• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الأحد, 14 نيسان/أبريل 2013

الشيخ دخيل عيدان

  موسى الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

اصرار على قيام تعاون بين الديانات العراقية للحفاظ على القيم الدينية والاخلاقية

ونحن نجلس فوق هذا الركام الكثيف الذي يلفنا في ارضنا العراقية الابية الصامدة، ويحيطنا من جميع الاطراف، ركام ارواح ابنائنا وبناتنا، نجلس كي نحصي الخسائر المتتالية التي يحصدها القتل الهمجي، لكننا لا ننسى اعلامنا البارزة الذين علمونا ابجدية الحوار مع الاخر، ومحبة الوطن، وضرورة الحوار والتعاون بين الديانات الشريكة بالوطن الواحد للحفاظ على القيم الدينية والاخلاقية في المجتمع العراقي . فان اغتال القتلة احد ابنائنا، فهم غير قادرين على اغتيال ذكرى الرجال والنساء التي زرعوا القوة والصبر والشجاعة في نفوسنا جميعا، وان كتبنا كلمات في وداع الراحلين عنا، الا اننا سنفتح وللابد كلماتنا بذكرى الطيبين، فليس الكره وحده هو من يعلمنا الانتظار الى الغد بل ومحبة المعلمين الاوائل الذين سعوا الى ظفرنا المندائي المجيد.

ااحد ابرز اعلامنا المندائية من الذين كانوا سباقين في نشر التنوير الديني المندائي العريق، انه احدى واجهات تاريخنا المندائي المعاصر، الشيخ الفاضل الجليل دخيل عيدان الذي علمنا حب الوطن ومفهوم الانتماء المعاصر لديننا ولغتنا وطقوسنا واصولنا وثقافتنا المندائية وكيفية اعطائها المقومات الوجودية الدائمة.

ونحن اذ نقدم هذا الشيخ المندائي الجليل لقرائنا، نرجو ان يكون مفتاحا ييسر لهم الدخول في باب المندائية الواسع، ودليلا يهدي خطا الجميع. ونطمح ان يكون اختيارنا لواحد من اهم اعلامنا المندائية الدينية في تاريخ المندائية المعاصر، ليس للمتخصص بدراسة تاريخنا المندائي، لان مثل هذا يتطلب الدراسة المتفحصة لفكر الرجل ومقولاته وتفسيراته وتعليقاته، اي ما هو متراكم منذ عشرات السنين، ما هو حاضر او غائب ومحجوب ومطمور ومغمور عن انظارنا تحت طبقات النسيان والاهمال، بل كمرجع لكل ما قدم الينا شفاهيا يتمثل في خدمات جلى لابناء الطائفة اعاد لهم وجههم الحقيقي من خلال سلوك ومواقف متجانسة دينيا ودنيويا.

نضع بين يدي القاري اطلالة صغيرة تعريفية نأمل من خلالها من ابنائه ورفاقه وجامعي وثائقة في المساعدة على حفظ تراث هذا الرجل المندائي الفذ في بعض خطوطه من اجل استخلاص الكثير الذي يساعدنا على تكوين رؤية معينة قادرين على استخلاصها في كتاب كامل يتحمل اتحادنا تكاليف طباعته وتوزيعه لرجل كرس جل وقته لدراسة الدين، وكانت من اسمى غاياته واهدافه، التي اطلق عليها الثوابت، القيام بتعاون جميع الديانات العراقية للحفاظ على القيم الاخلاقية في المجتمع العراقي.

من الصعوبة في حال ذكر الشيخ دخيل عيدان، بوجه خاص كاحد ابرز الاعلام المندائية في عالمنا المعاصر، ان نجرد طريقة بما يتصل بالرجل ومواقفه وتصوراته وقناعاته وفلسفته، فقد مضت سنوات طويلة على وفاة هذه الشخصية المرموقة التي امتلات بالاعمال والنشاطات الدينية والاجتماعية والاتصالات واللقاءات مع الشخصيات السياسية التي قادت بلادنا في فترات متباعدة مامتدت من ايام الانتداب العثماني مرورا بالحكم الملكي وانتهاءا بالحكم الجمهوري، حيث تعززت علاقاته مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، اضافة الى المراكز المهمة الدينية والسياسية والثقافية، من اجل اعلاء شأن مكانة الدين المندائي والارتقاء بسمعة الطائفة والدفاع عنها.

