• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الأحد, 31 آذار/مارس 2013

طالب بدر والعبور الاخير

  الدكتور عبد الله الفرطوسي
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

مسكين يا طالب بدر
بالليل عبروك بجدر
الله ويال يالمنحدر
لابد يكنصك احمدي

مظفر النواب

 

 

قال لي احد الاصدقاء بان الفقيد طالب بدر، وهو في مرضه العضال، كان يقف وحيدا متأملا، ينظر صوب العراق، وعلى مرمى حجر منه تقف مدينة قلعة صالح في جنوب العراق، تلك المدينة التي امضى فيها ايام طفولته وصباه وطورا من شبابه، واعتبرها اجمل المدن التي مرت بحياته.

لا لم يمت من زرع لكل واحد منّا اطيب الذكريات واروع التجارب النضالية والمواقف البطولية، فانه سيبقى للاحياء كالذخيرة، لايتجاوزها زمن محدد، بل يمتد زمنها ويبقى فعلا فاعلا. وهذا سر خلود هؤلاء الكبار وبقائهم. فبفضل طالب بدر وعشرات المناضلين من ابناء شعبنا عرف جيلنا صفحات صادقة نابضة بالحياة في التاريخ الحقيقي لريفنا العراقي. طالب بدر الذي نشأ بين الفلاحين متنقلا بمهماته النضالية بين قلعة صالح والجبايش وضواحي مدينة العمارة،وازقة البصرة وساحات بغداد، كان نافذة قادرة على رؤية الاشياء الصغيرة في موقعها من قضايا كبيرة، صاحبت كل تحركاته ومهماته ، طاقة ورغبة عارمة في التعلم والاغتراف من حكمة الشعب. فمنذ بداية وعيه السياسي شرع هذا الانسان بايقاظ الفلاحين، وقادهم في تظاهرات كبيرة ، ليحثهم على المضي في تنظيم انفسهم، والمطالبة بحقوقهم المشروعة، فساهم في ظهور البذرات الاولى للعمل الثوري في الريف العراقي، وخلق تحولات نوعية في تركيبة الوعي الفلاحي في جنوب العراق لتنبثق اولى مظاهر الوعي الوطني والتململ والتحرك الفلاحيان ، وصولا الى تحقيق الانتفاضات الوطينية التي كانت له مساهمة فعالة في تحريكها واشعال لهيبها الخالد.

في زمهرير شباط الاسود عام 1963 حين اجتاح وباء الفاشية بلادنا غادر هاربا بصحبة عدد من المناضلين الى ايران لترميه سلطات شاه ايران الفاشية في سجونها، فتوثقت علاقاته برفاق سجنه وعلى رأسهم الشاعر مظفر النواب الذي قال به قصيدة شعبيه يعرض فيها محنته بعملية عبوره الاول لشط العرب ، من البصرة الى عبادان، متخفيا من بطش رجال الحرس القومي وبيانهم الفاشي بالقضاء على الشيوعين اينما كانوا. وجاءت الديكتاتوريات العسكرية ترث الواحدة الاخرى، لتنال من طالب بدر وعائلته، لكونه شيوعي نبيل يؤمن بخلاص الوطن وتحريره بالعقل والعمل والبناء والحوار ، فقد نال الرجل ما استطاع من سلطات ومؤسسات باغية وعاتية، الا انه ازداد حزما وتصميما، وولج من جديد في ساحة الصراع الذي تمرس فيه، وهو يزداد ثقة وتفاؤلا كلما ادمى اعداء الشعب بالثقافة الوطنية التي خربوها وقمعوها.

وظل الرجل حيا بيننا مناضلا وباسلا شهدت له سوح النضال العراقية في كل مكان حضور ، بالكلمة النيرة، وبالموقف الوطني، فكان مثالا للانسان اليساري البعيد عن ضيق الافق، مفضلا الافكار التي آمن بها وناضل من اجلها وسط الناس وفي قاعات المحاكم العراقية، حيث كرس نفسه وجهده ووعيه كمحامي في الدفاع عن المظلومين والمحرومين والمضطهدين من ابناء شعبه بحرارة المؤمن بالمستقبل الزاهر.

