• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الأحد, 26 أيار 2013

قلب أمّي

  حذام عبد السلام عامر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كان الطقس دافئاً نوعا ما عندما إستقلينا الحافلة التي تذهب الى مدينة نورتاليا الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة ستوكهولم والتي تبعد عنها حَوالي مائة كيلو متر ,ونظرت الى السماء الملبدة بالغيوم وودتُ لو إنها غادرتْ السماء لنُنعم بيوم مشمس فنحن في شهر مايس وقد إبتدأت الأرض بإرتداء حلَّتها الخضراء بعدما أرهقتها ثلوج الشتاء الكثيفة وبدأت الحياة تدب في الكائنات والأشجار,وكنا ننوي الذهاب الى جزيرة أولاند الواقعة في أوستر خيون والتي تعني البحيرة الشرقية وتلك البحيرة تتصل إتصال مباشر ببحر البلطيق. كانت الحافلة تجتازطريقاً محفوفاً بأشجار الغابات الكثيفة والتي تُسرْ النفس وتبعث على الراحة والهدوء والإسترخاء . وعند وصولنا لمدينة نورتاليا ركبنا السفينة التي تُبحِر بنا الى تلك الجزيرة والتي تبعد أيضاً حوالي مائة كيلو متر عنها .

وإبتدأت رحلتنا ونظرت الى السماء فقد بدأت الغيوم بالإنقشاع تدريجياً وبدأ الدفء يتسرب الى أوصالنا وتفاءلت بيوم جميل نريح فيه أنفسنا من متاعب الحياة اليومية ونلقي بأحزاننا في هذا البحر الكبير . وصعدت في الطابق العلوي للسفينة وإستمتعت بمنظر إقلاعها وتنسمت ملء صدري الهواء العليل الذي لايخلو من البرودة وبدأت السفينة تمخرُ عباب الماء ووقفت أتأمل منظر البحر الذي تتجسد فيه عظمة الخالق سبحانه .

وبينما كنت في لحظة التأمل هذه والنظر الى الأمواج التي تنشق وتفسح الطريق لمرور السفينة هتف بي صوت إمرأة كان آتياً من خلفي :

ـ هل معك ولاّعة ؟

كان صوتاً متسلطاً ولا يخلو من الفضاضة فلقد تعودت أن أسمع من فضلك أو ممكن أسألك وإلتفتُ ناحية الصوت خلفي ووجدت إمرأة شقراء في منتصف الأربعينات من العمرتقريباً وملامحها لاتخلو من القسوة والعنفوان والتسلط وكان الإرهاق بادياً عليها ومظهرها يوحي وكإنها إستيقظت تواً من النوم...

أجبتها بنعم وأخرجت الولاّعة من حقيبتي وناولتها إيّاها,أشعلت سيكارتها ثم باغتتني بالسؤال:

ـ هل تدخنين؟

ــ نعم أُدخن أحياناً

فردت عليّ وكأنها تنصحني عن معلومة لأول مرَّة أسمعها في حياتي ...

ــ ألا تعلمين إن التدخين مضر بالصحة؟

فتعجبت لكلامها وسألتها :

ــ ولماذا تدخنين أنت إذن؟

ــ نُجبرُ أحياناً على فِعل أشياء بالرغم من قناعتنا بأنها سيئة ومضرَّة..

كانت تلك المرأة غريبة الأطوار ومشتتة الذهن ولم أستطع تفسير مابداخلها,وكانت تنظر لطفلة صغيرة تمرح بالقرب منّا عِندما ردّت علي وقد عرفت فيما بعد إنها إبنتها ,عمرها ست سنواتٍ تقريباً ,جميلة كالملاك,شقراء ,وشعرها مسدول على كتفيها كشرائط من الذهب,وسألتني بفضول :

ــ من أي بلد أنتِ؟

ــ من العراق ومن أي بلدٍ أنت؟

ــ أنا سويدية

وما هي سوى لحظات حتى صاحت الطفلة الصغيرة:

ــ ماما لقد إنسكب العصير على ملابسي

نهرتها بقوة وصاحت بها :

ــ أيتها الغبية كم مرة قلت لك لاتوسخي ملابسك ولكن من الظاهر إنك غبية لدرجة إنك لاتدركين هذا ..

نظرت إليها محاولة تهدئتها

ــ إنها لازالت صغيرة وكل الصغار هكذا

ــ لا لا ليس كل الصغار بل فقط هي فقط لإنها غبية ,ونظرت لي بتفحص وسألتني:

ــ هل أتيتِ لوحدك ؟

ــ لا أتيت مع عائلتي..

ــ كم ولد لديك

ــ إثنان

ــ هل أنت سعيدة معهم ؟

ــ بالتأكيد

ــ وأين هم الآن

ــ نزلوا الى المطعم لإحضار الطعام لنا , وعادت لأسئلتها الغريبة

ــ هل فكَّرتِ مرَّة بالإبتعاد عنهم ؟

فأجبتها بكل تأكيد لا

وعادت تسألني بعدما صمتت برهة:

ــ هل والدتك على قيد الحياة ؟

ــ لا لقد توفيت منذ عشر سنوات

ــ هل تذكريها دائماً ؟

فتعجبت لسؤالها هذا وقلت في داخلي لقد وقعت اليوم بين أيدي تلك المعتوهه وأجبتها :

ــ مَنْ مِنّا ينسى أمه فهي السعادة والعطاء والحنان والأمل ....

