• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الأحد, 10 آب/أغسطس 2014

نظرة على الحياة الأجتماعية في العراق القديم - الجزء الرابع والاخير

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

المهن و الحرف

في أواخر العصر الحجري الحديث أي في مطلع الألف الرابع ق.م ظهر بشكل واضح مبدأ التخصص في العمل ليكون عنصراً أساسياً في بنيان المجتمع المدني و تعدد مهام أبنائه لتكون المشاركة المتبادلة هو عنوان الحياة الجديدة .. و كحال أي مجتمع وفق ذلك فقد تعددت و تنوعت المهن و الوظائف التي أمتهنها الناس لديمومة حياتهم و تطوير واقعها بما يتوافق مع طبيعة تلك الحياة و متطلباتها و احتياجاتها .. لقد وردت أسماء العديد من تلك المهن في فترة مبكرة تعود الى ما قبل سيادة اللغة السومرية على القسم الجنوبي من سهل الرافدين في منتصف الألف الرابع ق.م ، و هذه المسميات تعود الى قوم سبقوا الاستيطان في هذه المنطقة عرفوا باسم (الفراتيون الأوائل) اندمجوا تدريجياً مع السومريين و باقي الأقوام الأخرى و لم يتبق منهم سوى بعض من الكلمات ظلت متداولة حتى بعد سيادة اللغتين السومرية و الاكدية .. و منها يستدل على تنوع تلك المهن السائدة خلال تلك الحقبة مثل ... (نكًار) نجار ، (دمكًار) تاجر ، (بخار) فخار /صانع الاواني الفخارية ، (أشكاب) اسكافي/صانع الاحذية ، (أنكًار) فلاح ، (ملاح) الملاح أو السفان ، (أشبار) الحائك أو النساج ، (جلاد) صانع الجلود و غيرها من المهن الأخرى .. و يمكن أجمال تلك المهن التي ظهرت في المجالات التالية....

الزراعة

.. كانت الزراعة من أولى و أهم المهن التي ظهرت في وادي الرافدين .. و كانت العامود الفقري للاقتصاد خلال جميع الحقب التاريخية التي تعاقبت على هذه الارض .. في بدايتها الأولى كانت للاكتفاء الذاتي ، ثم تحولت الى الجانب التجاري بعد وفرة الفائض من المنتوج الزراعي .. لقد امتهنت الزراعة بعدة أشكال منها من كان الفلاح يمتلك قطعة أرض خاصة به او مشاركة مع مجموعة أشخاص قد يكونون أخوة يقومون بزراعتها مع عوائلهم ، ليقسم محصولها وفق نسب محددة مثبتة بعقد مبرم بينهم ، أو أن يتم استئجار الأرض بشكل منفرد أو مع مجموعة من مؤسسة المعبد أو سلطة المدينة أو من شخص أخر لمدة موسم واحد أو عدة مواسم و كل ذلك يجب أن يدون وفق عقد مكتوب موثق و مشهود عليه .. و ما ينطبق على الاراضي ينطبق كذلك على حالة البساتين المثمرة .. ألا ان غالبية الممتهنين للزراعة كانوا يعملون كأجراء لدى أشخاص آخرين أو لدى مؤسسة المعبد و السلطة الحاكمة و فق أجر معلوم ، لكن بشكل عام كانت حياة الفلاحين مقارنة بالمهن الاخرى بائسة و مستواهم الاقتصادي منخفض للغاية خاصة أولئك العاملين كأجراء لدى الملاكين الكبار حيث يعاملون معاملة العبيد بالحط من انسانيتهم و كرامتهم و بأسلوب لا يختلف عن نظام الاقطاع الذي ساد في جنوب العراق ابان الحقبة الملكية (1921_1958) ، حيث وصل الحال الى أن الفلاحين كانوا يباعون مع الاراضي التي يعملون فيها ، و قد ادت حالة البؤس و الفقر بين الفلاحين الى حدوث تباين ثقافي واضح بينهم و بين سكان الحواضر و المدن ...... قام الفلاح العراقي بزراعة العديد من المحاصيل منها ما كان يتم بيعه داخل مدينته ، و منها ما كان يصدر الى مناطق و أقاليم أخرى بعيدة .. و اهم المزروعات كانت الحبوب بأنواعها كالحنطة و الشعير و السمسم و الذرة ، أضافة الى المحاصيل الحقلية و الفواكه مثل الكروم و التين و الحمضيات و التفاح كما أهتم الفلاح العراقي منذ الأزل بأم الأشجار و أكرمها النخلة ، و أسمها بالسومرية (نِمبار) فمنحت عناية و اهتمام خاص لرمزيتها ولما كانت تدره من فوائد عدة ، حيث أوردت النصوص 365 فائدة للنخلة أي بعدد أيام السنة ، و هذا ما يتوضح أيضاً بالمثل السومري الجميل (أذا اردت أن تكون محبوباً بين الناس عليك أن تكون كريماً مثل النخلة) .. كذلك تمت زراعة المحاصيل الصناعية كالزيتون و الكتان و القطن الذي كانت تسمى شجرته (شجرة الصوف) .. علماً أن معظم الفلاحين يقومون أضافة الى الزراعة بتربية المواشي مثل الخراف و الماعز و الخنازير ... و كان الفلاح يقوم أما بنقل منتوجاته الزراعية الى المدينة لغرض عرضها و بيعها بشكل مباشر للناس ، أو أن يتم بيعها الى متعهدين (تجار) يقومون بتسويقها.