لا لم يمت طالب بدر، بل لايزال واقفا بشاهد قبره البعيد ، متأملا الوطن الذي يغلي بالدماء التي تسفكها الهاونات والمفخخات واحزمة الانتحاريين وسكاكين الذبح الظلامية، ليتحول الوطن الى انقاض وخرائب، بلدا للجوع والحرمان والهزيمة.

سلاما ايها الفقيد، فنحن مع حلمك في اعادة البريق الحقيقي الى الشعارات والمبادىء السامية التي ناضلت من اجل تحقيقها

سلاما ايها المناضل، ونعاهدك باننا سنكون اشد اصرارا على اسقاط كل مظاهر الفاشية والظلامية، نعتز بمبادئنا ونشمخ بامجاد نضالنا ونفخر بتاريخ مناضلينا ومناضلاتنا

سلاما ايها العراقي الشامخ الذي لم يستسلم فقد ظل الوطن هاجسه وصبوته وحلمه

 

موسى الخميسي

وانطفأ نجم ساطع من النجوم المندائية .... طالب بدر في ذمة الخلود

 

الى اخي وعزيزي ابن العمومة ابو مشتاق كما كان يحلو لنا ان نسميه ايام صباه ... وابو هيام ثم ابو سلام وابو الهام وانسام وسالي بعد ان تحققت الامنيات وعزائي ونيابة عن عائلة المرحوم ياسر صكر الحيدر وعائلة " آل حـيـدر" في كل مكان الى عاتلتك وبالاخص الاخت ام سلام التي رافقتك في السراء والضراء بدون كلل او ضجرفكانت مثال الزوجة المخلصة ، عزاؤنا الى كل الاقارب والمحبين ورفاق دربك الطويل ... وهنا لابد لي من وقفة لاستحظار الاخت الراحلة المرحومة فضيلة وروحها الطاهرة لما بذلته من جهود نضالية وتضحيات اثناء مسيرتك النضالية حتى مماتها قبل سنوات قليلة واسرك رؤيتها قبل مماتها في رحلتك الاخيرة الى بغداد بعد التغيير فرحمة لروحها الطاهرة ..... واود هنا مخاطبة الكرام من اهالي الناصرية وسوق الشيوخ والجبايش .... واهالي البصرة والعشار والطويسة ... واهالي بغداد كرخا ورصافة ... والمندائيين في كل مكان لاقول لهم جميعا لقد رحل قدوتنا وزينة رجالنا ........... لقد مات ابنكم البار طالب بدر وانطفأ نوره والشعب العراقي الجريح باشد الحاجة الى هكذا انوار ليهزم بها الظلام والظلاميين ............... فعزاؤنا كبير وهو عزائكم ايها النجباء يامن عرفتموه وعايشتموه ... حيث كان نصيرا ومدافعا عن الفقراء والفلاحين والمظلومين منذ نعومة اظفاره ............. كان قويا وشجاعا وحكيما ولا تاخذه في الحق لومة لائم ... مثقفا ومبدأيا محدثا جيدا واحاديثه هادفة ومشوقة ومستمعا متفهما ... حلو المعشر خفيف الظل سريع البديهة ومتفهم جيد للاصول وتقاليد اهلنا وشعبنا ولا يخلو كلامه من الطرائف والظرائف وقد حفظ منه الكثير من عايشوه مئات القصص الشعبية الفولكلورية الهادفة ...... جند نفسه منذ صباه ضد الظلم ويدعو لمحاربته بكافة الوسائل .... لقد استغل مكانة ابيه واهله وعمامه في سوق الشيوخ والجبايش وعلاقاتهم الاجتماعية الجيدة وكلمتهم المسموعة في اوساط المجتمع ..... وتكونت لديه شخصيته الخاصة في علاقاته الاجتماعية مع وجهاء العشائر والاخيار من حوله والمتنفذين في القضاء ونواحيه واريافه وفي مركز لواء الناصرية بالرغم من صغر سنه انذاك .... فكان مضيافا كريما ومتفقدا لكل معارفه في جميع المناسبات وسخر هذه العلاقات الاجتماعية المرموقة لصالح الدفاع عن المستضعفين والمظلومين والمحتاجين وكانت طلباته نافذة نظرا لوجاهته ومنزلته عند الاخرين و كان من الواجهات الوطنية المعروفة .... ولكن هذه الوضعية لم تدم طويلا مع جلاوزة الدوائر الامنية في الناصرية لاسيما بعد ان اتضحت هويته السياسية اليسارية الديمقراطية شيئا فشيئا واصبح من الناشطين المستهدفين منذ نهاية الاربعينات من القرن الماضي حيث جعلوا منه زبونا للمعتقلات والملاحقات الامنية .... كان قد انهى دراسته الاعدادية انذاك والتحق في كلية الحقوق في بغداد .... كان طالبا مثابرا مجتهدا ومتميزا وبنفس الوقت لم يتخلى عن علاقاته الاجتماعية الجيدة ونشاطاته الطلابية والسياسية حيث