• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الخميس, 14 شباط/فبراير 2013

غضبان رومي الناشي كوكب مندائي لايزال ينير معارفنا

  موسى الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

الكبار يذهبون الى الموت ويتركون لنا ابتسامات مضيئة في معارفنا، هي الاشد حضورا، حيث تضمحل جميع الصور، وتبقى صورهم راسخة في العقول والقلوب، تنتقل ابتساماتهم، ونحفظها لهم كنقش بليغ، في كل معرفة نقترب اليها، وفي كل موقف صعب نواجهه، فتظل كلماتهم وكتاباتهم قربانا مقدسا في مسيرتنا التي عبدوا طرقها باستقامتهم وافكارهم وانسانيتهم.
معلمنا جميعا، معلم معارفنا الدينية والاخلاقية والتربوية الراحل غضبان رومي الناشي، لايزال في مداره، حتى بعد غيابه الطويل، بعد ان ساهم، في رفع مكانتنا، منتصرا على كسوف الذل الذي عشناه، وها هو يعود من جديد هذه الايام ليستكمل دورته وليغمر اهلنا في ظلامه، كان قلما وصوتا واشعاعا، للحرية والمعرفة والحقيقة، فهو عاش وكتب كلمات فاصلة في ولادتنا المندائية المعاصرة، فكان حقا ضوءا مجيدا، وكان دفاعا عن الحرية ودفاعا من اجل حياتنا، لامن اجل الموت والعتمة، التي تقف على عتبات بيوت اهلنا في بلدهم العراق، انه وعى مبكرا بان الحرية هي الحياة، والمعرفة ، هي التي تحمي قاماتنا في زمن الصمت والقمع والقتل ، وسيادة جنون التفرقة ،وافلات لجينات الموت في ضرب الروح والوطن والمواطن.
لقد كان مدافعا عن الحرية، ومدافعا عن بقائنا وبقاء العراق، عن اجسادنا كما ارواحنا ومعارفنا، لانه ادرك وبشكل مبكر ، انه بغيابنا وتغييبنا، ليس للوطن الذي نحن ابنائه الا الغرق في الانقراض والغياب، فدفاعه عن الطائفة وبقائها، كان على الدوام مرتبط بدفاعه عن الوطن، ان نقبل بالاختلاف وان نعترف ونتأكد من حقيقة الاعتراف بالاخر ومعارفه وعقيدته وايمانه، فغياب الحلم غياب للحقيقة، كما غياب الحقيقة غياب للاحلام.
وكما هم الابرار، الذين جازفوا وقدموا انفسهم ضحية من اجل افكارهم النيرة، فقد رأى المربي الكبير غضبان رومي، الحرية، ووعى بانها لاتصل الينا كقطار مجهول، او كحمامة اليفة، فهي غريبة ، علينا تبيان قسماتها، لنذهب اليها، عبر التحرر من نظام الجهل الوصاية، ومسخ الاخر، فكان كبيرا، في ساحة الحرية، وفي المعرفة، وفي معاركها الكبرى، وهو تاريخ، ورمز سيظل في قلوبنا جميعا، نتذكره ونحن نعيش هذا الركام الكثيف من الحزن الذي يلفنا، ويحيط عوائلنا المهاجرة من جميع الاطراف. نجلس لنتذكر كبارنا ونحن نحصي خسائرنا المتتالية، خسائرنا التي لم تنته والتي لانعرف كيف ستنتهي.

