• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الأربعاء, 17 نيسان/أبريل 2013

الصمت حين يلهو

  كاتب عراقي يقيم في لندن
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

يقوم الهيكل العام للنص الروائي الذي تكتبه الروائية العراقية خولة الرومي علي بنية تراجيدية في الأعم الأغلب. ومرّد هذا النزوع متأتٍ من طبيعة الأحداث الفجائعية التي تشكل النسيج الداخلي للرواية، وأكثر من ذلك فإن هناك إيغالاً مؤسياً قد يتجاوز حدّه التراجيدي ليقع في دائرة التمثيل، والتشويه، والقسوة التي يُفتَرض أن تجدها في بيئة بربرية متوحشة، لا في بيئة إنسانية تستمرئ الإيغال في القتل، وتبالغ في تشويه الجثة كما حدث للضحية ضمير التي فقدت توازنها إثر مقتل أخيها باسل الذي كان مناوئاً للسلطة الملكية القامعة آنذاك. وانطلاقاً من هذا النَفَس التراجيدي المرعب فإن روايتي رقصة الرمال و الصمت حين يلهو لخولة الرومي تحتاجان الي ناقد متخصص في النقد الأدبي من جهة، وفي النقد النفسي من جهة أخري لكي يسلّط الضوء علي طبيعية بعض الشخصيات الإشكالية المريضة المتوحشة التي تعاطت معها الروائية خولة الرومي بحرفيةٍ عالية ووضعتها تحت مجهرها الروائي الدقيق مثل شخصيات عبد الله أبو شاكر، وأم شاكر، وشاكر نفسه فهذا الثلاثي هو أنموذج غريب للقسوة والتمثيل بالجثة البشرية التي يفترض أن نحترمها ونجلّها بعد الوفاة ونحن الأمة الأكثر ترديداً للحديث النبوي الشائع الذي يقول: إن الإنسان بنيان الله ملعونٌ من هدَمَ بنيانه ولا أدري أين يقف النقد النفسي إزاء الطُبَر بوصفه أداة للجريمة حينما فصل عبد الله رأس ضمير عن جسدها، ثم بقرَ بطنها ليرتكب جريمة مضافة وهي قتل الجنين الذي تحمله في بطنها جرّاء عملية اغتصاب أقدم عليها الشرطي محمد، وكررها لاحقاً هو وشاكر الذي يرتبط معها بصلة الدم والقرابة! وهي ذات الأداة الجارحة التي فصلت رأس ملاذ في رواية الصمت حين يلهو . كما أن مشهد الشنق الاعتباطي لحازم الحلاوي، مدير الأمن العامة والذي نفذته الجماهير الهائجة يكشف عن حجم الفوضي التي تعم العراق في لحظات التغيير الحاسمة غِبَّ الانقلابات والثورات التي تطيح بسلطة ما، لترتقي سُدَّة الحكم سلطة جديدة أو حزب ما كان مقموعاً، وتتكرر عندها ثنائية الجلاد والضحية من جديد.

 

