الأحد, 25 أيار 2014

ظاهرة انعزال المثقف المندائي التنويري

  موسى الخميسي

انعزال عدد من مثقفينا المندائيين، او عزلتهم سيان، فهم بهذه العزلة، يكرسون العمل الفردي في غياب الشروط التي يمكن أن يسود فيها الحوار بين المثقفين، وبين عامة المندائيين، إذ لا تتكون بين الطرفين، لغة خاصة أو اهتمامات مشتركة قابلة للتطوير والإغناء.
لكن العمل الفردي، مهما كانت نجاعته أو جديته عند هؤلاء المثقفين الذي يرومون المواكبة والاستمرار، يظل محدودا لأن التغريد خارج السرب يمكن بدوره أن يؤدي إلى العزلة وطغيان الكثير من الحساسيات التي شخصتها كتاباتهم ومواقفهم، في اكثر من مناسبة، وإن بشكل مختلف. إن هذه الحساسية تتخذ، هنا، مظهر التعالي والمكابرة، لتصل في احيان كثيرة، الى الإحساس بالتفرد، بمقارنة أصحابها أنفسهم بالذين يكتفون بإدانة الواقع المندائي بدل التفكير فيه، والانخراط الإيجابي في تناول مشكلاته.
تتجمع لدينا بذلك أشكال متعددة من الحساسية تصب مجتمعة في الانعزال والعزلة، كما نلاحظها عند عدد من الاسماء المهمة والفاعلة في العمل الثقافي والفكري في طائفتنا، ولذلك نجد مختلف فئات المثقفين، باختلاف حساسياتهم وبمدى انخراطهم في الواقع، يتبادلون اتهام بعضهم البعض بالاتهامات نفسها، وإن تعددت مواقعهم من التحولات الجارية. إن مصدر تلك الحساسيات، باعتباره من العوائق الذاتية، يعود في تقديري، إلى جانب أسباب كثيرة، منها على سبيل المثال ، عدم قدرة المثقفين، على خلق ما أسميه "المجتمع الثقافي"المرادف لشعار" المندائية عائلة واحدة"، أو بلورة تقاليد ثقافية قابلة للتحول السريع مع الزمن، وأن تستمروتتبلور رغم كل الطوارئ والتغيرات.
عندما نعود إلى فترات قريبة ماضية، عندما كان التفكير الجماعي منصبا على طرح أسئلة تتعلق بفهم الواقع المندائي بشكل خاص والعراقي بشكل عام، والفعل فيه، رأينا كيف أن "المجتمع الثقافي" بدأ يتشكل من خلال، مفاهيم وافكار، وتيارات فكرية تنويرية مهمة. وكان السجال على أشده بين مختلف هذه الطروحات التي شهدتها الساحة الاعلامية المندائية خلال السنوات الخمسة الماضية. وكان ذلك يتم من خلال الكتابة والإعلان عن المواقف الفكرية والأدبية بكل جرأة ومسؤولية. ومن نتائج ذلك ، تراكم فكري هام ، على اصعدة التجديد والتطوير والتغيير، تطلب ولا يزال القراءة والتحليل . وساهم ذلك النقاش في تطور الإعلام الثقافي المندائي، واثر بشكل جدي في تغير الكثير من الافكار والممارسات التي تخص الواقع الاجتماعي المندائي، وبروز اصطفافات ثقافية تعبر عن نفسها، من خلال خلق الأدوات الملائمة لذلك. ولقد لعب ذلك أدوارا هامة في خلق رأي عام ثقافي، يشترك في الهموم والقضايا التي تشغل بال المجتمع المندائي بصفة عامة. وأدى إلى خلق "جمهور ثقافي" يتابع عن طريق "القراءة' المواكبة" في المنابر المندائية ، وخاصة الياهو كروب المندائي ، حضور الفعاليات والأنشطة الفكرية الحضارية المتقدمة، وكل المستجدات التي مهدت بدورها، لخلق بؤر ثقافية جديدة، التزمت اغلبها بمبادى وقيم تنويرية جديدة، رغم العديد من الحساسيات والخلافات، كانت إلى حد بعيد تمثل قواسم مشتركة للانخراط والفعل الحقيقي في وحدة المندائية وسلامة مسيرتها الصعبة.