غضبان الرومي
قارع جرس الاهتمام بالمندائيين وديانتهم

هو غضبان بن رومي بن عكله بن عران بن ناشي، ولد في عام 1905 في مدينة قلعة صالح في العمارة، ونشأ غضبان رومي في اجواء دينية مندائية وسط عائلة كبيرة.
اكمل دراسته الابتدائية عام 1921 في بدايات الحكم الوطني، وصادف ان مستشارا انكليزيا اسمه ( رايلي) كان يتجول في القصبات الجنوبية العراقية للتفتيش عن الشباب الواعين ممن يحسنون القراءة والكتابة لترشيحهم للعمل كموظفين ومعلمين في الحكومة الوطنية العراقية الجديدة، لان الانكليز رأوا ان هناك حاجة عاجلة للمتدربين لخدمة الحكومة، كما ان الحاجة كانت ماسة لتدريب معلمين من ذوي كفاءات عالية للتدريس في المدارس التي انشئت حديثا، واثناء مروره بمدينة قلعة صالح تعرف على غضبان رومي وابراهيم يحيى شيخ سام من جملة من تعرف عليهم.
اما ابراهيم فدخل دار المعلمين الاولية في بغداد وتخرج معلما، واما غضبان فدخل دار المعلمين الابتدائية ذات الثلاث سنوات، وبفض ذكائه تمكن من اتمام دراسته بسنتين فقط ، وتخرج معلما عام 1923، وتم تعينه في مدرسة قلعة صالح الابتدائية فكان بذلك اول موظف ومعلم مندائي يتم تعينه. ومن جملة من درسهم غضبان في باكورة عمله من المندائيين المرحوم الدكتور عبد الجبار عبد الله ورشيد غالب رومي وغيرهم، وبقي معلما في هذه المدينة طيلة اربع سنوات، تم بعدها نقله الى مركز مدينة العمارة وعين مدرسا في مدرسة( السنية) معلما ثم مديرا لاكثر من عشر سنوات، ثم نقل الى البصرة مدرسا للغة الانكليزية في احدى متوسطاتها، حيث امضى هناك سنتين، ثم عاد مدرسا في احدى متوسطات العمارة لاكثر من اربع سنوات، ثم نقل الى الكوت وامضى فيها سنتين، ثم الى بعقوبة حيث امضى ثلاث سنوات، ومن ثم تم نقله الى بغداد عام 1950 حيث اصبح مدرسا لمادة اللغة الانكليزية في مدرسة المأمونية، ومن ثم في مدرسة تطبيقات دار المعلمين في الاعظمية، ثم ارسل في دورة الى مدينة بيروت من قبل منظمة اليونسكو التابعة لهيئة الامم المتحدة لمدة ثلاثة اشهر لتعلم طرق تدريس اللغة الانكليزية، وكان ذلك عاك 1952، وحين عاد الى بغداد عين في مدرسة الغربية وبقي فيها حتى عام 1963 حيث احيل على التقاعد.
وكما ذكرنا فان غضبان قد نشأ في بيئة دينية منذ طفولته، وبدأ يتعلم اللغة المندائية على يد رجال الدين منذ عام 1918، وكان متحمسا جدا لخدمة المندائيين، وبدأ الكتابة في عدد من الصحف المحلية في العمارة، حيث كان ينشر في جريدة الكحلاء عن المندائيين والدين المندائي، وكانت كتاباته تلاقي الاستحسان والتأييد. كان يتتبع اخبار المندائيين ونشاطاتهم وما ينشر عنهم في الصحف والمجلات والكتب العربية والاجنبية، ويرد ما امكنه الرد مصححا وموضحا حقائق الدين المندائي. وقد اغنى الراحل المكتبة المندائية بمؤلفات لها اهمية كبيرة في تعريف الدين المندائي ومن مؤلفاته:
1- كتاب صابئة العراق
2- تعايم دينية لابناء الطائفة
