• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الخميس, 09 أيار 2013

قراءة في كتاب تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء

  صبــاح مال الله
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

(تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء)
لأبي الحسن الهلال بن المحسن الصابي

يعتبر كتاب الوزراء للصابي ككل الكتب النادرة العاكسة لفترة النضوج الفكري في الثقافة الأسلامية، حيث يشتمل على حلقة خاصة مهمة من التاريخ، تدعو الى ان يحرص المؤلف على مراجعتها، فنجد قيه آثاراً تاريخية نادرة، وحقائق تدعو الى العظة والاعتبار، توضح ماكانت عليه الحال في خلافة المقتدر وما سبقها. والأهم من ذلك ان الأثر المدون يظهر الماهمة العراقية بشقها الصابئي، الماكث جليلاً حتى اليوم في طبقات الخصوصية الثقافية العراقية، حينما اسهم في ارتقاء الفكر والنتاج الحضاري الأسلامي، دون حساسية دينية او طائفية او نحلية، كما يراد ان يسوق ويروج له اليوم ، وكيف كان التسامح والتعايش سائداً، حينما تداعى الى ان يسمو النتاج الفكري الى مصاف لم تطأه حضارة البتة، وأن تصبح بغداد بالمسلم وأخيه من الملل الأخرى سرة الدنيا وقوة الزمان على امتداد العصور. لقد طبع الكتاب سنة 1904 ميلادية ونفذت طبعته الأولى من الأسواق منذ زمن طويل، وكانت الطبعة الأولى حافلة بالأخطاء والغموض، الى ان تمت الاستعانة بمخطوطة الأزهر، التي لايوجد غيرها في مصر، فحققه عبد الستار احمد فراج وطبع للمرة الثانية من قبل دار احياء الكتب العربية سنة 1958 وقد نفذت الطبعة الثانية في حينها ايضاً.

ويتبين لقارئ هذا الكتاب الأنظمة التي كانت تسير عليها الدولة العباسية وأنواع الرقي في الدوايين، والدقة في نظام المراسيم واثباتها والتوقيع عليها، وحفظها في ملفات، وما كان كان يتبع في أمور المخاطبات والمكاتبات الصادرة والورادة. كما يرى الحقائق التاريخة المريرة القاسية ، والجزاء الإلهي العادل الذي يحل بأصحابه على ما قدمت اياديهم، وكيف كانت تحاك المؤامرات والدسائس ، وكيف كانت النساء الجواري يتدخلن في تغيير الحكم وتبديله لمصلحة مادية ذاتية او رغبة في الانتقام، وما كان ينفق في سبيل الوصول الى المناصب مع ماكان يعقب ذلك من مصادرات وما يحل من ويلات. كل ذلك ورد اشبه بالقصص الفنية الرائعة بل كما قيل الحقيقة ابدع من الخيال. ان الحقائق المروية في هذا الكتاب والمصادر الحسنة والسيئة تقوم المعوج وتهدي الضال وتشجع المخلص المستقيم على ان يستمر في سلوكه سواء السبيل.
المؤلف *
هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حبّون الصابئ الحراني مؤلف كتاب الوزراء ولد سنة 359 وتوفي سنة 448 هـ.
من أسرة نبغت في العلم والأدب والتاريخ والطب ، وكانت لهم قدم عند الحاكمين. فجده الأكبر إبراهيم بن زهرون كان طبيبا مشهورا، مات سنة 309 هـ (( عيون الأنباء )) الجزء الأول .
وهلال بن إبراهيم بن زهرون أبوالحسين والد جد المؤلف كان أيضا طبيبا (( اخبار العلماء )) وله ذكر في تاريخ ابن العبري ص 290 .
وثابت بن ابراهيم بن زهرون ابو الحسن ، وهو عم جد المؤلف كان من أشهر الأطباء، وتروى عنه النوادر البارعة في فنه، ولد سنة 283 وتوفي سنة 365 ، او سنة 369 هـ وروى بعض أخباره هلال بن المحسن ، ووالده المحسن . أنظر (( عيون الأنباء )) الجزء الأول و (( أخبار العلماء )) .
أما جده أبو إسحاق إبراهيم بن هلال فإنه كان أديبا كاتبا شاعرا، تقلد ديوان الرسائل وله مؤلفات ، ولد سنة 313 وتوفي سنة 384 هـ وقد عرض عليه عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه الوزارة إن أسلم ، فامتنع ، ومع هذا فقد كان يصوم شهر رمضان مع المسلمين ، ويحفظ القرآن أحسن حفظ ، وكان يستعمله في رسائله. وقد أثنى الشعراء على رسائله حتى قيل :