كان الشعب العراقي يغلى بالاحداث السياسية آنذاك ولم يسلم من الحملات المتكررة للاعتقالات بحق الناشطين من الطلبة والمنظمات الجماهيرية والسياسية ... وفي احدى المرات سمعت بانه معتقل وموعد امتحاناته ليس ببعيد ... أضرب عن الطعام وهو في المعتقل مصرا على اداء الامتحانات مع زملائه في الكلية وبقي مستمرا في اضرابه حتى استجابت ادارة المعتقل لطلبه وكانوا ياخذونه مقيدا الى قاعة الامتحان ويعيدوه الى المعتقل بعدها وهكذا ادى كافة امتحاناته انذاك ونجح بامتياز واطلق سراحه بعد حين وهكذا انهى مرحلة الحقوق بين الدراسة والمعتقلات وكان فخورا بكل ما قام به ولم تؤثر كل هذه الاحداث على شخصيته المميزة وعلاقاته الاجتماعية والعامة والسياسية لا بل زادته نضجا وصلابة واصرارا .... كان عظيما بكل معاني الكلمات .... كنا صغارا ولكن مبهورون بشخصيته وشجاعته وكلامه وحكمته وكان قدوة ومثلا اعلى لنا جميعا حينذاك ....عاد الى اهله ومعارفه في سوق الشيوخ والجبايش والناصرية بعد ان انهى دراسة الحقوق ليمارس مهنة المحاماة وسجل نجاحا وشهرة في اوساط المحاكم والمحاماة ودوائر العدل هناك وكان كما هو واكثر في النزاهة وحب العمل ونصرة الفقراء والمظلومين بدون تحيز او تمييز فاضاف رصيدا اخرا لسمعته الطيبة وشهرته ولكن ذلك لم يرق لجلاوزة السلطات الامنية والشرطة السعيدية لتزايد شعبيته وشهرته واستمرت مضايقته وملاحقته حتى اضطر ان يشد الرحيل وانتقال عمله وعائلته الى البصرة وبدأ مرحلة جديدة من حياته في المحاماة والحياة الاجتماعية بعد زواجه واستقراره هناك ... وفي عام الف وتسعمائة وواحد وستون بعد ثورة تموز الخالدة التقيته هناك حينما التحقت بوظيفتي كطبيب عسكري احتياط وتعايشت معه عن قرب ووجدته هو ذلك الانسان الذي كان في مخيلتي واكثر نصيرا للحق والفقراء ومدافعا حقيقيا عنهم .... انه عطوف مرهف الحس خفيف الظل وصاحب نكتة وحكيم متحدث جذاب سديد في ارائه ودوما تراه متفائلا ويحب الحياة والانسانية جمعاء ، جدي ومخلص ويحب عمله بشكل لايوصف ولذلك ذاع صيته في اوساط الدوائر العدلية ومثلما شهرته في عمله تراه بارزا ومتميزا في الاوساط الاجتماعية والوطنية والسياسية ولكنه لم يسلم من الاعتقالات والمضايقات والملاحقات الامنية عند اشتداد ردة اعداء ثورة تموز ضد القوى الديمقراطية واليسارية التقدمية في ايام الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم .... وكنت كثيرا ما التقي به ونتجاذب اطراف الاحاديث السياسية فكنت اقول له كيف ان عبد الكريم قاسم وطني ونسانده بينما هو يزج بك وبرفاقك الوطنيين والتقدميين الذين ساندوه ووقفوا معه ضد اعداء الثورة بالسجون وطرد بعض الضباط الاحرار المخلصين من الجيش ومضايقة الاخرين في الوقت الذي بدأ كثير من الناس يشككون بوطنيته لولا دفاع القوى الخيرة عنه !؟ فكان يجيبني ان عبد الكريم فعلا وطني لانه نصير الفقراء ... لانه هو ورفاقه حطموا حلف بغداد .... لانهم قصموا ظهر بريطانيا العظمى .... لانهم الغوا النظام الملكي السعيدي الاقطاعي واسسوا لنظام اجتماعي وسياسي جديد وشرعوا قانون الاصلاح الزراعي .... وهم الذين وضعوا قانون رقم 80 للنفط ووووووالخ فيجب ان نسانده حتى لو وضعنا في المعتقلات طالما في ذلك مصلحة للفقراء ومساندتنا له هي لمحاربة قوى الردة المضادة للثورة .... وبدأ يقص علي قصته الهادفة المشهورة ( قصة رجل من آل جويبر )؟ وبعد فترة وجيزة افترقنا لانتهاء خدمتي العسكرية..... وبعدها حصلت الفاجعة في انقلاب شباط 1963 وتسارعت الاحداث وكل نال نصيبه منها وكان نصيبه هو ان يهرب مع مجموعة من رفاقه الى ايران عن طريق البصرة وما عانوه من مآسي واهوال والتي جسدها الشاعر الكبير مظفر النواب الذي كان معه في هذه الرحلة بقصيدته المعروفة والتي كان يتغنى بها في كل مكان عنوانها طالب بدر ولكن في الحقيقة هي توثيقا شعريا شعبيا ووصفا دقيقا لتلك المرحلة السوداء من تاريخ الشعب العراقي ومعاناة العراقيون الشرفا ء بعد انقلاب شباط الاسود ..... وبعد فترة طويلة حيث كل منا اخذ نصيبه من التعذيب والسجون التقيت مع ابو سلام في لندن في بداية السبعينات من القرن الماضي كنت ادرس الاختصاص العالي في الجراحة وجاء هو لاجراء عملية جراحية لعينه وعشنا فترة جميلة هناك وكنا نقضي ساعات نتجاذب اطراف الحديث عما جرى وعن الوضع في العراق بعدعودة البعث للحكم مرة اخرى وتطرق الى قصته اثناء هروبه الى ايران وكيف اعادتهم السلطات الامنية الايرانية الى العراق بعد ازاحة البعثيين من قبل عبد السلام عارف .... قال اثناء عودتنا ونحن في الطريق كنت احذر جماعتي ... اننا سنكون في قبضة الامن والمخابرات العراقية وسيباشرون التحقيق معنا ..... فاياكم والتخاذل والاعتراف تحملوا واصمدوا ( تره اليكول الف لازم يكول ياء ) وقلت له ( لازم هذي ابو سلام هم بيها قصة )؟ قال نعم وبدأ يحكي لي قصة هادفة ذات مغزى ... وهي قصة ( السلطان الذي امر بتعليم ابنه المتمرد الممتنع عن تعلم القراءة والكتابة ) ولاثبات اصراره على عدم التعلم كاد ان يموت من عقوبات وجلد الملا بسبب عدم ترديده حرف الالف وحينما ساله احد وزراء ابيه عطفا عليه لماذا يا بني لم تنطق بحرف الالف؟ ... فاجابه احسن لان وراء الالف باء وجيم ووووالخ حتى الياء ( وهاي شراح يخلصها ؟ فاحسن شئ من الاول مااكول الف حتى لا اوصل للياء )؟ ............ وشاءت الصدف ان اكون قريبا من طالب بدر مرة اخرى لفترة اكثر من سنة عندما انهيت دراستي في اختصاص الجراحة من المملكة المتحدة وعودتي الى العراق في عام 1974 تعينت كجراح استشاري في البصرة وعملت معه في الهيئة الادارية لنادي التعارف في البصرة .... كان هو الرئيس وانا نائب الرئيس وكانت تلك الفترة من اجمل الفترات التي جمعتنا سوية .... ولكن كان عملنا لايخلو من الننغيصات والضغوطات لعدم تجانس اعضاء الهيئة الادارية وكلما كنا على وشك الوقوع في مطب اومشكلة كان ابو سلام هو المسيطر على زمام الامور ، كان وكأنه بيضة القبان في التوازن بين جميع الاطراف .... وبعد عدة سنوات بدات الحرب العراقية الايرانية التقينا في بغداد بعد ان ساءت امور مدينة البصرة وقرر نقل اعماله وعائلته الى بغداد .. وفي هذا الحين دخل الشعب العراقي مرحلة ومعاناة من نوع جديد وهي مرحلة بداية النهاية بسبب الحروب العبثية المدمرة والحصار الدولي على الشعب العراقي حتى بداية التتسعينات وآلت الى ما آلت عليه ايام الهجرة والتشرذم في دول الشتات حتى جمعتنا الاقدار مرة اخيرة مع ابو سلام في كندا وكانت لنا لقاءات كثيرة لاجترار الماضي وما جرى الان للعراق وشعبنا العراقي الجريح ونتجرع الاهات والحسرات ومن ثم استبشرنا خيرا بسقوط الطاغية ونظامه الفاشي ولم تدم فرحتنا طويلا حتى اصبنا بخيبة الامل والاحباط ونحن نرى كيف ان العراق قد اصبح محتلا وهو يحترق وينهب وكيف اصبح الشعب العراقي فريسة بايادي التيارات الطائفية والدين السياسي المتطرف والذي يريد ايقاف عجلة التجربة الديمقراطية والتحرر واعادة النظام الشمولي ولكن من نوع اخر اكثر جهلا وظلامية ...... كانت اخر امنيات ابو سلام ان يرى عراقا ديمقراطيا تعدديا مزدهرا متحررا ولكن لم يمهله المرض للاسف الشديد ورحل الى ذمة الخلود ...... نم قرير العين مطمئنا ياابا سلام فانت معنا حيا دائما وابدا ولكن فراقك ياعزيزنا سيزيدنا ألما ، فلقد اديت واوفيت لك الرحمة والذكر الطيب وانت باق معنا بامنياتك وآمالك وحكمتك وطيبة قلبك المتسامح وعلى دربك ودروسك باقون..............................وحتما سننتصر وستتحقق آمالك التي ناضلت وضحيت من اجلها طويلا 