الصناعة

.. تعددت الصناعات الحرفية و تنوعت في العراق القديم بشكل فرضه التطور الحاصل على المجتمع و تطور احتياجاته في مختلف المجالات ، لتوفر و تلبي ما يحتاجه الناس من لوازم حياتية يومية أو ما تحتاجه المهن و الحرف الأخرى ، و كما سبق فقد أستدل على تلك المهن من مسمياتها و كذلك من الورش و المشاغل التي كان يتم العمل داخلها التي كشفت التنقيبات الأثرية عنها .. كانت مشاغل كل صنعة تأخذ جانب معين و معلوم من المدينة يتم تجمعها فيه ، و غالباً ما يسمى ذلك القسم من المدينة باسم الحرفة المتواجدة فيه مثل (سوق الحدادين) ، (حارة النساجين) ، (سوق الصاغة) .... و كان العرف المتبع أن يورث الحرفي صنعته الى أبنائه مُعلماً اياهم أسرارها لتكون حكراً عليهم دون سواهم .. و كان أصحاب الحرف ينتظمون فيما يشبه النقابات المهنية ، تختص كل واحدة بحرفة معينة يترأسها اكثر الصناع شهرة و قدماً ، الغاية منها هو فض النزاعات و المشاكل التي قد تنجم بين اصحاب الحرفة ، كذلك لتنظيم انتاجهم و تحديد اسعارهم ، و يعتبر ذلك الرئيس ممثلاً عن صناع تلك الحرفة امام السلطة الحاكمة .. و أهم الصناعات كانت .. الفخار ، الصياغة و صناعة الحلي ، النسيج بنوعيه الصوفي و القطني ، الخياطة ، الدباغة ، الخمور ، الزيوت ، العطور ، التماثيل ، الأختام الأسطوانية ، الحدادة و التعدين ، السلال و الحصير .. و قد أدى تطور العبادة و أنتشار المفاهيم الدينية بين الناس الى ظهور مهنة صناعة التماثيل و الرموز الدينية ، و بعد سيادة الملكية بشكل مطلق على الاوضاع السياسية و سيطرتها على مقدرات الدولة الاقتصادية أزدهر عمل صناع المنحوتات الملكية و ما تحتاجه العوائل الملكية و الطبقات الساندة لها و الدائرة في فلكها .. كذلك من المهم ذكر مهن العمال الاخرى مثل .. البنائين ، عمال النقل ، العاملين في المراكب و السفن ، العملين في الموانئ و مراسي السفن.

