• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الإثنين, 18 كانون2/يناير 2016

عَزفٌ مُنفرِدٌ على الناي

  مديح الصادق
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

جميلة هي الهدايا، والأجمل أن تجوب الأزقة، والمنعطفات؛ بحثا عما يليق بمن نويتَ له الإهداء؛ تعبيرا عن حب لا تعادله الهدايا؛ وإن وازنت كل كنوز الكون، وما أجمل أن تكون أنتَ المُهدى له، والهدايا لها أصناف، كما أن لها مختلف الألوان، وشتى العطور، كل حسب الأنامل التي امتدت بها إليك، والمناسبة التي سيقت بها، عيد ميلاد، نجاح في الدراسة أو تخرج منها، أخرى من عاشق ولهان تعطرت بما تحت الجوانح يخفي من لواعج الشوق؛ وتلك إما أن يشهدها الأولاد والأحفاد حين يأذن الدهر باللقاء الطويل؛ أوعلى حائط المبكى تُعلَّق؛ إن دار دورة عكس دورة الأفلاك، الزمان، وليس من سلوى يومها سوى الإنصات إلى لحن طوال العمر يُبكيك، وجذوة تحت الرماد تُحرِق الكون إن قبَّلتْها الريح

هرج، مرج اجتاح قاعة الاحتفالات، كرنفال كبير أخلى أروقة الجامعة وقاعات درسها من شاغليها، كما هو الأمر كل عام، وفي نفس ذا التوقيت، موسم انتهاء العام الجامعي، والراقصون فيه، الطائرون بلا ريش؛ هم طلبة السنة الأخيرة إذ بتخرجهم يودعون عالما، وفي عالم جديد آخر يدخلون، يودعون القهر، والسعي الحثيث، وسهر الليالي ليصطفوا في طوابير الباحثين عن فرص التوظيف المنتظرين، وما وعدوا به شريك الغد إن تحققت الأحلام؛ فتلتقي قلوب أنهكها الانتظار، وألعاب التخفي، والكر والفر، والغميضة خلف الأستار؛ لكن الغد المجهول غير شاغلهم هذا اليوم، الساعة حاسمة، ولها وقع خاص، حفل التخرج، باقات الزهور، علب الهدايا، مناطيد تحوم في الفضاء، موسيقا تهتز لها الأرداف، تنافسٌ محمومٌ على أبهى وأجمل الأزياء، صبايا وصبية بعمر الزهور بدايات نيسان، هي الحلقات الأولى للحياة

عدَّل قامته على كرسيه المتحرك خلف طاولة مستديرة عليها التف الزملاء من هيئة التدريس، من كل التخصصات، قبالته استرخى غير مبال بما حوله، مُجترَّا همومه في فقد شريكة الحياة، وتحمله منفردا مسؤولية الأولاد، وما أضمرَ من هَمٍّ؛ زميله في نفس القسم، الدكتور شاكر، أبو زيد؛ يبادله ابتسامة قاتمة تُفصح عن أسرار حفظاها في بلد ليس لهم فيه سوى لغة بها يخاطبان القوم، وعلومها وآدابها يُدرِّسان، طلبة وطالبات يلجون قاعة الأساتذة اليوم بلا قيود ولا استئذان، أحاديث ناعمة شفيفة لم يُسمح بها معهم غير اليوم، عدسات توثق تلك اللحظات؛ جماعية وعلى انفراد، أطباق شهية من الحلوى والمأكولات الشائعة هناك، عرسا جميلا كان للجميع ما عدا أولئك الذين يتابعون من على الشاشات أنباء وطن تقاسمته الطوائف، والمحتل، ومن طالته يده من دول الجوار، وطن جفَّت مياهه، وفي أجوائه تعكر الهواء، وفي كل وادٍ على الأرض تفرقت العباد

مدَّد الكراس أمامه، ذلك الذي لم يفارقه حتى يغزوه سلطان النوم؛ فيرقد معه تحت الوسادة، يعيدها للمرة الألف، تلك القصيدة، القصيدة الأولى التي بها أكرمه شيطان الشعر، شيطان الحب، أوَليس للحب شيطان كما للشعر؟ وأي حب يقتحم عرينك بعد أن تعديت من المحطات الخمسين، وفوق المفارق قد لاحت أرصفة بيضاء، أي حب ذلك الذي تفجر في قاعة الدرس؟ وذلك طبعا محذور هنا وغير متفق عليه؛ وهل يلتزم الحب بما أبرم من خلف ظهره من الاتفاقات؟ قوانين وأعراف تحرم هذا، وما بينهما من فوارق السن، وابن البلاد أحق بالحب من ( البرَّاني ) ، وأشياء أخرى تخصه ولم يُفصح عنها إلا لبعض المقربين؛ وهو الغريب الناجي برأسه من بطش السلطان، طالبة من بلد السواحل والصحارى والهضاب، وأستاذ من بلد آخر؛ ليس مسموحا لهما الانفراد وإن تعلق ذلك بالدرس، أو كان بائنا بينهما فارق السن، عازبا كان، أم مُكبَّلا بقيد ثقيل؛ لكنه كان؛ هو الحب

