• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الجمعة, 24 شباط/فبراير 2017

الإعدادية المركزية – من مذكرات طالب سابق 1

  تحسين مهدي مكلف
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

هذه المقالة هي تسجيل لمذكرات شخصية عن مشاهدة ومعايشة ذاتية للمكان والأحداث على مدى ثلاث سنوات.
هذا الجزء الأول منها

تعتبر الإعدادية المركزية للبنين احدى أعرق وأهم المدارس الثانوية ذات التخصص العلمي في بغداد، وواحدة من اهم روافد المسيرة التعليمية في العراق. وتعود أهميتها ومكانتها المرموقة الى المستوى العلمي المتقدم ونوعية الطلبة الدارسين والنتائج العامة السنوية- نسبة النجاح- اضافة الى امتلاكها كادرا تدريسيا كفوءا. كذلك تتميز هذه المدرسة ببنايتها التراثية التي يعود تاريخ بنائها الى العام 1881 عهد الوالي عبد الرحمن باشا احد الولاة العثمانيين، وكان الغرض من بنائها ان تكون بديلا عن مبنى المدرسة الرشدية العسكرية العثمانية. وعند قدوم الأنجليز عام 1917 اتخذوا من المبنى مقرا للحاكم العسكري البريطاني في العراق. اما تاريخ تأسيس الإعدادية المركزية كمدرسة فيعود الى العام 1918 الا انها انتقلت الى المبنى الحالي المعروف في العام 1922 ، وكان اسمها القديم المنقوش بخط جميل على واجهتها هو (المدرسة الثانوية) ثم تم تغيير الاسم الى (الإعدادية المركزية) عام 1938 بعد تحويل نظامها الدراسي الى الأعدادي فقط بعد ان كانت مدرسة ثانوية، أي جامعة للمرحلتين المتوسطة والاعدادي. ولعل تسمية (المركزية) يعود الى كونها واقعة في مركز وقلب بغداد. ويعتبر تأسيس هذه الإعدادية هو البداية الحقيقية لتاريخ التعليم الثانوي في العراق.

تخرج من الإعداية المركزية خلال العقود الماضية نخبة كبيرة من قادة المجتمع العراقي من رجال العلم والأدب والفن والسياسة، منهم على سبيل المثال الزعيم عبد الكريم قاسم، عبد السلام عارف، ناجي شوكت، محمـد احمد حسن البكر، عبد الرحمن البزاز، احمد مختار بابان، ناظم الطبقجلي، ناجي طالب، علي الوردي، طه باقر، عبد الجبار عبد اللـه1 ، كمال السامرائي، حسين علي محفوظ، عبد الوهاب البياتي، جواد سليم، حافظ الدروبي، محمود صبري، يوسف العاني وغيرهم الكثير. زارها عبد السلام عارف حين كان رئيسا للجمهورية عام 1965 ، وزارها احمد حسن البكر أوائل السبعينات.
ولازالت تلك المدرسة قائمة تؤدي دورها العلمي التربوي في تخريج طلبة أكفاء مؤهلين للمرحلة الجامعية من حياتهم الدراسية. والدراسة في هذه الأعدادية كانت تشمل الأقسام الأدبية والعلمية الا انها تحولت في السبعينات الى التخصصات العلمية فقط . اما بالنسبة للقبول فكان مقتصرا اول الأمر على طلاب المتوسطة الغربية المعروفة، ثم صارت تقبل المتفوقين من مدارس أخرى فيما بعد.

اما تجربتي الشخصية مع هذه الإعدادية فقد كانت عند نهاية السبعينات، بدأت فيها دراستي في الرابع العام في صف يضم حوالي 50 طالبا ينتمون في أصلهم الى مختلف المناطق والقوميات والأديان والطبقات الأجتماعية، فيهم الطالب بسيط الحال ابن الكادح أو العامل او الموظف الصغير، وفيهم أبناء الطبقات الثرية أو أبناء السفراء والمسؤولين. الا ان العدد الأكبر من الطلبة هم من ابناء الطبقة الوسطى. الطلبة البسطاء كانوا من سكنة المناطق المحيطة بالمدرسة وهي مناطق بغداد الشعبية القديمة ذات الأزقة الضيقة والبيوت الصغيرة واغلب سكان هذه المناطق هم من طبقة الكسبة والعمال. اما أبناء الأثرياء فكانوا من سكنة مناطق المنصور والحارثية وزيونة وشارع فلسطين وغيرها.

