• Default
  • Title
  • Date
  • عوني سلمان الخشن
    المزيد
    في لحظات من الخوف والقلق زاد من شدتها احمرار لون
  • بقلم. نعيم عربي ساجت
    المزيد
    اليوم هـو الجمعـة ، عــطـلة ( نـضال ) عـن الـعمل ، الشَّمـسُ تـتأَلـقُ في
  • صلاح جبار عوفي
    المزيد
      رنَّ جرسُ الدار..! تسابقت الصبایا الثلاث ( شھد ، تمارا ، مایا
  • فارس السليم
    المزيد
    في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس
الخميس, 08 آب/أغسطس 2013

نحو قصر الأمير

  حامد خيري الحيدر
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

ْ
قصة من خيال بلاد ما بين النهرين القديمة

طريقٌ مُترب طويل ، خطواتٌ لأقدام ٍ مُتعثرة تحمل بقايا أنسان تتمايل قامته من شدة الضعف و وهن الجسد ، لا تسترهُ غير قطعة ثوب عتيق بال و صَندل مُمزق مُهتريء لا يكاد يحمي تلك الأقدام المُتهالكة ، فأنغرز الحصى الناعم فيها دون أن ينتابه أدنى أحساس بالألم ، بعد أن فقد ذلك الشعور من كثرة ما لاقاه ... ماكاد يسير بضع خطوات حتي يتكأ قليلاً على أحدى الجدران الطينية ليستعيد بعضاً من قوتهِ تعينه على مواصلة مشيه نحو ذلك الأفق البعيد الذي لا تبدو من ملامحه غير العُتمة ..... على هذا المنوال المتباطيء الرتيب واصل (أونتاش) سيره قاصداً قصر الأمير.
قطع بمسيرته المتباطئة تلك سوق المدينة ، حيث كانت الحياة في (لكًش) سقيمة كئيببة ، بالرغم من ما كان يوحي ظاهرها المزوق المُزيف الذي تحاول سلطة الأمير تجميله لأخفاء حقيقة الواقع المُزري الذي تعيشه .. أنتصب في وسطه تمثال كبير للأمير بوجهه القاسي المُتجهم ماداً يده للأمام كأنه يأمر الجميع بالسكوت ، والناس يمرون بجانبه رامين أياه بنظرات الغِل الحاقدة . لم يقف أحداً عنده سوى بعض البغايا اللواتي أتخذن منه مرتعاًً و مثابة لتجمعهن الرخيص ... أما الحوانيت فكانت مُشرعة الأبواب ، عارضة بضائعها المتنوعة أمام المارة المنتشرين بينها هنا و هناك على أختلاف هيئاتهم ، و البسطاء منهم يكتفون بالنظر اليها دون أدنى قدرة منهم على الشراء بعد أن نخرتهم الفاقة حتى النخاع ... و بالمُقابل ترى التجار قد أزدادت سمنتهم و أنتفخت كروشهم كقطط المطابخ الكسولة ، يجلسون أمام حوانيتهم بملابسهم الفاخرة موزعين أبتسامتهم الصفراء الكاذبة مُحاولين أستمالة الزبائن و مُروجين لبضاعتهم ، هاتفين بعلو أصواتهم (أنها خيرات أميرنا العظيم) ، (أنها نِعَم أميرنا المُفدّى) . أما الذين لايهتفون فليس لديهم من عمل يقومون به سوى وزن شيقلات الذهب و الفضة و وضعها في أكياس جلدية صغيرة ، غير عابئين بالحمالين المُتعبين العاملين في حوانيتهم ، و قد أحدودبت أظهارهم من كثرة تحميل البضائع و أكياس الحبوب الثقيلة ، ناظرين الى التاجر نظرات حادة تبقى معانيها بين ثنايا قلوبهم المُتقيحة ...... كانت صور هؤلاء المظلومين المتعبة شبيهة بحاله هذا ، حيث غدى مع معظم الفلاحين الكادحين في المدينة بعد أن ُطردوا من أراضيهم و دورهم و كل ما يملكون لعجزهم من سداد تلك الضرائب اللعينة التي فرضها جباة الأمير عليهم .... (الأمير يمهلك ثلاثة أيام يا (أونتاش) لتأتي بنفسك اليه و تختم صك التنازل عن أرضك أمامه ، و ألا سيكون مصيرك مثل مصير زوجتك الساقطة) .. هكذا قالوها بمليء أفواههم العريضة التي تشبه أفواه الضباع ، أعقبوها بضحكات العُهر التي لا تليق ألا بالقتلة ، و هو مُكبل اليدين مُلقاً أمام أرضه السليبة التي لم يبقوا له فيها سوى جثة زوجته (ننشيدا) مُلطخة بدمائها .. أي أذلال ذلك الذي يريد الأمير أن يلحقه بالكادحين و المستضعفين؟ و أي غضب ذلك الذي يريده أن يتلبد في صدورهم؟
مع نهاية السوق ساقه الطريق لأحد الأزقة الفقيرة حيث بيوت الشغيلة و الحرفيين البسطاء الذين عانوا ما عنى فلاحي (لكًش) ، ليرى وجهاً آخر من القهر الذي عانته هذه الأرض المتهالكة ، لايكاد يجمعه مع الأول سوى سور المدينة الذي أنهدمت أجزاء كبيرة منه و تداعت أخرى ، ليعلن عجزه عن حماية وجهيها النقيضين ... بيوت بائسة و أخرى في طريقها للسقوط ، رجال و نساء يجلسون عند أبوابها المتهاوية ، لا ملامح لهم بعد أن تحولوا الى أشباح من شدة الفقر و قسوة الجوع و كأنهم أخرجوا تواً من قبورهم ، ينظرون الى المارة بذهول غريب ... أطفال عراة ذوي بشرة صفراء يبحثون بين أكوام النفايات عن شيء من بقايا الطعام يملؤن به بطونهم الخاوية ، و آخرون يلعبون وسط بركة للمياه الآسنه .. في هذا المكان لم يكن هناك من ذكر للأمير أو حتى مايرمز لوجوده سوى بقايا رأس تمثال مشوه ليس فيه أية ملامح ، مُلقاً قرب أحدى أكوام النفايات ، أتخذ منه الأطفال مكاناً للتبول ..... رأى في براءة أولائك الأطفال صورة طفليه ، حين أخذوا عنوة من زوجته (ننشيدا) لوشمهم بوشم العبودية لأكمال دَينه المفروض عليه .... (ياترى أين هم الآن و ما هو هو حالهم ، جائعين ، عطشى ، أم ترى عمل العبيد قد هدّ أجسادهم الغضة النحيلة) .... أستعاد تفاصيل ذلك اليوم الأليم عندما هاجمهم جنود الأمير مع جباتهم لأخذ أرضهم و غِلتهّا ، و كيف دافعت زوجته ببسالة عنها ، لقد أنقضّت كاللبوة الكاسرة على الجنود حين حاولوا أختطاف طفليها ... (أه ما أشجعك يا (ننشيدا)) .. لقد قتلت جندين بمنجلها قبل أن تمزق جسدها حراب الباقين ... كانت تقول دوماً (أن الحياة قصيرة ، فلنعشها أذاً بكرامة) .... نعم يجب أن نعشها بكرامة ، لكن أي كرامة تبقت بعد أن قتل الأحبة و أستباحة الأرض و أسعباد الأطفال ... لقد أمتزجت هذه الأرض بدموعنا و عرقنا ، و الآن غدت أغلى بعد أن أرتوت بدماء من نحبهم ، فكيف نعطيها للأمير ؟ لا و لن يحدث هذا .. (لا يا (ننشيدا) لن أعطيها لهم و لن أكون أقل شجاعة منك) . (ها أنا ذاهب الى ذلك المِسخ الذي تسيل من أنيابه دماء أبناء (لكًش) لأقول له .. لن أتنازل عن أرضي مهما يكن ، ولا تحلم أن أختم لك يوماً ذلك الصك الجبان ، لقد أخذتها عنوة ، لكنها ستظل أبد الدهر مقرونة بأسمي و أسماء أولادي الذين سيظلون يطالبون بها ، و لابد أن يستردوها يوماً).
