• Default
  • Title
  • Date
  • عدي حزام عيال
    المزيد
      الجزء الثاني تزوج جدنا عيّال مرة ثانية من (مالية
  • عبد المنعم الاعسم
    المزيد
    بين عزيز سباهي وبيني سرّ ما يحدث للمندائيين هذه الايام،
  • رشيد الخيون
    المزيد
    يطلعك غضبان رومي في مذكراته، وبتفاصيل دقيقة، على سرعة تطور
الجمعة, 19 نيسان/أبريل 2013

رسالة الى عزيز سباهي

  موسى الخميسي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كنت دائما اؤجل هذه اللحظة للكتابة اليك، الى زمن اشعر انك تعافيت من المرض الذي الم بك مؤخرا، وها انت قد تعافيت بسلام فانت زمن لاينتهي.
انت العراق، مفعم بالحكايات والاساطير والبحث الدؤب عن الابدية، وموئل ندى الحروف والكتابة ومهبط الوعود، ومستوطن الروافد والينابيع والخصوبة، بكل جماليات الحلم الذي تأبطته في قلبك ، وبكل الفواجع والانكسارت التي حملتها روحك الابية .
نجحت من جديد وان كنت انت النجاح بماضيك وحاضرك ومستقبلك، ولانك صاحب الكلام لاتملك سلاحا غير الكلمة لتواجه بها المرض والحزن والانكسار، فانت تظل انسانا يحب الحياة، ويفتنه شغف العيش ككل شخص يعرف للكلمة معنى غير اللغو الذي يطالعنا به كل الباردين على هذه الارض.
حينما اصابك المرض في الاونة الاخيرة، وخرجت منه معافى،انتبهنا جميعا الى ان من علائم تضامننا وشهامتنا، ان لاتنتكب وتستوحد وانت الرجل المناضل القدير ، في تاريخنا جميعا، الذي اصبح رمزنا ، بدون ان يلغي هذا مسؤولية على عاتق مجتمع ودولة لم تبحث عنك.
انت موطن الحلم والخيال وشاهد صرخاتنا الاولى ومحتضن طفولتنا وتلك البراءات الاولية التي لم نزل نحاكيها ونستنطقها باشعارنا وفنوننا وكتاباتنا ونلجأ اليها كلما هالنا داء الحنين واغلق الحنان نوافذه وابوابه وفجواته بوجوهنا عندما نكابد مرارات الغربة .
من هنا اجدني محملا بحلم مندائي قديم وبرهبة المتخيل اود اكتشافه مرات ومرات كلما اتذكرك وكانك دجلة بضفتيه ، وكانك ذاكرة شعب نتداول اخبارها ونعيش عاداتها وطقوسها.
انت ابن سباهي الشاعر، صاحب الحكمة، والرأي السديد الذي كنا في بيتنا المطل على نهر دجلة نحلف باسمه ونحن اطفال صغار.
نروح طيلة النهار وسحابة اليوم نفهرس النيات ونتأمل النخل في تنويعاته الوافرة ونملي تشكيلات الماء والغرين وتدرجات الظلام والنور.
انت الوديع الهاديء ، الطافح بنفسه من اجل الاخرين، وتلك خصال لاتنشأ من اهواء النفس وحدها بل تنشأ من رحم ثقافة وتاريخ، وقد مثلت بحق ثقافة الرفض والاحتجاج ولا زلت سائرا بها الى يومنا هذا ، ورفعت صوتك عاليا، محتجا، لكل ما يمت للتخلف والجهل.
انك حفيد التقدمية وابن عصر يسير بين الوعود والصواعق والاحلام الطيبة لكل الناس، واذ كان كثيرون تزعزعوا في نصف الطريق فانك زدت شيئا بمواصلتك الامينة بقدر ما كانت كل الحروب التي عايشتها تخسف باحلامنا جميعا.
انت الحالم الذي لم يتخطى بعد ثوريته، كنت ماكنة فكر وماكنة انتاج متواصلة، وكنت ورشة وطاحونة تأكل وتتآكل، الا انها تعطي ما تحتاجه الارواح من امل.
صحفي وباحث ومؤرخ وفنان، وقبل كل هذا وذاك شجرة عامرة نتفيأ بظل نقاء فكرها واصالتها .
لاتزال الى يومنا هذا تشكل وعدا حقيقيا لكل احلامنا الاولى.
افترست حياتك، منذ ايام الوعي الاول، الافلاس والمطاردة، وظلت مسيرتك لاتتعب ولا يتعب من حولك من اشاراتك الهادئة لمواطن الخلل ، فكنت واحد من مربينا الكبار.
هل لنا ان ننصفك وانت الميمون النقيبة، مبارك النفس، شريف السجايا ، ممدوح الخصال .
نحن من جيل لم يترك لهم العالم بقية من عدل او انتباه.الا اننا نود ان نهمس لك ، بان في قلوبنا محبة كبيرة لمواقفك الشجاعة الناصعة ، ما يخلد اسمك عاليا وابدا.
تظل مرتبطا في ابداعك بالمخيلة التي لاتحدها حدود، ما دمت تناهض كليا المواقف والافكار التي تؤطر وتحدد الحرية.
بقيت ولا تزال منشغل بالتطهر، تغسل نفسك بالتاريخ، مثلما يغسلها بالحاضر، وهذا التطهر بك هو شرفك الذي هو شرفنا جميعا ،وقفت به امام الجميع قادة وعمالا وكادحين وخونة وطغاة، في الحياة اليومية وداخل اقبية السجون، ولم توظف نفسك لدى الحياة ولم تقبل معطياتها الزائفة. فبقيت ابيا.
يا ابا سعد.. انت شاهد امين على التاريخ من خلال تجارب كثيرة خضتها وعجنتها عيانا ومعايشة، انت اكثر الناس حساسية وتوجسا للمصائب التي حلت على الرؤوس العراقية منذ العهد الملكي مرورا بالجمهوري الى الديكتاتوري، وحتى زمن الاحتلال ، حيث ينهمر شلال الدم العراقي غزيرا ليشق الوطن الاعزل، والشعب الاعزل، والذي تزدحم به مواكب الجنازات .
انت الرجل الامتن جسورا مع اماني شعبه، والاوثق صلة بالمستقبل الذي نحلم به جميعا وندافع عن حريته من اجل الحياة، لا من اجل الموت والعتمة، فقد علمتنا بان الحرية هي الحياة، ولايمكن لاحد ان يخنق قاماتنا في الصمت والموت والقمع والقتل. علمتنا بان الدفاع عن الحرية هو دفاع عن وجودنا، عن التراب والهواء والبشر والحجر، وعن الجلد والفضاء، عن العيون الممتلئة بالدموع والاحلام والدم، عن الحرية التي يسكنها امان الحرية وقلقها.
فاحببناك، واعتبرناك رمزا لنا جميعا.

الدخول للتعليق