• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
السبت, 03 أيار 2014

الدولاب - حكاية من خيال بلاد مابين النهرين القديمة

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

ضرب (أشكيبال) بقدمه محور الدولاب الخشبي بقوة ، صائحاً بصوته الجهوري الذي يصل الى طارف السوق عبارته التي يرددها كل يوم عند بدئه العمل (ستظل تدور أيها الدولاب) ، وبذات الوقت راحت يداه بحركةٍ موازية لأقدامه تعاملان كتلة الطين الشوهاء التي أخذت تتلوى بشكل لولبي أنسيابي مطاوعة أصابعه لتغير شكلها كما يريد . هو كذلك منذ أن كان شاباً يعمل صانعاً للفخار في حانوته الصغير هذا بسوق الحرفيين في (نيبور)1 ، الذي ما أن تعلن أنوار الصباح أطلالة يومه الجديد حتى تبدأ الحركة فيه بشكلٍ تصاعدي متماثل بين مرور المتبضعين و هتافات البائعين مروّجين بصوت عال لبضائعهم ، يقابلها مضاربات المشترين و مساوماتهم التي قد تصل أحياناً للعراك .. (سلة التمر بشيقل)2 .... (جرة الحليب بربع شيقل) .... (أربع دجاجات بثلاث شيقلات) .... (جرة النبيذ بشيقلين) .... لتمر بين الناس ثلة من الجنود بأثوابهم القصيرة و خوذهم الجلدية ، متسلحين بسيوفهم البرونزية و هراواتهم الخشبية ذات الرؤوس الكروية النحاسية ، ينضرون الى هذا و ذاك محذرين الجميع من أحداث أية مشاكل أو مشاجرات تخلّ بالنظام قد تحدث نتيجة تلك المساومات .. هكذا كان الحال ذلك اليوم مثل باقي الأيام التي أعتادتها المدينة ، لكنه بالنسبة ل(أشكيبال) لم يكن رتيباً أو عادياً في حياته ، و لا كما عهده من أيامه الماضية و همومها ... أنه ينتظر ولادة حفيده الأول لأبنه البكر . لذا بدا قلقاً مضطرباً منذ استيقاظه المبكر عند الفجر ... بينما هو مواصلاً عمله موجهاً نظره الى حركة الناس خارج حانوته المليء بالجرار الفخارية ، شرد ذهنه الى المستقبل بعدما كان جلّ تفكيره بما مر به من سابق السنين و حاضره المُتعَب ، فلم يشعر بشروده قد جعله يتوقف عن تدوير الدولاب الذي أخذت سرعته بالتباطؤ شيئاً فشيئاً حتى سكن كلياً ، كأنه يعلن توقف الحياة و أفول مستقبلها ... يا ترى هل سيجلب الوليد الجديد معه شيئاً من الأمل لهذه الحياة التعسة بعد أن تسلط على مجرياتها بطانة الأمراء و المنافقون المرابون و الدجالون من الكهنة ليزداد ثرائهم من خيرات المدينة بينما غدى الشغيلة و الصناع و ما شاكلهم من البائسين في أدنى درجات الفقر .... أنتبه من شروده كأن بعوضة قرصته ليستذكر الحاجات التي أوصته زوجته بجلبها معه من السوق لهذه المناسبة ... سلتا تمر ، ثلاث جرار نبيذ وجرتي زيت سمسم ، عشر دجاجات ، خمس أوقيات3 لحم ، ست .... ، ثلاث .... ، ثلاث ........ آه أيتها الحقيرة هل تريدين أن أجلب السوق كله من أجل ذلك المولود اللعين ، ثم من أين لي حتى أجلب كل هذا؟.. قطع تفكيره تحية صديقيه القديمين في السوق .. الحداد (كنداش) و صانع السلال (سمبار)..
_ صباحك سعيد أيها الجد العجوز.
_ من أين تأتي السعادة و أنا كل يوم لا أصَبّح إلا بوجوهكم الكالحة.
لقد تعودا على سلاطة لسان صديقهما العجوز ذو الجسم النحيل و الوجه الدميم ، حتى كان يغدو يومهما ثقيلاً من دون سماع شيء منها .. ثم بعد أن أخذ كل منهما مقعده الى جانب (أشكيبال) الذي لم يتوقف عن العمل و تدوير دولابه .. بادره (سمبار)..