ان اهم ما اسداه هذا الكنزفرا الجليل بما حمله من غزارة فكرية وايمان متبحر للمندائية بطقوسها ولغتها وفلسفتها وتاريخها ومعتقداتها ، روحانية الصابئي الملتزم بالحوار من اجل روحانية منفتحة، النزعة المسكونية لاهل الكتاب، الله الكبير، الله المحبة والتسامح.

ينحدر الشيخ دخيل عيدان من عائلة مندائية عريقة في تاريخها الديني والاجتماعي، يمتد عبر سلسلة من رجال الدين تقدر بثمانية عشر رجل دين( شيخ). ولد بتاريخ 14/4/1881 في مدينة العمارة، وتوفي يوم 24/6/1964 عن عمر يناهز 83 عاما. وقد اوصى ان يدفن في باحة داره الكائنة في بغداد/ الدورة/ المهدي/ وقد اصبح مزارا يؤمه ابناء الطائفة من كل مكان قاصدين ضريحه الذي يضم رفاته الطاهر.

لقد نشأ وترعرع في كنف عائلة محافظة تسودها القيم والتقاليد الدينية التي توارثها عبر الاجيال فكان لهذا اثر كبير في بناء شخصيته وتكوين قيمه الاخلاقية والروحية، تلك القيم والاخلاق التي تمسك بها اباؤه واجداده محافظين على نقائها وبقائها جيلا بعد جيل. درس مفاهيم ومبادىء الدين المندائي واللغة المندائية على يد عمه الشيخ محيي، وكذلك الشيخ جودة والشيخ ساموك عام 1892. فقد تعلم اللغة المندائية والم بها وفهمها فهما جيدا وغاص في بحورها الواسعة، ولم يتجاوز عمره احدى عشر عاما، واستمر بدراسته الدينية على يد الشيخ سام حتى عام 1898. قتل والده الشيخ عيدان اثناء ذهابه الى تادية طقوسه الدينية بمناسبة عيد البنجة عام 1893 وكان عمر الشيخ دخيل اثنتي عشر سنة. كان منذ طفولته على درجة كبيرة من الذكاء والفطنة، كما كان ذا مقدرة واسعة على تعلم واستيعاب لغات اخرى وعلى راسها اللغة المندائية ودراسة كل ما يتصل بالديانة، فقد تعلم اللغة العربية الفصحى ذاتيا بدون ان يدخل ( الملا) او المدرسة، واستمر يدرس ويبحث في اللغة واصول الدين وفهم الطقوس والشعائر والعمل على ادائها على احسن وجه وبكل دقة وبصورة صحيحة. لقد كان خطه المندائي جميلا ساعده في استنساخ الكتب الدينية( بيت كنزي) كما حفظ عن ظهر قلب الكتاب المقدس( كنزاربا) وعددا من الكتب الدينية الاخرى. لقد اصبح مؤهلا لنيل درجة الترميذا عام 1904 وكان عمره 23 عاما في مدينة الناصرية وكسب وهو في بداية شبابه شهرة واسعة لما قدمه من خدمات كثيرة. لقد كان مؤمنا شديد الايمان بدينه محبا صادقا وفيا فتح قلبه وذراعيه لاحتضان ابناء الطائفة وانشغل بمتابعة امورهم والقضايا التي تتعلق بمستقبل ومصير الطائفة، فاخذ على عاتقه لم صفوفها والعمل على تثبيت حقوقها وابراز هويتها في كل المناسبات والمجالات. بعد التقدم الواضح في حياته الدينية وتكريس جل وقته لدراسة الدين واداء الطقوس بكل جدارة نال درجة( كنزفرا) بكفاءة عالية ومقدرة فائقة فاحتل بذلك موقعا دينيا واجتماعيا يليق به واضحى صاحب سمعة طيبة واسعة عمت جميع افراد الطائفة في كل مكان وكذلك بين رجال الدين آنذاك. اتصف بالحكمة والمعرفة والامانة والصدق والشجاعة والكرم وعمق الايمان وقوته. وكان عادلا مخلصا لمبادئه السامية، هدفه الاسمى هو الدفاع عن الطائفة والمحافظة على سمعتها وسمعة ابنائها. كان يشارك المندائيين في افراحهم واحزانهم ويحمل عبء همومهم ساهرا من اجل حل قضاياهم، يزورهم متفقدا فردا فردا في كل مكان يضمهم وكان يلبي كل مطاليبهم الشخصية والدينية دون مقابل، مدافعا عن حقوقهم الدينية والاجتماعية ويقف في وجه كل شخص او جهة مهما كان موقعها تروم المساس بسمعة الطائفة وديانتها او التجاوز عليها. كان له دور متميز وواضح في شرح وايصال المفاهيم والمعتقدات الدينية المندائية الى كثير من رجال الدين والشخصيات من مختلف الاديان والمذاهب، وكذلك الى بعض رجالات الحكم طيلة مسيرته الدينية بدء من الحكم العثماني مرورا بالحكم الوطني وحتى الحكم الجمهوري. في سنة 1917 وبعد ترشيحه من قبل الطائفة المندائية صدرت الموافقة الرسمية على تعينه رئيسا روحانيا لطائفة الصابئة المندائيين في العراق وايران وبتخويل من الحاكم الملكي العام في العراق اللفتنت كولونيل أ. ن. ولسن . بتاريخ 1920 عين معلما لتعليم اللغة المندائية ومبادىء الدين الدين المندائي لابناء الطائفة حتى سنة 1922 من قبل الحاكم العسكري انذاك، واثناء الاحتلال وعند البدء بافتتاح المدارس لتعليم الاولاد لاول مرة في العراق.

