• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
السبت, 20 شباط/فبراير 2016

" من ذاكرة معلم "محلة باب الشيخ

  مؤيد مكلف سوادي
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

كانت محلةُ – باب الشيخ – في بغداد حالةً غريبةً من نوعِها ... فَأضافةً لكونِها منطقةً دينيةً ، فهيَ تمثلُّ بغداداً مُصَغَّراً ، لا ، بل عراقاً مُصَّغراً ... ففيها تنوّعٌ سكانيٌّ عجيبٌ ، ترى فيهِ العربيَ والفارسيَّ والكرديَ والافغانيَ والهنديَ والتركيَّ والأذربيجانيَّ والارمنيَّ والصابئيَّ ، وكُلهُّم يعيشونَ بِانسجامٍ تامٍّ ، مُتجاورينَ متعاونينَ تربطهم مصالحٌ وعلاقاتٌ اجتماعيةٌ واقتصاديةٌ ومعيشّيةٌ مشتركةٌ ، ولِكُلِّ مجموعةٍ منهم دينٌ يختلفُ عن الآخرينَ ، فترى بينهم المُسلمَ والصابئيَ والمسيحيَّ والهندوسيَ والمجوسيَّ والبوذيَّ واليزيديَّ ، وترى بينهم ايضاً العِلمانيينَ والليبراليينَ والأَحرارَ .. وبسببِ قُدسيةِ هذهِ المنطقةِ ، لوجودِ مقامِ الامام (عبد القادر الكيلاني) فيها ، كرمزٍ دينيٍ لهُ مقامهُ منذُ قرونٍ بعيدةٍ ، ادى الى تقاربِ مشاعرِ هذهِ الجماعاتِ ... فَأُطلِقَ عليهم (شيخلية) وللمفرد (شيخلي) وللمحلة عموماً (باب الشيخ) ، حتى صارتْ قُبلةً لِلزّوارِ ، سواءً من قبل عَلّيةِ القومِ ورؤساءِ الدولِ والشخصيات الرسمية من داخل العراق آو خارجهِ ، آو من قبلِ عامةِ الناسِ يقصدونَ ضريحَ هذا الامامِ بِأجلالٍ وتقديرٍ ... ولهذا السببِ ، باتتْ منطقةُ باب الشيخ بِآكملِها مُكتَظَّةً بالغُرباءِ من جنسّياتٍ شتى وفي مواسم معينة من السنة واِضافةً لمقامِ الكيلاني ، توجدُ في باب الشيخِ ايضاً مقبرة (السهروردي) الأثرية ، وعشرات الاسواق الشعبية مثل (سوق منيشد) وغيرهِ تزدحمُ بالباعةِ والمشترينَ وطلابِ الحاجةِ ، كما ينتشرُ في كُلِّ جَنباتِها اصحابُ المصالحِ ، واكثرهم من الكادحينَ والفقراء والمعّوقينَ يزاولونَ مختلفَ المهنِ ، ويتوزعون على مئاتِ الحوانيتِ آو على الطرقاتِ والارصفة فترى الزحامَ على اشدّهِ منذُ الفجرِ حتى حلولِ الظلامِ ... آمّا شارعُ الامامِ الرئيسي ، وعلى امتدادهِ ، بِدءاً من (شارعِ الكفاحِ) حتى شارع (شيخ عمر) فترى مئات الحوانيت الصغيرة التي يُشغِلُها العَطّارونَ والصاغةُ واصحابُ المصالحِ وآربابُ المعارضِ العَشوائيةِ ودكاكين باعة (الخردة) ومخلفّات السيارات والدراجات ، وكل ما يخطرُ على بالِ انسانٍ من مواد متنوعة ... كما تتميزُ هذه المحلة بكثرةِ مقاهيها ومطاعمها الشعبية ، وباعة الشاي على ارصفتِها خاصّةً ، وبسببِ ضخامةِ عددِ سُكّانِها ، أُقيمَ فيها (مركز شرطة) ومدارس ابتدائية عديدة ، ينشطرُ كُلٌّ منها الى عِدّةِ مدارس ، بسببِ اكتظاظِ عددِ طلابها ... آمّا حينَ يخَتلطُ المرءُ بِزوّارِها يسمعُ مختلفَ اللهجاتِ ، فَيصُابُ بالعجبِ ، ويتيهُ في خُضّمِ هذا التشكيل الغريب ..

