• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الجمعة, 14 شباط/فبراير 2014

أم الزين

  جمال حكمت عبيد
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كانت تفترش ارض حجرته ، ورداء النور الأبيض يلفُّ جسدها النحيل ، والسهاد قد كحل عينيها واحتضارها كان عنوان ليلتها .    

- جاهزة لإستقبال ربها وعيناها تنظران إلى آخر الغرفة حيث سريره المفروش المغطّى باللحاف الأحمر، وقد طرّزت اسمه عليه بورود صفراء ناعمة ، وعبق الرائحة الزكية يفوح من حجرته التي فرشت بها فراشها منذ سنين مضت ، وهي ما تزال تنتظر رجوعه اليها يوماً ما ، ونبضات قلبها تلتعج صبراً وحزناً ، وصدرها يعلو ويهبط بأنفاس متباطئة وهي تنادي على إبنها أين أنت يا قرة عيني..لا أريد الموت قبل أن اراك.

 

- نادت باِسمه وهي تلتفت بوجهها بهدوء تفتش عنه بعينيها حول الحجرة و نحو سريره الذي تركه منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً.. ثمّ صاحت بصوت خافت: متى يأتي لرؤيتي؟ لقد وعدوني بعودته واطلاق سراحه..بينما كانت عيون أولادها تترقرق بالدموع وهم يسرقون النظر إليها...والأمل ما زال يحذوها بعودته ، بعد أن حصلت قبل خمسة عشر سنة على طرد حكومي فيه ورقة مطبوعة كتب عليها (سوف يعفى عنه ...ويعود إلى أهله بعد شهر)..احتفظت بتلك الورقة كل تلك السنين ، وجابت بها أروقة الدولة متحدّية أصعب نقاط الحراسة والتفتيش ، غير خائفة من جور السلطان وبطانته ،

تطالب بها السلطات أن لا تنكّص عن وعدها والوفاء بما ورد بها والرحمة بإطلاق سراحه أو لقاء يفرح قلبها وتسرعيناها برؤيته ، وكم تحملت أيام البرد والحر وهي تجوب عليه كل سجون الظلم  ودوائر الأمن علَّها تعثر على رجل طيب يرشدها ، ويملأ صدرها فرحاً .

 لقد دخلت العقد الثامن من عمرها ،  وعجز قلبها وسبلت عينيها وضعف بصرها ، كانت تكافح بإبقاء نوراً صغيراً في عينيها كي ترى به ابنها اذا عاد؟ . ومنذ ذلك اليوم تفترش أرض حجرته وتُطّيب العطر بفراشه ولا تنام بدون عطره الذي كان يستخدمه فهو حاضر غائب معها.

 - وهي منذ يوم اعتقاله صار الناس يسمونها (أم الزين) .

- أمّا أبوه الرجل العجوز الطيب ذو الحاجبين الغليظين واللحية البيضاء الطويلة ، كان يتوضأ الفجر متلفّعاً رداء ألنور الأبيض وإكليل السماء فوق رأسه ؛ يصلّي لزوجته وابنه مبتهلَا يتضرّع لله عسى أن يرحمهم..

فهو مؤمن وكان الأب الروحي بعرفه الديني لكثير من البنات المندائيات وكم تمنّى أن يكون أبَا روحياً لزوجة ابنه اذا افرج عنه وتزوّج .

 

- فجأة بدأت تدندن بينما كان الجميع ينطرون احتضارها ، وكلمات دندنتها خافتة ...كانت تلك الكلمات سلوتها وهي تتذكر ابنها وترددها دائماً حينما سمعتها لأول مرة و صدى كلماتها  كان يخرج من غرفته ويسرق سمعها وهي تقترب من باب غرفته (اليمشي بدربنه شيشوف يا أبو علي لو موت لو سعادة..وأحنّه دربنه معروف يا أبو علي والوفه عدنّه عادة ) . وأُخرى(بهيجة يمّه شيلتي  دكّومي خيطي ثوبي..شو جنّه  ليلة عرس تتمايل زلوفي ) .. يومها كان جالس في غرفته مع رفقائه وهم يتغنون بها.. وسألته بعد خروج رفقائه عن أبو علي  ألذي كانوا يغنّون له وعلاقته ببهيجة ، هل هو  زوجها ، وماذا جرى في ليلة زواجها وهل تخاصم معها ؟.

 

- علت قهقهته وحضنها بيديه وضمّها إلى صدره وقبلها من رأسها المغطَى بفوطة (ألبريسم ) السوداء ألتي زينتها ( بقطعة دبوس ذهبية منقوشة كحبّة اللّوز وفي وسطها قطعة من حجر الفيروز الأزرق ) ، ثمّ سحب رأسه وصار يقبل جبينها الأبيض ألنوراني وكأنه لوحة رسمت في وجه قمري أضاء عتمة الليل ، ونزل به على يدها يقبلها وهو يقول لها :الله لا يحرمني منك يا أمي ، وهي تبتسم وتملأ صدرها برائحته..ثمّ روى لها حكاية الأغنيتين واستحلفته أن يغنيها لها كلّ يوم وغنى لها الأغنيتين ايام وايام إلى أن حفظتهما عن ظهر قلب ، وفرحت وصارت  سلوتها ؛ وقد اعتادوا أولادها على سماعها منها ، وكانت دائما تدندن بهما ايام أفراحها وأحزانها.

كان ضوء الصبح قد أحاط وجهها بهالة ملائكية مضيئة وملأ سريره البعيد الموضوع بالقرب من الحائط عند النافذة ،

نهضت على اثره بدون أن تشعر وعينيها ترنو إلى السرير.

- قامت وتركت فراشها واتّجهت إلى فراشه وهي تدب بخطواتها كأنها تسير في موكب ملائكي..وصلت إلى سريره دون عناء وورقة اطلاق سراحه بيدها وقد ضمّتها على صدرها .

 

- اغتبطوا  ابنائها وفرحوا بحركتها هذه وابتهلوا لله.. لقد شفاها بمعجزة !!

وأرادوا أن يقتربوا منها لكن أبوهم منعهم وقال لهم اتركوها مع اِبنها..وصلت إلى سريره وأخذت تتلمس لحافه  الأحمر براحة يدها ، وجلست عليه وبدأت تدندن بأغنيته (يا أبو علي لو موت لو سعادة..بهيجة يا بهيجة شو جنّه ليلة عرس ..)

 

ثمّ  فتر صوتها وصارت تغمغم بكلامها فلم يعد يفهم .. ورقدت على سريره و ابتسمت وهي مستلقية ، سحبت يدها ببطء من فوق صدرها وهي ماتزال ماسكة بالورقة وكأنها تمسك برمقها الاخير ..لحظة و سقطت من يدها الورقة التي احتفظت بها منذ سنين وتهاوت الورقة على الأرض ؛ فقد اِصفر لونها وتآكلت حروفها ولن يبقى بها من كلمات سوى اسمه (بشير).

 

فارقت روحها جسدها وهي تبتسم ..ولا أحد يعرف كانت ابتسامة الفرح بلقاء ابنها..ام أنّها سمعته يغني مع رفقائه اغنية جديدة ..ابتسمت لها ؟.

 

 

(للشهداء عناوين كثيرة...المجد لهم وتحية لذويهم)                                                                 

 

 

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014