• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الإثنين, 13 حزيران/يونيو 2016

السدارة رمز الهوية العراقية

  نجم عبد الله ناهض
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

لقد ظل العراق تحت الاحتلال العثماني مدة اربعة قرون وكان يتألف من ثلاث ولايات ، بغداد والموصل والبصرة. وخلال هذه الفترة كان الشعب العراقي
يحاول ان يحافظ على هويته العراقية العربية الاصيلة ، ونلاحظ ذلك من خلال الازياء العراقية المختلفة فمنها الزي العربي العقال والعباءة والزي الكردي واليزيدي والمسيحي وفي الفترة الاخيرة الافندي ،البدلة، ودخول الطربوش العثماني الاحمر او الفينة كما كان يطلق عليه
وكما هو معروف
كانت اغلب شعوب العالم ولغاية النصف الاول من القرن الماضي تحرص على اعتمار غطاء للراس كجزء مكمل للشخصية والمظهر العام, وفي العراق تعددت اغطية الراس بتعدد ثقافاته, فكانت كل منطقة لها زيها والوانها التي تعبر عن ثقافتها الخاصة. وعرف العراقيون الفينة كلباس للراس بعد فرضها بشكل رسمي من قبل الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على العراق لغاية العقد الثاني من القرن الماضي, حيث اصدرالسلطان العثماني محمود الثاني في عام1824م, فرمان سلطاني بجعل الطربوش لباس رسمي لجنود وضباط الجيش العثماني, وبعد اربع سنوات عمم الطربوش على جميع موظفي الدولة بما فيهم الوزراء والقادة,مع اختلاف لون الطربوش حسب درجة الموظف.
ومن الجدير بالذكر ان
العثمانيون قد اخذوا الطربوش من المغرب العربي بعد مشاهدة عدد من الجنود القادمين من تونس بقيادة ضابط فرنسي وهم يرتدوها, فقامت السلطات العثمانية بشراء خمسين الف طربوش احمر اللون من المغرب وعمل مصنع في اسطنبول لصناعتها, اما عن سبب تسمية العراقيين للطربوش الاحمر بالفينة فيعود الى ان معظم الفين كانت تصدر من فينا عاصمة النمسا, فاشتق اسم الفينة من فينا.

ولذلك ,كانت الفينة في العاصمة بغداد هي الغطاء الرسمي والشائع للرأس عند اغلب ابناء الشعب العراقي وخصوصا في المدن، لغاية تاسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع العشرينات من القرن الماضي , ويعتمر الفينة الجميع سواءً كانوا من الافندية او من رجال الدين الذين يلفون حولها قماش ابيض او اخضر لتكوين العمامة ( هذا النوع يعرف بالكشيدة ومازالت مستعملة ليومنا هذاعند بعض رجال الدين في عدد من العتبات المقدسة), وكانت الفينة تعتبر الزي الرسمي لموظفي الدولة العثمانية في ولايات العراق الثلاث (بغـداد, البصرة والموصل).