 

الدكتور جبار ياسر الحيدر 

تورونتو // كندا

 

 

ستعيش في قلوبنا رمزا" للوفاء

أبو سلام .... هل نقول وداعا"

 

فائز الحيدر

 

في وسط هذه الفوضى الشاملة واليومية التي تعم وطننا الجريح لم نعد نسمع غير التفجيرات والقتل اليومي للأبرياء من المدنيين ، واصبح يلازمنا هاجس الخوف بعد كل رنة تلفون أو الأستماع الى الراديو أو قراءة الصحف اليومية أو حتى متابعة المحطات الفضائية فلربما تحمل وسائل الأعلام هذه لنا خبرأستشهاد أحد أحبتنا وهو جليس البيت أو يمارس عمله اليومي او على مقعده في قاعة الدراسة

 

في هذه الفوضى والغربة عن الوطن التي طالت أكثر مما ينبغي رحل عنا قبل أسابيع وفي نهاية شهر آذار / 2007 الأستاذ فرج عريبي ( ابو نبيل ) وبشكل مفاجئ وترك فراغا" كبيرا" لا يعوض ولم يمض شهر على حزننا حتى طرق سمعنا من جديد أخبار حزينة أخرى وهي رحيل أخينا الكبير المحامي طالب بدر ( ابو سلام ) بعد معاناة طويلة مع المرض وهو في بلد الغربة كندا . لا أدري كيف يتحمل الأنسان كل هذه الآلام وقساوة النفس وهو في غربته بعيدا" عن الوطن والأهل والأحبة وهو يتابع فقدان احبته الواحد تلو الأخر ؟ لقد اصبحنا اليوم نحتاج أكثر من أي وقت آخرالى مزيد من الصلابة والشدة والصبر لتحمل تلك الآلام وما تحمله الأيام القادمة لنا من أحداث .

آه ... لقد رحل أخينا الكبير ابو سلام ... ذلك الأنسان الطيب النبيل ، الحسن المعشر ، كريم النفس ، المخلص لشعبه ووطنه ، كان يتألم للأخبار المؤلمة ويفرح مع الأخرين عند سماعه اخبارا" مفرحة . رحل عنا وهو مسرور بسقوط النظام الدكتاتوري وكان هذا حلمه الذي حمله طيلة سنوات طويلة ... وعندما سنحت له الفرصة بزيارة الوطن بعد سنوات من الغربة للقاء شقيقته المريضة اسرع ليكون جنبها وليكون في أحضان بغداد ولو لأيام قليلة رغم ظروفه الصحية ليستعيد بعض من ذكرياته الجميلة ، ولكن هذا الحلم الذي كان يراوده لم يكتمل بعد ففي قلبه ظلت غصة واحزان كان يحاول اخفائها بضحكاته وابتسامته وصبره ومعاناته . رحل ابو سلام وهو يحلم بعراق حر تسوده العدالة والديمقراطية ومستقبل أفضل لعموم الشعب ، بدون حروب طائفية ودماء وتخريب ولا قتل و تفجيرات يومية وطائفته المندائية تعاني يوميا" وابنائها مشردون في كل بقاع العالم .