التجارة

.. عرفت التجارة منذ فترة مبكرة من حياة أنسان الرافدين لتصبح عنصراً مكملاً للزراعة و الصناعة في اتمام الدورة الاقتصادية .. و ما ساعد على أزهار التجارة في أرض الرافدين هو موقعها الاستراتيجي المفتوح على جميع المراكز الحضارية في العالم القديم ، و كذلك افتقارها خاصة قسمها الجنوبي الى الكثير من المواد الأولية التي يحتاجه في بناء حضارته ، فظهر الموردون الذين تولوا هذه المسؤولية جالبين تلك الاحتياجات من المناطق و الاقاليم البعيدة مصدرين بنفس الوقت ما كان ينتجه أبناء الرافدين من مزروعات و مصنوعات الى تلك المناطق مثل الهضبة الايرانية ، اسيا الصغرى ، ارض الشام ، وادي النيل و حتى جزر بحر ايجة اليونانية و جنوباً باتجاه (دلمون/البحرين) ،(مكًان/عُمان) ، (ميلوخا/الصومال أو الحبشة) و حتى وادي السند ... كان هناك نوعان من التجار (التجار الكبار) الذين يتولون شؤون التجارة الخارجية مع البلدان و المناطق البعيدة .. حيث يستوردون بشكل رئيسي المواد الخام الداخلة في الحرف و الصناعات و التي تفتقر الى معظمها بلاد ما بين النهرين مثل معادن الذهب و الفضة و الاخشاب و العاج و الاحجار الكريمة و احجار التماثيل و كذلك بعض المواد الغذائية و ما يدخل في الصناعات الغذائية .. و خلال العهود السومرية في الألفين الرابع و الثالث ق.م كانت سيطرة المعبد واضحة على النشاط التجاري بشكل يقارب الاحتكار .. وبعد انفصال السلطة الدينية عن السياسية في أواخر الألف الثالث ق.م ثم العهود البابلية بعد الألف الثاني قبل الميلاد أخذ النشاط التجاري الخاص يستقل بشكل كامل ليتحول التجار الى طبقة أرستقراطية بامتياز يوازي ترفها الطبقة السياسية الحاكمة و لها سلطتها و كلمتها في القرار السياسي كونها تتحكم بموارد الدولة الاقتصادية ، و هذا ما يتوضح بشكل جلي بما أحدثه التجار من مشكلة اقتصادية كبيرة في زمن اخر ملوك سلالة اور الثالثة (آبي سن) باحتكارهم الحبوب بالتواطؤ مع العيلامين و عدم بيعها للناس بغرض أحداث البلبلة في عموم الامبراطورية .. و فعلاً أوصلوا مدينة (اور) الى حافة المجاعة ليتم أسقاطها بسهولة على يد عيلام عام 2006 ق.م ... أما النوع الثاني فهم (التجار الصغار) أو اصحاب الحوانيت و المتاجر الصغيرة التي تبيع بضائعها المتنوعة التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية بشكل مباشر لهم ... و البيع يتم بواسطة أوزان الفضة أو الشعير أو المقايضة مع المواد الأخرى كما اسلف .... كان التجار أضافة الى تجاراتهم فقد كان كل منهم بمثابة مؤسسة اقتصادية متكاملة لاتمام معاملات البيع و الشراء و القروض ، حيث يقومون باقراض الأموال مقابل فوائد محددة ثبتتها و حددتها القوانين الرافدية و في مقدمتها قانون (حمورابي) حسب قيمة القرض و مدة سداده . و كذلك تمليك العقارات و توفير العبيد و تحرير العقود بين المتاجرين الصغار ... لقد أدى تطور التجارة و انتشارها الى ازدهار وسائل النقل بمختلف صوره البرية و المائية وايضاً دعت الحاجة في هذا الجانب الى ابتكار العربات كعامل متمم لاختراع العجلة ، و كذلك ظهور الكثير من المفاهيم الاقتصادية الجديدة مثل ابتكار نظم دقيقة للمقاييس و الاوزان و المكاييل و نظم تحديد اثمان السلع و البضائع ... كما ادى ازدهار التجارة الى تأسيس مستعمرات تجارية في البلدان البعيدة لتكون واسطة ربط بين تجار تلك المناطق و ارض الرافدين و تسهيل اجراء الصفقات التجارية بين الطرفين ، و من الامثلة على ذلك مستعمرة (كانش) الاشورية في منطقة (كبدوكيا) بأسيا الصغرى .. لكن بنفس الوقت كان للتجارة ايضاً نتائج سلبية تتمثل بالحروب و النزاعات التي كانت تُشعل لغرض السيطرة مناطق المواد الخام التجارية التي اصبحت الحاجة تتعاظم عليها بتوسع و كبر تلك البلدان ، و أيضاً لوضع اليد على الطرق التجارية المؤدية الى البلدان البعيدة.

مهن الخدمة العامة

.. بشكل عام تنقسم هذه المهن في أتجاهين .. الخدمة داخل المعبد و القصر الحاكم ، او الخدمة داخل الجيش..