وعندما اندلعت الحرب العالمية الاولى سنة 1914م فأن اغلب الضباط العراقيين في الجيش العثماني كانوا حريصين على تحرير العراق من السيطرة العثمانية والحصول على الاستقلال ولذلك فان العديد من العسكريين العراقيين ايدوا الثورة العربية سنة 1916 وانضموا
الى الثوار والثورة العربية الكبرى ولعبوا دورا مهماً مع بقيه اخوانه الثوار العرب في تحرير البلاد العربية من السيطرة العثمانية والعمل من اجل الاستقلال . وعندما انتهت الحرب العالمية الاولى سنة 1918م أستطاع الشعب العراقي من الضغط على قوات الاحتلال البريطانية من خلال ثورة العشرين حتى استطاع الاعتراف بالعراق وتاسيس حكومة عربية عراقية ملكية
عندما بايع الشعب العراقي الملك فيصل الأول في عام 1921، كان الملكفيصل يلبس الزي العربي الحجازي الثوب والعباءة والعقال المقصب. في ذلك الوقت كان الشعب يرتدي العديد من الازياء المختلفة، الزي العربي ومن هم بالزي الأفندي يرتدون الطربوش العثماني والزي الكردي والزي المسيحي والزي اليزيدي . ولأن الملك فيصل الأول كان واضعا نصب عينيه بناء دولة عراقية مدنية حديثة تساير التطور وبعيدة عن الطوائفية والعنصرية المنغلقة على شريحة بعينها من دون غيرها .
لذلك أراد الملك أن يكون هناك زي موحد يكون أشبه بميزة عراقية تدل على الهوية الوطنية.. وهنا رسم الملك فيصل الأول تصميم السدارة (القبعة) وأعطاه لصديقه ومستشاره رستم حيدر ليتم تنفيذها، وما أن نفذت، كان هناك اجتماع للوزراء، فحضر الملك فيصل الأول رحمه الله الاجتماع وهو يلبس زي الأفندي (أي البدلة) وعلى رأسه السدارة وكذلك كان رستم حيدر يرتديها،وقام رستم حيدر رحمه الله بتوزيع السدارات على أعضاء الحكومة فارتدوها. ولأن هذه القبعة بتصميمها تختلف عن أي قبعة أخرى، ولأن من صممها وأول من ارتداها هو الملك فيصل الأول لذلك أطلق عليها العراقيون اسم السدارة الفيصلية، وأصبحت من ميزات العراقيين.
ومن الجدير بالذكر هناك
عدة اراء تفسر اصل كلمة السدارة، فهي برأي الباحث عزيز الحجية مؤلف السلسلة التراثية الشهيرة (بغداديات عزيز الحجية), كلمة سامية تعني لباس الراس عند قدماء الفرس, ووردت عند الفيروز ابادي بـ (السيدارة) ويشير بها الى عصبة الراس, ورددت بنفس المعنى في معجم المنجد للغة للأباء الكاثوليك.
كما أن هناك من يقول بأن
كلمة السدارة كلمة فصيحة عربية ليست أجنبية يأتي معناها من كلمة (سدر الشعر) أي سدله ولأن الشعر ينسدل تحتها أو هي تسدر الشعر، فلبس أو إعتمار السدارة كان في بداية القرن العشرين ولكن شهرتها بدأت عندما إعتمرها المرحوم الملك فيصل الأول،
وتتميز الصدارة (كما يلفضها بعض اهل بغداد) بشكلها النصف المقوس, والمدبب تقريبا من الوسط, وتكون مطوية الى طيتين للداخل ويغلب عليها اللون الاسود وهو اللون الرسمي, الى جانب اللوان عديدة.
ومن الطريف ان هناك رآي يقول: لسوء الحظ لم يكن اختيار السدارة موفقا فهي لا تقي من المطر ولا الشمس ولا تعطي تهوية للرأس. فضلا عن ذلك، كان سعرها مكلفا بالنسبة الى سعر العرقجين او اليشماغ. لهذا صعب شراؤها على ضعفاء الحال. وجدها آخرون غريبة عن الأزياء التقليدية للبلاد. وهكذا لم تشع كثيرا وامتنع البعض منها كليا.
كان منهم النائب في مجلس النواب عبد الرزاق منير. وجد المسؤولون في إصراره على لبس الفينة والدخول الى المجلس بهذه الهيئة شيئا جارحا للسلطة والعهد الوطني الجديد وعائقا ضد شيوع السدارة. بذلوا جهودا كبيرة لإقناعه بلبس السدارة ولم يفلحوا. كان منهم ساطع الحصري ورئيس الوزراء ياسين الهاشمي. ولكنه أبى واستكبر وأصر على الاستمرار بلبس الفينة.
استاء من ذلك بصورة خاصة الملك فيصل. كان ممن تبنوا لبس السدارة ومن، أول من بادر الى لبسها حتى شاع اسمها باسم «الفيصلية» لارتباطها به. لم يعرفوا كيف يعالجون الموقف. ففي تلك الايام لم تجرؤ السلطة على فرض ارادتها على المواطنين، او تحاربهم في رزقهم، أو تتهمهم بالفساد والسرقة. لم يعرفوا كيف يثنون هذا القائد الوطني عن دخول البرلمان بالفينة. بيد ان المغفور له فيصل الاول اشتهر بكياسته في التعامل مع المعارضين ومعالجة الازمات بصورة ودية.
كان ابو شوكت، عبد الرزاق منير، جالسا في بيته عندما سمع طرقا على الباب. فتحوا الباب، فوجدوا أمامه سيارة تحمل ملك العراق نفسه. نزل منها ودخل البيت حيث رحب به صاحب البيت وأمر بإحضار القهوة والماء البارد. وكان الملك يحمل كيسا صغيرا من الورق تحت إبطه. فيما كان يتناول قهوته، (ففي ذلك الزمان، لم يكن احد من العراقيين يخشى ان تكون قهوته مسمومة). وهكذا، فيما كان الملك يتناول قهوته، قال لعبد الرزاق منير: جئتك زائرا با أبا شوكت، لأقدم لك هدية ارجو ان تقبلها مني. فأجابه على الفور: يا سيدنا شلون ما اقبلها؟ اقبلها واحطها على راسي.
عندئذ اخرج الملك السدارة من الكيس وحطها على رأس الرجل بالفعل. وهكذا واجه الأمر الواقع. لم يعد في إمكانه ان يتراجع عن وعده للملك وينزع السدارة. فاستمر في لبسها، بل ومعتزا بها كهدية من ملك العراق.