 

لقد كنا نخطط معا" لكتابة مذكراته عن مسقط رأسه سوق الشيوخ ودفاعه عن الناس الفقراء والمظلومين في الناصرية والبصرة وبغداد وظروف وملابسات أعتقاله في أيران من قبل الأمن الأيراني بعد هروبه من القتلة عقب انقلاب البعث عام 1963 ولكن ليس كل ما يتمناه المرأ يمكن تحقيقه فظروفه الصحية التي كانت تسوء يوميا" حالت دون تحقيق ذلك الهدف وبقيت معه الكثير من الذكريات التي لا يعرفها ويتذكرها الا القليلين ممن عاشروا ابو سلام واستمعوا الى احاديثه الشيقة ، وبدلا" من ان نكتب تلك الذكريات التي يسعفنا بها فقيدنا الراحل ابو سلام كما خططنا أخذنا نبحث عن كلمات مناسبة لكتابة رثاء يليق به ومكانته بدلا" عنها . 

ابو سلام هل يمكن ان نقول وداعا" ؟ 

هل يكفي ان نحافظ على ذكراكم بيننا ؟

هل يكفي ان نتعهد بالسير على خطاكم ؟

هل يكفي ان نكتب عنكم وعن سماتكم ؟

لا اعتقد ذلك لأتك ومن سبقوك باقون معنا وانت باق معنا بأحلامك وتواضعك وطيبة قلبك المتسامح وما قدمت من مثال فهو يليق بأسمك وبالأنسان المناضل ويمنحه البهاء والكمال .

نم مطمئن البال وقرير العين يا عزيزنا أبا سلام .

فأنت معنا حيا" دائما" وأبدا"

 

كندا 

30 / 4 / 2007

 

 

 

سيُخلدك الجميع يا طالب بدر 

 

من تلك البقعة الطيبة التي عليها تربيت ونشأت ، ومن ذلك النبع الصافي الذي أرتويت منه وفاض حباً وحناناً ونخوة وعلماً للناس ، من كل ذلك ، عرفتك جموع الأقربين والأبعدين منك يا طالب بدر . كل جموع الأرياف والمدن وقاعات المحاكم و دهاليزها وفنون المرافعات والقوانين التي بها مررت وناصرت فيها المظلومين والمعدمين ومنحت الكثير منهم نسمة الحياة ليعيشوا ويعودوا الى عائلاتهم ، دون مقابل يذكر ! كل جموع المندائيين ، شيوخهم ونساءهم ورجالهم عرفوك إبنـــاً باراً تفيض شهامة وعلماً ونخوة لكل من يطلبها 

كل هؤلاء يا طالب بدر ، وكل جموع الفلاحين الذين أنتفضوا وثاروا في أرياف سوق الشيوخ وغيرها وأشعلت فيهم روح الحماسة والتمرد على كل ما هو ظالم وغير عادل وأنت لم تزل طالباً تنشد الحقوق علماً و دراسة 

كل التأريخ الطويل الممتد في عذابات العراق المحكوم بالسلاطين المجانين والجلادين و زوار الليل و قساة القلوب وأصحاب الضمائر الملوثة ، كل هذا التأريخ شاهد على رحلة عمرك الطويل التي أنهتها عذابات الغربة بهذا الشكل القاسي والمؤلم 

تقف الصور التي جمعتني بك أيها الخال العزيز أمام عيوني ! أتصفحها جيداً الواحدة تلو الأخرى وأسكب دمعة تلو الأخرى ، لأنكم أنتم الذين ترحلون عنا وبهذا التأريخ المجيد ، لن يأتي بعدكم من يحفظ له الأجيال كل هذه المآثر الخالدة التي تحدث عنها الأصدقاء والأعداء معاً 