3- الصابئة المندائيون قام هو والراحل نعيم بدوي بترجمته عن الانكليزية والتعليق عليه
4- كتاب النبي يحيى في زمانه
5- الصابئة
6- له عدد من المؤلفات المخطوطة غير مطبوعة الى يومنا هذا منها( وفاء الصابئة) ,( جذور مندائية)
قام الراحل بالقاء عدد كبير من المحاضرات في العديد من المعاهد والكليات العراقية موضحا فيها اثر الدين المندائي على بقية الاديان السماوية، كما قام بنشر الكثير من البحوث والمقالات والدراسات في الصحف والمجلات، وترجم الكثير من النصوص المندائية الى اللغة العربية.
اتجه غضبان رومي بعد احالته على التقاعد الى خدمة المندائيين باخلاص وتفان، فبعد ان انتقل غالبية المندائيين الى بغداد اصبحوا بحاجة الى رعاية وتوجيه، فبضل جهوده تأسس مجلس التوليه من وجوه الندائيين المعروفين، وبرئاسة المرحوم الشيخ عبد الله الشيخ سام، وكان هدف هذا المجلس هو جمع شمل المندائيين والحفاظ عليهم من التشتت، وبناء معبد يليق بمقامهم، وتم بالفعل امتلاك ( مندي) في منطقة الدورة، اتجهت النية للحصول بعد ذلك على قطعة ارض لجعلها مقبرة لموتى ابناء الطائفة، وبعد جهود مضنية تم امتلاك قطعة ارض في ابي غريب حيث تم تسييجها وتشجيرها وتنظيمها، ثم تحول هذا المجلس الى مجلس روحاني ضم وجوها مندائية خيرة تم الاعتراف به رسميا من قبل الدولة ممثلا للمندائيين عام 1981، ثم سعى غضبان ورفاقه لبناء مندي القادسية، وقد تم ذلك بجهودهم الخيرة وبمؤازرة ابناء الطائفة.
كان المرحوم غضبان رومي يتحرك بنشاط في كافة المجالات من اجل خدمة الطائفة، وحين سمع من بعض المندائيين الذين زاروا الهند عن طائفة( البارسيين) وتشابه الكثير من طقوسهم مع الطقوس المندائية بادر الى مراسلتهم، واطلع على حقيقة دينهم، كما انه كان مرجعا لبعض الشباب من رجال ديننا الافاضل، يستشيرونه ويستزيدون من علمه ومعرفته الواسعة بامور الدين ويأخذون بمشورته، وحين كلفه الدكتور عبد الرزاق محي الدين، رئيس المجمع العلمي العراقي بتاليف كتاب عن الصابئة المندائيين ، بطلب من الموسوعة العربية في مصر، بادر بتأليف كتابه الموسوم( الصابئة) عام 1983 موضحا فيه حقائق كان يجهلها الكثيرون.
وهكذا كان المرحوم غضبان لايبخل بصحته وماله ووقته من اجل اعلاء اسم الطائفة وديانتها الجليلة، اضافة الى انه كان ابا مثاليا استطاع تربية اربعة ابناء واربع بنات تربية صالحة جعلتهم يتفوقون في مجال دراساتهم وتخصصاتهم. وقد نكب في اواخر ايامه بفقد عقيلته مما ترك فراغا كبيرا في حياته، وكان كل من عاشره من المندائيين او غيرهم يشهد بانه كان رائع السيرة، صادقا وفيا مخلصا عفيفا، وتميز على الدوام بانه صاحب شخصية مرموقة كسبت احترام وتقدير الجميع، بسبب استقامته ونزاهته وصراحته وجرأته في الحق، كما كان ذا عقلية موسوعية علمية، وقد استطاع اتقان اللغتين الانكليزية والمندائية بطلاقة، وتمكن من اللغة العربية ببراعة متميزة
وبوفاته رحمة الله عليه عام 1989 خسر المندائيون شخصية المعية وستبقى ذكراه خالدة في قلوب المندائيين.

