• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم
الجمعة, 10 أيار 2013

الأمان الديني في مناطق الأهوار- الديانة المندائية نموذجا

  نعيم عبد مهلهل
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

((لقد حان أجلي وألتمس الذهاب، ويخيفني الّرحيل، ولا أعلم كيف سيكون طريقي؛ فليس هناك أحدٌ تقياً كان أم مسيئاً - غادر ثم عاد كي أسأله عن الطريق، وكيف يكون....))
سام بن نوح - كتاب تعاليم ومواعظ النبي يحيى عليه السلام

في مقالة للباحث السوري الدكتور احمد عسيلي والموسومة (عندما يتحول الدين إلى قصيدة حب) التي يشير فيها إلى أهمية ما كتبته في كتابي عن تاريخ وغنوص الديانة المندائية الصادر عن دار نينوى في دمشق 2007 والموسوم (الديانة المندائية من آدم عليه السلام حتى قراءة الخامنئي) والذي نفدت طبعته الأولى من الأسواق السورية، وكذلك نفدت كل النسخ التي شاركت فيها الدار في معرض الشارقة الدولي للكتاب، كان تأكيد الباحث على أن الديانة المندائية ديانة سورية وهي من اقدم ديانات المنطقة على أساس أن المندائيين الأوائل هم من سكن حران الواقعة في أعالي الفرات حيث سوريا اليوم، وطالب الباحث من الدولة السورية بالاعتناء بتراث هذه الديانة والالتفات إليها وتأسيس مركز خاص بدراساتها وفق ما تقوم فيه الدولة من خلال الاهتمام بحضارات المنطقة الشامية، وأنا أظن أن المندائية هي المجاور الحضاري لأقوام تلك المناطق من كنعانيين وآراميين، وما تركوه من ارث لغوي باللغة الآرامية والسريانية والمندائية القديمة يؤكد على هذا بل يؤكد تطور الفكر الروحي والفلسفي والديني لديهم، لأن قراءة نصوص كتبهم المقدسة ومنها الكنز ربا (الكنز العظيم) يؤكد قوة بلاغة الجملة والفكرة والقيمة الدينية والروحانية والسماوية لهذا الكتاب بالرغم من اختلاف النصوص وأفكارها عن بقية الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من الصحاح التي توارت وراء الأزمنة السحيقة ولم يبق منها إلا إشارات قليلة وشيء نادر من نصوصها وأغلبها على شكل حكايات مؤسطرة في الذاكرة المكانية لتراث المنطقة. غير أن صابئة الشام هم صابئة حران والمعروف عنهم أنهم من عبدة النجوم كما أشيع في الدراسات التاريخية وكانت حياتهم تمتلك المشابهات الطقوسية لمعتقدات حضارات تلك المناطق ومنها الحضارة السومرية والفينيقية والكنعانية، وقد حاول مندائيو العراق ممن هم منحدرون من أصول عراقية نزحت في الأصل البعيد من المناطق المحاذية لبلاد فارس وبالضبط من مناطق دهلران وهي منطقة جبلية تقع تماما أمام منطقة الشهابي الملاصق لقضاء بدرة في محافظة واسط (الكوت) من جهة ومن الجهة الثانية لناحية الطيب في محافظة ميسان (العمارة)، ويمكن رؤية جبل دهلران من منطقة شيخ سعد على الطريق الواصل بين مدينتي الكوت والعمارة. حاولوا النأي عن معتقد صابئة حران الذين يُظن أنهم لم يقروا بالوحدانية بشكلها الواضح وآثروا الشرك، ولم يكونوا من مؤمني ومريدي يحيى المعمدان الذي عمد السيد المسيح عليه السلام في نهر الأردن وهو من الأنبياء الشهداء وله قبر يزار من قبل رعايا كل الديانات في وسط مصلى الجامع الأموي في دمشق. ويطلق عليه قبر النبي يحيى عليه السلام. ولصابئة العراق كتب مقدسة مسماة ب (تعاليم ومواعظ النبي يحيى) وفيه وصايا النبي لقومه وتحمل دلالات روحية وتربوية ودينية تخص سلوك الطائفة في شتى مفاصل الحياة.
