• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الخميس, 05 تشرين2/نوفمبر 2015

الذهاب شهر( معايشة ) للجبهة في العام 1984

  عماد حياوي
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

 

رقصة... الموت

فرضَت طول فترة الحرب مع إيران، قوانين وقواعد في الجيش كانت وليدة ظروفها، من بينها كان على منتسبي المقر العام ـ بغداد ـ الذهاب شهر (معايشة) للجبهة، وشملَ ذلك المراتب ونحن الضباط.
كان عليّ كملازم الالتحاق بقطعات الفيلق الأول في شمال العراق ـ قاطع قوات المعتصم ـ في ناحية قلعة دزّة بالسليمانية.
تحرك الرتل مبكرا من كركوك ـ كويسنجق ـ طقطق، ثم عبر سلسلة جبال هيبت سلطان بمحاذاة نهر الزاب حتى رانية "فقلعة دزا" حيث مقرات الجيش الخلفية.

ثم وبسيارات الجيش وبرحلة شاقة محفوفة بالمخاطر بأتجاه ربايا جبال قنديل التي لا يفصلها عن إيران سوى وادٍ سحيق. كان يوجد في حينها، حركة تمرد كردية تضرب ظهر الجيش جعلت الطرق غير آمنة، وقد حاولتْ الحكومة استرضاء الأكراد بتسريحهم من الخدمة، لذا أنيط بجنود عرب عديمي الخبرة، حماية الجبهة الشمالية.
وقد راهن الإيرانيون على الانتصار بحرب الجبال هذه مع هكذا جنود في طبيعة قاسية، مثلما راهنوا في السابق على موسم الأمطار، وكيف (سيطمس) الجيش العراقي بالطين كما حدث لجيوش نابليون وهتلر بثلوج روسيا، واندفعت القيادة العراقية بوقتها، وبجهد الدولة الهندسي الهائل لتبلط كل المناطق التي احتلها الجيش بداخل إيران !

مررتُ بطبيعة بكر رائعة وأشجار جوز ولوز برية، وأنهار لم تبنَ جسور عليها بعد، وكان يصعب على سيارة الواز العسكرية اجتياز الوديان والطرق الجبلية الوعرة هذه، والتي لم أرَ جمال طبيعة وسكينة كما رأيت هناك.
كان منتصف كانون أول، المزارعون والرعيان الأكراد فرحون بنزول الثلج حيث يقولون انه لو لم ينزل قبل نهاية السنة فسيذوب سريعاً، أما الآن فالثلج وفير بمعنى الماء والخضرة والمرعى ستستمر حتى بعد الربيع.
صعدنا على جبل (بَلـْغة) الشهير وكان لا يزال ساخناً كونه تحرر لتوه من الإيرانيين بقيادة الشهيد البطل العقيد ركن قوات خاصة (صدام لازم)، وقبل ذلك كان قد حدثت على مقربة منه مأساة جبل (ماوت) حيث بلع الثلج أرتالاً بحالها.

كان أكثر ما يُزعج الخطوط الأمامية، قيام (كومندوز) إيراني يلبسون أبيض بأبيض للتمويه، بالإغارة على السواتر الأمامية في الليل، فيقتلون خنقاً أو ذبحاً أو يؤسرون الجنود، لذا كانت الحيطة والحذر مطلوبين على الدوام.

كان لا يوجد مكان مبيت مناسباً لي كضابط على الرابية، فقد وَعَدني الآمر أنه بالغد سيهيأ مكان مناسب لي، واقترح مبيتي الليلة الأولى بمستودع العتاد كونه حصين.
كان الجو يعصف على القمم ليلاً باستمرار، والثلج ينهمر بقوة، فقال المراسل بعد أن أوقد لمبة ـ وكانت عبارة عن قنينة نفط وفتيلة ـ بأنه سيفتح لي الباب غداً صباحاً، لأني سوف لن أستطع فتح الباب من الداخل، لتكدس الثلج على الملجأ ودفنه بالكامل.