فيما يخص الاول فقد شمل الموظفون و العاملون بخدمة العائلة الحاكمة مثل جباة الأجور و الضرائب ، مراقبي الأقطاعات الزراعية ، متابعي المشاغل الحرفية ، الحرس ، المغنون ، العازفون ، السقاة ، الطباخين ، السعاة ، الوصيفات ، المنظفون و غيرهم .. كان هؤلاء يأخذون أجورهم من موارد القصر .. أما من كان يعمل داخل مؤسسة المعبد فأنه يتقاضى أجوره من هذه المؤسسة ، عدا من كان يؤدي عمله كخدمة من دون مقابل ، حيث أن العديد من العوائل الرافدية قد نذرت أولادها أو بناتها للعمل داخل المعابد استرضاء للآلهة .. و من المهم ذكره بهذا الجانب أن عمل الذكور داخل المعابد باستثناء الكهنة و الكتبة أقتصر فقط على المخنثين و المخصيين ، ذلك لتجنب مخالطتهم و معاشرتهم الكاهنات و الفتيات اللواتي كرسن حياتهن لخدمة الآلهة الذي تمنع القوانين و الأعراف زواجهن مدى الحياة (كما سبق ذكره) .. و هذا ما يستشف من قصة مولد مؤسس السلالة الأكدية الملك (سرجون) 2371_2316 ق.م ، الذي ذكر فيها بأنه أبن مجهول النسب (أنا لا أعرف أبي) ، و أن والدته الكاهنة في المعبد قد حملت به بالسر ، و خشية من افتضاح أمر فعلتها التي تؤدي بها الى الموت قامت بوضع مولودها الغير شرعي داخل قفة من الجريد و القته في مياه النهر لانقاذه و انقاذ نفسها ، بحادثة مشابهة لمولد النبي (موسى) الواردة في التوراة.

أما الخدمة داخل الجيش

.. فكانت على نوعين .. الدائمية أو النظامية (التطوع) و تمنح مقابلها رواتب و أجور محددة من قبل القصر و العائلة الحاكمة كل فترة زمنية معينة ، حيث كان الجيش يعتبر من اهم عناصر قوة و هيبة الدولة ، كذلك فالجيش يعتبر الحامي و المدافع عن النظام السياسي القائم و شخص الحاكم (ملك أو أمير) و خلفائه .. كانت أجور افراد الجيش تختلف حسب الصنوف و مقدار خطورة كل منها مثل المشاة و الخيالة ، ثم في العصور الآشورية ظهرت صنوف أخرى مثل مهدمي الأسوار و ملقي القذائف الحجرية (المنجنيق) كذلك الضفادع البشرية .. كما كانت تلك الأجور تتفاوت حسب تدرج الرتب العسكرية التي تبدأ برتبة جندي ، رئيس العشرة ، رئيس الخمسين ، رئيس السبعين ، وصولاً الى رتبة (الرابشاقة) التي تعادل رتبة قائد الفرقة ثم (الترتانو) أي القائد العام للجيش الذي يتلقى أوامره بشكل مباشر من شخص الملك أو الأمير و يعتبر من أهم المناصب الرسمية في الدولة ..... أما النوع الآخر من خدمة الجيش فكانت خدمة الاحتياط و التي تشمل عامة الناس من القادرين على حمل السلاح و الذين يمتهنون مهن أخرى .. كان هؤلاء يدعون للخدمة العسكرية في حالة نشوب حروب كبيرة تستمر لفترات زمنية طويلة ليس بمقدور الجيش النظامي لوحده تلبية متطلباتها .. حينذاك كانت تمنح للمدعوين رواتب محددة طيلة فترة خدمتهم لكنها كانت تقل عن رواتب الخدمة الدائمية بشكل كبير .. و غالباً ما تؤدي دعوة الاحتياط (كما هو الحال في وقتنا الحاضر) الى حدوث أزمات اقتصادية حادة تعطل مرافق الحياة بسبب انشغال الأيدي العاملة في محارق الحروب.

مهنة الطب و حياة الأطباء

زودتنا النصوص المسمارية الواردة الينا منذ منتصف الألف الثالث و كذلك الألفين الثاني و الأول ق.م بمعلومات لا بأس بها عن الطب و مهنته خلال هذه الفترة و كذلك عن طبيعة عمل الاطباء ، و رسخت تلك المعلومات ما كشفته التنقيبات الأثرية في العديد من المواقع الأثرية سواءً داخل عدد من القبور أو في بعض الأبنية الصغيرة بالعثور على أدوات دقيقة مثل مشارط و ملاقط و كلاليب و أبر كلها بأشكال و أحجام مختلفة ، كانت مُصنعة بدقة وعناية بعضها كان من النحاس و البرونز و البعض الآخر كان من الحجر أو العظم ، و قد تبين أنها تستخدم في العمليات و الممارسات الطبية الجراحية ، كما و تم العثور أيضاً على الكثير من الأواني و القوارير الفخارية المختلفة الأحجام و المتنوعة الأشكال و الاستخدام ثبت بعد تحليل بقايا محتوياتها أنها مخصصة لبعض الخلطات العشبية المستخدمة في التداوي الطبي و معالجة بعض الحالات المرضية .