سيكتب عنك لاحقاً جميع من عرفك أيها الخال العزيز ، وهذه أمانة المخلصين والأوفياء 

سيزيدنا فراقك آلاماً كبيرة لما نحن فيه من عذابات يومية ، لكننا سننتصرحتماً لما ربيتنا و تربينا عليه

وداعاً أبو مشتاق .. وداعاً أبو ســـــلام .. وداعاً يا نبع الوطن 

 

ولدك 

عبد الجبار شامي السعودي

 

 

رجل رافقته في باغ مهران و فقدته في تورنتو

 

اليوم هو عيد الشغيلة العالمي، و منهم عمال عراق البلاوي 

الذين أكلتهم المصالح، ولم يبق لهم إلا الذكريات الجميلة، الممزوجة بالعرق و الكفاح.

احتفلت في بغداد بعد تهجيري من سامراء عنوة، مع أصدقائي و معارفي بهذه المناسبة لأول مرة عام 1959.

و كان احتفالا مشهودا. و بعد أن انفضت تظاهرة الاحتفال، عند وزارة الدفاع في باب المعظم.

عدنا إلى مناطق سكنانا في كرادة مريم و (الشاكرية)، عن طريق جسر الشهداء.

و بينما نحن نقترب من نهاية الجسر في جانب الكرخ، خرجت علينا عصابات مسلحة من (صائعي ) الفحامة و الجعيفر و التكارتة، و أكثرهم معروفون لي بحكم دراستي في ثانوية التفيض المسائية فرع الكرخ.

وقد لمحت من بينهم أزعر، أصفر متهور. و( الذي سيكون له شأن في عراق المظالم) *. يحمل بيده مسدسا و يطلق النار صوبنا. مما دفعنا أن نلقي بأنفسنا من الجسر إلى الشاطئ، فوق أكداس من كراسي السعف و الخشب، العائد لمقهى الشواكة (قهوة حسن).و المرصوف على جدار الجسر. فنال منا ما نال من جروح و كدم و رضوض. ولكنه كان المعين لإنقاذنا من الموت المحتوم. 

لقد اختبأنا تحت هذه الأكداس. حيث سيطر الأشقياء على الجسر, و صاروا يطلقون الرصاص على الجهة المقابلة لهم من منطقة الشواكة. التي احتمت بها جماهير المحتفلين و ساعدهم السكان في الدفاع عن أنفسهم.

و بعد وقت ليس بالقصير ما بين الكر و الفر. جاءت مجموعة من الانضباط العسكري بالمدرعات و سيطرت على الموقف. عندها خرجنا من تحت هذه السواتر بعمر جديد. امتداده هذه ال 48 عام.

منذ ذلك اليوم و حتى هذا الصباح حيث تصفحت إحدى مواقع الانترنت لأرى عنوان يقول: " بشميهون ادهيي ربي" لم افهم شيئا، حتى قرأت ما تحت هذه الجملة الغير مسبوقة لي، إلا كلمة (ربي)، فسبحان الله الخالق الموحد الخالد.

" ينعى مندائيو كندا المرحوم الأستاذ طالب بدر المحامي، الذي وافاه الأجل في تورنتو كندا يوم الأحد الماضي".

لفت براسي، الذي أضناه الزمن( إلا من ذاكرة احمد الله عليها ليل نهار) و دارت أحداث هي في طي الكتمان الثمين. فتجلت صورة المرحوم الأستاذ طالب بدر، و هو يمارس معنا رياضة السير وسط ساحة سجن "باغ مهران" في شمرانات ضواحي طهران من شتاء 1963. بتلك الهمة الشبابية و الحركة الخفيفة السريعة المعهودة له، مقرونة بحديثه المكثف بسرعة حركته، ليجارينا نحن الأصغر منه سنا. و ليستفد الجميع من فترة "الهواء خوري": شم الهواء. الممنوحة لنا مرة كل أسبوعين لمدة نصف ساعة. نخرج من ذلك السجن الذي لا يعرفه إلا رجال السافاك الإيراني أول نشأته. نتسابق مع الزمن حتى يعيدوننا إلى غرف الزمهرير الطهراني للسجن اللعين. 

كنا في قاعة كبيرة تظم النخبة الخيرة من أبناء العراق، و من مدنه و أطيافه كافة.

