• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 28 تشرين1/أكتوير 2018

الأغنية بين ذي قار وميسان

  قاسم حربي حبيب

 

الجزء الأول
الغناء في جنوب العراق الذي يطلق عليه الغناء الريفي فهو متنوع الاطوار والالوان والأداء.المحمداوي لون غنائي ريفي مختص بمدن وريف محافظة ميسان، يغنى على مقام( نغم) الصبا، يغنى بعدة اساليب منها المحمداوي الساعدي ويغنى من بحر الموشح ويسمى ايضا أبو انخيلة وينسب الى عشيرة السواعد وهناك لون ( الذب) ولون (الواجف) ولون ( الكحلاوي) ولون الفالحي ولون (الدارج) وهنا الوان غناها المرحوم جويسم كاظم بطريقته الخاصة ولون سيد محمد النوري ،ومعظم اشعاره ذات سبعة ابيات من شعر الزهيريات. وهنا نشير الى هذا النوع من الشعر اول من كتبه هم الشعراء من العائلة الزهيرية، لكن لم يعرف متى وكيف ،ومن شعراءه هو ملا جادر الزهيري،الفنان والمطرب والشاعر والذي تتلمذ على يده الفنان الراحل حضيري ابو عزيز، كذلك من ابدع من كتب الزهيريات هو الشاعر الكبير ملا زاير.بالاضافة الى البستة الذي كانت تغني بعد فصل من اداء احد او اطوار الابوذية والمحمداوي . اما البستة ،فلها مغنوها الخاصون امثال الفنانة الكبيرة الراحلة مسعود عمارتلي.
اما الابوذية ذات الاربعة ابيات شعرية فاكثر محافظة غنى مطربوها عشرات الاطوار هي محافظة ذي قار بكل مدنها وريفها.
الطور يعني طريقة او اسلوب يعني به المطرب والذي يجب ان تتلائم مع طبقته الصوتية والشعر الملائم لهذا الطور.. يغنى الابوذية على احد النغمات او المقامات كالنهاود او الحجاز او البيات. الخ.. فلو اخذنا طور الصبي والذي يعني علة نغم النهاود مثلا. فهذا يحتاج الى مطرب بطبقة التنر (Tenor) الرجالية ويجب ان يمتلك المؤدي مساحة صوتية للصعود والنزول الاوكاتفات, بالاضافة الى نفس طويل.. الكثير من غنوه لكن حسب امكانياتهم وطبقات أصواتهم, لكن من اجاد هذا الطور بشكل دقيق هو المرحوم ، حسن داوود. ولهذا تجد الملحن عندما يلحن اغنية, يعني ان هذا اللحن وهذا النص الشعري يتناسب مع صوت المطرب الفلاني لكل يعطي الاداء حقة وجماليته.
عادة هذه الاطوار تسمى باسم مغنيها او اسم المنطقة او المدينة مثل طور الشطراوي نسبة الى مدينة الشطرة وطور الحكيمي نسبة الى الفنان ناصر حكيم, اذ كان في السابق هو المغني وهو الملحن اي غناء طور واحياناً كثيرة هو الشاعر, لما يلائم صوته..
مع الاسف اختفت كثير من هذه الاطوار بسبب صعوبة الاداء, اذ كان المطرب في السابق يعتمد على امكانية صوتيه حيث لاتوجد اجهزة تكبير ومعالجات الصوت مثلما موجودة حاليا. ويقال لو غنى المرحوم شخير سلطان , فان المكان يرتج من شدة صوته وعذوبته..