أصبحت مشتاقاً حليـف صبابـــــةٍ برسائل الصابــــي أبي اسحق
صوب البلاغة والحلاوة والحِجَى ذوب البراعة سلوةِ العشـاق
طوراً كما رقَّ النسيـــمُ وتـــــارةً يحكى لنا الأطواق في الأعناق

والمحسّن والد المؤلف كان اديبا وكان يلقب صاحب الشامة ، ونقل ياقوت عن خطه في معجم الادباء (( انظر ترجمة أبي الفرج الأصفهاني علي بن الحسين )) .
وابن المؤلف غرس النعمة محمد بن هلال له عدة مؤلفات، ولد سنة 416 وتوفى سنة 480 .
هذا من ناحية اباء المؤلف. أما أخواله فإنهم ذرية ثابت بن قرة الصابئ الطبيب العالم الفيلسوف (( انظر ترجمته مثلا في ابن خلكان )) وأغلب ذرية ثابت بن قرة أطباء ومؤلفون ، والخطأ يقع من بعض المؤرخين ، فيذكرون أن ثابت بن سنان ابن ثابت بن قرة هو خال هلال بن المحسن ، ذكر ذلك في عيون الأنباء في ترجمة ثابت ، كما ذكره القفطي في كتابه أخبار العلماء ، وابن العبري في تاريخه ، لكن الحقيقة أن ثابت بن سنان هو خال ابراهيم بن هلال الصابئ جد هلال بن المحسن ابن ابراهيم ، ففي معجم الأدباء في ترجمة ثابت بن سنان يقول ياقوت: " وقال أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ يرثى خاله أبا الحسن ثابت بن سنان بن ثابت ابن قرة .. " وهذا وعمر ابراهيم بن هلال من 313 ـ 384 يتناسب مع كونه ابن أخت ثابت بن سنان المولود في أواخر القرن الثالث 295 تقريبا والمتوفى سنة 365 أو 366 هـ . هذا وثابت بن سنان له كتاب في التاريخ ، وكتاب في أخبار الشام ومصر.
وكان هلال بن المحسن أديبا فاضلا أخذ عن أبي على بن الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي صاحب المؤلفات في علوم العربية المتوفى سنة 377 هـ ما أخذ عن أبي الحسن علي بن عيسى الرماني المولود ينة 296 والذي كان من كبار النحويين ومتقنا للغة والفقه وغيرهما وتوفى سنة 384 هـ ومعنى هذا ان هلالاً تلقى العلم على اشهر العلماء وهو صغير ، مما يدل على مكانة أهله وسمو مركزهم.
وكنية هلال في أغلب تراجمه هي أبو الحسن ، جاء ذلك مثلا في معجم الأدباء وابن خلان ونزهة الألباب في ترجمته في كل منها. وقد ذكر في النقل عنه في موضع آخر أنه أبو الحسين ، انظر مثلا معجم الأدباء في ترجمة أحمد بن محمد بن الفضل بن الخزاز ، وانظر معجم البلدان جـ 1 ص 382 (( انطاكية )) و جـ 2 ص 272 (( حساس )) لهذا قد تكون له كنيتان أو أن إحدى الكنيتين تحريف من النساخ. وقد ناب هلال عن جده في تولي ديوان الإنشاء، كما تولى الكتابة لفخر الملك محمد بن خلف.