حتى أني لم اعرف أن المرحوم ينتمي إلى الطائفة المندائية إلا اليوم. رغم ما لي من الأصدقاء و المعارف المندائيين الكثير و الكثير.

هكذا كان العراقيون يعتبرون السؤال عن الطائفة و القومية و المذهب شيء ليس ذو أهمية. 

لان همومهم و طموحاتهم كانت أسمى من هذا التهاتر الذي نراه اليوم عند المغرضين و البهاليل في عراق البلاوي.

كانت هذه القاعة التي تضمنا، جامعة مفتوحة رغم انغلاق السجن. أين منها جامعات اليوم. 

ففيها الخبراء ، كل في ميدانه، من الأدباء و الشعراء و المحامين و المدرسين و الصحفيين و ضباط الجيش و الطلبة. 

منهم لا على سبيل الحصر، الشاعر الكبير أطال الله عمره "مظفر النواب". الأديب و المناضل الوطني "صاحب الحميري". المحامي البصري "محمد صالح حمدان" و غيرهم من أمثال الضابط الألمع "عريبي فرحان"، و هو مندائي بالمناسبة. و كانت لهذه الأسماء السمعة الطيبة و المحترمة عند الناس. 

قاعتنا الجامعة لمثل هذه الصفوة، تعقد كل أمسية ندوة. توازي اكبر المهرجانات.

يأخذ الفن و الأدب مكان الصدارة. كل يدلو بما يجيد و النقاد كثر.

كان وسطنا احد الطيبين من أبناء البصرة .خفيف الظل طيب القلب "سلمان النجار" رئيس نقابة النجارين بالبصرة. و كان على علاقة صداقة حميمة مع المرحوم طالب بدر. 

و في إحدى الأمسيات. نضب ما بأيدينا من جديد نتجاذبه، فصار الحديث معادا. 

فانبرى سلمان للموقف ينقذه.

قائلا إن لي مشاركة الليلة. فصاح الجميع مرحبا، و أكثرهم ترحيبا كان الأستاذ المرحوم طالب بدر.

نظرا لعلاقة الشخصين. فبدا سلمان يلقي قصيدة من الشعر الشعبي الذي لم نتوقعه منه. و كانت قصيدة ظريفة ، تنبع كلماتها من صفاء سريرة سلمان. لا يزال بيت منها عالق في مخيلتي يقول:

مظلوم يا طالب بدر بالليل عبروك بجدر

و لهذا حكاية تتعلق بمجازفة المرحوم للعبور إلى الضفة الشرقية من شط العرب.

فلم يجد هو ومن ساعده على الإفلات من إرهاب الحرس القومي، سوى وسيلة توصلوا لها.

فقد استعاروا من إحدى الحسينيات بالمنطقة قدرا كبيرا "قزان- صفرية". ووضعوا فيه الأستاذ، و قد كان خفيف الوزن و الحمد لله. و دفعوا القدر و من فيه يجذف بيديه. و وابل الرصاص من الحرس على الشاطئ الغربي للنهر في أعقابه.

فقد اكتشف أمره و هو في منتصف النهر، حيث خط الحدود العراقية الإيرانية. و بقدرة قادر تمكن الرجل من الإفلات. والوصول سالما.

عاش معنا تلك المحنة الكبيرة. حتى سلمتنا حكومة الشاه الإيراني إلى السلطة في العراق .في أواخر ديسمبر 1963.و يومها عرفت هذه الحادثة "بقضية تبادل ال 121 مناضل عراقي . مقابل 54 مناضل إيراني " كانوا في سجون العراق من بقايا الذين ارتبطوا " بمصدق " رئيس وزراء إيران المشهور بتأميم البترول.

استلمتنا الإدارة العراقية بالبصرة و وضعتنا بمركز شرطة العشار لينظر بأمرنا. 

افترقنا و المرحوم من يومه.

سنين ثقيلة مليئة بالأحداث الجسام. مرت و تمر على هذا الوطن المعطاء. الذي ضيع الجهلة من أبنائه كنوزا من الرجال قل نظير معادنهم الثمينة. 

ارفع آيات جليلة من العزاء و الأسى لعائلة المرحوم، و أقاربه و أصدقائه، و لكل من عرفنا في هذه الحوزة القصيرة من المكان و الزمان.

 

*صدام حسين

 

الدخول للتعليق