الآن، ظل العديد من ابرز مثقفينا ومفكرينا بمنأى عن المشاركة الفعالة لاطفاء ما يرونه من احتراقات جادة في الجسد المندائي . انفرط العقد الذي كان اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر، يشد لحمته يوما بعد اخر، وتشتت القوم شذر مذر. انقسمت كل هذه "الجسوم" المؤطرة للعمل الثقافي، وانتهت بالتدريج إلى الجمود والاختفاء وظل الفعل المنتج اسير ادراج هؤلاء، وساد التشرذم والانقسام من جديد الذي ظل مستمرا إلى أن صار الواحد يرى نفسه "جماعة" متميزة عن الآحاد والجماعات الأخرى. وصار ما يحدد العلاقات بين الفئات الثقافية المختلفة هو تبادل الثناء اوالهجاء، أو الاستدعاءات، وانحصرت ادواتنا في عملية النشر في مجال التعزية والمباركة، أي تبادل 'المصالح' المادية، أو المعنوية العائلية الضيقة. وصار الحديث الذي يتردد اليوم بقوة، عن "الشللية العائلية او العشائرية"، مرادفا آخر لـ" الحساسية" الثقافية التي برزت وفرضت نفسها بقوة خلال السنوات الماضية.
هذا الواقع الذي يجري في الساحة المندائية، يتبلور بوضوح شديد في المهاجر، فكل واحد يحاول أن يسهم لنفسه، ولوحده، في "صناعة" ابداعه بمنأى عن أي فعل ثقافي يتطلبه واقع الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين. وما الذهنية التي تحرك "المهاجرالمندائي "، سوى تلك التي تتشكل في الوطن الام.
إن غياب هذا الجمع من مفكرينا ومثقفينا في الوقت الراهن يعود بدوره إلى أسباب قاهرةعديدة، لان السكوت عنها اوتجاهلها ، لم يعد ممكنا، مع فارق جوهري، هو أن الكثير من الضغوطات التي تعرضت لها هذه الفئة المندائية المبدعة في السابق ، كانت تدفع إلى الإنتاج والانخراط الإيجابي، بغض النظر عن الآثار المترتبة عنها، لأنها كانت تستجيب، أو تتجاوب مع طموحات" أمل" بناء واقع جديد يعين على النهوض ويخيط ما تمزق في الجسد المندائي، فانخرط الجميع في الفعل الجاد والمثابر. لكن مع الزمن، بدأ العديد من ممثلي الاتجاهات السياسية التي فقدت ركائزها وامتيازاتها وتسلطها، تضغط بدون أي هاجس اخلاقي وطني أو ديموقراطي، لتفرض وصايتها وافكارها، من خلال معارك كلامية اتسمت في حالات كثيرة بروعنتها واسفافها ، وحتى فضاعتها اللااخلاقية. ولذلك غاب الفكر والبرنامج الثقافي قسرا وقهرا، فتشابهت اللغات والشعارات، وصارت المصالح الضيقة، هي السائدة على الروح الديمقراطية التي بنتها بجد فئة المبدعين المندائيين.
نحتاج الان ، انفتاح المثقف المندائي من جديد، وبشجاعة ونكران ذات، كما عهدناها سابقا عند هذا الجمع من مفكرينا ومثقفينا، نحتاج الابتعاد عن الحساسية والشللية والانعزال، نحتاج مراجعته وملائمته لمقتضى حاجاتنا، فبدونه ، لا يمكن للفعل الثقافي أن يتكون، لا يمكن للفعل المندائي ان ينجح هذه المسيرة المندائية الصعبة، والقاعدة تقول انه لا يمكننا أن نتغير ونتشكل باطر ديمقراطية حقيقية بدون مجتمع ثقافي، وطليعة فكرية وثقافية واعية.نحتاج افصاحكم ، وننحاز اليه في تحديد وجهة المسيرة المندائية، وصمتكم لم يعد جائزا، فكل سكوت هو تواطؤ، نحتاج مآثركم الفكرية، وحروفكم الذهبية، فلا هوادة، الا بموهبة الامل وسلطان الحرية.

اين تقضل انعقاد مؤتمر الأتحاد القادم

اوربا - 51.9%
كندا او امريكا - 14.8%
استراليا - 18.5%
العراق - 14.8%

Total votes: 27
The voting for this poll has ended on: أيلول/سبتمبر 27, 2016