مؤلفاته
1 ـ الوزراء أو أخبار الوزراء أو تحفة الأمراء
2 ـ غرر البلاغة في الرسائل ، وهذا الكتاب توجد منه نسخة بدار الكتب. وذكر الاستاذ ميخائيل عواد أن هناك نسخة منه موجودة في خزانة المكتب العلمي الملوكي في بطرسبرغ.
3 ـ رسوم دار الخلافة . وتوجد منه نسخة بدار لتب مصورة عن نسخة بمكتبة الأزهر. ويقول الأستاذ ميخيائيل عواد انه فرغ من تحقيقه والتعليق عليه وأعده للنشر.
4 ـ كتاب في التاريخ اشتمل على الاحداث التاريخية من سنة 360 هـ الى سنة 337 هـ ولا يوجد منه إلا قطعة صغيرة نشرها آمد روز ملحقة بكتابه تحفة الأمراء وهي تشمل على حوادث سنة 389 الى سنة 393 هـ.
5 ـ كتاب بغداد ، وسماه الصفدي كتاب أخبار بغداد ، نقل عنه ياقوت في معجم البلدان جـ 2 ص 255 (( الحريم )) : وقرأت في كتاب بغداد تصنيف هلال ابن المحسن الصابي .. وفي جـ 2 ص 542 (( الداهرية )) وقال ابن الصابي في كتاب بغداد وفي جـ 2 ص 565 (( درتا )) وذكر الصابي في كتاب بغداد وفي جـ 4 ص 123 (( قصر ابن هبيرة )) وقال هلال بن المحسن في كتاب بغداد .
6 ـ الأعيان والأماثل أو الأماثل والأعيان
ففي ابن خلكان في ترجمة ابن الفرات علي بن محمد : الأعيان والأماثل . وفي الفهرست سماه كتاب الأعيان والأماثل.
وفي ابن خلكان ف ترجمة هلال بن المحسن : رأيت له تصنيفا جمع فيه حكايات مستملحة وأخبارا نادرة وسماه كتاب الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والاحسان. ومثل ذلك في شذرات الذهب في ترجمة هلال حوادث سنة 448 هـ ومعجم الادباء في ترجمته. وقد ذهب بعضهم الى ان كتاب الاماثل والاعيان هو كتاب الوزراء ، لأن معجم الأدباء وابن خلكان نقلا قصة في الاماثل والاعيان ، توجد في كتاب الوزراء بنصها. لكن وصف ابن خلكان لتاب الاماثل يدل على انه مجلد واحد ، يدل على ذلك ان ياقوت في معجم الادباء، في ترجمة أبي الفرج الاصفهاني علي بن الحسين يقول : " حدث الرئيس أبو الحسن هلال بن المحسن بن ابراهيم بن هلال الصابي في الكتاب الذي ألفه في أخبار الوزير المهلبي .." فكأن أخبار بعض الوزراء كانت من الكثرة بحيث صارت كتبا قائمة بنفسها . والوزراء الذين تناولهم الصابي لا يكفي في ذكرهم مجلد واحد ، وهذا واضح من القسم الذي في ايدينا.
وهذه كتب اربعة عدها الصفدي في الوفي بالوفيات نقلها آمد روز في مقدمة طبعة سنة 1904 مضافة الى الكتب الأخرى التي ذكرها وذكرناها :
(1) كتاب رسالة انشأها عن الملوك والوزراء تقارب رسائل جده أبي اسحاق (2) كتاب مآثر أهله (3) كتاب الـكُـتّـاب (4) كتاب السياسة