لم تدون الاغنية العراقية الا في بداية القرن العشرين ،بعد دخول الانكليز للعراق بعد ان كان تحت السيطرة العثمانية . وكذلك ان اجهزة التسجيل لم تكن معروفة آنذاك إلا بعد اختراع توماس الفا اديسون، مخترع المصباح الكهربائي، الذي اضاء البشرية جميعاً ، لجهاز الكرامافون ،هذا الاختراع العظيم الذي سجل من خلاله تراث الاغنية العراقية, فأول شركة دخلت العراق هي شركة بيضافون ما بين 1924-1925 وهي المانية الاصل مقرها في بيروت, للأخوين بطرس وجبران بيضا. ثم شركة هزماسترفويس. كان التسجيل ميكانيكي يعتمد على ذبذبات الصوت وبطريقة الترسيب النحاسي للمسودة ثم طبع الاسطوانة التي يطلقون عليها, الشمعية او القيرية والتي لا يتجاوز وقت التسجيل للوجه الواحد من الاسطوانة سوى خمس دقائق وبسرعة 78 دورة بالدقيقة. جهاز التشغيل الكرامافون عادة هو ميكانيكي فكان يدار باليد ضمن منظومة نوابض ،كذلك لم تكن هناك مرشحات او معالجات للصوت مثل ما هو موجود حاليا. مع هذا فانه يعتبر التوثيق الاول لأساطين الغناء العراقي. اما الفرقة الموسيقة التي رافقت المطربين آنذاك فتتكون في كثير من الاحيان من صالح الكويتي عازف كمان واخيه داوود عازف عود، فهما ملحنان وعازفان، عزوري العواد ،عازف عود، يوسف زعرور ،عازف القانون، يهودا شماس عازف ايقاع، عيسى حويلة شاعر وعازف ايقاع . وسجلت هذه الشركات للعديد من المطربين آنذاك امثال رشيد القندرجي ومحمد القبانجي وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم والقائمة تطول وكانت الشركات تبحث عن الاشخاص الذي هم فعلا فنانون وذوو قابليات ممتازة ومنهم رائد البستة والاغنية العراقية مسعود العمارتلي..

الجزء الثاني

مطربون خالدون
1-رائد البستة والاغنية العراقية مسعود العمارتلي

تلك الامرأة الثورية والمتمردة على جور الاقطاع والظلم .فاذا كتب الشاعر جميل صدقي الزهاوي قصيدته:
اسفري فالحجاب يا ابنة فهر هو داء في الاجتماع وخيم
فان مسعود كتبت ولحنت وغنت العشرات من الاغاني تجاوزت الستين وكل واحد لها لونها ولحنها الخاص ،ومنها هذه الاغنية الجميلة التي دعت للنساء من التحرر:
ذبي العباية وسوي علي احسان ( يمكن الاستماع على اليوتيوب)
https://www.youtube.com/watch?v=cvy_vSSQSbM

وفي عام 1919 الفت وغنت مسعود اول اغنية سياسية في مقاومة الاحتلال الانكليزي للعراق وكان عمرها لم يتجاوز الثالثة والعشرين ومطلعها:
خانة يخوانة
الحلو. الشهم من سرفن اردانه
لاجت اجخير وهيسي
ذبوهه على اليردي
انطلج مرته اللي يجفي
أغم أنبدي فنجانه
الحلو من سرفن اردانه
( لم تسجل هذه الاسطوانة مع الاسف).
مسعودة ،هي التي تنازلت عن انوثتها ولبست الكوفية العقال وطالست الرجال ،مسعود صاحبة الصوت الجميل العذب بطبقة الالتو ذي البحة الجنوبية. مسعود خامة صوتية نادرة بطبقة الالتو , هي المغني والملحن والشاعر في اغلب الاحيان. كل اغنية تؤديها يختلف لحن الواحدة عن الاخرى.. كلمات بعض اغنياتها تتجاوز الوصف برغم من فطريتها .. فعدما نقول ( تراه الموت مايعرف خطية)، فاي وصف هذا . غنت مسعودة وسجلت لها اكثر من ستين اغنيه، وهي على شكل ( بستة) وقد شاركها بعض المطربين من جيلها مثل حضيري ابو عزيز وحريب صنكور وعيسى حويلة ببعض التسجيلات آنذاك, انها مدرسة الاغنية الحديثة والتي راح يقلدها بعض المطربين الشباب مثل مهند محسن وصلاح حسن واخرين.
ملاحظة: 1-عند الاستماع الى اغاني مسعود تجد ضرب الاصابع والمطقة (المطكة) مشارك للايقاع .. هي للراحل المطرب حضري ابو عزيز ..2- يذكر اسم ,بدرية, في اغاني مسعود ويقصد بها اسم المطربة الراحلة بدرية انور).
https://www.youtube.com/watch?v=Qj6NsRWJ-no