يدعي بعض المندائيين إن صابئة حران الحقيقيين هم موحدون وعاشوا في هذا المكان القائم في أعالي الفرات، بالرغم من أن مناطق أخرى في المنطقة تسمى بذات التسمية ومنها ما هو في مناطق شرق العراق كما في المنطقة المسماة وادي حران في قضاء مندلي والتي كانت في الحرب العراقية - الإيرانية مسرحاً ملتهبا لمعارك ضارية بين البلدين، وكنت قد عشت ردحاً من الزمن في ذلك الوادي الذي يفصل الحدود العراقية - الإيرانية مقابل إقليم إيلام ووجدت أن سكان المنطقة اغلبهم من الرعاة أو خدم بعض مقامات قبور الأولياء من العلويين الذين كانوا يدفنون في تلك المناطق بعد أن يصيبهم الإنهاك والجوع والعطش من طول المسافة والطريق التي يقطعونها هربا إلى بلاد فارس من ظلم وجور ولاة بني العباس حيث تجد المسميات أغلبها تنتمي إلى أولاد الأمام موسى الكاظم عليه السلام، وهؤلاء الرعاة والمزارعون من سكان تلك المناطق يملكون رؤية عن مرجعية المكان، وعندما سالت أحد الشيوخ إن كان وادي حران في الزمان القديم موطنا لجماعات دينية غير المسلمين ومنهم الصابئة؟
قال: إن المكان كان موطناً للكثير من الديانات القديمة وعاشت هنا أقوام عديدة وجرت في المكان حوادث تاريخية كثيرة ولديهم في حكاياتهم وأساطيرهم ما يدل على أن المكان كان يكتظ بالمعابد والكهنة والأقوام القديمة وربما من بينهم هؤلاء الصابئة الذين يسمع عنهم ولم يرَهم في حياته.
وهكذا تتشابه الأمكنة وتتشابه في تاريخها كونها كانت تمثل منذ القدم امتدادا حضاريا واحدا وكانت بلاد الشام والعراق تدعى (بلاد الهلال الخصيب)، حيث تتوالد الحضارات والديانات وتتصاهر فيما بينها وتكاد أن تعيد جذورها الواحدة إلى أبناء نوح سام وحام. لهذا ظل المندائيون يؤكدون على أن المندائيين ذوو معتقد واحد أينما حلت أمكنتهم حتى فيما بينهم صابئة حران وهذا أجادت فيه رؤية العالم العربي الكندي عنهم قوله كما ذكره أبن النديم في الفهرست:
(بان دعوة هؤلاء القوم كلهم واحدة وسنتهم وشرائعهم غير مختلفة وان قبلتهم واحدة فقد صيروها لقطب الشمال وقصدوا بذلك البحث عن الحكمة وان المفترض عليهم من الصلاة في كل يوم ثلاث ولا صلاة عندهم الا على طهور والمفترض من الصيام ثلاثون يوما وعليهم الغسل من الجنابة وتغيير الثياب ومن مس الطامث ويتركون الاختتان ولا يحدثون على فعل الطبيعة حدثا ويتزوجون بشهود وفريضة الذكر والأنثى سواء ولا طلاق إلا بحجة بينة عن فاحشة ظاهرة).
ولكن بعض العلماء المهتمين بالديانات الشرقية القديمة ومنها المندائية يؤكدون أن الترابط العضوي والاجتماعي والديني قائم بين صابئة حران وصابئة البطائح وهذا ما لا ينكره المندائيون اليوم. ويؤكده الدارسون كما يذكره العالم الألماني البروفيسور رودولف كورت في حوار معه ظهر في صحيفة الحياة بتاريخ 8 / 12 / 2004 قوله: ((هناك نصوص تشير إلى أن المندائيين الأوائل تعرضوا لاضطهاد اليهود، فتركوا سورية وفلسطين لاحقاً وتوجهوا عبر تلال الجزء الشمالي من وادي الرافدين إلى الجزء الجنوبي منه، ربما في رحلة استغرقت نحو 100 سنة وبدأت في القرن الأول الميلادي قبل أن يصلوا إلى جنوبي وادي الرافدين في القرن الثاني. بالتأكيد قد يكون هناك أفراد من بابل أو جنوب وادي الرافدين ممن اعتنقوا المندائية، لكن لا بد أنه كان هناك أشخاص آخرون على معرفة بالطقوس والتعميد قدموا من الغرب. وأظن أننا لا نستطيع تفسير كل ما يتعلق بالمندائيين من ميثولوجيا وثيولوجيا وأيديولوجيا وغيرها استنادا إلى أواني الأدعية وحدها. لكنها نظرية أو فرضية.))
هذا هو التصور العلمي والديني والتاريخي عن صابئة حران وهو مشابه لما كان العرب في اغلب عصورهم يتعاملون معهم دون أن يشيروا إلى مندائيي الجنوب العراقي إذ كانت حران تمثل في المدونات الشرقية منذ النهضة التدوينية في العصر العباسي المكان التاريخي والروحي لهذه الطائفة، وبالرغم من هذا ونتاج اقتراب حران من منابع حضارية ودينية أخرى كما أسلفنا لحق بصابئتها بعض سوء الظن والتفسير بالرغم من أن النصوص القرآنية في أكثر من سورة وآية بجعلهم من أهل الجزية كانت قاطعة وواضحة واتخذها بعض علماء الفقه والشريعة والتفسير نصوصا لا حياد عنها وغير قابلة للتأويل وإظهار القصد المختلف.

الدخول للتعليق