم حينذاك مثلا ً رائعاً عن نزاهة التعليم في ذلك الوقت بأن رفض الهدية بشكل قاطع ، لكنه وعد الأب بأنه سيكثف من دروسه لأبنه ليرفع و يُحسن من مستواه))...

يتبع في الجزء الثالث

الدخول للتعليق