على الغلاف خط زميله شاكر ( قصَّة مجنونَيْن ) وكان رأيه أن يكون ( قصَّة مِسكينَيْن ) لا بل هو الجنون بعينه أن تخاصم التوازن لحظة تلتقي عيناك بمن لم يكن عندك في الحسبان، توازن حري بك أن تكون عليه ساعة ينعقد الحديث بذكر الذي ازداد نبضك يوم التقيت، واحمر وجهك، وخانتك رِجلاك، أليس هو الجنون بأنفه يوم تنسى أن بينك والتي تضاجع عقدا من ورق مختوما بختم قاض، ومحكمة للشرع؟ أن تهذي بالشعر على قصاصات تحت الوسادة تخفيها، وخلق الله من حولك في نوم عميق يغطون، نصف الجنون، أو ثلثه؛ أن تعلم كل العلم بأن الطريق إلى من تهوى مسدودٌ، مسدود؛ فتُمني النفس، وتقنع الحبيب بأن لولا العوارض ما تجشم الفرات هول المسالك، كي يلتقي دجلة بعد العناء والجهد الجهيد

أربعة كانت، عددتَ ما فيها من فصول، وشهور، وأيام بساعاتها واللحظات، وهاهي اليوم قد ختمت ختمها الموعود، الكل راقص مستبشر، إلاَّ أنت أيها المسكين، إلاَّ مسكينة مثلك أخفت نفسها بين الزميلات هاربة من هول ساعة الوداع، وقد يكون الوداع هذا هو الأخير
الزملاء منشغلون بتوقيع المذكرات للطلاب، تقليب علب الهدايا، باقات ورد وما خُطَّ عليها، وأنت برأسك مضروب حد النخاع، كمن عزيزا فارق دون أن يدري أن عودة بعده أم أنه أبدي ذلك الفراق، واحدا تلو الآخر انصرف الزملاء، كل حامل ما تلقاه من طلبته المتخرجين؛ ولم يعِ صاحبنا أنه الوحيد الذي ظل مفترشا ديوان شعره حالما بأن تكون ( آسيا ) هي التي ستحظى بما سوف يُخط على صفحته الأولى؛ بل سيكون لها هو الإهداء الوحيد، وهل في الكون - يا هذا - كله، غيرها؛ من يستحق أن تُهدي له ما نزفتَ من قلبك حتى جفَّت العروق؟ وهي التي لها كل حرف كتبتَ، وعلى صفحاته ما زالت آثار لما تقطر من مقلتيك، ألم تتربع في حبها على عرش لا يملك مثله ملوك الأرض، ولا السلاطين؟ ألم يكُ خالدا غير فانٍ أبدا؛ عرش الحب؟ أفق من حلمك، غادِرْ كما غادر الذين قبلك؛ ففي الصحارى إلا عليلا لا يحيا الحب، ذاوي العود، وما له بين الغرباء من ظل، وليس له ملاذ

رعشة لذيذة في كيانه دبّت، من حلم لم يتمنَّ أن منه يستفيق فجأة استفاق، خطوات مُرتبِك قطعت أنياب قلبه، يعرفها حقا، يسمع أنفاسها، يصغي إلى دقات قلب الذي يخطو تلك الخطوات؛ بل تنسَّم القادم عن بُعدٍ، وما منه تضوَّع من عطر يذيب النفوس، كاد من ضلعيه يقفز بيت الداء، أضراسه اصطكت، ودارت به الأرض، أم أنه الدوار؟
على الباب ترنَّحتْ، لم تتلفت كما كانت من قبل حين تسترق اللحظات كي خلسة تلتقيه، بعيدا عن عيون الرقباء، والزميلات الحاسدات، أو من سلَّطتهن الإدارة كي يتابعن ما تقوم به من تحركات، وما يدور بينها وبين ذلك الأستاذ، اليوم قد حطمت جدران ذلك السجن الرهيب بلا خوف، ولا استحياء، مثل طير أطلقوه في الجنائن ليطرب الكون بأعذب الألحان، بأحضانه ارتمتْ تُطلق النشيج، وفوق كرَّاسه تسكب العبرات، بين ضلوعها أخفتْ صراخا لو أطلقته لاهتز بكل أركانه الكون؛ أهكذا يكون وداع المجانين؟ أم أن موعدا آخر للقاء قد تتكرم به - على غير عادتها - الأقدار؟

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014