• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الإثنين, 23 أيار 2016

الكتابة المسمارية نشأتها ، تطورها ، أنتشارها

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(13 عدد الأصوات)

لم يكن أبتكار السومريون لأقدم أسلوب للتدوين في تاريخ الحضارات القديمة حدثاً عارضاً في التاريخ الأنساني ، بل أعتبر و بحق واحداً من أَعظم الأنجازات الحضارية في تاريخ البشرية وضع حداً فاصلاً بين مرحلتين أساسيتين من مراحل التطور الحضاري . حيث أنتهت مرحلة عصور ما قبل التاريخ لتبدأ بعدها مرحلة العصور التاريخية . و قد حدث هذا الأنجاز الرائع في مدينة (الوركاء) ، وتحديداً الطبقة الرابعة منها في الدور المعروف بأسم (جمدة نصر) الذي يؤرخ بحدود 3200 ق.م ، ليكون مكملاً و متوجاً لثورة الأستيطان المدني التي حدثت في هذه المدينة عند منتصف الألف الرابع ق.م . حيث كان الدافع أليه الحاجة لتوثيق الواردات الأقتصادية للمعابد التي كانت المحُركة و المُسّيرة لدفة المجتمع آنذاك . و قد عرف هذا الأسلوب من التدوين أو الكتابة بأسم (الكتابة المسمارية) نظراً لأشكالها التي تشبه المسامير، علماً أنه لايصح أطلاق هذه التسمية على المراحل البدائية الأولى من هذه الكتابة ، بل في مراحلها اللاحقة فقط بعد أن أصبحت العلامات المكتوبة تأخذ الأشكال أعلاه نتيجة شكل و طريقة الكتابة بالأقلام المعمولة من القصب على ألواح الطين الذي أصبح المادة الأساسية للكتابة ، لتوفره وخفة وزنه و أيضاً لسهولة تشكيله بأشكال و أحجام مختلفة حسب الحاجة . كما أنه تمت الكتابة على الحجر و مواد أخرى أيضاً .
لقد مرت (الكتابة المسمارية) بثلاث مراحل تطورية قبل أن تصل الى مرحلة النضوج التي أمكن للكاتب من خلالها توضيح أفكاره المختلفة . و قد سميّ الطور الأول أو البدائي منها ب(الطور الصوري) و فيه كان يتم كتابة الأشياء برسم صورها فقط ، لذلك كانت الكتابة في هذا الطور محدودة الأستخدام و لم يتم بها تدوين لغة معينة ، و أنما كانت مجرد جداول نقشت فيها أشكالاً لحيوانات ومنتوجات زراعية و أدوات عمل كانت تمثل الواردات الأقتصادية للمعابد (كما أسلف) حيث عثر على تلك الكتابات . ومن المرجح أن الأختام المنبسطة التي أبتكرها أنسان وادي الرافدين في مطلع الألف الخامس ق.م و ما كانت تظهره من أشكال على الطين عند الطباعة هي التي أوحت لأبتكار هذا النوع من الكتابة .
و في فترة عصر فجر السلالات الأول 3000_2800 ق.م دخلت الكتابة طورها الثاني الذي سميّ (الطور الرمزي) ، و فيه لم يعد رسم الصور السابقة يقصد به معناها المجرد و أنما معان أخرى جانبية مشتقة منها .... مثلا ًترسم صورة الشمس للتعبير عن الضوء أو الحرارة أو النهار ، أو يكون رسم صورة القدم للتعبير عن المشي و الحركة ، و صورة النهر للدلالة على السقي و الأرواء . وغيرها من المعاني الكثيرة الأخرى . كل ذلك أدى الى أستخدام عدد هائل من العلامات وصل في هذه الفترة الى ما يقارب 3000 علامة ، و هو عدد لم يكن الألمام به بالأمر اليسير طبعاً . و من الجدير ذكره هنا و لعدم نضوج أسلوب الكتابة في الطورين السابقين فأنه يُفضل تسمية فترتهما 3200_2800 ق.م بالفترة الشبيهة بالكتابية أو الشبيهة بالتاريخية .
دخلت الكتابة طورها الثالث الذي سميّ (الطور الصوتي) في عصر فجر السلالات الثاني 2800_2600 ق.م ، و هنا أستخدمت العلامات ليس من أجل معناها الصوري أو الرمزي و أنما لتمثل مقاطع صوتية لتدوين اللغة المحكية ، فكانت تجمع العلامات التي تمثل تلك المقاطع لتشكيل كلمات منطوقة . ويقصد بالمقطع الصوتي هنا (صوت علة+صوت صحيح وبالعكس)... مثل (كي) أو (لو) أو (شا) وغيرها ، أو أن يكون المقطع الصوتي (صوتين صحيحين بينهما صوت علة و بالعكس)... مثل (ليل) أو (كًال) أو (لام) و غيرها ... وبتجميع تلك المقاطع يتم تكوين الكلمة المدونة .. مثل القول في السومرية ...