الاستهلال والخاتمة

 تبدأ خولة الرومي روايتها الموسومة رقصة الرمال بداية رمزية مدروسة. فحتي الأسطر الوصفية الخمسة التي كانت تصوِّر الشَحاذَين وهما ينصتان الي الضجيج المنبعث من بغداد لها علاقة قوية بالجملة الاستهلالية التي تأخرت قليلاً لسبب سردي حينما يخاطب الشحاذ الأول صديقه الهرم قائلاً: أما زلتَ تنتظر؟ فيأتيه الجواب دامغاً ويقينياً لا يعتريه الشك: أجل، وماذا لديَّ غير الانتظار . الملاحظ أن الشحّاذ الثاني يفلسف الأفكار التي ترد في ذهنه مُخرِجاً إياها من إطارها اللغوي العابر، قاذفاً بها الي الإطار المجازي الذي يتصف غالباً بقوة الدلالة، وشدّة التعبير. فالتداخل المُتَعمَّد الذي أحدثته الكاتبة بين الحقيقة والوهم، أو بين الواقع والخيال إنما هو تداخل فني له علاقة بآلية السرد، والتصعيد الدرامي، وتقنية التشويق والترقّب، والبناء السردي التراتبي أو القائم علي الاستعادة الذهنية التي تعتمد علي قطع الحدث ثم المعاودة اليه بعد مدة زمنية محدودة تتناسب مع اشتراطات الصدق الفني والواقعي للنص الروائي بحيث تبدو الإطلالات اللاحقة لأية شخصية مناسبة ولا تخرج عن إطارها المعقول الذي يتساوق مع طبيعية الأحداث التي تتماهي مع عناصرها الزمكانية المستوعبة لحركة الشخصيات ضمن المسارات السردية التي تقترحها خالقة النص ومبدعته. وحينما يتيقن القارئ من حكمة الشحاذ الثاني أو الرجل الهرم، فإنه يظل منتظراً أية إطلالة أخري لكي تعزز لديه هذا النزوع الفلسفي الذي يتجلي عبر ثنايا النص ومنعطفاته، حتي أن مكانهما المطل علي نهر دجلة، والكائن أمام منزل العقيد المتقاعد غالب المنصور، له دلالات إضافية تعمق البُعد الرمزي المُشار إليه سلفاً. فهذا المكان أشبه بالمرصد المُشرف علي الأحداث والمجريات الكبيرة التي تقع ضمن محيط هذا البيت اللافت للانتباه، حيث ستضع الروائية أفراده علي طاولة التشريح كل علي انفراد، كما أنها لا تتفادي تشريح الناس الذين يترددون علي هذا البيت بدءاً بحازم الحلاوي، مروراً ببعض العشاق الذين يترددون علي المنزل أمثال سامر الخطيب وبشار قادر السهيلي، وانتهاءً بأم محمد وابنها الشرطي الذي سوف يلعب دوراً مهماً في صناعة بعض الأحداث وتطورها عبر مسارات النص. أما الجملة الختامية فتتمثل بحكمة الشحاذ أو الشيخ الطاعن في السن، والذي سيرحل بعد ذلك، أو يُودِع حكمته التي سوف يحملها العراقيون جيلاً بعد جيل. نجحت الروائية خولة الرومي في الحفاظ علي بنية النص المتينة، وتماسكها الرصين بواسطة هذا التناوب المنتظم للشخصيات التي أثثت النص عبر المساحة الممتدة من الاستهلال المعبِّر وحتي الخاتمة المفتوحة علي أفق واسع الدلالة.

 

تقنيةُ العين المُستعارة

 قبل أن نخوض في فكرة العين المُستعارة والتي استعملتها خولة الرومي في رصد الأحداث الروائية التي امتدت لمدة خمس عشرة سنة في الأقل، وهو الزمن الذي اختفت فيه أمل زوجة العقيد المتقاعد غالب المنصور، حيث تركت وراءها ثلاث بنات وولداً وهم سُهاد، سمر، نادية، وعزّام، واختفت عن الأنظار تحت حجاب ثقيل، غير أنها كانت تطل بين أوان وآخر كلّما هزّها الشوق الي بناتها الثلاث وولدها الوحيد، حيث تشبع ناظريها وهي تتطلع إليهم من مسافة غير بعيدة. اعتمدت خولة الرومي علي تقنية العين المُستعارة بواسطة عدد من شخصيات النص الروائي من بينهم الشحاذَين والأم الغائبة الحاضرة. وبواسطة هذه الشخصيات الثلاث التي كانت تقوم بدور الراوي العليم الذي يعْرِف بسياق الأحداث أو يتنبأ بها كما تنبأت الأم أو أدركت بحاستها السادسة مقتل زوجتها وابنتها سهاد. إن تقنية العين المُستعارة كانت توفر للقارئ مساحة كبيرة من التوقعات الصحيحة عبر الرؤيا الحاذقة لبعض الشخصيات التي أُسندت لها مهمة التوقع وقراءة الأحداث المستقبلية واستشرافها. لا شك في أن القارئ الكريم سيعرف أثناء مطالعته لهذا العمل الروائي الناجح أن هناك بؤرة مكانية مقصودة وهي منزل العقيد غالب المنصور، إذ تتركز معظم الأحداث في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي تضم بين جدرانها وأروقتها أنموذجاً لعائلة عراقية قد تجد لها مثيلاً، قلَّ أو كَثُرَ، في أطياف الشعب العراقي متعدد الأعراق، والأديان، والجنسيات. كما أن منظومة العلاقات التي تربط أفراد هذه الأسرة بشخصيات من عوائل وأُسَر عراقية مختلفة ستكشف بالضرورة عن نماذج أخري من المجتمع العراقي الذي وضعته الروائية تحت عينها الخاصة أو الأعين المستعارة التي استعانت بها لمتابعة سير الأحداث والتفاصيل الروائية الأُخَرْ.