والملفتُ للنظرِ ، ان دكاكين الصاغة الصابئة تمتدُ على جانبي شارع الامامِ ، من شارع الكفاح حتى شارع شيخ عمر .. وهي اماكنُ تشتملُ على وِرَشٍ للعملِ ومعارض مطلة على الشارع ، وتمتازُ بِبساطتِها وصغرِ حجمِها ، وقد آليتُ على نفسي ذاتَ يومٍ آن أُحصي عدد هذه الحوانيت ، فوجدتها تزيدُ على الستين ، اي آنَّ هناك اكثر من ستين عائلة مندائية تعتاشُ مما تُرزق في هذهِ المحلّةِ ، وكلهم كانوا مختصين بصياغة الفضة آو (صياغة العرب) ... ومن الملفت للنظرِ ايضاً انَّ لِآهلِ – باب الشيخ – عاداتٍ خاصة بهم ميزتّهم عن غيرهم ، وقد تَمسّكوا بها اباً عن جَدٍّ ، ومن اهّمِها ، احترامهم لِآيِّ غريبٍ ، وحمايتهم لِكلِّ ذي حاجةٍ ، كما آنَّ لهم امثالَهم الخاصّةَ بهم وتقاليدَهم التي يحتفظونَ بها ... وبسببِ طولِ مدة السّنين التي أَمضيتُها معلماً في احدى مدارسِها ، واختلاطي بِآولياءِ امورِ الطلبةِ ، وصداقتي لبعضِ شخصياتها ، وحرصي على تسجيلِ ملاحظات طريفة عن نوادر اهلها وامثالهم وآشعارهم فقد جمعتُ بعضاً منها لطرافتِها ومصداقيتِها .. فمن اقوالهم الطريفة بشأن شرب الشاي والقهوة قالوا : (من الشايِ فأثنان ، واِنْ زادَ فَأحسان) .. اي آن الشايَ ، لكثرةِ فوائدهِ ، ورغبة الناس بهِ ، وقِلّة ضررهِ ، فَأِنَّ الاكثارَ منهُ مُفيد ، واِنَّ تقديمَهُ لِلضيوفِ يُعَدُّ كرماً ... امّا (القهوة) فيحذِّرون من الأفراطِ في شُربِها ، ويقولون : (من القهوة ثلاثة ، واِن زادَ غَثاثة) ، اي : على المرءِ آلاّ يشربَ اكثر من ثلاثة فناجين منها .. آمّا بِشأنِ فصل الربيع ، عِندَ حلولهِ ، فينبغي استقبالُهُ ، والفرحُ بِمقدمهِ ، لنقاوةِ هوائهِ ، وطيبِ عطرهِ ، فيقولون : (آوَّلهُ تَلقّاه ... وآخرِهُ تَوقّاه) ، اي اِبدأْ باستقبالهِ والتمتعِ بهِ ، ولكن اِحذرْ آيّامَهُ الاخيرَةَ .. ، ونحن نعرفُ ، انَّ غالبيةَ العراقيينَ قديماً كانوا يرقدونَ ليلاً على سطوحِ منازلهم ، طلباً لِننُسيماتِ الهواءِ العليلةِ ، في الوقتِ الذي كانوا فيه لم ينعموا بعدُ بِآجهزة كهربائية لِتبريدِ الجوِّ ، ويوصونَ بذلكَ فيقولونَ : ((اصعد باللحاف ، وانزلْ بالمهاف)) .. اي : ارتقِ السطوحَ وانتَ تلتحفُ باللحافِ ، وغادرْها وانتَ لمّا تَزَلْ تُحركُّ الهواءَ على وجهكَ بالمهفّة !! خوفَ عدوى الامراضِ ... ولديهم مَثَلٌ يخُصُّ فوائدَ تناولِ بعضِ الأطعمةِ والأشربةِ ، يوصونَ بها ، وقد جعلوا كلامَهم على شكلِ سَجَعٍ فقالوا : (خذوا من (التشريب) المَرَقْ .. ومن الحمّامِ (العَرَقْ) ... ومن الفجلِ (الورقْ) )) .. وهي وصايا صحّية ، ومعناها : اِنَّ لَذَّةَ أَكلَةِ التشريبِ في مَرقتها .. فبدونِ (المرق) ، لايستَطاعُ ابتلاعُ الخبزِ ليبوسَتِهِ ، والذي فقدَ اسنانَهُ لا