• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
السبت, 11 تشرين1/أكتوير 2014

معلم اليوغا

  هيثم نافل والي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

إلى عالمنا الذي لم يبق فيه سوى القليل من الشر وبعض الأشرار!!

كلما أتذكر قصتها أموت من الضحك ساخطاً ومتألما... تلك التي فجرت هدوئي بضوضائها وجعلتني أقاسي وقتي قهراً وأعجن صمتي لوعة وألوك صبري مرارة وأدعوا صادقاً أن تذهب إلى مصيبة لا يعلم فيها حتى الشيطان اليقظ المتحفز لفعل الشر دائماً... وهأنا أروي حكايتها بدقة، كدقة الأعمى وهو يقرأ الحروف البارزة...
انبسط النور على الأرض فنظفها، كربة بيت ماهرة في صباح كان بلا أسرار قبل أن ألتقي بها، والحقيقة، قبل أن تلتقي هي بي؛ كنت أنظر من خلال النافذة المطلة على جبال الألب الساحرة بشموخها الذي يذكرني بشموخ زوجتي في عنادها وإصرارها، أنظر إلى تلك الجبال وأنا أتناول فطوري وكأني أنظر وأتذكر زوجتي التي غبت عنها طيلة ثلاثة أسابيع في إحدى المعسكرات الصحية التي فيها أتلقى العلاج ضد مرض التهاب الرئة اللعين الذي ألّم بي دون إخطاري أو سؤالي كلحظة صنعي ولادتي وموتي بالتأكيد... وإذا بها تهبط عليّ كالقدر؛ طويلة القامة مثل نهر الجحيم، بشعر أصفر يخفق ويصفق لتبدو كبلزبوت( أميرة الأبالسة في الخرافة الفينيقية ) بملابس مكتظة الواحدة فوق الأخرى كلبس الحمالين؛ فتضع صينيتها التي فيها فطورها... كأنها لم يحلّ الجلوس لها إلا أمامي أنا؟!
وأنا الهائم الذي لا يعرف رأسه من قدميه وسط محنة وظروف بالغة القسوة أعيشها ببطء دون أن أظفر في لحظة أمل أو صفاء أو حتى توافق مع الروح، إذ ما أسألها( الروح ) لا أسمع ردها، وهذه التي سقطت على طاولتي مثل القدر... ما أن بدأت تأكل بنهم حتى فتحت فمها بالحديث وفي كل شيء دون انقطاع، قصف الله طولها ودق عظامها، تفهم في كل شيء، فبعد أن أتت على الرياضة وأنهت حديثها الناري القاصف في دوري أبطال أندية أوروبا لكرة القدم، أعرجت حيث الطبخ وأنواع الطعام والقيم الغذائية التي يتوجب توفرها لاسترداد صحتنا المنهوبة حتى أنهت دراستها حول السمك المسلوق الذي وصفته بالسمك السحري!! لوي غفار الذنوب رقبتها كما تلوي الحبال عند صنعها... وما أن أجابت على أكثر أسئلتها بنفسها نوهت برجولة وجدتها تناسب حجم جسمها متابعة:
أنه اليوم الأول لي هنا، وقادمة من براغ وأسكن حالياً في برلين، وحاصلة على الجنسية الألمانية ولي طاقة تهد هذه الجبال التي لم تنزل عيناك عنها( يبدو أنها لاحظت هيامي وسرحاني بنت الملعونة هذه عندما كنت أنظر إلى الجبال) واستطردت بهمة وجدتها لا تقهر ولا تلين فولاذية ما شاء الله:
سوف أكرسها للترفيه عن نفسي وجعلها سعيدة وراضية وعندما أرجع إلى حياتي السابقة التي جئت منها سوف لن يعرفونني... وضحكت بانفعال لا يتناسب وطقوس الفطور الذي نحن فيه!! ثم لعنتها في سري( من الواضح لم تسجد لله فغيرها من إنسان إلى كابوس ) وأنا أحاول الابتسام لها تارة والعبوس تارةً أخرى، ومنذ تلك اللحظة قررت أن أعاقبها على فعلتها تلك، ثم نسيتها كما هو الحال دائماً... حتى ظهرت مرة أخرى في حياتي وأنا كما أنا... حالم لا أبغي سوى الوحدة، ألف