• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الثلاثاء, 05 آب/أغسطس 2014

قصة من خيال بلاد ما بين النهرين القديمة

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

موعد عند الضفة

برتابةٍ ونسق كان تلاطم مويجات النهر على ضفته ، مُشعراً كل من يتأمل تلك الحركة الديناميكية المتواصلة من أخذ و رد بالنعاس ، مذكّرة من يرنو بتمعن لتتابعها بغرائب الحياة و نقائضها ، من تدفق و أقبال أحياناً جالبة معها شيئاً من الخير و بعضاً من نفحات الامل ، أو انحسار و أدبار في أخر تاركة خلفها همومها و آلامها و هباء زبَدها ..... وضعت رأسها بين راحتيها منتظرة قدومه المعتاد في هذا الوقت ، حيث بلغ انعكاس وهج الشمس على صفحة المياه الواسعة أشده ، بعد أن غدت واهبة النور شديدة الاحمرار محاولة أرسال كل ما تبقى لديها من ضياء قبل أن تغادر يومها الطويل .... يا ترى هل سيأتي أم سينفذ هذه المرة رغبته القديمة بالسفر .... أصبح الرحيل هاجسه و حلمه رغم مرارة البعاد عن (أوروك) الحزينة ، تلك الجميلة الغافية على دموع الفرات ، السابحة مع آهات مظلوميها ، الحائرة بأمنياتهم الصغيرة ، الحالمة منذ يومها بمستقبلٍ أخضر جميل ..... ليس لنا رجاء في مدينة أمسى الناس فيها عبيداً للمجهول ، ليكون قادم أيامهم أحجية لا أحد يعرف كيف و متى ستحل طلاسمها ، كما عمّرت الآلهة (أوروك) هي كذلك شيدت بلاداً و مدناً أخريات يمكن اكمال مسيرة حياتنا المتعثرة فيها ..... هكذا كان يقول دوماً مبرراً الهجرة راسماً معها ملامح غد جديد يضم بين ثناياه و لو نزر يسير من انسانية البشر و كرامتهم ..... رغم أمنيته التي طرّزها اليأس ، كانت هي تحيا عالم وردي بعيد ، لا يوجد ألا في مخيلة الملائكة ، حيث الأمل و مثالية أحلامه هو ما تملك أفكارها الغضة البريئة ، فأقسمت على التشبث بمدينتها حتى آخر رمق من حياتها ، جاعلة منها قدراً أبدياً ارتضت احتمال جراحه ، لتصّبر ثورته و عنف غضبه محاولة ثنيه عما تسرب الى قلبه من بؤس تلكم الأمنيات وهمومها .... لن يكون رحيلنا عن (أوروك) سوى جبناً و هروباً .. مدينتنا لم تكن يوماً مجرد نسمة عذبة أستنشقنا برودتها لنطلق زفرة وجعها عند قسوة محنتها ، كانت أماً رؤوماً أستظل الجميع بعطفها ، هي اليوم بحاجة لأبنائها ، لحبهم لها و تشبثهم بها ، هذا فقط من سيعيد جمال (أوروك) و يرجع لها بسمتها الغائبة ..... ليعود للقياها عند موعدهم الذي الفته ساعة الغروب و شاعريتها ، طارداً تلك الفكرة العبثية عن حشايا مخيلته .. محتضناً اياها .. أنها (أوروك) أيتها الحبيبة ، كيف أترك الفاتنة التي جُبلنا على الهيام بها منذ أن أبصرت عيوننا زرقة السماء ، و كتبت مصائرنا دوامة الأيام ، رغم آلامها و آلام أهلها ستبقى هي الملاذ و العشق الذي لن ينتهي ..... لقد تأخر اليوم عن موعده .. لعل طارئاً ما قد أخره ، لكنه حتماً سيأتي ، محال أن لا يأتي ..... مع أخذ الشمس طريقها نحو الأفول اشتدت بالضد حركة الريح لتزيد معها قسوة تلاطم المويجات ، جاعلة القصيبات الهيفاوات الطوال الناطرات عند النهر يتراقصن برشاقة و دلال ذات اليمين و ذات اليسار على أنغام معزوفة أخاذة متناسقة ، موزعة أدواتها بين نقيق الضفادع و بطبطة طيور الماء و طنين البعوض ، لكنها رغم ذلك أبت ان تبارح منبتها ، متحدية غضب الطبيعة و قسوتها منذ أن جعلت ارتشاف مياه الفرات عنواناً لحياتها ، مكونة من ثباتها و التصاقها ببعضها مصّداً للريح و حصناً منيعاً لأعشاش الطيور .... تأملت الفراخ الجائعة الخائفة ، و قد سارعت الام لتلفها بجناحيها الحنونين ..... ماذا سيحدث لو احتضننا الوطن كحال تلك الصغار .. هل يكون حلماً ، أم أمنية فارغة ملؤها البطر ، أم معجزة لا تحدث الا بالأساطير و حكايا العجائز ، أن يحتمي الناس بسقف أوطانهم ينعمون بخير عطائها ..... بعد أن كنت قصيدة للحب و منبعاً أبدياً للحياة ، ها قد غدوت في هذا الزمن القبيح عنواناً صارخاً للموت و رمزاً أدهماً للبُغض و الحقد .. ماذا جرى ليغدر الدهر بدنياك فينقلب حالك هكذا يا (أوروك) ليصبح الجميع ينفرون منك لاعنين لأيامك .. تذكرت ما كان يقوله حين تتسلل غيمة الاغتراب لنجوى حديثهما و عتاب قلبيهما .... لتذهب الغربة الى الجحيم ، أنها ليست سوى نعش كبير منقوش بالذهب .. تذل الهجير و تغتال عصافير أحلامه .. رغم جمال زخارفها و لمعان الوانها الزاهية تراها تمتص دماء كل طريد هائم مُتعب يبحث له في هذا العالم الفسيح عن بيت دافئ يريح فيه أقدامه المتهالكة ..... منذ أن عشقت عيونها دربه عرفت عدم حبه و حسنه للسفر ، كره الغربة دون أن يحيا أيامها و قبل أن تمزق عذاباتها أمنياته ..... ليتركها مع دوامة حيرتها بعد عودة تلك الرغبة الكريهة اليه من جديد ، و قد أشتد به الغضب أثر اكتوائه بلسعة من نار معاناته .. هذا هو لقائنا الأخير .. لم أعد أحتمل العيش في هذه الارض ، لم يعد لنا مفر من الرحيل بعد أن أصبحنا أغراب في (أوروك) .. أي وطن هذا الذي غدا الناس فيه مجرد ذئاب تلتهم كل ما تصل اليه أنيابها .. ما هذه البلاد الذي نعيش كل يوم هواجس مأساتها ، حتى نست افواهنا كلمة الأمان و عيوننا بسمات الأطفال ، لنصبح عبيداً مسجونين بين أسوار خوفها .. هل ظل شيء من هذه الارض بعد أن فاضت فيها الدماء لتطغي حتى على مياه الفرات .. ماذا تبقى منها و قد تحول الاحرار الى رقيقٍ لأكاذيب الكهنة و ريائهم ، مأسورين بقيد خرافاتهم ، مرتهنين لخزعبلاتهم و دجلهم و فتاويهم التي لم تجلب للناس سوى الهموم و الكراهية ..... الوقت يمر .. لقد تأخر كثيراً عن الموعد .. الدقائق تمضي متسارعات .. قلق بدأ ينتابها .. حيرة تملكت أوصالها .. رمت بصرها الى جريان الماء الذي لا يتوقف كحال الزمن ، مصغية لخريره الساحر ، سارحة بخيالها ، محاولة شغل تفكيرها بشيء آخر يبعد عنها مخاوف الظنون ..... من أين جئت أيها النهر ، من هو وطنك .. ألا تشعر بشيء من الحنين اليه .. هل ظلمت انت الآخر في أرض ميلادك ، لترحل عنها مانحاً خيرك لأغراب لا تعرفهم بعد يأسك من أرواء تربة جحود لم تتمسك بك فجعلتك تفر من بين سواقيها ...... تنبهت من سرحانها .. سمعت خلفها حركة خفيفة معلنة قدوم أحد ما .. ابتسمت و أغمضت عينيها التي يملأهما الشوق ، لتبدد من مخيلتها تلك الاوهام و الافكار .... لقد أتى ، لم يطاوعه قلبه على ترك (أوروك) ، كانت أحاديثه تلك مجرد زفرة الم و ثورة غضب و حقد على واقع مر ليس ألا ... لقد جاء اليها أخيراً ليكتبا معاً ملحمة حبهما الجميل .. اقتربت الحركة منها أكثر ، لتتسع معها ابتسامتها شيئاً فشيئاً ، مواصلة أقفال عينيها التي تحب دوماً ان تفتحهما للقياه .. لمسها صاحب الحركة مع صوت خافت حزين أشبه بالأنين .. التفتت اليه فاتحة بهدوء جفنيها .... لم يكن سوى جرو صغير يبحث هنا و هناك عما يمكن ان يملئ به جوفه .. انتظرها قليلاً هازاً لها ذيله عسى أن تتصدق بشيء عليه .. بعد يأسه من كرمها غادرها باحثاً عن مبتغاه في مكان آخر ... تتبعت غيابه بين الاحراش ... تنهدت بصوت مسموع بعد موت ابتسامتها ، ثم التفتت الى ما تبقى من الشمس و هي ترسل آخر خيوط أشعتها قبل أن يُكمل ابتلاعها الافق ، معلنة للعالم لحظة الفراق ، راسمة ببقايا الوانها لوحة حزينة عنوانها الرحيل.

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014