كان كلما أقترب من القصر تبدأ صور النفاق و الكذب و الدجل بالأزدياد ، مُتجلية بمنظر الكهنة و هم يقفون مُتصلبين مُتبسمرين كرموز النحس أمام معابدهم الدهماء ، و هم يبتهلون بصوت عال (لتحمي الآلهة أميرنا و تقوي سلطانه) ، (أنه أختيار آلهتنا المباركة) ، (لتزيد الآلهة من ثروات الأمير كي يعم البلاد الخير) ... و بين المعابد تنتشر منحوتات تتوسطها صوراً للأمير و هو بعدة هيئات ، تارة تراه شاهراً سيفه ليهدد و يتوعد ، وتارة يبتسم أبتسامة المُتشمتين ، و أخرى رافعاً يده علامة النصر على شعبهِ الجائع المُضطهد ، مقرونة بكتابات تمجد حكمه البغيض .. (الأمير الذي أنتصر على أعداء الآلهة) ، (الأمير الذي أحبته الآلهة من دون البشر) ، (الأمير واهب الخير و باني المعابد) ... و عند أركان أحد تلك المعابد كان أحد الكهنة قد أختلى ببعض الجَهلة المُخدرين ليفتي بهم (أمنحوا كل ما لديكم من أجل الأمير) ، (جوعوا ليشبع الأمير) ، (أذا شبع الأمير شبعت الآلهة ، هل ترضوا أن تجوع الآلهة؟).. لكن ما أزدراه أكثر كان لدى مروره بزقورة المدينة ، ليرى صفاً طويلاً من الرجال و النساء المُتعبدين يرتقون سُلمها نحو معبدها العلوي .. و هم يثنون أذرعهم الى بطونهم و يحنون رؤوسهم نحو الأسفل بطريقة مُذلة مُهينة حتى لم يعودوا يرون سوى أقدامهم ... يالها من مفارقة أن يُفرض على الأنسان أذا أراد أن يرتقي العُلى أن يذل نفسه و يطأطأ جبينه .. لكن لماذا هو و بالرغم مما لاقاه من ظلم و حيف و ألم ، أستطاع حقاً أن يحني ظهره لكن هامته بقيت شامخة شموخ النخيل و لم يحدث أن حناها يوماً ألا ليقبل يد أمه أو خدود أطفاله ... ياترى هل هذا هو قدر الكادحين ، أن يُضحوا دوماً بكل شيء من زهو الحياة ليكسبوا كرامتهم و عزة نفسهم التي هي الدنيا كلها بالنسبة لهم .... (هيهات أيها الأمير أن تحني هامتي .. لقد قتلت زوجتي ، و أستعبدت أطفالي و أستحوذت على أرضي و بكل يُسر تستطيع قتلي أنا أيضاً ، لكن رأسي ستبقى مرفوعة ، و ستظل عيناي أبداً تقابلان الشمس).
و مع أختلاط دوامة الأفكار في رأسه مقرونة بما آل اليه جسده المُنهك ، ليجد نفسه في تالي المطاف و آخر الطريق وجهاً لوجه أمام قصر الأمير ببوابته الكبيرة السوداء الشبيهة ببوابات العالم الأسفل ، و الى جانبيها أنتصب حراسها المدججون بالسلاح .. توقف لحظات ، هل يواصل مسيرته نحو ذلك القدر المجهول ... نظر طويلاً الى الحراس بصورهم الكالحة القبيحة و سيوفهم القاطعة اللماعة ، فكر قليلاً ثم تمتم مع نفسه ... (أنها قصيرة .. حقاً أنها قصيرة).

ةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةةة

*تدور أحداث هذه القصة الخيالية المُفترضة في مدينة (لكًش) السومرية عام 2400 ق.م ، ُقبيل أندلاع ثورتها العظيمة التي أطاحت بالسلطة الحاكمة هناك ، والتي تعتبر أول ثورة جماهيرية في التاريخ .

الدخول للتعليق

مسابقة القصة القصيرة جداً

فارس السليم - حال الدنيا - 2.4%
إلهام زكي خابط - حبات اللؤلؤ - 4.9%
عزيز عربي ساجت - اليمامة - 0%
جمال حكمت عبيد - لمسة إصبع - 17.1%
فاروق عبد الجبار - موسيقى - 56.1%
هيثم نافل والي - الراقص - 19.5%
د. نصير عطا - حادثة تحصل يومياً - 0%

Total votes: 41
The voting for this poll has ended on: حزيران/يونيو 15, 2014