(لو_كًال) و تعني (مَلك) ، (كا_لام) وتعني (أقليم أو بلد) ، (أين_سي) وتعني (أمير) ، (كا_شي_تين) وتعني (خمر) ، (سان_كًا) و تعني كاهن . و مثل القول في الأكدية ... (شا_ار) وتعني (مَلك) ، (أي_لو) وتعني (إله) ، (ما_ات) وتعني (بلد) ، (ما_ار) وتعني أبن . وغير ذلك من الكلمات . و قد صاحب هذا التغيير في مدلول العلامات تغير في شكلها أيضاً ، حيث أخذت تفقد شكلها الصوري القديم تدرجياً لتأخذ أشكالاً أخرى محورة عنها . و يرجع السبب في ذلك الى كون الطين و هو المادة الأساسية المستخدمة في الكتابة كان غير ملائم لرسم صور الأشياء لكنه ملائم جداً لنقش علامات بشكل خطوط مستقيمة ، وذلك بضغط طرف القلم ذو الرأس المثلث و المعمول من القصب أو الخشب قليلاً على وجه اللوح فتتكون نتيجة لذلك خطوطاً أفقية و عمودية و زوايا مائلة ، و كان الشكل المثلث لطرف القلم قد أعطى تلك الخطوط رؤوساً تشبه المسامير ، ومن هنا أخذت شكلها و ميزتها و تسميتها المعروفة . وقد أختزل عدد كبير من العلامات في هذا الطور ليبقى ما مستخدم منها حوالي 800 علامة ، ثم الى عدد أقل في الفترات اللاحقة . و بهذه الطريقة أصبح بمقدور الكاتب تدوين لغته المحكية و أفكاره و معتقداته و أنجازاته الحضارية . فكتب على ألواح الطين مختلف شؤون الحياة .. ادب ، فلك ، طب ، نصوص قانونية ، نصوص دينية ... وغيرها الكثير . وقد كشفت التنقيبات الأثرية على آلاف الألواح المسمارية في معظم مدن وادي الرافدين مما جعلها الحضارة الأكثر غزارة بنصوصها المكتوبة المكتشفة مقارنة ً بالحضارات القديمة الأخرى . و يعود الفضل في ذلك الى قابلية الطين (المادة الأساسية المستخدمة في الكتابة) على مقاومة عوامل الزمن خصوصاً أذا تعرض للفخر ، لتصل ألينا و تكون مرآة تعكس واقع حياة شعب الرافدين و شعوب منطقة الشرق القديم قبل أكثر من 5000 سنة .
أن مايجدر الأشارة و التنويه أليه هو أن البعض يعتقد خطأ ً أن الكتابة المسمارية هي لغة ، حيث ترد أحياناً للأسف عبارة (اللغة المسمارية) وهذا ليس صحيح على الأطلاق ، و أنما هي وسيلة لتدوين لغة محكية معينة . و على هذا الأساس فقد دوّن بهذا الأسلوب من الكتابة العديد من اللغات القديمة ... حيث أستخدمت لتدوين لغتين أساسيتين في وادي الرافدين هما السومرية و الأكدية خلال فترة الألف الثالث ق.م . أما في فترة الألف الثاني ق.م فقد غلب عليها التدوين باللغة الأكدية بلهجتيها البابلية و الآشورية ، بعد أضمحلال اللغة السومرية نتيجة أنحسار دور السومريين السياسي . كما أنتشرت الكتابة المسمارية الى مناطق واسعة من الشرق القديم و أصبحت بالرغم من صعوبتها وسيلة التدوين الرئيسية هناك . و قد ساعد هذا الأنتشار على أنتقال العديد من الأوجه الحضارية الرافدية الى تلك المناطق و خاصة المعتقدات الدينية و النتاجات الأدبية . ففي بلاد أيران أستخدمت الكتابة المسمارية لتدوين كلا ً من اللغتين العيلامية و الفارسية منذ منتصف الألف الثالث ق.م و حتى الألف الأول ق.م . كما أستخدمها (الحثيون) في أسيا الصغرى لتدوين لغتهم خلال الألف الثاني ق.م . وفي فترة مبكرة نسبياً أنتقلت الى بلاد الشام ، حيث أكـتشفت في مدينة (أبلا) القديمة آلاف الألواح المسمارية التي دونت بها لغة أهل المدينة خلال منتصف الألف الثالث ق.م . كما أستخدم الكتابة المسمارية كلا ً من (الحوريين) و(الميتانيين) اللذين أستوطنوا شمال سورية لتدوين لغتيهما خلال الألف الثاني ق.م . كما وصلت هذه الكتابة الى بلاد (الأورارتو) في أرمينيا لتدوين اللغة (ألأورارتية) في مطلع الألف الأول ق.م . وخلال النصف الثاني من الألف الثاني ق.م أصبحت الكتابة المسمارية الوسيلة الرئيسة لتدوين المراسلات و الوثائق الدبلوماسية المتبادلة بين ملوك و حكام وادي الرفدين و وادي النيل و بلاد الشام و أسيا الصغرى بعد أن اصبحت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية اللغة الدوبلوماسية الأولى في منطقة الشرق الأدنى القديم . وكما تبين ذلك رسائل (تل العمرنة) في وادي النيل، حيث كشف هناك عن مئات الرسائل المدونة عى ألوح الطين بالخط المسماري و باللغة الأكدية البابلية ، و التي أوضحت طبيعة العلاقات السياسية بين تلك البلدان خلال تلك الفترة.
لقد دعت صعوبة الكتابة المسمارية المقطعية و شدة تعقيدها و كثرة علاماتها الى البحث عن طريقة أسهل للتدوين . فبدأ الميل نحو الكتابة الهجائية الحرفية التي كان قد أبتكرها الفينييقيون في منتصف الألف الثاني ق.م ، و طورها بعدهم الآراميون لتصبح الوسيلة البديلة خلال الألف الأول ق.م في منطقة الشرق القديم . وكان ذلك أيذاناً بنهاية الكتابة المسمارية التي أخذت بالأنحسار تدريجياً ، والتي أقتصرت على تدوين بعض النصوص الدينية داخل المعابد لقدسيتها . حتى أنقرضت تماماً في منتصف القرن الأول الميلادي، وهي الفترة التي وصل ألينا منها آخر لوح مسماري.

الدخول للتعليق