• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الإثنين, 05 كانون1/ديسمبر 2016

الموطن الأصلي لديانة الصابئة المندائيين

  تحسين مهدي مكلف
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

 

ربما كان البحث في أصول ديانة قديمة يشوب تأريخها ونشأتها الغموض والسرية وتنحسر عنها المصادر التأريخية والدينية، ناهيك عن صعوبة القراءة والأطلاع على الكتب الروحية المقدسة لأتباع تلك الديانة والبحث في نصوصها لكونها دونت بلغة قديمة غير متداولة اليوم، ان الكتابة والبحث عن أصول وتأريخ ديانة كهذه هو أشبه ما يكون بالسير على أرض جليدية بأقدام عارية، فالأسترسال في المسير من ناحية قد يؤدي الى الأنزلاق والسقوط في متاهات الجليد، ومن ناحية اخرى فأن التوقف في منتصف الطريق فوق ارض متجمدة يؤدي حتما الى الأكتواء ببرودة تلك الأرض. ولكن في كل الأحوال فان كل خطوة اذا لم تؤدِ الى الهدف فأنها حتما ستؤدي الى الخطوة التالية.
ان جذور وأصول ديانة الصابئة المندائيين غير معروفة على وجه الدقة ويشوبها الغموض، ولعل السبب في ذلك هو قدمها وانعزال أتباعها وانغلاقهم الديني الشديد نتيجة تعرضهم لأضطهادات ومضايقات متواصلة على مر تأريخهم الطويل، وقد أدى ذلك التشتت والهجرات والأزمات المستمرة إلى ضياع الكثير من الوثائق والمدونات التي سجلت مسيرتهم عبر التاريخ ووثقت نمط حياتهم وفكرهم ومعتقداتهم. وما بقي منها لا يعدو كونه وثائق معدودة ونادرة، وقد تكون طالتها يد التشويه والتحريف. لهذا لايمكن للدارسين والمتخصصين أن يرسموا من خلالها صورة متكاملة لمسيرة هذه الديانة القديمة وأن يحددوا فترة ظهورها وانتشارها على وجه اليقين، فهنالك حتما جوانب هامة ومراحل طويلة اختفت تحت غبار المجهول .

أصل تسمية الصابئة
اُشتقت كلمة (صابئة) من الفعل (صَبأ) أو (صَبَغ) كما تلفظ اليوم، وهي كلمة مندائية آرامية تعني انغمر في الماء أو تعمّد، وكلمة الصابئة تعني الصابغة أو المتعمدون بالماء. وأُطلقت هذه التسمية على أتباع هذه الديانة بسبب ممارستهم التعميد الذي يعتبر طقسا أساسيا ورئيسيا من طقوسهم الدينية. فهم يقولون نحن الصابئة، أي الصابغة (اذ لاوجود لحرف الغين في اللغة المندائية)، ولا علاقة لهذه الكلمة بكلمة (صبأ) العربية التي تعني خروج الفرد من ديانة أسلافه الى ديانة اخرى موحدة. أما كلمة (مندائي) المقترنة بهم أيضا فهي مشتقة من كلمة (مندا) الأرامية والتي تعني المعرفة أو العلم. والمعرفة المقصودة هنا هي المعرفة اللاهوتية التي تتمحور حول الخالق وطبيعته وصفاته.
الصابئة المندائيون اليوم هم جزء من سكان وادي الرافدين، يشكلون أقلية دينية بين الأقوام والطوائف الأخرى التي يتكون منها شعب هذا الوادي العريق. ذكرتهم بعض كتب التأريخ ووصفتهم بانهم فئة أو طائفة دينية سكن معظم أتباعها، خلال القرون الماضية، القسم الجنوبي من وادي الرافدين. كما تشير الوثائق التأريخية واللقى الآثاريه ان بعضا منهم سكن جبال ميديا وسفوح جبال بشت كاوة شمالي العراق، واضافة الى وادي الرافدين فقد سكن الصابئة قديما اماكن اخرى كفلسطين (أورشليم تحديدا) ومدينة حاران شمال شرقي سوريا، كما اِستوطنوا قديما وحديثا الجزء الجنوبي الغربي من ايران. ويتميز أتباع هذه الديانة بأرتداء الأردية البيضاء وهي لباسهم الديني، ويتخذون من التعميد طقسا أساسيا، والصابئة يفضلون السكن على ضفاف الأنهار بسبب حاجتهم الدائمة الى الماء الجاري المتجدد لأجراء طقوسهم.
لم يختلف الباحثون والمختصون في الأديان في أمر طائفة دينية معينة مثلما اِختلفوا وحاروا في أمر الصابئة المندائيين وديانتهم، وسبب ذلك الأختلاف هو الجهل بحقيقة الأمور، اذ لم يكن لديهم ما يعينهم على معرفة أسرار هذه الديانة وبواطنها وكان لذلك الجهل اسبابه، فأضافة لما ذكر سابقا من قبيل تكتم أبناء هذه الديانة وقلة المصادر التي تتحدث عنهم وصعوبة لغتهم (اللغة المندائية) واندثارها، فهنالك أسباب آخرى مهمة منها، التقارب والتشابه (من ناحية بعض تعاليمها وطقوسها) بينها وبين ديانات اخرى كالمسيحية واليهودية، اضافة الى التقائها الفكري مع تيارات دينية غنوصية كانت معاصرة لها كالأسينيين والمانويين والزرادشتيين والحسح والمعمدانيين والقمرانيين والكسائيين والنوصيرم وغيرهم، سيما وان معظم هذه الطوائف اِستوطنت وادي الرافدين وبلاد الشام أيضا. فطوال فترة القرنين السابقين لظهور المسيح والقرنين اللاحقين له كانت منطقة الشرق الأوسط نقطة ولادة وانطلاق للكثير من الحركات الفكرية والمعتقدات والأديان، نتيجة اِختلاط وتمازج الثقافات والشعوب والأفكار واللغات مع بعضها وتعايشها في رقعة جغرافية واحدة.