انواع السدارة:
للسدارة عدة انواع، ففي بداية ظهورها كانت تصنع من الجبن (الصوف المضغوط) وتسمى بسدارة الجبن وعرفت بحجمها الكبير ، وتميزت بأرتدائها الشخصيات المهمة في المجتمع من امثال ياسين الهاشمي رئيس الوزراء في العهد الملكي, والشاعر البغدادي الشعبي الملا عبود الكرخي والشاعر جميل صدقي الزهاوي, وكان لها معمل في بغداد اسس بامر من ياسين الهاشمي.
والنوع الثاني هو السكوجية وكانت تصنع من القماش , وتفصل من نفس قماش الملابس , حيث بعد تفصيل البدلة الرجالية (القاط) تاخذ قطعة من ذات القماش لغرض تفصيل سدارة, وكان حجمها اصغر من سدارة الجبن, واغلب من كان يرتدي هذا النوع السدائر هم افراد الشرطة والجيش في العهد الملكي وكذلك في العهد الجمهوري لغاية عقد السبعينات من القرن الماضي. حيث استبدلت بالبيرية لاغلب صنوف الجيش والشرطة, ومن امهر صناع السدارة السكوجية شخص اسمه جاسم محمد وكان محله يقع في سوق السراي عند مدخل خان الصاغة, وفي مدخل سوق السراي من جهة جسر الشهداء, توجد عدد من محلات عمال قالب السداير الذين يقومون بتنظيف السدارة وقلب الوجه الخارجي الى الداخل عندما يتقادم وتذهب لمعته, وكان اغلبهم من اليهود, ولكن السدارة المقلوبة واضحة للعيان حيث الجزء الداخلي للجوخ خشن وغير لماع.
ويذكر الباحث عزيز الحجية في سلسلته بغداديات : ان السداير الاجنبية (الايطالية والانكليزية) بدات تغزو العراق في الثلاثينات وكانت تصنع من مادة الجوخ اللماع وتحمل ماركات مختلفة مثل روبين وهيون وفكتور كما ان السدارة جاءت بالوان مختلفة منها السوداء والقهوائية والزرقاء والرمادية, ومن ابرز مستوريدها (مهدي قنبر و صيون شمعون) ولكن ظلت السدارة الاولى المصنوع من الجبن محل اعتزاز الكثيرين ممن اهل بغداد واطلق عليها السدارة الوطنية, وكان الشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي قد ذكر السدارة الوطنية في شعره, حيث انشد قائلاً:
مع كل هذا ليعــــــــــــــــلم
مني كل اجنبي ويفـهم
بالسدارة (الكرخي) مغـرم
حيث للمواطن شعــاره
**************
شعـــــــــار اوطاني وهيه
الليبسوها الوطــــــــنية
عربيــــــــــــة عـــــراقية
صايرة ابراسي اشــارة
ومن الجدير بالذكر أن هناك محاولة جرت لالغاء السدارة:
بعد انقلاب بكر صدقي في 29 تشرين الثاني 1936, ظهرت محاولات لالغاء السدراة من قبل القائمين على الانقلاب, حيث اصدرت حكومة الانقلاب التي تراسها حكمت سليمان, قانوناً يقضي بابدال السدارة (الوطنية), بالقبعة الاوربية لكون الاخيرة من مظاهر التطور والاتصال بالعالم الخارجي, والصحيح ان القائمين على الانقلاب كانوا على خلاف مع ياسين الهاشمي الذي كان الانقلاب موجه ضده بالاساس ولان الهاشمي من المحافظين على لبس السدارة الوطنية كما ذكرنا من قبل,وكان قد امر بجعل السدارة الباس الرسمي لجميع موظفي الدولة العراقية في منتصف الثلاثينات, حيث اراد الانقلابيون ابدال السدارة بالقبعة الاوربية نكاية بالهاشمي الذي توفي بعد فترة من الانقلاب, واخذ بعض من الشباب المتحمس للانقلاب بلبس هذه القبعة, ولكن سرعان ماعادت السدارة الفيصلية ( الوطنية) كزي رسمي وعام الى المجتمع بمقتل الفريق بكر صدقي في الموصل وسقوط حكومة الانقلاب بعد اقل من عام من اول انقلاب عسكري في التاريخ العراقي الحديث