 

النزعة التراجيدية

 تعتمد خولة الرومي في كتابة النص الروائي علي نزعة تراجيدية واضحة المعالم. فثمة مشاهد تبدو وكأنها منتزعة من حدث ملحمي. والغريب أن عينها هي عين سينمائية قادرة علي أن تضم مساحة واسعة من هذا الحدث الملحمي المُشار إليه سلفاً، ويكفي أن نلفت الانتباه الي مَشاهِد قطع الرؤوس بآلات حادة مرعبة والتي تكشف بالضرورة عن طبيعة النزعة الوحشية لدي بعض الشخصيات التي استوطن الشر في نفوسها، وجرَّدها من أية مشاعر إنسانية. وعلي الرغم من هيمنة الفضاء التراجيدي لأعمالها الروائية إلا أن بصيص الأمل أو نقطة الضوء تظل قائمة وموجودة في نهاية النفق المظلم الذي تتحرك فيه شخصيات النص الروائي كله، بمن فيها الشخصيات القامعة والمترَفة والتي تمتلك زمام الأمور مثل مدير الأمن حازم الحلاوي، والعقيد المتقاعد غالب المنصور الذي كان يطمح الي أن يكون أحد أعضاء البرلمان العراقي، خصوصاً بعد أن أغرقه حازم الحلاوي بعدد من الوعود الزائفة. إن دراسة هاتين الشخصيتين لوحدهما كافية لأن تسلط الضوء علي الشخصية العراقية التي تحتل منصباً كبيراً وحساساً ثم تطوِّعه لمصلحتها الشخصية، وترتكب من خلاله مخالفات قانونية تتمثل في ابتزاز الآخرين كما فعل حازم الحلاوي بحق صديق طفولته غالب المنصور.

فالقارئ الذي كان يتابع نمو شخصية حازم الحلاوي الذي أصبح مديراً للأمن العام قد لا يستغرب مثل هذا السلوك الذي أفضي الي خسارة الطرفين في النهاية حيث عُلق الحلاوي علي عمود النور، بينما سدّد الثاني فوهة مسدسه الي رأسه ومات ميتة مؤسية الي جانب ابنته الراقدة تحت شرطي مجرم ومبتّز لا يجد ضيراً في أن يتحسس عجيزة أخته. لم نعرف من شخصية هدي، زوجة حازم الحلاوي سوي أنها انتحرت لأنها لم تطق العيش معه، وهذه الإشارة كافية لأن تنبهنا الي أن التعايش مع هذه الشخصية هي عملية مستحيلة، كما تشير من طرف خفي الي أن الحلاوي كان عقيماً بمعنيً ما، وأن هذه الشخصيات لا تحيا إلا دورة حياة قصيرة وامضة ثم تنطفئ بسرعة البرق حيث تنتظرها حبال المشانق أو النصال الحادة التي تلتمع في رابعة النهار.

أما العقيد غالب المنصور الذي تقاعد وانزوي في عقر داره بعد أن هربت زوجته من ظلمه واختفت عن الأنظار لمدة خمس عشرة سنة، لم يجد هذا الشخص الإشكالي سوي السقوط في دائرة الأوهام التي خلــــقها له حازم الحلاوي بأن يضمن له بساتينه بأسعار مغرية، ووعده بالترشيح للبرلمان العراقي بعد أن يعرّفه علي رئيس الوزراء، الباشا نوري السعيد. 

وبالمقابل فإنه كان يطمح بالزواج من ابنته الوسطي سمر. ولا غرابة في أن تكون له علاقة جنسية محرمة مع البنت الكبري سهاد، العانس المترهلة التي لم تجد من يطرق بابها، خصوصاً وانها كانت المُضحية الأولي في العائلة حيث تركت الدراسة، وتولت تدبير أمور المنزل بعد اختفاء أمها الذي أربك حياة العائلة برمتها. أجد من الضروري هنا أن نمرّ مروراً سريعاً علي العلاقات العاطفية لبنات العقيد غالب المنصور. فسهاد كانت محرومة من أي شكل من أشكال المداعبات الجنسية، وهي تحتاج من دون شك لإشباع هذه الحاجة الإنسانية، لذلك لم تجد أمامها سوي بعض الذين يترددون علي هذا البيت لعل أولهم مدير الأمن حازم الحلاوي، وثانيهم الشرطي محمد الذي يتوفر علي شخصية منحطة، وخارجة علي القانون، علي الرغم من كونه رمزاً من رموز القانون. أما البنت الوسطي فهي سمر، مُدرِّسة التاريخ، التي أحبت سامر الخطيب، مدرس الفيزياء في كلية العلوم، لكن حازماً كان يشتهيها هو الآخر، لذلك ساوم والدها علي الزواج منها مقابل وعوده الكاذبة.