كما ان اختلاط المسميات على الباحثين أوقعهم في حال من التشويش والضبابية اِنعدمت معها رؤية صورة الحقيقة كاملة، وادى ذلك الى الخلط والى القصور في التحليل فذهبت نتائج الأبحاث بعيدا عن الصابئة المندائيين بدلا من الاقتراب منهم. والصابئة المندائيون في حقيقتهم ساميون شأنهم في ذلك شأن العبرانيين والبابليين والكلدان والآشوريين والعرب والآراميين وغيرهم، وموطن هذه الأقوام جميعها هو وادي الرافدين والجزيرة العربية وبلاد الشام، لكن الباحثين أرادوا الغوص في عمق التأريخ المندائي في محاولة للوصول الى الجذور الحقيقية لهذه الديانة واكتشاف موطنها الأصلي ومنابعها الأولى على وجه التحديد.

ولابد هنا من الأشارة الى ان الكتابين المقدسين، العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الأنجيل) اللذين يحتويان التاريخ الروحي والمادي للعالم القديم، لم يرد فيهما أي ذكر للصابئة المندائيين، لا كديانة ولا كأتباع، فهل كان تجاهلها كتحصيل حاصل لأنعزال أتباع هذه الديانة وتكتمهم الشديد، ام انها ذُكرت تحت مسمى آخر نجهله؟ واِن كانت ذُكرت تحت مسمى آخر فما سبب زوال تلك التسمية؟ لقد توسع الباحثون الغربيون في البحث عن الموطن الأصلي للصابئة منطلقين من مناهج بحثية حديثة اعتمد بعضها على قرائن في الجانب التأريخي وبعضها الآخر اعتمد على معطيات في الجوانب الجغرافية واللغوية والدينية (المعتقد والطقوس)، وكانت أغلب القرائن تشير الى وجود الصابئة منذ القدم على أرض وادي الرافدين وان ديانتهم انبعثت من هناك وأثرت بمحيطها من النواحي اللغوية والميثولوجية كما أثرت في الجوانب الفكرية والروحية للحضارات التي نشأت وقامت على تلك الأرض.

ففي النصوص الدينية والتراث الأدبي لهذه الطائفة يلاحظ وجود العديد من المفردات والمصطلحات وأسماء الأماكن ذات الصلة بوادي الرافدين، فقد وردت الكثير من المصطلحات والمسميات العراقية في كتابهم المقدس، الكنز العظيم او الكبير (كنزا ربا) والكتب الاخرى، منها على سبيل المثال ذكر لمدينة أور وبابل والطيب والجنائن المعلقة ودجلة والفرات والنخلة والتمر والسبي البابلي وجنة عدن وغيرها الكثير، كذلك وجود أسماء عراقية شرقية قديمة للذكور والأناث، كل ذلك يشير الى ان موطنهم الأصلي هو بلاد وادي الرافدين. ومن الدلائل الأخرى لأثبات الأصل الرافديني للصابئة المندائيين هو وجود الكثير من مفردات لغتهم -اللغة المندائية- ضمن مفردات اللهجة العراقية الدارجة، وهي دليل على التعايش المشترك والطويل لهذه الطائفة على ارض الرافدين، أي عمق وجودها الزمني هناك. وهذه الناحية ربما تشير الى كونهم كانوا كثرة في العدد وليسوا اقلية منعزلة، فالأقلية لا يمكن ان تؤثر في ثقافة الأغلبية، بل الأغلبية هي التي تؤثر في ثقافة وحياة الأقلية، ومعنى ان الصابئة المندائيين كانوا أغلبية يعني بالنتيجة ان وجودهم قديم وسابق للقوميات والطوائف والشعوب التي سكنت البلاد والتي انقرض بعضها كالسومريين والأكديين والبابليين والحضر، كما ذاب بعضها الآخر في العنصر العربي العراقي كالهنود والفرس وغيرهم.

المعروف أيضا ان ديانات قديمة كالسومرية والبابلية والزرادشتية والمانوية قد أستمدت بعض تعاليمها وأفكارها من الديانة المندائية خصوصا على صعيد الفكر الميثولوجي الخاص بأصل الخلق والتكوين والعالم الآخر والعقاب والثواب وغير ذلك، فديانة الصابئة المندائيين وكما يعلم الجميع هي واحدة من أقدم الأديان التوحيدية نشوءا، وبما ان الديانات التي تأثرت بها نشأت قبل الميلاد بفترة طويلة، اذن فالديانة المندائية سابقة الوجود في وادي الرافدين وقبل نشوء هذه الديانات بكثير. كما ان لغة الصابئة – اللغة المندائية - هي اللغة الوحيدة من بين اللغات العديدة الخارجة من ثوب الآرامية التي لها صلة وثيقة باللغة الأكدية، لغة أهل العراق القديم، وهذا دليل معايشة اللغتين في رقعة جغرافية واحدة هي وادي الرافدين.

الدخول للتعليق