ومن الملاحظات الجميلة
كانت السدارة تنظف بقطعة قماش ناعمه مبلله بلشاي دون السكر لتبدو جديده
وفي الختام نحب ان نقول امنية ودعوة صادقة
"لقد أراد الملك فيصل الأول رحمه الله من لبس السدارة الفيصلية اشارة نحو الوحدة الوطنية واشارة لبناء الدولة المدنية المتحضرة. للأسف ان بزوغ المدنية ونهضة العراق لقرابة اربعين عاما التي عمل عليها الملك فيصل الأول رحمه الله وأبناء الشعب العراقي، بدأت تختفى بين دولة طائفة أو عشيرة.
تخلوا العراقيين عن سدارة المدنية والقوها بعيدا، وقسمت المناطق طائفيا وعرقيا.. نسوا العراق، فلم يعد فوق رأسهم شيء يهديهم لرؤية الانسان.. نحن مطالبون اليوم بالعودة للسدارة الفيصلية في وقت يرجع العنف مرة أخرى للشارع العراقي والطائفية والدكتاتورية والتفرقة والممارسات المؤسفة، لنرتديها رمزا لوحدتنا وكنوع من المطالبة للسياسيين وغيرهم أننا نريد دولة مدنية متحضرة.. لنرتديها اليوم بدلالاتها الوطنية لأنها هويتنا العراقية.. وكلنا رجاء ان يقف الرجال لحظة ويتفكروا بحال الوطن، الوطن الذي هو الشعب.. نتمنى أن يرتدي رجال السياسة السدارة الفيصلية علهم يعودون لصوابهم.. نتمنى على الرجال العراقيين صغارا وكبارا بكافة فئاتهم من أدباء ومفكرين واطباء واساتذة جامعات وطلاب وفنانين وعمال ومهنيين، أن يرتدوا السدارة الفيصلية مطالبين بالوطن الواحد الموحد أرض وشعب.. في هذا الوقت نحن بحاجة للسدارة الفيصلية لأنها لا تميز من يلبسها بطائفته أو مذهبه أو عرقيته، إنما تميز الكل من الكل أنهم عراقيون".

الدخول للتعليق