• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الجمعة, 15 شباط/فبراير 2013

طوبى للرواد الاوائل الخالدين المربي عيسى باشاغا السليم مثالا

  عربي فرحان
تقييم هذا الموضوع
(3 عدد الأصوات)

في سنة 1933 كانت مدينة قلعة صالح تعج بالعوائل المندائيه والنازحه اليها وهي تستقطبهم من كل صوب ومكان ، من نواحي لواء العماره ومن ريفها المحيط بها ، لا اعرف السبب بالتحديد وربما للظروف الاجتماعيه والاقتصاديه الثقافيه التي بدأت بالتغيير نحو الاحسن بعد الحكم الوطني وتشكيل الدوله العراقيه سنة 1921 وتولي الملك فيصل الاول عرش العراق مما اثر ذلك تاثيرا شديدا على المندائيين ونشاطهم غير المسبوق مستفدين من هذا الانفتاح وبدأوا بالسفر الى المدن العراقيه الكبيره مثل بغداد والبصره والموصل وغيرها لطلب الرزق والتفتيش عن فرص العمل والترويج لمهنتهم الصياغه خاصة الفضيه منها تاركين عوائلهم

خلفهم او بسبب انتشار وباء الكوليرا واجتياحه المنطقه برمتها سنة 1928 والذي استمر هذا الاجتياح ثلاث سنوات حصد من الناس ما حصد وقد يكون هو السبب الرئيسي للنزوح نحو المدن وتأييدا لكلامي هذا هو ما حصل لنا نحن حيث ان المرحوم والدي فرحان جوال كان احد ضحايا هذا الوباء الخبيث مما اضطرت عائلتنا علىالرحيل فورا من مكان تواجدها في الريف من منطقه يطلق عليها ( الجرايه ) على ضفاف هور العظيم - طرف من هور الحويزه - الى قلعة صالح وذلك سنة 1929 بمساعدة عمامي كل من خماس وهامل اولاد جوال والاستقرار بنا بمحلة اللطلاطه تلك المحله الصغيره الواقعه في الشمال من البلده والمنفصله عن محلة الصابئه بحوالي الكيلومتروالنصف ببساتين النخيل الكثيفه والاشجار المثمره الاخرى التي تعود ملكية معظمها الى المندائيين

في هذه السنة الدراسيه اي سنة 1932-1933 التحقت بمدرسة قلعة صالح الابتدائيه للبنين وهي المدرسة الوحيده بها آنذاك وتولى تسجيلي المرحوم الاستاذ نعيم بدوي وكان يقوم مقام مديرها المرحوم الاستاذ غضبان رومي الذي لم يكن موجودا بالاداره لذلك اليوم

ففي هذه السنة بدأت معرفتي بالمرحوم الاستاذ عيسى باشاغا السليم حيث كان معلما منسبا للصف الاول والمشرف المسؤول عنه وكان معي بتلك السنة عدد من الطلاب مندائيين ويهود واسلام من كلا المذهبين الشيعي والسني اتذكر من المندائيين الاخ المرحوم غريب جابر مخيطر والمرحوم فرحان الشيخ نجم وعبد الرزاق عكيلي وغالب الشيخ يحيى ولطيف شامخ فرحان وابراهيم سعيد صالح ومن المسلمين قاسم طه العيدي وكاظم ضهد ومن اليهود الياهو ساسون وغيرهم

اتذكر بعض المعلمين والمربين الرواد اضافة لما ذكرت منهم عزيز لامي ولطيف جليل وثامر محسن ومن اليهود داوود سلمان وافراييم .. ومن المسلمين جاسم سيد خلف ( رئيس جامعة بغداد الاسبق ) وخلال السنوات التاليه التحق بهذه المدرسة معلمين مندائيين منهم اتذكر نعيم رومي وعبد الرزاق عزت ومحارب نافل ونعيم فرحان وجبار حمادي وغيرهم

في ذلك الزمان نحن الطلبه كنا ننظر للمعلم نظرة كبيره مثالية اثرت تاثيرا بليغا بحياتنا المستقبليه وذلك من منطلق الاعتقاد بان ما يقوله وينطق به المعلم هو الصواب بعينه وغيره هو مجرد هراء لا يستحق الاهتمام والحقيقه ان هؤلاء المعلمين لن ينطقوا عن الهوى ابدا وكانوا موضع التقدير والاحترام ليس فقط من الطلاب بل من ذويهم والمجتمع بشكل عام على حد سواء

معلمنا عيسى ذلك الشاب الجميل الصوره الطويل القامه الرشيق الجسم ذو الشعر الاشقرالمائل للون الحني ( نسبة للون الحنه ) والوجه المدور الناصع البياض المبتسم البشوش الهادئ الخير الوديع الذي كله لطف وحنان كان دوما يحتظننا نحن طلابه خاصة الفقراء المعدمين منهم هذا الانسان الفاضل ذو الاخلاق الراقيه يبذل ما بوسعه لرعايتنا و بادبه الرفيع وتواضعه واخلاصه الامتناهي بكل رقة وانسانيه لا مثيل لهما على الاطلاق يلاطفنا ويشد من ازرنا ويوصينا بالدراسه والتتبع وهو يقرأ لنا القصص ويروي لنا الحكايات اللطيفه التي تأخذ بالبابنا وتسيطر على عقولنا الصغيره تلك التي كانت شائعه آنذاك كقصة ( الواوي ومالك الحزين ) و ليلى والذئب والثعلب والغراب وغيرها وكان يسهب بتسفسيرها لنا ليقربها من اذهانا نحن الصغار ضاربا بها المثل لما تحتويه من عبر واعتبار ويوصينا بالامتثال بها من الجانب الحياتي والانساني