أما نادية، الفتاة الصغري، وهي طالبة في كلية الطب فقد ارتبطت ببشار قادر السهيلي الذي واجهَ ظروفاً قاسية في نهاية النص، لكنه تيقَّن لاحقاً، بأن حبيبته نادية كانت علي حق، وأنها لم ترتكب إثماً بخلاف توقعاته وشكوكه التي ذهبت به بعيداً عن واقع الحال حيث كانت نادية تلتقي بأمها سراً بعد أن وعدتها بعدم فضح هذا السر الذي قد يدمّر العائلة كلها. أما الشخص الرابع في العائلة فهو عزّام، هذا الفتي الوسيم الذي كان يحلم بالسفر الي الخارج من أجل الحصول علي شهادة الدكتوراه، فقد غيّر مسار حياته بالكامل حينما قرر الالتحاق بالخدمة العسكرية نتيجة لقناعاته التي ترسخت لاحقاً. كما أنه وقع في حب دينا شقيقة سامر الخطيب التي وافقت علي الاقتران به شرط أن يسمح لها بمواصلة دراستها العليا في الأدب الانكليزي أو الصحافة. وخلاصة القول إن العقيد غالب المنصور ينتحر حينما يري بأم عينيه الشرطي محمد وهو يواقع ابنته في عقر داره فيقتلهما معاً وينتحر. أما حازم الحلاوي فيواجه مصيره المحتوم علي أيدي الجماهير الغاضبة اثر إندلاع الثورة التي قادها الزعيمان عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف حيث سيطر هذا الأخير علي مراكز الدولة الحساسة، وأذاع البيان رقم واحد بنفسه من دار الإذاعة العراقية واعداً العراقيين بحياة أفضل. أما الشخصيات الأُخَرْ التي لعبت أدواراً مهمة فهي باسل الذي فقد حياته بسبب نشاطه السياسي، بينما ظلت زوجته خديجة متعلقة به علي الرغم من أنها تزوجت لاحقاً من صبحي بائع الباقلاء. لن يفلت الشرطي الشاذ من العقاب لأن خديجة استنتجت بواسطة حدسها الداخلي أن محمداً قد يكون الشخص المعتدي بخلاف التُهمة التي حاول أن يلصقها بصبحي زوراً وبهتاناً. هناك شخصية عزيز حميد المنهمك في النشاط السياسي، والذي لعب دوراً مهماً في محاولاته المستميتة لإطلاق سراح السجناء السياسيين، وتحريض الرأي العام علي السلطة القمعية. لا بد من الإشارة الي شخصية الكردي التي جاءت خلواً من الاسم، فقد تعرض هذا الفلاح الي ظلم أحد الإقطاعيين الكرد، فبسبب مبلغ مادي لم يستطع أن يسدده أخذ الإقطاعي ماله وحلاله واشتهي زوجته، ثم طرده بعيداً عن دياره. ترد في النص شخصية أم محمد وزوجها عبد الرزاق اللذين تعرضا لظلم رجل إقطاعي من الجنوب هذه المرة حيث أخذ البقرة لأنها كانت ترعي في مضاربه. وعندما خسرا كل شيء لم يجدا بُداً من الرحيل من محافظة العمارة الي بغداد حيث توسط لهم العقيد غالب المنصور وأدخل ابنهم محمد الي مدرسة الشرطة غير أن هذا الأخير كان عاقاً وساقطاً حيث تنكّر لهذا الجميل الذي أسداه إليه والي عائلته المتواضعة. تصلح الأم أمل أن تكون أنموذجاً للشخصية المُقنَّعة فحينما هربت من البيت واختفت ظنَّ الكثيرون أنها ماتت، بمن فيهم ابن عمها توفيق البغدادي الذي لم يصدقها حينما التقته في بيروت طالبة منه مد يد العون والمساعدة حيث اعتبرها امرأة محتالة تنتحل شخصية المرأة الطاهرة التي لاقت أجلها المحتوم. كما أن هذه المرأة قد تقنعت لاحقاً باسم سالمة شاكر ابنة أخت وهيبة. ولهذا السبب فقد ارتضت أن تعيش تحت هذه التسمية الجديدة.