خلال تلك الفترة كان للمدرسة كادر تدريسي كبير يضم نخبة من المدرسين من ذوي الكفاءة والخبرة في تخصصاتهم ولأغلبهم خدمة طويلة في هذه المدرسة، ويوجد الى جانب هؤلاء عدد من المدرسين الجدد ممن اُحيلت خدماتهم الى هذه الإعدادية بسبب كفاءتهم وقد أُستقدموا من مدارس او محافظات أخرى، فلازلت اتذكر مدرسا شابا من اهالي مدينة بعقوبة، كان يأتي للتدريس ويعود الى مدينته كل يوم. وكان المدرسون يتشكلون، على غرار الطلبة، من مختلف القوميات والأديان والطوائف، فيهم المسلم والمسيحي والصابئي، وفيهم العربي والكردي والآشوري، الى غير ذلك مما يتشكل به مجتمعنا العراقي.
اما مدير هذه الإعدادية في اول دخولي لها فكان مديرا شديدا لم نكن نحبه، اذ كان أسلوبه متعاليا متزمتا وغير تربوي، ابوابه مغلقه، لايلتقي بالطلبة مطلقا ولايشارك في أي مناسبة. وقد علمت فيما بعد ان ذلك المدير كان في الأصل عسكريا –ضابطا- ثم اقصي من مهنته تلك لأسباب سياسية فتوجه لوظيفة مدنية فصار مديرا بقدرة قادر لهذه الإعدادية العريقة.

اما موقع الأعدادية المركزية فهو ليس بالموقع المناسب لمدرسة اعدادية، اذ لم يتوفر فيه مايتوجب توفره من شروط لمواقع المؤسسات التعليمية من ناحية سعة الموقع ونظافته وهدوئه وما يحيط به من ساحات او حدائق ومتنزهات. فالمدرسة تقع في شارع ضيق من الشوارع الخلفية لساحة المأمون (الميدان) وتجاور وزارة الدفاع القديمة من جهة وجامع السليمانية من الجهة الأخرى2 وهي قريبة من مبنى القشلة (السراي العثماني)، وفي الخلف منها يقع مبنى بيت الحكمة القائم على ضفة نهر دجلة من جانب الرصافة والذي تحول الى محكمة الثورة (محكمة المهداوي) ابان حكم الزعيم عبد الكريم قاسم. وبقع بالقرب من المدرسة أيضا جامع الأحمدية الشهير وجامع المرادية. وتقابل المدرسة مجموعة من الأزقة القديمة الضيقة المتعرجة التي تنتهي بمدخل او بداية شارع الرشيد. فهذا الموقع بما يتضمنه من مؤسسات رسمية ومبان تراثية هو مهم من الناحية التأريخية ويمنح للمبنى (مبنى المدرسة) أهمية خاصة الا انه غير مناسب كموقع لمدرسة ثانوية او لأي مؤسسة تعليمية خصوصا بعد ازدياد عدد سكان بغداد وتوسع الأسواق المحيطة بالمدرسة.

من ناحية أخرى لم يكن للمدرسة ساحات وحدائق مثلما يُفترض ان يكون عليه الحال لمدرسة اعدادية متقدمة وفي قلب العاصمة، سوى وانها تضم عددا كبيرا من الطلبة يتجاوز ماتضمه الأعداديات الأخرى، فالمدرسة هذه في شكلها العام عبارة عن مجمع من البنايات المتراصفة وبطابقين يتوسطها ساحة صغيرة في قلب المدرسة رصفت بطبقة من الخرسانة، تلك الساحة الصغيرة الجرداء كانت بالكاد تكفي لممارسة لعبة كرة السلة، مع ان ممارسة الرياضة في تلك الساحة كان يثير ضجيجا مزعجا على الصفوف المحيطة بها. ولاتوجد في المدرسة كلها حديقة او زرع او شجر او شيء اخضر مطلقا.