بتاريخ 31 اذار عام 1917 اعطى الحاكم العسكري بالمنتفك( الناصرية) امرا بتقديم المساعدة والتسهيلات الممكنة عند الحاجة من قبل كافة المسؤولين في الحكم السياسي الى الشيخ دخيل رئيس الطائفة المندائية في العراق.

في عام 1919 تم تأسيس مجالس بلدية في كل لواء من الوية العراق، وبتاريخ 1920 تم تعيين الشيخ دخيل عضوا في مجلس بلدية الناصرية من قبل الحاكم السياسي في الناصرية.
لقد عاش شيخنا الفاضل تجربة تاريخية متميزة تعايشت فيها اديان متعددة وشعب واحد انطلاقا من مركب غني العناصر يتضمن التجانس والمسار التاريخي المشترك، اضافة الى التداخل الجغرافي، والتواصل الثقافي، حيث ساهمت كل هذه العناصر في ايجاد حياة مشتركة بين المسلمين والمسيحيين والمندائيين والايزيديين واليهود والشبك والكاكائيين والبهائيين وغيرهم من الطوائف الدينية العراقية، تتجاوز الوجود الفيزيقي لافراد يعيشون في اطار نطاق جغرافي واحد، الى مواطنين يشاركون ويتفاعلون في اطار وطن واحد بغية صناعة التطور والمستقبل لكونهم اعضاء في جماعة وطنية واحدة.

لقد رأى ببصيرته المتفتحة بان هذه الجماعات المتعددة تجد في فترات النهوض والتقدم درجة كبيرة من الاندماج والتكامل وفي فترات التخلف والقعود والتدهور مثل التي نعيشها هذه الايام العصيبة، الاحتكاك والصدام. لقد اكد في اكثر من مناسبة بان المواطنة تعني المشاركة والمساواة والحقوق بابعادها واقتسام الموارد، والمواطنة شانها شأن اي عنصر من العناصر المكونة للعملية السياسية في اطار العلاقة بين الحكام والمحكومين، تتأثر ايجابا وسلبا بالمنظومة المجتمعية العامة، وعليه فهو يرى بان المواطنة تعد محددا مهما بالنسبة لموضوع العلاقة المتكافئة بين الديانات العراقية كافة، اي ان المواطنة تعني تجاوز مفهوم الطائفية والملة والذمة، حيث ان الوطن يستوعب كل من سبق، كما تتجاوز المواطنة بما يترتب عليه من نتائج.

تحية لهذا الرجل الخالد الذي نعاهده باننا سنبقى كما اراد ونطالب باسم الاتحاد جميع الاخوة والاخوات في الداخل والخارج بتزويدنا بكل ما يتوفر لديهم من معلومات ووثائق لغرض جمعها وتنسيقها من اجل اصدار كتاب خاص عن الرحلة المجيدة في حياة هذا الرجل التي وصلت درجة احترامنا ومحبتنا حد التقديس.

الدخول للتعليق