في حين واقع الحال يكشف أنها كانت تساعد نبيل ابن الحاج إسماعيل، الشخص الذي كانت تحبه في صباها ولم تستطع الاقتران به، وهو الآن مُطارد تبحث عنه الشرطة في كل مكان، وأخيراً دهموا مخبأه ووجدوه بصحبة امرأتين أحدهما أمل التي تخفَّت تحت اسم سالمة شاكر والغريب أن الأجهزة الأمنية قد اتهمتها بممارسة الدعارة وسجنتها لمدة ثلاث سنوات في سجن النساء. من خلال هذه الشخصية المقنعة نكتشف أن نبيلاً قد التحق بالجيش ولأنه كان متمكناً من اللغة الإنكليزية فقد عيَّنوه في قاعدة الحبانية العسكرية، وشاءت الظروف أن تقع تحت يده وثيقة تؤكد أن مقتل الملك غازي كان مُدبّراً من قبل الباشا نوري السعيد، فزجّوه في سجن انفرادي، لكنه نجح في الفرار من ذلك السجن، وها هو الآن علي مشارف الموت تحيط به فوّهات البنادق من كل حدب وصوب.

 

تداخل الذات والموضوع

 نجحت الروائية خولة الرومي في توظيف سيرتها الذاتية والأسرية جانباً، فكما هو معروف أن شقيقتيها كانتا طالبتين في كلية الطب، لذلك فإن التسميات والاصطلاحات التي بالباثولوجي والتشريح هي اصطلاحات علمية دقيقة تقرّب القارئ من واقع الحال. كما أن مدينة الأعظمية قد أصبحت واحدة من البؤر المكانية التي يتحرك النص في مدارها، وهو ذات المكان الذي كانت تعيش فيه عائلة خولة الرومي. إن انطلاق الرومي مما هو ذاتي الي ما هو موضوعي قد عزز بنية النص، ومنحه الكثير من الحرارة والمصداقية. ومما يلفت الانتباه أن خولة الرومي تحاول دائماً الإفادة من الموروث الشعبي الذي يستجيب لمخيلتها الفنتازية حيث اختارت يوم العاشر من شهر محرّم لتصور فاجعة الإمام الحسين ع التي تحييها الطائفة الشيعية كل عام عبر طقوس مليئة بالقسوة المتمثلة في جلْد الذات. ركزت الروائية علي حركة الضباط الأحرار التي كانت تفكر في الإطاحة بالنظام الملكي ولعل آخرها ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 التي أنهت الحكم الملكي بطريقة دموية لا تقل بشاعة عما اقترفته الجماهير الغاضبة بحق الجلادين حيث قُتل الملك وعائلته وأتباعه في قصر الرحاب، كما سُحل رئيس الوزراء نوري السعيد في شوارع بغداد، وكأن السحل قد بات ماركة مسجلة باسم العراقيين دون شعوب الأرض جميعاً. هكذا ينتهي النص الروائي من دون التطرق الي فحوي الثورة ومغزاها الذي اختلف عليه الكثيرون، فمنهم منْ يراها نهاية لعهد بائد لا مجال لعودته، ومنهم منْ يراها الخطوة الأولي نحو بوابة الجحيم التي انفتحت علي العراقيين الذين لا يزالون يسبحون في حمّامات الدم الساخنة التي فجرها الحقد الطائفي المقيت الذي جاءت به الأحزاب الدينية المتخلفة التي تمشي بالمقلوب صوب كهوف مذهبية متطرفة دامسة الظلام. السؤال الوحيد الذي أود إثارته في نهاية هذا المقال هو: أين النقاد العراقيون من هذه الرواية الناجحة فنياً والتي تهم الشعب العراقي بمختلف قومياته وأطيافه وشرائحة الاجتماعية؟ يا تري، هل غُيّبت خولة الرومي لأنها كاتبة مندائية مع الأخذ بنظر الاعتبار أن روايتيها الموسومتين بـ رقصة الرمال و الصمت حين يلهو تخلوان تماماً من الإشارة الي أي طقس مندائي مع عتبي الشديد عليها لأنها لم توظِّف الطقوس المندائية في نصيها المذكورين سلفاً، ولكنني واثق من أنها لن تهمل هذا الموروث الثر في عملها الروائي الثالث الذي نترقَّب صدوره علي أحر من الجمر. وجدير ذكره أن الكاتب عبد المنعم الأعسم قد كتب مقدمة مقتضبة ودالة للرواية، فيما زيّنت غلافها الأول لوحة فنية للتشكيلي العراقي المعروف فيصل لعيبي.

 

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014