وبالنسبة لي انا اليتيم كان يتابعني ويسأل عني ويلاطفني باسلوب مبسط وهادئ اشبه تماما برعاية الاب الحنون لأبنه وان كنت اتذكر فاتذكر ذلك اليوم من ايام شهر شباط القارص البروده والممطر حينما كنت ذاهبا للمدرسة صباحا والتي تبعد عن محلة اللطلاطه بحوالي ثلاثة كيلومترات وحدث خلال الطريق ان امطرت الدنيا مطرا غزيرا مما جعل ( دشداشتي ) التي ارتديها ان تبتل وهي على جسمي وانا حافي القدمين وكذلك دفاتري المدرسيه التي حاولت ان اخبئها بين جلدي وثوبي لئلا يصلها المطر ولكن دون فائده وحين وصلت الى المدرسه بهذه الحاله وانا ارتجف بردا وصدفة شاهدني المرحوم ابو تحسين بالحاله التي كنت انا فيها حتى بدات عليه علائم الحزن والالم وكنت ارى ان عينيه تدمعان من شدة التأثر للوضع المزري التي كنت فيه فما كان منه الا ان ياخذ بيدي ويدخلني غرفة المدير ويلفني بشرشف كان مفروشا على طاوله وينزع عني دشداشتي ويقوم بعصرها وتجفيفها من الماء ومن ثم بعد ان هدأت حالتي سمح لي بالانصراف عائدا الى البيت وقد رافقني حوالي نصف الطريق وهو يواسيني ويشد من ازري ويرفع من معنوياتي ويوصيني بالدراسه والتتبع وهي السبيل لمستقبل احسن وللخلاص من هذا الفقر المدقع والعوز الشديد

في سنة 1936 وما بعدها كنا نسمع من معلمينا الافاضل بعض الحكايات التي كانت تروج آنذاك بان عالم المستقبل والانسان فيه سيعيش بهناء وبحبوحه من العيش حيث لا فقر ولا عوز بعد الان بظل السلطه القادمه نسمع مثل هذه الحكايات ولا نفقه سرها

ومن ثم رأينا ان معلمينا ارتدوا ملابس العسكر ووضعوا على اكتافهم اشارات لتمييز بعضهم بعضا ولا نعرف معناها نحن معشر الطلبه وفي احدى الايام قيل لنا بان الملك فيصل الاول ملك العراق سيقوم بزيارة مدينتنا قضاء قلعة صالح وسيصل اليها بعد غد وعلينا التهيؤ لأستقباله وفي اليوم المعين قام معلمونا بالاشراف علينا وهم بملابسهم العسكريه وكان المعلم الراحل عيسى شخصية مميزة بين الشخصيات المتواجده لطوله الفارع وحسن قيافته ونظافة ملابسه وجمال هندامه فقاموا هؤلاء المعلمون باستصحابنا الى شاطئ النهر امام نادي الموظفين القريب من موقع ( العبَاره او الدوبه ) والعباره هذه هي طبقه او طوف تقوم السابله بواسطتها بالعبور الى جهة النهر المقابله عن طريق سحب بالحبال بواسطة الأيادي حيث لم يكن هناك جسر ثابت يربط الضفتين آنذاك وكانت تدار من قبل متعهد ترسي عليه بالمزايده تحت اشراف البلديه وفي تلك السنة كانت بعهدة المرحوم طارش حاجم السداوي ومما رأيته في ذلك اليوم وجلب نظري تلك الفتاة الصغيره والجميله ذات اللسان اللبق والطلق وقد جعلت من العلم العراقي ثوبا لها وقيل لنا انها اختيرت من بين الطالبات لألقاء ابيات من الشعر او النشيد الوطني امام الملك عند استقباله وكانت الفتاة تلك هي الاخت الفاضله نورية حبيب ساجت فارس

معلمنا المرحوم عيسى قضى معظم خدمته التدريسيه في هذه المدرسة كما اعتقد قبل ان ينقل الى مدينة العماره ومما اتذكره زواجه من المرحومه السيدة عيده المراني اخت الباحثه المندائيه الكبيره ناجيه المراني وقد حضرت زفافهما في ذلك اليوم وقد اثمر هذا الزواج بنين الفاضل قديرين هم كل من البرفسور الطبيب الاخصائي تحسين ومهندس النفط منذر والمهندس المدني فهيم والمهندس المدني هشام وبنات فاضلات هن كل من المدرسه راجحة المربيه القديره وماجده الصيدلانيه كلهم يشار لهم بالبنان علما وثقافة وسلوكا

الحقيقة ان كل مربينا الاكارم من الجيل الاول كانوا قدوة حسنة لنا في الاخلاق والسلوك والتربيه والثقافه والعلوم واني هنا اشهد شهادة عينيه اقر بها انهم خير سلف لخير خلف من رواد الجيل الثاني الذين تولوا بدورهم مسؤوليه الاجيال التاليه بامتياز وهنا اكتب للتاريخ بمناسبة مرور ستة عشر سنة على رحيل معلمي الاول المربي عيسى باشاغا السليم واصحابه الغر الميامين

الخلود الخلود للراحل عيسى السليم واخوته المربين البررة الاوائل

طوبى للخالدين ولهم الذكرى الطيبه منا ومن اولادنا واحفادنا من بعدنا

آذار / 2009

الدخول للتعليق