وبسبب ضيق المساحات الداخلية للمدرسة كان الطلبة يقضون فترات الأستراحة داخل صفوفهم او قرب الصفوف او خارج اسوار المدرسة ان كانت بوابتها الرئيسية مفتوحة. اما في حالة وجود درس شاغر ومتسع من الوقت فأن الطلبة يستغلونه بالخروج من المدرسة والتجوال في ساحة الميدان الشهيرة القريبة لشراء الحلويات والمرطبات، اذ كانت ساحة الميدان آنذاك زاخرة بالمحال التجارية والمطاعم وباعة التحف القديمة والمكتبات ومحال التسجيلات الصوتية والمقاهي، الى غير ذلك. وهذه الساحة كما هو معروف، كانت آنذاك الموقف والمنطلق الرئيسي لباصات مصلحة نقل الركاب -باصات الأمانة- المنطلقة الى جهتي الرصافة والكرخ والعائدة اليها، فكانت تعج ليل نهار بعشرات الحافلات الحمراء الحديثة من ذوات الطابقين والتي تصل الى جميع مناطق بغداد وبأجرة زهيدة.

في فترة دراستنا فيها نهاية السبعينات كانت الإعدادية المركزية تضم بين قاعاتها مختبرات للكيمياء والفيزياء والأحياء، كما تضم مكتبة تحتوي كتبا منوعة في مختلف المجالات العلمية والأدبية اِلا ان اغلبها قديم، وفي الجانب الخلفي للمدرسة توجد قاعة كبيرة (مسرح) للمناسبات والأحتفالات وتقديم العروض المسرحية، هذا المسرح يحتوي في طابقه العلوي على مقصورة كبيرة يوازي عرضها عرض المسرح نفسه، ويقال انه كان الوحيد في بغداد خلال فترة العشرينات وسُمي مسرح (المس بيل) 3 ، ولم ندخل هذا المسرح كطلبة سوى مرة واحدة خلال السنوات الثلاث التي قضيتها في هذه الاعدادية. الشئ الملفت للنظر في هذه المدرسة ان ادارتها آنذاك كانت لاتهتم بالمناسبات الوطنية ولا القومية، فلا أتذكر اننا احتفلنا في يوم ما بمناسبة معينة الا واحدة كانت عام 1979 واقتصر الأحتفال على استعراض رياضي بسيط، وبسبب صغر مساحة الساحة الرئيسية للمدرسة وكثرة اعداد الطلبة فأن نصفهم كانوا يشهدون العرض الرياضي من على الشرفات العليا (الأروقة) المحيطة بالصفوف الواقعة في الطابق الثاني.

في عام 1927، وبسبب زيادة اعداد الطلبة، تم توسيع المدرسة من الجهة الجنوبية المجاورة لجامع السليمانية، فتم إضافة بناء جديد لها سمي (الملحق) مؤلف من طابقين أيضا وله نفس مواصفات البناء الرئيسي ولونه وله مدخل واحد من الساحة الوسطية للمدرسة، ويضم الملحق حوالي عشرة صفوف مع باحة وسطية صغيرة. وهذا البناء الجديد (الملحق) صغير في مساحته وخالٍ تماما من أي زرع او شجر حاله حال المدرسة كلها، فكانت اجواؤه كئيبة اذ لايُرى سوى الجدران الصماء العالية والأرض الجرداء والمكان كله ضيق ومنعزل. فمساحة هذه المدرسة كلها عبارة عن مبانٍ متراصة، ويبدو ان هذا الأمر كان لابد منه بسبب العدد الكبير لطلبتها، اذ بلغ عدد طلبة الإعدادية المركزية في احد المواسم حوالي 2400 طالب، وهذا العدد يقارب عدد طلاب بعض الكليات عندنا. كما بلغ عدد طلبة الصف السادس حوالي 750 طالب يتوزعون على 22 شعبة او صف دراسي، هذا إضافة الى الكادر التدريسي الكبير الذي بلغ حوالي 90 مدرسا في مختلف التخصصات العلمية، إضافة الى الكادر الأداري والخدمي.

-----------------------------------------------------
1ـ يعتبر عالمنا الكبير الدكتور عبد الجبار عبد اللـه اول طالب صابئي يتخرج من الإعدادية المركزية وذلك عام 2819 وكان الأول على الفرع العلمي.
2ـ جامع السليمانية انشأه الوالي العثماني سليمان باشا وسمي باِسمه.
3ـ نسبة الى السيدة جرترود بيل سكرتيرة المندوب السامي البريطاني في العراق ومستشارة الحاكم العسكري الذي كان مقره مبنى المدرسة الإعدادية ذاتها.

الدخول للتعليق