https://www.youtube.com/watch?v=hhDfGEQDvKw&t=97s

يمكن الاستماع اليها من خلال اليوتيوب

2-ثنائي جويسم كاظم وكريري محمد السلمان:
بدعوة من الجمعية الثقافية المندائية في لوند للشاعر الكبير مظفر النواب في 28/6/200 في مدينة لوند السويدية ثم تلتها في اليوم التالي يوم 29 حيث الشاعر مظفر عن تجربته الشعرية في مدينة مالمو السويدية.. حضرها جمهور عراقي غفير آنذاك.. وقد تعرض لسؤال من احد الحاضرين..
- كيف تعلمت المفردات اللهجة الجنوبية وانت ابن مدينة بغداد/ الكاظمية؟؟؟
- اجاب مظفر : تعلمت من جويسم كاظم وكريري وسيد فالح في خمسينات القرن الماضي عندما ذهب الى مدينة العمارة وتعرفت عليهم وعشت معهم..
فمن هما . جويسم وكريري؟؟
انهما ابناء محافظة ميسان...
هو جاسم كاظم الهليجي تولد في ناحية الكحلاء 1910 وتوفي 1990 وكريري محمد السلمان تولد ناحية الكحلاء قرية المعيل. تولد 1907 وتوفي 1986,, لا يذكر اسم جويسم والا ويكون معه كريري
جويسم كاظم يمتلك خامة صوتية نادرة يؤدي طور المحمداوي بلونه الخاصة ولهذا تجد صعوبة من يقلده، واحيانا يعني بطريقة صديقه سيد فالح وتسمى باللون ( الفالحية). كذلك بطور الثية وغيرها من الاطوار لكن بشكل محدود جدا. اما كريري فهو يجيد البستة فقط, فهو يرافقه بإيقاعه الخاصة وهي( الصينية ) بعد ان يضع مسبحتة بها...جويسم يغني ويندمج ويتفاعل مع الطور ويدخل مرحلة التجلي محركا راسه يمينا وشمالا منفعلا.. تشعر وكأن شيئاً يثور او ينفجر بداخله يصف هذه الحالة الشيخ محمد العريبي حين يسمعه بعبارة: :" چن المضيف تبربد عَلَيْ".. وتبربد تعني انهار او سقط. وعندما يصل الى الذروة , هنا يقاطعه زميلة ذو الصوت الرخم( قرار) الجميل كريري ببستة وكأن فرقة انشاد كاملة تنشد حينها يتوقف جويسم وتخمد ناره.. ويختم بعض الاحيان كريري بكلمة( مجعة) اي رشفة من كاس المشروب.. بطريقة مبهجة..
جويسم انينه يتفاعل مع انين طيور البراهين في هور الدبن الموحش . يتقاسمان الحزن السومري
من بعيد بعد ان يحبس أنفاسه ثم تنطلق احاسيسه المرهفة .
للاستماع على اليوتيوب
https://www.youtube.com/watch?v=X39IAp5-EIQ

https://www.youtube.com/watch?v=oCl28Fu8Ku4&t=2s

3-خضير حسن( مفطورة) ناصرية
من ارض مدينة الحرف الاول ، ارض الحضارات . سومر واكد، ذي قار.انجبت كوكبة من الفنانين والمطربين وغنت اطوار متعددة من الابوذية حتى تجاوزت العشرات ،هذه الاطوار الذي تحمل الحزن السومري ،حزن كلكامش على انكيدو،والذي انتقل الى كل مدن العراق. فالعديد من هذه الاطوار والألوان ا الغنائية اندثرت. بسبب صعوبة ادائها لأنها تمثل حالة شخصها ومبدعها، فالاغنية تعتمد على الامكانية والمساحة الصوتية للمطرب وكذلك الانتقالات في طبقات الصوت وشدة الصوت وروحيته وجماليته اي يمتلك ( ميلودي ) خاصا به , فمثلا عندما نسمع اغنية بصوت داخل حسن ( قرار) بتلك البحثة والشحن الجنوبي( الحسجة) تراها تختلف عما يؤدي حضيري لطور او لون اخر.. هذه ميزات الابوذية العراقية والتي ينفرد بها العراق ، بهذه الالوان، عن سائر شعوب الناطقين باللغة العربية وكما وصفها الموسيقار الكبير ، محمد عبد الوهاب، عندما قال: كل الاغاني في الدول العربية تدور في فلك الاغنية المصرية، عدا الاغنية العراقية فلها فلكها الخاص.
ولنتحدث عن واحد من اساطين اغنية الابوذية العراقية وهو خضير حسن والذي يلقب بأسم امه، خضير مفطورة، ذات الجبلي،بطور الشطيت، من شطط،اي انحرف عن مساره، فهو طور صعب يغنى على نغم البيات، بسبب الانتقالات السريعة صعودا ونزولا وكذلك مخارج الكلمات والمفردات ، فهو غناء فطري , يعتمد على امكانياته الصوتية، بالعديد غنوا هذا الطور، لكن بقوا في مجال اطاره، عدا الفنان الراحل ستار جبار قد اقترب الى روحية خضير حسن
خضير عندما كان يغني كان يمسك باي حائط منفعلا , معبرا عن آلامه تارة بفراق حبيبته وتارة من ظروف حياته التي يعاني من بؤسها وآلامها. وفي احد التسجيلات له وهو يسجل بستة( وانهدم بية وامشي على جالي الكوت) ، نسى النص بسبب انفعالاته ، لولا وجود الراحل حضيري ابو عزيز لإنقاذه الموقف وراح يغني معه ، وهذ ه تعتبر من جماليات التسجيل والابداع.. سجل خضير تسع اسطوانات وقد فقدت منها اثنتان .. توفي في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي.
بالرغم من رداءة التسجيل بسبب قدم الاسطوانات وتعرضها لنوع من التشويش والتلف , الاستماع لهذا الفنان العملاق ،خضير، بطور الشطيت، طوره الخاص.
https://www.youtube.com/watch?v=aN8qGj02rWc

https://www.youtube.com/watch?v=rKKZRgAti_c

https://www.youtube.com/watch?v=NmzFzk3ad28

 

 

في رحاب الموسيقى

Thaier Salih

 

مقالة أسبوعية (كل سبت)
بقلم ثائر صالح

 

شرعت في كانون الأول 2010 بكتابة مقالات اسبوعية عن المقطوعات الموسيقية التي أحبها، والتي أود أن يشاركني متعة الاستماع اليها أصدقائي ومعارفي متذوقي الموسيقى والمجموعة المندائية على الانترنت الياهو الذين أرسلت اليهم هذه الكتابات القصيرة بهيئة رسالة بالبريد الألكتروني. ثم اتفقت مع صحيفة المدى البغدادية على نشرها كزاوية اسبوعية في صفحة ثقافة، فأصبحت لي زاوية صغيرة فيها بعنوان موسيقى السبت منذ خريف 2011.

ولا أخفي سروري لهذه الفسحة في النشر والتوسع في نشر هذه الكتابات القصيرة المتنوعة، إذ أعتبر هذا مجهوداً بسيطاً أُسهم به في إشاعة مفاهيم الجمال ومقاومة انتشار القبح والسطحية والفن الركيك مقابل تراجع مساحة الفن الرصين في كل المنطقة العربية. وقد سعيت إلى أن تكون هذه الكتابات واضحة وبسيطة، وتحوي أقل قدر من المصطلحات الموسيقية التخصصية التي حاولت شرحها بطريقة مبسطة ومفهومة. وقد استعملت في كتاباتي التسجيلات الموسيقية الموجودة على الانترنت، وبنيت هذه الكتابات حول الأعمال الموسيقية المتميزة.

قراءة المزيد