• Default
  • Title
  • Date
السبت, 30 حزيران/يونيو 2018

ثُماني مندلسون اليافع

  ثائر صالح

كان فيلكس مندلسون – بارتولدي (1809 – 1947) طفلاً معجزة مثل موتسارت. اشترك في أول حفل موسيقي عام وهو في التاسعة، وألف بين الثانية عشرة والرابعة عشرة من عمره الكثير من الأعمال، بينها 12 سيمفونية للوتريات. نشر أول عمل له وهو في الثالثة عشرة. وهو مثل موتسارت، توفي في سن مبكرة اذ لم يتجاوز الثامنة والثلاثين، وتأثيره على الحياة الموسيقية لا يقل أهميةً عن تأثير موتسارت. فقد أسس وقاد حتى وفاته واحدة من أشهر الفرق الموسيقية وهي فرقة جيفاندهوس في لايبسج، وكان أول قائد اوركسترا معاصر بالمعنى الحقيقي. يعود الفضل له في اعادة اكتشاف موسيقى باخ بعد تقديم أهم أعماله سنة 1829 وهو في العشرين من عمره.

ألف عمله ثماني الوتريات في مي بيمول الكبير وهو في السادسة عشرة، وبعد سنة ألف عمله الشهير حلم منتصف الصيف استنادا الى مسرحية شيكسبير الشهيرة، وهذان العملان هما أشهر أعماله "الطفولية" ويؤشران بداية مرحلة النضوج الفني عنده. يقول الباحثون والمؤرخون الموسيقيون الذين درسوا أعماله أنه لربما قد فاق موتسارت في سرعة تطوره الفني. إذ لا نعرف في تاريخ الموسيقى مؤلفاً آخر في هذا العمر كتب عملاً موسيقيا ناضجاً لهذه الدرجة مثل ثماني مندلسون، حتى موتسارت الذي بدأ يؤلف في سن أبكر، لم تكن أعماله الطفولية في هذا المستوى الفني الناضج.

أنجز مندلسون كتابة الثماني الوتري في 15 تشرين الأول 1825 كهدية لاستاذه معلم الكمان ادوارد ريتس. لاحقاً أجرى بمناسبة العرض العام الأول في 1836 تعديلات طفيفة عليه. هذا العمل الجميل مكتوب لرباعيين وتريين (أي أربعة كمانات وأثنتين من الفيولا ومثلهما من التشلو). هذا التوزيع جديد لحد ما في ذلك الوقت. فثماني بيتهوفن للهوائيات (1792) نشر بعد وفاته في 1827، وكتب شوبرت ثماني في 1824 لرباعي وتري اضيف اليه كونترباص وكلارينيت وهورن وباسون. وحده لويس شبور (1784 - 1859) كتب رباعية وترية مزدوجة سنة 1823، لكنه تعامل مع الأدوات كرباعيين وليس كفرقة موحدة من ثماني أصوات مثلما استعملها مندلسون في عمله.

يبدأ العمل بلحن متسامي يحلق ويطير (على مدى 3 اوكتافات أو دواوين) قبل أن يعود الى الأرض ليبدأ اللحن الثاني الذي يسير بمدى صغير لا يزي عن بضعة نغمات صعودا ونزولاً. هذان النمطان من الألحان هما المدخل للمبدأ الذي استعمله المؤلف في هذا العمل.

الحركة الأولى في شكل السوناتا (عرض – تفاعل – إعادة – ختام أو كودا). الحركة الثانية أكثر استرخاء، ليس لبطئها فحسب، بل لتوزيعها الجميل والابتكار الذي تحتويه، فهي مثال ناصع للموسيقى الرومانتيكية قبل أوانها. الحركة الثالثة (سكرتسو) أكثر أجزاء العمل شهرة، وتقدم أحيانا من قبل اوركسترا كاملة منفصلة. سريعة وخفيفة، خافتة، كحلم من الأحلام. الحركة الأخيرة مدهشة بتنوعها الشكلي (القالب) وحركتها وديناميكيتها وبنائها. نجد فيها عناصرا من الحركات السابقة في استعادة ونظرة الى الوراء قدمها لنا مندلسون بعنفوان الشباب وحيويته.

×××××××××××××××××××××××××××××× ×××××××××××××××

 

هايفتس، بيكر، بلنك، ستيبانسكي (كمان)، بريمرز، مايفسكي (فيولا)، بياتيغورسكي، رَيتو (تشلو) في تسجيل من 1961:

https://www.youtube.com/watch?v=KrITNrgQHuE

 

 

في رحاب الموسيقى

Thaier Salih

 

مقالة أسبوعية (كل سبت)
بقلم ثائر صالح

 

شرعت في كانون الأول 2010 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.

ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.

قراءة المزيد