_ نسائنا ذهبن الى بيتك للمساعدة ، مالنا نراك شاردا مضطرباً و وجهك معّكراً منذ الصباح ، الست فرحاً بقدوم حفيدك الأول اليوم؟
_ لماذا أفرح و أنا أخسر كل تلك الخسائر ، و بماذا سينفعني قدوم ذلك المولود سوى أنه سيزيد عدد البائسين رقماً جديداً.
رد (كنداش) .. من يدري يا صديقي ربما مع قدوم هذا الجيل يتغير الحال و يأتي معه شيئاً من الخير . فالدنيا تدور مثل دولابك هذا.
_ لا شيء سيتغير في هذه الدنيا ، الحال سيبقى هو الحال ، و هذا الدولاب العتيق سيظل مثل صاحبه يدور دوماً حول نفسه دون أن يخطو خطوة واحدة الى الأمام.
_ لكنه لا يعود الى الوراء كحال مدينتنا الخربة هذه ، هذا بحد ذاته يجب أن يعطيك شيئاً من التفاؤل للمستقبل .. أما أنا فمنذ أن أصبحت حداداً عرفت أن أصلب الأشياء لابد أن تتغير على السندان.
قطع حديثهم الأبن الصغير لجار (أشكيبال) الذي جاء راكضاً بسرعة مخاطباً اياه بلهجته المُتأتأة (ت..قو..ل زو..جتك أن الو..لادة مُت..عسّرة و قد تتأ..خر) . ثم هرول راكضاً كالسهم ... اللعنة كل شيء مُتعسّر اليوم حتى لسان هذا الصغير . قال (أشكيبال) ، ثم ما لبث أن عاد الصَبي مرة ثانية بنفس سرعته قائلاً ..(لقد نس..يت تقو..ل ز..وجتك أ..نك ست..عط..يني حب..ات ت..مر بعد..د أصا..بع يد..يك أذا ما جل..بت لك البشا..رة) .. فصرخ به (أشكيبال) .. أغرب عن وجهي أيها الصعلوك قبل أن أقطع أذنيك و حتى أصابع يدي .. أنا بأية حال و أنت تريد مني تمراً ... أخذ رفيقاه يهدئونه من عصبيته و اضطرابه الذي ازداد أكثر بعد الذي سمعه.
عندها طرق سمعهم من بعيد صوت يعرفونه جيداً متنقلاً من حانوت لآخر مردداً (ليحرسكم أنليل)4 .. (لتحميكم الآلهة) ... سألهم (سمبار) .. هل سمعتموه ؟ .. أنه (سنشار) الكاهن.
_ من يكون غيره .. قالها (أشكيبال) .. تباً لهذا اللوطي الدجّال ، يستجدي العطايا منذ الصباح من المخدوعين و المغفلين كي تحميهم تلك الآلهة الغبية ، (ليحميكم أنليل) .. (ليحرسكم أنليل) ... اللعنة عليه و على (أنليله).
رد (سمبار) مبتسماً.. يقولون أنه تاب منذ زمن بعد أن عرف طريق الآلهة و أصبح كاهناً من الرتب العليا . اليوم غدا في نظر الناس من ذوي المقامات المرموقة كونه يعمل في خدمة المعبد و يجمع العطايا للأمير و حاشيته المتخمة.
_ هذا أذا تمكن أن يتوب .. قال (كنداش) ضاحكاً .. لو كان قد عرف طريق الشياطين كنت سأصدق توبته أما الآلهة فلا .. صدقاني أن اللوطي أذا تاب يصبح أما تاجراً أو كاهناً وقد يصبح حتى أميراً أحياناً .. فهو و أمثاله يظنون واهمين أن الدين والمال أو المركز الهام يُنسي الناس ماضيهم المُقرف . لكن أكاذيبهم لم تعد تنطلي على أحد بعد أن عرف الجميع ريائهم و غاياتهم الدنيئة.
