• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الأربعاء, 05 شباط/فبراير 2014

أحلامٌ لأفراخِ القَطـا

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

إليه أقدّمُ هذه السطورمعلمٌ غيورٌ زرع بصبر و نكران ذات الفكرَ و الكلمة بين قصباتِ الهور و مياهه ... ثوري صُلب لم يرَ في ظلمة السجون و حلكتها سوى العَتمة التي تسبقُ الفجر ... لوالدي المناضل و المربي خيري يوسف الحيدر في ذكراه السادسة عشر

فُتح البابُ الثقيلُ مُصدِراً صريراً حاداً ، أيادٍ قويةً تدفعه بشدة ؛لينطرحَ بوجهه على أرضيّة رطبةٍ نتنة ، لم يتبين طبيعة المكان الذي تفوحُ منه روائحُ البولِ و العفن ، لحظات ثقيلات تمرُّ قبلَ أن تعتادَ عيناه العَتمة ... زنزانةٌ ضيقةٌ تلفهُّا ظلمةٌ حالكةٌ تجعلها كمدافن الموتى ، ليس فيها من شيءٍ يربطُها بعالمِ الأحياء سوى كوة صغيرة في أعلى أحدِ جدرانها لايستطيعُ حتى الطير النفاذ منها ، يمرُّ خلالها خيطٌ واهٍ من الضوء ،و نزرٌ يسيرٌ من الهواء يُبقيان المقبورين فيها مُعلقينَ بهامش الحياة . أجسادٌ ممسوخةٌ مُلقاةٌ هنا و هناك ، يتسرّبُ منها أنينٌ خافتٌ لا يكادُ يُسمعُ هو كلُّ مايُشيرُ بأن ما أحتوته من قلوب لازال فيها شيئٌ من نبضٍ ... عيونٌ مفقوعةٌ ، أصابعُ مقطوعةٌ لم يتوقفْ نزيفُها ،و ظهورٌ سلختها السياط تركت فيها أخاديدَ غائرةٍ ، إخضّر لونُها بعد أن أصبحت معاقلاً للدود و الطفيليات .... زحفَ ببطءٍ حتى أسفل الكُوّة موجهاً بصره إليها كأنه يُريدُ إستقبالَ صورةَ الصباح.
مع بزوغِ أشعة الشمس مُعلنة بداية يومٍ جديد ، أنسلَّ الصِّغارُ بتثاقل واحداً تلو الآخر مثل طابور أفراخ القطا إلى غرفة الدرس التي تعبقُ بشذى زيتِ السمسم المُنبعث من بضع قناديلَ موزعةٍ في أركانها ؛ ليجدوا بأنتظارهم مُعلمهم (أيلوشوما) قد سبقهم إليها ، مُنهمكاً بإعدادِ ما يحتاجه تلاميذهُ من ألواحِ طينٍ نديةٍ و قُصيباتٍ ناعمةٍ تلائمُ أيادٍ غضةً بدأت التمرس لمسك سلاحها منذُ الآن . إتخذ كلٌّ منهم مكانه جالساً على الأرض النظيفة المفروشة بالحصائر خلف لوحته الخشبية المعّدة للكتابة على ألواحِ الطين ... مع أبتسامة صغيرة عطوفة، بدأ الدرس بذكر بضعَ كلماتٍ، كان على تلاميذه رغم عيونهم الناعسة ترديدها خلفه ثم نقش علاماتِها المسمارية على ألواحهم ... (شين .. شمس) ، (حاء .. حقل) ، (واو .. وطن) .... لم يُكمل بقيةَ الكلمات ، حيث غلب النعاسُ أحد الصغار؛ لتسرقه غفوةٌ عميقةٌ و هو متكأٌ على الجدار ، لكزه زميلهُ برفقٍ بعد رؤيته المُعلمَ مُحّدقاً فيه ، ليجفلَ عندها صائحاً مع الباقين (وطن .. وطن).
الصريرُ العالي يُعلنُ فتحَ مدخلِ القبر ، حارسان ضخمان بوجوهيهما المُكفهّرين الميتين يوقفاه ثم يقتاداه معصوبَ العينين ، شبكةٌ من الدهاليز ، متاهةٌ لايُعرفٌ كيف تبدأ أو أين تتجه ،لكنها تنتهي بغرفةٍ واسعةٍ مضاءةً بمشاعلَ يتطايرُ منها الشرر ، كأن نيرانَها جُلبت من مواقد الجحيم ، جدرانُها ملطخةٌ بالدماء ، تدعو من يراها للتقيء ، إمتلأت بأدوات القتل و الإنتقام ، من كل شكل و نوع ، عند طرفِها طاولةٌ صغيرةٌ جلس خلفَها رجلٌ ذو سحنة بعيدة عن أشكال البشر و هيأتهم ، واضعاً قدميهِ عليها لاهياً بخنجرٍ عريضِ النَّصل ... : (أأنت المُعلمُ الأبلهُ أيلوشوما؟) .. لم يُجب .. أنهالت عليه الصفعاتُ و الركلاتُ من كلِّ صوبٍ ؛ لتُسقطه على الأرض ... (أجب أيها الجرو ... تعّلم عندما تُسأل ،عليك أن ترد) ... بقى على صمته مكتفياً بنظره لذلك السفاح ... (يقولون أنت من تكتب تلك الألواح المسمومة التي تُوزعُ بين سكان المدينة) ... لم ينتظر الأجابة ، كان قد أعّد قراره سلفاً ، فقط