ثروته وسبب تأليفه التاريخ ولقبه

يذكر ابن الجوزي في المنظم جـ 8 ص 101 في ترجمة الحسن بن الحسين أبيعلي الرخجي الذي كان وزيرا لشرف الدولة والمتوفى سنة 430 هـ ما يأتي :
كان فخر الملك قد أقواما مالا ، ولحن بأسمائهم ـ أي جعل لها رموزا ـ وكنى عن القابهم ، فكان فيها : عند الكوسج اللحياني عشرون ألف دينار. وعند بُسـرةٍ بقمعها ثلاثون ألف دينار . فلم يعرف الحسن بن الحسين الرخجي من هذان فدخل عليه رجل كان يتطايب لفخر الملك ويأنس به ـ وكان يلقبه الكوسج اللحياني لكثافة الشعر في أحد عارضيه وخفته في الآخر ، فدخل على الرخجي متظلما من جار له ، متقربا اليه بخدمة فخر الملك ، فقال : يا مولانا انه كان يطلعني فخر الملك على أسراره ، ويلقبني بالكوسج اللحياني. فقال الرخجي لأصحابه : لا تفارقوه إلا بعشرين ألف دينار. وتهدده بالعقوبة ، فحملها بختومها ، ثم تفكر الرخجي في قول فخر الملك : عند بسرة بقمعها . فقال هو الصابئ . فأحضر هلال بن المحسن ، وخابه سراً. وكان هلال أحد كتاب فخر الملك ، فلم ينكر. فقال له الرخجي : قم أيها الرئيس آمنا ، ولا تظهر هذا الحديث لأحد ، وانفق المال على نفسك وولدك . ثم حضر ابن الصابئ علي أبي سعد بن عبد الرحيم في وزارته. فقال له : قد عرفت ُ مادار بينك وبين الرخجي ، وأنت تعلم حاجتي الى حبة واحدة ، وتأولي على من لا معاملة بيني وبينه ، ولا يسبقني الرخجي الى مكرمة ، وما كنت لأنكب مثلك ، والصواب ان تشتغل بتاريخ أخبار الناس. فاشتغل ابن الصابئ من ذلك الوقت بتاريخه الذي ذيله على تاريخ ثابت بن سنان فاستخدمه الملوك ، فلم يحتج الى انفاق شيء من المال ، وخلف ولده ابا الحسن غرس النعمة وخلف له املاكا نفيسة على نهر عيسى ، وانفق مقتصدا في النفقة وعمر الاملاك ، ولم يطلع احدا من أولاده على ذلك. وظن أولاده أن تركته تقارب الألف دينار، فوجدوا له تذكرة تشتمل على دفائن في داره ، فحفروها فكانت اثني عشر ألف دينار ، وكان ما خلفه من القماش وغيره لا يبلغ خمسن دينارا . وأنفق أولاده التركة في أسرع زمان.

