• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الثلاثاء, 30 حزيران/يونيو 2015

ذاكرة مرْميّة

  جمال حكمت عبيد
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ذات صباح مشمس وعلى ساحل بحر الشمال كان قرص الشمس يرتفع في السماء بهدوء سألني صديقي الهولندي: هل جمَعَتك ذكريات مع البحر في بلدك؟
قلت له: لم أرَ البحر في حياتي لكن جمعتني ذكريات أماكن أخرى.
- ماهي تلك الأماكن؟
- دعني أتذكر..
- إبتَسمَ وقال: هل نسيت ذكرياتك يا رجل؟
- نعم
- كيف
- انتظرْ.. تذكرت :
في بلادي كنت أسير في الأزقة الضيّقة أحتمي تحت سقوف بيوت الشناشيل كي لا تبللني حبات المطر، أخزن بذاكرتي كل شيء جميل يسقط عليه نظري وعلى وقع أنغام المطر يختمر المشهد في مخيلتي وينتفخ كالعجين شريط ذكرياتي، وشهواتي كانت تطير في دهاليز رغباتها مليئة بالحُبِّ كحبوب اللقاح تتنقل بزهوٍ بين الأزهار و مروج الحقول الخضراء وأشجار النخيل.. كانت ذاكرتي تقفز هنا وتنطرح هناك كالطفل المحبوب.. نشطة ثائرة كغريزتي تثار حتى بسفاد العصافير.
اِبتسم صاحبي وقال لي: وبعد؟
- في إحدى الأيام ومن حيث لا أدرى ودون موعدٍ سُلِب فيه وطني وسُلبت معه ذكرياتي.
- من هذا الزائر ؟
- هو إنسان وليس إنسان هو دولة هو صاروخ يصرخ هو طائرات تقصف وترمي اوجاعاً دامية هو ريح سوداء عصفت بلدي وشاعت الفرقة فيه. افعاله خبَطت ذاكرتي جعلتني أتخبَّط في حياتي أذهب يميناً وشمالاً، أضرب الحيطان كعصفورٍ دخل غفلة غرفتي واحتارَ في الخروج منها. اِمتَصَّ الزائر عنوة رحيق ذكرياتي كنحل العسل دويه صار يوجع أذني.. أفرغ ذاكرتي فتشتت ذكرياتي ، القى بها جوفاء خالية لا حلو فيها. رماها بعيداً، سبَحتُ بها فوق أرض جدباء أبحث عن واحة في الصحراء تعيد لملمتها لتحيا . بينما عيناي الفارغة تنظر بشغفٍ أقواس منعطفات ذكرياتي ، وعقلي يبحث عن واقع يذكيه كي يجد مخرجاً لحياتي.
-هل وجدتها ؟
- نعم :عندما ترك الغريب وطني وولى ...
- وماذا حدث بعد؟
- الذي حدث غطّت سحب سوداء سماء بلادي أمطرت على الناس خبثاً وفرقة، متلفعة بوشاح الدين فصدقوها أبناء بلدي .
- وهل طالتك أمطارها ؟
- نعم
- كيف
- هزيز رياح عاتية جاءت مع السحب لَفَّة ذاكرتي وما عدتُ أرى الأشياء واضحة فيها فكل شيء تغير في بلادي ، برَمَت الريح ذاكرتي كخيط المغزل حاكتها وصارت بساطاً مطروحاً في الممراتِ . داست عليه العباد حتى مُعِسَت فلصَقَت كالعلكة بكِعابِ أحذيتهم .. محبوسة بين البساط والنِعال... صراخها عوى في أذني كنباح كلب تركته القافلة... سُحِقَت ذاكرتي من كثر الدوْس عليها حتى صارت طيناً، تشظَّت بين الكِعابِ تتنقل بمداسات السائرين دون أن يحسوا بها وبأوجاعها .
- كيف؟
- لقد اختاروا رمي ذاكرتهم وذكرياتهم الجميلة والقديمة .
- في لحظة ما انتبَه أحَدَهم رآى شيئاً ما لصق في نِعاله، لم يأبه بها، عند خروجه مسح ذاكرتي على حافة الرصيف. سار وتوارى عن الأنظار في عتمة الليل، تركها تتلوى تطلب العون للملمتها. عند الصباح جاء عامل رث الثياب وجدها على الرصيف عالقة يحمل مكنسة ، أزالها ورماها في الحاوية ، ثم جاءت مركبة كبيرة أخذتها بعيداً ألْقتها فوق تلال الأزبال..
- أيعقل هذا صار الناس في بلدكم يرمون الذاكرة والذكريات الجميلة في الأزبال؟
- نعم لولا أني استفقتُ هناك من حٌلْمي واخذتُ أبحث في التلال عن بقايا ذاكرتي، العَن تلك الجراثيم التي هاجَمَتها.. دخان كثيف متصاعد نحو السماء كانت محرقة ترمى بها الأزبال .. انتظرت دور ذاكرتي في الحرق وأنا في حيرة من أمري أأتركها تُرمى وتُحرق!! أم أحاول الهروب بها الصقها على ورقة تطير مع الريح كي أنجيها .. ما بين دخان المحرقة والفضاء الواسع رسَمتُ خارطتي.
أخذَت الحَسْرة صاحبي ..مسك بيدي.. قال: دعنا ننزل البحر.

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014