أشار برأسه الأشعث لأولائك المهووسين بلغة البطش ... رُبطت يداهُ بأصفادٍ غليظة الى أحدى الزوايا ، لتنهال عليه السياط اللاهبة دون توقف أو رحمة جعلت من ظهرهِ لوحة إحتوت على كلِّ فنون الحقد و الكراهية ... لم تصدر منه صرخة ، لم يبدِ وجعاً ، عدا بضعُ رعشاتٍ على وجهه رافقت صفير الضربات اللاسعة .... لم يمضِ وقتٌ طويلٌ قبل أن يبتعدَ عن عالم الشعور ، سُحل من قدميه كأسدٍ ذبيح تنهشُه كلابٌ جائعة ؛ ليجد نفسه مُلقاً في تلك الحفرة الدهماء التي غدت مع تدفق الأيام و ديمومة صنوف الألم مسكناً مُستديماً له و لأمثاله من المُبتلين بعشق الحقيقة ...... توقفت الأرضُ عن دورانها مُعلنة أفول الحياة و خضوعها لشياطين الفناء ، ضاعَ منه حساب الزمن ، نسى معنى الليل و نقيضه النهار ، فقد أحساسه بالوقت ، لم يعد يعرف شيئاً عن مسيرة الأيام و ساعاتها إلا من تناقصِ أصابعِه و أسنانهِ واحداً تلو الآخر ، بعد أن أصبحت قوتاً يوميّاً لسكاكين الجزارين و هراواتهم.
(من يكسر قصبته سأجعله يبقى في غرفة الدرس حتى اليوم التالي) قال ذلك ممازحاً تلاميذه ، ليحثهم على العناية بأدوات كتابتهم ... (القصبة ليست مجردَ قطعة خشب جوفاء صماء أُنتزعت من بين أحراش الطبيعة ، هي أداتنا و وسيلتنا التي بها نعبّرُ عما مايدور في فكرنا حين نعجزُ عن النطق بالسنتنا ، بها نتغزلُ بالطبيعة ؛فكم هي ساحرة و نتمنى للحياة أن تبقى حلوة ، لكن بها أيضاً نقول للغراب أنه أسود و لا للذين يسحقون الزهور ليبيدوا الربيع) ... حركة سريعة يهشّمُ بها أحدُ الصغار قصبته على لوحته الطينية .... مفاجأةٌ لم ينتظرها (أيلوشوما) و لم تكن ضمن حسابات حديثه ... (أنا يا معلمنا أريدُ أن أبقى هنا طوالَ الليل .... أريد أن أبقى كي أتمكن من قراءةِ جميعِ الألواحِ الموجودة في الغرفة التي كتبت بها كلامك الجميل).
رشقةُ ماءٍ آسن تجعله يستفيقُ بصعوبة ، كما هو الحال دوماً بعد كل محطة من محطات الصبر ، سير به مترنحاً ، ليس لساقيه من قدرة على حمله ، سالكاً الممرات السوداء المؤدية لتلك الغرفة التي أعتاد تجرع طعام العذاب فيها ، نفسه الذئب الدميم في كل حين ... نظر اليه هذه المرة بعيون حمراء جاحظة أخذ السُكر مأخذه منها ، ليرد عليه بوقفةٍ ملؤها التحدي ، همهم بفم مترهل تسيل منه قطرات اللعاب و الخمر بضع كلمات غير مفهومة ، تبادلت نظراتهما لغة خاصة لايفهمها سوى القتلة و خصمهم الذي لايعرف معنى الخنوع ... (ألا يُخيفك شبحُ الموت؟) ... (هيهات أن يُخيف الموتُ صانعي الوجود) .... صرخ بصوتٍ مرتجفٍ مُعلناً عجزه و أستسلامه لذلك الكائن المُمزَّق الذي تمكنت مخالبُ الوحوشِ من سلبه كلَّ شيء إلا الكبرياء و بذرة الحلم ... (أقطعوا رأس هذا الصعلوك) ..... تأبطه أثنان من السيافين ؛ليذهبا به الى الموت ، قوةٌ غريبة تملكته جعلتُه منتصبَ الجسدِ شامخَ الهامة ، أخذ يمشي بثبات سابقاً أقدام جلاديه رغم ثقل أغلاله ، كأنه ماضي بدرب أنعتاقه الموعود ، أعتلت وجهَه أبتسامةٌ أخذت بالإتساع مع كلِّ خطوة يخطوها نحو الخلود ، لم يعد يرى أو يسمعُ شيئاً ، غيرَ مبالٍ بكلِّ ما يدورُ حوله ، كما لو أنه سافر الى أكوان و عوالم أخرى تصدحُ بضحكات الأطفال ، مُحلقةً بين ثناياها حمائم بيضاء ؛ ليذهب بفكره و خياله في هذه اللحظات الرهيبة بعيداً بعيداً ، حيث البقعة الجميلة التي أحبها و وهبها سنين عمره ، لتلك الغرفة المفروشة بالحصائر ، و قد جلس فيها أولائك الملائكة الصغار بعيونهم الناعسة ، مُمسكين قصيباتهم الناعمة ، مرددين بأصواتهم العذبة (شين .. شمس) ، (حاء .. حقل) ، (واو .. وطن) ...و(إ

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014