وأدور حول مكان صنع ببراعة مثل مبردات الهواء المائية التي كنا نستعملها في العراق من حيث المبدأ مع تغيير واحد، لا وجود لمحمولة أو مروحة الهواء، وبحجم كبير يصل ارتفاعها ثلاثة عشر متراً وطولها مائة وثمانية وستون متراً وكلها من الخشب المرصوف والمقطع بحرفية رائعة من أغصان بعض الأشجار النادرة والمتواجدة في بيئات جبلية كتلك التي أتواجد فيها، لينصب الماء المالح من فوقها فيتخلخل ضمن شقوق وفتحات الأغصان والريح القادمة من أعالي الجبال والمنحدرة نحو السفح الظليل بسعادة وفرح تدخل بزهو وطيبة من خلال الكتلة الهائلة المرصوفة والمرصوصة بالأغصان فتخرج باردة ومالحة ونقية إلى درجة تشعر بأنك أمام بحر هائج... وبدلاً من أن أستمتع بالهدوء والوحدة التي أرتضيتها لنفسي... ظهرت تلك القوة الغاشمة التي تقول على نفسها بأن لها طاقة تهد هذه الجبال التي نحتمي بحماها، متلهفة ومتعجلة مترجرجة كقربة اللبن، وهي تقول دون استئذان بعد أن فزعت من وجودها أمامي وهي تضع يدها على كتفي ولكن بصوت ملحاح كصوت آلة القانون:
آه... ما أتعسني!!
مأخوذاً: منْ؟ أنتِ من جديد؟! ثم غيرت مسار قسوتي وقلت: أهلاً، لم ألحظ وجودك...
- بنفس مقطوع: لا يهم!! ثم تابعت بمشقة: لم أعد أتحمل المزيد!! لقد تعبت وانقسم وسطي!! كنت مخطئة عندما قلت بأن لي طاقة تهد الجبال، فما أن بدأ علاجي حتى تيبست عروقي! ثم سألتني مباغتة كأنها تناست همها أو اشتاقت لطبعها:
أتعرف ما أعمل؟
- مذهولاً: الحقيقة كلا!! ثم أضفت بخبث: أقصد، من أين لي أن أعلم؟
- من حقك!! فأنا لم أخبرك، وتابعت بعد أن عكرت وحدتي وشقت صمتي:
لي مشاكل عائلية كثيرة لا تعد ولا تحصى، لكنني ورغماً منها، أضحك!! وشعرت بأنها أخطأت بتعبيرها الذي لا يتناسب وسياق الكلام الطبيعي لشخص سوي، فقالت: أعني، لا أهتم كثيراً، أعيش حياتي مثلما أريد وكما ترى أمارس الرياضة، أتنزه وألتقي بمن أحب!! ثم سألتني دون شعور: لم تقل لي ماذا تفعل أنت؟
- برنة راخيه: لم أفهم!!
- بتأثر مستطارة اللب: آه... هكذا دائماً أنا لا أقول كل ما أريده!! أردت أن أسألك عن عملك!!
- همست في نفسي: مضحكة بصورة غامضة مثل برغوثه، بل أقل منها شأناً!! ثم وبدون تفكير قلت: معلم يوغا!!
- أفزعتني بلا ريب وهي تردد: يا للروعة!! ثم قفزت مغالية في دهشتها مثل شخص غريب الأطوار أو منفصم الشخصية وهي تضرب الأرض بقدميها الكبيرتين التي تشبهان قدمي عملاق، واستطردت بتفاهة:
كم أحب أن أمارس هذه الرياضة الرائعة، فمنذ طفولتي البريئة وأنا أتوق لفعل هذا الشيء الذي يسمونه اليوغا!! وإذا بها تشدني من يدي بقوة وتركع أمامي بشكل مسرحي مثير للسخرية والرثاء وكأنها تمسك بأذيال صنم تعبده، وتقول بحبكة بائسة:
حقق لي أمنيتي أرجوك، سأعطيك كل ما تأمر به، لا تكسر خاطري!! أريد أن أمارس اليوغا، هيا عدني بأنك ستفعل هذا؟ عدني...
- لم أعرف بماذا أجيب، لقد كانت طريقتها وعرضها المسرحي يبهر كالفجر، ومواسي كالليل، وأنا أجدها راكعة متوسلة أمامي...
أنهضتها منفعلاً وقلت في سري يا لها من امرأة غريبة تستمد البهجة من البغضاء... وفجأة ودون وعي وبحنية تفوق الوصف وكأني أتحدث إلى مريض قلت لها جاداً متقمصاً روح الحكيم:
