• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الجمعة, 03 نيسان/أبريل 2015

كلمة عن نعيم بدوي بمناسبة وفاته

  جاسم المطير
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

لا أظن أن بإمكان أي واحد منا غير أن ينتابه الصمتَ وهو يتذكر نعيم بدوي.
تلوح الآن بقعة نور تضيء أمامي بعض جوانبَ حياةِ أنسان لم تتعب قدماه ذاتَ
التسعين عاماً من مواصلةِ السيرِ في ذات الطريق النير .. لم يذهب بصره
إلاّ نحو النور ..ولم تسكنه حالة يأسٍ .

بهذه الصورة قابلته أولاً عام 1964 مثلما قابلته آخر مرة في عام 1996 وأنا
مصمم على مغادرة الوطن .لا أستطيع ولا غيري يستطيع أن يلخص تسعين عاماً من
سيرة رجل حمل في صدره سر الوطنية الحقة .تجاوز كل مداهمات الظروف القاسية
ومدلهماتها منذ أول أنتمائه للحزب الشيوعي في بداية الأربعينات ومذ أصبحت
تشع في عينيه أنوار الحرية في خضرة منهمرة على نهر دجلة في مدينة صغيرة ،
مجرها كبير ، لا تتجدد فيها الحياة كما في مدن العالم الأخرى .داخل
المدينة الصغيرة تحركت أفكار بضعة معلمين وهم يحاولون تنوير عقول سكانها
نعيم بدوي كان أحدهم . لنقل كان طليعتهم ..

بادئاً منذ منتصف الثلاثينات يصارع ظلمة الجهل الدفينة بين شطري تلك الأرض
مكتشفاً بؤس سكان أهوارها الذي يعانون ظلم توأمين : الفقر والمرض عليه أن
يضرب سراً هو ومجموعته ، كل ما يعيق تقدم الأفكار الوطنية بين صفوف الناس
المساكين ، لكنه يريد الخروج من عالم النضال السري الى المجادلة العلنية
مع الحياة والناس فنقل الى مدرسة قلعة صالح .كان مديرها غضبان رومي فصار
بنور نعيم بدوي عنصراً تنويرياً في المدرسة وفي المدينة كلها .آمنا معاً
بأن كل شيء في الحياة دائب التحول . آمنا أن لا شيء يهبط من السماء غير
النجوم ولا يقضي على ظلام الحياة غير نور البشر .
لستُ أدري كيف ومتى نمت روح جديدة في قلعة صالح متحولة الى قلعة للوطنية
الصلبة مخترقة الطريق الصعب نحو شعبها .لستُ أدري كيف ومتى أستطاع نعيم
بدوي أن يُنبت بذور أفكاره في عديد من القرى وفي عقول عديد من الناس فيها
، لكنني أعرف أنه أقتحم عقل مدير الناحية قاسم أحمد العباس فحوله الى عقل
شيوعي .
لا اعرف كيف ومتى صافح بكفيه كفيّ رجل العلم العظيم عبد الجبار عبد الله
لكنني أعرف أن تأثير الصغير على الكبير كان فاعلاً. لا أعرف كيف ومتى
أقتحم عالم الأدب لكنني أعرف جيداً أنه بدأ كتابة الشعر في أول شبابه .
لا أعرف كيف ومتى وأين تعلم اللغة الإنكليزية فأتقنها لكنني أعرف أنه صار
مترجماً قديراً ، منها وإليها ، ساعدته على التقدم خطوة خطوة نحو عالم
الثقافة الكبير ينهل منه كل ما هو مثمر لمسيرته في حياة الكفاح المضني من
أجل قضية شعبه في الحرية .
لا أعرف كيف ومتى ولماذا أدخل الى سجن نقرة السلمان لكنني عرفتُ أن
الصلابة معدنه وأن الإصرار إرادته ، وأن الإبداع كماله ، وأن الربيع غبطته
، وأن عشق الوطن شأنه ، وأن الجنوب قيثارته ، وأن الشمال فضته . لا أدري
متى وكيف وأين التقينا في منتصف السبعينات لكنني أعرف أننا غدونا صديقين
فراقنا قليل ولقاؤنا كثير .
لا أدري كيف ترجم كتابه مع رفيق عمره غضبان الرومي عن ديانة الصابئة لكنني
عرفت أنه ضليع في تواريخ الأديان كلها
لا أدري بأي حبر كتب سطور إهداء كتابه أليّ ، لكنني أحفظ كلماته عن ظهر
قلبي المليء بعنفوانها وهي تقول : يا صديقي .. ثمة نور وافر في الحياة يجب
ان نظل باحثين عنه إن في السماء أو بين صخور الأرض.. رغيفنا نور ، وبستان
وطننا نور.. وتراث شعبنا نور ..حريتنا نور ..
**
هذا هو صديقي لأربعة عقود نعيم بدوي..
يا للمنفى البغيض يمنعنا من السير خلف جنازته مودعين. عانقته ضراوة الموت
ونحن اصدقاؤه في المنفى ..
لا نطوي ورقات ذكرانا معه في هذا الاحتفال ، بل نفتحها ورقة ورقة من قلب
المتحدثين وسط عالم الموت الصامت كي يظل لمعان البرق في رحاب نعيم بدوي
الىالأبد ..
***

الدخول للتعليق