_ فقاطعهم (أشكيبال).. أن أكثر ما يدعو للسخرية أن هؤلاء يدّعون دوماً أن تلك الآلهة اللعينة هي التي منحتهم كل هذا ، ليبرروا وجودهم و يخدعوا الناس كي ينسوا ذلك الماضي ، مستغلين بساطة و سذاجة تفكيرهم . لكنهم في الحقيقة يُفسدون مجتمعاتهم و يمتصون دماء أبنائها انتقاماً لذلك النقص الذي يظلون على الدوام يشعرون به ، فهؤلاء و أمثالهم هم الأكثر وطائه في أية مجتمع . و هم لا يختلفون شيئاً عن اسراب الجراد التي تقضي على الحقول الخضراء.
عندها وصل الكاهن مدخل الحانوت و ظل واقفاً تحت السقيفة الخشبية التي تتقدمه ثم صاح .. مبارك حفيدك يا (أشكيبال) ليحميه (أنليل) و عسى أن يحفظه ببركته.
_ ليحتفظ ببركته لنفسه لسنا بحاجة لها . ثم ألا تنتظر قليلاً أيها النصف رجل حتى يأتي ذلك المولود البائس أولاً ثم تأتي لتمد يدك كالشحاذين ، أم أنك هكذا دوماً تأتي قبل الحصاد مثل الغربان السوداء.
_ لماذا أنا كاهن أذاً ؟ لا تظن أنك بتهكمك المعتاد هذا ستجعلني أنسى اليوم هدية الأله.
و هنا أخذ (أشكيبال) يضغط بشدة على عنق الجرة التي كان يصنعها متخيلاً اياها رقبة الكاهن ، حتى غدت بحجم الأصبع .. ثم قال .. و من يدري ماذا سيكون هذا المولود لو باركته آلهتك ، فأراً أم أرنباً لا أحد يعرف ... ربما قرداً مثلك.
ضحك (سنشار) .. سأعود لاحقاً عندما يأتي المولود ، لا تنسى أن تجّهز الهدية ... ثم غادر المكان الى حانوت آخر و هو يصيح .. ليحميكم (أنليل) .. لتحميكم (الآلهة)...
_ بالمناسبة يا (أشكيبال) ماذا تتمنى أن يكون المولود صَبياً أم بنتاً ..قال (سمبار)؟
فأجابه بسرعة و دون أن يفكر .... بالطبع بنتاً.
_ أنك دوماً ترغب بعكس ما يريد الناس .. لماذا بنت؟
_ أجابه ناظراً الى نفسه .. لا أريد أن تتكرر هذه المأساة ثانية .. و مهما كان رأيكم فالبنت أكثر حنيناً على أهلها و تساعدهم في عمل البيت ، أما الولد ..اللعنة عليه .. فهو ما أن تنمو لحيته حتى يبدأ بعناد أبيه و يقضي معظم وقته بمرافقة بغايا المعبد5 . وقد تحدث الكارثة الكبرى فيصبح كاهناً مثل المخادع (سنشار).
و فيما هم بحديثهم حول أفضلية الصْبية و البنات ، سمعوا عند الحانوت المجاور ضحكة ً عالية ، كشفت بيسر عن صاحبتها .. أنها الغانية (سُمانو) .. التي ما أن تأخذ الحوانيت بفتح أبوابها حتى تبدأ بالتجوال بينها مروّجة ً ل(بضاعتها) .. فما أن سمعها (أشكيبال) حتى ضرب جبهته بيده الملطخة بطين الجرار قائلاً .. اكتملت ، لم يعد ينقصني اليوم إلا هذه التافهة.
و ما أن وصلت عندهم حتى خاطبت (أشكيبال) .. ها أيها العجوز (ألا تريد اليوم أن تنسى شيئاً من تعبك)؟
_ أسمعي أيتها البلهاء .. بدلاً من تتعبي قدميك بالتجوال هنا وهناك عارضة ً نفسك للجميع .. لما لا تبحثين عن أبله ما و تتزوجيه؟
_ و من يكون هذا الأبله .. هل تعرف أحدهم؟
_ ما رأيك بذلك الكاهن اللوطي ؟ .. أنكما مناسبين لبعضكما تماماً كالقِدرة و غطائها.
_ تقصد (سنشار) ؟ .. و هل خلت المدينة من الرجال ، حتى أرضى بذلك المخادع ؟ أنه حقاً يزكم الأنوف.
_ و من غيره .. يُقال لو تزوج لوطياً من غانية فأنهم سينجبون إله.
_ إله ؟ .. يا لحظي العاثر متى أخلص من تلك الآلهة...