اليوم الساعة الرابعة عصراً، انتظريني في غرفتك ولا تخرجي منها حتى أتي وأعطيك أولى الدروس ولم أسألها عن رقم غرفتها... تركتها كما هي غير مصدقه سمعها وهربت دون أن ألتفت ورائي...
همت مجدداً في رحاب أخرى ليس لي علم بها، بين القراءة والمشاهدة والكتابة وما أن حانت الساعة الرابعة عصراً حتى كنت أجلس في أول صف من مسرح الأوبرا بعد أن كنت قد حجزت مقعداً هناك من قبل، وضعت في عالم موسيقى موزارت كطفل وسط ألعابه، لا نسمع له صوت... ونسيت ساعتها كل ما هو خارج هذا العالم المسحور كشخص غائب عن الوعي...
في اليوم التالي وفيما كنت أسير نازلاً متعجلاً للذهاب إلى إحدى غرف العلاج الطبيعي، قابلتني تلك المنتفخة بالغرور والكبرياء على السلم فوقفت قبالتي كالصنم، ويديها على صدرها مصلوبتان وهمت معاتبة بلهجة ما بين الغضب والحماسة:
لماذا لم تأت في الأمس؟! وأردفت تحاسبني كأنها جدتي:
جعلتني أنتظر ثلاثة أرباع اليوم في غرفتي كالسجينة، محبوسة بين أربعة جدران لا أعرف أين أنت وماذا تفعل!!
قاطعتها بصدق متناه: وهل كان بيننا موعد مسبق؟!
- كملاكم في توج غضبه:
ماذا تقول؟ هل كان هناك موعداً!! ومن قال لي الساعة الرابعة عصراً؟ هل خرج أبي من قبره وقال لي ذلك؟
- أنا ضربت لكِ موعداً، متى؟
- عجباً!! في الأمس، هناك... عند ذاك الشيء الكبير الضخم الذي يشبه أبو الهول وهو يبول!! إلا تذكر؟
- الحقيقة لا أذكر شيئاً، وليس لي سبب أنكر فيه أو أكذب من أجله، ومع ذلك قولي لي بالضبط ما عليّ أن أفعله وسأفعله من أجلكِ بسرور، وبعد أن شعرت بأني قد تأخرت على جلسة علاجي وبالتأكيد نادوا غيري، قلت بلهجة اتسمت بالحدة: لماذا ضربت لكِ موعداً؟
- باستغراب: من أجل أن تعلمني اليوغا.
- اليوغا!!
- نعم، أنت قلت، وقلت بأنك معلم لليوغا وستعلمني أياها وأقسمت على ذلك... لماذا تنكر؟
وإذا بكيلي يطوف ويطفح... فحدجتها بنظرة ارتجفت أطرافها الطويلة منها صارخاً:
اسمعيني يا ابنة ملك الجحيم وتذكري كلامي هذا الذي سأقوله جيداً:
أنا لست بمعلم لليوغا، ولا أعرف غير اسمها، بل لا أمقت في حياتي مثلها، فأنا من نسل الجوازء والمعروف عنه بأنه يحب السفر والحركة ولا يستطيع البقاء في مكان أكثر من عشر دقائق... لذلك فاليوغا هي عكس طبعي الذي جبلني الله عليه، هذا من جانب، من جانب آخر وجهكِ يوحي إلى المجاعة، ويشجع على الضحك، ويمسك على الكلام، وكأنكِ ولدت وأنتِ مدانة أو مصنوعة من الحسرات، وفضولك الطاغي ومحاولة التطرف والتلصص وإزعاج الآخرين دون وجه حق أو سابق معرفة أمر مخزِ، مرفوض، لا تقره السماء ولا شريعة الأرض، لذلك أحببت أن أعطيك درساً لا تنسينه، يساعدك ولا يضرك والآن سأقول لكِ كلمة أخيرة:
عندما قلت لكِ بأنني معلم يوغا، كانت مجرد كلمة خطرت لحظتها على بالي دون إدراك أو تفكير، ولو خطرت لي كلمة أخرى كأن تكون حدادا، لقلت لك حداد، لأنني لا أريد أن أقول شيئاً لا أحب النطق أو التصريح فيه... هل فهمتي؟! وسأسركِ شيئاً آخر، أنا أكتب القصة القصيرة، وسأكتب حكايتك قصة... وهذا وعد أقطعه صادقاً على نفسي، ثم تركتها راجعاً إلى غرفتي، متكدراً، متعباً دون علاج.

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014