مصادر الكتاب والمقتبسون

أتيحت للصابي في تأليف كتابه أمور جعلته ثقة فيما يروي ، وأول ذلك صفته الرسمية في الدولة التي أظفرته بالوثائق الرسمية. ففي صفحة 15 يقول : " ووجدت عملا يشتمل علىذكر أحمد بن محمد لطائي وما ضمنه من الأعمال .. " وفي ص 166 يقول : " ووجدت ثبتاً بما كان أبو الحسن بن الفرات يخاطب به السيدة والأمراء وأولاد الخلفاء والولاة والكبراء ..." وفي ص 245 يقول : " وقع بيدي ثبت أخرج من ديوان المغرب في أيام الراضي بما أخذخ المحسن بن علي بن محمد بن الفرات من الخطوط ممن قبض عليه وصادره في ايام وزارتهم الثالثة ..." ولا غرابة في أن يتمكن من الاطلاع على الوثائق السمية ، فقد اشترك في أرقى المناصب وعمره لم يتجاوز العشرين ، ويدل على ذلك ما يقوله في ص 170 : " وعهدي وأنا أوقع في قصص المتظلمين في أيام صمصام الدولة عن أبي إسحاق جدي في ديوان الإنشاء الى قضاة الحضرة ..." ومعلوم ان جده توفى سنة 384 وأن هلالا المؤلف ولد سنة 359 وصمصام الدولة تولى الملك سنة 372 وقتل سنة 388 هـ.
والأمر الثاني الذي وثقه اطلاعه على تاريخ ثابت بن سنان خال جده وقد أرخ ثابت من أواخر القرن الثالث الهجري الى سنة 360 هـ ، وهي فترة عاصرها ، أو لقى معاصيرها .
والأمر الثالث ما رواه او نقله عن القاضي التنوخي أبي علي المحسن مؤلف نشوار المحاضرة ، والفرج بعد لشدة ، والمستجاد من فعلات الاجواد . والتنوخي ولد سنة 327 وتوفى سنة 384 هـ والاخبار التي رواها شافه أغلب معاصريها.
يضاف الى هذا أنه اطلع على كاب الوزراء والكتاب للجهشياري ، وكتاب الوزراء للصولي ، ومع هذا لم يعجبه الصولي في تأليفه حيث يقول عنه : لكنه ملأه بالحشو الزائد ، وكسفه بشعره البارد . وعلى الرغم من تسخيفه للصولي نقل عنه خبرين . وإلى جانب هذا تلقى عن طريق الرواية والسند أخبارا من أناس اتصلوا بالدوايين ، وخالطوا الحاكمين ، وتجد ذلك منبثا في أغلب الكتاب.
أما الناقلون عن كتاب الوزراء للصابي فأهمهم ياقوت الحمي صاحب معجم الأدباء ومعجم البلدان وأغلب نصوصه من الأقسام الضائعة من الكتاب ، وقد اشار آمد روز الى ان الصفدي نقل عنه في كتابه الوافي والوفيات، كما نبه ميخائيل عواد الى نصوص منقولة ، وفي خطط المقريزي ، وصبح الأعشى ، وبدائع البدائه ، والنجوم الزاهرة ، والاذكياء لابن الجوزي. ونبه الدكتور مصطفى جواد الى نصوص منقولة ، توجد في معجم الالقاب وتاريخ ابن النجار.
ومن بديع اقواله :
" ان الله تعالى خلق الحيوانات كلها على اختلاف الفِـطَـر والأوضاع، وتبايُـن الصوَّر والأنواع ، خلقا ً واحدا في الاشخاص والأشباح ، والأفـئـدة والأرواح ، ثم خص الانسان من بينها بالعقل الذي ارشده الى معرفته ، وما أراده له من عبادته ، وأوجب له من الطاعة وشكر المنة مزيدا حاضرا ، وثوابا منتظرا ، وأوجب عليه عن المخالفة وكفر النعمة انتقاما عاجلا، وعذابا آجلا : ? ليهلك من هلك عن بينة ٍ ويحيي من حىَّ عن بينة ٍ وإنَّ الله لسميع عليم ? . وجعل عطاء الإفضال أكثر، وعطاء العقل أقل ، لأن مادة الإفضال غزيرة ، ومادة العقل عزيزة .
وقد اخـتُـلـف في كيفية العقل ، فقال قوم : نور من الله مقتبس ، وقال آخرون : خلقٌ مـُستخلص ، واستشهدوا بالحديث الذي ترويه العامة من ان الله تعالى قال للعقل وقد خلقه : أقـبِـلْ . فأَقبَـلَ . وأدبرْ ، فأدبرَ . فما فعل ذاك قال : وعزتي وجلالي وعظمتي ما خلقت خلقا أحسن منك ، بك آخذ وبك أعطي . وقال اهل الكلام : هو معارف يجمعها الله تعالى في قلب عبده إذا أخذه بالتكليف يُحِسِّـن له بها الحسن ويقبـّح القبيح . وإنما سمي عقلا لأنه يَـعـقِـلُ عن القبيح ، أي يحبس كعقال الناقة الذي يمنعها أن تسرح . وليس تكليف العقلاء كتكيلف الجهلاء ، ولا آلة الفريقين في الأفعال متوازية ، ولا مؤاخذتهما بالأعمال متساوية ، ولذلك قال الله تعالى: ? إنما يخشى الله من عباده العلماء ? ، ولو أُوخذ الجاهلون ما يؤاخذ العالمون لان ذلك جورا ً في القضاء ، وحيفا ً في الجزاء ، لأن الله تعالى كلف كل نفس بحسب قوتها ، وأخذها بما جعله في قُدرتها . ولو أن أحدا ً غلط غلطا جاهلا بحكمه ، وأخطأ خطأ خارجا عن علمه ، لما تعَّـين عليه حكمٌ ، ولا تعلق به حدّ . وعلى ذاك ، فمتى كان علم الانسان أكثر من عقله كان حتفه في علمه ، أو عقله أكثر من علمه أمكنه به جبر عجزه واتمام نقصه ؛ وما دبَّـر العقل شيئا إلا أقام أوَدَه وعدل ميــده (1) ، ولا دخل الجهل أمرا إلا حل نظامه وأحال التئامه.
فقد ثبت أن الفضل فرعٌ أصله العقل . ثم تدعو الحاجة مع وجود هذا الاصل الى بان يُـعلي اساسه ، ويسقي غراسه ، من أدب يقتبس ، وعلم يكتسب ، ورياضة تُـصـلح ، وتوفيق يَـلحق ، فاذا التقى من ذينك فرع وأصل ، واقترن أدب وعقل ، اجتمع بهما قـُــَوى العقل ، ولمع بيينهما نور الحزم ، وأمكن رافع البناء أن يرتقي ذروته ، وغارس الغرس ان يجني ثمرته ..."
هوامش:
* (له ترجمة في ابن خلكن ومعجم الادباء ونزهة الالباب والنجوم الزاهرة جـ 5 ص 60 حوادث سنة 448 وشذرات الذهب جـ 3 والمنتظم جـ 8 حوادث سنة 448.)
(1) الأود : العوج . والميد : الميل

الدخول للتعليق