_ نعم إله .. لأنه سيتحكم بمصائرنا ، و بدورنا نقوم بشتمه صباحاً و مساءً.
لم تجبه بل أكتفت بأطلاق ضحكتها المجلجلة مفارقة الحانوت لتبحث عن (رزقها) في مكان آخر وسط ضحكات أصدقائه .. سائليه بوقت واحد .. و الآن يا (أشكيبال) هل ما زلت عند رأيك في البنات ..؟ لم يرد بل أكتفى بتدوير دولابه مواصلاً عمله ، متمتماً بصوتٍ خافت .. أنها على أية حال أشرف الف مرة من اولاءك الأراذل الذين تسيدوا مدينتنا في هذا الزمن الأغبر.
جاءهم الصبي الصغير مرة أخرى راكضاً أسرع من السابق و هو يصيح .... (أعط..ني الت..مر أ..يها العجو..ز ل..قد و..لدت ل..كم بن..تاً ، تق..ول زو..جتك أن..ها جم..يلة ووووو) ..
_هل خرست أيها الجرو ، ماذا بعد؟
_ (ت..قو..ل زو..جتك أن الموّ..لدة ق..د كشف..ت على زو..جة أب..نك الآ..خر و ت..بين أن..ها حُب..لى هي الأ..خرى و تنت..ظر مو..لوداً) ... قال هذا و أنطلق كالسهم خوفاً من (أشكيبال) ، الذي أخذ يدير رأسه يميناً و يساراً نافخاً بصوتٍ عال ... اللعنة .. الكارثة مرة أخرى ، مرة أخرى .. قاطعه (كنداش) سائلاً .. حسناً يا (أشكيبال) و الآن وقد أستجاب القدر لرغبتك و جاءتكم بنتاً ماذا ستسمونها ؟
فكرّ قليلاّ ثم قال .. (سمّو) ، نعم سنسميها (سمّو)6 ... ربما تكون مثل حمامة الحكيم الخالد (زيوسدرا)7 فتجلب معها غصن الزيتون الأخضر، ليأتي بقدومها السلام الى العالم فتزال الغمة عن مُتعبيه.
ما كاد ينهي جملته حتى باغته الكاهن (سنشار) كأنه كان واقفاً بالقرب منهم ينتظر قدوم خبر المولود...
_ لتحرس الآلهة أحفادك يا (أشكيبال) ، الآن عليك أن تقدم هديتين لمعبد (أنليل) بدل الواحدة ، لقد باركتك الآلهة و سترزقك بحفيد آخر..
رفع (أشكيبال) رأسه الى الأعلى وصك أسنانه مُغمغماً بكلمات غير مفهومة ، ثم وضع بعنف كتلة الطين على الدولاب ضارباً محوره بشدة ، صائحاً بعلو صوته الذي يصل الى طارف السوق .. (ستظل تدور أيها الدولاب).

الهوامش
1)نيبور .... أو (نفر) ، المدينة الدينية الأولى لدى السومريين كونها مقر الأله (أنليل) و زوجته (ننليل) ، تقع على مسافة 7كم شمال شرق مدينة (عفك) و 175كم جنوب (بغداد).
2)الشيقل .... وحدة لوزن المعادن و المواد الثمينة كالفضة و الذهب . أستخدم منذ فترة مبكرة في وادي الرافدين ، يعادل ما بين 3,2_5,6 غم .
3)الأوقية السومرية ... تعادل تقريباً 2,5كغم
4)أنليل .... إله الهواء لدى سكان وادي الرافدين ، معنى الاسم بالسومرية (سيد الهواء) ، يعتبر أقوى الآلهة السومرية ، مقره مدينة (نيبور) أو (نفر).
5)كانت مؤسسة المعبد تدير ظاهرة البغاء في المجتمع العراقي القديم بدعم من السلطات الحاكمة و منها أخذت شرعيتها ، تمثل مردوداتها أحدى الموارد الاقتصادية المهمة لهذه المؤسسة.
6)سمّو .... تعني بالأكدية (حمامة).
7)زيوسدرا.... الحكيم السومري الذي أنقذ نسل الكائنات الحية من الفناء بعد أن بنى سفينة كبيرة أنقذتهم من الطوفان . يقابله (أوتونابشتم) البابلي و (نوح) في الديانات السماوية.

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014