مللت من كثر أسئلتها وغرابتها وتملكني الفضول لأعرف عنها بعض التفاصيل لعلي أجدُ تفسيراً شافياً عما يدور بخلدها والأفضل أن أبدأ بنفس سؤالها إن كانت متزوجة أم لا كما سألتني ولكني ترددت في سؤالي هذا لأني أعلم علم اليقين بأن الأغلبية ينجبون أبناءهم بدون زواج وغيرت صيغة السؤال في ذهني وسألتها :

ــ هل رافقك والد الطفلة في تلك الرحلة ؟

ــ لقد تركني عندما كان عمر إبنتنا ثلاث سنوات وأنا الآن أعيش معها لوحدي.

كانت نظرات الأسى بادية ً في عينيها وأحسست من ثقلِ كلماتها إنها كانت متألمة فبالكاد نطقت بتلك الكلمات وفي قلبها غصة ظهرت جلية على ملامحها .

صمتنا لحظة ثم قُطِعَ صمتنا بصراخ إبنتها التي وقعت أرضاً من المصطبة الخشبية المجاورة أثناء اللعب وركضنا نحوها وكان هناك جرح صغير في أحدى ركبتيها فأخذت منديل من الورق ومسحت الدماء,وكنت أنتظر أن تفعل هذا أمها بنفسها ولكن أذهلتني بتصرفها فقد أمسكت بيدها بقوة وأخذت تهزها بعنف وتخاطبها بلهجة ملأت قلب الطفلة خوفاً وقالت لها:

ــ أيتها الغبية لم أعد أحتملك وسأقتلك إن فعلت أي خطأ آخر..

إرتعبت الطفلة المسكينة ومن شدة رعبها أخذت تبكي بصوت خافت ودموعها تسيل بغزارة وجسمها يرتجف من شدَّة خوفها, هدأتُ الطفلة وأجلَسْتها على كرسي بالقرب مناّ وعدت الى أمها التي إبتعدت لتُشعل سيكارة أخرى...

وسألتها بإستغراب:

ــ لماذا تفعلين هذا بإبنتك..ألا تخافين من أن تكرهك,نظرت لي ببؤس وأجابت :

ــ أنا أريدها أن تكرهني

ــ أنا مستغربة جداً ..لماذا؟ أيعقل ؟ هل توجد أم في الكون تريد لإبنتها أن تكرهها؟

أجابت والعبرات تخنقها : نعم أنا أريد ذلك ,ثم أجهشت بالبكاء وأختفت منها كل ملامح القسوة والعنفوان والجبروت وكإنها ليست هي نفس المرأة التي قابلتها من لحظات وخاطبتها:

ــ أرجوك إهدأي وإسمحي لي أن أسألكِ ماالأمر؟؟ إن كنت تريدين البوح فأنا أستمعُ لكِ فأجابتني بصوت منخفض لتتحاشى أن تسمعها إبنتها:

ــ أنا مريضة جداً وربما أيامي في الحياة معدودة فقد تعالجت منذ سنوات من مرض السرطان وإستقرتْ حالتي لثلاث سنوات تقريباً ولكن عاد المرض مجدداً لينتشر في كل أنحاء جسمي وأخبرني الطبيب بأنه لايستطيع إنقاذ حياتي و من الواضح إن العلاج لايجدي هذه المرة فأنا مرهقةً جداً والآلام الشديدة المبرحة تمكنتْ مني ,أشعر بدنوِ أجلي وأريد لإبنتي أن تحب والدها وتكرهني حتى لاتشعر بغيابي إن رحلت.

كان وقع كلماتها كالصاعقة عليّ ودبت في جسمي قشعريرة رهيبة من النادر ماأشعر بها وإنهمرت دموعي وأحتضنتها وأنا أهمس في أذنها والعبرات تكاد تخنقني :

ــ هل تؤمنين بوجود الله ؟

فردَّت عليَّ :

ــ نعم

ــ إذن آمني بمشيئته والعمر بيده وليس بيد الطبيب , وشيء آخر أقوله لك ,نحن نؤمن بأن الله حدد لكل منّا عمره الصغير والكبير فكثير من الناس توفوا في حوادث وآخرون لم يمرضوا لكنهم ماتوا فجأة, إنها الأقدار ياعزيزتي ...أريد أن أخبرك إنك أمٌ عظيمة وسيكافئك الرب على ماتفعلينه ,لكن لاتقسي على إبنتك أرجوك فمهما فعَلتِ فلن تكرهك .

حضنتني بقوة وقالت لي : كنت محتاجة الى إنسانة مثلك أبوح لها عمّا في داخلي وقد بعثك الله لمساعدتي فشكراً لك ...ثم حملت إبنتها وذهبت بعد أن ودعتني ولكنها تركت في قلبي جرح غائر عن معنى من أسمى معاني الأنسانية..إنه الأمومة... ما أعظم تلك السيدة والتي على الرغم من طريقة تفكيرها الغريبة لكنها تريد لأبنتها أن لاتتألم إنْ رحلت عن الدنيا .........فما أعظم قلب الأم...

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014