كان ارتفاع ملجأ العتاد هذا، متراً واحداً فقط، وهو مليء بصناديق عتاد وخراطيش قنابل، سَحبتُ صندوقَي عتاد لعمل سرير مؤقت، ثم تمددتُ بجسمي مسترخياً، حيث كنت تعب وأحس بالبرد، وسرحتْ عيناي نحو ظلال النار الساكنة بتلك الوحشة.
وما أن استتب الهدوء، حتى نزلت عشرات الفئران تلعب عند الشعلة، غير مكترثة بتواجدي بينها ولم تثنها كل محاولات طردها...
ثم ما لبث أن بدأ قصف هاونات إيراني شديد، كانت حينما تسقط (قنبرة) الهاون على صخور الجبل، أـَشعُر وكأنها تسقط على رأسي بسبب إصطدامها بالصخر، وكان الصدى والاهتزاز يجعل النار تلعب وظل القنابل يتراقص بالتناغم مع حركة الفئران التي بدت غير مهتمة بما حولها!

بعد ساعة أو أكثر من هذا الاستعراض (الشيّق)، وإذا بفريق الفئران ينسحب على عجل بين شقوق في الجبل، لكن أحدها ظل في زاوية ميتة، حيث حاصرهُ حيوان ضعفي حجمه (أظنه كان إبن عرس)، كان قد دخل من ثقب كبير، وهو ذو هيئة قبيحة مقززة، له فم كبير وأسنان قاطعة ومخالب طويلة وذنب كالسوط يدغدغ به لهيب النار، التي كان اشتعالها قرب البارود هو أشد ما يـُقلقني، ولم يكن بإمكاني إطفائها في هكذا ظلام دامس.
ومهما حاولتُ تخويفه أو طرده، أبى وتجاهلني بعناد، كان بإمكان فكيه قضم إذني بلحظة واحدة لو أراد، فصرتُ متحيراً وخائفاً، وبرغم حاجتي الماسة للنوم، فضلتُ أن أراقبهما في (رقصتهما) التي كانا يؤديانها، فقد كنت أجدها بريئة وممتعة في دقائق وصراع ومواجهة في دقائق أخرى، فقد دارت بينهما بدون موسيقى، مسرَحهم صناديق العتاد وجمهورهم أنا، كانا يقتربان من بعضهما ويلامس أحدهما الآخر لبرهة، ثم يفترقان ببطء شديد، واستمرا يؤديان لوحة (الباليه) هذه حتى وقت متأخر.
ثم وببشاعة وبمباغتة، أنقض الكبير وعضّ الفأر ببطنه، فصار يصرخ كامرأة بمخاض الوضع، وضغطَ ببطء أكثر... فأكثر، وصاح الصغير أعلى... فأعلى، حتى خرجت أحشائه من فمه من شدة الضغط!
لم أرَ بحياتي هكذا لقطة حتى على الشاشة، ولم يتركه حتى لفظ أنفاسه... وأحشائه، ثم سحبه نحو مدخل جحره، ليتركه هناك ويمضي!

كان النهار قد طلع رغم أني لم أشاهد ضوءه، لأني كنت معزول عن الخارج بصورة تامة، وصرتُ أحسب الوقت بالثواني حتى جاء صاحبنا يفتح الباب بإزالة ركام الثلج بجاروف.

حينما دخل شعاع شمس النهار إلي... نسيتُ ساعات الجوع والبرد والخوف التي عشتها في سجني الرهيب هذا، والتي مرّتْ عليّ بطيئة ومثيرة، لم أكُ متوقِعاً أو متهيئاً لها أبداً.
فحين استنشقت هواء الحرية، أحسستُ بلذتهِ وسط منظر طبيعة ساحر وسماء زرقاء صافية وأرض ثلجية بيضاء، حتى أن العين ما كانت تقوى على النظر لشدة انعكاس أشعة الشمس.

وجدتُ الآمر بانتظاري وقد هيأ لي استقبالاً بسيطاً للتعارف مع بقية ضباطه، ما كان يمكنني حينها وصف ليلتي الليلاء هذه مع (إبن عرس) ومع سمفونية رقصة الموت.
وبينما راح الآمر وضباطه يتحدثون عن خطة عمل بانتظاري، متسائلاً هل لي أسئلة أو استفسارات، كان شاغلي وسؤالي الوحيد...
(أين ومتى... أبول وأنام)!

ملازم احتياط عماد حياوي
الفيلق الأول، فرقة 25 قوات المعتصم ، قاطع قلعة دزّة
كانون أول... 1984

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014