يستطيعُ مضغَ الطعامِ .. امّا بالنسبةِ ل (الحمّام) ، فالمُستحّمُ ، لا ينظفُ جَسَدُهُ اذا لم يتَعّرقْ ، فبالتعّرقِ يترطبُّ الجلدُ فيزولُ ما عَلِقَ عليهِ .. آمّا (الفِجلُ وورقُهُ) فيقولون : اِنَّ مَنْ فقدَ اسنانَهُ لا يستطيعُ تناولَ رأسَ الفجلِ لِصلابتهِ .. آما الورَقُ ، فأنَهُّ اسهلُ مَضغاً .. ومن اطرفِ ما سمعتُ عن لسانِ اهلِ باب الشيخ هذهِ الحكاية التي تدلُّ على الوفاء ، والتي وقعتْ احداثُها قبل اكثر من مئتي عام في محلة باب الشيخ والتي يتداوَلُها الناسُ ، وبطلُها رَجلٌ بَدويٌ كانَ يبيعُ الملحَ على بَعيرٍ لهُ .. قالوا : في ذلكَ الزمانِ ، لم تكنْ هناكَ وسائلُ لتنقيةِ الملح وانتاجهِ ، فكانَ الناسُ يبتاعونَ الملحَ المنتجَ منه محليّاً خاصةً من البدو المتجولين يحملونهُ على ظهورِالابلِ ..وذاتَ يومٍ كانَ بَدويٌّ يتجوّلَ في ازقةِ باب الشيخ ظُهراً تحتَ الشمسِّ الحارقةِ في فصل الصيفِ اللاهبِ ، وكان مُفلِساً لا يملكُ نقوداً ، وقد اخذَ منه العطشُ والجوعُ كُلَّ مَأخَذٍ ، وكانَ يأملُ ان يبيعَ شيئاً من ملحهِ ليتناولَ بثمنهِ لقمةً يَسُدُّ بها جوعَهُ فلم يفلحْ ، والمعروفُ عن البدوِ انهّم ذوو اِباءٍ وَشَممٍ ، يصبرونَ على الجوعِ والعطشِ دونَ طرقِ ابوابِ الناسِ ، ومضى النهارُ يطوي ، وهوَ يُكابِرُ وَيُصابرُ ، وبينما كان يسيرُ في احدِ الآزّقةِ لاحظَ نافذةً مفتوحةً مُطِلَّةً على اِيوانٍ ، ونفحَ وجهَهُ نسيماً بارداً ، فَأَطالَ النظرَ ، فلاحظَ صاحبَ البيتِ يجلسُ وحيداً على مائدةٍ عامرةٍ شَهيّةٍ ، حُمِلَتْ لهُ وقتَ الغداءِ ، وكان هذا الرجلُ احدَ تجّارِ باب الشيخ المعروفين ، فلما وصلتْ رائحةُ الطعامِ الممتزجةِ بالتوابلِ والأفاويهِ الى انفِ البدويِ الذي اضرَّ بهِ الجوعُ والعطشُ ، فقدَ صبرَهُ ، وحدَّثتْهً نفسهُ بالتطفّلِ على مائدةِ ذلكَ الرجلِ من غيرِ دَعوةٍ آو معرفةٍ سابقةٍ ، وظنَّ نفسَهُ انّهُ في مضاربِ قبيلتِهِ ، فبادرَ بربطِ حَبلِ بعيرهِ بكتائبِ الشّباكِ من الخارجِ ، ثم اندفعَ من خلالِ بابِ المنزلِ مسرعاً نحوَ المائدةِ ، دونَ استئذانٍ ، فسلمَّ على الرجلِ الذي أُخِذَ بالمفاجأةِ ، ثم مدَّ يدَهُ نحوَ الطعامِ ، مُزدرِداً اِيّاه بِشراهةٍ ، دونَ الالتفاتِ الى الرجلِ الذي اشمَأَزَّ من هذا التصرّفِ المُشينِ والوقاحةِ الظاهرةِ والاعتداءِ على حرمةِ دارهِ ، خاصّةً حين رأى ما عليه ذلك البدوي من قذارةٍ ظاهرةٍ ورائحةٍ كريهةٍ ، لكنهُ تصبرَّ على كل ذلك وسحبَ يدَهُ من الزادِ ، وقد بلغَ بهِ التوتّرُ مَداهُ ، لكنّهُ آثرَ السكوتَ وبعدَ ان اكتفى البدويُ وَشَبِعَ مسحَ يديهِ بطرفِ ردائهِ ، ثم التفتَ للرجلِ الغاضبِ قائلاً بِبَراءةٍ : يا حاج ، يرحمُ اللهُ آباكَ ، قُلْ لي ما اسمُكَ ، حتى اذكركَ بِخيرٍ ، وأُجازيكَ يوماً على حسنِ ضيافتِكَ وسوفَ لن انسى جميلَكَ هذا وفضلَكَ !! وهنا كانت اعصابُ الحاج قد بلغتْ مَداها ، فقالَ له بعصبيةٍ ظاهرةٍ : اسمي (حاج زقنبوت) ! و (زقنبوت) كلمة تركية معناها (سَم) بالعربية .. لكن البدويَّ لم يفهمْ معنى هذهِ الكلمةِ ، ولم يسمعْ بها من قبلُ ، وظنَّ حقيقةً ان اسم هذا الرجل (حاج زقنبوت) ، ثم خرجَ من الدارِ بمعدةٍ مملوءَة .. ومرّتْ على هذه الحادثةِ عشرونَ عاماً ، تبدَّلتْ فيها امورٌ كثيرةٌ ، فقد اصبحَ هذا البدوّيُ رئيسَ عصابةٍ للتسليبِ وقطع طرق قوافل التجار بينَ بغداد وبلاد الشام ، آما (الحاج زقنبوت) والذي اسمهُ الحقيقي (الحاج علي) فقد اصبحَ ضمنَ مجموعةٍ من التجارِ الكبارِ بين بغداد وبلاد الشام يصطحبونَ القوافلَ المثقلة بالبضائعِ .. وفي احدى السنين كانت قافلة الحاج وزملائهِ عائدةً عبر باديةِ الشام ، فخرجتْ عليها عصابةٌ مسلحّةٌ من البدوِ قامتْ بِتسليبها والاستيلاءِ عليها ، وأَسرِ المشاركين فيها .. ثم آوثقوا التجار بالحبالِ ، وعرضوهم على زعيمهم في كهفٍ قريبٍ ، وهمُ بِأَسوأِ حالٍ من العطشِ والجوعِ وسوءِ المعاملةِ .. فنظرَ اليهم رئيسُ العصابةِ بتمعنٍّ واحداً تِلوَ الآخرِ ، حتى وقعتْ عينهُ على (الحاج زقنبوت) ، فعرفهُ بعد طولِ سنينٍ .. فقالَ لهُ : هل انتَ حاج زقنبوت ؟ ، فقال لهُ : كَلاّ .. لكنَّ البدويَ اصرَّ على قولهِ وصاحَ : باللهِ ، انتَ الحاج زقنبوت ! فردَّ عليه : أَلا يكفيكَ ما فعلتَ بنا ، حتى جئتَ الآن تستهزِئُ بنا وتضحكُ علينا ؟ ، لكنَّ البدويَ قال له : أَلا تعرفني ؟ قال : لا .. فقال : كيفَ نسيتني ، وآنا ضيفُكَ قبل عشرين عاماً ، تناولتُ الغداءَ معكَ في باب الشيخ ، وآخبرتني ان اسمكَ هو (الحاج زقنبوت) .. أَلا تذكرُ ذلكَ ؟ وهنا وضُحَتْ الصورةُ لهُ جيداً ، وتذكرَّ الموقفَ ، فتبَّسمَ وقال : نعم .. انا هو حاج زقنبوت !! صاحِبُكَ القديمُ ، الذي شاركتني غذائي .. وهنا امرَ اصحابَهُ من افرادِ العصابةِ بِفّكِ وثاقهِ واطلاقِ سراحهِ ، اِكراماً لهُ .. فلم يرضَ الحاج علي بذلكَ ، وطلبَ منهُ اطلاقَ سراح اصحابه جميعاً ، ففعلَ ، ثم امرَ بِأعادةِ اموالِ وحاجاتِ صاحبهِ اليهِ ، فآبى ذلك ، وطلبَ اعادةَ حقوقِ جميعِ رفاقهِ اليهم ، ففعلَ ذلك ايضاً ، وَسْطَ دهشةِ القومِ وعجِبهم .. ثم شكلَّ فريقاً من اتباعهِ ، طلبَ اليهم مرافقتهم في السفرِ وحمايتَهم حتى يبلغوا بغداد ... وكلُ ذلكَ كان بفضلِ لقمةِ الزادِ التي تناولها البدويُ في بيتهِ يوماً .. آمّا اصحابُ الحاج علي فلم يفهموا الموقفَ ، وما حدثَ ، فلما اوضحَها لهم ضحكوا واستغربوا ، وتعجبوا من غرائبِ الصدفِ 

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014