غضبان رومي الناشي
المعلم الاول في العمارة
بقلم: جبار عبد الله الجويبراوي

لم يسبق لسكان قلعة صالح- مسلمين ومندائيين- ان اقاموا احتفالا ضخما كالاحتفال الذي اقاموه عندما توجهوا بالسفن والزوارق الى منتصف الطريق النهري الذي يربط القلعة بالعمارة في مقاطعة المزارع الكبير داود الحميد، وذلك في انتظار ابنهم البار المعلم الجديد غضبان رومي الناشي الذي قفز من السفينة التي كانت تقله الى الشاطىء وهو يبكي فرحا، ويقبل ايادي الشيوخ الذين تجشموا عناء السفر من اجله ويشد بقوة على ايدي مستقبليه ويعانقهم بشوق وحرارة.
لاشك ان المسيرة الشبابية لهذا الرجل كانت حسنة جدا، والا فكيف يستقبل بهذه الحفاوة وهذا التكريم، وهو لما يزل في مقتبل العمر، ولم يتعد عقده الثاني بعد.
كان ذلك في عام 1923 وهو العام الذي باشرت فيه مديرية معارف منطقة البصرة افتتاح عدة مدارس في العمارة، لان العمارة كانت واحدة من ثلاث مدن تكوّن منطقة البصرة آنذاك.
اجا كان غضبان اول المرشحين الذين وقع اختيار مديرية المعارف على تحملهم المسؤولية التربوية في مركز مدينة العمارة، فكان لها ( ابو يحيى) وهو المعلم الذي افتتح مدرسة الكحلاء- الامام الصادق في ما بعد عام 1923، والمدرسة الشرقية- فيصل الثاني- - الوثبة- في ما بعد عام 1925، ومن هناك تألق نجمه وصار علما يشار اليه بالبنان فاسندت اليه عدة مسؤوليات تربوية ومهنية اذ اسس جمعية للمعلمين عام 1926 وكانت باكورة اعماله فيها القاء محاضرة قيمة عن تاريخ مدينة العمارة في العهد العثماني. ومن يقرأ تلك المحاضرة يتنبأ بامكانية هذا الباحث، وهو يحلل الاحداث التاريخية، ويضع النقاط على الحروف فيما يكتب. فقد اشار الى السياسة التعسفية التي مارسها العثمانيون الغزاة ضد ابناء شعبنا في مدينة العمارة، ولمح بطرف خفي الى خطط الاستعمار الانكليزي البغيض الذي احتل مدينتنا بعد هزيمة الاتراك في الثالث من حزيران عام 1915.
سكن غضبان مركز العمارة، وتطلع الى حالتها الصحية، فوجدها تحتاج دعما، لذلك شمرّ عن ساعديه، واسس دارا للصحة في متوسطة العمارة الفتية، فكان موضع اعجاب وفخر، وطار صيته الى العاصمة بغداد، فتوالت الوفود الصحية على مدينة العمارة، وزاره مدير الصحة العام وامر يالتحاقه بالمستشفى الملكي لتلقي دروسا في الصحة العامة، ومعرفة مسببات الامراض، وطرق الوقاية منها. وما ان اكمل دورته حتى صار يشد الرحال ايام العطل الرسمية الى القرى والارياف النائية، وهو يرشد الناس الى الوقاية من الامراض، ويدعوهم الى زيارة المؤسسات الصحية لاخذ العلاج المناسب.
قد يتصور المرء ان هذا الرجل سيتوقف عند هذا الحد من النشاط الانساني، فقد زار قلعة صالح في مطلع الثلاثينات وفد كشفي من المانيا وكان غضبان على رأس المستقبلين رافقهم في عدة جولات سياحية، الى المجر الكبير والكحلاء وعرض عليهم كرم العراقيين وقيمهم الاخلاقية العالية، فترك ذلك انطباعا حسنا في نفوسهم، عبروا عنه برسائل بعثوها اليه باعتباره الكشاف الاول في قلعة صالح والتي افتتح فيها فيما بعد ناديا هو الاول من نوعه حيث جعل منه تجمعا ثقافيا للشبيبة والشباب، وكانت المحاضرات التي يلقيها فيه تنشر على صفحات الصحف المحلية في مدينتنا.
كل هذا وغضبان منذ الثلاثينات كان يرقب بعين ثاقبة كالعقاب، الباحثة الانكليزية ( الليدي دراور) وهي تجمع المعلومات عن الصابئة المندائيين في العمارة وضواحيها وهو لم يدخل في شؤونها ولم يعترض على كل ما تكتب وتسأل، وهو عالم علم اليقين في ما تكتب وتسأل، حتى اذا ما انجزت كتابها البكر آنذاك، طار به شوقا يقلب صفحاته ويدعوا واحدا من ابناء طائفته اليه وهو المربي القدير نعيم بدوي ليمنحه شراكة في ترجمة الكتاب الى العربية. فكان بحق واحدا من امهات الكتب التي اعتمدها الباحثون في الاطلاع على الديانة المندائية.
اعداد موسى الخميسي
بعض مانشر في هذا الموضوع مأخوذ من مجلة افاق مندائية العدد 10 السنه 4 مايس 1999

الدخول للتعليق