لقد بينت تلك النصوص ما اعتقده العراقيون القدماء من أن المصدر الرئيسي للأمراض هي الشياطين و الأرواح الشريرة ، بالمقابل أصبح مصدر الطب و ملهمه هي الآلهة (حامية البشر) و التي اليها يعود الفضل بالشفاء من تلك العلل التي تصيب الأنسان ... كان الأله (أيا) اله المياه و الحكمة هو بنفس الوقت اله الطب و الأطباء . أن لعلاقة هذا الأله بالطب ذو مغزى و دلالة فلسفية كبيرة لدور الماء الكبير في ذلك ، كونه أساس الحياة و منبعها ...... و يتجلى هذا المفهوم بوضوح من خلال التسمية التي عُرف بها الطبيب ، حيث سمي في السومرية (آزو) ، ثم انتقلت نفس التسمية الى الأكدية بهيئة (آسو) ، و التي تعني في الاثنتين (العارف بالماء) ....

لم يعثر على أدلة أو اشارات كتابية أو مادية تبيّن وجود مؤسسات تعليمية تعلم مهنة الطب ، لذا في الغالب كانت هذه المهنة يتم تعلمها بشكل شخصي أو تنتقل بالتوارث كحال المهن الأخرى من الاباء الى أبنائهم ، و معها كل أسرارها و خفاياها ... و قد أنقسم الأطباء الى نوعين ، الأول كان يعمل في ما يشبه الحانوت أو العيادة البدائية يستقبل فيها المرضى و من لديه مشكلة صحية ليقدم لهم فيها العلاج اللازم مقابل أجر معلوم . أما النوع الثاني فكانوا يسمون الأطباء الجوالين ، و الذين كانوا يتنقلون بين الأحياء السكنية أو بين المدن بملابس خاصة تميزهم حاملين ما يحتاجونه من أدوات و أدوية و عقاقير بسيطة عارضين خدمتهم على عموم الناس بأجر ..... كما كان الأطباء يجتمعون في تجمعات صغيرة أشبه بالنقابات لتنظيم عملهم و تحديد أجورهم . و كان يترأس هذا التجمع كبير الأطباء في المدينة و الذي يكون عادة أقدمهم في هذه المهنة و أكثرهم خبرة . و قد عرف عدد من تخصصات الأطباء منهم الجراحون ، مجبري العظام ، أطباء العيون و كذلك الأطباء البيطريين ... كما و حددت القوانين العراقية القديمة العقوبة المترتبة على الطبيب الذي يخطأ في علاجه أو يهمل في رعاية مرضاه مما يؤدي الى أحداث أذى أو عاهة لدى المريض ... كانت مهنة الطب من المهن الراقية في المجتمع العراقي القديم و ينظر الى ممارسيها بكثير من الاحترام و التقدير . كما كان الأطباء يرافقون الملوك و الأمراء خلال سفرهم أو حروبهم ، أذ كان الطبيب هو أحد ثلاثة يستلزم وجودهم الدائم مع الملك أو الأمير الى جانب كبير الكهنة و المُنجم.

لقد توصل أطباء العراق القديم الى معلومات مهمة و معرفة ممتازة عن طبيعة العديد من الأمراض من خلال تشخيص أعراضها ، و كذلك مختلف أنواع الأدوية و العقاقير و تركيباتها المناسبة لعلاج كل حالة مرضية .... لكن بالرغم من تلك المعرفة ظلت الممارسة الطبية يخالطها بعضاً من الممارسات السحرية كاستعمال الأحراز و التعاويذ للشفاء بسبب الاعتقاد بعلاقة الأرواح الشريرة بأمراض الأنسان كما أسلف ... و قد أمكن تحديد ثلاثة أساليب تم أتباعها لعلاج المرضى ، أولها العلاج بالعقاقير و التمريض ، و ثانيها العلاج العملي كالتداخل الجراحي و الترميم الجسدي كحالات كسور العظام ، أما الثالث فهو باستخدام الرقي و التعاويذ المختلفة لطرد الأرواح الشريرة مُسببة الأمراض .. كما خلف أطباء وادي الرافدين العديد من النصوص الطبية التي تبين أسلوب عمل الطبيب من خلال تبيان مراحل علاجه المرضى ، فتكون أولى المراحل مقتصرة على فحص المريض و رأي الطبيب في المرض من خلال تحديد فرص الشفاء من عدمها ، أما المرحلة الثانية تصف المرض و أعراضه بدقة و كذلك أسلوب علاجه الناجع دوائياً كان أم عملياً . و قد تبين أن تلك النصوص كانت بمثابة مراجع لتدريب الأطباء الجدد أو من كانوا في خطواتهم الأولى لتعلم هذه المهنة.

الدخول للتعليق